ج25 - أركان الطلاق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وعترته الطاهرين ، وسلام على المرسلين وعلى عباده الصالحين.

كتاب الطلاق

ولهم فيه تعريفات قد أردفت بإيرادات ليس في التعرض لذكرها مزيد فائدة بعد ظهور المعنى لكل من خاض الفن ومارس الأخبار وكلام علمائنا الأبرار.

مقدمة:

قد تكاثرت الأخبار وبه صرح جملة من علمائنا الأبرار ، بكراهة الطلاق مع التئام الأخلاق.

فروى في الكافي (1) عن سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجل فقال : ما فعلت امرأتك؟ فقال : طلقتها يا رسول الله ، قال : من غير سوء؟ قال : من غير سوء. ثم إن الرجل تزوج فمر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : تزوجت؟ فقال : نعم. ثم مر به فقال له بعد ذلك : ما فعلت امرأتك؟ قال : طلقتها قال : من غير سوء؟ قال : من غير سوء. ثم إن الرجل تزوج فمر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 54 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 267 ب 1 ح 6 وفيهما اختلاف يسير.


تزوجت؟ فقال : نعم ، ثم قال له بعد ذلك : ما فعلت امرأتك؟ قال : طلقتها ، قال : من غير سوء؟ قال : من غير سوء. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله عزوجل يبغض أو يلعن كل ذواق من الرجال ، وكل ذواقة من النساء».

وما رواه فيه (1) أيضا عن ابن أبي عمير في الصحيح أو الحسن عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما من شي‌ء مما أحله الله عزوجل أبغض إليه من الطلاق ، وأن الله يبغض المطلاق الذواق».

وعن أبي خديجة (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن الله عزوجل يحب البيت الذي فيه العرس ، وما من شي‌ء أبغض إلى الله عزوجل من الطلاق».

وعن طلحة بن زيد (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعت أبي عليه‌السلام يقول : إن الله عزوجل يبغض كل مطلاق ذواق».

وبإسناده (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «بلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أبا أيوب يريد أن يطلق امرأته ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن طلاق أم أيوب لحوب». أقول : يعني بالحوب الإثم.

وعن صفوان بن مهران (5) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تزوجوا وزوجوا ـ إلى أن قال : ـ وما من شي‌ء أحب إلى الله عزوجل من بيت يعمر بالنكاح ، وما من شي‌ء أبغض إلى الله عزوجل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة ، يعني الطلاق».

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 54 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 267 ب 1 ح 5.

(2) الكافي ج 6 ص 54 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 267 ب 1 ح 2 وفيهما «ويبغض البيت الذي فيه الطلاق».

(3) الكافي ج 6 ص 55 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 267 ب 1 ح 2.

(4) الكافي ج 6 ص 55 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 267 ب 1 ح 4.

(5) الكافي ج 5 ص 328 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 266 ب 1 ح 1.


وروى الفضل الطبرسي في مكارم الأخلاق (1) قال : «قال عليه‌السلام : تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش. قال : وقال عليه‌السلام : تزوجوا ولا تطلقوا فإن الله لا يحب الذواقين والذواقات».

أقول : وإنما حملنا هذه الاخبار مع إطلاقها على التئام الأخلاق ، لورود أخبار أخر في مقابلتها دالة على الأمر بالطلاق مع عدم التئام الأخلاق.

ومنها ما رواه في الكافي (2) عن عثمان بن عيسى عن رجل عن أبي جعفر عليه‌السلام «أنه كانت عنده امرأة تعجبه ، وكان لها محبا ، فأصبح يوما وقد طلقها ، واغتم لذلك ، فقال له بعض مواليه : جعلت فداك لم طلقتها؟ فقال : إني ذكرت عليا عليه‌السلام فتنقصته فكرهت أن ألصق جمرة من جمر جهنم بجلدي».

وعن خطاب بن سلمة (مسلمة خ ل) (3) قال : «كانت عندي امرأة تصف هذا الأمر ، وكان أبوها كذلك ، وكانت سيئة الخلق فكنت أكره طلاقها لمعرفتي بإيمانها وإيمان أبيها ، فلقيت أبا الحسن موسى عليه‌السلام وأنا أريد أن أسأله عن طلاقها ـ إلى أن قال : ـ فابتدأني فقال : يا خطاب كان أبي زوجني ابنة عم لي وكانت سيئة الخلق ، وكان أبي ربما أغلق علي وعليها الباب رجاء أن ألقاها ، فأتسلق الحائط وأهرب منها ، فلما مات أبي طلقتها ، فقلت : الله أكبر أجابني والله عن حاجتي من غير مسألة».

وعن خطاب بن مسلمة (4) قال : «دخلت عليه ـ يعني أبا الحسن موسى عليه‌السلام وأنا أريد أن أشكو إليه ما ألقى من امرأتي من سوء خلقها ، فابتدأني فقال : إن أبي كان زوجني مرة امرأة سيئة الخلق فشكوت ذلك إليه فقال : ما يمنعك من فراقها ، قد جعل الله ذلك إليك ، فقلت فيما بيني وبين نفسي : قد فرجت عني».

__________________

(1) مكارم الأخلاق ص 197 ط الاعلمى بيروت ، الوسائل ج 15 ص 268 ب 1 ح 7 و 8.

(2 و 3 و 4) الكافي ج 6 ص 55 ح 1 و 2 و 3، الوسائل ج 15 ص 269 ب 3 ح 1 و 2 و 3.


بقي هنا إشكال وهو أنه قد تكاثرت الأخبار بأن الحسن عليه‌السلام كان رجلا مطلقا للنساء حتى عطب به أبوه علي عليه‌السلام على ظهر المنبر.

ومن الأخبار في ذلك ما رواه في الكافي (1) عن عبد الله بن سنان في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن عليا عليه‌السلام قال وهو على المنبر : لا تزوجوا الحسن ، فإنه رجل مطلاق ، فقام إليه رجل من همدان فقال : بلى والله أزوجه ، وهو ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن أمير المؤمنين عليه‌السلام فإن شاء أمسك وإن شاء طلق».

وعن يحيى بن أبي العلاء (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن الحسن بن علي عليهما‌السلام طلق خمسين امرأة فقام علي عليه‌السلام بالكوفة فقال : يا معاشر أهل الكوفة لا تنكحوا الحسن عليه‌السلام فإنه رجل مطلاق ، فقام إليه رجل فقال : بلى والله أنكحته إنه ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن فاطمة عليها‌السلام فإن أعجبته أمسك ، وإن كره طلق».

وروى البرقي في كتاب المحاسن (3) عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : «أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : جئتك مستشيرا إن الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر خطبوا إلى فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : المستشار مؤتمن ، أما الحسن فإنه مطلاق للنساء ، ولكن زوجها الحسين فإنه خير لابنتك».

وربما حمل بعضهم هذه الأخبار على ما تقدم في سابقها من سوء خلق في أولئك النساء أو نحوه مما يوجب أولوية الطلاق ، ولا يخفى بعده ، لأنه لو كان كذلك لكان عذرا شرعيا ، فكيف ينهى أمير المؤمنين عليه‌السلام عن تزويجه والحال كذلك. وبالجملة فالمقام محل أشكال ، ولا يحضرني الآن الجواب عنه ، وحبس القلم عن ذلك أولى بالأدب.

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 56 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 271 ب 4 ح 1.

(2) الكافي ج 6 ص 56 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 268 ب 2 ح 2 وفيهما «لننكحنه فإنه».

(3) المحاسن ص 601 ح 20 ، الوسائل ج 15 ص 268 ب 2 ح 1.


والكلام في هذا الكتاب في أركان الطلاق وأقسامه ولواحقه ، فهنا مقاصد ثلاثة :

الأول : في الأركان

وهي أربعة : الأول : المطلق ويعتبر فيه شروطا أربعة أحدها البلوغ والكلام فيه يقع في موضعين :

الأول : لا خلاف بين الأصحاب في عدم صحة طلاق من لم يبلغ عشرا وإن كان مميزا ، كما لا خلاف في صحة طلاق من كان بالغا ، وإنما الخلاف فيمن بلغ عشرا وهو مميز ، فذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة وغيرهم إلى صحة طلاقه ، وذهب ابن إدريس إلى العدم وهو المشهور بين المتأخرين ، وقال علي بن بابويه في رسالته : والغلام إذا طلق للسنة فطلاقه جائز ، وظاهره عدم التقييد بالعشر ولا بالتمييز.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين».

وما رواه في الكافي والفقيه (2) عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن طلاق الغلام ولم يحتلم وصدقته ، قال : إذا هو طلق للسنة ووضع الصدقة في موضعها وحقها فلا بأس وهو جائز».

وما رواه في الكافي (3) في الموثق عن ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 124 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 324 ب 32 ح 2.

(2) الكافي ج 6 ص 124 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 325 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 76 ح 174 ، الوسائل ج 15 ص 325 ب 32 ح 7.

(3) الكافي ج 6 ص 124 ح 4 وفيه «لا يجوز» ، التهذيب ج 8 ص 76 ح 176 ، الوسائل ج 15 ص 325 ب 32 ح 5.


يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل ووصيته وصدقته وإن لم يحتلم».

وما رواه الشيخ (1) بطريقه عن علي بن الحسن بن علي بن فضال عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته وإن لم يحتلم».

وما رواه في الكافي (2) عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه أو الصبي أو مبرسم (3) أو مجنون أو مكره».

وعن أبي الصباح الكناني (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس طلاق الصبي بشي‌ء».

وعن أبي بصير (5) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يجوز طلاق الصبي ولا السكران».

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (6) «والغلام إذا طلق للسنة فطلاقه جائز».

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد (7) عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : «لا يجوز طلاق الغلام حتى يحتلم».

__________________

(1) التهذيب ج 9 ص 182 ح 8 ، الوسائل ج 13 ص 321 ب 15 ح 2 وفيه «جميل ابن دراج عن أحدهما».

(2) الكافي ج 6 ص 126 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 324 ب 32 ح 3.

(3) البرسام : هو التهاب في الحجاب الذي بين الكبد والقلب.

(4) الكافي ج 6 ص 124 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 76 ح 175 ، الوسائل ج 15 ص 324 ب 32 ح 1.

(5) الكافي ج 6 ص 124 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 324 ب 32 ح 4.

(6) فقه الرضا ص 243 ، مستدرك الوسائل ج 3 ص 8 ب 24 ح 3.

(7) قرب الاسناد ص 50 ، الوسائل ج 15 ص 325 ب 32 ح 8.


أقول : هذه جملة ما حضرني من الأخبار في المسألة ، وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك نقل متن مرسلة ابن أبي عمير عن ابن بكير ، ونقل ذلك عن ابن أبي عمير أيضا قال في الكتاب المذكور ـ بعد قول المصنف : وفي من بلغ عشرا عاقلا فطلق للسنة رواية بالجواز فيها ضعف ـ ما صورته : الرواية التي أشار إليها رواها ابن فضال عن ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين». وضعفها بالرجلين المذكورين فإنهما فطحيان ، ومع ذلك عمل بمضمونها الشيخان وجماعة من المتقدمين ، وقد روى في معناها ابن أبي عمير في الحسن مرسلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين». وروى ابن بكير جواز طلاقه غير مقيد بالعشر أيضا عنه عليه‌السلام قال : «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل ووصيته وصدقته وإن لم يحتلم». انتهى.

أقول : ما ذكره من رواية ابن بكير الاولى وهم نشأ من الشيخ في التهذيب تبعه عليه من لم يتأمل المقام مثل شيخنا المذكور ، ومثله صاحب الوسائل ، وقد نبه على ما ذكرناه السيد السند ـ رحمة الله عليه ـ في شرح النافع حيث قال بعد نقل مرسلة ابن أبي عمير كما نقلناه : وقد جعل الشيخ في التهذيب هذه الرواية رواية ابن بكير ، وهو غير جيد ، فإن رواية ابن بكير رواه الكليني متقدمة على هذه الرواية بغير فصل ، وكأن نظر الشيخ سبق من سند رواية ابن بكير إلى متن رواية ابن أبي عمير ، وقد وقع نحو ذلك في عدة مواضع من التهذيب فينبغي التنبيه عليه.

انتهى ، وهو جيد لما قدمناه في مواضع عديدة سيما في كتب العبادات من ذكر ما وقع للشيخ من أمثال ذلك في متون الأخبار وأسانيدها ، وقل ما يخلو خبر من نحو ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن غاية ما تعلق به السيد السند في شرح النافع ـ دليلا لما اختاره من القول المشهور بين المتأخرين ـ هو تمسك بمقتضى الأصل فيما لم يقم دليل على خلافه ، ورواية أبي الصباح الكناني ورواية أبي بصير


المتقدمين ، ثم أجاب عن مرسلة ابن أبي عمير بضعف الإسناد بالإرسال ، ولم ينقل غيرها من الأخبار الدالة على مذهب الشيخ ومن تبعه.

وأنت خبير بما فيه أما (أولا) فلأن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل كما سنوضحه إن شاء الله تعالى. وأما (ثانيا) فإن الطعن في مرسلة ابن أبي عمير مع كونه خلاف قواعدهم وما صرحوا به من عدهم مرسلاته في حكم المسانيد ، فهو وارد عليه في استدلاله بروايتي الكناني وأبي بصير.

والتحقيق أنه بالنظر إلى الأخبار فإن قوة قول الشيخ مما لا يداخله الإنكار بعد ضم الأخبار المذكورة بعضها إلى بعض بحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها ، فيحمل الصبي في رواية الكناني وأبي بصير ونحوهما مما دل على عموم عدم جواز طلاقه على من لم يبلغ العشر أو من بلغ ، ولكن لا يعقل ذلك ، وما دل على جواز طلاقه مطلقا كموثقات محمد بن مسلم وسماعة وابن بكير ونحوها على من بلغ عشرا ، وكان يعقل ذلك ، وبه يجتمع الأخبار على وجه واضح المنار ، ويظهر قوة قول الشيخين وأتباعهما وهو ظاهر الصدوق في الفقيه لاقتصاره على نقل موثقة سماعة الدالة على هذا القول ، وهو صريح عبارة أبيه في الرسالة كما عرفت ، والظاهر أنه المشهور بين المتقدمين.

وقال السيد السند في شرح النافع ـ بعد نقله عبارة الشيخ علي بن الحسين بن بابويه المذكورة ـ ما لفظه : وربما كان مستنده في هذا الإطلاق ما رواه ولده في الفقيه عن زرعة عن سماعة ـ ثم نقل الرواية حسبما قدمناه ، ثم قال : ـ وهذه الرواية ضعيفة بالإضمار ، واشتمال سندها على عدة من الواقفية ، فلا يصلح التعلق بها في إثبات هذا الحكم ، انتهى.

أقول : فيه أن مستند الشيخ المذكور إنما هو كتاب الفقه الرضوي ، فإن عبارته التي قدمنا نقلها عنه عين عبارة الكتاب المتقدمة ، حسبما عرفت في غير موضع مما تقدم من إفتائه في الرسالة بعبارات هذا الكتاب كما أوضحناه


سابقا ، بما لا يداخله الشك ولا الارتياب. ولكنهم لعدم اطلاعهم على الكتاب المذكور يتكلفون له تحصيل الأدلة المناسبة ، كما هي قاعدته في المختلف.

وبالجملة فإن الظاهر عندي هو القول المذكور لاجتماع الأخبار عليه ، والقول بما عليه المتأخرون موجب لطرح أخبار المسألة مع اعتبار أسانيدها قوتها ، والجمع بين الأخبار مهما أمكن روي من طرح بعضها ، وإلى هذا القول يميل كلام صاحب الكفاية.

الثاني : لا خلاف بين الأصحاب في أنه ليس للولي أن يطلق عن الصبي قبل بلوغه ، ويدل عليه الخبر المشهور (1) من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الطلاق بيد من أخذ بالساق».

وما رواه في الكافي (2) عن الفضل بن عبد الملك قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير؟ قال : لا بأس. قلت : يجوز طلاق الأب؟ قال : لا». ووصف السيد السند في شرح النافع هذه الرواية بالصحة ، مع أن في طريقها عبد الله بن محمد المشهور بنيان أخا أحمد بن محمد بن عيسى وهو مجهول في الرجال.

وما رواه في التهذيب (3) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ قال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم. قلت : فهل يجوز طلاق الأب؟ قال : لا».

وعن عبيد بن زرارة (4) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

نعم لو بلغ فاسد العقل جاز للولي أن يطلق عنه مع مراعاة الغبطة على المشهور بين المتقدمين والمتأخرين ، بل ادعى عليه فخر المحققين الإجماع ، ولم

__________________

(1) الجامع الصغير ج 2 ص 57 ط القاهرة سنة 1373 ه‍. ق.

(2) الكافي ج 5 ص 400 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 389 ح 35 ، الوسائل ج 15 ص 39 ب 28 ح 2.

(3) التهذيب ج 7 ص 388 ح 32 ، الوسائل ج 14 ص 220 ب 12 ح 1.

(4) التهذيب ج 9 ص 382 ح 1 لكن عن عبيد بن زياد ويحتمل اشتباه قد وقع ، الوسائل ج 17 ص 528 ب 11 ح 3.


ينقل الخلاف هنا إلا عن الشيخ في الخلاف ، فإنه ذهب إلى عدم الجواز محتجا بإجماع الفرقة ، وتبعه ابن إدريس ، واحتج كل من القائلين المذكورين بجملة من الأدلة العقلية التي ليس في التطويل بذكرها مزيد فائدة ، والظاهر هو القول المشهور للأخبار التي هي المعتمد في الورود والصدور.

ومنها ما رواه ثقة الإسلام والشيخ (1) في الصحيح عن أبي خالد القماط قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل الأحمق الذاهب العقل أيجوز طلاق وليه عليه؟ قال : ولم لا يطلق هو؟ قلت : لا يؤمن إن هو طلق أن يقول غدا لم أطلق ، أو لا يحسن أن يطلق ، قال : ما أرى وليه إلا بمنزلة السلطان».

وما رواه في الكافي والفقيه (2) عن أبي خالد قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل يعرف رأيه مرة وينكره اخرى ، يجوز طلاق وليه عليه؟ قال : ما له هو لا يطلق؟ قلت : لا يعرف حد الطلاق ولا يؤمن عليه إن طلق اليوم أن يقول غدا لم أطلق ، قال : ما أراه إلا بمنزلة الإمام يعني الولي».

أقول : المراد من كون الولي بمنزلة السلطان أو بمنزلة الإمام يعني في تولي الطلاق عنه كما يفصح به الخبر الآتي ، والظاهر أن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لم لا يطلق؟» مبني على كون الجنون أدوارا كما هو ظاهر الخبر الثاني ، وحينئذ فيطلق في وقت إفاقته ، فأجاب السائل بأنه في حال الإفاقة ليس كامل العقل ، لما ذكره في الخبرين.

وما رواه في الكافي (3) عن أبي خالد القماط عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في طلاق

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 125 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 75 ح 172 ، الوسائل ج 15 ص 329 ب 35 ح 1.

(2) الكافي ج 6 ص 125 ح 2 ، الفقيه ج 3 ص 326 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 327 ب 34 ح 1.

(3) الكافي ج 6 ص 126 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 329 ب 35 ح 3.


المعتوه قال : يطلق عنه وليه فإني أراه بمنزلة الامام».

وعن شهاب بن عبد ربه (1) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : المعتوه الذي لا يحسن أن يطلق ، يطلق عنه وليه عن السنة» الحديث.

احتج ابن إدريس بأن الأصل بقاء العقد وصحته ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (2) «الطلاق بيد من أخذ بالساق».

وفيه أن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل وقد عرفت ، والخبر مع تسليم صحة سنده مطلق يجب تقييده بما ذكرنا من الأخبار ، على أنه غير مناف للمراد ، وذلك لأن طلاق الولي طلاقه ، كما أنه يجوز طلاق الوكيل بالإجماع ، إذ لم يوجب أحد من الأصحاب إيقاع الطلاق مباشرة من الزوج.

قال في المسالك ـ بعد أن استدل للقول المشهور بالروايتين الأولتين ـ : وفي الاحتجاج بهذه الأخبار نظر ، لأن جعل الولي بمنزلة الامام والسلطان لا يدل على جواز طلاقة عنه ، ولأن متن الحديث لا يخلو من قصور ، لأن السائل وصف الزوج بكونه ذاهب العقل ، ثم يقول له الامام «ماله لا يطلق» مع الإجماع على أن المجنون ليس له مباشرة الطلاق ، ولا أهلية التصرف ، ثم يعلل السائل عدم طلاقه بكونه ينكر الطلاق أو لا يعرف حدوده ، ثم يجيبه بكون الولي بمنزلة السلطان وكل هذا يضعف الاحتجاج بها ، وأيضا فهذه الأخبار ليس فيها تقييد باشتراط طلاقه بالمصلحة والغبطة للمجنون ، ومن ثم ذهب ابن إدريس إلى عدم الجواز ، وقبله الشيخ في الخلاف محتجا بإجماع الفرقة ، وبأصالة بقاء العقد وصحته ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ثم أورد الخبر النبوي المتقدم.

أقول : أما ما طعن به من عدم دلالة جعل الولي بمنزلة السلطان ـ على جواز طلاقه عنه ـ فقد عرفت إفصاح الرواية الثالثة به ، وبها كشف نقاب الإبهام عن

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 125 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 329 ب 35 ح 2.

(2) الجامع الصغير ج 2 ص 57.


الروايتين المذكورتين كما أشرنا إليه آنفا ، وآكد ذلك الرواية الرابعة ، ولكن العذر له واضح حيث لم يطلع عليها وإلا لأوردهما.

وأما الطعن في المتن بما ذكره فقد تقدم الجواب عنه.

وبالجملة فإنه إذا ضمت هذه الأخبار الأربعة بعضها إلى بعض فإنه لا إشكال في قوة القول المشهور ، وما عليه القول الآخر من القصور. وشيخنا المذكور قد رجع في آخر كلامه إلى القول المشهور ، وإنما كلامه هنا نوع مناقشة أوردها في البين ، مع أنك قد عرفت أنه لا أثر لها ولا عين.

نعم ما ذكره ـ من أنه ليس في هذه الأخبار تقييد باشتراط الطلاق بالمصلحة ـ متجه ، إلا أنه يمكن الرجوع في ذلك إلى الأدلة العامة الدالة على أن تصرف الولي منوط بالمصلحة إن ثبت ذلك.

الثاني من الشروط الأربعة المتقدمة العقل ، فلا يصح طلاق المجنون ولا السكران ولا من زال عقله بإغماء أو شرب مرقد لعدم القصد. والمراد بالمجنون المطبق ، لأن من كان جنونه أدوارا فله أن يطلق في حال الإفاقة بغير إشكال. والمراد بالسكران من بلغ بتناول المسكر إلى حد يرتفع معه القصد ، وقيل في حده إنه الذي اختلط كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم.

ومن الأخبار الدالة على ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (1) عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن طلاق المعتوه الذاهب العقل أيجوز طلاقه؟ قال : لا. وعن المرأة إذا كانت كذلك أيجوز بيعها وصدقتها؟ قال : لا».

وما رواه في الكافي (2) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كل طلاق

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 125 ح 4 ، الفقيه ج 3 ص 326 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 75 ح 170 ، الوسائل ج 15 ص 327 ب 34 ح 4.

(2) الكافي ج 6 ص 126 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 327 ب 34 ح 3.


جائز إلا طلاق المعتوه أو الصبي أو مبرسم أو مجنون أو مكره».

وما رواه في التهذيب (1) عن زكريا بن آدم قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن طلاق السكران والصبي والمعتوه على عقله ومن لم يتزوج ، فقال : لا يجوز».

وما رواه في الكافي (2) عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن طلاق السكران ، فقال : لا يجوز ولا كرامة».

وعن أبي الصباح الكناني (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال ليس طلاق السكران بشي‌ء».

وما رواه في الكافي والتهذيب (4) في الصحيح برواية التهذيب عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن طلاق السكران ، قال : لا يجوز ولا عتقه» وزاد في التهذيب «قال : وسألته عن طلاق المعتوه ، فقال : وما هو؟ قلت : الأحمق الذاهب عقله ، قال : لا يجوز. قلت : والمرأة كذلك يجوز بيعها وشراؤها؟ قال : لا».

وما رواه في التهذيب (5) عن إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن السكران يطلق أو يعتق أو يتزوج ، أيجوز له وهو على حاله؟ قال : لا يجوز له».

وأما ما رواه في التهذيب والفقيه (6) عن شعيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن المعتوه أيجوز طلاقه؟ فقال : ما هو؟ فقلت : الأحمق الذاهب العقل فقال : نعم». فحمله الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في الفقيه والشيخ في الكتابين على ما

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 73 ح 165 ، الوسائل ج 15 ص 328 ب 34 ح 7.

(2 و 3) الكافي ج 6 ص 126 ح 1 و 2، الوسائل ج 15 ص 330 ب 36 ح 1 و 2.

(4) الكافي ج 6 ص 126 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 73 ح 164 ، الوسائل ج 15 ص 330 ب 36 ح 4 وص 328 ب 34 ح 5.

(5) التهذيب ج 8 ص 73 ح 163 ، الوسائل ج 15 ص 328 ب 34 ح 6.

(6) الفقيه ج 3 ص 326 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 75 ح 171 ، الوسائل ج 15 ص 328 ب 34 ح 8.


إذا طلق عنه وليه ، وجوز في الاستبصار حمله على ناقص العقل دون فاقده.

أقول : ظاهر هذه الأخبار أن المعتوه هو المجنون الذاهب العقل ، وظاهر كلام جملة من أهل اللغة أنه الناقص العقل.

قال الفيومي في كتاب المصباح المنير (1) : عته عتها من باب تعب وعتاها بالفتح : نقص عقله من غير جنون أو دهش ، وفيه لغة ثانية عته بالبناء للمفعول عتاهة بالفتح وعتاهية بالتخفيف فهو معتوه بين العته.

وفي التهذيب (2) : المعتوه المدهوش من غير حس أو جنون ، انتهى.

وقال في القاموس (3) : عته كعني عتها وعتها وعتاها بضمها فهو معتوه نقص عقله أو فقد أو دهش ، انتهى.

والظاهر من سؤالهم عليهم‌السلام السائل في بعض هذه الأخبار بعد ذكر المعتوه «ما هو» هو أنه يطلق على كل من الأمرين ـ أعني فاقد العقل وناقصه ـ فإذا أجاب بأنه فاقد العقل منع عليه‌السلام من جواز وقوع تلك الأمور منه ، ومفهومه أنه لو لم يكن كذلك جاز وقوعها ، وقد تقدم حكم طلاق الولي. عن المجنون.

وأما السكران ونحوه من المغمى عليه وشارب المرقد فظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم جواز طلاق الولي عنه ، لعدم الدليل على ذلك ، ولظهور الفرق بأن لهؤلاء أمدا قريبا إلى الإفاقة ورجوع العقل لهم ، فهم في حكم النائم بخلاف المجنون المطبق بناء على الغالب.

الثالث من الشروط المتقدمة الاختيار ، فلا يصح طلاق المكره كما لا يصح شي‌ء من تصرفاته ، وهو إجماعي كما نقله السيد السند في شرح النافع ، ويدل

__________________

(1) المصباح المنير ص 536.

(2) تهذيب اللغة للأزهري ج 1 ص 139 وفيه «من غير مس جنون».

(3) القاموس المحيط ج 4 ص 287.


عليه مضافا إلى الإجماع المذكور جملة من الأخبار منها ما رواه في الكافي (1) عن زرارة في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن طلاق المكره وعتقه ، فقال : ليس طلاقه بطلاق ، ولا عتقه بعتق» الحديث.

وعن يحيى بن عبد الله بن الحسن (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : لا يجوز طلاق في استكراه ولا يجوز يمين في قطيعة رحم ـ إلى أن قال : ـ وإنما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه ولا إضرار».

وعن عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : لو أن رجلا مسلما مر بقوم ليسوا بسلطان فقهروه حتى يتخوف على نفسه أن يعتق أو يطلق ففعل لم يكن عليه شي‌ء».

وينبغي أن يعلم أن الإكراه الموجب لبطلان ما يترتب عليه من طلاق وغيره مشروط بأمور :

(منها) قدرة المكره على ما توعده به لغلبة أو سلطان أو تغلب.

(منها) عجز المكره عن دفع ذلك عن نفسه ، ولو بفرار أو استعانة بالغير.

(ومنها) أن يعلم أو يظن غالبا أنه لو لم يفعل ما يريده وامتنع من ذلك أو وقع به المكروه.

(ومنها) أن يكون ما توعده به مضرا بالمكره في نفسه أو من يجري مجراها من والديه وولده وأقاربه من قتل أو جرح أو ضرب شديد أو حبس أو شتم أو أخذ مال مضر به ، ويختلف ما عدا القتل والجرح باختلاف طبقات الناس ومراتبهم ، فربما كان قليل الشتم يضر بالوجيه صاحب الوقار ، والضرب لا يضر ببعض آخر ولا يبالي به ، وربما ضر أخذ عشرة دراهم ببعض لفقره ، ولا يضر مائة دراهم أو

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 127 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 331 ب 37 ح 1.

(2) الكافي ج 6 ص 127 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 74 ح 167 وفيه «لا يجوز طلاق في استكراه ولا يجوز عتق في استكراه» ، الوسائل ج 15 ص 331 ب 37 ح 4.

(3) الكافي ج 6 ص 126 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 331 ب 37 ح 2.


أكثر بآخر لكثرة أمواله.

ومن الأصحاب من جعل المال مطلقا من قبيل القتل والجرح ، فجعل القليل والكثير منه محققا للإكراه ، وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في الروضة (1) والأظهر ما ذكرناه ، وهو الذي استظهره في المسالك ، ومثله سبطه السيد السند في شرح النافع ، ومجمل الكلام في المقام أنه يتحقق الإكراه بتوعده بما يكون مضرا به بحسب حاله في نفسه أو من يجري مجراه مع قدرة المتوعد على ما توعد به وحصول الظن بأنه يفعله لو لم يفعل.

فروع

الأول : قالوا : لو خير الزوج بين الطلاق ودفع مال غير مستحق وألزم أحد الأمرين فهو إكراه ، بخلاف ما لو خير بينه وبين فعل يستحقه الآمر من دفع مال أو غيره.

أقول : يمكن الاستدلال على الثاني بما رواه في الكافي (2) عن محمد بن الحسن الأشعري قال : «كتب بعض موالينا إلى أبي جعفر عليه‌السلام : إن معي امرأة عارفة أحدث زوجها فهرب عن البلاد فتبع الزوج بعض أهل المرأة ، فقال : إما طلقت وإما رددتك فطلقها ومضى الرجل على وجهه ، فما ترى للمرأة؟ فكتب بخطه : تزوجي يرحمك الله».

والتقريب فيه أن ما خيره فيه من الوجه الثاني ـ وهو رده للقيام بواجب الزوجة ـ أمر واجب عليه ، والامام قد أمرها بالتزويج لصحة الطلاق.

__________________

(1) قال في الروضة : ولا فرق بين كون المتوعد به قتلا وجرحا وأخذ مال ـ وان قل ـ وشتما وضربا وحبسا ، ويستوي في الثلاثة الأول جميع الناس ، أما الثلاثة الأخيرة فتختلف باختلاف الناس. إلخ. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) الكافي ج 6 ص 81 ح 9 ، التهذيب ج 8 ص 61 ح 119 ، الوسائل ج 15 ص 307 ب 26 ح 4.


وبالجملة فالخبر صريح في أن نحو ذلك ليس بإجبار ، وليس الوجه فيه إلا ما ذكرناه.

وأما الحكم الأول فالظاهر أنه لا إشكال فيه أيضا إلا أنه يجب تقييد المال بكونه مضرا به كما تقدم ، ويمكن الاستدلال عليه بما رواه في الكافي (1) عن منصور بن يونس في الموثق قال : «سألت العبد الصالح عليه‌السلام وهو بالعريض فقلت له : جعلت فداك إني قد تزوجت امرأة وكانت تحبني فتزوجت عليها ابنة خالي وقد كان لي من المرأة ولد فرجعت إلى بغداد فطلقتها واحدة ثم راجعتها ، ثم طلقتها الثانية ثم راجعتها ، ثم خرجت من عندها أريد سفري هذا حتى إذا كنت بالكوفة أردت النظر إلى ابنة خالي ، فقالت أختي وخالتي : لا تنظر إليها والله أبدا حتى تطلق فلانة ، فقلت : ويحكم والله مالي إلى طلاقها من سبيل ، فقال لي : هو من شأنك ليس لك إلى طلاقها من سبيل ، فقلت : جعلت فداك إنه كانت لي منها ابنة وكانت ببغداد وكانت هذه بالكوفة وخرجت من عندها قبل ذلك بأربع ، فأبوا علي إلا تطليقها ثلاثا ، ولا والله جعلت فداك ما أردت الله وما أردت إلا أن أداريهم عن نفسي وقد امتلأ قلبي من ذلك جعلت فداك. فمكث طويلا مطرقا ، ثم رفع رأسه إلى وهو متبسم فقال : أما ما بينك وبين الله عزوجل فليس بشي‌ء ، ولكن إذا قدموك إلى السلطان أبانها منك».

والتقريب فيه أن مرجع المسألة إلى التخيير بين الطلاق وبين ما هو غير مستحق عليه شرعا ، فإنه في هذه الحال يكون إكراها ، وما دل عليه الخبر من هذا القبيل ، فإن منعه من زوجته التي هي ابنة خاله أمر محرم كالمثال الذي ذكروه من دفع مال غير مستحق بخلاف ما إذا كان مستحقا عليه شرعا ، فإنه ليس بإكراه كالرد المتقدم.

الثاني : لو اكره على الطلاق فطلق ناويا له قيل : يقع صحيحا ، وهو اختيار

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 127 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 332 ب 38 ح 1 مع اختلاف يسير.


العلامة في التحرير ، وبه جزم شيخنا الشهيد الثاني في الروضة ، وفي المسالك أنه الأصح ، لحصول اللفظ والقصد ، ولأن القصد لا إكراه عليه ، فلو لا حصول الرضا بالعقد لما قصد إليه. وقيل بالبطلان إذ المفروض أنه لو لا الإكراه لما فعله ، وعقد المكره باطل بالنص والإجماع.

قال في شرح النافع ـ بعد نقل القولين ـ : وحجتيهما والمسألة محل إشكال ، وهو كذلك ، ويمكن تأييد القول الثاني بقوله عليه‌السلام في رواية يحيى بن عبد الله ابن الحسن المتقدمة «وإنما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه ولا إضرار». فإنه وإن صدق على هذا الطلاق المفروض أنه أريد به الطلاق ، بمعنى أنه حصل القصد إليه ، لكنه ناش عن الاستكراه والإضرار ، فالقصد إليه مع كونه ناشئا عن الإكراه غير مجد في صحته ، وكيف كان فالمسألة باقية في غشاوة الإشكال.

الثالث : قالوا : لو أكرهه على طلاق امرأته بعينها فطلق غيرها صح ، وكذا لو أكرهه على أن يطلق طلقة واحدة فطلق أزيد ، والوجه فيه أنه يشعر باختياره فيما أتى به (1) إذ لم يتعلق الإكراه بذلك ، والظاهر أنه لا إشكال فيه. أما لو أكرهه على طلاق إحدى الزوجتين فطلق معينة ، فالذي اختاره السيد السند في شرح النافع وقبله جده في الروضة أنه إكراه (2) وعلله في شرح النافع بأنه لا يمكن التخلص من الضرر المتوعد به بدون ذلك. قيل بأنه يقع الطلاق لأنه مختار في تعيينها ، ولأنه لما عدل من الإبهام إلى التعيين فقد زاد على ما أكرهه

__________________

(1) وتوضيحه : انا نمنع وقوع الطلاق بالإكراه إذا لم يظهر ما يدل على اختياره ، وأما إذا ظهر بأن خالف المكره وأتى بغير ما حمله عليه فلا مانع لوقوع الطلاق ، لان مخالفته له يشعر باختياره فيما أتى به ، وذكروا لذلك أمثلة منها ما ذكرناه في الأصل.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) وعلله في الروضة قال : والأقوى أنه إكراه ، إذ لا يتحقق فعل يقتضي أمره بدون أحدهما ، وهو يرجع الى ما ذكره سبطه كما نقلناه في الأصل. (منه ـ رحمه‌الله ـ).


عليه لأن الإكراه على طلاق إحداهما لا على طلاق هذه ، وطلاق هذه طلاق إحداهما مع زيادة. وقد تقرر في الأصول أن الأمر بالكلي ليس أمرا بجزئي معين.

ورد بأن متعلق الإكراه وإن كان كليا لكنه يتأدى في ضمن طلاق كل واحدة بعينها ، وطلاق واحدة غير معينة. فكل واحد من الافراد داخل في المكره عليه ، ومدلول عليه بالتضمن.

نعم لو صرح له بالحمل على طلاق واحدة مبهمة بأن يقول : أحدا كما طالق مثلا فعدل عنه إلى طلاق معينة فلا شبة هنا في وقوع الطلاق على المعينة لأنه غير المكره عليه جزما.

وأنت خبير بأنه بالنظر إلى هذه التعليلات فإن القول الأول هو الأقرب ، إذ هو الأربط بالقواعد والأنسب ، إلا أنك قد عرفت في غير موضع مما تقدم ما في البناء على أمثال هذه التعليلات.

الرابع : قال في المسالك : لا يعتبر في الحكم ببطلان طلاق المكره التورية ، وإن كان يحسنها عندنا ، لأن المقتضي لعدم وقوعه هو الإكراه الموجب لعدم القصد إليه ، فلا يختلف الحال بين التورية وعدمها ، ولكن ينبغي التورية للقادر عليها بأن ينوي بطلاق فاطمة المكره عليها غير زوجته ممن يشاركها في الاسم ، أو ينوي طلاقها من الوثاق ، أو يعلقه في نفسه بشرط ، ولو كان جاهلا بها أو أصابه دهشة عند الإكراه ـ كسل السيف مثلا ـ عذر إجماعا ، انتهى.

وربما كان في قوله «عندنا» إيماء إلى أنه عند المخالفين ليس كذلك ، فتعتبر التورية عندهم في بطلان العقد ، ويكون منشأ بطلانه ذلك ، ولا ريب في ضعفه لما ذكره ـ رحمة الله عليه.

الخامس : قال في الكتاب المتقدم ذكره أيضا : يستثني من الحكم ببطلان فعل المكره ما إذا كان الإكراه بحق ، فإنه صحيح كإكراه الحربي على الإسلام والمتردد ، إذ لو لم يصح لما كان للإكراه عليه معنى ، وله موارد كثيرة ذكرناها


فيما سلف من هذا الكتاب ، والعبارة الجامعة لها مع السابقة أن يقال : ما لا يلزمه في حال الطواعية لا يصح منه إذا أتى به مكرها. وما يلزمه في حال الطواعية يصح مع الإكراه عليه ، ولا يخلو الحكم بإسلام الكافر مع إكراهه عليه من غموض من جهة المعنى ، وإن كان الحكم به ثابتا من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما بعده ، لأن كلمتي الشهادة نازلتان في الاعراب عما في الضمير منزلة الإقرار ، والظاهر من حال المحمول عليه بالسيف أنه كاذب ، لكن لعل الحكمة فيه أنه مع الانقياد ظاهرا وصحبة المسلمين والاطلاع على دينهم يحصل له التصديق القلبي تدريجا ، فيكون الإقرار اللساني سببا في التصديق القلبي ، انتهى.

أقول : لا ريب أن محل الاشكال عنده هنا إنما هو إسلام المنافقين المقرين بمجرد اللسان مع عدم التصديق القلبي ، والأخبار قد دلت على أن فائدة هذا الإسلام إنما هو بالنسبة إلى الأمور الدنيوية من حقن الدم والمال والطهارة ، وجواز المناكحة ونحو ذلك ، وأما بالنسبة إلى الآخرة فإنهم من أهل النار والإكراه حينئذ إنما تعلق بإظهاره وإن كان كاذبا بحسب الواقع ، وهذا مما لا غموض فيه ، ويصير من قبيل الإكراه على الحقوق الواجبة كأداء الدين ونحوه ، فإنه كما يجب على المديون أداء ما يلزمه شرعا كذلك يجب على الكافر الانقياد بهذا الدين والدخول فيه ، وإن كان الأول حقا لغيره سبحانه ، والثاني حقا له جل شأنه.

بقي الكلام في أنه مع عدم تصديقه بالإسلام واعتقاده له وإذعانه به فالفائدة في مجرد إظهاره لأجل هذه الأمور الدنيوية قليل الجدوى.

والجواب عن ذلك أن الفائدة فيه (أولا) إعراضه عن المنازعة والمقاومة بالحرب لهذا الدين وأهله ، وهي من أهم الفوائد.

(وثانيا) ما ذكره شيخنا المذكور من رجاء دخوله في هذا الدين وتصديقه به ، وتدل عليه الأخبار الواردة في تألف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منافقي قريش بدفع


الزكوات لهم ، كما ورد في تفسير (الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) ، وقد تقدمت الأخبار بذلك في كتاب الزكاة ، وفي بعضها ، فأمر الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتألفهم بالمال والعطاء لكي يحسن إسلامهم ، ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه وأقروا به ، وإن كان أصحابنا لم يطلعوا على هذه الأخبار ، حيث فسروا (الْمُؤَلَّفَةِ) في آية الزكاة بالتأليف للجهاد ، ومورد الأخبار المذكورة أنما هو التأيف للبقاء على دين الإسلام والتصديق به كما قدمنا تحقيقه في الكتاب المذكور.

السادس : قال في المسالك : لو تلفظ بالطلاق ثم قال كنت مكرها وأنكرت المرأة ، فإن كان هناك قرينة تدل على صدقه بأن كان محبوسا أو في يد متغلب دلت القرينة على صدقه قبل قوله بيمينه ، وإلا فلا.

ولو طلق في المرض فقال كنت مغشيا على أو مسلوب القصد لم يقبل قوله إلا ببينة تقوم على أنه كان زائل العقل في ذلك الوقت ، لأن الأصل في تصرفات المسلم الصحة إلى أن يثبت خلافها ، وإنما عدلنا في دعوى الإكراه عن ذلك بالقرائن لظهورها وكثرة وقوعها ، ووضوح قرائنها بخلاف المرض ، انتهى.

أقول : ما ذكره من قبول قوله «بيمينه» في المسألة الاولى مع انضمام القرائن المذكورة إلى الدعوى مقطوع به في كلام الأصحاب ، واحتجوا عليه بأن القصد إلى العقد والرضا به شرط في صحة العقد. لكن لما لم يمكن الاطلاع على الرضا غالبا إلا باللفظ الدال عليه اكتفى الشارع به إذا لم تقم قرينة على عدم الرضا ، أما مع وجود القرينة الدالة على انتفائه فلا يكفي التعويل على دلالة اللفظ لانتفاء الدليل عليه ، والأصل عدمه.

وأما ما ذكره في المسألة الثانية من عدم قبول قوله «إلا بالبينة» فهو على إطلاقه محل نظر ، وذلك لأنه إن طابق الظاهر فالأمر كما ذكره ، وإن ظهر من حال المريض اضطراب واختلاط كعدم انتظام كلامه وتغير أحواله ثم ادعى زوال العقل والحال كما فرضنا فإن الظاهر قبول قوله ـ لعين ما ذكر في المسألة الأولى ـ اعتمادا على القرائن في الموضعين.


الرابع : من الشروط المتقدمة القصد ، وهو لا يختص بالطلاق بل يشترط القصد في صحة التصرفات اللفظية من الطلاق وغيره إجماعا كما نقله بعضهم ، وتدل عليه من الأخبار الواردة في الطلاق

رواية زرارة (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال : لا طلاق إلا ما أريد به الطلاق».

ورواية هشام بن سالم (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا طلاق إلا لمن أراد الطلاق».

وفي رواية محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر عليه‌السلام «أنه قال : لا يقع الطلاق بإكراه ولا إجبار ولا على سكر ولا على غضب».

وقد تقدم في حديث يحيى بن عبد الله بن الحسن (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إنما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه ولا إضرار».

ورواية عبد الواحد بن مختار الأنصاري (5) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا طلاق إلا لمن أراد الطلاق».

ورواية اليسع (6) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في حديث : ولو أن رجلا طلق على سنة وعلى طهر من غير جماع وأشهد ولم ينو الطلاق لم يكن طلاقه طلاقا».

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 62 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 286 ب 11 ح 3.

(2) التهذيب ج 8 ص 51 ح 79 ، الوسائل ج 15 ص 286 ب 11 ح 4.

(3) الفقيه ج 3 ص 321 ح 5 لكن الظاهر أن هذا كلام الصدوق لا من جزء الرواية.

(4) الكافي ج 6 ص 127 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 74 ح 167 ، الوسائل ج 15 ص 331 ب 37 ح 4.

(5) الكافي ج 6 ص 62 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 51 ح 81 ، الوسائل ج 15 ص 285 ب 11 ح 2 وص 286 ح 5.

(6) الكافي ج 6 ص 62 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 51 ح 82 ، الوسائل ج 15 ص 285 ب 11 ح 1.


وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (1) : «ولا يقع إلا على طهر من غير جماع بشاهدين عدلين مريدا للطلاق». ومما يترتب على ذلك طلاق الساهي والنائم والغالط والهازل ، وحال الغضب الذي يرتفع معه القصد ، ومنه أيضا الأعجمي الذي لقن الصيغة ولا يفهم معناها.

بقي الكلام في أنه لو ادعى المطلق عمد القصد ، فقيل : بأنه لا يقبل منه كما في سائر التصرفات القولية من بيع ونحوه ، لأن الظاهر من حال العاقل المختار القصد إلى مدلول اللفظ الذي يتلكم به ، فإخباره بخلاف ذلك مناف للظاهر ، وهو ظاهر اختيار شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وسبطه في شرح النافع.

وأطلق جمع من الأصحاب منهم المحقق في الشرائع أن المطلق لو قال «لم أقصد الطلاق» قبل منه ظاهرا ، ودين بنيته باطنا ، وإن تأخر تفسيره ما لم يخرج العدة ، لأنه إخبار عن نيته ، وظاهره أن العلة في قبول قوله هو كون ذلك إخبارا عن نيته ، إذ لا يمكن الاطلاع عليها إلا من قبله ، فكان قوله مقبولا كنظائره من الأمور التي لا تعلم إلا من المخبر ، وهو جيد فيما إذا وقع ذلك في العدة الرجعية لأن ذلك يعد رجعة كإنكار الطلاق.

وإنما الإشكال في العدة البائنة ، فإن ظاهر كلامه أن العدة فيه أعم من الرجعية والبائنة ، ووجه الاشكال فيها أن الزوجية فيها زائلة بالكلية ، فحكمها في ذلك حكم ما بعد العدة الرجعية ، فكيف يتم قبول قوله في هذه الحال؟ على أنك قد عرفت معارضة ما ذكره من العلة بما قدمنا ذكره في علة القول الأول من أن الظاهر من حال العاقل المختار. إلخ.

ولو قيل : إن الأصل مرجح عليه هنا ، للزم مثله في البيع ونحوه من العقود والإيقاعات ، مع الاتفاق منهم على عدم قبول قبوله في عدم القصد فيها ،

__________________

(1) فقه الرضا ص 241 ، مستدرك الوسائل ج 3 ص 4 ب 10 ح 6.


واختصاص الطلاق بذلك مشكل.

قيل : وربما كان مستند حكمهم بذلك وتخصيص الطلاق بذلك موثقة منصور بن يونس (1) المتقدمة من حيث دلالتها على أنه طلق امرأته ولم يكن له في طلاقها نية ، وإنما حمله عليه بعض أقاربه ، فقال عليه‌السلام «ما بينك وبين الله فليس بشي‌ء» وهو مشعر بقبول قوله ، وفيه : إنا قد بينا أن مورد الخبر المذكور إنما هو الإكراه ـ بالتقريب الذي ذكرناه ذيله ـ وجواب الامام عليه‌السلام له بذلك إنما هو بناء على ما نقله من القصة المتضمنة لاكراهه على الطلاق لا من حيث مجرد دعواه عدم القصد.

وبالجملة فالأظهر عدم القبول ـ كما هو القول الأول ـ إلا مع قيام القرينة على صدقه ، أو كونها في عدة رجعية فيجعل ذلك بمنزلة الرجعة ، والظاهر أنه لو صادقته المرأة على ذلك فهو كما ذكرنا أيضا لكون الحق منحصرا فيهما ، فيعاملان بما اتفقا عليه ، ويرجع أمرهما في صدقهما وكذبهما إلى الله عزوجل.

تنبيهان

الأول : لا خلاف بين الأصحاب في جواز الوكالة في الطلاق الغائب ، وإنما الخلاف في الحاضر ، فالمشهور الجواز ، وذهب الشيخ وأتباعه إلى المنع. قال في النهاية : إذا وكل الرجل غيره بأن يطلق عنه لم يقع طلاقه إذا كان حاضرا في البلد ، فإن كان غائبا جاز توكيله في الطلاق. وتبعه ابن حمزة وابن البراج.

احتج الأصحاب على ما هو المشهور بينهم بأصالة صحة الوكالة ، وصحة إيقاع الصيغة المشترطة في نظر الشارع ، ووجود المقتضي وهو الصيغة ، وانتفاع المعارض وهو اشتراط المباشرة ، إذ لا تعلق لغرض الشارع في إيقاع هذا الفعل

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 127 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 332 ب 38 ح 1.


من مباشر دون غيره ، وما رواه سعيد الأعرج (1) في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام «في رجل يجعل أمر امرأته إلى رجل ، فقال : اشهدوا إني قد جعلت أمر فلانة إلى فلان فيطلقها ، أيجوز ذلك للرجل؟ قال : نعم». قالوا : وترك الاستفصال في الحال يدل على عموم المقال.

وأنت خبير بأن ظاهر هذا الخبر أن الوكالة فيه ليست على النهج المبحوث عنه ، فإن ظاهره إنما هو جعل الاختيار في الطلاق وعدمه إلى ذلك الرجل ، فإن شاء طلق وإن شاء لم يطلق إلا أن الرجل اختار الطلاق فطلق ، ومحل البحث إنما هو توكيل الغير في إيقاع صيغة الطلاق ، والذي يدل على الجواز هنا جملة من الأخبار منها :

ما رواه المشايخ الثلاثة (2) في الصحيح في بعضها عن ابن مسكان عن أبي هلال الرازي ـ والظاهر أنه مجهول ـ قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل وكل رجلا بطلاق امرأته إذا حاضت وطهرت وخرج الرجل ، فبدا له ، فأشهد أنه قد أبطل ما كان أمره به ، وأنه قد بدا له في ذلك ، قال : فليعلم أهله والوكيل».

وما رواه في الكافي (3) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل جعل طلاق امرأته بيد رجلين فطلق أحدهما وأبى الآخر ، فأبى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يجيز ذلك حتى يجتمعا جميعا على الطلاق».

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 129 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 39 ح 35 ، الوسائل ج 15 ص 333 ب 39 ح 1.

(2) الكافي ج 6 ص 129 ح 4 ، الفقيه ج 3 ص 48 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 39 ح 36 ، الوسائل ج 15 ص 333 ب 39 ح 3.

(3) الكافي ج 6 ص 129 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 39 ح 37 ، الوسائل ج 15 ص 333 ب 39 ح 2.


وما رواه الشيخ (1) عن اليقطيني قال : «بعث إلى أبو الحسن الرضا عليه‌السلام رزم ثياب وغلمانا ودنانير وحجة لي وحجة لأخي موسى بن عبيد وحجة ليونس بن عبد الرحمن ، فأمرنا أن نحج عنه ، وكان بيننا مائة دينار أثلاثا فيما بيننا ، فلما أردت أن أعبي الثياب رأيت في أضعاف الثياب طينا ، فقلت للرسول (2) : ما هذا؟ فقال : ليس يوجه بمتاع إلا جعل فيه طينا من قبر الحسين عليه‌السلام ، ثم قال الرسول : قال أبو الحسن عليه‌السلام : هو أمان بإذن الله ، وأمرنا بالمال بأمور من صلة أهل بيته وقوم محاويج لا مؤنة لهم ، وأمر بدفع ثلاثمائة دينار إلى رحم امرأة كانت له ، وأمر لي أن أطلقها عنه وأمتعها بهذا المال ، وأمرني أن اشهد على طلاقها صفوان بن يحيى وآخر نسي محمد بن عيسى اسمه».

أما ما استدل به الشيخ وأتباعه على ما ذهبوا إليه فهو ما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تجوز الوكالة في الطلاق». قال في التهذيب ـ بعد نقل هذا الخبر ـ : وهذا الحديث لا ينافي الأخبار الأولة ، لأنا نحمل هذا الخبر على الحال التي يكون الرجل فيها حاضرا غير غائب ، فإنه متى كان الأمر على ما وصفناه لم يجز وكالته في الطلاق. والأخبار الأولة في تجويز الوكالة مختصة بحال الغيبة ولا تنافي بين الأخبار. وقال ابن سماعة : إن العمل على الذي ذكر فيه أنه لا يجوز الوكالة في الطلاق ولم يفصل ، وينبغي أن يكون العمل على الأخبار كلها حسبما قدمناه ، انتهى.

وقال في الكافي ـ بعد نقل الأخبار الدالة على الجواز ـ : وروي أنه لا يجوز الوكالة في الطلاق ـ ثم أورد خبر زرارة المذكور ثم قال : ـ وقال الحسن بن سماعة :

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 40 ح 40 ، الوسائل ج 15 ص 334 ب 39 ح 6.

(2) يعني الذي بعثه الامام الرضا عليه‌السلام.

(3) الكافي ج 6 ص 130 ح 6 ، التهذيب ج 8 ص 39 ح 39 ، الوسائل ج 15 ص 334 ب 39 ح 5.


وبهذا الحديث نأخذ.

أقول : وقد ظهر من ذلك أن في المسألة أقوالا : القول المشهور وهو الجواز ، ومذهب الشيخ وأتباعه وهو التفصيل بين الحضور والغيبة ، ومذهب الحسن بن سماعة وهو المنع والتوقف في المسألة ، وهو ظاهر الكليني ، حيث نقل الرواية المخالفة لما ذكره أولا ولم يجب عنها بشي‌ء ، ويرد على ما ذهب إليه الشيخ أنه لا قرينة في الأخبار المذكورة تؤنس بهذا التفصيل ، وأكثر الأخبار مطلق ، وإن كان مورد بعضها الغيبة ، ويرد على ما ذكره ابن سماعة أن فيه طرحا للأخبار الدالة على القول المشهور ، وهي أكثر عددا وأوضح سندا.

وبالجملة فظهور الخبر الأخير في المعارضة مما لا ينكر ، ولا يحضرني الآن محمل صحيح يحمل عليه ، قال في الوافي ـ بعد ذكر استبعاد حمل الشيخ ـ : ولو جاز تقييد الخبر بحال الحضور استنادا إلى ظهور بعض ما يخالفه في الغائب لجاز تقييده بالنساء في كله أمر الطلاق إليهن استنادا إلى ورود ما يوافقه فيهن كما يأتي في الباب الآتي من التخيير ، انتهى.

ومراده أنه لو صح حمل الشيخ ـ والحال أنه لا قرينة تؤنس به في هذه الأخبار إلا مجرد ورود بعض الأخبار في طلاق الغائب كذلك ـ لجاز أيضا أن يحمل إطلاق هذا الخبر على ما دلت عليه الأخبار الدالة على عدم جواز التخيير للنساء في الطلاق ، وأنه موكول لهن ، كما سيأتيك الاخبار به إن شاء الله قريبا ، ويأتي بيان الوجه فيها ، فيكون هذا الخبر من الأخبار الدالة على القول المشهور من أنه لا يجوز للنساء الوكالة في الطلاق بأن يتولين ذلك مباشرة أو وكالة.

وأنت خبير بما فيه من البعد كما في مذهب الشيخ ، وبالجملة فالمسألة عندي لا تخلو من نوع توقف ، والأنسب بقواعد الأصحاب كما هي قاعدتهم في جميع الأبواب هو حمل النهي في هذا الخبر على الكراهة ، لكن من قواعدهم أنهم لا يرتكبون الجمع إلا مع التكافؤ في السند ، فاكتفوا هنا برد الخبر المذكور


لضعف سنده ، وأعرضوا عنه لذلك ، قال في المسالك : وعلى قول الشيخ يتحقق الغيبة بمفارقة مجلس الطلاق وإن كان في البلد.

أقول : فهم هذا المعنى من عبارة الشيخ التي قدمنا نقلها عنه لا يخلو من إشكال ، بل ظاهرها إنما هو الغيبة عن البلد لا عن مجلس الطلاق ، فإنه بعد أن صرح بأنه لم يقع طلاقه إذا كان حاضرا في البلد قال : وإن كان غائبا جاز ، المتبادر منه يعني غائبا عن البلد ، ومفهومه أنه متى كان حاضرا في البلد لم يجز. وحينئذ فإن كان ما ذكره ـ رحمه‌الله ـ مأخوذا من كلام آخر غير هذه العبارة فيمكن صحة ما ادعاه ، وإن كان من هذه العبارة فالأمر كما ترى.

الثاني : المشهور بين الأصحاب أنه يجوز جعل الأمر إليها في طلاق نفسها وقال الشيخ في المبسوط : وإن أراد أن يجعل الأمر إليها فعندنا لا يجوز على الصحيح من المذهب ، وفي أصحابنا من أجازه.

قال في المختلف ـ في الاحتجاج لما اختاره من القول المشهور ـ : لنا أنه فعل يقبل النيابة ، والمحل قابل فجاز كما وكل غيرها من النساء أو توكلت في طلاق غيرها.

واحتج في المسالك بما دل على جواز النيابة فيه مطلقا قال : وهو يشمل استنابتها كغيرها. ثم نقل عن الشيخ أنه استند في تخصيصها بالمنع إلى أن القابل لا يكون فاعلا ، وظاهر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) «الطلاق بيد من أخذ بالساق». فإنه يقتضي عدم صحة التوكيل مطلقا ، خرج عنه غير المرأة بدليل من خارج ، فتبقى هي على أصل المنع. ثم رده فقال : ولا يخفى ضعف الدلالة ، فإن المغايرة بين القابل والفاعل يكفي فيه الاعتبار ، وهما مختلفان بالحيثية ، والخبر مع تسليمه لا يفيد الحصر ، وعلى تقدير تسليم إفادته فما أخرج غيرها من الوكلاء عنه يخرجها لتناوله لها ، انتهى.

__________________

(1) الجامع الصغير ج 2 ص 57.


وعندي في المسألة نوع توقف ، وإن كان القول المشهور لا يخلو من قوة بالنظر إلى هذه التعليلات ، إلا أن الاعتماد عندنا في الأحكام الشرعية إنما هو على النصوص ، والزوجية قد ثبتت وتحققت ، فرفعها ورفع ما يترتب عليها يتوقف على دليل واضح من النصوص.

وقال في الكفاية : ولو وكلها في طلاق نفسها ففي صحته قولان ، والأدلة من الجانبين محل البحث. انتهى ، وفيه إيذان بتوقفه في المسألة. ونحوه المحدث الكاشاني في المفاتيح حيث إنه اقتصر على نقل القولين من غير ترجيح في البين ، وهذا في محله كما عرفت.

الركن الثاني : المطلقة ، ويشترط فيها أمور الأول : أن تكون زوجة فلا أثر لطلاق الموطوءة بالملك ولا الأجنبية ، وكذا لو علق الطلاق بالتزويج بأن قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ، أو كل من أتزوج فهي طالق ، والأصل في ذلك أن كلا من النكاح والطلاق أحكام شرعية يتوقف ثبوتها والحكم بها على الأسباب والعلل المنوطة بها شرعا فهي توقيفية ، والنكاح لما ثبت بما رسمه الشارع من الأسباب والشروط ، فرفعه ورفع ما يترتب عليه متوقف على ما ثبت من الشارع كونه رافعا مزيلا لحكمه. والذي علم من الشارع هو ورود الطلاق على الأزواج خاصة دون ملك اليمين والأجانب ، واستصحاب الحل فيهن باق لا رافع له شرعا ، وإلحاقهن بحكم الزوجات قياس لا يوافق أصول المذهب وبذلك صرحت الأخبار أيضا.

ومنها ما رواه في الكافي (1) عن عبد الله بن سليمان عن أبيه قال : «كنا في المسجد ، فدخل علي بن الحسين عليه‌السلام ولم أثبته وعليه عمامة سوداء قد أرسل

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 63 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 287 ب 12 ح 3 وفيهما اختلاف يسير.


طرفيها بين كتفيه (1) فقلت لرجل قريب المجلس مني : من هذا الشيخ؟ فقال : ما لك لم تسألني عن أحد دخل المسجد غير هذا الشيخ؟ فقلت : لم أر أحدا دخل المسجد أحسن هيئة في عيني من هذا الشيخ ، فقال : إنه علي بن الحسين عليه‌السلام فقمت وقام الرجل وغيره فاكتنفناه وسلمنا عليه ، فقال له الرجل : ما ترى في رجل سمى امرأته بعينها وقال يوم يتزوجها هي طالق ثلاثا ثم بدا له أن يتزوجها ، أيصلح له ذلك؟ فقال : إنما الطلاق بعد النكاح ، قال عبد الله : فدخلت أنا وأبي على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام فحدثه أبي بهذا الحديث ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : أنت تشهد على علي بن الحسين عليه‌السلام بهذا الحديث؟ قال : نعم».

قال الكاشاني ـ في الوافي ذيل هذا الخبر ـ : أراد أبو عبد الله عليه‌السلام بهذا السؤال تسجيل الحكم عليه حيث إنه مخالف لمذاهب العامة وعملهم ، وكان المخاطب منهم ، ولعله ممن يحسن اعتقاده في علم علي بن الحسين عليه‌السلام ، انتهى.

وعن سماعة (2) قال : «سألته عن الرجل يقول يوم أتزوج فلانة فهي طالق ، فقال : ليس بشي‌ء ، إنه لا يكون طلاق حتى يملك عقدة النكاح».

وعن محمد بن قيس (3) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق وإن اشتريت فلانا فهو حر ، وإن اشتريت هذا الثوب فهو في المساكين ، فقال : ليس بشي‌ء ، لا يطلق إلا ما يملك ، ولا يعتق إلا ما يملك ، ولا يتصدق إلا بما يملك».

__________________

(1) أقول : في هذا الحديث دلالة على أن السنة في التعمم هو دون التحنك ، كما اشتهر بين جملة من الأصحاب ، فإنه ناش عن الغفلة عن ملاحظة الاخبار ، ونحو هذا الخبر غيره كما تقدم في كتاب الصلاة من هذا الكتاب. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) الكافي ج 6 ص 63 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 288 ب 12 ح 5.

(3) الكافي ج 6 ص 63 ح 5 وليس فيه «ولا يعتق الا ما يملك» ، الوسائل ج 15 ص 287 ب 12 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.


وما رواه الصدوق (1) في الصحيح عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن رجل قال : كل امرأة أتزوجها ما عاشت أمي فهي طالق ، فقال : لا طلاق إلا بعد نكاح ، ولا عتق إلا بعد ملك». ورواه في المقنع عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسلا.

وعن النضر بن قرواش (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «لا طلاق قبل نكاح ، ولا عتق قبل ملك».

وروى في كتاب قرب الاسناد (3) عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام «أنه كان يقول : لا طلاق لمن لا ينكح ، ولا عتاق لمن لا يملك».

أقول : المراد بالنكاح في هذه الأخبار الثلاثة مع رواية عبد الله بن سليمان المتقدمة هو العقد لا الوطء ، وإلا لم يتم الحصر في الأولين ولا السلب في الآخرين ، ويؤيده ما تقدم في موثقة سماعة من قوله «عقدة النكاح» وحينئذ ففي هذه الأخبار دلالة ظاهرة على تمام المدعى من عدم الطلاق بالمملوكة والأجنبية والمعلق طلاقها بالتزويج ، وهو بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.

وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (4) عن حبيب بن أبي ثابت قال : «كنت عند علي بن الحسين عليه‌السلام فقال له رجل : إني قلت يوم أتزوج فلانة فهي طالق ، فقال : اذهب فتزوجها ، فإن الله بدأ بالنكاح قبل الطلاق فقال «إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ» (5).

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 321 ذيل ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 286 ب 12 ح 1.

(2) الكافي ج 8 ص 169 ح 234 ، الوسائل ج 15 ص 287 ب 12 ح 4.

(3) قرب الاسناد ص 42 ، الوسائل ج 15 ص 288 ب 12 ح 7.

(4) مجمع البيان ج 8 ص 364 ، الوسائل ج 15 ص 289 ب 12 ح 13.

(5) سورة الأحزاب ـ آية 49.


أقول : وهذا الخبر أيضا ظاهر فيما قلناه.

وبالجملة فالحكم المذكور اتفاقي نصا وفتوى فلا إشكال ، وإنما خالف في ذلك العامة ، فحكم بعضهم بوقوعه على الأجنبية مطلقا ، وبعضهم بوقوعه إذا علقه بتزويجها ، بمعنى احتساب ذلك من الطلقات الثلاث المحرمة على تقدير تزويجها. وضعف الجميع بما ذكرنا من الأخبار ظاهر.

الثاني : أن يكون العقد دائما ، فلا يقع الطلاق بالأمة المحللة ولا المتمتع بها ولو كانت حرة ، والحكم هنا أيضا موضع وفاق كما نقله في المسالك ، قال : ولأن التحليل نوع إباحة ، فمتى شاء الزوج تركها بغير طلاق فلا حاجة إليه ، والمتمتع بها تبين بانقضاء المدة وبإسقاطه لها كما مر ، وقد روى محمد بن إسماعيل (1) في الصحيح عن الرضا عليه‌السلام قال : «قلت : وتبين بغير طلاق؟ قال : نعم». والاعتماد على الاتفاق ، وإلا فتعدد الأسباب ممكن ، انتهى.

أقول : ومما يدل على عدم وقوع الطلاق بالمحللة الأخبار الأربعة المتقدمة الدالة على أن الطلاق إنما هو بعد النكاح ، والنكاح كما عرفت عبارة عن العقد وهو قسيم للتحليل ، فلا يدخل فيه.

ومما يدل على عدم وقوعه بالمتمتعة الصحيحة التي ذكرها ، وما رواه في الكافي (2) عن هشام بن سالم قال : «قلت : كيف يتزوج المتعة؟ قال : تقول يا أمة الله أتزوجك كذا وكذا يوما ، فإذا مضت تلك الأيام كان طلاقها في شرطها».

وأما قوله «والاعتماد على الاتفاق ، وإلا فتعدد الأسباب ممكن» ففيه أنه

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 459 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 266 ح 72 ، الوسائل ج 14 ص 478 ب 25 ح 1.

(2) الكافي ج 5 ص 455 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 466 ب 18 ح 3 وفيهما «بكذا وكذا درهما» وكذلك في آخر الرواية «ولا عدة لها عليك».


وإن كان تعددها ممكنا إلا أن ذلك فرع ثبوت السببية ، وحيث لم يثبت هنا سببية الطلاق فالأصل عدمها لما تقدم من أن الأحكام المذكورة توقيفية ، فلا يحتاج إلى الاتفاق ، وفي معنى ما ذكرنا من الأخبار أخبار أخر لا ضرورة لا يرادها مع عدم المخالف.

الثالث : أن يطلقها في طهر لم يقربها فيه ـ بمعنى أن تكون مسترابة ـ فلو طلقها في طهر ومسها فيه لم يقع طلاق ، ويستثني من ذلك اليائسة والصغيرة والحامل والمسترابة على تفصيل يأتي ذكره إن شاء الله.

وأما ما يدل على الحكم الأول ـ أعني عدم صحة الطلاق في طهر واقعها فيه ـ فاتفاق الأصحاب وإجماعهم على ذلك أولا. وثانيا الأخبار المستفيضة بل قيل إنها ربما بلغت حد التواتر.

ومنها ما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن عمر بن أذينة عن زرارة وبكير ابني أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي والفضيل بن يسار وإسماعيل الأزرق ومعمر بن يحيى بن بسام كلهم سمعوه من أبي جعفر عليه‌السلام ومن ابنه بعد أبيه عليهما‌السلام بصورة ما قالوا وإن لم أحفظ حروفه غير أنه لم يسقط جمل معناه : إن الطلاق الذي أمر الله به في كتابه وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه إذا حاضت المرأة وطهرت من حيضها أشهد رجلين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقه ـ الحديث.

وما رواه في الكافي (2) بالسند المذكور عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام «أنهما قالا : إذا طلق الرجل في دم النفاس أو طلقها بعد ما يمسها فليس طلاقه إياها بطلاق».

وما رواه في الكافي (3) عن ابن أذينة في الصحيح عن بكير وغيره عن أبي جعفر

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 28 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 351 ب 3 ح 7 وفيهما اختلاف يسير.

(2) الكافي ج 6 ص 60 ح 11 ، التهذيب ج 8 ص 47 ح 66 ، الوسائل ج 15 ص 277 ب 8 ح 5.

(3) الكافي ج 6 ص 61 ح 17 ، التهذيب ج 8 ص 48 ح 67 ، الوسائل ج 15 ص 279 ب 8 ح 9.


عليه‌السلام قال : «كل طلاق لغير العدة فليس بطلاق ، أن يطلقها وهي حائض أو في دم نفاسها أو بعد ما يغشاها قبل أن تحيض ، فليس طلاقها بطلاق» الحديث. إلى غير ذلك من الأخبار كما تقدمت الإشارة إليه.

وأما ما يدل على الثاني ـ وهو استثناء اليائسة وما بعدها بعد الاتفاق على الحكم المذكور ـ فجملة من الأخبار :

ومنها ما رواه في الكافي (1) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس بطلاق خمس على كل حال : الغائب عنها زوجها ، والتي لم تحض ، والتي لم يدخل بها ، والحبلى ، والتي قد يئست».

وما رواه المشايخ الثلاثة (2) عن إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «خمس يطلقهن الرجل على كل حال : الحامل المتيقن حملها ، والغائب عنها زوجها ، والتي لم تحض ، والتي قد يئست من المحيض ، والتي لم يدخل بها».

وما رواه الشيخ (3) في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة وغيرهما عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام «قالا : خمس يطلقهن أزواجهن متى شاءوا ، الحامل المستبين حملها ، والجارية التي لم تحض ، والمرأة التي قعدت من المحيض ، والغائب عنها زوجها ، والتي لم يدخل بها».

وما رواه الصدوق في الخصال (4) عن حماد بن عثمان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «خمس يطلقن على كل حال : الحامل ، والتي قد يئست من المحيض ، والتي لم يدخل بها ، والغائب عنها زوجها ، والتي لم تبلغ المحيض».

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 79 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 306 ب 25 ح 3.

(2) الكافي ج 6 ص 79 ح 3 ، الفقيه ج 3 ص 334 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 61 ح 117 وص 70 ح 150 ، الوسائل ج 15 ص 305 ب 25 ح 1.

(3) التهذيب ج 8 ص 70 ح 149 ، الوسائل ج 15 ص 306 ب 25 ح 4.

(4) الخصال ج 1 ص 303 ح 81 ، الوسائل ج 15 ص 306 ب 25 ح 5.


إذا عرفت ذلك فاعلم أن المذكور في كلام الأصحاب عد الصغيرة في جملة من استثني من الحكم المتقدم ، والمذكور في الأخبار عدا رواية الخصال كما عرفت إنما هو التي لم تحض ، وليس فيها تعرض لذكر الصغيرة ، والظاهر أن الشيخ ومن تأخر عنه من الأصحاب فهموا من هذا اللفظ الكناية عن الصغيرة فجعلوها من جملة الخمس ، ولم يذكروا التي لم تحض ، قال الشيخ في النهاية بعد عد الصغيرة : والمراد بالصغيرة من نقص سنها عن تسع سنين ، قال : ومن كان لها تسع سنين فصاعدا ، ولم تكن حاضت بعد وأراد طلاقها فليصبر عليها ثلاثة أشهر ، ثم يطلقها بعد ذلك.

واعترضه في شرح النافع فقال : وعندي في التخصيص نظر ، ولا يبعد أن يكون المراد بمن لم تحض التي لم تحض مثلها عادة وإن زاد سنها عن التسع ، ومراده ـ رحمه‌الله ـ أن تفسيره من لم تحض الوارد في الأخبار بالصغيرة خاصة محل نظر ، بل الأولى في تفسيره هو الحمل على ما هو أعم ، وهي التي لم تحض مثلها عادة ، سواء كان لنقص سنها عن التسع أو لم يكن ، فيكون أعم من الصغيرة والمسترابة.

ولقائل أن يقول : إن رواية الخصال قد تضمنت على التي لم تبلغ المحيض وهي عبارة ، عن الصغيرة ، وحينئذ فيحمل عليها إطلاق الأخبار الباقية ، وبه يظهر صحة ما ذكره الأصحاب من عد الصغيرة في هذا الباب ويزول ما ذكره السيد المذكور من الإيراد.

وكيف كان فإنهم عدوا المسترابة في جملة من استثني بشرط مضي ثلاثة أشهر ، وهي عندهم من كانت في سن من تحيض وهي لا تحيض ، سواء كان عدم حيضها لعارض من رضاع أو مرض أو يكون خلقيا ، قالوا : وإطلاق المسترابة عليها مجرد اصطلاح ، وإلا فقد يحصل مع انقطاع الحيض استرابة الحمل وقد


لا يحصل ، إلا أنه لا بد في طلاقها من مضي ثلاثة أشهر ولا يقع قبلها وهو مقطوع به (1) في كلامهم بل الظاهر أنه موضع وفاق.

ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام (2) في الصحيح عن داود بن أبي يزيد العطار عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المرأة يستراب بها ، ومثلها تحمل ومثلها لا تحمل ولا تحيض وقد واقعها زوجها ، كيف يطلقها إذا أراد طلاقها؟ قال : فليمسك عنها ثلاثة أشهر ثم يطلقها».

وما رواه الشيخ (3) في الصحيح عن إسماعيل بن سعد الأشعري قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن المسترابة من المحيض كيف تطلق؟ قال : تطلق بالشهور». والظاهر أن المراد بالشهور الأشهر الثلاثة.

ويؤيده ما رواه في الكافي (4) عن الحسن بن علي بن كيسان قال : «كتبت إلى الرجل عليه‌السلام أسأله عن رجل له امرأة من نساء هؤلاء العامة ، وأراد أن يطلقها ، وقد كتمت حيضها وطهرها مخافة الطلاق ، فكتب عليه‌السلام : يعتزلها ثلاثة أشهر ثم يطلقها.

الرابع : أن يعين المطلقة ، على خلاف في ذلك ، وتوضيح ذلك : إنه قد اختلف الأصحاب في أنه لو كان له أكثر من زوجة فقال : إحداكن طالق ،

__________________

(1) قال المحقق ـ قدس‌سره ـ في الشرائع بعد ذكر الشرط المذكور : ويسقط اعتبار ذلك في اليائسة ، وفيما لم تبلغ المحيض. وفي الحامل والمسترابة بشرط أن يمضي عليها ثلاثة أشهر لم تر دما معتزلا لها ، ولو طلق المسترابة قبل مضى ثلاثة أشهر من حين المواقعة لم يقع الطلاق ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) الكافي ج 6 ص 97 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 69 ح 147 ، الوسائل ج 15 ص 335 ب 40 ح 1.

(3) التهذيب ج 8 ص 68 ح 144 ، الوسائل ج 15 ص 414 ب 4 ح 17.

(4) الكافي ج 6 ص 97 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 311 ب 28 ح 2.


أو إحدى زوجاتي طالق ، فالمشهور أنه باطل لوجوب التعيين ، وهو مذهب الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابن إدريس والشيخ في أحد قوليه والمحقق في أحدهما ، والعلامة في أحدهما وكذا الشهيد في أحدهما وهو اختيار السيد السند في شرح النافع ، وهو الأظهر لما قدمنا ذكره سابقا من أن النكاح والطلاق أمور توقيفية يجب الوقوف فيها على ما رسمه الشارع صحة وبطلانا ، ولا ريب أن النكاح عصمة مستفادة من الشرع فلا بد في زواله من سبب شرعي قد علم من الشارع ، والقدر المعلوم إجماعا ونصا كما هو المفهوم من أخبار أهل البيت عليهم‌السلام هو المعين ، فمن ادعى سببية غيره فعليه الدليل ، وليس له إلى ذلك سبيل.

وقال الشيخ في المبسوط : إنه يصح. واختاره ابن البراج وتبعهما المحقق والعلامة والشهيد في أقوالهم الأخر ، واحتجوا بأصالة عدم الاشتراط ، وعموم مشروعية الطلاق.

ويرد على الأول ما أشرنا إليه من أن الطلاق من الأمور التوقيفية ، لا مدخل للأصل فيها ، بل المدار فيه على وجود السبب الذي جعله الشارع لذلك ، وحيث لم يوجد فلا يمكن الحكم به.

وعلى الثاني منع العموم على وجه يتناول ما ذكروه ، بل منع كون ذلك طلاقا ، ولهم بناء على هذا القول تفريعات قد اختلفت فيها أنظارهم واضطربت فيها أفكارهم.

منها أنه متى طلق ولم يعين فهل يستخرج المطلقة بالقرعة أو يرجع في ذلك إلى تعيينه؟ قولان : اختار أولهما المحقق في الشرائع ، وثانيهما العلامة في القواعد.

ومنها أنه على القولين المذكورين ، فهل يحكم بوقوع الطلاق من حين اللفظ أو من حين التعيين؟ قولان آخران : اختار أولهما الشيخ في المبسوط ، وثانيهما العلامة في القواعد والتحرير ، ويتفرع على ذلك العدة ، فعلى الأول تعتد من حين


اللفظ ، وعلى الثاني من حين التعيين. إلى غير ذلك من التفريعات والمباحث الطويلة المتفرعة على هذا القول ، وحيث قد عرفت أنه لا دليل على القول المذكور. فلا ضرورة إلى التشاغل بما يتفرع عليه.

الخامس : أن تكون طاهرة من الحيض والنفاس بشرط أن تكون مدخولا بها وزوجها حاضرا ، فلو طلقها في حال الحيض والنفاس مع عدم الأمرين المذكورين فلا خلاف في عدم وقوعه طلاقا ، وبه تظافرت الأخبار.

فروى الشيخ (1) في الصحيح عن محمد الحلبي قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يطلق امرأته وهي حائض؟ قال : الطلاق على غير السنة باطل».

وقد تقدم في صحيحة عمر بن أذينة (2) الثانية عن الجماعة المتقدم ذكرهم إذا طلق الرجل في دم النفاس أو طلقها بعد ما يمسها فليس طلاقة إياها بطلاق.

وما رواه في الكافي (3) عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته وهي حائض ، فقال : الطلاق بغير السنة باطل».

وقد تقدم أيضا في رواية ابن أذينة في الصحيح عن بكير (4) وغيره ما يدل على ذلك ، إلى غير ذلك من الأخبار.

وأما ما يدل على صحة طلاق الحائض غير المدخول بها والغائب عنها زوجها فهو ما تقدم من الأخبار الدالة على أن خمسا يطلقن على كل حال ، وعد منهن

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 58 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 47 ح 63 ، الوسائل ج 15 ص 277 ب 8 ح 3.

(2) الكافي ج 6 ص 60 ح 11 ، التهذيب ج 8 ص 47 ح 66 ، الوسائل ج 15 ص 277 ب 8 ح 5.

(3) الكافي ج 6 ص 58 ح 6 ، التهذيب ج 8 ص 47 ح 64 ، الوسائل ج 15 ص 277 ب 8 ح 2.

(4) الكافي ج 6 ص 60 ح 17 ، التهذيب ج 8 ص 47 ح 67 ، الوسائل ج 15 ص 279 ب 8 ح 9.


التي لم يدخل بها والغائب عنها زوجها.

وبالجملة فالحكم المذكور مما لا خلاف فيه ولا إشكال ، وإنما محل البحث والاشكال الذي طال فيه النزاع والجدال وكثر فيه القيل والقال قدر الغيبة الموجبة لجواز الطلاق في المحيض ، وتفصيل الكلام في المقام أن يقال :

لا خلاف نصا وفتوى في جواز طلاق الحائض إذا كان الزوج غائبا في الجملة فلو أراد أن يطلق زوجته وقد خرج عنها في طهر جامعها فيه ، فهل يكفي في الجواز مجرد الغيبة؟ أم لا بد من أمر آخر وتربص مدة معينة؟

وها أن أنقل ما وصل إلى من الأقوال والأخبار صحيحها وضعيفها بناء على ما هو المختار ، فأقول :

قد ذهب الشيخ المفيد (1) وسلار والشيخ علي بن الحسين بن بابويه وابن أبي عقيل وغيرهم إلى جواز طلاق الغائب إذا كانت بحيث لا يمكنه استعلام حالها من غير تربص ، وادعى ابن أبي عقيل تواتر الأخبار بذلك.

وقال الصدوق في الفقيه (2) : وإذا أراد الغائب أن يطلق امرأته ، فحد غيبته التي إذا غابها كان له أن يطلق متى شاء ، أقصاه خمسة أشهر أو ستة أشهر ،

__________________

(1) أقول : قال الشيخ المفيد ـ قدس‌سره ـ : ومن كان غائبا عن زوجته فليس يحتاج في طلاقها إلى ما يحتاج اليه الحاضر من الاستبراء ، لكنه لا بد له من الإشهاد ، فإذا أشهد رجلين من المسلمين على طلاقه لها وقع بها الطلاق ان كانت طاهرا وحائضا وعلى كل حال.

وقال الشيخ على بن الحسين بن بابويه : واعلم يا بنى أن خمسا يطلقن على كل حال ولا يحتاج الرجل أن ينتظر طهرهن. وعد الخمس المذكورات في الاخبار.

وقال ابن أبي عقيل : وقد تواترت الاخبار عن الصادقين عليهم‌السلام أن خمسا يطلقن على كل حال إذا شاء أزواجهن أي وقت شاءوا وهي التي قد يئست من المحيض. ثم ساق باقي الأفراد كما ورد في تلك الاخبار ، ولم يقدر مدة الغيبة بقدر معين.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) الفقيه ج 3 ص 325 ذيل ح 1.


وأوسطه ثلاثة أشهر ، وأدناه شهر.

وقال الشيخ في النهاية : ومتى لم يكن دخل بالمرأة وطلقها وقع الطلاق وإن كانت حائضا ، وكذلك إن كان غائبا شهرا فصاعدا وقع طلاقه إذا طلقها وإن كانت حائضا ـ وقال في موضع آخر منها : ـ إذا خرج إلى السفر وقد كانت طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع جاز له أن يطلقها أي وقت شاء ، ومتى كانت طاهرا طهرا قد قربها فيه بجماع فلا يطلقها حتى يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ، ثم يطلقها بعد ذلك أي وقت شاء.

وكلامه الأول يرجع إلى ما ذكره الصدوق في الفقيه ، وبه صرح ابن حمزة أيضا ، فقدر مدة التربص بشهر فصاعدا.

وبما ذكره من الكلام الثاني صرح ابن البراج (1) وقال ابن الجنيد : والغائب لا يطلق حتى يعلم أن المرأة برية من الحمل أو هي حامل ، فإن علم ذلك فأوقع الطلاق على شرائطه وقع ، ثم قال : وينتظر الغائب بزوجته من آخر جماع أوقعه ثلاثة أشهر إذا كانت ممن تحمل ، وإن كانت آيسة أو لم تبلغ إلى حال الحمل طلقها إذا شاء وهو ظاهر في تقدير مدة التربص بثلاثة أشهر وعلم براءة رحمها من الحمل.

واختار هذا القول العلامة في المختلف ، وذهب الشيخ في الاستبصار وابن إدريس والعلامة في أكثر كتبه ، والمحقق وهو المشهور بين المتأخرين إلى اعتبار مضي مدة يعلم انتقالها من الطهر الذي واقعها فيه إلى آخر بحسب عادتها ، ولا يتقدر بمدة مخصوصة.

والأصل في اختلاف هذه الأقوال اختلاف الأخبار الواردة عن الأئمة عليهم‌السلام ومنها ما تقدم في الشرط الثالث من الأخبار الدالة على أن خمسا يطلقن على

__________________

(1) فقال : ان كان لما خرج كانت طاهرة طهرا لم يقربها فيه بجماع طلقها أي وقت أراد وان كانت طاهرا طهرا قد قربها فيه بجماع فلا يطلقها حتى تمضى لها ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ويطلقها بعد ذلك أى وقت أراد ، انتهى. (منه ـ رحمة الله عليه ـ).


كل حال (1).

والظاهر أنه بإطلاق هذه الأخبار أخذ الشيخ المفيد ومن تبعه من المشايخ المتقدم ذكرهم كما هو صريح عبارتي ابن أبي عقيل والشيخ علي بن بابويه.

ونحو هذه الأخبار أيضا ما رواه في الكافي (2) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب؟ قال : يجوز طلاقه على كل حال ، وتعتد امرأته من يوم طلقها».

وما رواه في التهذيب (3) «في الرجل يطلق امرأته وهو غائب ، فيعلم أنه يوم طلقها كانت طامثا ، قال : يجوز».

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (4) : «واعلم أن خمسا يطلقن على كل حال ، ولا يحتاج أن ينتظر طهرهن : الحامل والغائب عنها زوجها والتي لم يدخل بها والتي لم تبلغ الحيض والتي قد يئست من الحيض».

أقول : وبهذه العبارة عبر الشيخ علي بن الحسين بن بابويه في رسالته إلى ابنه كما تقدمت الإشارة إليه فقال ـ على ما نقله في الفقيه ـ : واعلم يا بني أن خمسا يطلقن على كل حال ، ولا يحتاج الرجل أن ينتظر طهرهن ، ثم عد هؤلاء المذكورات ، وهو مؤيد لما قد تقدم ذكره في غير مقام من إفتائه بعبارات الكتاب المذكور.

ومنها ما رواه في الكافي (5) في الموثق عن إسحاق عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 79 ح 1 و 2 و 3 ، الفقيه ج 3 ص 334 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 305 و 306 ب 25 ح 1 و 3.

(2) الكافي ج 6 ص 80 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 307 ب 26 ح 1.

(3) التهذيب ج 8 ص 62 ح 120 ، الوسائل ج 15 ص 308 ب 26 ح 6.

(4) فقه الرضا ص 244 ، مستدرك الوسائل ج 3 ص 6 ب 19 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.

(5) الكافي ج 6 ص 80 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 307 ب 26 ح 3.


قال : «الغائب إذا أراد أن يطلقها تركها شهرا».

وعن حميد عن ابن سماعة (1) قال : «سألت محمد بن أبي حمزة : متى يطلق الغائب؟ قال : حدثني إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله أو أبي الحسن عليهما‌السلام قال : إذا مضى له شهر».

وما رواه الشيخ (2) في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الرجل إذا خرج من منزله إلى السفر فليس له أن يطلق حتى تمضي ثلاثة أشهر».

وما رواه في الفقيه والتهذيب (3) عن إسحاق بن عمار في الموثق قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : الغائب الذي يطلق كم غيبته؟ قال : خمسة أشهر أو ستة أشهر ، قلت : حد دون ذا؟ قال : ثلاثة أشهر».

وما رواه في الكافي (4) عن بكير في الحسن قال : «أشهد على أبي جعفر عليه‌السلام أني سمعته أنه يقول : الغائب يطلق بالأهلة والشهور».

وجمع الشيخ بين هذه الأخبار المختلفة في مدة التربص بحملها على اختلاف عادات النساء في الحيض ، وعلم الزوج بحال زوجته في ذلك فقال : فمن يعلم من حال زوجته أنها تحيض في كل شهر يجوز له أن يطلقها بعد انقضاء الشهر ، ومن يعلم أنها لا تحيض إلا في كل ثلاثة أشهر لم يجز له أن يطلقها إلا بعد انقضاء ثلاثة أشهر ، وكذلك من تحيض في كل ستة أشهر ، وحينئذ فالمراعى في جواز ذلك مضي حيضة وانتقالها إلى طهر لم يقربها فيه بجماع. واقتفاه

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 81 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 308 ب 26 ح 5.

(2) التهذيب ج 8 ص 62 ح 122 ، الوسائل ج 15 ص 308 ب 26 ح 7.

(3) الفقيه ج 3 ص 325 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 62 ح 123 ، الوسائل ج 15 ص 308 ب 26 ح 8 وما في المصادر اختلاف يسير.

(4) الكافي ج 6 ص 79 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 63 ح 124 ، الوسائل ج 15 ص 307 ب 26 ح 2.


في هذا أكثر المتأخرين.

قال المحقق الشيخ علي ـ رحمة الله عليه ـ : وهو الذي يقتضيه النظر الصحيح والوقوف مع القوانين الأصولية ، لأن الأخبار الدالة على وجوب التربص مدة ليصح الطلاق لا يجوز إجراؤها على ظاهرها من الاختلاف والتنافي ، ولا إطراح بعضها ، فلم يبق إلا الجمع بينها بالحمل على أن المراد مراعاة زمان يعلم الزوج الغائب حصول الحيض بعد طهر الجماع ، والانتقال عنه إلى الطهر ، وأن الاختلاف ينزل على اختلاف عادة النساء في حصول الحيض باعتبار شهر أو ثلاثة أشهر أو خمسة أو ستة ، فقد اشتركت أخبار التربص في أن الانتقال من طهر إلى طهر آخر شرط في صحة الطلاق من الغائب ولو ظنا مستفادا من عادة المرأة إن كانت معلومة ، وإلا فمن غالب عادات النساء. ودلت رواية أبي بصير (1) على أنه لو طلقها وعلم يوم طلقها أنها كانت طامثا يجوز الطلاق. ولا ريب أن ما اشتركت فيه هذه الأخبار مخصوص لعموم الخبرين الدالين على جواز تطليق زوجة الغائب على كل حال ، انتهى كلامه.

أقول : لا ريب أن تلك الأخبار المطلقة التي دلت على مذهب الشيخ المفيد ومن تبعه من أولئك الفضلاء دالة على جواز الطلاق على كل حال ، والأخبار الدالة على التربص بالنظر إلى القاعدة الأصولية يجب أن تكون مخصصة لها ، لكن الإشكال في هذه الأخبار الدالة على التربص من حيث اختلافها ، فإن التخصيص بها يتوقف على جمعها على وجه يرفع الاختلاف بينها. والجمع بينها بما ذكروه من اختلاف عادات النساء بناء على الغائب بعيد جدا ، فإنه وإن قرب في رواية الشهر إلا أنه بعيد في رواية الثلاثة الأشهر ، وأبعد منه في رواية الخمسة والستة الأشهر ، فإن الغالب في هذا المقدار ممنوعة أشد المنع ، بل هو مخالف للغالب ، على أن تلك الأخبار ليس فيها سؤال عن واقعة مخصوصة حتى تنزيلها على كون المرأة

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 62 ح 120 ، الوسائل ج 15 ص 308 ب 26 ح 6.


معتادة بتلك العادة ، وإنما وقع السؤال في كل خبر منها عن مطلق النساء ومطلق الغائب ، فكأنه بمنزلة القاعدة الكلية (1) والضابطة الجلية لا اختصاص له بفرد دون فرد.

وبالجملة فإن تخصيص إطلاق تلك الأخبار بأخبار التربص مع اختلافها غير تام ، فلا بد من جمعها على وجه تلتئم به ، وهذا الوجه الذي ذكروه قد عرفت ما فيه.

نعم يتجه عند من يعمل بهذا الاصطلاح المحدث ترجيح روايات الثلاثة الأشهر لصحة بعضها ، فيخصص بها هذا الإطلاق ، ولهذا قال السيد ـ في شرح النافع حيث إنه من أرباب هذا الاصطلاح ـ ما لفظه : والذي يقتضيه الجمع بين الأخبار الصحيحة بعد طرح غيرها اعتبار الثلاثة الأشهر حملا لما أطلق فيه من الأخبار جواز طلاق الغائب على هذا المقيد ، ويعضده أن الغالب من حال الغائب وزوجته أن يكون حالها مجهول عنده فتكون كالمسترابة التي يجب التربص بها ثلاثة أشهر ومع ذلك فما ذهب إليه شيخنا المفيد ـ قدس‌سره ـ ومن تبعه من عدم اعتبار التربص غير بعيد عن الصواب حملا لما تضمن ذلك على الأفضلية ، إذ من المستبعد جدا إطلاق صحة طلاق الغائب على كل حال في الأخبار الصحيحة الواردة في مقام البيان مع أنها مشروطة بأمر آخر غير مذكور ، وفي موثقة إسحاق بن عمار إشعار بذلك أيضا ، والمسألة محل تردد ، ولا ريب أن اعتبار الثلاثة أشهر كما تضمنته صحيحة جميل بن دراج أولى وأحوط ، انتهى.

أقول : ومرجع كلامه هنا في توجيه كلام الشيخ المفيد إلى وجه آخر في الجمع بين المطلق والمقيد ، وهو العمل بالمطلق على إطلاقه ، وحمل المقيد على

__________________

(1) وذلك فان اللام فيها لام التحلية ، وهو للعموم في المقامات الخطابية ، كقولهم «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» وهكذا في الإضافة أيضا ، وحينئذ فيكون ذلك بمنزلة القاعدة الكلية كما ذكروه في حديث إذا بلغ الماء كرا. (منه ـ قدس‌سره ـ).


الاستحباب ، المنع في كلامهم إنما هو من الحمل على القاعدة الأصولية من حمل المطلق على المقيد ، وبعض الأخبار يشير إليه ويعضده ، وما ذكره من الاستبعاد غير جيد ، فإن نظيره في الأحكام غير عزيز بل شائع كثير ، وما ذهب إليه الشيخ في الاستبصار ومن تبعه ممن تقدم ذكره جيد ، إلا أن الكلام في تطبيق أخبار التربص عليه ، فإن فيه ما عرفته من أن مبنى كلامه إلى أن اختلاف الأخبار مبنى على اختلاف عادات النساء ، فمن كانت عادتها في الشهر مرة لا يجوز طلاقها إلا بعد شهر ، ومن كانت في كل ثلاثة أشهر فلا يجوز إلا بعد الثلاثة ، وهكذا وقد تقدم ما فيه.

وبالجملة فالمسألة محل إشكال ، ولا يحضرني الآن مذهب العامة في المسألة فلعل أخبار التربص إنما خرجت مخرج التقية ، أو اختلافها إنما كان من حيث ذلك.

بقي في المقام مسائل

الاولى : إذا قلنا بوجوب التربص مدة فطلق الغائب زوجته ، فلا يخلو إما أن يطلق بعد مضي المدة المعتبرة أو قبلها ، وعلى كل من التقديرين المذكورين إما أن يوافق فعله كونها جامعة لشرائطه في الواقع ، بأن تكون قد حاضت بعد طهر المواقعة فوقع الطلاق حال الطهر ، أو لا يوافق ، بأن تبين وقوعه في طهر المواقعة أو حالة الحيض أو يستمر الاشتباه ، وحينئذ فهنا صور :

الاولى : أن يطلقها بعد المدة المعتبرة ثم تظهر الموافقة بأن كانت قد انتقلت من طهر المواقعة إلى طهر آخر ، وأن الطلاق وقع حال الطهر ، ولا إشكال هنا في صحة الطلاق إجماعا لاجتماع شرائطه المعتبرة في صحته ظاهرا وفي نفس الأمر.

الثانية : الصورة بحالها ، ولكن ظهر بعد ذلك كونها حائضا حال الطلاق ، ولا إشكال هنا أيضا في صحة الطلاق لأن المعتبر في صحة طلاق الغائب مراعاة المدة


المعتبرة ، وهو حاصل هنا ، وظهور الحيض هنا غير مانع لعدم العلم به حال الطلاق ، وظهوره بعد ذلك مستثنى بالنص والفتوى كما تقدمت به الأخبار ومنها رواية أبي بصير (1) المصرحة بكونه قد طلق امرأته وهو غائب ثم علم بعد ذلك أنها يوم طلقها كانت طامثا فأجاز عليه‌السلام الطلاق. وبالجملة فإن الصحة في هذه الصورة مجمع عليها نصا وفتوى.

الثالثة : الصورة الأولى بحالها ، لكن ظهر بعد ذلك كونها باقية في طهر المواقعة لم تنتقل منه إلى حيض ولا طهر آخر.

قال في المسالك : وهو صحيح أيضا لعين ما ذكر في سابق هذه الصورة ، وهو وقوعه على الوجه المعتبر شرعا ولأن الطلاق إذا حكم بصحته في حالة الحيض بالنص والإجماع فلأن يحكم بصحته في حال الطهر أولى ، لما قد عرفت من أن شرط الطلاق في غير الغائب أمران : وقوعه في طهر ، وكون الطهر غير طهر المواقعة ، فإذا اتفق وقوعه في حالة الحيض تخلف الشرطان لعدم طهر آخر غير طهر المواقعة وعدم الخلو من الحيض ، وإذا اتفق وقوعه في حالة الطهر فالمتخلف شرط واحد ، وهو كون الطهر غير طهر المواقعة ، فإذا كان تخلف الشرطين في الغائب غير مانع فتخلف أحدهما أولى بعدم المنع ، انتهى.

وعورض بأن شرط الطلاق من غير الغائب أمران : الانتقال من طهر المواقعة ، ووقوع الطلاق في الطهر ، فإذا اتفق وقوعه في حال الحيض تخلف الثاني ، وإذا اتفق في طهر المواقعة تخلف الأول : فلا تتم الأولوية المذكورة.

واستظهر المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ عدم الوقوع لانتفاء شرط الصحة ، وهو استبراء الرحم خرج منه حال الحيض ، فيبقى الباقي ، ونمنع من وجود الشرط فإن الاذن في الطلاق استنادا إلى الظن لا يقتضي الحكم بالصحة إذا ظهر بطلان الظن.

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 62 ح 120 ، الوسائل ج 15 ص 308 ب 26 ح 6.


وأجيب عنه بأن الشرط المعتبر في طلاق الغائب ليس إلا مراعاة المدة المعتبرة وهو حاصل كما هو المفروض ، وصحة الطلاق لو ظهر وقوعه حال الحيض المستفادة من رواية أبي بصير وغيرها ، وعمل الأصحاب مبنية عليه ، وحينئذ فلا يقدح ظهور بطلان الظن ولا يؤثر فيما حكم بصحته كما ظنه ـ رحمه‌الله.

وبالجملة فإن الشرط المعتبر حاصل كما هو التقدير ، والمانع وهو ظهور الخطأ لا يصلح للمانعية ، كيف وقد تخلف فيما هو أولى بالحكم أو مساو في المنع. والفصل بين الحالين ـ مع تخلف الشرط فيهما ، والقول بصحة أحدهما دون الآخر تعلقا بفقد الشرط لظهور بطلان الظن ـ تحكم محض.

وأما حديث كون الحكمة ـ في انتظار المدة المقررة ـ هو استبراء الرحم ، فحديث شعري ، والعلة المذكورة مستنبطة محضة لا منصوصة ، فلا يلزم اطرادها. وإنما المنصوص فيما وصل إلينا من الأخبار اعتبار انقضاء المدة واستنبط منها الاكتفاء بظن الانتقال من طهر إلى آخر ، وكلاهما متحقق.

أقول : لا ريب أنه بالنظر إلى ظاهر أخبار المسألة مطلقها ومقيدها يظهر قوة القول الأول ، لأن المطلق منها قد دل على أن الغائب يطلق زوجته على كل حال ، وهذه الحال المفروضة التي هي محل البحث داخلة في العموم بلا ريب ، والمقيد بالتربص دل على أنه يتربص بها المدة المعتبرة وبعدها يجوز له طلاقها ، ولا استفصال فيها بين ظهور كونها وقت الطلاق حائضا أو في طهر المواقعة أو غير ذلك ، وعدم الاستفصال دليل العموم في المقال.

الرابعة : أن يطلقها مراعيا للمدة المعتبرة ، ويستمر الاشتباه فلا يعلم كونها حال الطلاق ذات حيض أم لا ، في طهر المواقعة أم لا ، والطلاق هنا صحيح قولا واحدا كما ذكره في المسالك ، ووجهه وجود المقتضي ، وهو مضي المدة المعتبرة ، لأن شرط صحة طلاق الغائب مراعاة مضي المدة المعتبرة مع عدم العلم بكونها وقت الطلاق حائضا أو باقية في طهر المواقعة ، وهو حاصل كما هو المفروض ، وعدم


المانع ، إذ ليس إلا الاشتباه ، وهو غير صالح للمانعية ، فإنه مع الظهور كما تقدم لا يبطل الطلاق ، فبطريق الأولى مع الاشتباه.

الخامسة : أن يطلقها قبل مضي المدة المعتبرة إلا أنه ظهر بعد الطلاق وقوعه في طهر لم يقربها فيه ، قالوا : وفي صحة الطلاق وجهان : من حصول شرط الصحة في نفس الأمر وظهور ذلك ، ومن عدم وجود الشرط المعتبر في صحة الطلاق حال إيقاعه.

ورجح الأول في المسالك بأنه يمكن أن يجعل ظهور اجتماع الشرائط بعد ذلك كاشفا عن صحته ، خصوصا مع جهله ببطلان الطلاق من دون مراعاة الشرط ، لقصده حينئذ إلى طلاق صحيح ، ثم ظهر اجتماع شرائطه ، ثم قال : فالأظهر الصحة.

واعترضه سبطه في شرح النافع بأنه مشكل لإطلاق النص الدال على اعتبار المدة في الغائب ولم تحصل هنا ، وهو جيد.

السادسة : الصورة بحالها إلا أنه تبين عدم الانتقال من طهر المواقعة أو كونها حائضا أو استمر الاشتباه ، والظاهر أنه لا إشكال في بطلان الطلاق لعدم حصول الشرط ، وهو مضي المدة المعتبرة ، وأكده ظهور كون الطلاق في طهر المواقعة أو حال الحيض أو استمرار الاشتباه ، فالإشكال في الأول باحتمال الصحة إنما نشأ من انكشاف الحال بما يقتضي الصحة ، والأمر هنا بالعكس.

المسألة الثانية : لو تربص بها المدة المعتبرة وأخبره من يعتد بقوله شرعا أنها حائض بسبب تغيير عادتها ، وكذا لو أخبره ببقائها في طهر المواقعة ، أو بكونها حائضا حيضا آخر بعد الطهر ، فطلقها والحالة هذه ، فهل يصح أم لا؟ إشكال ، وجزم المحقق الشيخ علي وشيخنا الشهيد الثاني بالعدم.

احتج المحقق المذكور بأن ظاهر الأخبار يقتضي العلم بطهرها وقت الطلاق أو ظنه ، ولعموم الدلائل الدالة على المنع من طلاق الحائض ، خرج ما دل عليه


أخبار الخمس (1) اللاتي يطلقن على كل حال ، ومنها زوجة الغائب بعد التربص إذا ظهر كونها حائضا عند الطلاق. لرواية أبي بصير (2) فيبقى الباقي على أصله ، انتهى.

وقيل : بأن فيه وجها آخر بالصحة لحصول الشرط ، وهو انقضاء المدة المعتبرة ، ولا يخلو من قوة ، لما عرفت من أن المستفاد من النصوص إنما هو التربص المقدار المذكورة وظن الانتقال من طهر إلى آخر إنما استفيد استنباطا كما اعترف به في المسالك ، وما ذكره المحقق المزبور من أن ظاهر الأخبار يقتضي العلم بطهرها وقت الطلاق ، أو ظنه إنما يسلم له بالنسبة إلى أخبار الحاضر ، وهو غير محل البحث ، وإلا فأخبار طلاق الغائب لا إشعار فيها بما ذكره إن لم يكن فيما إشعار بخلافه ومع تسليم عموم الدلائل الدالة على المنع من طلاق الحائض يجب تخصيصه بما دل على صحة طلاق الغائب إما مطلقا أو بعد مدة التربص مطلقا وإن ظهر كونها حائضا.

والتحقيق أن هنا عمومين قد تعارضا (أحدهما) عموم المنع من طلاق الحائض الشامل لطلاق الغائب وغيره (وثانيهما) عموم جواز طلاق الغائب على كل حال مطلقا أو بعد المدة المعتبرة الشامل حالي ظن الحيض وعدمه ، وتخصيص أحدهما بالآخر يحتاج إلى مخصص من خارج ، ومنه يظهر بقاء المسألة في قالب الاشكال وإن كان مقتضى الاحتياط سيما في الفروج تخصيص العموم الثاني بالأول

المسألة الثالثة : ظاهر الأصحاب أنه لو خرج في طهر لم يقربها فيه فإنه يصح طلاقها من غير تربص وإن اتفق في الحيض ، وبه صرح الشيخ في النهاية فيما قدمنا من عبارته ، ونحوها عبارة ابن البراج.

وقال في المسالك : لو كان خروج الزوج في طهر آخر غير طهر المواقعة

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 79 ح 1 و 2 و 3 ، الفقيه ج 3 ص 334 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 305 و 306 ب 25 ح 1 و 3.

(2) التهذيب ج 8 ص 62 ح 120 ، الوسائل ج 15 ص 308 ب 26 ح 6.


يصح طلاقها من غير تربص ما لم يعلم كونها حائضا ، ولا يشترط هنا العلم أو الظن بعدم الحيض لأن شرط الصحة هنا موجود ، وهو استبراؤها بالانتقال من طهر إلى آخر ، وإنما الحيض بعد ذلك مانع من صحة الطلاق ، ولا يشترط في الحكم بصحة الفعل العلم بانتفاء موانعه ، بل يكفي عدم العلم بوجودها.

وظاهر سبطه السيد السند في شرح النافع التوقف والاستشكال في هذا المقام ، حيث إنه بعد نسبة أصل الحكم المذكور إلى الشيخ في النهاية وجماعة قال : وهو مشكل ، لإطلاق ما تضمن اعتبار مضي المدة في الغائب ، فإنه يتناول بإطلاقه من خرج في طهر المواقعة وغيره ، ولأن ما تضمن بطلان طلاق الحائض متناول لهذه الصور كما يتناول غيرها ، فيتوقف الحكم بالصحة في هذه الصورة على وجود دليل عليه. نعم لو قيل : بأن من هذا شأنه يصح طلاقه من غير تربص إذا اتفق وقوع الطلاق في الطهر كان متجها ، لأن الحاضر يقع طلاقه على هذا الوجه ، فالغائب أولى ، لأنه أخف حكما منه ، انتهى وهو جيد.

ويزيده إيضاحا وبيانا أنه لا ريب في صحة هذا القول بناء على مذهب الشيخ المفيد ومن تبعه من أولئك الأفاضل من صحة الطلاق مع عدم التربص ، إنما الإشكال بناء على وجوب التربص ، فإن فيه :

(أولا) أن ظاهر أخبار التربص هو وجوب ذلك أعم من هذه الصورة المفروضة وغيرها ، وتخصيصها يحتاج إلى دليل.

(وثانيا) أنه كما أن من شروط صحة الطلاق العلم بانتقال المرأة من طهر المواقعة إلى طهر آخر كذلك من شروطه العلم بكونها غير حائض وقت الطلاق كما قدمنا بيانه ـ ودلالة الأخبار عليه ـ في الشرط الخامس.

وغاية ما يفهم من الأخبار بالنسبة إلى الفرق بين الحاضر والغائب هو أن الغائب يصح طلاقه بعد التربص للمدة المعتبرة ، وإن اتفق كون الطلاق في طهر المواقعة أو اتفق كونها حائضا وقت الطلاق. وأما الحاضر فلا بد من تقدم العلم


بعدم الأمرين المذكورين ، وحينئذ فالحكم بصحة الطلاق مع الغيبة وعدم التربص بل بمجرد العلم بكونها في غير طهر المواقعة ، وإن كان حائضا يحتاج إلى دليل لكونه على خلاف ما يظهر من أدلة وجوب التربص ، فيبقى على الأصل من اشتراط العلم بعدم الحيض الذي قامت الأدلة على أنه شرط في صحة الطلاق.

قوله ـ رحمه‌الله ـ : ولا يشترط هنا العلم أو الظن بعدم الحيض لأن شرط الصحة هنا موجود ، وهو استبراؤها بالانتقال من طهر إلى آخر مردود بأنه كما أن من الشروط الانتقال من طهر إلى آخر كذلك منها العلم بكونها طاهرا وقت الطلاق كما عرفت ، وغاية ما دل عليه الدليل سقوط هذين الشرطين في الغائب مع التربص لا مع عدمه ، وبالجملة فالأظهر عندي ما ذكره السيد السند المذكور ـ رحمه‌الله.

المسألة الرابعة : لو كان حاضرا لكن لا يمكنه الوصول إلى الزوجة واستعلام حالها لحبس ونحوه ، فهو بمنزلة الغائب فيما عرفت من حكمه والأقوال فيه ، كما أنه لو كان غائبا ولكن يمكنه استعلام أحوالها لورود الأخبار عليه ممن يعتقد صدقة ، ويركن في صحة الأخبار إليه ، فإنه يكون في حكم الحاضر.

والذي يدل على الحكم الأول من الأخبار ما رواه في الكافي والفقيه (1) في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة سرا من أهلها وهي في منزل أهلها ، وقد أراد أن يطلقها وليس يصل إليها ليعلم طمثها إذا طمثت ولا يعلم بطهرها إذا طهرت ، قال : فقال : هذا مثل الغائب عن أهله ، يطلقها بالأهلة والشهور ، قلت : أرأيت إن كان يصل إليها الأخبار الأحيان والأحيان لا يصل إليها فيعلم حالها ، كيف يطلقها؟ فقال ، إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيه فيطلقها إذا نظر إلى غرة الشهر الآخر بشهود ، ويكتب الشهر الذي يطلقها فيه ويشهد على طلاقها رجلين ، فإذا مضى ثلاثة أشهر

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 86 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 333 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 310 ب 28 ح 1.


فقد بانت منه وهو خاطب من الخطاب ، وعليه نفقتها في تلك الثلاثة الأشهر التي تقعد فيها».

وأنت خبير بأن قوله عليه‌السلام أولا «يطلقها بالأهلة والشهور» أي بالأهلة مع معلوميتها ، أو العدد مع عدم المعلومية المؤذن بتعدد الشهور لا يخلو من مدافعة لقوله ثانيا «إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيطلقها» المؤذن بكون مدة التربص شهرا خاصة ، إلا أن يحمل على أن أقل ذلك شهر وأكثره ثلاثة أشهر ، فتحمل الثلاثة على الاستحباب.

والظاهر أنه إلى ذلك يشير كلام الشيخ في النهاية حيث قال : ومتى كان للرجل زوجة معه في البيت غير أنه لا يصل إليها فهو بمنزلة الغائب عن زوجته ، فإذا أراد طلاقها فليصبر إلى أن يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ثم يطلقها إن شاء.

والقول بهذا الحكم والاستدلال عليه بالخبر المذكور مما جرى عليه من تأخر عن الشيخ ، إلا ابن إدريس فإنه اعترضه في ذلك ، فقال : الذي يقتضي أصول مذهبنا وإجماعنا منعقد عليه أنه لا يجوز للحاضر أن يطلق زوجته المدخول بها وهي حائض بغير خلاف ، وحمل الحاضرة في البلد على تلك قياس ، وهو باطل عندنا ، والأصل الزوجية ، فمن أوقع الطلاق يحتاج إلى دليل قاهر ، وما ذكره شيخنا خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثاله مما لا يعول عليه ولا يعرج عليه ، ولو لا إجماعنا على طلاق الغائب وإن كانت زوجته حائضا لما صح ، فلا نتعداه ولا نتخطاه ، انتهى.

ورده العلامة في المختلف فقال : والمعتمد قول الشيخ ، لنا أن المقتضي معلوم الثبوت والمعارض لا يظن ثبوته ، بل يظن عدمه فيثبت الحكم ، أما وجود المقتضي فلأن لفظ الطلاق موضوع شرعا للبينونة وسبب تام فيها وقد وجد ، وأما انتفاء المعارض فلأنه ليس إلا الحيض وهو غير معلوم الثبوت بل مظنون العدم ،


إذ التقدير ذلك ، وأما ثبوت الحكم عند ذلك فهو ظاهر لأن المقتضي لجواز تطليق الغائب ـ وهو خفاء حالها عنه مع غلبة ظنه بالانتقال من طهر المواقعة إلى غيره ـ موجود هنا وبثبوت العلم يلزم ثبوت الحكم ولا يرجع ذلك إلى القياس بل إلى وجود ما جعله الشارع علة ، وما رواه الشيخ في الصحيح ـ ثم ساق الخبر كما قدمناه ثم قال : ـ وهذا نص في الباب ، وإذا وافق المعلوم المعقول الحديث الصحيح المنقول واشتهر بين الجماعة العمل به كان معينا ، انتهى وهو جيد.

أقول : ونظير الخبر المذكور ما رواه في الكافي (1) عن الحسن بن علي بن كيسان قال : «كتبت إلى الرجل عليه‌السلام أسأله عن رجل له امرأة من نساء هؤلاء العامة وأراد أن يطلقها وقد كتمت حيضها وطهرها مخافة الطلاق ، فكتب عليه‌السلام : يعتزلها ثلاثة أشهر ويطلقها».

وهذا الخبر مع كون مورده مورد الأول تضمن التربص بثلاثة أشهر ، والظاهر حمله على ما قدمناه من استحباب الثلاثة ، وأنها أكثر مدة التربص ، وأما الحمل على أن عادتها في كل ثلاثة أشهر فبعيد جدا.

الركن الثالث : الصيغة : ينبغي أن يعلم هنا وإن تقدمت الإشارة إليه أن النكاح لما كان عصمة مستفادة من الشرع وقف زواله على رافع شرعي ، وبسبب من جانب الشارع يوجب رفع ذلك ، وقد اتفق النص والفتوى على الصحة بلفظ الطلاق بإضافته إلى لفظ يدل على التعيين ، كقوله أنت أو فلانة أو هذه أو نحو ذلك ، وما عدا ذلك فيجب نفيه إلى أن يثبت دليل على صحة الوقوع به.

والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه الصدوق في الفقيه (2) في الصحيح عن حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 97 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 311 ب 28 ح 2.

(2) الفقيه ج 3 ص 356 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 292 ب 15 ح 1.


قال لامرأته : أنت مني خلية أو برية أو بتة أو بائن أو حرام ، فقال : ليس بشي‌ء».

والعجب من صاحبي الوافي والوسائل أنهما لم ينقلا هذه الرواية في جملة روايات المسألة المذكورة ، وهذا المكان هو محلها اللائق بها.

وروى في الكافي (1) في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم «أنه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل قال لامرأته : أنت علي حرام أو بائنة أو بتة أو برية أو خلية ، قال : هذا كله ليس بشي‌ء ، إنما الطلاق أن يقول لها في قبل العدة بعد ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها : أنت طالق أو اعتدي ، يريد بذلك الطلاق ، ويشهد على ذلك رجلين عدلين».

ونقل العلامة في المختلف عن البزنطي قال : «روى أحمد بن محمد بن أبي نصر في كتاب الجامع عن محمد بن سماعة عن محمد بن مسلم (2) عن الباقر عليه‌السلام «في رجل قال لامرأته : أنت حرام أو بائنة أو بتة أو برية أو خلية ، فقال : هذا ليس بشي‌ء إنما الطلاق أن يقول لها من قبل عدتها قبل أن يجامعها : أنت طالق ، ويشهد على ذلك رجلين عدلين». وهذه الرواية خالية من الزيادة التي في سابقتها وهي قوله : اعتدي يريد بذلك الطلاق.

وما رواه في الكافي (3) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الطلاق أن يقول لها : اعتدي أو يقول : أنت طالق».

وعن محمد بن قيس (4) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الطلاق

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 69 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 108 ح 27 ، الوسائل ج 15 ص 295 ب 16 ح 3.

(2) المختلف ص 585 ، الوسائل ج 15 ص 295 ب 16 ح 3.

(3) الكافي ج 6 ص 69 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 37 ح 28 ، الوسائل ج 15 ص 295 ب 16 ح 4.

(4) الكافي ج 6 ص 70 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 296 ب 16 ح 5.


للعدة أن يطلق الرجل امرأته عند كل طهر ، ويرسل إليها أن اعتدي فإن فلانا قد طلقك ، قال : هو أملك برجعتها ما لم تنقض عدتها».

وعن عبد الله بن سنان (1) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يرسل إليها فيقول الرسول : اعتدي فإن فلانا قد فارقك. قال ابن سماعة : وإنما معنى قول الرسول اعتدي فإن فلانا قد فارقك ـ يعني الطلاق ـ إنه لا يكون فرقة إلا بطلاق».

قال في الكافي بعد هذا الخبر : حميد بن زياد عن ابن سماعة عن علي بن الحسن الطاطري قال : الذي أجمع عليه في الطلاق أن يقول : أنت طالق أو اعتدي ، وذكر أنه قال لمحمد بن أبي حمزة : كيف يشهد على قوله : اعتدي؟ قال : يقول : اشهدوا اعتدي ، قال ابن سماعة : غلط محمد بن أبي حمزة أن يقول : اشهدوا اعتدي ، قال الحسن بن سماعة : ينبغي أن يجي‌ء بالشهود إلى حجلتها أو يذهب بها إلى الشهود إلى منازلهم ، وهذا المحال الذي لا يكون ، ولم يوجب الله عزوجل هذا على العباد ، فقال الحسن : ليس الطلاق إلا كما روى بكير بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع : أنت طالق ، ويشهد شاهدين عدلين ، وكل ما سوى ذلك فهو ملغى» انتهى ، ومقتضاه عدم وقوع الطلاق حتى من هذه المادة إلا بهذا اللفظ بخصوصه فلا يصح بلفظ أنت طالق أو من المطلقات أو أنت مطلقة على خلاف في هذه اللفظة يأتي إن شاء الله ذكره ، وهو جيد.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن تحقيق الكلام هنا يقع في مواضع :

أحدها : المشهور بين الأصحاب انحصار صيغة الطلاق في لفظ الطلاق بالتقريب المذكور آنفا ، وذهب ابن الجنيد إلى وقوعه أيضا بلفظ اعتدي قال : الطلاق لا يقع إلا بلفظ الطلاق أو قوله اعتدي ، وأما ما عدا ذلك فلا يقع به ، واحتجوا له بروايتي

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 70 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 295 ب 16 ح 2.


محمد بن مسلم والحلبي الصحيحتين أو الحسنتين ، وحملهما الشيخ في كتابي الأخبار على أن لفظ اعتدي إنما يعتبر إذا تقدم قول الرجل أنت طالق ثم يقول اعتدي قال : لأن قوله لها اعتدي ليس له معنى لأن لها أن تقول : من أي شي‌ء أعتد؟ فلا بد أن يقول اعتدي لأني طلقتك ، فالاعتبار إذا بلفظ الطلاق لا بهذا القول إلا أنه يكون هذا القول كالكاشف عن أنه لزمها حكم الطلاق الموجب لها ذلك.

واعترضه الشهيد الثاني في المسالك وسبطه في شرح النافع حيث إنهما ممن يدور مدار صحة الأسانيد بناء على هذا الاصطلاح المحدث ، فمالا إلى قول ابن الجنيد لهذين الخبرين من حيث اعتبار سنديهما ، فأجابا عن كلام الشيخ بما ملخصه : أنه لا يخفى ما فيه من البعد وشدة المخالفة للظاهر ، لأنه عليه‌السلام جعل قوله اعتدي معطوفا على قوله أنت طالق ب «أو» المفيدة للتخير في إحدى الروايتين ومعطوفا عليه في الرواية الأخرى ، فكيف ينحصر وقوعه بأحد اللفظين الذي خير بينه وبين اللفظ الآخر وقوله ـ رحمه‌الله ـ «أنه لا معنى لقوله اعتدي» غير جيد لأنه إذا نوى به الطلاق وحكم الشارع بحصول البينونة به يصير في معنى أنت طالق ، فإذا قالت من أي شي‌ء أعتد؟ يقول : من هذا الطلاق الواقع بهذا اللفظ ، غاية الأمر أنها لم تفهم ذلك من قوله اعتدي ، فسألت عنه ، وذلك لا يوجب أن لا يكون له معنى ، ولا يمكن الجواب عن هاتين الروايتين بالحمل على التقية لأن في إحدى الخبرين ما ينافي ذلك ، وهو أنه لا يقع الطلاق بقوله أنت حرام أو بائنة أو برية أو خلية ، فإن الطلاق عند المخالفين يقع بجميع ذلك مع النية ، انتهى.

أقول : لا ريب أن ظاهر الروايتين المذكورتين هو الدلالة على مذهب ابن الجنيد ، ومقتضى العمل بهذا الاصطلاح المحدث القول بما دل عليه هذان الخبران لأنهما أصح أخبار المسألة ، ولكن الأصحاب قديما وحديثا قد اعترضوا عنهما ، ولم يقل بهما من المتقدمين إلا ابن الجنيد الذي قد علم من تتبع أحواله وأقواله الميل إلى مذهب المخالفين والعمل بأخبارهم والاستناد إليها والاستدلال بها ،


بل بالقياس الذي منعته الشريعة ، ولم يقل به من المتأخرين إلا هذان الفاضلان كما عرفت ، وإلا فغيرهما من المحقق والعلامة وغيرهما كلهم على القول المشهور.

وكيف كان فإن التحقيق في المقام بناء على ما هو المختار عندنا من العمل جميع الأخبار ، وهو رد هذه الأخبار المتقدمة بعضها إلى بعض ، وحمل مطلقها على مقيدها ، ومجملها على مفصلها ، وارتكاب التأويل في الروايتين المذكورتين بقرينة ما دلت عليه الروايات الأخر ، وأن قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن قيس أو حسنته «يرسل إليها اعتدي ، فإن فلانا قد طلقك» ظاهر في أن هذه الرسالة إخبار عن طلاق سابق ، وأمر لها بالاعتداد منه ، لا أن «أعتدي» هي صيغة الطلاق وهو بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه ، وحاصل معنى الخبر أن يطلق الرجل امرأته عند كل طهر ثم يرسل إليها. إلخ. ونحوه رواية عبد الله بن سنان ، وقوله عليه‌السلام «يرسل إليها فيقول الرسول اعتدي فإن فلانا قد فارقك» والرواية الأولى منهما صحتها أو حسنتها ـ إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي في سند ذينك الخبرين ، واعتبارهما إنما هو به ، فيجب عليهم قبولها لذلك. وتعضدها رواية البزنطي ، ودلالتها على الحصر في قوله «أنت طالق» وهي صريحة في المدعى. وحينئذ فيجب حمل إطلاق خبري الحلبي ومحمد بن مسلم فيما دلا عليه من أن «أعتدي» صيغة الطلاق على هذين الخبرين من تقدم الطلاق ، وأن قوله «اعتدي» إنما هو إخبار عن تقدم طلاق ، وأمر لها بالاعتداد منه حسبما ذكره الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ وظاهر كلام الكليني المتقدم نقله وقوع الخلاف بين أصحاب الأئمة عليهم‌السلام يومئذ ، فمذهب محمد بن أبي حمزة القول بأن «اعتدي» من صيغ الطلاق ، ومذهب الحسن بن سماعة الذي رواه عن بكير بن أعين هو أن الصيغة إنما هي «أنت طالق» ، وفي المسالك ذكر أنه عبد الله بن بكير بن أعين وطعن فيه ، والذي في الكافي إنما هو بكير الممدوح المعدود حديثه في الحسن ، وما ذكره من


بعد الحمل على التقية إنما يتم له في رواية محمد بن مسلم ، لاشتمالها على تلك الألفاظ دون رواية الحلبي ، فيمكن حملها على التقية ولا مانع منه ، ولا ينافيه عدم إمكان ذلك في تلك الرواية لجواز حملها على التقية بالمعنى الآخر الذي تقدمت الإشارة إليه غير مرة ، وقد تقدم في المقدمة الاولى (1) من المقدمات التي في أول كتاب الطهارة.

وبالجملة فالظاهر عندي هو القول المشهور وارتكاب التأويل في هذين الخبرين جمعا بينهما وبين الأخبار الأخر كما عرفته.

تنبيه

ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك توسعة الدائرة في المقام بالحكم بالصحة في جملة من الكنايات الظاهرة في إرادة معنى الطلاق تفريعا على الحكم بالصحة بلفظ اعتدي كما اختاره ، وأن ذلك لازم لمن قال بهذا القول. قال ـ رحمه‌الله ـ : نعم يمكن أن يقال : إن حكمه بوقوع الطلاق بقوله اعتدي مع النية وهو كناية قطعا يدل على وقوعه بغيره من الكنايات التي هي أوضح معنى من قوله اعتدي مثل قوله أنت مطلقة أو طلقتك أو من المطلقات أو مسرحة أو سرحتك أو مفارقة أو فارقتك أو من المسرحات أو من المفارقات إلى غير ذلك من الكنايات التي هي أوضح دلالة على الطلاق من قوله اعتدي ، بل قيل : إن السراح والفراق وما اشتق منهما ومن الطلاق صريح لا كناية لورودها في القرآن مرادا بها الطلاق كقوله تعالى «وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً» (2) «وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً» (3) «أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» (4) «أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» (5) «وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ» (6) «فوقوع الطلاق

__________________

(1) ج 1 ص 5 ـ 12.

(2) سورة الأحزاب ـ آية 28.

(3) سورة الأحزاب ـ آية 49.

(4) سورة البقرة ـ آية 229.

(5) سورة الطلاق ـ آية 2.

(6) سورة النساء ـ آية 130.


بقوله اعتدي يدل بمفهوم الموافقة على وقوعه بجميع هذه الألفاظ وما في معناها ، وتبقى الكنايات التي لا تدخل في مفهوم الموافقة ـ بل إما مساوية لقوله اعتدي أو أخفى ـ مردودة لعدم الدليل.

ومنها قوله في الخبر خلية وبرية وبتة وبتلة ونحوها ، وحينئذ نكون أعملنا جميع الأخبار المعتبرة مؤيدا بعموم الآيات والأخبار الدالة على الطلاق من غير تقييد ، ولا يضرنا مفهوم الحصر في قوله «إنما الطلاق أن يقول : أنت طالق» لوجهين :

(أحدهما) أن الحصر في الصيغتين بطريق المطابقة ، وفي غيرهما بطريق الالتزام فلا منافاة.

(والثاني) إمكان حمله على مجرد التأكيد بقرينة قوله في رواية الحلبي «الطلاق أن يقول لها» من غير أداة الحصر ، ولا يرد على هذا الحصر المبتدأ في خبره ، لأن ذلك غير مطرد كما حقق في محله ، وقد وقع استعمال «إنما» في الكلام الفصيح مجردا عن الحصر ، وتقدم مثله في الأخبار ، ولو قيل بهذا القول لكان في غاية القوة ، وتوهم أنه خلاف الإجماع قد تكلمنا عليه غير مرة ، انتهى.

أقول : لا ريب أن ما ذكره من لزوم صحة الطلاق بهذه الكنايات المذكورة لمن قال بصحته بلفظ اعتدي جيد ، وأما أن ذلك صحيح كما ادعى قوته فهو ممنوع ، وما تكلفه في منع الحصر في الأخبار المذكورة بعيد جدا ، فإن المتأمل في سياقها لا يخفى عليه فهم الحصر منها ، إذ لا يخفى أن قوله عليه‌السلام ـ بعد عد تلك الألفاظ المدعي وقوع الطلاق بها ليس بشي‌ء ـ الطلاق أن يقول لها كذا وكذا في حال الطهر قبل المجامعة بشهادة عدلين أظهر ظاهر في إرادة الحصر ، ويؤيده ذكر شروط صحة الطلاق الآخر من الشهادة على الطلاق ، والانتقال من طهر المواقعة ، وكونها طاهرا ، فإن ذلك كله أدل دليل على أن المراد الحصر في هذا اللفظ مع اجتماع هذه الشروط ، وتكلف خلاف ذلك بعيد عن سياق الأخبار


المذكورة كما لا يخفى على المتأمل المنصف.

وأما ورود لفظ السراح والفراق في القرآن بمعنى الطلاق فالظاهر في الجواب عن ذلك أن يقال : لا يخفى أن جل الآيات القرآنية وجملة الأخبار الواردة في السنة المطهرة إنما اشتملت على التعبير عن هذه الفرقة المخصوصة بلفظ الطلاق ، وظاهرها أن هذا هو اللفظ الحقيقي الموضوع لهذا المعنى ، وأن ما عداه من لفظ السراح والفراق ونحوهما إنما أطلقا مجازا أو كناية عنه في مقام المحاورة ، فلا يلزم من صحة صيغته بالطلاق صحة صيغته بهما ، لأن الصيغة أمر آخر متوقف على التوقيف والسماع من الشارع كما عرفت ، ومقتضى ذلك الاكتفاء في صيغة الطلاق ، بكل لفظ من هذه المادة ، إلا أنك قد عرفت أنه حيث كان النكاح عصمة شرعية ، فيجب استصحابها إلى أن يثبت المزيل لها شرعا ، والذي علم من الأخبار المتقدمة بالتقريب المتقدم إنما هو لفظ مخصوص من هذه المادة ، لا كل لفظ منها ، فيجب الوقوف على ما علم كونه مزيلا ، وتخصيص ما ذكرنا من العموم بذلك.

وثانيها : أنه لا يخفى أن ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من عدم الاكتفاء بتلك الألفاظ في صحة الطلاق من قوله «خلية أو برية» ونحوهما مما لا خلاف بين أصحابنا فيه نوى بهما الطلاق أو لم ينو ، وإنما الخلاف هنا من العامة حيث حكموا بوقوع الطلاق بها مع نيته ، والوجه في ذلك أن أصحابنا يشترطون في صحة الطلاق صراحة اللفظ الدالة عليه ، فلا يجوز بالمشترك الدال عليه وعلى غيره ، والظاهر أن مرادهم باشتراط النية فيه مع كون القصد إلى الطلاق شرطا في صحته ـ وإن كان باللفظ الصريح كما تقدم ذكره ـ هو أن الكناية لا يحكم بوقوع الطلاق بها إلا من العلم بإرادة الطلاق بخلاف الصريح ، فإن الحكم بوقوع الطلاق لا يتوقف على ذلك ، وإن كان القصد إلى الطلاق معتبرا فيه أيضا.

وتوضيح ذلك ما أفاده شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث قال : وهذه


النية أمر آخر غير القصد الذي تقدم اعتباره في الصيغة الصريحة لأن المراد بالنية هنا قصد إيقاع الطلاق ، وهناك قصد لفظه لمعناه. وتحقيق الفرق أنه لما كان المعنى في اللفظ الصريح متحدا اكتفى بقصد اللفظ للمعنى بمعنى كون المتلفظ قاصدا قابلا للقصد ، وإن لم يصرح بالقصد ، ولهذا حكم عليه به بمجرد سماع اللفظ ، وإنما احترزوا باشتراط القصد عن مثل الساهي والنائم إذا أوقعا لفظا صريحا فإنه لا يعتد به لعدم القصد إلى مدلوله ، بخلاف الكناية فإن ألفاظها لما كانت مشتركة بين المقصود منها وهو الطلاق ونحوه لم تحمل عليه بمجرد قصده إلى المعنى لاشتراكه ، بل لا بد من القصد إلى بعض معانيه ، وهو الطلاق مثلا ، وهذا القصد على خلاف الأصل ، لأنه تخصيص المشترك بأحد معانيه ، فلا بد من العلم به ، وإلا لم يحكم عليه بالطلاق ولا غيره ، بخلاف الصريح ، فإن الأصل فيه إذا وقع من العاقل الخالي عن الموانع أن يكون قاصدا به مدلوله ، فهذا هو الفارق بين القصدين ، فتدبره ، فإنه من مواضع الاشتباه على كثير. انتهى ، وهو جيد رشيق ، وقد تقدم ما يؤكده ويعضده.

بقي هنا مواضع وقع الخلاف فيها (منها) ما لو قال : أنت مطلقة ، فظاهر الشيخ في المبسوط أنه يقع بها الطلاق مع النية ، قال في الكتاب المذكور : عندنا أن قوله أنت مطلقة إخبار عما مضى فقط ، فإن نوى به الإيقاع في الحال فالأقوى أن نقول إنه يقع. وقال في الخلاف : إذا قال لها : أنت مطلقة لم يكن ذلك صريحا منه في الطلاق وإن قصد بذلك أنها مطلقة الآن ، وهذا القول هو المشهور بين الأصحاب.

ويرد على ما ذهب إليه في المبسوط أنه يلزمه القول بذلك في غير هذه الصيغة ، لأن كلامه ظاهر في كونه هنا كناية إذ الصريح كما عرفت لا يفتقر إلى النية ، وحينئذ فيلزمه القول بذلك في سائر الكنايات من ألفاظ هذه المادة ،


إذ لا يعرف هنا وجه خصوصية لهذه الصيغة دون غيرها ، مثل قوله أنت من المطلقات أو أنت طلاق ، بل هي أبلغ من قوله أنت طالق ، كما صرحوا به ، لأنهم متى أرادوا المبالغة في فاعل عدلوا به إلى لفظ المصدر ، فيقولون في عادل عدلا ، مبالغة لأنه أبلغ منه.

والمحقق في الشرائع رد هذا القول بأنه بعيد عن شبه الإنشاء ، لأنه إخبار عن وقوع الطلاق فيما مضى ، والأخبار غير الإنشاء.

واعترضه في المسالك بأن المصنف على ما تكرر منه مرارا وكذا غيره يجعلون لفظ الماضي أنسب بالإنشاء ، بل قد جعله في النكاح صريحا في الإنشاء ، فما الذي عدا فيما بدا؟ وقولهم إن نقل الاخبار إلى الإنشاء على خلاف الأصل مسلم ، لكن يطالبون بالفارق بين المقامين ، والموجب لجعله منقولا في تلك المواضع دون هذا ، فإن جعلوه النص فهو ممنوع ، بل ورد في الطلاق ما هو أوسع كما ستراه. وإن جعلوه الإجماع فالخلاف في المقامين موجود في صيغ كثيرة. انتهى ، وهو جيد متين بل جوهر ثمين.

وحينئذ فالحق في رد القول المذكور إنما هو عدم النص الدال على وقوع الطلاق بهذه الصيغة ، وقد عرفت أصالة استصحاب الحكم بالنكاح حتى يثبت الرافع شرعا ، والذي استفيد من الأخبار المتقدمة إنما هو صيغة طالق بإضافة ما يعين المطلقة ، ويبقى الباقي على أصالة المنع ، وهذا هو الحق في الجواب : مضافا إلى ما أشرنا إليه من أن اللازم من القول بهذه الصيغة القول بغيرها من صيغ الكنايات من هذه المادة ، وهو لا يلتزمه ولا يقول به.

(ومنها) ما لو قال : طلقت فلانة ، فقال الشيخ : إنه لا يقع به طلاقا ، قال : لأنه إخبار لا إنشاء.

وفيه (أولا) أن أكثر صيغ العقود المقصود بها الإنشاء إنما عبر فيما بلفظ الماضي الذي هو صريح في الاخبار ، فنقلوه إلى الإنشاء في تلك العقود ، مثل بعت


وزوجت وصالحت ونحو ذلك ، وما نحن فيه كذلك ، على أنه لا خلاف في الصحة بلفظ فلانة طالق ، وقد صرحوا بأن الماضي أقرب إلى الإنشاء من اسم الفاعل.

(وثانيا) أن الشيخ قد صرح ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ بأنه لو قيل له : هل طلقت فلانة؟ فقال : نعم ، كان جوابه بنعم طلاقا لها ، وليس الوجه فيه إلا أن قوله نعم مقتض لإعادة السؤال ، فكأنه قال : طلقتها ، فقول نعم في معنى طلقتها ، وحينئذ فإذا وقع الطلاق باللفظ الراجع إلى شي‌ء وقع بذلك الشي‌ء البتة وهو «طلقتها» فيما نحن فيه ، فحكمه بالصحة ثمة موجب للحكم بها في هذه الصورة ، وهو ظاهر.

(ومنها) ما لو قيل له : هل طلقت فلانة؟ فقال : نعم ، فإن المشهور بين الأصحاب وبه صرح الشيخ في النهاية أنه يقع طلاقا ، وبه صرح ابن حمزة وابن البراج وغيرهما. وقال ابن إدريس : وإن قيل للرجل : هل طلقت فلانة؟ فقال : نعم ، كان ذلك إقرارا منه بطلاق شرعي.

قال في المختلف : والتحقيق أن نقول : إن قصد بذلك الإقرار بطلاق سابق حكم عليه به ظاهرا ودين بنيته في نفس الأمر ، وإن قصد بذلك الإنشاء فهل يصح؟ ظاهر كلام النهاية نعم ، وظاهر كلام ابن إدريس المنع.

أقول : والشيخ قد استند فيما ذهب إليه إلى رواية السكوني (1) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام «في الرجل يقال له : أطلقت امرأتك؟ فيقول : نعم ، قال : قد طلقها حينئذ».

فالتقريب فيها أن قوله نعم صريح في إعادة السؤال على سبيل الإنشاء ، لأن نعم في الجواب تابع للفظ السؤال ، فإذا كان صريحا كان الجواب صريحا فيما السؤال صريح فيه ، ولهذا إذا قيل لزيد في ذمتك مائة؟ فإن قال نعم كان إقرارا يوجب الحكم عليه بها.

وفيه (أولا) أنه قد تقدم في سابق هذا الموضع اعتراف الشيخ بأنه لا يقع

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 38 ح 30 ، الوسائل ج 15 ص 296 ب 16 ح 6.


الطلاق بقوله طلقت فلانة فكذا فيما هو بمعناه وهو قول «نعم» بالتقريب المذكور ، ولأن صحته كذلك تقضي صحة سائر العقود به مثل أن يقول له : هل بعت فلانا؟ فيقول : نعم ، وهم لا يقولون به ، وإنما خصوا الطلاق بذلك بالرواية.

(وثانيا) أنه لا يلزم من تضمن نعم معنى السؤال أن يكون بمنزلة لفظه من كل وجه ، وقائما مقامه من جميع الوجوه ، ولذا قال في المسالك : إنا لو جوزنا وقوعه بلفظ طلقت فلانة لا يلزم منه جواز وقوعه بلفظ نعم ، للفرق بين الملفوظ والمقدر في صيغ العقود والإيقاعات.

(وثالثا) عدم صراحة الرواية في كون نعم مقصودا بها الإنشاء ، فيحتمل الاخبار ، وأنه سأل عن إيقاع طلاق سابق ، فأجاب بنعم ، وأتى بالسبب الموجب للحكم عليه بالطلاق ، وهو اعترافه به. قال في المختلف بعد الطعن في الرواية بضعف السند ، مع أن الشيخ قال في المبسوط : يلزم الطلاق ، فإن كان صادقا لزمه باطنا وظاهرا ، وإن كان كاذبا لزمه في الحكم ، وهذا دليل على أنه جعله إقرارا بالطلاق لا إنشاء ، وتحمل الرواية على أنه أتى بالسبب الموجب للحكم عليه بالطلاق. انتهى ، وهو ظاهر فيما قلناه.

ثم إن العلامة في المختلف احتج أيضا برواية البزنطي المتقدمة أيضا الدالة على حصر صيغ الطلاق في قوله : أنت طالق ، قال في المسالك ـ بعد نقل ذلك عنه ـ : وهذه الرواية أوضح دلالة على تخصيص أنت طالق من بين الصيغ المتنازع في وقوعه بها ، وهي سالمة من إضافة ما تقدم في رواية محمد بن مسلم أو يقول لها اعتدي ، ولو صحت لكانت أجود في الدلالة على نفي تلك الأقوال ، انتهى.

أقول : لا يخفى أن الكتاب المذكور من الأصول المشهورة والكتب المأثورة ، والرواية صحيحة باصطلاح أصحابنا المتقدمين الذي عليه العمل دون هذا الاصطلاح المحدث فيثبت بها المدعى ، والعلامة مع كونه أصل هذا الاصطلاح المحدث قد اعتمد عليها ، واستدل بها في المقام.

وبالجملة فالأقرب في المسألة هو ما ذهب إليه ابن إدريس إلا إذا علمنا أنه


لم يقع منه غيره ، وينبغي تقييد إطلاق كلام ابن إدريس بذلك ، والعلامة قيده بقصد الإقرار كما تقدم في كلامه.

قال في المسالك : ولا إشكال مع القصد ، إنما الكلام مع الجهل بحاله ، والوجه ما قلناه من الحكم بكونه إقرارا إلا مع العلم بانتفاء سابق ، ويرجع في ذلك إلى القرائن المفيدة لكونه مريد الإنشاء أو الإقرار. انتهى ، وهو مؤيد لما قلناه وواضح فيما ادعيناه.

ثم إنه بعد الوصول إلى هذا المكان اتفق وقوع النظر على جملة من الأخبار الظاهرة فيما ذهب إليه الشيخ زيادة على رواية السكوني التي طعنوا فيها بضعف السند.

ومنها ما رواه الكافي (1) عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : فرجل طلق امرأته من هؤلاء ولي بها حاجة ، قال : فيلقاه بعد ما طلقها وانقضت عدتها عند صاحبها فتقول له : أطلقت فلانة؟ فإذا قال نعم فقد صار تطليقة على طهر ، فدعها من حين طلقها تلك التطليقة حتى تنقضي عدتها ، ثم تزوجها ، فقد صارت تطليقة بائنة».

وما رواه في الكافي والفقيه (2) في الحسن أو الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل طلق امرأته ثلاثا فأراد رجل أن يتزوجها ، فكيف يصنع؟ فقال : يدعها حتى تحيض وتطهر ، ثم يأتيه ومعه رجلان شاهدان فيقول : أطلقت فلانة؟ فإذا قال نعم تركها ثلاثة أشهر ، ثم خطبها إلى نفسه».

وما رواه في التهذيب (3) عن إسحاق بن عمار في الموثق «في الرجل يريد

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 423 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 383 ب 36 ح 2.

(2) الكافي ج 5 ص 424 ح 3 ، الفقيه ج 3 ص 257 ح 4 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 323 ب 31 ح 2 مع اختلاف يسير وج 14 ص 382 ب 36 ح 1.

(3) التهذيب ج 7 ص 470 ح 92 ، الوسائل ج 15 ص 323 ب 31 ذيل ح 2.


أن يتزوج المرأة وقد طلقت ثلاثا فأراد رجل أن يتزوجها ، كيف يصنع فيها؟ قال : يدعها حتى تطهر ، ثم يأتي زوجها ومعه رجلان يقول : قد طلقت فلانة؟» الحديث. كما في سابقه.

وعن حفص بن البختري (1) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل طلق امرأته ثلاثة ، فأراد رجل أن يتزوجها ، كيف يصنع؟ قال : يأتيه فيقول : طلقت فلانة؟ فإذا قال نعم تركها ثلاثة أشهر ، ثم خطبها إلى نفسه».

أقول : قد اشتركت هذه الأخبار مع تعددها وقوة أسانيدها في الدلالة على وقوع الطلاق بلفظ نعم بعد السؤال عن أنه هل طلق أم لا ، وأن ذلك يقع طلقة واحدة بقرينة الأمر بإحضار الشاهدين بسماع ذلك ، وإيجاب العدة بعد سماع ذلك من الزوج. ومن الظاهر البين الظهور أن لفظ نعم هنا إنما وقع جوابا للسؤال عن طلاق سابق ، وأن الزوج المخبر بقوله نعم إنما قصد ذلك ، لا أنه قصد الإنشاء ، لأن المفروض في الاخبار أنه مخالف ، وقد طلقها بمقتضى مذهبه ، واللازم من ذلك صحة الطلاق الثاني من غير اعتبار قصد الإنشاء ، وفيه رد على الأصحاب فيما ادعوه من وجوب قصد الإنشاء في صحة الطلاق ، فإنه عليه‌السلام قد حكم بصحة الطلاق في هذه الأخبار مع معلومية قصد الاخبار كما عرفت ، وهذا مما يؤكد ما قدمناه ذكره في غير موضع سيما في كتب المعاملات من أنه ينبغي أن يكون المدار على ما ترد به الأخبار وإن خالف ذلك مقتضى قواعدهم المقررة وضوابطهم المعتبرة.

ولو ادعى إرادة الإنشاء بعد التلفظ بهذا القول فمقتضى قواعد الأصحاب وبه صرح بعضهم قبول قوله ، لأنه منوط بنيته ، ولا يمكن استعلام ذلك إلا منه كما تقدم مثله مرارا.

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 59 ح 113 ، الوسائل ج 15 ص 323 ب 31 ح 1.


(ومنها) أن الشيخ في النهاية قال : وينوب مناب قوله أنت طالق بغير العربية بأي لسان كان فإنه تحصل به الفرقة ، وأطلق. ونحوه كلام ابن حمزة وابن البراج وغيرهما ، وقال ابن إدريس : وما ينوب مناب قوله أنت طالق بغير العربية بأي لسان كان فإنه تحصل به الفرقة إذا تعذر عليه لفظ العربية ، فأما إذا كان قادرا على التلفظ بالطلاق بالعربية فطلق بلسان غيرها ، فلا تقع الفرقة بذلك ، لأنه ليس عليه دليل ، والأصل بقاء العقد.

احتج الشيخ على ما نقل عنه ، بأن المقصود في المحاورات بالذات إنما هو المعاني دون الألفاظ ، لأنها دلائل ، ونسبة الألفاظ متساوية ، وبما رواه وهب ابن وهب (1) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : «كل طلاق بكل لسان فهو طلاق».

وقال في المختلف بعد أن نقل احتجاج الشيخ المذكور ونقل عن ابن إدريس الاحتجاج بأن الأصل عصمة الفروج ، والاستصحاب يدل على بقاء العقد ، والفرقة أمر شرعي ولم يثبت ، ونحن في هذه المسألة من المتوقفين.

أقول : والعجب منه ـ قدس‌سره ـ من توقفه في هذه المسألة مع أن مقتضى اصطلاحه الحكم بضعف الرواية المذكورة ، سيما وراويها أكذب البرية ، وهو يرد الروايات الموثقات بل الحسنة في بعض الأوقات ، اعتمادا على هذا الاصطلاح ، فما باله يتوقف هنا ، وأدلة ابن إدريس واضحة الظهور ، وموافقة للقواعد الشرعية ، لو لا ظاهر الرواية المذكورة ، على أن الرواية غير صريحة في المدعى ، وظاهرها إنما هو عدم إمكان العربية ، لأن الظاهر أن المراد منها إنما هو أن أهل كل لسان من عربي أو عجمي أو تركي أو نحوها فله أن يطلق بلسانه ، ومن الغالب اختصاص أهل كل لسان بذلك اللسان لا يتجاوزونه إلى غيره ، ومعرفة بعضهم لألسن متعددة أمر على خلاف الغالب لا يحمل عليه الإطلاق.

وما ذهب إليه ابن إدريس هو المشهور بين المتأخرين كما نقله في المسالك ،

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 38 ح 31 ، الوسائل ج 15 ص 297 ب 17 ح 1.


وزاد في الاحتجاج على ما ذكره ابن إدريس بأن اللفظ العربي هو الوارد في القرآن والأخبار المتكرر في لسان أهل الشرع ، والظاهر هو ما ذهب إليه ابن إدريس لما عرفت ، وما علل به الشيخ من قوله «إن المقصود في المحاورات بالذات هو المعاني دون الألفاظ» وأورد عليه في سائر العقود ، وهو لا يقول به.

وثالثها : أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم وقوع الطلاق بالكتابة من الحاضر القادر على النطق ، إنما الخلاف في أنه هل يقع من الغائب القادر على اللفظ أم لا؟ فالمشهور العدم ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف مدعيا عليه الإجماع ، وقال في النهاية ، فإن كتب بيده أنه طلق امرأته وهو حاضر ليس بغائب لم يقع الطلاق ، فإن كان غائبا وكتب بخطه أن فلانة طالق وقع الطلاق ، وإن قال لغيره : اكتب إلى فلانة امرأتي بطلاقها لم يقع الطلاق. فإن طلقها بالقول ثم قال لغيره اكتب إليها بالطلاق كان الطلاق واقعا بالقول دون الأمر ، وتبعه على ذلك جملة من أتباعه ، والأصل في هذا الاختلاف اختلاف أخبار المسألة.

والذي وقفت عليه منها ما رواه في الكافي والفقيه (1) عن أبي حمزة الثمالي في الصحيح قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل قال لرجل : اكتب يا فلان إلى امرأتي بطلاقها ، أو اكتب إلى عبدي بعتقه ، يكون ذلك طلاقا أو عتقا؟ فقال : لا يكون طلاقا ولا عتقا حتى ينطق به بلسانه ، أو يخطه بيده وهو يريد به الطلاق أو العتق ، ويكون ذلك منه بالأهلة والشهور ، ويكون غائبا عن أهله». أقول : وهذه الرواية هي مستند الشيخ في النهاية ومن تبعه.

وما رواه في الكافي (2) في الصحيح أو الحسن عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 64 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 325 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 38 ح 33 ، الوسائل ج 15 ص 291 ب 14 ح 3.

(2) الكافي ج 6 ص 64 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 291 ب 14 ح 2.


عليه‌السلام : رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ، ثم بدا له فمحاه ، قال : ليس ذلك بطلاق ولا عتاق حتى يتكلم به».

وما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن ابن أذينة قال : «سألته عن رجل كتب إلى امرأته بطلاقها أو كتب بعتق مملوكه ولم ينطق به لسانه ، قال : ليس بشي‌ء حتى ينطق به».

وما رواه بسند آخر عن زرارة (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل» الحديث.

وأجاب العلامة في المختلف عن صحيحة الثمالي بالحمل على حالة الاضطرار ، قال : وتكون لفظة «أو» للتفصيل لا للتخيير ، لا يقال : هذه الرواية مختصة بالغائب ، والرواية الأولى مطلقة ، والمقيد مقدم ، لأنا نقول : الغيبة والحضور لا تأثير لهما في السبب ، فإنا نعلم أن اللفظ لما كان سببا في البينونة استوى إيقاعه من الغائب والحاضر ، وكذا الكتابة لو كانت سببا لتساوي الحال فيهما ، مع أن في روايتنا ترجيحا بسبب موافقته للأصل ، وتأيدها بالنظر والشهرة في العمل ، انتهى.

واعترضه في المسالك فقال : وفيه نظر ، لأن الرواية صريحة في أن المطلق يقدر على التلفظ ، لأنه قال : اكتب يا فلان إلى امرأتي بطلاقها. إلخ ، فلا وجه لحمله على حالة الاضطرار ، ومع ذلك ففي هذه الرواية ترجيح على السابقة لصحة سندها ، وأنها مقيدة بالنية والغيبة وتلك مطلقة فيهما ، فجاز كون منعه من وقوع الطلاق لعدم النية بالكتابة ، أو لعدم العلم بالنية ، أو يحمل على حال الحضور جمعا ، على أنه مع ثبوت المرجح لا ضرورة إلى الجمع. وأما ما قيل : إن الغيبة والحضور لا تأثير لهما في السببية فهو مصادرة ومحضة ، لأن الخصم يدعي

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 453 ح 23 ، الوسائل ج 15 ص 290 ب 14 ح 1.

(2) التهذيب ج 8 ص 38 ح 32 ، الوسائل ج 15 ص 291 ب 14 ح 2.


الفرق ، ويحتج عليه بالخبر الصحيح ، وهو الفارق بين الكتابة واللفظ المشترك في السببية بين الغائب والحاضر ، فكيف يدعى عدم تأثير الغيبة والحضور؟ وبذلك انقطع الأصل الذي ادعوه ، وثبت سببية الطلاق.

وأما دعوى ترجيح الأول بموافقة الأصل والشهرة في العمل ففيه : أن الصحيح مقدم على الحسن ، فلا تعارض ، ثم إن المقيد مقدم على المطلق ، انتهى.

أقول : ما ذكره ـ رحمه‌الله ـ وإن ترائي أنه جيد ، ولذا تبعه فيه جملة ممن تأخر عنه كالمحدث الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراساني في الكفاية ، إلا أنه لا يخفى على المتتبع أن الذي عهد من الشارع في أبواب العقود والإيقاعات والإقرارات ونحوها إنما هو الألفاظ والأقوال الدالة على هذه المعاني دون مجرد الكتابة ، ولهذا لم يجوزها أحد بالكتابة ، ويبعد اختصاص الطلاق بهذا الحكم لعدم ظهور خصوصيته له بذلك ، ويعضده ما ورد في بعض الأخبار إنما يحرم الكلام ، ويؤكده أيضا الحصر في أنت طالق المستفاد من الروايات المتقدمة حسبما تقدم تحقيقه ، فإنه كما يكون الحصر في هذه الصيغة موجبا لنفي ما سواها من الصيغ اللفظية فكذلك الكتابة ، لأنها عندهم من جملة الصيغ الموجبة للطلاق. هذا مع ما في تحقق الشهادة في هذه الصورة من الإشكال ، فإن الإشهاد إنما يطلق حقيقة على سماع لفظ الطلاق من المطلق ، فإنه بمجرد سماع ذلك منه يجب بشهادة الشاهدين الحكم عليه بوقوع الطلاق.

وأما في الكتابة حيث قيدوها بالقصد إلى الطلاق الذي لا يعلم إلا بإقراره واعترافه ، فيشكل الشهادة على مجرد رؤية الكتابة حال الكتابة أو بعدها ، على أن ما ذكره من جواز كون منعه عليه‌السلام من وقوع الطلاق لعدم النية بالكتابة ، أو لعدم العلم بالنية أو الحضور جمعا بين الأخبار مدخول بأن قوله عليه‌السلام «ليس ذلك بطلاق حتى يتكلم به في صحيحة زرارة ، وقوله في صحيحة ابن أذينة «ليس بشي‌ء حتى ينطق به» ظاهر في أن عدم الصحة إنما استند إلى عدم النطق والتكلم


ـ نوى أو لم ينو ، حفر أو غاب ، علمت البينة (النية خ ل) أم لا ـ لا إلى عدم النية أو عدم العلم بها أو عدم الحضور كما ادعاه ، وأن المدار إنما هو على النطق ، والكلام وهو بحمد الله سبحانه ظاهر لذوي الأفهام ، وبه يظهر بطلان ما ادعاه من الجمع في المقام.

وهل يشترط في الشهادة أيضا رؤية حال الكتابة أو يكفي رؤيتها بعد ذلك ، قال في المسالك : وجهان ، والأول لا يخلو من قوة ، لأن ابتداءها هو القائم مقام اللفظ لا استدامتها ، وإنما تعلم النية بإقراره ، ولو شك فيها فالأصل عدمها ، وحينئذ فتكون الكتابة كالكناية ، ومن ثم ردها الأصحاب مطلقا اطرادا للقاعدة مع أنهم نقضوها في مواضع كما ترى.

أقول : وهذا أيضا مما يوهن هذا القول لما صرحوا به بل أجمعوا عليه من اشتراط الصراحة في صيغة الطلاق وعدم جواز وقوعه بالكتابة.

وبالجملة فالمسألة عندي محل توقف ، ولعل الخبر المذكور إنما خرج مخرج التقية ، ولا يحضرني الآن أقوال العامة في المسألة ، فليلاحظ ذلك.

قال في المسالك : ولا فرق في الغائب بين البعيد بمسافة القصر وعدمه ، مع احتمال شموله للغائب عن المجلس لعموم النص ، والأقوى اعتبار الغيبة عرفا ، ولتكن الكتابة للكلام المعتبر في صحة الطلاق كقوله : فلانة طالق ، أو يكتب إليها : أنت طالق ، ولو علقه بشرط كقوله : إذا قرأت كتابي فأنت طالق ، فكتعليق اللفظ.

أقول : احتمال شموله للغائب عن المجلس غير جيد ، فإن النص وهو صحيحة الثمالي تضمن الغائب عن أهله ، وهو لا يصدق إلا على المسافر عن بلده. نعم لو كان بلفظ الغائب خاصة ، لربما أمكن ما ذكره.

وأما ما ذكره من كون الكتابة بالكلام المعتبر في صحة الطلاق كقوله فلانة طالق ففيه : أن تعين هذه الصيغة بمقتضى الدليل إنما هو بالنسبة إلى


التلفظ بالطلاق ، وأما أحاديث الكتابة فهي مطلقة وتخصيصها يحتاج إلى دليل ، وكما خرج عن أخبار وجوب اللفظ بهذا الخبر فليخرج عنها أيضا بالعمل بإطلاق هذه الأخبار من إيقاع الكتابة بأي لفظ من هذه المادة عملا بإطلاق الأخبار المذكورة والتقييد إنما ثبت في العبارة اللفظية.

إتمام

نعم لو تعذر النطق كفت الكتابة والإشارة من غير خلاف يعرف ، ومنه الأخرس ، فيصح طلاقه بذلك كما تصح سائر عقوده وأقاريره وعباراته ، ولا بد من فهم الشاهدين ذلك منه ليحكم عليه به ، والظاهر تقديم الكتابة إذا كان ممن يكتب على الإشارة كما اختاره ابن إدريس ، لأنها أقوى في الدلالة على المراد ، لكن لا بد أن يفهم أنه نوى بها الطلاق.

ومن الأخبار الواردة في المقام ما رواه المشايخ الثلاثة (1) عن البزنطي في الصحيح في بعض الطرق قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل تكون عنده المرأة ثم يصمت ولا يتكلم ، قال : يكون أخرس؟ قلت : نعم ، فيعلم منه بغضا لامرأته وكراهته لها ، أيجوز أن يطلق عنه وليه؟ قال : لا ، ولكن يكتب ويشهد على ذلك ، قلت :

أصلحك الله فإنه لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال : بالذي يعرف منه به من فعاله ، مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه لها».

وما رواه في الكافي (2) عن أبان بن عثمان قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن طلاق الأخرس ، قال : يلف قناعها على رأسها ويجذبه».

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 128 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 333 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 74 ح 166 ، الوسائل ج 15 ص 299 ب 19 ح 1.

(2) الكافي ج 6 ص 128 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 300 ب 19 ح 2.


وعن السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها فيضعها على رأسها ويعتزلها».

ورواه الشيخ (2) بسند آخر عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

وما رواه في الكافي (3) عن يونس «في رجل أخرس كتب في الأرض بطلاق امرأته فقال : إذا فعل في قبل الطهر بشهود ، وفهم عنه كما يفهم عن مثله ويريد الطلاق جاز طلاقه على السنة».

وهذه الأخبار كلها متفقة الدلالة على ما ذكره ، ونقل عن الصدوقين وجماعة من الأصحاب أنهم اعتبروا فيه إلقاء القناع على المرأة ، يري أنها قد حرمت عليه لرواية السكوني وأبي بصير ، ومنهم من خير بين الإشارة وإلقاء القناع ، ومنهم من جمع بينهما ، والتحقيق الاكتفاء بما يفهم ذلك كائنا ما كان ، وذكر بعض الأفراد في الأخبار إنما خرج مخرج التمثيل.

ورابعها : أنه لا خلاف بين علماء العامة في صحة التخيير بمعنى تفويض الزوج أمر الطلاق إلى المرأة وتخييرها في نفسها قاصدا بذلك الطلاق ، فإذا اختارت نفسها وقع الطلاق ، وأن ذلك بمنزلة توكيلها في طلاق نفسها ، فالتخيير كناية عن ذلك ، واحتجوا بآية التخيير النازلة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد اعتزاله أزواجه.

وأما أصحابنا فقد اختلفوا في ذلك ، فذهب جمع منهم ابن الجنيد وابن أبي عقيل والسيد المرتضى ، ونقل عن ظاهر الصدوق إلى وقوع الطلاق به إذا اختارت نفسها بعد تخييره لها على الفور مع اجتماع الشرائط من الاستبراء وسماع الشاهدين ،

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 128 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 74 ح 168 ، الوسائل ج 15 ص 300 ب 19 ح 3.

(2) التهذيب ج 8 ص 92 ح 233 عن على بن أبي حمزة عن أبى عبد الله عليه‌السلام مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 301 ب 19 ح 5.

(3) الكافي ج 6 ص 74 ح 169 ، الوسائل ج 15 ص 300 ب 19 ح 4.


والمشهور ـ وهو مذهب الشيخ ، وبه صرح الشيخ علي بن بابويه في الرسالة وجملة المتأخرين ـ عدم وقوع الطلاق به.

قال ابن الجنيد على ما نقله في المختلف : إذا أراد الرجل أن يخير امرأته اعتزلها شهرا وكان على طهر من غير جماع في مثل الحالة التي لو أراد أن يطلقها فيه طلقها ، ثم خيرها فقال لها : قد خيرتك أو جعلت أمرك إليك ، ويجب أن يكون ذلك بشهادة ، فإن اختارت نفسها من غير أن تشاغل بحديث من قول أو فعل كان يمكنها أن لا تفعل صح اختيارها ، وإن اختارت بعد فعلها ذلك لم يكن اختيارها ماضيا ، وإن اختارت في جواب قوله لها ذلك وكان مدخولا بها وكان تخييره إياها عن غير عوض أخذه منها كان كالتطليقة الواحدة التي هو أحق برجعتها في عدتها ، وإن كانت غير مدخول بها فهي تطليقة بائنة ، وإن كان تخييره عن عوض فهي بائن وهي أملك بنفسها ، وإن جعل الاختيار إلى وقت معينة واختارت قبله جاز اختيارها ، وإن اختارت بعده لم يجز.

وقال ابن أبي عقيل : والخيار عند آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخير الرجل امرأته ويجعل أمرها إليها في أن تختار نفسها أو تختاره بشهادة شاهدين في قبل عدتها ، فإن اختارت المرأة نفسها في المجلس فهي تطليقة واحدة وهو أملك برجعتها ما دامت لم تنقض عدتها ، وإن اختارت فليس بطلاق ، ولو تفارقا ثم اختارت المرأة نفسها لم يقع شي‌ء ، ولو قال لها : قد جعلت أمرك بيدك فاختاري نفسك في مجلسك ، فسكتت أو تحولت عن مجلسها بطل اختيارها بترك ذلك ، وإن سمى الرجل في الاختيار وقتا معلوما ثم رجع عنه قبل بلوغ الوقت كان ذلك له ، وليس يجوز للزوج أن يخيرها أكثر من واحدة بعد واحدة ، وخيار بعد خيار بطهر وشاهدين ، فإن خيرها أكثر من واحدة أو خيرها أو تخير نفسها في غير عدتها كان ذلك ساقطا غير جائز ، وإن خير الرجل أباها أو أخاها أو أحد من أوليائها كان اختيارها.

وقال الشيخ علي بن بابويه : ولا يقع الطلاق بإجبار ولا إكراه ولا على


شك ، فمنه طلاق السنة ، وطلاق العدة ـ إلى أن قال : ـ ومنه التخيير. ولما بحث عن تلك الأقسام إلى أن وصل إلى التخيير فقال : وأما التخيير فأصل ذلك (1) : إن الله عزوجل أنف لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقالة قالها بعض نسائه : أترى محمدا لو طلقنا لا نجد أكفاءنا من قريش يتزوجونا ، فأمر الله عزوجل نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعتزل نساءه تسعة وعشرين يوما ، فاعتزلهن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مشربة أم إبراهيم ثم نزلت هذه الآية «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً» (2) فاخترن الله ورسوله فلم يقع طلاق.

هذا ما حضرني من عبائر المتقدمين ، والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة ، ثم الكلام فيها بما يسر الله عزوجل فهمه منها وجمعها على وجه يرسل به غشاوة الاختلاف عنها.

فمنها ما رواه الصدوق في الفقيه (3) في الصحيح عن ابن أذينة عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا خيرها وجعل أمرها بيدها في قبل عدتها من غير أن يشهد شاهدين فليس بشي‌ء ، وإن خيرها وجعل أمرها بيدها بشهادة شاهدين في قبل عدتها فهي بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن اختارت نفسها فهي واحدة ، وهو أحق برجعتها ، وإن اختارت زوجها فليس بطلاق».

وما رواه في الكتاب المذكور (4) عن ابن مسكان عن الصيقل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الطلاق أن يقول الرجل لامرأته : اختاري ، فإن اختارت نفسها فقد بانت منه وهو خاطب من الخطاب ، وإن اختارت زوجها فليس بشي‌ء ، أو يقول : أنت طالق ، فأي ذلك فعل فقد حرمت عليه ، ولا يكون طلاق ولا خلع ولا مباراة

__________________

(1) مضمون ما جاء في الكافي ج 6 ص 137 ح 1.

(2) سورة الأحزاب ـ آية 28 و 29.

(3 و 4) الفقيه ج 3 ص 335 ح 2 و 3، الوسائل ج 15 ص 338 ب 41 ح 14 و 15.


ولا تخير إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين».

وعن الحلبي (1) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يخير امرأته أو أباها أو وليها ، فقال : كلهم بمنزلة واحدة إذا رضيت».

وعن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن الفضيل بن يسار (2) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قال لامرأته : قد جعلت الخيار إليك ، فاختارت نفسها قبل أن يقوم ، قال : يجوز ذلك عليه. قلت : فلها متعة؟ قال : نعم. قلت : فلها ميراث إن مات الزوج قبل أن تنقضي عدتها؟ قال : نعم ، وإن ماتت هي ورثها الزوج».

وأقول : ولتفرد صاحب الفقيه بهذه الأخبار نسب إليه القول بمضمونها كما تقدمت الإشارة إليه.

وما رواه في التهذيب (3) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل خير امرأته ، قال : إنما الخيار لها ما داما في مجلسهما ، فإذا افترقا فلا خيار لها».

وبسند آخر عن زرارة (4) مثله ، وزاد «أصلحك الله ، فإن طلقت نفسها ثلاثا قبل أن يتفرقا من مجلسهما؟ قال : لا يكون أكثر من واحدة ، وهو أحق برجعتها قبل أن تنقضي عدتها ، قد خير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساءه فاخترنه ، فكان ذلك طلاقا ، قال : فقلت له : لو اخترن أنفسهن؟ فقال : ما ظنك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو اخترن أنفسهن أكان يمسكهن».

وعن زرارة ومحمد بن مسلم (5) في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «لا خيار إلا على طهر من غير جماع بشهود».

وعن زرارة (6) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «إذا اختارت نفسها فهي تطليقة

__________________

(1 و 2) الفقيه ج 3 ص 335 ح 4 و 5 ، الوسائل ج 15 ص 338 ب 41 ح 16 و 17.

(3) التهذيب ج 8 ص 89 ح 222 ، الوسائل ج 15 ص 337 ب 41 ح 7 وفيهما «تفرقا».

(4 و 5) التهذيب ج 8 ص 90 ح 227 ، الوسائل ج 15 ص 338 ب 41 ح 12 وص 337 ب 41 ح 8.

(6) التهذيب ج 8 ص 90 ح 224 ، الوسائل ج 15 ص 337 ب 41 ح 9.


بائنة ، وهو خطاب من الخطاب ، وإن اختارت زوجها فلا شي‌ء».

وعن بريد الكناسي (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا ترث المخيرة من زوجها شيئا من عدتها ، لأن العصمة قد انقطعت فيما بينها وبين زوجها من ساعتها ، فلا رجعة له عليها ولا ميراث بينهما».

وعن حمران (2) في الحسن قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : المخيرة تبين من ساعتها من غير طلاق ولا ميراث بينهما ، لأن العصمة منها قد بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج».

أقول : وهذه الأخبار وما في معناها هي أدلة القول الآخر في المسألة.

وأما ما يدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور كما سيظهر لك إن شاء الله غاية الظهور فمنها :

ما رواه في الكافي (3) في الموثق عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها ، بانت منه؟ فقال : لا ، إنما هذا شي‌ء كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة أمر بذلك ففعل ، ولو اخترن أنفسهن لطلقهن ، وهو قول الله عزوجل «قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً».

أقول : ظاهر الخبر المذكور أنه لا بد بعد اختيارها نفسها من الطلاق من الزوج ، لا أنها تبين بمجرد الاختيار أو يحصل الطلاق بذلك ، بل لا بد من اتباعه بالطلاق ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لو اخترن أنفسهن لطلقهن ، ولا يخفى أن ظاهر الآية المذكورة ذلك ، إلا أنه مناف لأخبار المسألة كما عرفت وتعرف ، إلا أن يقال :

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 90 ح 225 و 226، الوسائل ج 15 ص 337 ب 41 ح 10 و 338 ب 41 ح 11. والظاهر أن «يزيد الكناسي» هو الصحيح.

(3) الكافي ج 6 ص 137 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 87 ح 218 ، الوسائل ج 15 ص 336 ب 41 ح 4.


إن هذا إنما هو بالنسبة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو مورد الخبر ، لكن الظاهر أنه لا قائل بالفرق.

قال الشيخ في كتابي الأخبار (1) بعد نقل هذا الخبر : قال الحسن بن سماعة : وبهذا الخبر تأخذ في الخيار.

وما رواه في الكافي (2) عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الخيار ، فقال : وما هو وما ذاك؟ إنما ذاك شي‌ء كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

وعن محمد بن مسلم (3) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني سمعت أباك يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير نساءه فاخترن الله ورسوله فلم يمسكهن على الطلاق ولو اخترن أنفسهن لبن ، فقال : إن هذا حديث كان أبي يرويه عن عائشة : وما للناس والخيار ، إنما هذا شي‌ء خص الله عزوجل به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

أقول : لعل الوجه في نسبته عليه‌السلام هذا الخبر إلى رواية أبيه عليه‌السلام عن عائشة المؤذن بكذبه هو ما اشتمل عليه من أنهن لو اخترن أنفسهن لبن ، حيث إن ظاهر الخبر الأول الاحتياج إلى الطلاق بعد الاختيار ، وإلا فإنه ليس فيما نقله زرارة عن أبيه عليه‌السلام ما يخالف الواقع في القصة.

وما رواه في الكافي (4) عن زرارة في الموثق قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن الله عزوجل أنف لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مقالة قالتها بعض نسائه ، فأنزل الله تعالى آية التخيير ، فاعتزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعة وعشرين ليلة في مشربة أم إبراهيم ، ثم دعاهن فخيرهن فاخترنه فلم يك شيئا ، فلو اخترن أنفسهن كانت واحدة بائنة. قال : وسألته عن مقالة المرأة ما هي؟ قال : فقال : إنها قالت «ترى محمدا» أنه لو طلقنا إنه لا يأتينا الأكفاء من قومنا يتزوجونا».

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 88 ذيل ح 218 وفيه «وبهذا الحديث نأخذ في الخيار».

(2 و 3) الكافي ج 6 ص 136 ح 1 و 2 ، الوسائل ج 15 ص 336 ب 41 ح 1 و 3.

(4) الكافي ج 6 ص 137 ح 1 مع اختلاف يسير.


وعن محمد بن مسلم (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل إذا خير امرأته ، فقال : إنما الخيرة لنا ليس لأحد ، وإنما خير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمكان عائشة ، فاخترن الله ورسوله ، ولم يكن لهن أن يخيرن غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

قوله عليه‌السلام «إنما الخيرة لنا» يعني باعتبار اختصاص ذلك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنزلتهم معه واحدة. وقوله «لمكان عائشة» قيل في معناه : إنه لما لم يطلقهن بل خيرهن لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحب عائشة لحسنها وجمالها ، وكان يعلم أنهن لا يخترن غيره لحرمة الأزواج عليهن. أو أن السبب الأعظم في هذه القضية كان سوء معاشرة عائشة ، وقلة احترامها له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (2) بعد أن ذكر في صدر البحث أقسام الطلاق إجمالا : وإن منه طلاق السنة وطلاق العدة وطلاق الغلام ـ ثم شرح هذه الأشياء كلا على حدة إلى أن قال : ـ وأما التخيير فأصل ذلك أن الله أنف لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقالة قالتها بعض نسائه ، إلى آخر ما في عبارة الشيخ علي بن بابويه ـ رحمه‌الله ـ حيث إنها مأخوذة من الكتاب المذكور على ما عرفت في غير موضع مما تقدم.

أقول : والأقرب عندي هو القول المشهور لوجوه : (أحدها) أن مقتضى القاعدة المنصوصة ـ المتفق على ورودها عنهم عليهم‌السلام من عرض الأخبار مع الاختلاف بل بدونه على مذهب العامة والأخذ بخلافه ـ هو حمل أخبار الوقوع على التقية ، ولذلك أن الشيخ أيضا حملها على ذلك ، لاتفاق العامة على ما دلت هذه الأخبار عليه ، ويؤيده اختلاف الأخبار باختلافهم في أحكامه من كونه طلاقا رجعيا أو بائنا ونحو ذلك.

(وثانيها) أنه مع العمل بأخبار الوقوع فإنه يلزم طرح الأخبار الدالة على العدم ، إذ لا محمل لها ، ومن القواعد المقررة عندهم أن إعمال الدليلين مهما

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 139 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 336 ب 41 ح 2 وفيهما «أن يخترن».

(2) فقه الرضا ص 241 و 244 مع اختلاف يسير.


أمكن أولى من طرح أحدهما.

(وثالثها) تأيد أخبار المنع بجملة من الأخبار الدالة على عدم صحة تفويض أمثال ذلك إلى النساء.

ومنها ما رواه في الكافي (1) عن الحسن بن علي بن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في امرأة نكحها رجل فأصدقته المرأة واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق فقال : خالف السنة وولى الحق من ليس أهله ، وقضى أن على الرجل الطلاق ، وأن بيده الجماع والطلاق ، وتلك السنة».

وما رواه في الفقيه والتهذيب (2) في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قضى علي عليه‌السلام في رجل تزوج امرأة وأصدقها واشترطت أن بيدها الجماع والطلاق ، قال : خالف السنة وولت الحق من ليس بأهله ، قال : قضى أن على الرجل النفقة ، وبيده الجماع والطلاق ، وذلك السنة».

أقول : في الفقيه «فأصدقته» مكان «فأصدقها وأن عليه الصداق» بدل «على الرجل النفقة».

وما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن مروان بن مسلم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت : ما تقول في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال : فقال : ولى الأمر من ليس أهله وخالف السنة ولم يجز النكاح».

وقد اشتركت هذه الأخبار في الدلالة على أن جعل الطلاق بيد المرأة خلاف

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 403 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 340 ب 42 ح 1 وفيهما «أن على الرجل الصداق».

(2) الفقيه ج 3 ص 269 ح 61 ، التهذيب ج 7 ص 369 ح 60 ، الوسائل ج 15 ص 40 ب 29 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير.

(3) الكافي ج 6 ص 137 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 88 ح 220 ، الوسائل ج 15 ص 336 ب 41 ح 5.


السنة النبوية والشريعة المحمدية صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكل ما خالفها فهو باطل البتة ، حتى أنه عليه‌السلام في الحديث الأخير حكم ببطلان النكاح ، ومورده كما ترى مورد تلك الأخبار لأنه قال فيه : «إنه جعل أمر امرأته بيدها» وهذا هو معنى التخيير فهو أصرح الأخبار في بطلان التخيير ، إذ لو كان ذلك سائغا كما يدعونه لصح شرطه في العقد ولم يحكم ببطلان النكاح ، والخبر كما ترى على خلافه.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ باعتبار تصلبه في العمل بهذا الاصطلاح المحدث ـ ترجيح القول بالوقوع لرجحان أخباره بالكثرة والصحة والصراحة ، قال ـ رحمه‌الله ـ : وأجاب المانعون عن الأخبار الدالة على الوقوع بحملها على التقية ، ولو نظروا إلى أنها أكثر وأوضح سندا وأظهر دلالة لكان أجود ، ووجه الأول واضح ، والثاني أن فيها الصحيح والحسن والموثق ، وليس فيها ضعيف ، بخلاف أخبار المنع ، فإن فيها الضعيف والمرسل والمجهول.

أقول : لا يخفى أن الحمل على التقية لا تنافيه صحة الأخبار وتكاثرها ، بل لو ادعي كون ذلك مؤكدا للحمل على التقية لكان أقرب لشيوع التقية وخفاء الحق الواقعي بتلك البلية ، فلا جرم قلت أخباره وقل انتشاره على أن هذا الاصطلاح المحدث لا وجود له عند أصحابنا المتقدمين ، بل الأخبار كلها صحيحة عندهم بهذا الاعتبار ، وإنما الضعف بوجوه أخر لا تعلق لها بالسند كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب في أول جلد كتاب الطهارة (1) ، والقاعدة المروية عنهم عليهم‌السلام في تعارض الأخبار صادقة على الجميع ، لا اختصاص لها بمادة دون اخرى ، ولا ريب في صدقها على ما نحن فيه ، فيجب العمل بمقتضاها ، إلا أنه لما كانت هذه القاعدة مطرحة في كلامهم ـ كما لا يخفى على من خاض بحور نقضهم

__________________

(1) الحدائق ج 1 ص 14.


وإبرامهم ـ وأن بما اخترعوا لهم في الجمع بين الأخبار ولا وجود لها في السنة ولا في الكتاب من حمل النواهي الكراهة والأوامر على الاستحباب ، ضربوا عنها صفحا ، وطووا عنها كشحا بمثل هذه التعليلات العليلة ونحوها.

تفريعات على القول بالتخيير

الأول : أنه هل يكون الطلاق الواقع بالتخيير إذا اختارت نفسها طلاقا رجعيا أم بائنا؟ ظاهر عبارة ابن أبي عقيل المتقدمة أنه يكون رجعيا ، وعليه تدل من أخبار التخيير المتقدمة صحيحة محمد بن مسلم المروية في الفقيه ، لقوله فيها ، «وهو أحق برجعتها» ونحوها صحيحة الفضيل بن يسار لحكمه فيها بالموارثة التي هي فرع بقاء الزوجية ، ورواية زرارة لقوله فيها «وهو أحق برجعتها قبل أن تنقضي عدتها».

وقيل : إنها تكون بائنة ، وعليه تدل من الأخبار المذكورة رواية الصيقل ، لقوله فيها «فإن اختارت نفسها فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطاب» ورواية زرارة الأخرى لقوله فيها «إذا اختارت نفسها فهي تطليقة بائنة ، وهو خاطب من الخطاب» ورواية بريد الكناسي ، وهي أصرح الجميع ، ونحوها حسنة حمران ، والظاهر أن هذا الاختلاف في هذه الأخبار منشؤه اختلاف العامة في ذلك ، ولكن لا يحضرني الآن نقل مذاهبهم ، إلا أنك لما عرفت أن هذه الأخبار إنما خرجت مخرج التقية وجميع ما تضمنته إنما هو من أقوالهم ، فالظاهر أن منشأ هذا الاختلاف فيها هو ما ذكرناه.

وكيف كان فهو مما يوهن التمسك بها والاعتماد عليها إذ لا حاجة للجمع بينها في ذلك ، فلم يبق إلا تعارضها وتساقطها.

وظاهر كلام ابن الجنيد المتقدم أن كون ذلك رجعيا أو بائنا إنما هو باعتبار أمر آخر ، وهو أنه إن كان التخيير بعوض كان بائنا ، كالطلاق بالعوض وإلا كان رجعيا.


قال في المسالك : وفيه جمع بين الأخبار ، وفيه أنه لا يكاد يشم لهذا التفصيل ولا لهذا العوض رائحة في الأخبار بالكلية ، وكيف يكون جمعا بينها مع أنه لا إشارة في شي‌ء من الأخبار إليه فضلا عن الدلالة الظاهرة عليه ، بل ظاهر سياق الأخبار المذكورة بل صريحها أن كلا من الأمرين إنما يترتب على مجرد التخيير ، ولا دليل على العوض بالكلية ولا سيما رواية بريد الكناسي وحسنة حمران ، فإنهما تناديان بأوضح دلالة على أن نفي الميراث وانقطاع العصمة والبينونة وعدم الرجعة إنما يترتب على اختيارها نفسها خاصة ، ودعوى كون ذلك بعوض إنما هو من قبيل الرمي في الظلام والقياس في الأحكام الذي منعت منه شريعة الملك العلام ، إذ مرجع ما ذكروه إنما هو إلى أنه حيث ثبت ذلك في الطلاق بعوض أثبتناه في التخيير إذا كان ثمة عوض بل هذا أشد بعدا لعدم الجامع بين المقيس والمقاس عليه.

وبالجملة فإن بعد هذا القول في المقام مما لا يخفى على ذوي الأفهام ، إلا أن شيخنا المذكور لما كان مائلا إلى القول بالتخيير كما عرفت تشبث في الذب عنه بذلك.

وأما قوله أيضا على أثر ما تقدم ـ ويمكن الجمع بينها بحمل البائن على تخيير من لا عدة لها كغير المدخول بها واليائسة والرجعي على من لها عدة رجعية لأن التخيير جائز للجميع على القول به ـ فهو في البعد مثل سابقه ، فإن سياق أخبار التخيير ينادي بأفصح لسان وأوضح بيان بأن ما تضمنته تلك الأخبار من الأحكام إنما ترتب على التخيير ، بمعنى أنه متى خيرها واختارت نفسها لزم كذا وكذا ، أعم من أن تكون ذات عدة أم لا ، ومقتضى ما ذكره من احتمال الجمع بما ذكر إنما هو ترتب البينونة وعدم الإرث وعدم الرجعة على عدم الدخول بها أو على كونها يائسة ، والأخبار خالية من الاشعار به ، بل ظاهرها كما عرفت إنما هو ترتب ذلك على مجرد التخيير ، وبالجملة فإن مقتضى إطلاق هذه الأخبار


هو ما ذكرناه ، والتخصيص يحتاج إلى دليل وليس فليس.

الثاني : عبارة ابن أبي عقيل المتقدمة اشتراط وقوع الخيار في المجلس قبل التفرق لقوله «وإن اختارت نفسها في المجلس فهي تطليقة واحدة» وعليه تدل رواية زرارة لقوله فيها «إنما الخيار لها ما داما في المجلس فإذا افترقا فلا خيار لها» وصحيحة محمد بن مسلم وهي الأولى لقوله فيها «فهي بالخيار ما لم يتفرقا» وقوله في صحيحة الفضيل بن يسار «واختارت نفسها قبل أن تقوم» وهو وإن كان في كلام الراوي ، إلا أن الحجة تقرير الامام عليه‌السلام ، وإطلاق المجلس يقتضي عدم الفرق بين طول المجلس وقصره ، وعدم الفرق بين تخلل كلام أجنبي بين التخيير والاختيار أم لا.

لكن الظاهر من عبارة ابن الجنيد هو اتصال الاختيار بالتخيير اتصالا عرفيا بمعنى عدم ضرر الفصل بالسعال ونحوه من الفصل القليل ، لقوله «فإن اختارت نفسها من غير أن تشاغل بحديث من قول أو فعل كان يمكنها أن لا تفعله صح اختيارها ، وإن اختارت بعد فعلها ذلك لم يكن اختيارها ماضيا. انتهى وظاهره فورية التخيير ، وعلى هذا يكون المجلس كناية عن هذا الاتصال العرفي إلا أنه ينافيه قوله «ما لم يتفرقا» في رواية زرارة وصحيحة محمد بن مسلم (1) و «قبل أن يقوم» في صحيحة الفضيل فإن ظاهره أن الغاية المبطلة للخيار هي التفرق عن المجلس ، فما لم يتفرقا وإن طال الجلوس أو حصل الفصل فإنه لا يبطل التخيير وعلى هذا فما ذكره ابن الجنيد من هذا الشرط لا دليل عليه من الأخبار المذكورة.

__________________

(1) وصحيحة محمد بن مسلم أظهر دلالة على ذلك حيث انه قال «فهي بالخيار ما لم يتفرقا» فجعل الغاية في سقوط الخيار هو التفرق خاصة ، وكذا قوله في صحيحة الفضيل «قبل أن يقوم» فان الجميع ظاهر في صحة التخيير وان طال الجلوس في مقامها وجواز الفصل بكلام أجنبي طال أو قصر ما لم يحصل التفرق. (منه ـ قدس‌سره ـ).


وبذلك يظهر أن ما ذكروه في هذا المقام ـ من أنه إذا كان بمنزلة عقد التمليك لم يكن العبرة بالمجلس بل بالمقارنة ، وإن جعل بمنزلة التوكيل لم يكن المجلس أيضا معتبرا بل يجوز مع التراخي ـ لا معنى له ، بل إن الذي ينبغي أن يقال بناء على ما قالوه من صحة التخيير : إن هذا حكم برأسه والمجلس فيه أثر على الوجه المتقدم في الأخبار بالتقريب الذي شرحناه. وأما بناء على ما قلناه من عدم القول بذلك ، فإن الوجه فيه أنه حيث كان العامة القائلون بهذا القول قد اشترطوا فيه هذا الشرط خرجت الأخبار مصرحة به وفاقا لهم

الثالث : يشترط في هذا التخيير عند القائل به ما يشترط في صحة الطلاق من استبراء المرأة وسماع الشاهدين وغير ذلك. وهل يكفي سماعهما نطقها خاصة ، أو يعتبر سماعهما نطقهما معا؟ قال في المسالك : ظاهر الرواية والفتوى الأول ، وأن الفراق يقع بمجموع الأمرين فيعتبر سماعهما من الشاهدين ، فينزل حينئذ منزلة الخلع حيث يقع البذل من جانبها والطلاق من جانبه ، وإن اختلفا في كون الطلاق هنا من جانبها ويحتمل الاكتفاء بسماع اختيارها ، لأن الفراق إنما حصل به ، ولهذا لو ردته أو اختارته لم يقع ، فيكون ذلك بمنزلة تفويض الطلاق إليها ، فلا يشترط إلا سماع ما دل على الطلاق لا سماع ما هو بمنزلة الوكالة فيه ، انتهى.

أقول : اتفقت السنخ على لفظ الأول في قوله «ظاهر الرواية والفتوى الأول» ومنها نسخة بخط المصنف ـ رحمة الله عليه ـ والأنسب في التعبير إنما هو الثاني عوض لفظ الأول لأن العبارة المتقدمة كما ذكرناه هو أنه هل يكفي سماعهما نطقها خاصة أو يعتبر سماعهما نطقهما معا ، والأول منهما هو الاكتفاء بسماع نطقها خاصة ، والثاني هو سماعهما نطقهما معا ، والذي ادعاه من النص والفتوى ورتب عليه الكلام بقوله «وأن الفراق يقع بمجموع الأمرين. إلخ» إنما يتجه على الثاني ، ويدلك على ذلك أيضا قوله أخيرا «ويحتمل الاكتفاء


بسماع اختيارها» وهذا هو الأول قد جعله احتمالا. وبالجملة فالظاهر وقوع السهو من قلم المصنف في التعبير بلفظ الأول في هذا المقام ، وإنما حقه أن يقول الثاني.

وكيف كان فالذي تقدم في أخبار المسألة مما يدل على ذلك ما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم من قوله «وإن خيرها أو جعل أمرها بيدها بشهادة شاهدين. إلخ» وهو ظاهر في كون شهادة الشاهدين على تخيير الرجل لها أو جعله الأمر بيدها مع اختيارها إن اختارت نفسها ، وهو ظاهر فيما ادعاه من كون الشهادة على الأمرين وما تضمنته رواية الصيقل من قوله «ولا يكون تخيير إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين» وهو أيضا يرجع إلى الأول ، وإن كان الأول أظهر.

وما في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم من قوله عليه‌السلام «لا خيار إلا على طهر من غير جماع بشهود» وهو يرجع إلى سابقه ، والمعنى فيهما أنه لا خيار أو لا تخيير بأن يخير الرجل امرأته فتختار نفسها إلا بهذه الشروط.

وأما الاحتمال الذي ذكره أخيرا فهو جيد من حيث الاعتبار كما ذكره ـ رحمه‌الله ـ إلا أن ظواهر النصوص على خلافه ، والأظهر هو الوقوف على مقتضى ما دلت عليه الأخبار.

الرابع : قال في المسالك : يجوز له الرجوع في التخيير مطلقا ، وهو الظاهر من رواية زرارة «إنما الخيار لهما ما داما في مجلسهما» ولأنه إن كان تمليكا كان الرجوع فيه قبل القبول جائزا ، وإن كان توكيلا فكذلك بطريق أولى ، ومقتضى قوله «إن الخيار لهما ما داما في المجلس» جواز فسخه لكل منهما في المجلس وإن وقع التخيير من كل منهما ، وهو مشكل من جانبها مطلقا ، إذ لا خيار لها في الطلاق مطلقا ، ومن جانبه لو كان بائنا ، إلا أن الأمر فيه أسهل لإمكان تخصيصه بالرجعي.

أقول : الظاهر أن المعنى في قوله عليه‌السلام في خبر زرارة «إنما الخيار لها


ما داما في مجلسهما» إنما هو أنه متى خيرها فاختارت نفسها فإنه يشترط أن يكون في مجلس واحد ، بمعنى أنه لو خيرها وسكتت حتى تفرقا ثم اختارت نفسها لم يقع ، فلا بد من أن يكون التخيير منه والاختيار منها في مجلس واحد. ويشير إلى ذلك قوله في صحيحة محمد بن مسلم «فإن خيرها أو جعل أمرها بيدها بشهادة شاهدين في قبل عدتها فهي بالخيار ما لم يتفرقا» فإنه دال على أنه يشترط أن يكون اختيار نفسها في مجلس تخيير الزوج لها ، لا بعد مفارقته ، وفي معناه صحيحة الفضيل.

وبالجملة فالمراد بالخيار هو التخيير الذي يترتب عليه الفراق لا الخيار في الرجوع عن مقتضى التخيير كالخيار في سائر العقود بمعنى فسخها ، حتى أنه يدعى أنه مقتضى قوله «إن الخيار لها ما داما في المجلس» جواز فسخه لكل منهما في المجلس ، وإن وقع التخيير ، من كل منهما ، وكيف يتم الفسخ بعد اختيارها نفسها وأكثر الأخبار قد دل على أنها باختيارها نفسها قد بانت منه وانقطعت العصمة بينهما من ساعته كما صرحت به حسنة بكير ، ورواية بريد الكناسي ، وكيف يتم الفسخ بعد حصول البينونة وانقطاع العصمة ، وعلى تقدير الروايات الأخر الدالة على أنه بمنزلة الطلاق الرجعي كيف يتم لها فسخ الطلاق حسبما ذكره من أنه لا خيار لها في الطلاق مطلقا ، وبهذا يظهر لك أن حمله الرواية على ما ذكره ـ من جواز الرجوع في التخيير بمعنى فسخه من الزوج أو من كل منهما ـ ليس في محله ، وإنما المعنى فيها ما قلناه.

وأما تكرارهم التفريع على التمليك أو التوكيل فقد عرفت أن الظاهر أن يقال : إن هذا حكم برأسه عند من قال به ، يترتب عليه من الأحكام ما دلت عليه أخباره.

وخامسها : قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف أنه يشترط تجريد صيغة الطلاق من الشرط والصفة. بل ادعى عليه ابن إدريس كما نقل عنه الإجماع ، ومثله شيخنا الشهيد الثاني في الروضة ، فإنه قال بعد ذكر المصنف الحكم المذكور : وهو موضع وفاق منا. وظاهرهم أن المستند فيه إنما


هو الإجماع ، والظاهر أنه لذلك نسب المحقق في الشرائع الحكم المذكور إلى قول المشهور مؤذنا بالتوقف فيه والطعن في دليله. وظاهره في المسالك الميل أيضا إلى ذلك ، قال ـ رحمه‌الله ـ : نبه بقوله على قول المشهور على ضعف مستنده ، فإنه ليس عليه نص ، وإنما أوردوا عليه أدلة ظاهرية كقولهم : إن النكاح أمر ثابت متحقق ، ولا يزول إلا بسبب متحقق ، ووقوعه مع الشرط مشكوك فيه. وقولهم : إنه مع عدم الشرط إجماعي ، ولا دليل على صحته بالشرط ، ونحو ذلك ، فإن هذا كله مندفع بعموم الأدلة على ثبوت حكم الطلاق حيث يقع أعم من كونه منجزا أو معلقا على شرط.

وقال سبطه في شرح النافع بعد نقل ذلك عنه : وهو جيد لو ثبت ما ادعاه من العموم لكنه محل نظر ـ ثم قال : ـ ويمكن أن يستدل على اعتبار هذا الشرط مضافا إلى ما سبق بقوله عليه‌السلام في حسنة محمد بن مسلم (1) «إنما الطلاق أن يقول لها. أنت طالق أو اعتدي». فإن الصيغة المعلقة على شرط أو صفة خارجة عن هذين اللفظين ، والمعتمد ما عليه الأصحاب ، انتهى.

أقول : ما ادعاه شيخنا المذكور من العمومات ليس في محله ، وإنما هنا إطلاقات ، والظاهر أن مراده ذلك ، فإنهم يعبرون عن أحدهما بالآخر ، إلا أنه قد تقرر أن الإطلاق إنما يحمل على الأفراد الشائعة المتكررة ، فإنها هي التي يتبادر إليها الإطلاق ، دون الفروض النادرة ، ولا ريب أن المتكرر في الطلاق إنما هو المنجز الغير المعلق ، بل ذكر المعلق إنما هو فرض أرادوا التنبيه على حكمه لو وقع.

نعم لو استدل على صحة الطلاق مع التعليق بالأدلة الدالة على وجوب الوفاء

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 69 ضمن ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 37 ضمن ح 27 ، الوسائل ج 15 ص 295 ب 16 ضمن ح 3.


بالشروط لكان وجها ، إلا أنه يمكن الجواب عنه بأن النكاح والطلاق من الأمور التوقيفية يحتاج في ثبوتها إلى ما دل شرعا على ما يوجب النكاح أو الطلاق كما تقدم ذكره ، ولم يعلم من الشارع صحة الطلاق مع التعليق ، والأصل بقاء عصمة النكاح حتى يقوم الدليل الشرعي على انقطاعها. وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور ، وهو الأوفق بالاحتياط (1) كما لا يخفى.

والمراد بالشرط المعلق عليه هو ما يحتمل وقوعه وعدمه كدخول الدار مثلا ، وبالصفة ما لا بد من وقوعه عادة كطلوع الشمس ، وقد استثني من الحكم ببطلان الطلاق المعلق على الشرط ما إذا كان الشرط معلوم الوقوع عند إيقاع الصيغة كما لو قال : أنت طالق إن كان الطلاق يقع بك ، وهو يعلم وقوعه ، فإن الطلاق هنا يقع صحيحا حيث إنه لا تعليق في المعنى ، ونقل عن الشيخ أن الطلاق لا يقع لصدق تعليقه على الشرط ، وهم اتفقوا على بطلان الطلاق المعلق على الشرط وهذا منه ، لأن قوله «إن كان يقع بك» شرط لغة وعرفا ورده المحقق في الشرائع بأن ما ذكره حق إن كان المطلق لا يعلم ، وأما مع علمه بأن الطلاق يقع بها وهي مستكملة لشرائطه فلا.

وتوضيحه : أن التعليق على الشرط لم يكن مبطلا من حيث كونه تعليقا على شرط ، وإنما أبطل من حيث عدم التنجيز وإيقاعه في الحال ، فالمدار في صحته إنما هو على التنجيز ، ومطلق الشرط لا ينافيه ، بل الشرط الذي لا يعلم وقوعه ، وإلا فلو علم حال الطلاق أنها جامعة للشرائط من عدم الحيض وكونها في طهر لم يقربها فيه فقد علم حينئذ صلاحيتها لوقوع الطلاق بها ، فإذا علقه على وقوعه بها فقد علقه على أمر يعلم حصوله حال الطلاق ، فلم يناف ذلك بتنجيزه بخلاف

__________________

(1) فان النكاح موجب لتحلل ما كان محرما قبله ، والطلاق موجب لتحريم ما كان محللا قبله ، فلا بد في كل من التحليل في الأول والتحريم في الثاني من موجب شرعي ودليل قطعي ، ولم يعلم من الشارع وقوع الطلاق المعلق ، ولا بيان حاله من أنه صحيح أو باطل كما لا يخفى (منه ـ قدس‌سره ـ).


ما لو جهل حالها ، وكذا القول في كل شرط يعلم وقوعه حالة الطلاق كقوله : إن كان يوم الجمعة فأنت طالق ، مع علمه بأنه يوم الجمعة ، فإن الطلاق يقع البتة ، لأن الشرط في قوة الوصف ، فكأنه قال بناء على المثال الأول : أنت طالق في هذا الوقت الذي يقع فيه الطلاق بك ، وأنت طالق في هذا اليوم بناء على المثال الثاني.

وسادسها : اختلف الأصحاب فيما لو فسر الطلقة باثنين أو ثلاث ، فهل يبطل الطلاق من أصله؟ أو يلغو التفسير وتصير واحدة؟ قولان : (الأول) للسيد المرتضى في الانتصار وسلار وابن أبي عقيل وابن حمزة (والثاني) للشيخ في النهاية والمرتضى في القول الآخر وابن إدريس والمحقق والعلامة في المختلف وجماعة ، والظاهر أنه هو المشهور سيما بين المتأخرين ، واتفق الجميع على عدم وقوع المجموع ، بمعنى أنه لا يقع ثلاثا أو اثنين بمجرد قوله ذلك ، بل لا بد لوقوع العدد من تخلل الرجعة ، والأصل في هذا الاختلاف الروايات والتعليلات.

أما القول الثاني فإن العلامة في المختلف قد استدل عليه بوجود المقتضي ، وهو قوله «أنت طالق» وانتفاء المانع ، إذ ليس إلا قوله ثلاثا ، وهو غير معارض لأنه مؤكد لكثرة الطلاق وإيقاعه وتكثير سبب البينونة ، والواحدة موجودة في الثلاث لتركبها منها ومن وحدتين اخرتين ، ولا منافاة بين الكل وجزئه. فيكون المقتضي وهو الجزء خاليا من المعارض.

ورد (1) بأنه ضعيف جدا لمنع كون الثلاث مؤكدة للواحدة ـ أعني المقيدة بقيد الوحدة ـ بل منافية لها ، والموجود في ضمن الثلاث الواحدة لا بشرط ، والمطلوب هنا الواحدة بشرط لا بمعنى المقيدة بقيد الوحدة ، وهي غير داخلة في الثلاث قطعا. وهو جيد ، والأولى الرجوع إلى الأخبار ، وها أنا أسوق ما حضرني من الأخبار الدالة على هذا القول

__________________

(1) الراد هو السيد السند في شرح النافع. (منه ـ رحمه‌الله ـ).


ومنها ما رواه في الكافي (1) عن زرارة في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد وهي طاهر ، قال : هي واحدة».

وفي الصحيح أو الحسن (2) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن الذي يطلق في حال طهر في مجلس ثلاثا؟ قال : هي واحدة».

وفي الصحيح عن أبي بصير الأسدي (3) ومحمد بن علي الحلبي وعمر بن حنظلة جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الطلاق ثلاثا في غير عدة ، إن كانت على طهر فواحدة ، وإن لم تكن على طهر فليس بشي‌ء». قوله «في غير عدة» أي إذا لم يكن للعدة ، بأن يرجع في العدة ويجامع.

وعن عمرو بن البراء (4) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أصحابنا يقولون : إن الرجل إذا طلق امرأته مرة أو مائة مرة فإنما هي واحدة ، وقد كان يبلعنا عنك وعن آبائك عليهم‌السلام أنهم كانوا يقولون : إذا طلق مرة أو مائة مرة فإنما هي واحدة ، فقال : هو كما بلغكم».

وما رواه في التهذيب (5) عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام «في التي تطلق في حال طهرها في مجلس ثلاثا ، قال : هي واحدة».

وعن بكير (6) في الحسن أو الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إن طلقها للعدة أكثر من واحدة فليس الفضل على الواحد بطلاق».

وما رواه الكليني (7) في الصحيح عن شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 70 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 311 ب 29 ح 2.

(2) الكافي ج 6 ص 71 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 312 ب 29 ح 3.

(3 و 4) الكافي ج 6 ص 71 ح 3 و 4، الوسائل ج 15 ص 311 ب 29 ح 1 و 7.

(5 و 6) التهذيب ج 8 ص 53 ح 90 و 91، الوسائل ج 15 ص 312 ب 29 ح 3 وص 314 ب 29 ح 12 ..

(7) الكافي ج 6 ص 125 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 312 ب 29 ح 4.


«في حديث قال : قلت : فطلقها ثلاثا في مقصد ، قال : ترد إلى السنة ، فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة».

ونحو رواية أبي محمد الوابشي (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وعن الكلبي النسابة (2) عن الصادق عليه‌السلام «في حديث قال فيه : فقلت : فرجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا ، فقال : ترد إلى كتاب الله وسنة نبيه».

وعن محمد بن سعيد الأموي (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق ثلاثا في مقصد واحد ، قال : فقال : أما أنا فأراه قد لزمه ، وأما أبي فكان يرى ذلك واحدة».

أقول : الظاهر أن ما أفتى به عليه‌السلام من لزوم الطلاق وأنه يكون بائنا إنما خرج مخرج التقية ، ويؤيده أن الراوي اموي ، والذي نقله عن أبيه هو الموافق للأخبار المذكورة ، وأورد شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد على الاستدلال بهذه الأخبار أن السؤال فيها عمن طلق ثلاثا في مجلس وهو أعم من أن يكون بلفظ الثلاث أو بلفظ لكل واحد مرة ، والثاني لا نزاع فيه ، فلم قلتم أنه غير مراد ، وبتقدير عدم تعينه للإرادة يكون أعم من كل واحد ، والعام لا يستلزم الخاص.

وأجاب عنه في المسالك فقال : إن لنا الاستدلال بعمومه الشامل للقسمين فإن «من» من صيغ العموم ، فيتناول من طلق ثلاثا مرسلة ، كذا وبثلاثة ألفاظ ، وقد حكم على هذا العام بوقوع واحدة ، فيتناول بعمومه موضع النزاع كما هو شأن كل عام.

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 53 ح 92 ، الوسائل ج 15 ص 314 ب 29 ح 13.

(2) الكافي ج 1 ص 350 ضمن ح 6 طبع دار الكتب الإسلامية ، الوسائل ج 15 ص 312 ب 29 ح 5.

(3) التهذيب ج 8 ص 53 ح 93 ، الوسائل ج 15 ص 314 ب 29 ح 14.


واعترضه سبطه في شرح النافع فقال : وعندي في هذا الجواب نظر ، فإن لفظة «من» وإن أفاد العموم وتناول كل مطلق ، لكن لفظ «طلق» مثبت فلا يفيد العموم على وجه يتناول أقسام الطلاق ، وعموم المطلق يتحقق بتناول اللفظ لكل مطلق أوقع الطلاق بثلاثة ألفاظ ، فلا يجب تناوله لمن طلق ثلاثا بلفظ واحد مرسل ، مع أن المتبادر من قوله «طلق ثلاثا» أنه أوقع الطلاق بثلاث صيغ ، إذ لا يصدق على من قال «سبحان الله عشرا» أنه سبح الله عشر مرات. وبالجملة فهذه الروايات غير دالة على المطلوب صريحا ولا ظاهرا. انتهى ، وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه ، إلا أن آخر العبارة لا يخلو من خزازة ولعله لغلط وقع فيها.

وحق الكلام أن يقال : إذ لا يصدق على من قال «سبح الله عشرا» إلا أنه سبح الله عشر مرات لا أن يقول «سبحان الله» عشرا خاصة ، ونحو ذلك من الألفاظ المؤدية لهذا المعنى ، ويؤيد قوله في حسنة بكير أو موثقته المتقدمة إن طلقها للعدة أكثر من واحدة ، فليس الفضل على الواحد بطلاق ، فإن المراد منها كما هو الظاهر إنما هو تعدد الطلاق. وحينئذ فيحمل عليها إطلاق الأخبار المذكورة ، وكيف كان فإن لم يكن ما ذكرناه هو الأظهر من الأخبار المذكورة فلا أقل من كونه أحد الاحتمالين ، وبه يبطل الاستدلال لقيام الاحتمال.

ومما يدل على كونه واحدة متى تعددت العبارة ثلاثا مثلا وأن الزائد لغو ـ مضافا إلى ما ذكره شيخنا الشهيد من أنه لا نزاع فيه ـ رواية إسحاق بن عمار الصيرفي (1) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أن عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا طلق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثا في كلمة واحدة فقد بانت منه ، ولا ميراث بينهما ولا رجعة ، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وإن قال : هي طالق ، هي طالق ، هي طالق فقد بانت منه بالأولى ، وهو خاطب من الخطاب ، إن شاءت

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 53 ح 94 ، الوسائل ج 15 ص 315 ب 29 ح 15.


نكحته نكاحا جديدا ، وإن شاءت لم تفعل». وصد الخبر إنما خرج مخرج التقية ، كما هو مذهب العامة ، وعلى ذلك حمله الشيخ وغيره ، ويدل عليه ما رواه الشيخ (1) عن أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كنت عنده فجاء رجل فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا ، قال : بانت منه. قال : فذهب ثم جاء رجل آخر من أصحابنا فقال : رجل طلق امرأته ثلاثا ، فقال : تطليقة. وجاء آخر فقال : رجل طلق امرأته ثلاثا ، فقال : ليس بشي‌ء. ثم نظر إلي فقال : هو ما ترى ، قال : قلت : كيف هذا؟ قال : هذا يرى أن من طلق امرأته ثلاثا حرمت عليه ، وأنا أرى أن من طلق امرأته ثلاثا على السنة فقد بانت منه ، ورجل طلق امرأته ثلاثا وهي على طهر فإنما هي واحدة ، ورجل طلق امرأته ثلاثا على غير طهر فليس بشي‌ء» (2).

أقول : في هذا الخبر دلالة على أنهم عليهم‌السلام كثيرا ما يجيبون باعتبار علمهم بالحال ، والأول كان من المخالفين وأجابه عليه‌السلام بما يوافق معتقده ظاهرا من حصول البينونة بمجرد الثلاث ، ولكنه عليه‌السلام أراد مع وقوعه على السنة كما أوضحه. والثاني حيث كان من أصحابنا أجابه بما أجاب به أصحابه عليه‌السلام في هذه الأخبار حيث

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 54 ح 95 ، الوسائل ج 15 ص 315 ب 29 ح 16.

(2) أقول : ومن هذا القبيل ما رواه في التهذيب في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبى نصر عن أبى الحسن عليه‌السلام قال : «سألته رجل وأنا حاضر عن رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد ، فقال له أبو الحسن عليه‌السلام : من طلق امرأته ثلاثا للسنة فقد بانت عنه ، قال : ثم التفت الى فقال : يا فلان لا تحسن أن تقول مثل هذا».

أقول : الظاهر أن السائل كان مخالفا فأجاب عليه‌السلام بجواب يظن أنه مطابق لسؤاله والحال أنه ليس كذلك لأنه أراد بطلاق السنة ، هو الطلاق المشتمل على الرجوع بين الطلقات والدخول ، فان هذا هو المحرم ثانيا إذا كان ثلاثا ، والسائل يظن أن مراده ما سأل عنه من الطلاق ثلاثا في مجلس واحد وأنه من السنة عنده ، وقوله عليه‌السلام «لا يحسن أن تقول مثل هذا» يعنى أن يجيب بالحكم الواقعي مع كونه موافقا لمراد السائل يعتقد أنك أجبته بمقتضى اعتقاده الباطل. (منه ـ قدس‌سره ـ).


إنه فهم منه أنه طلق ثلاثا في مجلس واحد. والثالث لما علم أنه طلق على غير طهر أجابه بالبطلان من حيث فوات أحد شروط الطلاق.

احتج من قال بالبطلان (أولا) بأن الواحدة المنفردة ـ أعني المقيدة بقيد الوحدة ـ غير مرادة فلا تقع ، لأن من جملة شرائط الصحة القصد إلى الطلاق ، والمقصود هو التطليقات الثلاث غير واقع إجماعا ، ومرجعه إلى أن المقصود غير واقع والصالح للوقوع غير مقصود ، لأنه غير مريد للواحدة المقيدة بقيد الوحدة.

وأجيب عنه بأن قصد الثلاث يستلزم قصد كل واحدة ، وفيه ما تقدم في صدر المسألة في الجواب عما استدل به في المختلف.

(وثانيا) الروايات ، وهي التي عليها المعول في الاستدلالات ، لما عرفت ما في هذه الأدلة العقلية من المناقضات.

ومنها ما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشي‌ء ، من خالف كتاب الله رد إلى كتاب الله».

وعن علي بن إسماعيل (2) قال : «كتب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك روى أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يطلق امرأته ثلاثا بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين أنه يلزمه تطليقة واحدة ، فوقع بخطه عليه‌السلام : أخطأوا على أبي عبد الله عليه‌السلام أنه لا يلزم الطلاق ، ويرد إلى كتاب الله وسنته إن شاء الله».

أقول : والذي يظهر لي في الجمع بين أخبار المسألة هو حمل ما دل أنها واحدة على ما إذا وقع الطلاق بصيغ ثلاث في مجلس واحد ، فإنه هو المتبادر من هذه العبارة بالتقريب الذي عرفته آنفا ، وحمل الأخبار الدالة على أنه ليس بشي‌ء

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 54 ح 96 ، الوسائل ج 15 ص 313 ب 29 ح 8.

(2) التهذيب ج 8 ص 56 ح 101 ، الوسائل ج 15 ص 316 ب 29 ح 19 وفيهما اختلاف يسير.


وأنه باطل على ما إذا وقع الطلاق بصيغة واحدة تضمنت لفظ «ثلاثا» والعامة هنا على لزوم الطلاق وكونه بائنا لا تحل له بعده إلا بالمحلل كما عرفت ، والأئمة عليهم‌السلام قد ردوه وحكموا ببطلانه رأسا.

وتوضيح هذا الجمع مكاتبة عبد الله بن محمد المذكورة حيث إنها تضمنت تخطئة من حكم بالواحدة في صورة تضمن الطلاق ثلاثا بكلمة واحدة ، ومنه يفهم أن كونه واحدة في الأخبار المتقدمة إنما هو في صورة تعدد الصيغة ثلاثا في مجلس واحد ، وقد حكم عليه‌السلام في الخبر ببطلان ذلك ، وأنه لا يلزمه طلاق مطلقا ، لا واحدة كما هو المشهور عندهم ، ولا أزيد كما ذهب إليه العامة ، بل هو باطل يرد إلى الكتاب والسنة ، فهو ظاهر في الجمع المذكور بكل طرفيه ، ويؤكده ما تقدم من التقريب المشار إليه.

ومما يؤيد البطلان متى كان دفعة واحدة دون أن يكون ذلك تطليقة واحدة ما رواه

الراوندي في كتاب الخرائج عن هارون بن خارجة (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت إني ابتليت فطلقت أهلي ثلاثا في دفعة ، فسألت أصحابنا فقالوا : ليس بشي‌ء ، وأن المرأة قالت : لا أرضى حتى تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : ارجع إلى أهلك فليس عليك شي‌ء».

وبالجملة فإنه ليس لما ذكرناه من هذا الجمع مناف إلا شهرة الحكم بين أصحابنا بكونه يقع واحدة متى كان الطلاق بصيغة واحدة مشتملة على لفظ «ثلاثا» وعلى ما ذكرناه من أن الطلاق ثلاثا في مجلس بلفظ «ثلاثا» خاصة دون تعدد الصيغ باطل من أصله تحمل الأخبار المتكاثرة القائلة (2) «إياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس واحد ، فإنهن ذوات أزواج».

__________________

(1) الوسائل ج 15 ص 319 ب 29 ح 29.

(2) التهذيب ج 8 ص 58 و 56 ح 109 و 102 ، الوسائل ج 15 ص 316 ب 29 ح 20 و 21.


ومن هنا يمكن الاستدلال للقول بالبطلان بهذه الأخبار ، فإن المطلقة ثلاثا في مجلس واحد بمعنى تثليث الصيغ لا خلاف ولا إشكال في كونه يقع واحدة ، فلم يبق إلا الحمل على إيقاع الصيغة بلفظ ثلاثا الذي هو محل البحث هنا وقد حكموا عليهم‌السلام بالبطلان ، وأن المطلقات كذلك ذوات أزواج. إلا أن الشيخ لحكمه بوقوع الثلاث واحدة في الصورة المذكورة كما هو المشهور حمل هذه الأخبار على اختلاف بعض الشرائط الموجبة لصحة الطلاق ، ولا يخفى بعده.

ويؤيد الروايات المذكورة ما قدمناه من الأخبار (1) الدالة على أنه إذا أراد الرجل تزويج المطلقة ثلاثا انتظر أن تكون في طهر وأتى بشاهدين معه ، وسأل زوجها هل طلقت فلانة؟ فإذا قال نعم فهي تطليقة ، تعتد بعدها عدة المطلقة ، ثم يتزوجها ، فإنها أظهر ظاهر في بطلان الطلاق الأول الذي وقع من المخالف.

لكن بإزاء هذه الأخبار أيضا أخبار أخر تدل على جواز التزويج في هذه الصورة من غير الاحتياج إلى طلاق آخر ، إلزاما لهم بما ألزموا به أنفسهم.

ومنها ما رواه في التهذيب (2) عن إبراهيم بن محمد الهمداني في الصحيح أو الحسن قال : «كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام مع بعض أصحابنا فأتاني الجواب بخطه الشريف : فهمت ما ذكرت من أمر بنتك وزوجها فأصلح الله لك ما تحب صلاحه فأما ما ذكرت من خسته بطلاقها غير مرة ، فانظر يرحمك الله فإن كان ممن يتولانا ويقول بقولنا فلا طلاق عليه ، لأنه لم يأت أمرا جهله ، وإن كان ممن يتولانا ويقول بقولنا فاختلعها منه فإنه إنما نوى الفراق بعينه».

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت : امرأة طلقت

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 59 ح 113 ، الوسائل ج 15 ص 323 ب 31 ح 1 و 2.

(2) التهذيب ج 8 ص 57 ح 105 ، الوسائل ج 15 ص 320 ب 30 ح 1 ، وفيهما «أبى جعفر الثاني» وكذلك «ومن حنته» وأيضا «وان كان ممن لا يتولانا ولا يقول بقولنا فاختلعها منه».

(3) التهذيب ج 8 ص 58 ح 107 ، الوسائل ج 13 ص 320 ب 30 ح 3.


على غير السنة ، قال : تتزوج هذه المرأة ، ولا تترك بغير زوج».

وعن عبد الله بن سنان (1) قال : «سألته عن رجل طلق امرأته بغير عدة ثم أمسك عنها حتى انقضت عدتها ، هل يصلح لي أن أتزوجها؟ قال : نعم ، لا تترك المرأة بغير زوج».

وعن ابن جبلة (2) قال : «حدثني غير واحد من أصحاب علي بن أبي حمزة عن علي بن أبي حمزة أنه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن المطلقة على غير السنة ، أيتزوجها الرجل؟ فقال : ألزموهم من ذلك ما ألزموا أنفسهم ، وتزوجوهن فلا بأس بذلك قال الحسن : وسمعت جعفر بن سماعة وسئل عن امرأة طلقت على غير السنة ، ألي أن أتزوجها؟ فقال : نعم. قلت : أليس تعلم أن علي بن حنظلة روى إياكم والمطلقات على غير السنة فإنهن ذوات أزواج؟ فقال : يا بني رواية علي بن أبي حمزة أوسع على الناس ، قلت : وأي شي‌ء روى علي بن أبي حمزة؟ قال : روى عن أبي الحسن عليه‌السلام أنه قال : ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم ، وتزوجوهن فإنه لا بأس بذلك».

وعن عبد الأعلى (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا ، قال : إن كان مستحقا بالطلاق ألزمته ذلك».

وعن أبي العباس البقباق (4) قال : «دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام قال : فقال لي : ارو عني أن من طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد فقد بانت منه».

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 58 ح 108 و 109، الوسائل ج 15 ص 321 ب 30 ح 4 و 5 وفيهما اختلاف يسير.

(3) التهذيب ج 8 ص 59 ح 110 ، الوسائل ج 15 ص 321 ب 30 ح 7 وفيهما «مستخفا».

(4) التهذيب ج 8 ص 59 ح 111 ، الوسائل ج 15 ص 321 ب 30 ح 8 وفيهما «أبي العباس البقباق».


وما رواه في الكافي (1) عن جعفر بن محمد بن عبد الله عن أبيه قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن تزويج المطلقات ثلاثا ، فقال لي : إن طلاقكم لا يحل لغيركم ، وطلاقهم يحل لكم ، لأنكم لا ترون الثلاث شيئا وهم يوجبونها».

وما رواه الشيخ في التهذيب (2) عن جعفر بن محمد العلوي قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام» الحديث ، بدون قوله «وهم يوجبونها».

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد صرح الأصحاب بأنه لو كان المطلق مخالفا يعتقد الطلاق ثلاثا لزمته ، وكذا كل طلاق على غير السنة مما يحكمون بلزومه وصحته كوقوع الطلاق بغير إشهاد ووقوعه في الحيض وباليمين وبالكناية مع النية ، فإنه في جميع هذه المواضع يلزمون بصحته ويحكم عليهم بذلك ، واستدلوا على ذلك بجملة من الأخبار المتقدمة ، مثل صحيحة إبراهيم بن محمد الهمداني ورواية على بن أبي حمزة ورواية عبد الأعلى ، وما ذكروه ـ رحمة الله عليهم ـ ودلت عليه الأخبار المذكورة من إلزامهم بذلك والحكم عليهم به مما لا إشكال فيه ، مضافا إلى الإجماع المدعى عليه كما نقله في المسالك.

ويؤيده أيضا ما رواه محمد بن مسلم في الموثق (3) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الأحكام ، قال : يجوز على كل ذي دين ما يستحلونه». ورواية عبد الله بن محرز (4) الواردة في الميراث.

__________________

(1) لم نعثر عليه في الكافي بل وجدناه في الفقيه مرسلا ج 3 ص 257 ح 5 عن الصادق عليه‌السلام مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 321 ب 30 ح 9.

(2) التهذيب ج 3 ص 59 ح 112 وقد وجدنا فيها عبارة «وهم يوجبونها».

(3) التهذيب ج 9 ص 322 ح 11 ، الوسائل ج 17 ص 484 ب 4 ح 4.

(4) وهي ما رواه عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل ترك ابنته وأخته لأبيه وامه ، قال : المال كله لابنته ، وليس للأخت من الأب والام شي‌ء. قلت : فانا قد احتجنا الى هذا والرجل الميت من هؤلاء الناس وأخته مؤمنة ، قال : فخذ لها النصف ، خذوا منهم ما يأخذون منكم في سنتهم وقضائهم وأحكامهم ، قال : فذكرت ذلك لزرارة


إنما الإشكال في أن جملة من هذه الروايات قد صرحت بجواز تزويج تلك المرأة المطلقة بهذا الطلاق الجاري على غير السنة ، مع ما عرفت من الروايات الدالة على أن المطلقات على غير السنة ذوات أزواج ، فلا يجوز تزويجهن ، والأخبار الدالة على أنه متى أراد الرجل تزويج واحدة ممن طلقت كذلك انتظر طهرها وأتى بشاهدين معه فسأل زوجها هل طلقت فلانة؟ فإذا قال نعم كانت تطليقة واعتدت لها ، فإذا خرجت من العدة جاز تزويجها.

والمنافاة بين هذه الروايات ظاهرة ولم أر من تعرض لوجه الجمع بينها. والظاهر خروج هذه الأخبار الدالة على الجواز مخرج الرخصة في التزويج بهن ، وإليه يشير كلام جعفر بن سماعة المتقدمة وإن كان الأصل والأفضل هو المنع.

ومما يستأنس به لذلك رواية شعيب الحداد (1) قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل من مواليك يقرؤك السلام ، وقد أراد أن يتزوج امرأة قد وافقته وأعجبه بعض شأنها ، وقد كان لها زوج ، فطلقها ثلاثا على غير السنة ، وقد كره أن يقدم على تزويجها حتى يستأمرك فتكون أنت آمره ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هو الفرج وأمر الفرج شديد ، ومنه يكون الولد ، ونحن نحتاط فلا يتزوجها».

فإن الظاهر أن هذا المنع على وجه الأفضلية ، فالاحتياط هنا مستحب ، وإن جاز التزويج رخصة بالأخبار المتقدمة.

ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بأنه إن كانت الزوجة مخالفة جاز

__________________

فقال : ان على ما جاء به لنورا ، خذهم بحقك في أحكامهم وسنتهم كما يأخذون منكم فيه». وفي معناه أخبار عديدة. (منه ـ قدس‌سره ـ). راجع الرواية في الكافي ج 7 ص 100 ح 2 ، التهذيب ج 9 ص 321 ح 9 ، الوسائل ج 17 ص 484 ب 4 ح 1 و 2 ، وما في المصادر «ان على ما جاء به ابن محرز لنورا».

(1) الكافي ج 5 ص 423 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 193 ب 157 ح 1 وفيهما «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام» وكذلك «أنت تأمره».


تزويجها ، وإليه يشير حديث الإلزام بما ألزموا أنفسهم (1) ، وإن كانت مؤمنة فلا إلا بطلاق جديد. إلا أنه ينافيه ظاهر خبر إبراهيم بن محمد الهمداني مع عدم الإشارة إليه في شي‌ء من هذه الأخبار.

الركن الرابع في الاشهاد : وفيه مسائل :

الأولى : اتفق النص والفتوى على اشتراط الاشهاد في صحة الطلاق ، فلا بد من حضور شاهدين حال إنشاء الطلاق ، ولو تجرد عنهما بطل ، وبذلك تكاثرت الأخبار.

ومنها قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم (2) «طلاق السنة يطلقها تطليقة يعني على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين» الحديث.

وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة (3) «فإذا خرجت من طمثها طلقها تطليقة من غير جماع ، ويشهد شاهدين على ذلك» الحديث.

وقوله عليه‌السلام في صحيحة أبي بصير (4) «فإذا طهرت طلقها واحدة بشهادة شاهدين ـ إلى أن قال : ـ فإن طلقها واحدة أخرى على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ثم تركها حتى يمضي أقراؤها ـ إلى أن قال أيضا : ـ وأما طلاق الرجعة فإنه يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها بشهادة شاهدين» الحديث.

وفي حسنة زرارة ومحمد بن مسلم (5) ومن معهما عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام «أنهما قالا : وإن طلقها في استقبال عدتها طاهرا من غير جماع ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه إياها بطلاق».

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 58 ح 109 ، الوسائل ج 15 ص 321 ب 30 ح 5.

(2 و 3) الكافي ج 6 ص 64 ح 1 و 2، التهذيب ج 8 ص 25 ح 1 وص 26 ح 2، الوسائل ج 15 ص 344 ب 1 ح 2.

(4) الكافي ج 6 ص 66 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 345 ب 1 ح 3 وص 349 ب 2 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.

(5) الكافي ج 6 ص 60 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 282 ب 10 ح 3.


وحسنة زرارة ومحمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الطلاق لا يكون بغير شهود ، والرجعة بغير شهود» الحديث.

ورواية أبي الصباح الكناني (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من طلق بغير شهود فليس بشي‌ء». إلى غير ذلك من الأخبار التي تأتي إن شاء الله في المباحث الآتية.

ثم إنه لا بد من شهادتهما مجتمعين ، فلا يجزي لو كانا متفرقين.

ويدل عليه ما رواه في الكافي (3) في الصحيح أو الحسن عن البزنطي قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته على طهر من غير جماع وأشهد اليوم رجلا ، ثم مكث خمسة أيام ، ثم أشهد آخر ، فقال إنما أمر أن يشهدا جميعا».

وما رواه في التهذيب (4) في الصحيح عن ابن بزيع عن الرضا عليه‌السلام قال : «سألته عن تفريق الشاهدين في الطلاق؟ فقال : نعم ، وتعتد من أول الشاهدين ، وقال : لا يجوز حتى يشهدا جميعا».

أقول : صدر الخبر مراد به الأداء بمعنى جواز تفريق الشاهدين في أداء الشهادة ولهذا قال «من أولها» فإن إخبارها بالطلاق بعد وقوعه كاف في الشروع في العدة ، والتزويج يتوقف على الثاني لثبوت الطلاق بذلك ، وعجز الخبر مراد به التحمل كما دل عليه الخبر الأول.

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (5) : وإذا أراد الرجل أن يطلق امرأته يتربص بها حتى تحيض وتطهر ، ثم يطلقها تطليقة واحدة في قبل عدتها بشاهدين عدلين في مجلس واحد ، فإن أشهد على الطلاق رجلا واحدا ثم أشهد بعد

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 73 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 371 ب 13 ح 3 وفيهما اختلاف يسير.

(2) الكافي ج 6 ص 60 ح 13 ، الوسائل ج 15 ص 283 ب 10 ح 6.

(3) الكافي ج 6 ص 71 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 301 ب 20 ح 1.

(4) التهذيب ج 8 ص 50 ح 77 ، الوسائل ج 15 ص 301 ب 20 ح 2.

(5) فقه الرضا ص 241.


ذلك برجل آخر لم يجز ذلك الطلاق ، إلا أن يشهدهما جميعا في مجلس واحد بلفظ واحد. إلخ. ويكفي سماعهما في الشهادة على الطلاق ، ولا يشترط استدعاؤهما لذلك لأن الشهادة لا يشترط في ثبوتها في نفسها طلبها من الشهود.

وعلى ذلك يدل ما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو الحسن عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل كانت له امرأة طهرت من حيضها فجاء إلى جماعة فقال : فلانة طالق ، أيقع عليها الطلاق ولم يقل اشهدوا؟ قال : نعم».

وعن صفوان بن يحيى (2) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل طهرت امرأته من حيضها فقال فلانة طالق ، وقوم يسمعون كلامه ، ولم يقل لهم اشهدوا ، أيقع الطلاق عليها؟ قال : نعم ، هذه شهادة».

وهل يشترط في الشهادة على الطلاق العلم بالمطلقة؟ ظاهر السيد السند في شرح النافع ذلك ، ولم أقف لغيره على كلام في هذا المقام.

قال ـ رحمة الله عليه ـ : واعلم أن الظاهر من اشتراط الإشهاد أنه لا بد من حضور شاهدين يشهدان الطلاق بحيث تتحقق معه الشهادة بوقوعه ، وإنما يحصل ذلك مع العلم بالمطلقة على وجه يشهد العدلان بوقوع طلاقها ، فما اشتهر بين أهل زماننا من الاكتفاء بمجرد سماع العدلين صيغة الطلاق ـ وإن لم يعلما المطلق والمطلقة بوجه ـ بعيد جدا ، بل الظاهر أنه لا أصل له في المذهب ، فإن النص والفتوى متطابقان على اعتبار الاشهاد ، ومجرد سماع صيغة لا يعرف قائلها لا يسمى إشهادا قطعا ، وممن صرح باعتبار علم الشهود بالمطلقة الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في النهاية ، فإنه قال «ومتى طلق ولم يشهد شاهدين ممن ظاهره الإسلام كان طلاقه غير واقع ، ثم قال : وإذا أراد الطلاق فينبغي أن يقول : فلانة طالق ، ويشير إلى المرأة بعد أن يكون العلم قد سبق بها من الشهود ، فيقول هذه طالق».

__________________

(1 و 2) الكافي ج 6 ص 72 ح 3 و 4، الوسائل ج 15 ص 302 ب 21 ح 1 و 2 وفيهما اختلاف يسير.


ويدل على ذلك ـ مضافا إلى ما ذكرناه من عدم تحقق الاشهاد بدون العلم بالمطلقة ـ ما رواه الكليني عن محمد بن أحمد بن مطهر (1) قال : «كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام : إني تزوجت نسوة لم أسأل عن أسمائهن ثم أريد طلاق إحداهن وتزويج امرأة أخرى ، فكتب عليه‌السلام : انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهن فتقول : اشهدوا أن فلانة التي لها علامة كذا وكذا هي طالق ، ثم تزوج الأخرى إذا انقضت العدة». انتهى كلامه.

أقول : ظاهر كلامه أن مراده بالعلم بالمطلقة والمطلق هو العلم الموجب لتميزها وتشخصها دون العلم في الجملة ، وإلا فالعلم في الجملة مما لا إشكال فيه ولا مرية يعتريه ، لا من أهل زمانه ولا من غيرهم ، وهو الذي جرى عليه كافة من حضرنا مجالسهم من مشايخنا المعاصرين.

وأما العلم بالمعنى الذي ذكر ، فلا أعرف عليه دليلا واضحا ، وجميع ما استدل به في المقام لا يخلو من النظر الظاهر لذوي الأفهام ، مع قيام صريح الدليل ـ كما ستعرف إن شاء الله تعالى ـ على خلافه.

فأما ما ذكره من عدم تحقق الاشهاد بدون العلم بالمطلقة ، ففيه ما ذكرناه من التفصيل ، بأنه إن أراد العلم بها على وجه تميزها وتشخصها فهو ممنوع ، وهو عين المدعى ، لا بد لإثباته من دليل ، وإن أراد في الجملة فهو مسلم ، والأمر كذلك ، فإنه لو قال : زوجتي فاطمة طالق ، والشهود ليس لهم معرفة سابقة بها إلا بهذا الاسم الذي ذكره في هذه الحال ، فإنه كاف في العلم بها. وكذلك المطلق إذا علموا أن اسمه زيد مثلا فإنه يكفي في العلم به ، ولا يشترط أزيد من ذلك.

وعلى هذا تدل عبارة الشيخ التي نقلها دون ما عداه ، فإن قوله «فينبغي

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 563 ح 31 ، الوسائل ج 14 ص 401 ب 3 ح 3 وفيهما اختلاف يسير.


أن يقول : فلانة طالق» يعني يسمي المطلقة باسمها العلمي كما ذكرناه ، ومع عدم معرفة اسمها العلمي فلا بد من شي‌ء يدل على التعيين لوجوبه في صحة الطلاق كما تقدم ، بأن يشير إلى امرأة جالسة ويقول هذه طالق ، بعد علم الشهود بها ولو في الجملة بأن تكون بنت فلان أو أخت فلان أو البصرية أو الكوفية أو نحو ذلك مما يفيد العلم في الجملة.

وأما الخبر الذي ذكره ، فإنه تضمن أن الزوج لا يعرف أسماء النساء ، والحال أنه يريد طلاق واحدة منهن ، ومن شروط الطلاق كما تقدم تعيين المطلقة فلا يصح لو كان عنده زوجات متعددة أن يقول : إحداكن طالق ونحوه ، وإن خالف في ذلك بعض الأصحاب كما تقدم ، إلا أن الأشهر الأظهر وجوب التعيين ، وحينئذ فإذا تعذر معرفة الاسم العلمي ليعبر به في صيغة الطلاق فلا بد من لفظ يفيد التعيين ، مثل أن يعلمها بعلامة تزيل الاشتراك وتوجب التعيين ، وظاهر الخبر أنه لو كان يعرف أسمائهن وطلق واحدة منهن بالاسم العلمي لصح الطلاق ، ولم يشترط زيادة على ذلك ، وأنه إنما صار إلى التعيين بالعلامة لتعذر معرفة الاسم العلمي ، وهذا عين ما نقول به ولا دلالة فيه على العلم الذي يدعيه ، بل غايته العلم في الجملة.

ومما يدل صريحا على ما قلناه وينادي بصحة ما ادعيناه ما رواه في الكافي (1) عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي بصير يعني المرادي قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل يتزوج أربع نسوة في عقدة واحدة أو قال في مجلس واحد ومهورهن مختلفة ، قال : جائز له ولهن ، قلت : أرأيت إن هو خرج إلى بعض البلدان فطلق واحدة من الأربع ،

__________________

(1) الكافي ج 7 ص 131 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 93 ح 238 ، الوسائل ج 15 ص 303 ب 23 ح 1 ، وما في المصادر اختلاف يسير ، ولفظة «ليس» غير موجودة في الكافي والوسائل ولعلها سقطت من الرواة أو النساخ كما أشار إليها المعلق في الكافي فراجع.


وأشهد على طلاقها قوما من أهل تلك البلاد وهم لا يعرفون المرأة ، ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدة تلك المطلقة ، ثم مات بعد ما دخل بها ، كيف يقسم ميراثه؟ قال : إن كان له ولد فإن للمرأة التي تزوجها أخيرا من تلك البلاد ربع ثمن ما ترك ، وإن عرفت التي طلقت بعينها ونسبها فلا شي‌ء لها من الميراث وليس عليها العدة ، قال : وتقسم الثلاث النسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك ، وعليهن العدة ، وإن لم تعرف التي طلقت من الأربع قسمن النسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهن جميعا وعليهن جميعا العدة».

ورواه الشيخ في الصحيح عن الحسن بن محبوب ، وطريقه إليه صحيح ، وهو مع صحة سنده صريح في صحة طلاق من لم يعرفها الشهود ، ومن الظاهر أن هذه المعرفة المنفية إنما هي المعرفة الشخصية التي ادعاها ، وإلا فإنه لا بد في صحة الطلاق من التعيين الموجب لوقوع الطلاق على واحدة معينة ، ولا ينافيه الاشتباه المذكور في آخر الرواية ، لجواز أن يكون القوم الذين طلق بحضورهم قد نسوا الاسم الذي سماها به.

وبالجملة فالخبر ظاهر بل صريح في خلاف ما ادعاه. نعم ربما يدل على ما ذكره ما رواه الشيخ (1) في الحسن عن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يكون خلع ولا تخيير ولا مباراة إلا على طهر من المرأة من غير جماع وشاهدين يعرفان الرجل ويريان ويعرفان المرأة ويحضران التخيير ، وإقرار المرأة أنها على طهر من غير جماع يوم خيرها. فقال له محمد بن مسلم : ما إقرار المرأة هاهنا؟ قال : يشهد الشاهدان عليها بذلك للرجل ، حذار أن تأتي بعد فتدعي أنه خيرها وهي طامث ، فيشهدان عليها بما سمعا منها» الحديث.

إلا أن ظاهر هذا الخبر لم يتضمن الطلاق ، وهو غير هذه الأشياء المذكورة ،

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 99 ح 33 ، الوسائل ج 15 ص 304 ب 23 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.


ويمكن حمله على الاستحباب والاحتياط.

وبالجملة فإن ما ذكرنا من الاكتفاء بالمعرفة الإجمالية هو الذي جرى عليه مشايخنا الذي عاصرناهم وحضرنا مجالس طلاقهم كما حكاه هو أيضا عما اشتهر في زمانه ، وأما ما ادعاه ـ رحمه‌الله ـ فلم أقف له على موافق ، ولا دليل يعتمد عليه ، ولم أقف لأحد من أصحابنا على بحث في هذه المسألة سوى ما نقلناه عنه ، وقد عرفت ما فيه.

المسألة الثانية : المشهور بين الأصحاب اعتبار العدالة في الشاهدين ، وعليه يدل ظاهر الآية ، وهو قوله تعالى «ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» (1) والتقريب فيها أن الخطاب للمسلمين ، فالإسلام مستفاد من قوله منكم ، ويبقى اعتبار العدالة أمرا زائدا على الإسلام ، فلا يكفي مجرد الإسلام كما ادعاه جملة من الأعلام ، أو لهم الشيخ في بعض كتبه. وقد وافق على الاستدلال بالآية شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في هذا الكتاب وإن خالف نفسه في كتاب الشهادات فارتكب التأويل فيها بما يخرجها عن الاستدلال بها بما لا يخفى ضعفه على المتأمل في هذا المقال.

ومن الاخبار الدالة على ما ذكرناه من اشتراط العدالة قول الصادقين عليهما‌السلام في صحيحة الفضلاء (2) «وإن طلقها في استقبال عدتها طاهرا من غير جماع ، ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه إياها بطلاق».

وقول أبي جعفر عليه‌السلام في حسنة بكير وغيره (3) «وإن طلقها للعدة بغير شاهدي عدل فليس طلاقه بطلاق».

وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في رواية محمد بن مسلم (4) «أشهدت رجلين عدلين كما أمر الله عزوجل؟ فقال : لا ، فقال : اذهب فإن طلاقك ليس بشي‌ء».

__________________

(1) سورة الطلاق ـ آية 2.

(2 و 3) الكافي ج 6 ص 60 ح 11 وص 61 ح 17 ، الوسائل ج 15 ص 282 ب 10 ح 3 و 2.

(4) الكافي ج 6 ص 60 ح 14 ، الوسائل ج 15 ص 283 ب 10 ح 7 وفيهما اختلاف يسير.


وقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة زرارة (1) «ثم يطلقها تطليقة من غير جماع ويشهد شاهدين عدلين ويراجعها» الحديث.

وقول أبي الحسن عليه‌السلام في حسنة أحمد بن محمد بن أبي نصر (2) «يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشاهدين عدلين كما قال الله عزوجل في كتابه ، فإن خالف ذلك رد إلى كتاب الله تعالى».

إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع ، وبذلك يظهر لك ضعف القول بالاكتفاء بمجرد الإسلام كما تقدم نقله عن الشيخ ، وتبعه فيه جملة من الأعلام ، منهم شيخنا الشهيد الثاني وسبطه في شرح النافع والمحدث الكاشاني في المفاتيح. قال في النهاية : ومتى طلق ولم يشهد شاهدين ممن ظاهره الإسلام كان طلاقه غير واقع ـ ثم قال : ـ فإن طلق بمحضر من رجلين مسلمين ولم يقل لهما اشهدا وقع طلاقه ، وجاز لهما أن يشهدا بذلك.

أقول : هكذا نقل عنه السيد السند في شرح النافع ، وفيه أنه وإن ذكر هذا الكلام في كتاب الطلاق إلا أنه قال في كتاب الشهادات : العدل الذي يجوز قبول شهادته للمسلمين وعليهم هو أن يكون ظاهره ظاهر الايمان ، ثم يعرف بالستر والعفاف ، والكف عن البطن والفرج واليد واللسان ، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر ـ إلى أن قال : ـ وغير ذلك الساتر لجميع عيوبه ، ويكون متعاهدا للصلوات الخمس مواظبا عليهن حافظا لمواقيتهن متوفرا على حضور جماعة المسلمين غير متخلف عنهم إلا لمرض أو علة أو عذر ، وهو كما ترى مضمون ما دلت عليه صحيحة ابن أبي يعفور (3) الواردة

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 65 ح 2.

(2) الكافي ج 6 ص 67 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 282 ب 10 ح 4.

(3) الفقيه ج 3 ص 24 ح 1 ، التهذيب ج 6 ص 241 ح 1 ، الوسائل ج 18 ص 288 ب 41 ح 1.


في تعريف العدالة ، ثم قال : ويعتبر في شهادة النساء الايمان والستر والعفاف وطاعة الأزواج ، وترك البذاء والتبرج إلى أندية الرجال ، انتهى.

وحينئذ فما ذكره من العبارة المذكورة في النكاح إنما أجمل فيها اعتمادا على ما قدمه في كتاب الشهادات حيث إنه ذكره أولا قبل كتاب النكاح ، وإلا للزم التناقض بين كلاميه في كتاب واحد ، نعم ظاهره في المبسوط ذلك ، إلا أن ظاهر كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك أن الخلاف هنا غير الخلاف المشهور في معنى العدالة ، من أنها عبارة عن الملكة الراسخة كما هو المشهور بين المتأخرين أو الإسلام ، وأن كلام الشيخ هنا مبني على ذلك.

قال في المسالك في هذا المقام : وهل المعتبر في العدالة هنا ظهورها بترك المعاصي والقيام بالواجبات مع الايمان الخالص كما اعتبر في غايره من الشهادات؟ أم يكفي الإسلام وإن انتفى الايمان الخالص والعدالة بالمعنى المشهور؟ والأشهر الأول ـ إلى أن قال : ـ القول بالاكتفاء فيهما هنا بالإسلام للشيخ في النهاية وجماعة منهم القطب الراوندي ، إما بناء على أن الأصل في المسلم العدالة أو خصوص رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (1) الحسنة قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته بعد ما غشيها بشهادة (شاهدين خ ل) عدلين ، فقال : ليس هذا طلاقا ، فقلت : جعلت فداك كيف طلاق السنة؟ فقال : يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشهادة عدلين كما قال الله عزوجل في كتابه ، فإن خالف ذلك يرد إلى كتاب الله تعالى ، فقلت له : فإن طلق على طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين؟ فقال : لا تجوز شهادة النساء في الطلاق ، وقد تجوز شهادتهن مع غيرهن في الدم إذا حضرنه ، فقلت : فإن أشهد رجلين ناصبين على الطلاق ، أيكون طلاقا؟ فقال : من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خيرا».

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 49 ح 71 ، الوسائل ج 15 ص 282 ب 10 ح 4 وفيهما اختلاف يسير.


وهذه الرواية واضحة الاسناد والدلالة على الاكتفاء بشهادة المسلم في الطلاق ولا يرد أن قوله «بعد أن يعرف منه خيرا» ينافي ذلك ، لأن الخير قد يعرف من المؤمن وغيره ، هو نكرة في سياق الإثبات لا يقتضي العموم ، فلا ينافيه مع معرفة الخير منه بالذي أظهر من الشهادتين والصلاة والصيام وغيرها من أركان الإسلام أن يعلم منه ما يخالف الاعتقاد الصحيح لصدق معرفة الخير منه معه ، وفي الخبر ـ مع تصديره باشتراط شهادة عدلين ثم اكتفاؤه بما ذكر ـ تنبيه على أن العدالة الإسلام وإذا أضيف إلى ذلك أن لا يظهر الفسق كان أولى ، انتهى.

قال سبطه في شرح النافع بعد نقل ذلك عنه : هذا كلامه ـ رحمه‌الله ـ وهو جيد ، والرواية الاولى مع صحتها دالة على ذلك أيضا ، فإن الظاهر أن التعريف في قوله عليه‌السلام فيها «وعرف بالصلاح في نفسه» للجنس لا للاستغراق وهاتان الروايتان مع صحبتهما سالمتان من المعارض فيتجه العمل بهما.

أقول : أشار بالرواية الاولى إلى ما قدمه في كلامه من استدلاله لهذا القول بصحيحة عبد الله بن سنان (1) قال : «قلت للرضا عليه‌السلام : رجل طلق امرأته وأشهد شاهدين ناصبين ، قال : كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته». ثم أورد رواية أحمد بن محمد بن أبي نصير وأردفها بكلام جده المذكور في تقريب الاستدلال بها من قوله «وهذه الرواية واضحة الإسناد. إلخ».

وأنت خبير بأنا قد قدمنا في بحث صلاة الجمعة من المجلد الثاني في الصلاة (2) تحقيق الكلام في هذا المقام ، وأحطنا بأطراف النقض والإبرام ، وأوضحنا ما في كلام هذين الفاضلين من البطلان الظاهر لجملة الأفهام ، وأنه من أفحش الأوهام الناشئة عن الغفلة وعدم التدبر لأخبار أهل الذكر عليهم‌السلام ، إلا أنه ربما عسر

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 28 ح 18 ، التهذيب ج 6 ص 283 ح 183 ، الوسائل ج 18 ص 290 ب 41 ح 5 وما في المصادر «عبد الله بن المغيرة».

(2) الحدائق ج 10 ص 12.


على الناظر في هذا الكتاب مراجعة ذلك الكتاب المذكور فيجره الوهم والتعصب لهذين الفاضلين إلى نسبة كلامنا إلى الضعف والقصور لما جبلت عليه قرايح أبناء الوقت والزمان من التعويل على أقوال المتقدمين دون الأقران ، فلا علاج إنا ارتكبنا مرارة التكرار لازاحة هذا الوهم عن تلك الأفكار ، فنقول : إن هذا الكلام باطل من وجوه :

الأول : ما قدمنا ذكره من دلالة الآية والأخبار على أن العدالة أمر زائد على مجرد الإسلام ، المعتضد ذلك بدلالة جملة من الأخبار كصحيحة ابن أبي يعفور (1) المشهورة وغيرها مما قدمنا ذكره في ذلك الكتاب ، الدال جميع ذلك على أنها عبارة عن التقوى والصلاح والعفاف ونحوها ، وبذلك يظهر ما في قول سبطه من أنهما سالمتان من المعارض فيتجه العمل بهما.

الثاني : أنه لا خلاف بين أصحابنا من هؤلاء القائلين بهذا القول وغيرهم في كفر الناصب ونجاسته وحل ماله ودمه ، وأن حكمه حكم الكافر الحربي ، وإنما الخلاف في المخالف الغير الناصب هل يحكم بإسلامه كما هو المشهور بين المتأخرين؟ أم بكفره كما هو المشهور بين المتقدمين؟ والروايتان قد اشتملتا على شهادة الناصبين على الطلاق ، فكيف يتم الحكم بالإسلام؟ ثم صحة الطلاق فرعا على ذلك مع الاتفاق نصا وفتوى على الكفر ، إلا أن يريدوا بالإسلام مجرد انتحال الإسلام ، فيدخل حينئذ فيه الخوارج والمجسمة والمشبهة فيكون ظلمات بعضها فوق بعض.

ثم لو تنزلنا عن ذلك وحملنا الناصب في الخبرين على المخالف كما ربما يدعيه الخصم ، حيث إن مذهبهم الحكم بإسلام المخالفين ، فإنا نقول : إن قبول شهادة المخالف مخالف للأدلة الشرعية كتابا وسنة لدلالتها على عدم جواز

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 24 ح 1 ، الوسائل ج 18 ص 288 ب 41 ح 1.


قبول شهادة الفاسق والظالم ، وأي فسق وظلم أظهر من الخروج من الايمان والإصرار على ذلك ، لاعتقاد الفاسد المترتب عليه ما لا يخفى من المفاسد.

وأما ما أجاب به المحدث الكاشاني في المفاتيح ـ تبعا لصاحب المسالك من أن الفسق إنما يتحقق بفعل المعصية ، مع اعتقاد كونها معصية لا مع اعتقاد كونها طاعة ، والظلم إنما يتحقق بمعاندة الحق مع العلم به ـ فهو مردود بأنه لو تم هذا الكلام المنحل الزمام المموه الفاسد الناشئ عن عدم إعطاء التأمل حقه في هذه المقاصد لاقتضى قيام العذر للمخالفين وعدم استحقاق العذاب في الآخرة ، ولا أظن هؤلاء القائلين يلتزمونه.

وذلك فإن المكلف إذا بذل جهده وجده في تحصيل الحق وأتعب الفكر والنظر في ذلك وأداه نظره إلى ما كان باطلا في الواقع لعروض الشبهة له فلا ريب في أنه يكون معذورا عقلا ونقلا ، لعدم تقصيره في السعي في طلب الحق وتحصيله ، وامتثال ما أمر به ، وكذا يقوم العذر لمنكري النبوات من أهل الملل والأديان ، وهذا في البطلان أظهر من أن يحتاج إلى التبيان.

وبالجملة فإنه إن كان في هذا الاعتقاد الذي جعله طاعة ، وعدم العلم الذي ذكره إنما نشأ عن بحث ونظر ، فإنه يقوم بهما العذر شرعا عند الله عزوجل ، فلا مناص عما ذكرناه ، وإلا فلا معنى لكلامه بالكلية ، كما هو الظاهر لكل ذي عقل وروية.

الثالث : أنه قد استفاضت الروايات والأخبار عن الأئمة الأبرار عليهم‌السلام كما بسطنا الكلام على ذلك في كتابنا «الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب» وما يترتب عليه من المطالب بكفر المخالفين وشركهم ونصبهم ونجاستهم ، وأن الكلب واليهودي خير منهم ، وهذا مما لا يجامع مع الحكم بالإسلام البتة فضلا عن العدالة ، ودلت أيضا على أنهم ليسوا من الحنيفية على شي‌ء ، وأنهم ليسوا إلا مثل الجدر المنصوبة ، وأنه لم يبق في يدهم إلا مجرد استقبال القبلة ، واستفاضت


بعرض الأخبار على مذهبهم والأخذ بخلافه (1) واستفاضت ببطلان أعمالهم (2) ، وأمثال ذلك مما يدل على خروجهم عن الملة المحمدية والشريعة النبوية بالكلية ، والحكم بعد التهم لا يجامع شيئا من ذلك.

الرابع : أنه يلزمه مما ذكره من أن الخبر نكرة في سياق الإثبات فلا يعم ، وكذا قول سبطه «أن التعريف في قوله : وعرف بالصلاح في نفسه للجنس لا للاستغراق» دخول أكثر الفسقة والمردة في هذا التعريف ، إذ ما من فاسق في الغالب إلا وفيه صفة من صفات الخير ، فإذا جاز اجتماع العدالة مع فساد العقيدة جاز مع شرب الخمر والزنا واللواط ونحو ذلك من الكبائر بطريق أولى ، بل يدخل في ذلك الخوارج والمرجئة وأمثالهما من الفرق التي لا خلاف في كفرها ، حيث إن الخبر بهذا المعنى حاصل فيهم ، فيثبت عدالتهم بذلك ، وإن كانوا فاسدي العقيدة ومتصفين بالكبائر العديدة ، نعوذ بالله من زلل الإقدام في الأحكام وطغيان الأقلام في معالم الحلال والحرام.

الخامس : قوله «إن الخير يعرف من المؤمن ـ إلى قوله ـ الصدق معرفة الخير منه» فإن فيه زيادة على ما تقدم أن الأخبار الصحيحة الصريحة قد استفاضت ببطلان عبادات المخالفين لاشتراط صحة العبادة بالإقرار بالولاية (3) ، بل ورد عن الصادق عليه‌السلام سواء على الناصب صلى أم زنا (4). والمراد بالناصب هو مطلق المخالف كما حققناه في كتابنا المذكور آنفا ، وحينئذ فأي خيرية في أعمال من قام الدليل على بطلانها وأنها في حكم العدم ، وكونها في الظاهر بصورة العبادة لا يجدي نفعا ، لأن خيرية الخير وشرية الشر إنما هو باعتبار ما يترتب على كل منهما

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 6 ضمن ح 2.

(2) الوسائل ج 18 ص 75 ب 9 ح 4.

(3) الوسائل ج 1 ص 90 ب 29.

(4) عقاب الأعمال ص 471 ح 17 ولكن عن أبى جعفر عليه‌السلام مع اختلاف يسير.


من النفع والضر كما ينادي به الخبر النبوي (1) «لا خير بخير بعده النار ، ولا شر بشر بعده الجنة».

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي ظهر لي في معنى الخبرين المذكورين أنهما إنما خرجا مخرج التقية.

وتوضيح ذلك : إنه قد ظهر بما قدمناه من الوجوه أن المخالف ناصبا كان بالمعنى الذي يدعونه أو غيره لا خير فيه بوجه من الوجوه ، فخرج من البين بذلك ولو حمل الخير في الخير على مطلق الخير كما ادعاه في المسالك لجامع الفسق البتة ، إذ لا فاسق متى كان مسلما إلا وفيه خير ، فيلزم صحة الطلاق مع شهادة الفاسق ، وهو باطل إجماعا نصا وفتوى ، لدلالة الآية والرواية على رد خبره ، فلا بد من حمل الخير على أمر زائد على مجرد الإسلام ، ووجه الإجمال في الخبرين بالنسبة إلى هذه العبارة إنما هو التقية التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، وذلك أن السائل في الخبر الثاني (2) لما سأله عن كيفية طلاق السنة أجابه عليه‌السلام بالحكم الشرعي الواضح ، وهو أن يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشاهدين عادلين كما قال الله تعالى عزوجل في كتابه ، فإن خالف ذلك رد إلى الكتاب ، بمعنى أنه يبطل ما أتى به من الطلاق لمخالفة الكتاب باشتراط عدالة الشاهدين ونحوه من تلك الشروط.

ولا ريب أن الطلاق بشهادة الناصبين بهذا التقرير باطل عند كل من له أنس بالأخبار ومعرفة بما يعتقدونه عليهم‌السلام في مخالفيهم من الكفر والشرك والعداوة ، فيجب رد من أشهدهما على طلاق إلى كتاب الله الدال على بطلان هذا الطلاق ، لكن لما سأل سائل بعد ذلك عن خصوص ذلك ، وكان المقام لا يقتضي الإفصاح بالجواب الواقعي أجمل عليه‌السلام في الجواب بعبارة توهم بظاهرها ما ذكره ، وتوهموه في بادي

__________________

(1) الفقيه ج 4 ص 379 ضمن ح 10 مع اختلاف يسير.

(2) الكافي ج 6 ص 67 ح 6.


النظر ، إلا أنه لما كان الناصب بمقتضى ما علم من مذهبهم وتواترت به أخبارهم لا خير فيه بالكلية كما عرفته ، وجب إخراجه من المقام ، وحمل العبارة المذكورة على من عداه ، ومما ذكرنا يعلم الكلام في الخبر الآخر.

وبذلك يظهر لك زيادة على ما قدمناه ما في كلام السيد السند وقوله «إن الروايتين سالمتان من المعارض» فإن معارضيهما أكثر من أن يحصى.

وبالجملة فإن الواجب في الاستدلال بالخبر في هذا الموضع وغيره النظر إلى انطباق موضع الاستدلال على مقتضى القواعد المعتبرة ، والقوانين المقررة في الأخبار ، فمتى كان مخالفا لها وخارجا عنها وجب طرحه ، وامتنع الاستناد إليه ، وإن كان ذلك الخبر صحيح السند صريح الدلالة ، لاستفاضة أخبارها بعرض الأخبار على الكتاب والسنة ، ولكن عادة أصحاب هذا الاصطلاح سيما السيد المذكور قصر النظر على الأسانيد ، فمتى صح الخبر لم ينظروا إلى ما في متنه من العلل كما قدمنا التنبيه عليه في غير موضع.

ثم إنه قال في المسالك في هذا المقام : ويتفرع على المشهور من اعتبار عدالة الشاهدين بمعنى ملكة التقوى والمروة أن المعتبر ثبوتها ظاهرا لا في نفس الأمر لأنه لا يطلع عليه إلا الله ، فلو اعتبر ذلك في حق غيرهما لزم التكليف بما لا يطاق ، فلا يقدح فسقهما في نفس الأمر في صحة الطلاق مع ظهور عدالتهما ، ولا يشترط حكم الحاكم بها ، بل ظهورها عند المطلق ومن يرتب على الطلاق حكما ، وهل يقدح فسقهما في نفس الأمر بالنسبة إليهما حتى لا يصلح لأحدهما أن يتزوج بها أم لا؟ نظرا إلى حصول شرط الطلاق ، وهو العدالة ظاهرا ، وجهان ، وكذا لو علم الزوج فسقهما مع ظهور عدالتهما ، ففي الحكم بوقوع الطلاق بالنسبة حتى تسقط عنه حقوق الزوجية ، ويستبيح أختها والخامسة وجهان ، والحكم بصحته فيهما لا يخلو من قوة ، انتهى.

أقول : لا يخفى أن العدالة بالنسبة إلى المتصف بها غيرها بالنسبة إلى غيره ممن يتبعه ويعتقد عدالته ، وكلامه بالنسبة إلى الغير صحيح لا شك فيه


ولا مرية تعتريه سواء فسرنا العدالة بالملكة كما هو المشهور بين المتأخرين ، وهو الذي ذكره هنا ، أو حسن الظاهر الذي دل عليه صحيح ابن أبي يعفور (1) كما هو المشهور بين متأخري المتأخرين ، فإنه على أي منهما إنما يبنى فيهما على ما يظهر للتابع ومعتقد العدالة من الاتصاف بذلك الصفات التي تضمنها الخبر مع عدم ظهور ما ينافيها ، وإنما الاشكال ومحل البحث بالنسبة إليه هو في نفسه.

وتوضيحه : إن من علم من نفسه الفسق مع كونه على ظاهر العدالة بين الناس ، فهل يجوز له الدخول في الأمور المشروطة بالعدالة ، وتقلدها من الإمامة في الجملة والجماعة والشهادة والجلوس في مجلس الحكم والقضاء بين الناس ونحو ذلك أم لا؟

ظاهر شيخنا المذكور ذلك ، واقتضاه فيما ذكره هنا من الصورتين المذكورتين بعض مشايخنا المعاصرين وتوقف آخر (2) ، وفي الكفاية وافقه في

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 24 ح 1.

(2) المقتفى له في الصورتين شيخنا الشيخ سليمان البحراني في بعض أجوبة المسائل بعد التردد ، والمتوقف شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح ـ قدس‌سرهما.

قال المحدث المذكور : ولو نواها يعني الإمامة وعد نفسه من أحد الشاهدين وكان تائبا عن المعاصي جاز له ذلك ، أما لو كان مصرا على المعاصي مرتكبا للكبائر فإشكال ، وللأصحاب فيه قولان أحدهما الجواز ، لان المدار انما هو على اعتقاد المؤتم أو المطلق ، وبناء للأمور على الظاهر دون الباطن ، ومن حيث انه إغراء للقبيح لانه عالم بفسق نفسه ، فكيف يتقلد ما ليس له ، خصوصا في الجماعة الواجبة كالجمعة؟ والأحكام الشرعية انما خرجت على الظاهر إذا لم يمكن الاطلاع على الباطن ، وهو مطلع على حقيقة الأمر ، والأول أوفق بالقواعد الأصولية ، الا أنه لما لم يكن نص في المسألة فاعتقادى الوقوف عن الحكم والعمل بالاحتياط في العلم والعمل ، ورد ما لم يأتنا به علم من أهل العصمة صلوات الله عليهم ، لقول الصادق عليه‌السلام : ارجه حتى تلقى امامك ، وان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في المهلكة ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).


الاولى دون الثانية.

والذي ظهر لي بعد إمعان النظر في المقام ومراجعة أخبارهم عليهم‌السلام هو عدم جواز الدخول في هذه الأمور والحال هذه.

وبيان ذلك : إن ظاهر الآية والأخبار الدالة على النهي عن قبول خبر الفاسق ، والنهي عن الصلاة خلفه إنما هو من حيث الفسق ، لأن التعليق على الوصف مشعر بالعلية ، وهو مشعر بأن الفاسق ليس أهلا لهذا المقام ، ولا صالحا لتقلد هذه الأحكام ، وإذا كان الشارع لم يره أهلا لذلك ، ولا صالحا لسلوك هذه المسالك لمنع الناس من الاقتداء به وقبول خبره ، ونحو ذلك ، فهو في معنى منعه له من ذلك ، فإدخاله نفسه فيما لم يره الله عزوجل أهلا له موجب لمخالفته عزوجل والتعرض لسخطه. وجواز اقتداء الناس به من حيث عدم ظهور فسقه لهم لا يدل على جواز الدخول له ، لأن حكم الناس في ذلك غير حكمه هو في حد ذاته ، والكلام إنما في الثاني ، وأحدهما لا يستلزم الآخر بوجه ، نظير ذلك في الأحكام غير عزيز ، فإن لحم الميتة محرم على العالم به ، وحلال بالنسبة إلى الجاهل به.

ويؤيد ما قلناه ظواهر جملة من الأخبار مثل صحيحة أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «خمسة لا يؤمون الناس على كل حال : المجنون والأبرص والمجذوم وولد الزنا والأعرابي».

ونحوها صحيحة محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر عليه‌السلام.

والتقريب فيهما أنهما إنما قد صرحا بتوجه النهي إلى هؤلاء عن الإمامة لأنهم ليسوا من أهلها باعتبار ما هي عليه من العيوب المذكورة المانعة من أهلية الإمامة ، وبعض الأخبار وإن ورد أيضا في نهي الناس عن الائتمام بهم ، إلا أن

__________________

(1) الكافي ج 3 ص 375 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 399 ب 15 ح 5 وفيهما اختلاف يسير.

(2) الفقيه ج 1 ص 247 ح 15.


النهي إنما توجه إلى المؤتمين.

وأما في هذين الخبرين الصحيحين فإنه إنما توجه إلى الامام بأن لا يكون من أحد هؤلاء ، فلو فرضنا عدم علم الناس بما هم عليه من هذه الصفات المانعة من الإمامة مع اعتقاد الناس فيهم العدالة ، فإنه يجوز للناس الاقتداء بهم بالتقريب المتقدم ، لكن بمقتضى هذين الخبرين لا يجوز لهم الإمامة لما هم عليه من الموانع المذكورة وإن خفيت على الناس ، وهذا بعينه جار في الفاسق الذي هو محل البحث بأن كان عالما بفسق نفسه وإن خفي على الناس ، ومما يؤيد ذلك قول أمير المؤمنين عليه‌السلام لشريح : يا شريح جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي ، ونحوه.

والتقريب فيها هو ظهورها في النهي عمن لم يكن مستكملا لأسباب النيابة وشرائطها ، وأهلية الحكم والفتوى ، ولا ريب أن أعظم الأسباب المانعة الفسق ، فهي ظاهرة في منع الفاسق من الجلوس في هذا المقام وإن كان ظاهر العدالة بين الأنام ، وعدم جواز تقلده الأحكام. وجواز تقليد. الناس له من حيث عدم ظهور فسقه لهم لا يدل على جوازه له ، لأنه عالم بأن الشارع قد منع الناس عن اتباع الفاسق وتقليده ، وليس إلا من حيث فسقه ، فالفسق صفة مانعة من تقلد هذه الأمور ، وكلام من قدمنا كلامه وإن كان مخصوصا بالشهادة أو مع الإمامة ، إلا أن المواضع الثلاثة واحد ، فإن مبنى الكلام هو أنه هل يكتفي بظهور العدالة في جواز التقلد لهذه الأمور المشروطة بها وإن لم يكن كذلك واقعا؟ أم لا بد من ثبوتها واقعا؟ فالكلام جار في جميع ما يشترط فيه العدالة ، وهذا أحدها.

ومما يؤيد ما ذكرناه بأوضح تأييد هو أن الظاهر المتبادر من الآية والأخبار المصرح فيها بالعدالة واشتراطها في الشاهد مثل قوله عزوجل «وَأَشْهِدُوا


ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» وقوله عليه‌السلام (1) يطلقها بحضور عدلين أو إذا شهدا عدلين ونحو ذلك هو اتصاف الشاهد بالعدالة في حد نفسه وذاته ، لا بالنظر إلى غيره ، إذ لا يخفى أن قولنا فلان عدل وفلان ثقة مثل قولنا فلان عالم وشجاع وجواد ونحو ذلك ، ومن المعلوم في جميع ذلك إنما هو اتصافه بهذه الصفات في حد ذاته ، غاية الأمر أنه قد يطابق علم المكلف والواقع في ذلك ، وقد يختلفان ، بأن يكون كذلك في نظر المكلف ، وإن لم يكن واقعا ، وحينئذ فيلزم كلا حكمه ، فيلزم من اعتقد عدالته جواز الاقتداء به مثلا وقبول شهادته ، ويلزمه هو عدم جواز الدخول في ذلك ، كذا يلزم من اطلع على فسقه عدم جواز الاقتداء به.

وعلى هذا فإذا كان المراد من الآية والأخبار المشار إليها إنما هو اتصافه في حد ذاته ، فكيف يجعل المناط الاتصاف بالعدالة باعتبار الغير كما توهموه وبنوا عليه ما بنوا من الفروع المذكورة؟ ولا ريب أنه متى كان كذلك إنما هو بالنسبة إليه في حد ذاته ، فإنه لا يجوز له الدخول فيما هو مشروط بالعدالة البتة.

وبذلك يظهر ما في كلام صاحب المسالك ومن تبعه من الوهن والقصور ولا سيما في فرضه الثاني ، وهو ما إذا علم الزوج فسقهما فطلق بحضورهما مع ظهور عدالتهما بين الناس ، فإنه أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت ، ومقتضى تجويزه الطلاق هنا جواز اقتداء من علم فسق الامام به في الصلاة ، لظهور عدالته بين الناس ، وهكذا قبول فتواه وأحكامه ، والكل في البطلان أوضح من أن يحتاج إلى بيان ، وبالحملة فالطلاق في الصورتين المفروضتين مما لا إشكال في بطلانه ولا سيما الثانية.

المسألة الثالثة : قال المحقق ـ رحمة الله عليه ـ في الشرائع : فلو شهد أحدهما

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 60 ، الوسائل ج 15 ص 282 ب 10 ح 2 و 3 و 4 و 7 وما نقله المصنف هو مضمون الخبر لا نصه.


بالإنشاء ثم شهد الآخر به بانفراده لم يقع الطلاق ، أما لو شهدا بالإقرار لم يشترط الاجتماع ، ولو شهد أحدهما بالإنشاء والآخر بالإقرار لم يقبل ، ولا تقبل شهادة النساء في الطلاق لا منفردات ولا منضمات إلى الرجال ، ولو طلق ولم يشهد ثم أشهد كان الأول لغوا ووقع حين الإشهاد إذا أتى باللفظ المعتبر في الإنشاء.

أقول : الكلام في هذه المقالة في مواضع : الأول : قوله «ولو شهد أحدهما ـ إلى قوله ـ لم يقع الطلاق» والوجه في عدم وقوع الطلاق دلالة الأخبار (1) صريحا وكذا ظاهر الآية (2) على اجتماع الشاهدين في السماع ، وأنه لا يكفي تفريقهما بأن يطلق بحضرة واحد منهما ثم يطلق مرة أخرى بحضرة الآخر.

ومن الأخبار المذكورة ما رواه في الكافي (3) عن أحمد بن أبي نصر في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته على طهر من غير جماع أشهد اليوم رجلا ، ثم مكث خمسة أيام واشهد آخر ، قال : إنما أمر أن يشهدا جميعا».

وما رواه في التهذيب (4) في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه‌السلام قال : «سألته عن تفريق الشاهدين في الطلاق ، فقال : نعم وتعتد من أول الشاهدين وقال : لا يجوز حتى يشهدا جميعا».

وموضع الدلالة من الخبر المذكور قوله في آخره «ولا يجوز حتى يشهدا جميعا» وأن المراد به حال التحمل للشهادة ، وصدر الخبر مراد به الأداء لها ، ولهذا قال «وتعتد من أول الشاهدين» ولكن لا يجوز التزويج إلا بعد أداء الشاهد الثاني الذي يحصل به الثبوت الشرعي ، ولو جاز التفريق في التحمل لم يجز الاعتداد إلا بالأخير لعدم صحة الطلاق إلا بعد شهادة الأخير ، هذا مع قطع النظر

__________________

(1) الوسائل ج 15 ص 281 ب 10 ح 2 و 3 و 7.

(2) سورة الطلاق ـ آية 2.

(3) الكافي ج 6 ص 71 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 301 ب 20 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.

(4) التهذيب ج 8 ص 150 ح 77 ، الوسائل ج 15 ص 301 ب 20 ح 2.


عن تصريحه في آخر الخبر بعدم جواز التفريق ، وبالجملة فالحكم المذكور لا خلاف ولا إشكال فيه.

الثاني : قوله «أما لو شهدا بالإقرار لم يشترط الاجتماع» والوجه فيه ظاهر ، لأن الإقرار اعتراف وإخبار عن طلاق سابق و «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» والحكم فيه كما في غيره من الإقرارات ، ولا يشترط فيه اجتماع الشهود وإنما يشترط ذلك في الشهادة على إنشاء الطلاق كما دل عليه الخبران المتقدمان نعم لو كان الطلاق الأول باطلا ، كأن يكون بغير شهود أو بشاهد واحد ، وعلم أن الإقرار الذي أقر له أخيرا إنما هو إشارة إلى ذلك الطلاق ، فلا ريب في البطلان وإن أقر به عند شاهدين مجتمعين ، فإنه إذا لم يصح الطلاق السابق لم يصح الإقرار به ، والحكم بالصحة إنما هو مع إطلاق الإقرار ، لأن الإطلاق منزل على الصحيح سواء شهد على إقراره الواحد شاهدان في دفعة ، أو شهدا متفرقين (1) بأن أقر عند كل واحد ، لأن صحة الإقرار لا يشترط فيها الاشهاد ، وإنما المعتبر ثبوته شرعا متى توقف عليها وهو يحصل مع كل من الأمرين (2) لأن مرجعهما إلى أمر واحد ، وبالجملة فالحكم مما لا إشكال فيه.

الثالث : قوله «ولو شهد أحدهما بالإنشاء والآخر بالإقرار لم يقبل» والوجه فيه ظاهر مما تقدم ، فإن الطلاق الذي سمعه أحدهما بالإنشاء باطل لعدم استكماله لشروط صحة الطلاق ، وهو اجتماع الشاهدين ، ومتى بطل كان الإقرار به باطلا وإن شهد به اثنان فضلا عن الواحد كما عرفت آنفا.

الرابع : قوله «ولا تقبل شهادة النساء في الطلاق ـ إلى قوله ـ إلى الرجال» ويدل عليه ظاهر الآية وجملة من الأخبار مضافا إلى ظاهر اتفاق الأصحاب على

__________________

(1) بمعنى أنه يصح إقراره ، وان لم يشهد عليه أحدا فإنه يعتبر ثبوته. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) أى مع تعدد الشاهد ، وشهادة كل واحد على واحد من الأمرين.

(منه ـ قدس‌سره ـ).


ذلك ، فإن قوله عزوجل «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» ظاهر في اعتبار ذكوريتهما.

ومن الأخبار قول أبي عبد الله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي (1) «وأنه سئل عن شهادة النساء في النكاح ، قال : تجوز إذا كان معهن رجل ، وكان علي عليه‌السلام يقول : لا أجيزها في الطلاق» الحديث.

وقول أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في رواية محمد بن الفضل (2) «ولا تجوز شهادتهن في الطلاق ولا في الدم».

وقول أبي عبد الله عليه‌السلام في رواية داود بن الحصين (3) «وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجيز شهادة المرأتين في النكاح ولا يجيز في الطلاق إلا بشاهدين عدلين».

وقول علي عليه‌السلام في رواية السكوني (4) «شهادة النساء لا تجوز في نكاح ولا طلاق ولا في الحدود إلا في الديون وما لا يستطيع الرجل النظر إليه».

وقوله عليه‌السلام في رواية محمد بن مسلم (5) «لا تجوز شهادة النساء في الهلال ولا في الطلاق».

الخامس : قوله «ولو طلق ولم يشهد ثم أشهد. إلخ» والوجه في كون الأول لغوا هو عدم استكمال الشرائط التي من جملتها سماع الشاهدين ، والحكم بوقوع الثاني لا بد فيه أيضا من استكمال الشرائط ، وإلا لم يقع. وقوله «إذا

__________________

(1) الكافي ج 7 ص 390 ح 2 ، التهذيب ج 6 ص 269 ح 128 ، الوسائل ج 18 ص 258 ب 24 ح 2.

(2) الكافي ج 7 ص 391 ح 5 ، التهذيب ج 6 ص 264 ح 110 ، الوسائل ج 18 ص 259 ب 24 ح 7 وما في المصادر «محمد بن الفضيل».

(3) التهذيب ج 6 ص 281 ضمن ح 179 ، الوسائل ج 18 ص 265 ب 24 ضمن ح 35 وفيهما اختلاف يسير.

(4) التهذيب ج 6 ص 281 ح 178 ، الوسائل ج 18 ص 267 ح 42 وفيهما اختلاف يسير.

(5) الكافي ج 7 ص 391 ح 6 ، الوسائل ج 18 ص 28 ب 24 ح 8.


أتى باللفظ المعتبر في الإنشاء» إشارة إلى قصد الطلاق ، فلو قصد الاخبار ولو كان بذلك اللفظ لقوله «اشهدوا بأن فلانة طالق» قاصدا به الاشهاد لا الإنشاء لم يقع. وعلى هذا فالمائز بين العبارتين وصحة الطلاق في أحدهما دون الآخر هو النية والقصد فإن قصد الإنشاء وقع ، وإن قصد الاشهاد لم يقع ، ويمكن علم الشاهدين به بالقرائن المفهمة للحال ، أو أخباره بذلك.

والأصل في هذا الحكم صحيحة أحمد بن محمد (1) قال : «سألته عن الطلاق ، فقال : على طهر ، وكان علي عليه‌السلام يقول : لا طلاق إلا بالشهود ، فقال له رجل : إن طلقها ولم يشهد ثم أشهد بعد ذلك بأيام فمتى تعتد؟ فقال : من اليوم الذي أشهد فيه على الطلاق». والظاهر أن إطلاق الرواية مبني على ما علم من غيرها من إخبار الطلاق من وجوب استكمال الشروط في صحته الذي من جملتها قصد الإنشاء وغيره.

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 50 ح 78 ، الوسائل ج 15 ص 284 ب 10 ح 10.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *