ج4 - كيفية التيمم

المطلب الثالث

في بيان كيفية التيمم

المشتملة على النية والضرب باليدين على الأرض ومسح الجبهة وظاهر الكفين والترتيب وما يلحق به فالكلام هنا يقع في مقامات خمسة ، إلا أنه ينبغي أولا تقديم الأخبار الواردة في كيفية التيمم ثم عطف الكلام على البحث في هذه المقامات الخمسة واستعلام أحكامها من الاخبار المذكورة فنقول :

(الأول) ـ من الاخبار المشار إليها ما رواه في الكافي في الصحيح عن أبي أيوب الخزاز عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن التيمم؟ فقال ان عمار بن ياسر أصابته جنابة فتمعك كما تتمعك الدابة فقال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يا عمار تمعكت كما تتمعك الدابة؟ فقلت له كيف التيمم؟ فوضع يده على المسح ثم رفعها فمسح وجهه ثم مسح فوق الكف قليلا».

(الثاني) ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن النعمان (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التيمم؟ قال ان عمارا أصابته جنابة فتمعك كما تتمعك الدابة فقال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو يهزأ به : يا عمار تمعكت كما تتمعك الدابة؟ فقلنا له فكيف التيمم؟ فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا». قوله : «وهو يهزأ به» اي يمزح معه فان حمل الهزء على معناه الذي هو السخرية غير مناسب في حقه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خصوصا بمثل عمار

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التيمم.


الجليل المنزلة عنده والمقدار لقوله عزوجل كناية عن بني إسرائيل في قولهم لموسى (عليه‌السلام) : «... أَتَتَّخِذُنا هُزُواً» : «قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ» (1).

(الثالث) ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (2) «قال سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول وذكر التيمم وما صنع عمار فوضع أبو جعفر (عليه‌السلام) كفيه على الأرض ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشي‌ء».

(الرابع) ـ ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة (3) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذات يوم لعمار في سفر له يا عمار بلغنا أنك أجنبت فكيف صنعت؟ قال تمرغت يا رسول الله في التراب. قال فقال له كذلك يتمرغ الحمار أفلا صنعت كذا؟ ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد ثم مسح جبينه بأصابعه وكفيه إحداهما بالأخرى ثم لم يعد ذلك».

(الخامس) ـ ما رواه في الكافي في الحسن عن الكاهلي (4) قال : «سألته عن التيمم؟ قال فضرب بيده على البساط فمسح بها وجهه ثم مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى».

(السادس) ـ ما رواه في التهذيب في الموثق عن زرارة (5) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن التيمم؟ فضرب بيديه على الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح بهما جبهته وكفيه مرة واحدة». هكذا نقله في الوافي عن الكتابين والموجود في الكافي «جبينه» عوض لفظ «جبهته» وكذا رواه الشيخ في التهذيب في موضع آخر من طريق محمد بن يعقوب بلفظ الجبين دون الجبهة.

(السابع) ـ ما رواه في التهذيب في الحسن عن عمرو بن ابي المقدام عن الصادق (عليه‌السلام) (6) «انه وصف التيمم فضرب بيديه على الأرض ثم رفعهما

__________________

(1) سورة البقرة. الآية 65.

(2 و 3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التيمم.


فنفضهما ثم مسح على جبينه وكفيه مرة واحدة».

(الثامن) ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (1) «في التيمم؟ قال : تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك».

(التاسع) ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا (عليه‌السلام) (2) قال : «التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين».

(العاشر) ـ ما رواه في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) قال : «سألته عن التيمم؟ فقال مرتين مرتين للوجه واليدين».

(الحادي عشر) ـ ما رواه في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (4) قال : «قلت له كيف التيمم؟ قال هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة : تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين ، ومتى أصبت الماء فعليك الغسل ان كنت جنبا والوضوء ان لم تكن جنبا».

(الثاني عشر) ـ ما رواه في التهذيب والفقيه في الموثق عن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (5) قال : «سألته عن التيمم من الوضوء ومن الجنابة ومن الحيض للنساء سواء؟ فقال نعم».

(الثالث عشر) ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن ابي بصير (6) قال : «سألته عن تيمم الحائض والجنب سواء إذا لم يجدا ماء؟ فقال نعم».

(الرابع عشر) ـ ما رواه في الكافي والتهذيب عن حماد بن عيسى في الصحيح أو الحسن عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (7) «انه سئل عن التيمم فتلا هذه الآية : «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» (8) وقال : «فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التيمم.

(2 و 3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب التيمم.

(7) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب التيمم.

(8) سورة المائدة. الآية 38.


إِلَى الْمَرافِقِ» (1) قال فامسح على كفيك من حيث موضع القطع وقال (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)» (2).

(الخامس عشر) ـ ما رواه في التهذيب عن ليث المرادي عن الصادق (عليه‌السلام) (3) «في التيمم؟ قال تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك».

(السادس عشر) ـ ما رواه في التهذيب في الموثق عن سماعة (4) قال : «سألته كيف التيمم؟ فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه وذراعيه الى المرفقين».

(السابع عشر) ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التيمم؟ فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه ، ثم قال هذا التيمم على ما كان فيه الغسل وفي الوضوء الوجه واليدين الى المرفقين والقى ما كان عليه مسح الرأس والقدمين فلا يؤمم بالصعيد».

(الثامن عشر) ـ ما نقله ابن إدريس في آخر كتاب السرائر من كتاب نوادر احمد بن محمد بن ابي نصر عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (6) قال : «اتى عمار بن ياسر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال يا رسول الله اني أجنبت الليلة ولم يكن معي ماء؟ قال : كيف صنعت؟ قال طرحت ثيابي وقمت على الصعيد فتمعكت فيه. فقال هكذا يصنع الحمار انما قال الله عزوجل «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» (7) فضرب بيديه على الأرض ثم ضرب إحداهما على الأخرى ثم مسح بجبينيه

__________________

(1 و 7) سورة المائدة. الآية 6.

(2) سورة مريم. الآية 65.

(3 و 5) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب التيمم.

(4) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب التيمم.

(6) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التيمم.


ثم مسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى مسح اليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى».

(التاسع عشر) ـ ما في الفقه الرضوي (1) حيث قال (عليه‌السلام) : «وصفة التيمم للوضوء والجنابة وسائر أبواب الغسل واحد وهو ان تضرب بيديك على الأرض ضربة واحدة ثم تمسح بهما وجهك موضع السجود من أحد الحاجبين الى الذقن ، وروي انه موضع السجود من مقام الشعر الى طرف الأنف ، ثم تضرب بهما اخرى فتمسح بها اليمنى الى حد الزند وروي من أصول الأصابع تمسح باليسرى اليمنى وباليمنى اليسرى على هذه الصفة ، واروي إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض ضربة واحدة ثم تضع احدى يديك على الأخرى ثم تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك وبقي ما بقي ثم تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصل الأصابع من فوق الكف ثم تمرها على مقدمها على ظهر الكف ثم تضع أصابعك اليمنى على أصابعك اليسرى فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى على اليمنى مرة واحدة ، فهذا هو التيمم وهو الوضوء التام الكامل في وقت الضرورة».

أقول : هذا ما حضرني من روايات المسألة وسيأتي الكلام ان شاء الله فيها في كل حكم مما يتعلق به في موضعه ، فلنرجع الى ما وعدنا من الكلام في المقامات الخمسة فنقول :

(المقام الأول) ـ في النية وهي وان كانت عندنا غنية عن البيان كما سلف لك تحقيقه في غير مكان ولا سيما في بحث نية الوضوء وما أودعناه فيه من التحقيق الساطع البرهان ، وقد عرفت فيما سبق في باب الوضوء بعد تحقيق الكلام في النية الكلام في قيودها التي ذكروها وما الذي يجب منها وما لا يجب ، إلا انه بقي الكلام هنا في مواضع لم يتقدم لها ذكر فيما سبق :

(الأول) ـ ان المشهور في كلامهم بناء على وجوب نية الرفع أو الاستباحة

__________________

(1) ص 5.


في الطهارة انه لا يجوز نية الرفع في التيمم وانما ينوي فيه الاستباحة خاصة ، وذلك للفرق بينهما فإن الاستباحة عبارة عن رفع المنع ورفع الحدث عبارة عن رفع المانع ، فعلى هذا يمتنع نية الرفع من المتيمم ودائم الحدث لاستمرار المانع وعدم إمكان رفعه ولهذا وجب على دائم الحدث تجديد الوضوء لكل صلاة والمتيمم فإنه ينتقض تيممه برؤية الماء مع انه ليس بحدث ، وانما ينويان الاستباحة لأنهما بالطهارتين المذكورتين أبيح لهما الدخول في العبادة وان كان الحدث باقيا.

وتفصيل هذه الجملة ببيان ابسط ان يقال يجب ان يعلم ان الحدث لفظ مشترك يطلق على معنيين : (أحدهما) نفس الخارج الناقض للطهارة و (الثاني) أثره وهو المانع من الدخول في العبادة المتوقف رفعه على الطهارة ، والمعنى الأخير هو محل البحث في المسألة لا الأول لامتناع رفع الواقع فإنه قد وقع والواقع لا يرتفع ، وانما المراد رفع المانع أي الأثر الحاصل بسبب الخارج على ما عرفت ، فنية الرفع يقصد بها ازالة المانع المستلزم لازالة المنع كما في طهارة المختار ، ولهذا ان الرفع والاستباحة بالنسبة إليه متلازمان ، ونية الاستباحة يقصد بها ازالة المنع وهو أعم من رفع المانع إذ قد يرتفع المنع ولا يرتفع المانع بالكلية ، كما في المتيمم فإنه يستبيح الصلاة مع عدم ارتفاع حدثه ومن ثم يجب عليه الطهارة المائية عند التمكن منها ، ولو كان الحدث مرتفعا بالتيمم لم تجب الطهارة المائية بذلك الحدث السابق فهو دليل على عدم زوال المانع ، وكما في دائم الحدث فإن الإباحة تحصل له بوضوئه للصلاة الواحدة مع بقاء اثر الحدث المتأخر عن الطهارة والمقارن فلم يحصل فيه سوى زوال المنع ، فان المانع مقارن للطهارة وانما حصل له بالطهارة إباحة الصلاة خاصة وبذلك يظهر الفرق بينهما بالنسبة إلى الطهارة الاضطرارية ودائم الحدث.

قال في المعتبر : التيمم لا يرفع الحدث وهو مذهب العلماء كافة ، ثم احتج عليه بان المتيمم يجب عليه الطهارة عند وجود الماء بحسب الحدث السابق فلو لم يكن الحدث السابق باقيا لكان وجوب الطهارة بوجود الماء إذ لا وجه غيره ، ووجود الماء ليس


حدثا بالإجماع ، ولانه لو كان حدثا لوجب استواء المتيممين في موجبه ضرورة استوائهم فيه ، لكن هذا باطل لان المحدث لا يغتسل والمجنب لا يتوضأ ، ثم أورد خبرا من طرق العامة يتضمن تسمية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لمن تيمم عن الغسل وصلى جنبا (1) ثم قال : فرع : لو تيمم ونوى رفع الحدث لم يستبح به الصلاة لأن النية تابعة للمشروع وحيث لا مشروعية فلا نية. انتهى.

وذهب جمع من محققي متأخري المتأخرين ـ وهو الحق الحقيق بالاتباع ـ الى عدم الفرق بين الرفع والاستباحة بل هما بمعنى واحد مطلقا ، وذلك فان الحدث بالمعنى الثاني المتقدم وهو الذي يمكن رفعه لا يعقل له معنى في الشرع سوى الحالة التي لا يسوغ للمكلف الدخول في العبادة بها ، ومتى جوز الشارع له الدخول بوجه من الوجوه وسبب من الأسباب فإنه يجب القطع بزوال تلك الحالة وهو معنى الرفع ، غاية الأمر ان زوالها يتفاوت بتفاوت أحوال المكلفين فقد يحصل زوالها مطلقا كما في الطهارة الاختيارية لغير دائم الحدث وقد يحصل إلى غاية كما في المتيمم ودائم الحدث ، وهذا القدر لا يوجب تخصيص كل قسم باسم بحيث لا ينصرف الى غيره ، ونقل هذا القول عن الشهيد (قدس‌سره) في قواعده ومال اليه الشهيد الثاني في شرح الألفية مع زيادة تصلبه في العمل بالقول المشهور في الروض ، قال في شرح الألفية بعد الكلام في المسألة : وذهب المصنف (رضي‌الله‌عنه) في بعض تحقيقاته الى الاكتفاء بنية رفع الحدث بناء على ان المراد منه هو المانع ولولا ارتفاعه لما أبيحت الصلاة أو بجملة على الحدث

__________________

(1) وهو حديث عمرو بن العاص وقد رواه أحمد في مسنده ج 2 ص 205 هكذا : ان عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل احتلم فأجنب والليلة شديدة البرد فخاف الهلاك إذا اغتسل فتيمم وصلى بأصحابه صلاة الصبح ولما حكى ذلك لرسول الله «ص» قال : يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فذكر له خوفه من الهلاك وان الله يقول «لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً» فضحك رسول الله «ص» ولم يقل شيئا ..


السابق ، والمتأخر من الحدث معفو عنه وان لم ينو إباحته بل لا يكاد يعقل نية الإباحة منه قبل وقوعه وانما هو عفو من الله ، وهذا القول ليس بعيدا عن الصواب فانا لا نعقل من الحدث إلا الحالة التي لا يصح معها الدخول في الصلاة ، فمتى أبيحت الصلاة زالت تلك الحالة فارتفع الحدث بالنسبة الى هذه الصلاة بمعنى زوال المانع وان بقي في غيرها ، وأيضا فإن النية إنما تؤثر في الإباحة من الحدث السابق عليها كما قلناه لا المتأخر إذ لم يعهد ذلك شرعا ، والمتأخر مغتفر في هذه الصلاة والسابق لا مانع من رفعه بالنية. إلى آخر كلامه.

ويمكن ان يقال في المقام انه لا يخفى على المتأمل في كلامهم بالنظر الدقيق والناظر فيه بعين التحقيق انه لا منافاة بين القولين المذكورين ، وذلك بان يحمل ما ادعى عليه المحقق الإجماع من ان التيمم لا يرفع الحدث وانه لو تيمم ونوى رفع الحدث لم يستبح الصلاة على معنى انه لا يرفعه على نحو ما يرفعه الماء من رفعه مطلقا وإزالته بالكلية حتى انه لا يؤثر في بطلانه إلا الحدث كما في الطهارة المائية التي لا ينقضها إلا الحدث وان التمكن من الماء لا يؤثر في بطلانه ونقضه ، ومن الظاهر انه بهذا المعنى مجمع عليه إذ لا قائل بأنه يرفع الحدث كرفع الماء وانه لا ينتقض بالتمكن من الماء ، فما ادعاه من الإجماع صحيح لا شك فيه ، واما كونه يرفع الحدث الى وقت التمكن من الماء أو طرو أحد النواقض ـ كما صرح به الشهيد في قواعده وقال به أصحاب القول الثاني ـ فلا مانع منه بالتقريب المتقدم ، إلا انه ربما أشكل بأن المتبادر من معنى الرفع انما هو زوال ذلك المانع بكليته فلا يعود إلا بسبب موجب له كما في الطهارة المائية الرافعة فإنه لا يعود الحدث إلا بسبب آخر ، واما في التيمم فإنه ليس كذلك إذ لو كان رافعا للحدث على الوجه المذكور لما انتقض بالتمكن من الماء لان التمكن من الماء ليس حدثا إجماعا كما سمعت من كلام المحقق ، قولكم : انه رافع إلى غاية هي وجود التمكن من الماء أو حصول الحدث. قلنا : لا ريب انه بالتمكن من الماء أو طرو حدث يعود الأول بعينه حتى كأنه


لم يزل لا انه يحصل له سبب آخر يوجب التيمم ، فهو ظاهر في انه انما ارتفع المنع المترتب على ذلك المانع لا أصل المانع فإنه باق على حاله في جميع الحالات الى ان يتطهر بالماء ، وبالجملة فإنه متى أحدث ولم يكن ثمة ماء فإنه تحصل له تلك الحالة المانعة من الصلاة المسماة بالحدث وهذه الحالة ثابتة معه الى ان يزيلها بالماء خاصة ، والتيمم إنما أفاده جواز الدخول في المشروط بالطهارة ورفع المنع عنه ، ولهذا لو تيمم بدلا من الجنابة فإن الجنابة باقية الى ان يزيلها بالغسل وان ارتفع المنع عنه في الدخول فيما يشترط بالطهارة بالتيمم.

وكيف كان فالمسألة على المشهور من وجوب نية هذه القيود لا تخلو من الاشكال لما عرفت من عدم النص وتدافع هذه الأقوال والعلل العقلية لا تنتهي إلى ساحل ولو طويت لها المراحل ، واما عندنا فحيث لم يثبت عندنا دليل على وجوب هذه القيود سوى القربة فلا اشكال ، هذا.

واما ما ذكره في شرح الألفية من ان النية انما تؤثر في الحدث السابق. إلخ فإن أريد به بالنسبة إلى دائم الحدث فالوجه فيما ذكره ظاهر لان حدثه مستمر كما هو المفروض فإن النية إنما تؤثر في السابق دون المقارن للنية والمتأخر عنها وحينئذ يكون ذلك عفوا منه سبحانه ، واما بالنسبة إلى المتيمم فلا يخلو من اشكال إذ الظاهر انه بتيممه ترتفع عنه تلك الحالة التي هي عبارة عن المانع ويصح منه كل ما يتوقف على الطهارة غاية الأمر ان ذلك الى غاية مخصوصة ، اللهم إلا ان يقال ان المراد ان ذلك المانع بالنسبة الى ما تقدم على التيمم قد ارتفع بالتيمم مطلقا وزوال بالكلية وبالنسبة الى ما تأخر يرتفع إلى الغاية المذكورة ، إلا ان هذا المعنى بعيد عن سوق العبارة المذكورة بالنسبة إلى التيمم. والله العالم.

(الثاني) ـ اختلف الأصحاب في وجوب نية البدلية في التيمم وعدمه ، فقيل بالوجوب ونقل عن الشيخ في الخلاف كما سيأتي من نقل كلامه في ذلك ، حيث انه يقع أحيانا بدلا من الغسل وأحيانا بدلا من الوضوء مع اختلاف حقيقتهما فاعتبر في النية التعرض


للبدلية ليتميز أحدهما عن الآخر. ويشكل بان الاحتياج الى التمييز انما يكون في موضع اجتماعهما معا والخطاب بهما كذلك اما لو كان المخاطب به انما هو التيمم عن أحدهما فلا ضرورة إلى التمييز. وما ذكره بعض فضلاء متأخري المتأخرين في الجواب ـ من ان التمييز يعتبر بالنسبة الى ما يصح وقوع التيمم عنه مطلقا من غير التفات الى ما في الذمة ـ مجرد دعوى عارية عن الدليل بل هو نوع مصادرة كما لا يخفى. وقيل بالعدم مطلقا والظاهر انه المشهور بين المتأخرين كما ذكره بعض الأفاضل. وقيل بالتفصيل وهو وجوب نية البدلية ان قلنا باختلاف صورتي التيمم بدلا عن الحدث الأصغر وعن الأكبر يعني وجوب الضربة في البدل عن الأصغر والضربتين فيما هو بدل عن الأكبر ، وان قلنا باتحاد صورتي التيمم بالضربة فيهما أو الضربتين فلا ، وهو مذهب الشهيد في الذكرى حيث قال : الأقرب اشتراط نية البدلية عن الأكبر أو الأصغر لاختلاف حقيقتهما فيتميزان بالنية وبه صرح الشيخ في الخلاف ، وعليه بنى ما لو نسي الجنابة فتيمم للحدث انه لا يجزئ لعدم شرطه ، وهذا بناء على اختلاف الهيئتين ولو اجتزأنا بالضربة فيهما أو قلنا فيهما بالضربتين أمكن الاجزاء وبه افتى في المعتبر مع ان الشيخ في الخلاف قال في المسألة : فإن قلنا انه متى نوى بتيممه استباحة الصلاة من حدث جاز له الدخول في الصلاة كان قويا قال والأحوط الأول يعني عدم الاجزاء ، وذكر ان لا نص للأصحاب فيها أي في مسألة النسيان. انتهى ما ذكره في الذكرى. أقول : عبارة المعتبر في هذا المقام هكذا : «لو نسي الجنابة فتيمم للحدث فان قلنا بالضربة الواحدة فيهما أجزأ لأن الطهارتين واحدة وان قلنا بالتفصيل لم يجزئه ، وقال الشيخ في الخلاف والذي يقتضيه المذهب انه لا يجوز لانه يشترط ان ينويه بدلا من الوضوء أو بدلا من الجنابة ولم ينو ذلك» انتهى. وأنت خبير بأن غاية ما تدل عليه هذه العبارة هو ان عدم الاجزاء على القول بالتفصيل انما هو من حيث ان الواجب في بدل الجنابة الضربتان وهو لم يأت إلا بواحدة حيث انه انما تيمم بقصد البدلية عن الوضوء لا ان عدم الاجزاء من حيث الإخلال بنية البدلية ،


وبذلك يظهر انه لا دلالة في عبارة المعتبر على ما ادعاه من التفصيل. وكيف كان فالظاهر هو القول بالعدم مطلقا كما هو المشهور لعدم الدليل وصدق الامتثال بما اتى به لأنه الذي تعلق به الخطاب.

ومما ينبغي التنبيه له انه يجب ان يستثني من وجوب نية البدلية على القول به مطلقا أو على التفصيل المتقدم تيمم الصلاة على الجنازة والتيمم للنوم ، لان كلا منهما جائز بدون الطهارة ولان التيمم فيهما جائز مع وجود الماء ، وكذلك التيمم للخروج من المسجدين بناء على مذهب من يجعل غايته الخروج من المسجدين وان أمكن الغسل فإنه لا وجه لنية البدلية بل صرحوا بأنه لا يجوز النية كذلك ، واما على القول الآخر من ان التيمم انما يشرع مع عدم إمكان الغسل فيكون كغيره مما تقدم.

(الثالث) ـ انه قد اختلف الأصحاب في محل النية في التيمم ، فالمشهور ان محلها عند الضرب على الأرض لأنه أول التيمم وبه قطع في المنتهى ، قالوا فعلى هذا يجب مقارنة النية الضرب على الأرض حيث انه أول أفعاله كما في غيره من العبادات التي يجب مقارنة النية لأول أفعالها ، ولو تأخرت عن ذلك الى مسح الوجه بطل التيمم لخلو بعض أفعاله عن النية ، وقطع العلامة في النهاية بالاجزاء بتأخيرها إلى مسح الجبهة وجعل الضرب خارجا عن حقيقة التيمم ونزله منزلة أخذ الماء في الطهارة المائية حيث لا تحتم النية عنده لعدم كونه أول الأفعال الواجبة بل تؤخر عنه الى غسل الوجه. واعترضه في الذكرى بوجهين : (أحدهما) ـ ان تنزيله منزلة أخذ الماء للطهارة المائية فيه منع ظاهر لأن الأخذ غير معتبر بنفسه ولهذا لو غمس الأعضاء في الماء أجزأ بخلاف الضرب. و (ثانيهما) ـ انه لو أحدث بعد أخذ الماء لم يضر بخلاف الحدث بعد الضرب أقول : وتوضيحه ان الواجب في الوضوء غسل الأعضاء كيف اتفق من غير تقييد بنحو خاص بخلاف التيمم فان الواجب فيه الضرب بنفسه كما دلت عليه الأخبار حتى لو تعرض لهبوب الريح أو وضع جبهته على الأرض ناويا لم يجزئه اتفاقا ، وتخلل الحدث بين أخذ الماء


وغسل الوجه غير مضر بخلاف تخلله بين الضرب ومسح الجبهة. وقيل عليه اما على الوجه الأول فإن عدم اجزاء وضع الجبهة على الأرض لا يقدح فيما ذهب إليه العلامة بل هو قائل بموجبه إلا انه يجعل نقل التراب على الوجه المخصوص شرطا لصحة التيمم فكأنه واجب خارج. واما الثاني فبان العلامة في النهاية قائل بذلك ومصرح بالتزامه حيث قال : ولو أحدث بعد أخذ التراب لم يبطل ما فعل كما لو أحدث بعد أخذ الماء في كفه. أقول : والتحقيق بناء على ما ذكروه ضعف ما ذهب إليه العلامة في النهاية لاستفاضة الروايات ـ كما مرت بك ـ بالأمر بالضرب ثم المسح ، وهي ظاهرة في ان الضرب أحد واجبات التيمم التي تعلق بها الأمر في تلك الأخبار كمسح الجبهة واليدين ، ومنه يظهر ان التزام العلامة (قدس‌سره) بعدم بطلان التيمم بالحدث بعد الضرب ليس بجيد سيما وقد صرح في الكتاب المذكور ـ على ما نقله عنه جملة من الأصحاب ـ بأن أول أفعال التيمم المفروضة الضرب باليدين على الأرض وهو تدافع ظاهر بين الكلامين.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان جميع هذا الكلام يدور مدار النية المشهورة التي قدمنا نقلها عنهم في غير موضع التي هي عبارة عن التصوير الفكري والحديث النفسي الذي يترجمه قول القائل : أتيمم بدلا من الغسل أو الوضوء لرفع الحدث أو استباحة الصلاة قربة الى الله تعالى ، وقد عرفت مما حققناه في بحث نية الوضوء ان هذا ليس من النية في شي‌ء وان الأمر فيها أوسع من ذلك وان جميع هذا الكلام لا وجه له ولا حاجة إليه في المقام. والله العالم.

(الرابع) ـ انه يجب استدامة حكمها حتى الفراغ بمعنى انه لا ينوي نية تنافي النية الاولى ، وقد تقدم تحقيق البحث في هذه المسألة مستوفى في باب نية الوضوء والكلام في المقامين واحد.

(المقام الثاني) ـ في الضرب باليدين على الأرض ، وقد أجمع الأصحاب على وجوبه وشرطيته في التيمم ، فلو استقبل العواصف حتى لصق صعيدها بوجهه ويديه لم


يجزئه ذلك ، لان العبادات الشرعية مبنية على التوقيف والتوظيف من الشارع ولم يرد عنه ما يدل على صحة التيمم بذلك فيكون فعله تشريعا محرما وانما استفاضت الأخبار بما ذكرناه. بقي الكلام في الاكتفاء بمجرد الوضع أو لا بد من الضرب الذي هو عبارة عن الوضع المشتمل على اعتماد؟ قال في الذكرى : «معظم الروايات وكلام الأصحاب بعبارة الضرب وفي بعضها الوضع والشيخ في النهاية والمبسوط عبر بالأمرين ، وتظهر الفائدة في وجوب مسمى الضرب باعتماد ، والظاهر انه غير شرط لان الغرض قصد الصعيد وهو حاصل بالوضع» انتهى. وما اختاره هنا من الاكتفاء بمجرد الوضع قد صرح به في الدروس ايضا ، وحاصل استدلاله الاستناد إلى إطلاق الآية وهو قوله تعالى «فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» (1) اي اقصدوا وهو حاصل بالوضع. وفيه ان الآية يمكن تقييدها بالأخبار الكثيرة الدالة على الضرب الذي هو ـ كما عرفت ـ عبارة عن الوضع المشتمل على الاعتماد ، وحينئذ فيجب حمل القصد الذي في الآية على هذا القصد المخصوص جمعا بين الآية والأخبار ، وكذا يجب تقييد بعض الأخبار الدالة على مجرد الوضع بهذه الأخبار ايضا ، وبه يظهر ان الأظهر اعتبار الضرب سيما مع أوفقيته بالاحتياط ، والظاهر ان من قال بالوضع حمل جملة أخبار الضرب على الاستحباب كما هي أحد قواعدهم التي بنوا عليها في كثير من الأحكام في الجمع بين المطلق والمقيد ، والأظهر ما قلناه وان احتمل الجمع بينهما بالتخيير إلا ان الظاهر هو الأول مع أوفقيته بالاحتياط كما عرفت.

وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على رسم مسائل (الأولى) ـ يعتبر في الضرب ان يكون بباطن الكفين لانه المعهود المعروف فينصرف إليه الإطلاق كما في سائر الأحكام ، ويعضده انه المعلوم من صاحب الشرع فيكون خلافه تشريعا محرما نعم لو تعذر الضرب بالباطن لعذر فالظاهر الجواز بالظاهر ، وربما دل عليه عموم بعض أدلة المسألة.

__________________

(1) سورة النساء. الآية 43 وسورة المائدة. الآية 6.


(الثانية) ـ ينبغي ان يعلم انه لا يعتبر فيما يضرب عليه كونه على الأرض ، فلو كان التراب على بدنه أو ثوبه أو بدن غيره أو ثوبه وضرب عليه أجزأ كل ذلك لإطلاق الأخبار وتخرج الأخبار المتقدمة في التيمم من لبد سرجه وثوبه ونحو ذلك شاهدة وان كان موردها أخص مما نحن فيه ، قال في المدارك : ولو كان على وجهه تراب صالح للضرب فضرب عليه ففي الإجزاء تردد أقربه العدم لتوقف الطهارة على النقل والمنقول خلافه. وقال في الذخيرة : لا يبعد ان يكون مجزيا في الضرب لحصول الامتثال ثم قال وربما يقال بعدم الاجزاء لان ذلك غير المعهود من صاحب الشرع. أقول : الظاهر انه ان كان المراد من هذه العبارة أنه يضرب على هذا التراب الذي في موضع المسح ويجتزئ بذلك فالظاهر انه غير مجزئ والحق فيما ذكره في المدارك ، وان كان المراد انه يضرب يده عليه ثم يرفع يده ويمسح به فالظاهر انه لا مانع منه كما في سائر البدن إذا أراد التيمم من التراب الذي عليه فالحق فيما ذكره في الذخيرة ، وبما ذكرنا صرح شيخنا الشهيد في الذكرى فقال : لو كان على وجهه تراب صالح للضرب وضرب عليه أجزأ في الضرب لا في مسح الوجه فيمسح بعد الضرب.

(الثالثة) ـ ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب انه يشترط في وضع اليدين ان يكون دفعة فلو ضرب بإحدى يديه ثم أتبعها بالأخرى لم يجزئ ففي صحيحة زرارة (1) «ثم أهوى بيديه فوضعهما على الصعيد». وفي حسنة الكاهلي (2) «فضرب بيديه على البساط». وفي صحيحة أخرى لزرارة (3) «فوضع أبو جعفر (عليه‌السلام) كفيه على الأرض». وفي موثقة له ايضا (4) قال : «تضرب بكفيك الأرض». الى غير ذلك من الأخبار التي مرت بك قريبا.

(الرابعة) ـ المشهور بين الأصحاب انه لا يجب علوق شي‌ء من التراب باليدين بل يضرب بهما ويمسح وان لم يعلق بهما شي‌ء ، وعن ظاهر ابن الجنيد وجوب المسح بالتراب المرتفع على

__________________

(1 و 2 و 3) ص 320.

(4) ص 321.


اليدين وهو مؤذن بالقول بوجوب العلوق ، والى هذا القول مال جملة من أفاضل متأخري المتأخرين : منهم ـ شيخنا البهائي في الحبل المتين ونقله فيه عن والده ايضا والمحدث الكاشاني وشيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني ، وهو المختار عندي كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

واستدل في المدارك على القول المشهور ـ حيث مال اليه ـ بوجوه : (الأول) ـ عدم الدليل على العلوق (الثاني) ـ إجماع علمائنا على استحباب نفض اليدين بعد الضرب وورود الأخبار الصحيحة به ، ولو كان العلوق معتبرا لما أمر الشارع بفعل ما كان عرضة لزواله (الثالث) ـ ان الصعيد وجه الأرض لا التراب فسقط اعتباره جملة (الرابع) ـ ان الضربة الواحدة كافية مطلقا على ما سنبينه ولو كان المسح بالتراب معتبرا لما حصل الاكتفاء بها إذ الغالب عدم بقاء الغبار من الضربة الواحدة في اليدين.

أقول : اما الجواب عن الأول فبان الدليل على ما ندعيه من اعتبار العلوق هو صحيحة زرارة (1) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ألا تخبرني من اين علمت وقلت ان المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك ثم قال يا زرارة قاله رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ونزل به الكتاب من الله لان الله عزوجل يقول (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) ، الى ان قال ثم قال (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ) (2) فلما ان وضع الوضوء عمن لم يجد الماء اثبت بعض الغسل مسحا لانه قال : «بِوُجُوهِكُمْ» ثم وصل بها «وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ» اي من ذلك التيمم لانه علم ان ذلك اجمع لا يجري على الوجه لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها». والتقريب في الخبر المذكور ان المراد بالتيمم المفسر به الضمير هو التيمم به ، لان حاصل معنى الخبر انه سبحانه إنما أثبت بعض الغسل مسحا ولم يوجب مسح الجميع ، لانه لما علم ان ذلك الصعيد

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 23 من الوضوء و 13 من التيمم.

(2) سورة النساء. الآية 43 وسورة المائدة ، الآية 8.


لا يأتي على الوجه كله من جهة أنه يعلق ببعض الكف ولا يعلق بالبعض الآخر قال سبحانه «فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ» وحينئذ فقوله : «لانه علم ان ذلك اجمع لا يجري على الوجه» اي علم ان ذلك الصعيد المضروب عليه وهو المدلول عليه في الرواية بالتيمم بمعنى المتيمم به ، ولا يخفى ما فيه من الاشعار بالعلوق بل الدلالة الصريحة حيث جعل العلوق بالبعض دون البعض علة للعلم بان ذلك لا يجري بأجمعه على الوجه ، وهذا الوجه الذي ذكرناه مبني على كون «من» في الآية للتبعيض وان قوله (عليه‌السلام) «لانه علم ان ذلك أجمع. إلخ» تعليل لقوله : «اثبت بعض الغسل مسحا» كما اختاره شيخنا البهائي في الحبل المتين اي جعل بعض المغسول ممسوحا حيث اتى بالباء التبعيضية لأنه تعالى علم ان ذلك الصعيد العالق بالكف لا يجري على الوجه كله لانه يعلق ببعض الكف ولا يعلق ببعضها ، وبذلك يظهر لك دلالة الرواية على اشتراط العلوق ، ومنه يعلم ايضا عدم جواز التيمم بالحجر الخالي كما هو مذهب ابن الجنيد ايضا ، والقائلون بالقول المشهور من عدم اشتراط العلوق وجواز التيمم بالحجر يحملون «من» في الآية على ابتداء الغاية والضمير راجع الى التيمم بالمعنى المصدري كما هو المعبر به في الرواية أو الى الصعيد المضروب عليه كما تقدم ، ولهذا أجاب العلامة في المنتهى وكذا الشهيد في الذكرى عن الاستدلال بالرواية بأن لفظ «من» في الآية مشترك بين التبعيض وابتداء الغاية فلا أولوية في الاحتجاج بها. ولا يخفى ان ظاهر التعليل لا يساعده إذ الإشارة في قوله : «لانه علم ان ذلك اجمع لا يجري على الوجه» انما هي إلى التيمم بمعنى المتيمم به لا بالمعنى المصدري ولا الصعيد المضروب عليه كما ذكروه. وبالجملة فإن ظاهرية كون «من» في الآية للتبعيض بالنظر الى ما ذكرناه مما لا يتجشم إنكاره إلا مع عدم إعطاء النظر حقه من التأمل في المقام ، ولهذا ان صاحب الكشاف مع كونه حنفي المذهب ومذهب أبي حنيفة عدم اشتراط العلوق خالف الحنفية في ذلك واختار في تفسيره هذا الوجه ، وقال (1)

__________________

(1) ج 1 ص 270 وقد نسب فيه الى ابى حنيفة عدم اشتراط العلوق.


انه الحق بل ادعى انه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل «مسحت برأسي من الدهن أو من الماء أو من التراب» إلا معنى التبعيض وحكم بان القول بأنها لابتداء الغاية تعسف.

واما الجواب عن الثاني فهو ما ذكره جملة من القائلين بهذا القول في المسألة ، والظاهر ان أولهم في ذلك شيخنا المحقق المدقق الشيخ حسين بن عبد الصمد والد شيخنا البهائي كما نقله عنه في الحبل المتين ، حيث قال : «وأقوى ما استدل به الأصحاب على عدم اشتراط العلوق هو استحباب نفض اليدين بعد الضرب كما نطقت به الأخبار ، ولو كان العلوق معتبرا لما أمر الشارع بفعل ما هو عرضة لزواله. وأجاب عن ذلك والدي (قدس‌سره) في شرح الرسالة بأن الأخبار الدالة على استحباب النفض لا دلالة فيها على عدم اعتبار العلوق بل ربما دلت على اعتباره كما لا يخفى ، ولا منافاة بينهما لان الاجزاء الصغيرة الغبارية اللاصقة لا تتخلص بأجمعها من اليدين بمجرد حصول مسمى النفض ، وليس في الاخبار ما يدل على المبالغة فيه بحيث لا يبقى شي‌ء من تلك الاجزاء لاصقا بشي‌ء من اليدين البتة ، ولعل النفض لتقليل ما عسى ان يصير موجبا لتشويه الوجه من الاجزاء الترابية الكثيرة اللاصقة باليدين ، قال : وبالجملة فالاستدلال باستحباب النفض على عدم اشتراط العلوق محل نظر ، واما الاستدلال عليه بمنافاته لجواز التيمم بالحجر ففيه ان ابن الجنيد وكل من يشترط العلوق لا يجوزون التيمم بالحجر. انتهى كلامه. وهو كلام سديد ومن تأمل الآية والحديث حق التأمل وأصغى الى ما تلوناه لا يرتاب في كون القول باشتراط العلوق أوضح دليلا وأحوط سبيلا» انتهى كلام شيخنا البهائي ، وهو مع كلام والده جيد متين وجوهر ثمين.

واما الجواب عن الثالث فقد علم مما ذكرناه في الجواب عن الثاني ، فإنه لما دلت الآية بمعونة الصحيحة المذكورة على اعتبار العلوق وجب القول به وتخصيص ما دل من الاخبار على مطلق الأرض بذلك ، واما الآية فقد عرفت مما قدمنا اختلاف اللغويين في تفسير الصعيد فيها وقد عرفت ما ورد في تفسيرها عن أهل البيت (عليهم


السلام) وقد قدمنا انه لا وجه للتعلق بها في المقام ، على ان الاخبار فيها ما هو بلفظ الأرض وفيها ما هو بلفظ التراب وفيها ما هو بلفظ الصعيد وقضية حمل مطلقها على مقيدها هو التخصيص بالتراب.

واما الجواب عن الرابع فبالمنع مما ادعاه من ان الضربة الواحدة لا يبقى منها غبار يمسح به الوجه واليدين كما هو ظاهر. والله العالم.

(الخامسة) ـ ينبغي ان يعلم ان وجوب الضرب باليدين معا انما هو مع الإمكان ، فلو قطعت إحداهما بحيث لم يبق من محل الفرض شي‌ء سقط الضرب بها واقتصر على الضرب بالأخرى ومسح الوجه بها ، ولو بقي من محل الفرض شي‌ء ضرب به ، ولو قطعتا معا فإن بقي من محل الفرض شي‌ء فهو كما تقدم وان لم يبق شي‌ء بالكلية سقط الضرب بهما ، والمفهوم من كلام الأصحاب ان الواجب حينئذ هو مسح الجبهة بالتراب لان سقوط أحد الواجبين لعذر لا يستلزم سقوط ما لا عذر فيه ، وظاهر المبسوط سقوط التيمم والصلاة في الصورة المفروضة ، قال في المختلف : قال الشيخ في المبسوط : إذا كان مقطوع اليدين من الذراعين سقط عنه فرض التيمم. وهذا على إطلاقه ليس بجيد ، فإنه ان أراد سقوط فرض التيمم على اليدين أو سقوط جملة التيمم من حيث هو فهو حق ، وان عنى به سقوط جميع اجزائه فليس بجيد لانه يجب عليه مسح الجبهة لأنه متمكن من مسحها فيجب لوجود المقتضى وانتفاء المانع. احتج الشيخ بان الدخول في الصلاة انما يسوغ مع الطهارة المائية فإن تعذرت فمع مسح الوجه والكفين لقوله تعالى : «فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ» وإذا كان المنع انما يزول بفعل المجموع ولم يتحقق بفعل البعض لم يزل المنع. والجواب ان التكليف بالصلاة غير ساقط عنه هنا وإلا سقط مع الطهارة المائية إذا قطع أحد الأعضاء وليس كذلك إجماعا ، وإذا كان التكليف ثابتا وجب فعل الطهارة ولا يمكن استيفاء الأعضاء وليس البعض شرطا في الآخر فيجب الإتيان بما يتمكن منه ، والظاهر ان مراد الشيخ ما قصدناه. انتهى. أقول : الظاهر ان هذه الحجة انما هي


من كلامه (قدس‌سره) لا من كلام الشيخ ، لعدم انطباقها على الترديد بين الاحتمالين الذي ذكره في عبارة الشيخ. ولقوله أخيرا : والظاهر ان مراد الشيخ ما قصدناه. وبالجملة فإن تعليله ينافي ترديده وتأويله الذي حمل كلام الشيخ عليه.

وربما استدل على وجوب التيمم بما بقي والصلاة في الصورة المذكورة بما روي من قوله (عليه‌السلام) (1) : «الميسور لا يسقط بالمعسور». وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) : «إذا أمرتكم بشي‌ء فاتوا منه ما استطعتم». وفيه خدش فان هذين الخبرين وان تناقلهما الأصحاب في كتب الاستدلال إلا اني لم أقف عليهما في شي‌ء من الأصول.

وبالجملة فالمسألة عندي هنا لا تخلو من شوب الاشكال لعدم النص الواضح في هذا المجال ، وكذا في الوضوء لو قطعت يداه في فوق المرفقين بحيث لم يبق من محل الغسل شي‌ء ، اما لو بقي شي‌ء ولو طرف العضد الذي هو أحد جزئي المرفق فإن صحيحة علي بن جعفر (3) قد دلت على الاكتفاء بما بقي في عضده ، ومثل ذلك ما لو كان في كفه قروح أو جروح تمنع من الضرب أو كان كفه نجسا بنجاسة تتعدى الى التراب متى ضرب عليه ، ومع تعذر الإزالة ينتقل الى الضرب بظهر الكف ان لم يكن كذلك وإلا اقتصر على مسح الجبهة. والاحتياط في أمثال هذه المواضع مما لا ينبغي الإخلال به

(السادسة) ـ اختلف الأصحاب في عدد الضربات في التيمم ، فقال الشيخان في المقنعة والنهاية والمبسوط ضربة للوضوء وضربتان للغسل ، وهو اختيار الصدوق في الفقيه وسلار وابي الصلاح وابن إدريس وأكثر المتأخرين. وقال السيد المرتضى في شرح الرسالة الواجب ضربة واحدة في الجميع ، وهو اختيار ابن الجنيد وابن ابي عقيل

__________________

(1) رواه النراقي في العوائد ص 88 ومير فتاح في العناوين ص 146 عن عوالي اللئالي عن على «ع».

(2) رواه مسلم في صحيحة ج 1 ص 513 والنسائي ج 2 ص 1 وابن حزم في المحلى ج 1 ص 64 بإسناد متصل الى ابى هريرة.

(3) ج 2 ص 245.


والمفيد في المسائل الغرية ، واختاره جمع من متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد في المدارك وهو الظاهر. ونقل عن المفيد في الأركان الضربتان في الجميع ، وحكاه المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والمختلف عن علي بن بابويه ، ومقتضى كلامه في الرسالة على ما نقل عنه في الذكرى اعتبار ثلاث ضربات ، فإنه قال : إذا أردت ذلك فاضرب بيديك على الأرض مرة واحدة وانفضهما وامسح بهما وجهك ثم اضرب بيسارك الأرض فامسح بها يمينك من المرفق إلى أطراف الأصابع ثم اضرب بيمينك الأرض فامسح بها يسارك من المرفق إلى أطراف الأصابع. ولم يفرق بين الوضوء والغسل ، ونقل في المعتبر القول بالثلاث عن قوم منا بعد ان نقل عن علي بن بابويه المرتين في الجميع. ورجح المحقق الشيخ حسن في المنتقى القول بالمرتين ونقل انه مذهب جماعة من قدماء الأصحاب.

والأصل في الاختلاف بين هذه الأقوال اختلاف الروايات كما عرفت ، فمنها ما تضمن المرة ومنها ما تضمن المرتين ومنها ما تضمن الثلاث ، والظاهر ان مستند القول المشهور هو الجمع بين أخبار المرة والمرتين بحمل ما دل على المرة على الوضوء وما دل على المرتين على الغسل ، وبذلك جمع الشيخ في كتابيه بين الأخبار وتبعه الأصحاب كما هي عادتهم في أكثر الأبواب واحتجوا على هذا التفصيل بالخبر العاشر (1) ولا يخفى ان الخبر المذكور محتمل لمعنيين : (أحدهما) ـ ان المراد بقوله : «ضرب واحد للوضوء والغسل» اي نوع واحد للطهارتين المذكورتين كما يقال الطهارة على ضربين مائية وترابية ثم بين ان الضرب على الأرض مرتين ، وعلى هذا يكون الخبر من الاخبار الدالة على المرتين مطلقا. و (ثانيهما) ـ ان يكون الضرب بمعنى الضربة وقوله : «والغسل من الجنابة» مبدأ كلام آخر ، وحاصله ان ضربة واحدة للوضوء والغسل له ضربتان وعلى هذا الاحتمال يتم الاستدلال ، إلا انه باعتبار قيام الاحتمال الأول ومساواته لما ذكر فالحمل

__________________

(1) لا يخفى ان رقم الاخبار المذكور هنا وفي الصفحة 339 و 340 خطأ فيما وقفنا عليه من النسخ ويلزم اضافة عدد واحد اليه فالصحيح هنا (الحادي عشر).


على أحدهما ترجيح من غير مرجح ، وقد تقرر في قواعدهم ايضا انه إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال. واستدل العلامة في المنتهى على ذلك ايضا بعد هذا الخبر قال : وروى ـ يعني الشيخ ـ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «ان التيمم من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مرتان». ولا يخفى ان هذا الخبر مما لم نقف له على وجود في كتب الأخبار ولا نقله ناقل غيره ومن تبعه كالشهيدين في كتب الاستدلال بل هو وهم محض كما نبه عليه المحققان السيد السند في المدارك والشيخ حسن في المنتقى وبذلك يظهر لك انه لا مستند لهذا القول مع ان ظواهر جملة من روايات الغسل (2) ترده ولا سيما رواية عمار المشتملة على تعليمه التيمم بدلا من الغسل فإنها إنما اشتملت على الضربة ، وأظهر من ذلك دلالة الحديث الحادي عشر على ان تيمم الوضوء والجنابة والحيض سواء ، وبالجملة فضعف هذا القول مما لا ينبغي ان يستراب فيه. واما ما يدل على القول بالضربة الواحدة فالخبر الأول من الاخبار المتقدمة والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع (3). واما ما يدل على القول بالضربتين فالثامن والتاسع والرابع عشر والثامن عشر. واما ما يدل على الثلاث فالسادس عشر. وأنت خبير بأنه لا ريب في ضعف القول بالثلاث لندرته وان صح مستنده بهذا الاصطلاح فإنه محمول على التقية (4) كما صرح به جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) فهو قول مرغوب عنه.

وانما يبقى الكلام في الجمع بين روايات المرة وروايات المرتين ولا يخلو من أحد وجوه : (الأول) ـ ما هو المشهور من الجمع بالتفصيل ، وقد عرفت ما فيه (الثاني) ـ ما ذهب إليه في المنتقى حيث اختار العمل بأخبار التثنية من حمل أخبار المرة على ارادة بيان كيفية المسح دفعا لتوهم شموله لأعضاء الطهارة التي ينوب عنها التيمم كما وقع لعمار.

__________________

(1) تعرض له في الوسائل في الباب 12 من أبواب التيمم.

(2) الظاهر «التيمم».

(3) والثامن ، ويضاف الى كل من الرقم المتقدم س 9 والأرقام الآتية عدد واحد.

(4) حكاه في البحر الرائق ج 1 ص 145 عن ابن سيرين ومن تبعه.


والظاهر بعده لكثرة الأخبار الواردة بذلك وتعددها في موارد وقلة ما يدل على هذا القول الذي اختاره ، والمتبادر منها انما هو قصد التعليم وارادة بيان كيفية التيمم كما في اخبار الوضوء البياني (الثالث) ـ ما ذهب اليه المرتضى ومن تبعه من متأخري المتأخرين من حمل أخبار التثنية على الاستحباب. وفيه ما عرفت مما قدمناه في غير باب (الرابع) ـ وهو الأظهر عندي ما ذكره شيخنا المجلسي في البحار من حمل اخبار المرتين على التقية ، قال (قدس‌سره) : «والأقرب عندي حمل اخبار المرتين على التقية لأنه قال الطيبي في شرح المشكاة في شرح حديث عمار : ان في الخبر فوائد : منها ـ ان في التيمم تكفي ضربة واحدة للوجه والكفين وهو مذهب علي (عليه‌السلام) وابن عباس وعمار وجمع من التابعين ، وذهب عبد الله بن عمر وجابر من التابعين والأكثرون من فقهاء الأمصار الى ان التيمم ضربتان (1) انتهى. فظهر من هذا ان القول المشهور بين المخالفين الضربتان وان الضربة مشهورة عندهم من مذهب أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وعمار التابع له في جميع الأحكام وابن عباس الموافق لهما في أكثرها ، فتبين ان اخبار الضربة أقوى واخبار الضربتين حملها على التقية أولى وان كان الأحوط الجمع بينهما فيهما» انتهى كلامه زيد مقامه ، وهو المختار ، ومنه يعلم الوجه في الخبر الخامس عشر (2) الذي يدل على مذهب علي بن بابويه فإنه لا محمل له إلا التقية ولا سيما مع اشتماله على مسح الوجه كملا واليدين من المرفقين المخالف للقرآن كما سيتضح لك ان شاء الله تعالى بأوضح بيان.

تنبيه

قال في الذكرى : «ظاهر الأصحاب ان الأغسال سواء في كيفية التيمم ، قال في المقنعة بعد ذكر تيمم الجنب وكذلك تصنع الحائض والنفساء والمستحاضة بدلا من الغسل ، وروى أبو بصير ثم ساق الخبر الثاني عشر من الاخبار المتقدمة ثم أشار الى الخبر الحادي

__________________

(1) حكاه في بداية المجتهد ج 1 ص 64 عن مالك وابى حنيفة والشافعي.

(2) الرقم خطأ كما تقدم ويضاف اليه عدد واحد وكذا في السطر الأخير من هذه الصفحة.


عشر بأنه مثله ، ثم قال وخرج بعض الأصحاب وجوب تيممين على غير الجنب بناء على وجوب الوضوء هنا لك ولا بأس به والخبران غير مانعين منه لجواز التسوية في الكيفية دون الكمية» انتهى. قال في المدارك : «وما ذكره أحوط وان كان الأظهر الاكتفاء بالتيمم الواحد بناء على ما اخترناه من اتحاد الكيفية وعدم اعتبار نية البدلية فيكون جاريا مجرى أسباب الوضوء أو الغسل المختلفة ، ولو قلنا باجزاء الغسل مطلقا عن الوضوء كما ذهب اليه المرتضى (رضى الله عنه) ثبت التساوي مطلقا من غير اشكال» انتهى. أقول : لا ريب انه على تقدير القول بوجوب الوضوء مع كل غسل عدا الجنابة فإن الأوفق بقواعدهم وما قرروه في غير مقام من ان تعدد الأسباب يقتضي تعدد المسببات ان الواجب في التيمم بدلا من الغسل غير الجنابة هو التعدد فيتيمم بدلا من الوضوء وآخر بدلا من الغسل ، فقولهم بمساواة الأغسال ان أريد به في الكمية بمعنى الاكتفاء بتيمم واحد فهو خروج عن مقتضى أصولهم وقواعدهم إلا ان كلامهم غير صريح في ذلك ، وان أريد في الكيفية فلا منافاة إذ المراد ان كيفية التيمم عن سائر الأغسال مثل كيفية التيمم عن غسل الجنابة وان وجب تيمم آخر عن الوضوء ، واما على تقدير مذهب المرتضى ـ وهو الأظهر كما تقدم تحقيقه في باب غسل الجنابة ـ فلا إشكال في اجزاء تيمم واحد. واما ما ذكره في المدارك بناء على القول المشهور من وجوب الوضوء مع الأغسال ـ من انه يكفي تيمم واحد بناء على القول باتحاد الكيفية وعدم اعتبار نية البدلية ـ فظني عدم استقامته لان وجوب التعدد على القول المذكور انما استند الى تعدد الأسباب ، فإن سبب الوضوء هو الحدث الأصغر وسبب الغسل هو الحدث الأكبر وهكذا في بدليهما يجب تعددهما لذلك ، والقول باتحاد الكيفية على هذا التقدير لا مدخل له في ذلك بل يجب الإتيان بتيممين بمقتضى السببين المتعددين وان كانا على كيفية واحدة ، اللهم إلا ان يريد الاكتفاء بتيمم واحد على تقدير القول بالتداخل. وفيه ان قيام الدليل على التداخل في الأغسال لا يقتضي انسحابه هنا من غير


دليل. واما عدم اعتبار نية البدلية فهو هنا غير مسلم ، إذ محل البحث المتقدم في اعتبارها وعدمه انما هو في غير هذه الصورة مما لا يحتاج الى التمييز مما لا اشتراك فيه ، واما هنا فقد استقر في ذمته تيمم بدلا عن الوضوء وآخر بدلا عن الغسل فلا ينصرف واحد منهما إلى البدلية عما هو بدل عنه الا بنية البدلية عما هو بدل عنه بعين ما صرحوا به فيما إذا اشتغلت الذمة بفروض واجبة متعددة أداء وقضاء ، فإنه يجب الإتيان بنية الأداء مع قصد الأداء والقضاء مع قصد القضاء كما لا يخفى والله العالم.

(المقام الثالث) ـ في مسح الجبهة ، وقد اختلف الأصحاب في هذا المقام ايضا فالمشهور بين الأصحاب انه يجب مسح الجبهة من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف الأعلى وهو العرنين لا الأعلى باعتبار النتو كما ربما يتوهمه من لا تحصيل له ، وقال الصدوق في الفقيه : «وإذا تيمم الرجل للوضوء ضرب يديه على الأرض مرة واحدة ثم نقضهما ومسح بهما جبينيه وحاجبيه ومسح على ظهر كفيه. الى آخره» ونقل عن علي بن بابويه مسح الوجه بأجمعه كما تقدم في عبارته ، والصدوق في المجالس اختار مذهب أبيه ونسب مذهبه في الفقيه إلى الرواية ، وظاهر كلام جملة من الأصحاب : منهم ـ صاحب المدارك وغيره في نقل مذهب الصدوق أنه أضاف الجبينين والحاجبين إلى الجبهة وعبارته في الفقيه ـ كما ترى ـ ظاهرة في اختصاص المسح بالموضعين المذكورين ولا ادري من اي موضع نقلوا عنه هذا القول؟ ولعل الوجه في هذا النقل هو انه حيث كان المسح على الجبهة متفقا عليه وانما الخلاف فيما زاد عليها حملوا كلامه على ذلك ، وقال في المدارك بعد نقل الخلاف في المسألة : والمعتمد وجوب مسح الجبهة والجبينين والحاجبين خاصة ، ثم أورد الآية وساق جملة من الأخبار المشتمل بعضها على الجبين وبعضها على الجبهة وأكثرها على الوجه ، الى ان قال : وبهذه الروايات أخذ علي بن بابويه (قدس‌سره) ويمكن الجواب عنها بالحمل على الاستحباب أو على ان المراد بمسح الوجه مسح بعضه ، قال في المعتبر : والجواب الحق العمل بالخبرين فيكون مخيرا بين مسح الوجه


وبعضه لكن لا يقتصر على أقل من الجبهة. وهو حسن. اما مسح الحاجبين بخصوصهما فلم أقف على مستنده. انتهى كلامه.

أقول : وأنت خبير بأن الاخبار في هذا المقام لا تخلو من اشتباه وإشكال ، فإن جملة منها قد تضمنت لفظ الوجه كالخبر الأول والثاني والثالث والخامس والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر والتاسع عشر وجملة منها قد تضمنت لفظ الجبين مفردا وهو الخبر الرابع والسابع والثامن عشر إلا ان فيه بلفظ التثنية ، ومنها ما تضمن لفظ الجبهة وهو الخبر السادس على إحدى روايتي الشيخ في التهذيب واما في رواية الكافي ورواية الشيخ الأخرى التي نقلها بطريق صاحب الكافي انما هو «جبينه» مفردا ، ومن هنا ينقدح الإشكال في انه لا دليل على القول المشهور من وجوب مسح الجبهة إلا على رواية واحدة على تقدير إحدى روايتي الشيخ لها ، واما على تقدير الروايتين الأخريين فلا دليل بالكلية على القول المذكور وتكون هذه الرواية من قبيل الروايات المتضمنة للجبين ، والظاهر في الجمع بين هذه الاخبار هو رد اخبار الوجه والجبين إلى الجبهة وان عبر عنها بهذين اللفظين توسعا وتجوزا فان باب المجاز واسع ، وإلا لاضطربت الاخبار ولزم خلو القول بالجبهة الذي هو المشهور بل المجمع عليه ظاهرا من دليل أو ضعف دليله وندرته بل دلالة الأخبار الكثيرة على خلافه.

وتفصيل هذه الجملة على وجه ابسط ان يقال ان لفظ الجبين الواقع في هذه الاخبار لا يخلو من أحد معان ثلاثة : (الأول) ان يراد معناه لغة وعرفا وهو ما اكتنف الجبهة من جانبيها مرتفعا عن الحاجبين الى قصاص الشعر ، وحينئذ فوروده في مقام البيان في جملة من الاخبار ـ كما عرفت ـ يقتضي الاقتصار عليه دون الجبهة ، وفيه من البعد ما لا يخفى سيما مع استلزامه ترك الجبهة المتفق على تخصيصها بالمسح. و (ثانيها) ان يراد به ما يشمل الجبهة والجبين معا مجازا. وفيه انه خلاف ما عليه الأصحاب من التخصيص


بالجبهة ويوجب ان يكون ما ذهب إليه الأصحاب من التخصيص خاليا من المستند أو نادر المستند بناء على ما عرفت آنفا ، وهذا الوجه وان كان أقل اشكالا من الأول إلا انه بعيد أيضا غاية البعد. و (ثالثها) وهو الظاهر ان يراد به الجبهة خاصة لمجاز المجاورة ويؤيده ورود الجبين في الاخبار بلفظ الافراد ، وعلى هذا الوجه يتم كلام الأصحاب والظاهر انه هو الذي فهموه من الاخبار المشار إليها واتفقوا على القول به ، وبذلك يظهر انه لا وجه لضم الجبينين إلى الجبهة وجوبا أو استحبابا إذ لا دليل عليه ، ويؤيده هذا الوجه أيضا إطلاق لفظ الجبين على الجبهة في اخبار السجود كما ـ في حسنة عبد الله بن المغيرة وموثقة عمار الدالتين على انه «لا صلاة لمن لا يصيب انفه ما يصيب جبينه» (1). وعلى هذا ايضا تحمل اخبار الوجه فإنه إنما أريد منها الجبهة خاصة ، كما وقع نظيره من اخبار السجود ايضا المختص بالجبهة نصا وفتوى ، كما في صحيحة أبي بصير وحسين بن حماد الدالتين على استواء موضح السجود وموضع القيام ، حيث قال في الأولى (2) : «اني أحب ان أضع وجهي في موضع قدمي». وفي الثانية (3) : «في من سجد على موضع مرتفع قال : جر وجهك على الأرض من غير ان ترفعه».

وبالجملة فالمراد في جميع هذه الاخبار انما هو الجبهة خاصة وان اختلفت عبارتها توسعا باعتبار ظهور الحال ومعلومية الحكم يومئذ ، فعبر في بعض بلفظ الجبهة وفي آخر بلفظ الجبين وفي ثالث بلفظ الوجه نظير ما عرفت في باب السجود ، ويوضح ما ذكرناه كلامه (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي مما قدمنا نقله من الخبر التاسع عشر وقوله : «تمسح بهما وجهك موضع السجود». فعبر بالوجه وأبدل منه موضع السجود وهو الجبهة. وعلى هذا تجتمع الاخبار في الانطباق على كلام الأصحاب (رضوان الله

__________________

(1) رواهما في الوسائل في الباب 4 من أبواب السجود.

(2) رواها في الوسائل في الباب 10 من أبواب السجود.

(3) رواها في الوسائل في الباب 8 من أبواب السجود.


عليهم) ويسقط القول بضم الجبينين وجوبا أو استحبابا كما ذكره السيد في المدارك ومن تبعه ، والظاهر ان الحامل له على هذا القول هو انه قد ذكر في الاستدلال على ما قدمنا نقله عنه الخبر الرابع المشتمل على الجبين ثم عقبه بالسادس الدال على الجبهة بإحدى روايتي الشيخ ثم نقل جملة من اخبار الوجه ، فحمل روايات الوجه على مذهب الشيخ علي بن بابويه يعني مسح الوجه كملا وجمع بينها وبين ما اختاره بالحمل على الاستحباب فبقي عنده التعارض بين خبري الجبهة والجبين فجمع بينهما بوجوب مسح الجميع.

وفيه (أولا) ـ ان موثقة زرارة ـ وهي الخبر السادس ـ المشتملة على مسح الجبهة قد عرفت انها بعينها قد رواها في الكافي بلفظ الجبين والشيخ قد رواها عنه أيضا في موضع آخر بلفظ الجبين ، ولا ريب ان الترجيح للروايتين بلفظ الجبين لتعددها من الشيخين في الكتابين ، مضافا الى ما قدمنا في غير موضع من التنبيه على ما وقع للشيخ في الكتاب المذكور من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان في الأخبار متونها وأسانيدها كما هو ظاهر لمن تتبع اخباره ، وبالجملة فالموثقة المذكورة باعتبار اختلاف روايتها لا بد في الاستدلال بها من النظر في الراجح من النقلين ليكون العمل عليه في البين ، ولا ريب في ترجيح نقل صاحب الكافي المتأيد بنقل الشيخ لها كذلك دون ما انفرد هو بنقله لما عرفت من احتمال تطرق السهو اليه ، ولكنه (قدس‌سره) معذور حيث انه لم يراجع الكافي ولم يطلع على رواية الشيخ لها في ذلك الموضع الآخر.

و (ثانيا) ـ ان ما ادعاه من ان روايات الوجه التي نقلها هي مستند الشيخ علي ابن بابويه فالظاهر انه ليس كذلك ، فإنها وان تضمنت ذكر الوجه إلا انها قد تضمنت مسح الكفين خاصة كما هو القول المشهور وابن بابويه قال بمسح الذراعين ، بل دل بعضها وهو الخبر الثالث مما قدمناه من الأخبار بعد ذكر مسح الوجه على انه مسح كفيه ولم يمسح الذراعين بشي‌ء ، والعجب انه قد ذكر هذا الخبر في جملة ما أورد ومع هذا يزعم انها مستند ابن بابويه. والتحقيق ان الوجه في هذه الأخبار انما هو حمل الوجه على


الجبهة كما قدمنا تحقيقه ، واخبار علي بن بابويه انما هي الخبر الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر المشتملة على مسح الوجه كملا والذراعين من المرفقين لا هذه الأخبار التي توهمها ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.

و (ثالثا) ـ ان ما نقله عن المعتبر في كلامه المتقدم من التخيير بين مسح الوجه وبعضه واستحسنه فهو بعيد من الحسن بمراتب كما لا يخفى على ذي الفهم الصائب ، ومثله ما وقع له في مسح اليدين من المرفقين كما دلت عليه اخبار علي بن بابويه المشار إليها فإنه جوز ذلك جمعا بين الأخبار وهو من الفساد بوجه لا يخفى على ذوي الأفكار ، وذلك فإنه قد تقدم في صحيحة زرارة الواردة في تفسير الآية (1) التنصيص بالنص الصريح الذي ليس عنه محيص في الآية والخبر المذكور على التبعيض في الوجه واليدين ، وقد استفاض في الاخبار ان ما خالف كتاب الله فهو زخرف وانه يضرب به عرض الحائط (2) والاخبار المذكورة محمولة عند محققي أصحابنا على التقية (3) التي هي في اختلاف الأخبار أصل كل بلية فلا ينبغي ان يلتفت إليها ولا يعرج عليها.

و (رابعا) ـ ان قوله ايضا : «واما مسح الحاجبين خاصة فلم أقف على مستنده» موجب للطعن عليه في ذكره له بالخصوص دون سائر أجزاء الوجه بقوله : «والمعتمد وجوب مسح الجبهة والجبينين والحاجبين» بقي الكلام في ذكر الصدوق له في عبارته التي قدمنا نقلها عنه في الفقيه والظاهر ان كلامه هذا مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي فإني لم أعثر عليه في غيره ، حيث انه (عليه‌السلام) بعد ان ذكر ما قدمنا نقله عنه قال في آخر البحث «وقد روى انه يمسح الرجل على جبينيه وحاجبيه ويمسح على ظهر كفيه» أو ان هذه الرواية التي ذكرها (عليه‌السلام) وصلت الى الصدوق (قدس‌سره) ولم

__________________

(1) ص 333.

(2) رواه في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي وما يقضى به.

(3) ذكر الشيرازي الشافعي في المهذب ج 1 ص 32 في بيان كيفية التيمم مسح الوجه اجمع واليدين الى المرفقين وكذا في المغني ج 1 ص 254 وبدائع الصنائع والبحر الرائق.


تصل إلينا ، وعبارة الصدوق المتقدمة عين هذه العبارة وظاهرها هو تخصيص المسح بهذين الموضعين دون الجبهة. وكيف كان فالأحوط ضم الجبينين والحاجبين الى مسح الجبهة لهذه الرواية سيما مع عمل الصدوق بها.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض بعد ذكر مسح الجبهة وتحديدها : وهذا القدر متفق عليه وزاد الصدوق مسح الحاجبين ايضا وفي الذكرى لا بأس به ، وزاد بعضهم مسح الجبينين وهما المحيطان بالجبهة يتصلان بالصدغين لوجوده في بعض الاخبار والزيادة غير المنافية مقبولة ، ولا بأس به. ولا يجب استيعاب الوجه على المشهور لدلالة أكثر الاخبار على مسح الجبهة ونقل المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في المسائل الناصرية إجماع الأصحاب (رضوان الله عليهم) عليه ، ويدل عليه الباء في قوله تعالى : «وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ» لما تقرر من انها إذا دخلت على المتعدي تبعضه كما اختاره جماعة من الأصوليين وأهل العربية وقد نص على ذلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه‌السلام) في حديث زرارة المتقدم في الوضوء (1) ثم ذكر مذهب علي بن بابويه وطعن في اخباره بضعف السند ، ثم قال ويمكن حملها على الاستحباب.

أقول : لا يخفى ما في كلماتهم هنا من البعد عن ساحة الأخبار الواردة في المسألة كما عرفت مما قدمنا ذكره ومما في كلامه هنا (أولا) نسبته الى الصدوق مسح الحاجبين مع انه ذكر الحاجبين والجبينين مخصصا للمسح بهما لا زائدا لهما على الجبهة. و (ثانيا) ما ادعاه من دلالة أكثر الاخبار على مسح الجبهة مع انه لا وجود له كما عرفت إلا في رواية واحدة على تقدير أحد الطريقين وإلا فلا وجود لها بالكلية. و (ثالثا) ما ادعاه من حمل روايات علي بن الحسين على الاستحباب الذي اتخذوه ذريعة في جميع الأبواب ولا دليل عليه من سنة ولا كتاب مع مخالفته هنا لنص القرآن العزيز والخبر الصحيح الصريح في الباب.

__________________

(1) ص 333.


فروع : (الأول) ـ المشهور بين الأصحاب وجوب الابتداء في المسح بالأعلى وعلله في الذكرى اما لمساواة الوضوء واما تبعا للتيمم البياني. ورده في المدارك بان ضعفهما ظاهر. أقول : اما التعليل الأول فلا ريب في ضعفه لانه لا يخرج عن مجرد القياس ، واما الثاني فهو جيد لو ثبت ذلك في التيمم البياني كما ذكره إلا انه لا وجود له في شي‌ء منها على تعددها وكثرتها كما عرفت مما قدمناه وهو اخبار المسألة كملا لم يشذ منها شاذ ، وانما تضمنت الأمر أو الاخبار بمسح الوجه أو الجبين أو الجبهة كيف اتفق من غير تعرض لبيان الكيفية بالكلية ، ولو دلت على ما ذكره كلا أو بعضا لكان القول بذلك جيدا كما حققناه في مسألة الابتداء بالأعلى في غسل الوجه. وحيث ان صاحب المدارك ممن ناقش ثمة في وجوب الابتداء بالأعلى مع اشتمال الوضوء البياني عليه نسب القول بذلك هنا بناء على وجود ذلك في التيمم البياني إلى الضعف ، وهو غير جيد لما عرفت ثمة وكان الطريق الأليق له هنا في المناقشة انما هو منع وجود ذلك في التيمم البياني كما ذكرنا ، نعم قد ورد ذلك في عبارة الفقه الرضوي كما قدمناه ولعلها هي المستند في الحكم المذكور عند المتقدمين كما عرفت في غير موضع وان غفل عنه المتأخرون لعدم ظهور الكتاب المذكور عندهم.

(الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب وجوب المسح بالكفين معا دفعة فلو مسح بإحداهما لم يجزئ ، ونقل عن ابن الجنيد انه اجتزأ باليد اليمنى لصدق المسح ، وهو ضعيف مردود بالأخبار المتقدمة لاشتمالها فعلا وقولا على المسح بهما معا.

(الثالث) ـ الظاهر ان المراد من المسح باليدين أو بالكفين هو الاكتفاء بجزء من كل من اليدين بحيث يمره على الممسوح وان يستوعب الممسوح بالمسح بهما ، واما استيعاب الماسح فالظاهر عدمه لعدم إمكانه كما لا يخفى ، ويشير الى ما ذكرنا قوله (عليه‌السلام) في الحديث الرابع حكاية عن الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «ثم مسح جبينه بأصابعه» واما ما ذكره في المدارك بعد ذكر الرواية المذكورة ـ من ان الاولى المسح


بمجموع الكفين عملا بجميع الاخبار ـ فلا اعرف له وجها ، فإنه ان أراد استيعاب الماسح حال المسح كما هو ظاهر كلامه فهو متعذر ، إذ لا يخفى أن الجبهة لا يزيد قدرها على مقدار إصبعين أو ثلاث أصابع مضمومة فكيف ينطبق على هذا المقدار مجموع الكفين مع ما هما عليه من السعة والانتشار عرضا وطولا؟ نعم لو كان الممسوح مجموع الوجه لربما أمكن ذلك اما في الجبهة فهو غير ممكن ، وان أراد بمجموع الكفين يعني بجزء من كل منهما بحيث يحصل استيعاب الجبهة بهما معا فهو ما نقوله وهو الذي دل عليه الخبر فلا معنى لهذه الأولوية بعد ذكر الخبر الدال على ذلك ، والظاهر انه تبع في ذلك ما ذكره في الذكرى بقوله : «الأقرب وجوب ملاقاة بطن الكفين للجبهة» وفيه ما عرفت. وبالجملة فإن غاية ما يفهم من الاخبار المتقدمة انه يمسح بيديه جبهته أو جبينه مع انطباق الماسح على الممسوح أعم من ان يكون كلا أو بعضا ، وحينئذ فيحمل إطلاقها على ما دلت عليه الصحيحة المذكورة من الاكتفاء بجزء من كل منهما لا المجموع ، مع انهم قد صرحوا في مسألة السجود على الكفين بالاكتفاء بالمسمى بل نقل في المدارك ثمة انه لا يعرف خلافا في ذلك ، وسؤال الفرق متجه إذ لا مستند للجميع إلا الإطلاق ، هذا مع إمكان الانطباق كما ذكرناه ، واما مع عدمه كما عرفت فالأمر أهون من ذلك.

(المقام الرابع) ـ في مسح الكفين وهو المشهور بين الأصحاب وحدهما من الزند إلى أطراف الأصابع ، والزند مفصل الكف والذراع ويسمى الرسغ بضم الراء ثم السين المهملة ثم الغين المعجمة ، وفي المسألة قولان آخران : (الأول) قول علي ابن بابويه وابنه في المجالس بمسح اليدين من المرفقين الى رؤوس الأصابع. و (الثاني) ـ ما نقله ابن إدريس عن بعض الأصحاب ان المسح على اليدين من أصول الأصابع إلى رؤوسها.

ويدل على القول المشهور ـ وهو المؤيد المنصور ـ الأخبار الكثيرة المؤيدة بظاهر الآية ، ثم لا يخفى ان الأخبار المذكورة أكثرها قد صرح بالكفين وبعض بلفظ اليدين وقضية حمل المطلق على المقيد التخصيص بالكفين ، وهي ظاهرة في رد القولين الآخرين


للتخصيص بالكفين كما عرفت ولا سيما الخبر الثالث وقوله (عليه‌السلام) : «ولم يمسح الذراعين بشي‌ء» فإنه صريح في رد ما ذهب اليه ابن بابويه ، وقوله (عليه‌السلام) في الخبر الأول والثاني : «ومسح يديه فوق الكف قليلا» إشارة إلى إدخال جزء من الذراع من باب المقدمة فإنه صريح في رد القول الثاني.

ومما يدل على مذهب ابن بابويه الخبر الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر ، وهي ـ كما عرفت ـ مطروحة عندنا مردودة إلى قائلها لمخالفتها لظاهر القرآن المأمور بعرض الأخبار عليه والأخذ بما وافقه ورد ما خالفه ، وقد عرفت مما أوضحناه في سابق هذا المقام مخالفتها لظاهر الآية المفسرة في الرواية الصحيحة بالتبعيض في كل من الوجه واليدين فلا مسح على اليدين كملا لا تخييرا ولا استحبابا كما صار إليه أصحابنا (رضوان الله عليهم) جمعا بين أخبار المسألة ، والعجب منهم كيف الغوا هذه القواعد الشرعية التي استفاضت اخبار أئمتهم (عليهم‌السلام) بها ونبذوها وراء ظهورهم ، فليت شعري لمن ألقيت هذه القواعد ومن خوطب بها سواهم؟ وهم قد ألغوها في جميع أبواب الفقه وعكفوا على الجمع بين الأخبار بالكراهة والاستحباب مع ظهور الحمل على التقية في مواضع ومخالفة القرآن في مواضع كما حققناه في أبواب هذا الكتاب وسنشير اليه فيما يأتي ان شاء الله تعالى في غير هذا الباب ، ما هذا إلا عجب عجاب.

واما القول الثاني فيدل عليه الحديث الرابع عشر ، وهو مع ضعفه وشذوذه لا يبلغ قوة المعارضة لما عرفت من الأخبار المجمع على العمل بها قديما وحديثا بين الطائفة المحقة فيجب إطراحه وإرجاعه إلى قائله (عليه‌السلام) والظاهر انه الى هذه الرواية أشار مولانا الرضا (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي بقوله : «وروي من أصول الأصابع. إلخ».

واعلم انه قد استدل في المدارك على القول المشهور بعد نقل الأقوال المتقدمة واختياره المشهور هنا فقال : لنا قوله تعالى «فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ» والباء للتبعيض كما بيناه ، وأيضا فإن اليد هي الكف الى الرسغ يدل عليه قوله تعالى : «وَالسّارِقُ


وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما» (1) والإجماع منا ومن العامة منعقد على انها لا تقطع من فوق الرسغ وما ذاك إلا لعدم تناول اليد له حقيقة ، ثم قال : ويدل عليه أيضا الأخبار المستفيضة.

أقول : لا يخفى ما في كلامه هنا من النظر الظاهر (اما أولا) ـ فإن الآية إنما تنفي مذهب ابن بابويه خاصة دون القول بالمسح من أصول الأصابع إلى رؤوسها لصدق البعضية هنا ، فلا يتم استدلاله مطلقا على المدعى. و (اما ثانيا) ـ فان ما ذكره من ان اليد هي الكف الى الرسغ على إطلاقه ممنوع ، فان اليد لها إطلاقات ومعان عديدة : منها ـ يد السارق وهي من أصول الأصابع. ومنها ـ يد المتيمم وهي من الزند على الأشهر الأظهر رواية وفتوى ، ومنها ـ يد المتوضئ وهي من المرفقين ، ومنها اليد عرفا وهي من الكتف. و (اما ثالثا) ـ وهو أعجبها وأغربها ، فإن استدلاله على ما ادعاه ـ من كون اليد من الرسغ بآية «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ ... الآية» مع ان يد السارق كما عرفت اتفاقا وبه اعترف في آخر كلامه وبحثه بقوله : وموضع القطع من أصول الأصابع عند الأصحاب ـ عجيب غريب من مثل هذا المحقق الأريب. وبالجملة فكلامه هنا مختبط لا اعرف له وجها وجيها ، والأظهر هو الرجوع فيما ادعاه الى الاخبار خاصة كما ذكره بقوله : ويدل عليه الاخبار المستفيضة. إلخ.

فروع : (الأول) ـ المشهور وجوب الابتداء بالمسح من الزند الى رؤوس الأصابع فلو نكس بطل ، ولم أقف لهم على دليل إلا ما ذكره بعضهم من المساواة للوضوء وهي لا تنهض بالدلالة. والمسألة محل اشكال والاحتياط يقتضي ما قالوه سيما مع ترجحه بظاهر الرواية المنقولة في كتاب الفقه وقوله (عليه‌السلام) : «ثم تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصول الأصابع من فوق الكف ثم تمرها على مقدمها على ظهر الكف» فإنه ظاهر في الابتداء من الزند ، وقوله : «من فوق الكف» بدل من قوله «من أصول الأصابع».

__________________

(1) سورة المائدة. الآية 38.


(الثاني) ـ المشهور ان محل المسح في الكفين ظهورهما لا بطونهما. بل ظاهر كلامهم ان هذا الحكم مجمع عليه بين القائلين بتخصيص المسح بالكف ، وأكثر الأخبار المتقدمة وان كانت مطلقة في الحكم المذكور إلا ان الخبر الخامس والثامن عشر قد صرحا بان الممسوح عليه ظهر الكف لا بطنها وعليهما يحمل إطلاق غيرهما من الاخبار.

(الثالث) ـ يجب تقديم اليمنى على اليسرى ، وربما علل بأنه بدل مما يجب فيه التقديم. وهو ضعيف. والروايات المتقدمة أكثرها مطلق إلا ان خبر السرائر وهو الثامن عشر قد تضمن انه مسح اليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى ، والظاهر انه وان كان العطف فيه بالواو التي لا تفيد الترتيب وانما تفيد لغة مجرد الجمع إلا ان المراد هو الترتيب بينهما ، فإنه كثيرا ما يقع العطف بها كذلك في مقام الترتيب توسعا واعتمادا على ظهور الحكم ، ألا ترى انه مع وجوب تقديم المسح على الجبهة على مسح الكفين فجملة من الاخبار انما اشتملت على العطف بينهما بالواو ، وكل ذلك توسعا لظهور الحكم وشهرته ، وأمثال ذلك مواضع لا تحصى يقف عليها المتتبع ، وأصرح منها في ذلك قوله (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي : «ثم تضرب بهما اخرى فتمسح بها اليمنى» فان عطف المسح بالفاء على الضرب يقتضي تقديم اليمنى ، والظاهر ان لفظ «بها» في العبارة غلط من الناسخ ، وقوله في الرواية التي نقلها «ثم تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصول الأصابع من فوق الكف ثم تمرها على مقدمها على ظهر الكف ثم تضع أصابعك اليمنى على أصابعك اليسرى فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى على يدك اليمنى مرة واحدة» فإنه ظاهر بل صريح في الترتيب وتقديم اليمنى ، وبالجملة فالعمل على وجوب تقديم اليمنى على اليسرى كما عليه الأصحاب وان كانت أبواب المناقشة مفتوحة إلا انها عند التأمل والإنصاف غير متجهة.

(الرابع) ـ الظاهر وجوب المسح بباطن الكف دون ظاهرها لانه هو المتبادر


والمتكرر الذي ينصرف إليه الإطلاق ، إلا ان يحصل العذر من المسح به فيجوز بالظهر مع احتمال التولية.

(الخامس) ـ لو كان له يد زائدة فالكلام فيها كما تقدم في الوضوء.

(السادس) ـ لو كان على بعض أعضائه جبائر من الوجه أو اليدين مسح على الجبائر كما تقدم في الوضوء إذا لم يتمكن من حلها ، والنصوص وان كانت خالية من خصوص ذكر هذا الفرع إلا ان المفهوم من عمومها الدلالة على ان الجبيرة قائمة مقام الجسد عند تعذر حلها فيجب الغسل فيها في موضع الغسل والمسح في موضعه مع تعذره وكذا المسح في التيمم ، ولأن اللازم من عدم المسح عليها ترك الصلاة وسقوطها في الصورة المذكورة إذ لا تصح بدون طهارة ، ومن المعلوم بطلانه ، فليس إلا ما قلناه ، والظاهر انه لا خلاف فيه. ولو كانت مكشوفة مسح عليها.

(السابع) ـ لو كانت مواضع المسح نجسة يتعذر تطهيرها فالظاهر وجوب المسح عليها ، إذ اشتراط طهارتها مخصوص بصورة الإمكان ومع التعذر يسقط ، ويدل عليه إطلاق الأخبار المتقدمة ، والظاهر انه لا خلاف فيه فيما اعلم. وكذا لو كانت النجاسة في الأعضاء الماسحة فإنه يضرب بها على الأرض ويمسح إلا ان تكون نجاستها متعدية فتتعدى الى التراب المضروب عليه وينجس بذلك فيشكل الحكم لما عرفت سابقا من اشتراط طهارة التراب الذي يمسح به ، والظاهر هنا سقوط الفرض ويدخل تحت مسألة فاقد الطهورين وقد تقدم الكلام فيها ، ويحتمل التولية.

(الثامن) ـ يجب استيعاب الممسوح من الجبهة وظهر الكفين بالمسح بلا خلاف يعرف بل في المنتهى انه قول علمائنا وأكثر العامة ثم علله بأن الإخلال بمسح البعض إخلال بالكيفية المنقولة فلا يكون الآتي بذلك آتيا بالتيمم المشروع ، وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق بين ان يكون الإخلال بمسح البعض عمدا أو نسيانا ولا في البعض بين القليل والكثير وبذلك صرح في المعتبر ، وهو كذلك لصدق الإخلال


بالكيفية الشرعية فيبطل ، واما الماسح فلا ، اما الأول فلظواهر الأخبار المتقدمة بأنه يمسح جبهته وظهر كفيه والمتبادر استيعابهما. واما الثاني فلصدق المسح المأمور به بدون ذلك وتخرج صحيحة زرارة الدالة على مسح النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جبينه بأصابعه شاهدة على ذلك.

(المقام الخامس) في بيان جملة من الواجبات : (الأول) ـ الترتيب ، والظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في انه يجب الضرب أولا ثم مسح الجبهة ثم ظهر الكف الأيمن ثم ظهر الكف الأيسر ، وقد صرح بالإجماع على الحكم المذكور في المنتهى والتذكرة ، واحتج عليه في التذكرة بقوله تعالى : «فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ» فإن الواو للترتيب عند الفراء ، وبان التقديم لفظا يستدعي سببا لاستحالة الترجيح من غير مرجح ولا سبب إلا التقديم وجوبا ، وبأنه (عليه‌السلام) رتب في مقابلة الامتثال فيكون واجبا. ولا يخفى ما في الجميع من القصور وعدم الصلوح لتأسيس حكم شرعي.

وقال المرتضى (رضي‌الله‌عنه) : كل من أوجب الترتيب في المائية أوجبه هنا والتفرقة منفية بالإجماع وقد ثبت وجوبه هناك فيثبت هنا. وفيه ما في سابقه. أقول : اما وجوب الضرب أولا ثم مسح الجبهة ثانيا ثم اليدين ثالثا فإنه مدلول جملة من الأخبار المتقدمة كالأول والخامس والثامن عشر والتاسع عشر وعليها يحمل ما أطلق من باقي الاخبار ، وانما يبقى الكلام في اليد اليمنى واليسرى وترتب إحداهما على الأخرى ، وقد تقدم الكلام فيه في الفرع الثالث من الفروع المتقدمة.

(الثاني) ـ المباشرة بنفسه ، ويدل عليه مضافا الى إجماع الأصحاب على ذلك قوله عزوجل «فَتَيَمَّمُوا» فان الخطاب فيه للمكلفين المأمورين بالتيمم والصلاة ، وحقيقة الأمر طلب الفعل من المأمور. نعم لو تعذر ذلك منه لمرض ونحوه فالظاهر جواز التولية ، لكن هل يضرب المتولي بيدي العليل على الأرض ثم يرفعهما ويمسح بهما وجهه ويديه أو ان المتولي يضرب بيدي نفسه ويمسح بهما وجه العليل ويديه؟ لم أقف


في ذلك على نص ، ويحتمل ان يقال انه ان أمكن الوجه الأول فهو الاولى بالتقديم وإلا فالثاني ، والأمر بالتولية في التيمم في الجملة مع العذر قد ورد في جملة من الأخبار لكن كونها على اي من الوجهين المتقدمين لم أقف على نص يدل عليه.

(الثالث) ـ أوجب الأصحاب هنا أيضا الموالاة وأسنده في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، واحتج عليه بقوله تعالى : «فَتَيَمَّمُوا» أوجب علينا التيمم عقيب ارادة القيام إلى الصلاة ولا يتحقق إلا بمجموع اجزائه فيجب فعلها عقيب الإرادة بقدر الإمكان. ورده في المدارك بأنه غير جيد إذ من المعلوم ان المراد بالتيمم هنا المعنى اللغوي وهو القصد لا التيمم بالمعنى الشرعي. أقول : فيه ما تقدم في صدر الباب في تفسير الآية المذكورة من ان التيمم فيها إنما أريد به المعنى الشرعي وهو القصد الى التراب للمسح على الوجه واليدين على الوجه المأمور به شرعا ، ولا ريب ان مراده عزوجل هنا بقرينة ما قبل هذه الكلمة وما بعدها ليس مجرد القصد وانما هو القصد المخصوص وهو عبارة عن قصد الصعيد والمسح به كما ذكر عز شأنه ، وبه يتم الاستدلال الذي ذكره العلامة (قدس‌سره) من انه أوجب علينا التيمم الذي هو القصد المخصوص عقيب ارادة القيام إلى الصلاة. الى آخر ما ذكره. ثم نقل في المدارك عن الذكرى انه استدل عليه أيضا بأن التيمم البياني عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأهل بيته توبع فيه فيجب للتأسي ، ثم اعترض عليه بان فيه نظرا إذ التأسي انما يجب فيما يعلم وجوبه وهو منتف هنا إذ من الجائز ان تكون المتابعة إنما وقعت اتفاقا لا لاعتبارها بخصوصها. أقول : التحقيق ان هنا شيئين : (الأول) ـ ان يفعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو الإمام (عليه‌السلام) فعلا لبيان ما أمر الله سبحانه من الأوامر المجملة المطلقة المحتملة الوقوع على أنحاء متعددة ووجوه متكثرة وفي هذه الحال يجب ان يقيد بفعله (عليه‌السلام) إطلاق تلك الأوامر ويحكم به على مجملها ويكون موضحا لها ومبينا فيجب العمل عليه كما أوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه في باب الوضوء في مسألة الابتداء بغسل الوجه من الأعلى (الثاني) ـ ان يفعله (عليه‌السلام)


اتفاقا كسائر أفعاله لا بخصوص ما تقدم ، وهذا هو الذي يتجه فيه المناقشة بما ذكره (قدس‌سره) وان كان قد خالف نفسه فيه في غير موضع من شرحه كما أوضحنا ذلك في شرحنا على الكتاب حيث استدل بالتأسي على الوجوب في مواضع عديدة ، إلا أن الحق انه لا دلالة فيه ، وما ذكره شيخنا الشهيد هنا انما هو من قبيل الأول لأن التيمم الذي أمر الله به سبحانه مجمل وبيانهم (عليهم‌السلام) كمية وكيفية موجب لتفسير ذلك الإجمال ورافع لتعدد الاحتمال في ذلك المجال فيجب الأخذ به بغير اشكال.

(الرابع) ـ ذكر جمع من الأصحاب ايضا ان من الواجب هنا طهارة مواضع المسح من النجاسة ، واستدل عليه في الذكرى بان التراب ينجس بملاقاة النجاسة فلا يكون طيبا ، وبمساواته أعضاء الطهارة المائية. واعترضه في المدارك بان الدليل الأول أخص من المدعى ، والثاني قياس محض ، وان مقتضى الأصل عدم الاشتراط والمصرح باعتبار ذلك قليل من الأصحاب. أقول : وهو جيد ، ويؤيده عموم الأدلة أو إطلاقها لعدم التصريح أو الإشارة في شي‌ء منها الى هذا الشرط. ثم ذكر ان الاحتياط يقتضي المصير الى ما ذكروه. وهو كذلك. والله العالم.

(المطلب الرابع) ـ في بيان وقته ، اتفق الأصحاب على انه لا يصح التيمم للفريضة قبل الوقت وانه يصح مع تضيقه ، وانما الخلاف في انه يصح مع السعة أم لا؟ فقيل بالصحة مطلقا وهو مذهب الصدوق وقواه في المنتهى والتحرير ونقله الشهيد عن ظاهر الجعفي واستقربه في البيان ، وقيل انه لا يجوز إلا في آخر الوقت ذهب اليه الشيخ في أكثر كتبه والمرتضى وأبو الصلاح وسلار وابن إدريس وهو ظاهر المفيد ، وهو المشهور كما نقله في المختلف حيث قال : المشهور ان تضيق الوقت شرط في صحة التيمم فلو تيمم في أول الوقت لم يصح تيممه وان كان آيسا من الماء في آخر الوقت. وقيل بالتفصيل بأنه ان علم أو ظن عدم وجود الماء الى آخر الوقت جاز التقديم وإلا فلا ، ونقل عن ابن الجنيد حيث قال على ما نقله عنه في المختلف : طلب الماء قبل التيمم مع الطمع في وجوده والرجاء


للسلامة واجب على كل أحد إلى آخر الوقت مقدار رمية سهم في الحزونة وفي الأرض المستوية رمية سهمين ، فان وقع اليقين بفوته الى آخر الوقت أو غلب الظن كان تيممه وصلاته في أول الوقت أحب الي. والى هذا القول ذهب العلامة في جملة من كتبه واستجوده المحقق في المعتبر ، وعليه تجتمع الأخبار كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

ويدل على القول الأول الأخبار المستفيضة الدالة على ان من تيمم وصلى ثم وجد الماء والوقت باق فإنه لا اعادة عليه ، وكثير منها يدل بإطلاقه ومنها ما يدل بصريحه ، ومن الصريح في ذلك رواية علي بن سالم عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له أتيمم وأصلي ثم أجد الماء وقد بقي علي وقت؟ فقال لا تعد الصلاة فإن رب الماء هو رب الصعيد.». ورواية معاوية بن ميسرة (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل في السفر لا يجد الماء تيمم وصلى ثم اتى الماء وعليه شي‌ء من الوقت أيمضي على صلاته أم يتوضأ ويعيد الصلاة؟ قال : يمضي على صلاته فان رب الماء هو رب التراب». وموثقة علي بن أسباط عن عمه عن الصادق (عليه‌السلام) (3) «في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء وهو في وقت؟ قال قد مضت صلاته وليتطهر». وموثقة أبي بصير (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل ان يخرج الوقت؟ فقال ليس عليه إعادة الصلاة». ورواية يعقوب بن سالم عن الصادق (عليه‌السلام) (5) «في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء وهو في وقت؟ قال قد مضت صلاته وليتطهر». وصحيحة زرارة (6) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت؟ قال تمت صلاته ولا اعادة عليه». وأجاب الشيخ عن صحيحة زرارة وما في معناها بحمل قوله : «وهو في وقت» على انه صلى في وقت لا على اصابة الماء. ولا يخفى ما فيه من البعد الظاهر لكل ناظر ، وموثقة أبي بصير صريحة فيما ادعيناه غير قابلة لتأويله بوجه. وأجيب

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم.


عنها ايضا بالحمل على ما إذا ظن المكلف الضيق وانكشف فساد ظنه. وهو بعيد أيضا غاية البعد. وصحيحة العيص (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يأتي الماء وهو جنب وقد صلى؟ قال يغتسل ولا يعيد الصلاة». وهذه الرواية مما تدل بإطلاقها على ذلك وان لم تكن صريحة كما قبلها ، ونحوها صحيحة محمد بن مسلم (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء؟ فقال لا يعيد ان رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين». وصحيحة عبيد الله بن علي الحلبي (3) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء؟ قال يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة». وحسنة الحلبي (4) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض ويصلى فإذا وجد ماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى». وفي معناها صحيحة عبد الله بن سنان (5).

والتقريب في الروايات المذكورة ان بعضها قد رتب فيه التيمم على عدم وجود الماء فلا يتقيد بغيره إلا بدليل ، وبعضها ظاهر كالصريح في انه لو تيمم في السعة وصلى ثم وجد الماء والوقت باق فلا اعادة عليه ، وتأويل الشيخ قد عرفت ما فيه ، وبعضها دل بإطلاقه على ذلك ايضا.

واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يقطين (6) ـ قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل تيمم وصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال إذا وجد الماء قبل ان يمضي الوقت توضأ وأعاد فان مضى الوقت فلا اعادة عليه». وموثقة منصور بن حازم عن الصادق (عليه‌السلام) (7) «في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء؟ قال اما انا فكنت فاعلا اني كنت أتوضأ وأعيد».

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم.


فقد حملهما الأصحاب على الاستحباب ، والثاني منهما ظاهر في ذلك فان تخصيصه (عليه‌السلام) الإعادة بنفسه مشعر بذلك ولو كان حكما كليا عاما لما حسن هذا التخصيص كما لا يخفى ، وسيأتي ان شاء الله تعالى في المطلب الخامس مزيد بيان في هذه المسألة.

واستدل جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) لهذا القول بالآية وهي قوله عزوجل : «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... الى ان قال فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» (1) فإنه سبحانه أوجب التيمم على المكلف عند ارادة القيام إلى الصلاة إذا لم يجد الماء فلا يتقيد بضيق الوقت وأجاب المرتضى في الانتصار بان الاستدلال بها يتوقف على إثبات أن للمكلف ان يريد الصلاة في أول الوقت ونحن نخالفه فيه ونقول ليس ذلك له. وأجيب عنه بأنه مع تسليم تحريم الإرادة في أول الوقت عند العلم بالحكم فإنه لا يلزم منه عدم وجودها فإذا وجدت وجب المشروط وهو إيجاب التيمم ، وايضا ليس المراد الإرادة المتصلة بفعل الصلاة لشرعية الطهارة في أول الوقت لمن أراد الصلاة في آخره فإذا أراد الصلاة المتأخرة عن زمان الإرادة والحال انه لا مانع من ذلك فقد تحقق الشرط. أقول : والأظهر هو الرجوع الى ما قدمناه من الأخبار فإنها مكشوفة القناع لا يداخلها الجدال والنزاع.

ويدل على القول الثاني جملة من الأخبار : منها ـ صحيحة محمد بن مسلم (2) قال : «سمعته يقول إذا لم تجد ماء وأردت التيمم فأخر التيمم الى آخر الوقت فان فاتك الماء لم تفتك الأرض». وحسنة زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) قال : «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل». وموثقة ابن بكير عن الصادق (عليه‌السلام) (4) في حديث قال فيه : «فإذا تيمم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت فإن

__________________

(1) سورة المائدة. الآية 8.

(2 و 3 و 4) المروية في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم.


فاته الماء فلن تفوته الأرض». ورواية محمد بن حمران (1) وقوله (عليه‌السلام) في آخرها : «واعلم انه ليس ينبغي لأحد ان يتيمم إلا في آخر الوقت». وموثقة ابن بكير المروية في قرب الاسناد (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أجنب فلم يصب الماء أيتيمم ويصلي؟ قال لا حتى آخر الوقت انه ان فاته الماء لم تفته الأرض». وقوله (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي (3) : «وليس للمتيمم ان يتيمم إلا في آخر الوقت أو الى ان يتخوف خروج وقت الصلاة».

ولا يخفى على المتأمل ما في دلالة هذه الاخبار على القول المذكور من الصراحة والظهور ، فإنها قد اشتملت على الأمر بالتأخير في بعض والأمر حقيقة في الوجوب والنهي عن التقديم في بعض وهو حقيقة في التحريم. واما ما ذكره في المدارك ـ من المناقشة في ان لفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة ـ فهو مبني على العرف الجاري بين الناس وإلا فهي في الاخبار قد استفاض ورودها بمعنى التحريم ، وقد عرفت في غير موضع مما قدمنا ان لفظ «ينبغي ولا ينبغي» في الاخبار من جملة الألفاظ المتشابهة لاستعمالها في الاخبار في الوجوب والتحريم تارة ولعله الأكثر كما لا يخفى على المتدبر ، وفي الاستحباب والكراهة أخرى ، فلا يحملان على أحد المعنيين إلا مع القرينة ، والقرينة هنا في حمله على التحريم الروايات المذكورة مع هذا الخبر بالتقريب المتقدم. واما المناقشة في حسنة زرارة ـ بأنها متروكة الظاهر إذ لا يعلم قائلا بوجوب الطلب في مجموع الوقت سوى المحقق في المعتبر ـ فهو مردود (أولا) ـ بأنه لا مانع من العمل بالخبر إذا دل على الحكم وان لم يكن به قائل ومن ثم قد عمل المحقق بذلك كما نقله عنه. و (ثانيا) ـ انه لا يلزم من رد الخبر من هذه الجهة لعدم القائل به رده في الحكم الآخر وهو وجوب التأخير مع وجود القائل به ودلالة النصوص عليه. و (ثالثا) ـ انه قد صرح هو وغيره بحمل الأمر بالطلب في الخبر على الاستحباب حيث

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم.

(3) ص 5.


انه لا قائل بالوجوب وهو كاف في قبول الخبر وعدم رده ، وحينئذ فيجب التأخير إلى آخر الوقت طلب أو لم يطلب وان كان الأفضل له الطلب ، فلا منافاة في الرواية للقول المذكور.

بقي الكلام في ان المفهوم من كلام القائلين بالمضايقة وجوب التأخير وان علم بعدم حصوله الى آخر الوقت والمفهوم من هذه الأخبار لا يساعد عليه بل ربما أشعرت برجاء الحصول كما يشير اليه قوله (عليه‌السلام) في جملة منها : «فان فاته الماء لم يفته الصعيد» ولانه مع العلم بعدم وجود الماء يصير التأخير عبثا محضا ومن الظاهر ان الشارع لا يكلف بذلك.

قال في الروض : «وعلى كل حال فالقول باعتبار التضيق مطلقا أقوى للنص والإجماع والشهرة والاحتياط ، وما ورد من الأخبار التي استدل بها لجواز التقديم لم يدل نصا على جواز التقديم بل على إمكان وقوعه ونحن نقول به ، فان المعتبر في الضيق الظن فلو انكشف خلافه أجزأ للامتثال ولمفهوم الأخبار المذكورة ، وحملها على ما إذا علم أو ظن عدم الماء انما يتم لو دلت على جواز التقديم نصا والتقدير عدمه بخلاف اخبار التضيق ، وقد تقرر في الأصول ان ما دل نصا مرجح على غيره مع التعارض وعلى ما حققناه لا تعارض ، ومنه يظهر ضعف حمل اخبار التضيق على الاستحباب ترجيحا لجانب التوسعة والقول بالتفصيل بالعلم وعدمه متوجه لعدم الفائدة في التأخير على تقديره لكن قوة الدليل النقلي لا تساعد عليه» انتهى.

أقول : فيه (أولا) ـ ان دعوى الإجماع والشهرة والاحتياط مما لا يسمن ولا يغني من جوع ، اما الإجماع فهو وان نقل هنا عن الشيخ والمرتضى إلا ان شيخنا المشار إليه في مسالكه وغيره من محققي الأصحاب المتأخرين قد طعنوا فيه بما لا يسع المقام ذكره كما لا يخفى على من وقف على كتبهم ، بل الشيخ والمرتضى اللذان هما الأصل في الإجماع قد كفيانا مؤنة القدح فيه بمناقضتهما في اجماعاتهما في المسألة الواحدة اما بان


يدعي أحدهما الإجماع ولا قائل به سواه أو يدعيه ويناقض نفسه في موضع آخر بدعوى الإجماع على خلافه في ذلك الحكم كما هو ظاهر للمتتبع البصير ولا ينبئك مثل خبير ، واما الاحتياط فهو عندهم ليس بدليل شرعي ، نعم بقي النص المذكور إلا انك قد عرفت ان الظاهر من تلك النصوص هو الإشعار بأن التأخير انما هو لرجاء حصول الماء وبذلك لا يتم ما ذكروه كليا ولا ينطبق على ما ادعوه جليا ، وبه ترجع هذه النصوص الى القول بالتفصيل كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى ، وبذلك يظهر لك ما في قوله أخيرا : «ان قوة الدليل النقلي لا تساعد عليه» وكيف لا تساعد عليه والظاهر منها انما هو ذلك كما عرفت من قوله (عليه‌السلام) في جملة من تلك الأخبار : «فإن فاته الماء لم تفته الأرض». فإن مرمى هذه العبارة أظهر ظاهر فيما قلناه ، إذ المراد منها كما هو الظاهر من سياقها انه يؤخر التيمم الى آخر الوقت لعله يحصل له الماء فان اتفق عدم حصوله فالأرض قائمة مقامه فدلالتها على الرجاء أظهر ظاهر ، نعم لو اشتملت على مجرد الأمر بالتأخير من غير هذا التعليل تم ما ذكره ، وحينئذ فلو كان الماء مقطوعا بعدمه لم يكن لذكر هذه العبارة معنى بالكلية كما لا يخفى على ذي الذوق الصائب والفهم الثاقب.

و (ثانيا) ـ ان حمله الأخبار الدالة على التوسعة على ظن الضيق ثم انكشاف خلافه بعيد غاية البعد عن سياقها ، إذ لا إشعار في شي‌ء منها بذلك فضلا عن الظاهرية بل ربما أشعر بعضها بخلافه مثل موثقة أبي بصير (1) وقوله فيها : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل ان يخرج الوقت؟.». فان عطف بلوغ الماء المقيد بقبلية خروج الوقت على التيمم والصلاة مشعر بكونه قد تيمم في السعة وظن الضيق لا يجامع هذا العطف ب «ثم» الدال بإطلاقه على تراخي مسافة وزمان بين الأمرين ، فإن ظهور السعة في مقام ظن الضيق انما يكون سعة يسيرة ربما لا تسع الطهارة والصلاة كما لا يخفى على المتأمل ، وبه يظهر ان حمله أخبار السعة على ما ترجع

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم.


به الى اخبار التضيق تعسف محض لا تقبله ظواهر ألفاظها ولا نظام سياقها.

و (ثالثا) ـ ان ما ذكره ـ من منع حمل أخبار السعة على ما إذا علم أو ظن عدم الماء مستندا الى ان ذلك انما يتم لو دلت على جواز التقديم نصا ـ ممنوع فإنها وان لم تدل نصا لكن تدل عليه ظاهرا فإنه هو الظاهر منها وما تكلفه من حملها على ما ذكره بعيد غاية البعد كما ذكرنا ، وحينئذ فلا طريق الى الجمع بينها وبين اخبار التضيق إلا حملها على ذلك وحمل اخبار التضيق على ظن حصول الماء ، وما ادعاه ـ من دلالة أخبار التضيق على ذلك نصا فلا يعارضها دلالة أخبار السعة على ذلك ـ مردود بما عرفت من ان مدعاهم هو وجوب التأخير وان علم عدم الماء الى آخر الوقت والنصوص المذكورة انما تدل على التأخير مع الرجاء كما عرفت ، وحينئذ فلا دلالة لها على ما ادعوه بل ترجع بذلك الى القول بالتفصيل كما سيأتي بيانه ، ومنه يظهر عدم الدليل على القول المشهور كما صرح به السيد السند في المدارك ايضا ، ويجمع بين اخبار الطرفين بما ذكرنا.

واما القول الثالث فلم نقف فيه على خبر صريح يدل عليه إلا ان ظواهر الأخبار المتقدمة في أدلة القول المشهور تساعده ، فان قوله (عليه‌السلام) في حسنة زرارة : «فليطلب ما دام في الوقت». مما يؤذن بإمكان حصول الماء ورجاء الظفر به وإلا لكان عبثا محضا ، وكذلك قوله (عليه‌السلام) في جملة منها «فان فاتك الماء لم تفتك الأرض» مما يؤذن بالشك في الفوات وان اليأس من حصول الماء غير متحقق ، وبه يجمع بين اخبار القولين المتقدمين بحمل الأخبار الدالة على عدم وجوب الإعادة بعد وجود الماء في الوقت على اليأس من حصول الماء في الوقت ثم تيقن حصوله في الوقت فإنه لا اعادة عليه لان تيممه مع السعة وقع صحيحا ، والاخبار الدالة على وجوب التأخير إلى آخر الوقت على رجاء حصوله كما يشير اليه التعليل ب «ان فاتك الماء لم يفتك الصعيد» وبما ذكرنا يظهر ان هذا القول هو الأظهر في المسألة وان كان القول الأول لا يخلو من قوة أيضا. والله العالم.

وتنقيح البحث في هذا المطلب يتوقف على رسم مسائل (الأولى) ـ لو دخل


وقت الصلاة وهو متيمم فهل يجوز له ان يصلي في سعة الوقت بناء على القول بالمضايقة؟ الظاهر نعم وفاقا للشيخ في المبسوط حيث قال : «لو تيمم لنافلة في غير وقت فريضة أو لقضاء فريضة في غير وقت حاضرة جاز ذلك فإذا دخل وقت الفريضة جاز ان يصلي بذلك التيمم» انتهى ، مع ان مذهبه القول بالمضايقة ، وما ذكره (قدس‌سره) قد مال إليه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين لأن الظاهر من الاخبار المتقدمة الدالة على التأخير إلى آخر الوقت اختصاصها بالمحدث فلا تتناول المتيمم في الصورة المفروضة فيجوز له الصلاة في أول الوقت عملا بالعمومات الدالة على الجواز في أول الوقت بل الأفضلية لعدم معلومية المعارض ، ويزيد ذلك تأييدا صحيحة زرارة (1) قال «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ قال : نعم ما لم يحدث أو يصب ماء.». وصحيحته الأخرى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «في رجل تيمم؟ قال يجزيه ذلك الى ان يجد الماء». وقيل بوجوب التأخير لأن المقتضي للتأخير إمكان وجود الماء في الوقت وهو متحقق. ونقله في الروض عن ظاهر العلامة والمحقق. أقول : بل هو صريح كلام العلامة في المختلف وقد أطال الكلام في ذلك إلا ان ظاهره في آخر كلامه الاستشكال في ذلك حيث لم يجد فيها نصا عن الأئمة (عليهم‌السلام) وان قول الجماعة يصلي بالتيمم الواحد صلوات الليل والنهار لا يعطي مطلوب الشيخ وضعفه ظاهر مما قدمناه ، ويزيده تأكيدا صحيحة حماد بن عثمان (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ قال لا هو بمنزلة الماء». ورواية السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (4) قال : «لا بأس ان يصلي الرجل صلاة الليل والنهار بتيمم واحد ما لم يحدث أو يصب الماء». ويؤيده أيضا ما ورد من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (5) لأبي ذر «يكفيك

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم.


الصعيد عشر سنين». وقول الصادق (عليه‌السلام) (1) «هو بمنزلة الماء». و «ان الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (2). واولى بالصحة ما لو تيمم لصلاة فريضة فإنه يجوز له الدخول في الأخرى بذلك التيمم والظاهر انه لا خلاف فيه ، واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي همام عن الرضا (عليه‌السلام) (3) قال : «يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء». وعن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (4) قال : «لا يتمتع بالتيمم إلا صلاة واحدة ونافلتها». فقد حملهما الشيخ في التهذيب بعد الطعن بما لا وجه له على استحباب التجديد أو على ما إذا قدر على الماء بين الصلاتين. والتحقيق ان الخبر الأول لا صراحة فيه في المنافاة بل الظاهر ان مراده انما هو انه يتيمم لكل صلاة دخل وقتها وهو محدث حتى يجد الماء ، وهو نظير قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (5) «يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين». واما الثاني فهو محمول على التقية لموافقته لمذهب العامة (6) وكون الراوي منهم.

(الثانية) ـ ظاهر الأصحاب القائلين بوجوب التأخير إلى آخر الوقت كما هو المشهور القول بذلك أعم من ان يكون السبب في التيمم عدم وجود الماء أو عذر المرض ونحوه ، وهو مشكل لان ظاهر اخبار المضايقة وقوله (عليه‌السلام) في جملة منها كما عرفت «فان فاته الماء فلن تفوته الأرض» (7). هو التخصيص بالأول ، وكذا قوله (عليه‌السلام) (8) في حسنة زرارة «فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم (9) «إذا لم تجد ماء فاخر التيمم الى آخر الوقت». وإطلاق رواية محمد بن حمران (10) وكذا عبارة كتاب

__________________

(1 و 3 و 4 و 5) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم.

(2) رواه في الوسائل في الباب 23 و 24 من أبواب التيمم.

(6) كما في المغني ج 1 ص 263 وص 264.

(7 و 8 و 9 و 10) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم.


الفقه يجب حمله على هذه الروايات المصرحة بذلك ، وبالجملة فإن مورد أخبار المسألة مما دل على السعة أو الضيق انما هو عدم وجود الماء واما عذر المرض ونحوه فلا تعرض له في شي‌ء منها فيبقى عموم اخبار التيمم ـ من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) «يكفيك الصعيد عشر سنين». وقوله (عليه‌السلام) (2) : «ان رب الماء هو رب الصعيد». وقوله (عليه‌السلام) (3) : «هو بمنزلة الماء». وقوله (عليه‌السلام) (4) : «ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». ونحو ذلك ـ سالما من المعارض في الدلالة على جواز التيمم في السعة بعذر المرض ونحوه ، وكذا الأخبار الدالة على أفضلية الوقت وهي كافية في الدلالة على الجواز مع السعة بل أفضليته ، والظاهر انه لا مستند لهم فيما نقلنا عنهم إلا الإجماع ، قال في الروض : «فان قيل ما ذكرتم من النصوص انما دلت على وجوب التأخير لفاقد الماء فلا دلالة لها على وجوب تأخير غيره من ذوي الأعذار فيرجع الى الأدلة الأخرى خصوصا مع عدم رجاء زوال العذر فلم قلتم بوجوب التأخير مطلقا؟ قلنا الإجماع منعقد على عدم التفصيل بالتأخير للفاقد دون المريض خائف الضرر بل اما الجواز مطلقا أو وجوب التأخير مطلقا مع الرجاء أو بدونه فالقول بالتفصيل على هذا الوجه احداث قول مبطل لما حصل لنا الإجماع عليه ، وتحقيق المسألة في الأصول» انتهى. وفيه ما لا يخفى فإنه قد طعن في هذه الإجماعات في شرحه على الشرائع في غير موضع فاستسلاقه هنا والاعتماد عليه مجازفة محضة.

(الثالثة) ـ قد صرح جمع من فضلاء الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من عليه فائتة فالأوقات كلها صالحة لتيممه لعموم قوله (عليه‌السلام) (5) : «ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها». أقول : ويؤيده ايضا ان الظاهر من روايات المضايقة

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) المروي في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم.

(5) المروي في الوسائل في الباب 63 من أوقات الصلوات.


والتأخير إلى آخر الوقت الاختصاص بالتيمم لصاحبة الوقت كقوله (عليه‌السلام) (1) في بعضها : «إذا لم تجد ماء فاخر التيمم الى آخر الوقت فان فاتك الماء لم تفتك الأرض». ونحوها غيرها ، ولا عموم فيها على وجه يتناول محل البحث ، وبالجملة فإن أصل الخلاف في مسألة الوقت ضيقا وسعة فتوى ورواية إنما ينطبق على اليومية المؤداة في الوقت فإنه قد اختلف الأصحاب والأخبار في ان وقت التيمم لها هل هو في أول وقتها أو آخره؟ واما الصلاة المقضية فلا تدخل في هذا المقام بالكلية ، وحينئذ فيجب التيمم لها في أي وقت أراد إيقاعها فيه بالأخبار الدالة على بدلية التراب من الماء وقيامه مقامه عند تعذره أو تعذر استعماله ، ولا سيما على القول بالمضايقة في القضاء كما هو المشهور المنصور فإنه يجب المسارعة إليه متى ذكره وفي أي ساعة ذكره يتيمم له ويأتي به ، ومثل الصلوات المقضية فيما ذكرنا من عدم الدخول تحت هذا المقام لا في اخباره ولا في كلام الأصحاب سائر الصلوات الواجبة كالآيات والعيدين والجمعة والنذر فإنه يتيمم لكل منها في حال إيقاعها ويأتي بها ، والظاهر انه ليس محل خلاف ولا اشكال ، ومتى تيمم لاحداها واتى بها صح دخوله بذلك التيمم في الصلاة اليومية بعد دخول وقتها حسبما تقدم بيانه في المسألة الأولى لعموم الأدلة الدالة على البدلية كما تقدم ، إذ الظاهر منها انه يثبت له أحكام الماء إلا ما خرج بدليل. وظاهر الذكرى التوقف في الدخول بتيمم الصلاة المقضية حيث قال بعد ذكر صحة التيمم للقضاء : فإذا دخل الوقت ربما بني على السعة والضيق في التيمم. والأظهر ما ذكرناه لما عرفت.

(الرابعة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) منهم ـ المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى وغيرهما ممن تأخر عنهما بأنه يجوز التيمم لصلاة النافلة الراتبة بدخول وقتها كصلاة الليل وكذا المبتدأة عند ارادة فعلها ، وتردد في المعتبر في جواز التيمم للنافلة المبتدأة ثم قال : والجواز أشبه لعدم التوقيت والمراد بها تعجيل الأجر في كل وقت وفواته بالتأخير متحقق. قال في الذخيرة بعد نقل ذلك عنه : «وهو حسن لعموم

__________________

(1) المروي في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم.


الأدلة» وظاهرهم الجواز وان كان في الأوقات المكروهة ، وبعضهم فصل بين الأوقات المكروهة وغيرها فقطع بعدم جواز التيمم في أوقات النهي وبه صرح في المعتبر والتذكرة ورده في المدارك بأن الكراهة بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء لا تنافي الانعقاد ثم قال ويصح الدخول به في الفرائض لما قدمناه. أقول : ويمكن تأييد أصل الحكم بان الظاهر من الأخبار المانعة من التيمم إلا في آخر الوقت الاختصاص بالفريضة وعدم الشمول للنافلة ، وإطلاق الأخبار الدالة على استحباب الإتيان بها مع إطلاق أخبار البدلية المتقدمة كاف في صحة التيمم لها لعدم المعارض. الا ان يقال انه متى دلت الاخبار على المنع من الفريضة إلا في آخر الوقت مع ما استفاض من أفضلية أول الوقت على آخره فكيف تشرع النافلة؟ وفيه ان مرجع ما ذكر الى الاستدلال بطريق الأولوية وهي غير معتبرة عندنا في الأحكام الشرعية إلا في نادر الصور كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب وانما العمل عندنا على الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة. والله العالم.

(الخامسة) ـ لو ظن ضيق الوقت لامارة فتيمم وصلى ثم انكشف فساد ظنه فهل تجب الإعادة أم لا؟ قولان والأول منهما ظاهر الشيخ في كتب الاخبار وبالثاني صرح المحقق والشهيد ، قال في المعتبر بعد ان نقل القول الأول عن الشيخ في كتبه الاخبارية : «ويقوى عندي انه لا إعادة لانه تطهر طهارة شرعية وصلى صلاة مأمورا بها فتكوية مجزئة. لا يقال شرط التيمم التضيق ، لأنا نقول لا نسلم بل لم لا يكون شرطه ظن الضيق؟ وظاهر انه كذلك لان الشرع لما لم يجعل على الضيق دلالة دل على احالته على الظن ، ويمكن ان يستدل على ذلك برواية زرارة ومعاوية بن ميسرة ويعقوب بن سالم عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) (1) «في رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل خروج الوقت؟ فقال ليس عليه اعادة ان رب الماء ورب التراب واحد». ولا وجه لها على القول

__________________

(1) الاولى عن الباقر والثانية والثالثة عن الصادق «عليهما‌السلام» وقد رواها في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم.


بالتضيق إلا ما ذكرناه ، وما تأولها به الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب بعيد عن الظاهر» انتهى كلامه. أقول : ظاهر كلامه (قدس‌سره) ان الكلام في هذه المسألة مبني على ان ضيق الوقت المعتبر في صحة التيمم على تقدير القول بالمضايقة هل هو عبارة عن ظنه أو العلم به ، فان جعل عبارة عن العلم به فالمتجه هو ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) من وجوب الإعادة ، لتبين وقوع الصلاة في غير وقتها ولان انكشاف السعة بعد الصلاة دليل عدم حصول العلم بالضيق. والقول هنا بأنه صلى صلاة مأمورا بها فتكون مجزئة مسلم مع استمرار الاشتباه اما مع ظهور الحال وانكشاف وقوعها قبل وقتها فهو ممنوع ، وان جعل عبارة عن ظن الضيق فالمتجه ما ذكره في المعتبر لانه تعبد بظنه ، والقول بأنه صلى صلاة مأمورا بها متجه لانه مكلف بالبناء على ظنه وقد فعل فيقتضي الاجزاء. والمسألة محل توقف لعدم النص الواضح في ذلك. واما ما استدل به في المعتبر من الروايات الثلاث التي عدها رواية واحدة فالظاهر انها ليست من محل البحث في شي‌ء ، فان هذه الروايات وأمثالها إنما وردت في التيمم في سعة الوقت ثم يجد الماء بعد ذلك وهي من أدلة جواز التيمم في السعة كما قدمنا ذكره ، وحملها على التيمم في ضيق الوقت كما ذكره تعسف محض كما لا يخفى على من تأمل مضامينها. وما أطال به في الذخيرة فالظاهر انه لا طائل تحته.

(السادسة) ـ قال في الذكرى : «يتيمم للآية كالكسوف بحصولها ، وللجنازة بحضورها لانه وقت الخطاب بالصلاة ، ويمكن دخول وقتها بتغسيله لإباحتها حينئذ وان لم يهيأ للصلاة بل يمكن دخول وقتها بموته لانه الموجب للصلاة وغيرها من أحكام الميت ، وللاستسقاء باجتماع الناس في المصلى ولا يتوقف على اصطفافهم ، والأقرب جوازه بإرادة الخروج الى الصحراء لانه كالشروع في المقدمات بل يمكن بطلوع الشمس في اليوم الثالث لان السبب الاستسقاء وهذا وقت الخروج فيه ، اما النوافل الرواتب فلاوقاتها وغير الرواتب فلارادة فعلها فلو تيمم قبل هذه الأسباب لم يعتد به لعدم الحاجة إليه» انتهى. وفي أكثره توقف والأقرب اما بالنسبة إلى صلاة الآيات فهو ما ذكره ،


واما بالنسبة إلى صلاة الجنازة فحصورها كما هو المستفاد من اخبار التيمم لها وان كان مع وجود الماء ، واما بالنسبة إلى صلاة الاستسقاء فعند ارادة فعلها ، واما النوافل راتبة أو مبتدأة فقد تقدم الكلام فيه.

(السابعة) ـ لو تيمم لمس المصحف أو قراءة القرآن أو نحوهما فالظاهر استباحة ما يتوقف على الطهارة صحة أو كمالا حتى الدخول في الصلاة ، قال في المنتهى : «لو نوى استباحة دخول المساجد وكان جنبا أو قراءة العزائم أو مس الكتاب أو الطواف فالأقرب انه يصح له الدخول في الصلاة لأنه نوى الطهارة لتوقف هذه الأفعال عليها فيجب حصولها فساغت له الصلاة ، وكذا لو نوى نفل الطواف استباح فرضه وبالعكس» أقول : وقد تقدم في المقام العاشر من مقامات البحث في نية الوضوء ما فيه مزيد بيان لهذا المقام. والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *