ج15 - كيفية وأحكام الإحرام
المقصد الثاني
وهي تشتمل على واجب ومندوب ، فالكلام هنا يقع في مقامين
:
الأول في الواجب ، وهو ـ كما ذكره الأصحاب (رضوان الله
عليهم) ـ ثلاثة :
الأول ـ النية بأن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة : ما يحرم
به من حج أو عمرة متقربا ، ونوعه من تمتع أو قران أو افراد ، وصفته من وجوب أو ندب
، وما يحرم له من حجة الإسلام أو غيرها. كذا ذكروه (عطر الله مراقدهم).
والعلامة في المنتهى ـ بعد ان اعتبر في نية الإحرام
القصد الى هذه الأمور الأربعة ـ قال : ولو نوى الإحرام مطلقا ولم ينو حجا ولا عمرة
انعقد إحرامه ، وكان له صرفه إلى أيهما شاء. ولا يخفى ما بين الكلامين من
المدافعة.
ثم استدل على صحة نية الإحرام مطلقا بأنه عبادة منوية. وبحديث
أمير المؤمنين (عليهالسلام) (1) وقوله : «إهلالا
كإهلال النبي صلىاللهعليهوآله». وتقريره (صلىاللهعليهوآله) على ذلك وقوله
: «كن على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي».
أقول : والأمر في النية عندنا هين ، وقد تقدم الكلام
فيها في كتاب الطهارة مستوفى ، وفي أثناء مباحث الكتاب. واما حديث إهلال أمير
المؤمنين (عليهالسلام) فسيأتي
الكلام فيه في المقام ان شاء الله تعالى.
والأظهر عندي في هذا المقام هو الوقوف على ما رسمته
النصوص الواردة عنهم (عليهمالسلام) :
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
ومن أوضحها وأكملها ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله
تعالى مراقدهم) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) انه قال : «لا
يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة ، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد
التسليم ، وان كانت نافلة صليت ركعتين وأحرمت في دبرها ، فإذا انفتلت من صلاتك
فاحمد الله وأثن عليه ، وصل على النبي (صلىاللهعليهوآله) وقل : اللهم
إني أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع أمرك ، فإني عبدك وفي قبضتك ،
لا أوقى إلا ما وقيت ، ولا آخذ إلا ما أعطيت ، وقد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي
عليه على كتابك وسنة نبيك (صلىاللهعليهوآله) وتقويني على
ما ضعفت عنه ، وتسلم مني مناسكي في يسر منك وعافية ، واجعلني من وفدك الذين رضيت
وارتضيت وسميت وكتبت ، اللهم انى خرجت من شقة بعيدة ، وأنفقت مالي ابتغاء مرضاتك ،
اللهم فتمم لي حجتي وعمرتي ، اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك
وسنة نبيك (صلىاللهعليهوآله) فان عرض لي
عارض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ، اللهم ان لم تكن حجة فعمرة ،
أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء والثياب والطيب ،
ابتغي بذلك وجهك والدار الآخرة. قال : ويجزئك ان تقول هذا مرة واحدة حين تحرم. ثم
قم فامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب».
وروى الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه
__________________
(1) الفروع ج 4 ص 331 ، والتهذيب ج 5 ص 77 ، والفقيه ج 2 ص 206
، والوسائل الباب 16 من الإحرام.
السلام) (1) قال : «قلت له
: اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج فكيف أقول؟ قال : تقول : اللهم اني أريد أن
أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلىاللهعليهوآله). وان شئت
أضمرت الذي تريد». وبمضمونها رواية أبي الصباح مولى بسام الصيرفي (2).
وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم اني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج
، فيسر ذلك لي وتقبله مني واعني عليه ، وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ،
أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب. وان شئت فلب حين تنهض ، وان شئت
فأخره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة فافعل».
وفي كتاب الفقه الرضوي (4) قال بعد ذكر
العبارة المتقدمة نقلها عنه : فإذا فرغت فارفع يديك ومجد الله كثيرا ، وصل على
محمد (صلىاللهعليهوآله) كثيرا ، وقل
: اللهم اني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلىاللهعليهوآله) فان عرض لي
عرض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ، اللهم ان لم تكن حجة فعمرة. ثم
تلبي سرا بالتلبية الأربعة وهي المفترضات ، تقول لبيك. الى آخره.
أقول : وغاية ما يستفاد من هذه الاخبار هو ان المكلف
ينبغي ان
__________________
(1) الوسائل الباب 17 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 17 من الإحرام. والراوي في التهذيب ج 5 ص 78
وغيره كما أوردناه هنا. نعم في الوسائل ورد بلفظ «ابي الصلاح».
(3) الوسائل الباب 16 من الإحرام.
(4) ص 27.
يقول هذا القول وقت الإحرام والدعاء
والاشتراط على ربه في حله حيث حبسه. ومن الظاهر البين ان النية حقيقة أمر وراء ذلك
، وهي القصد الى الفعل بعد تصور الداعي الباعث له على حركته من وطنه وتوجهه الى هذا
الوجه وخروجه ، وان عبر عن ذلك بالنية مجازا فلا مشاحة في ذلك.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان في المقام فوائد الأولى : قال
الشيخ في المبسوط ـ على ما نقله في المختلف ـ : لو أحرم مبهما ولم ينو لا حجا ولا
عمرة كان مخيرا بين الحج والعمرة أيهما شاء فعل إذا كان في أشهر الحج ، وان كان في
غيرها لم ينعقد إحرامه إلا بالعمرة. وبذلك صرح العلامة في المنتهى مستندا الى حديث
علي (عليهالسلام) (1) وإحرامه لما
رجع من اليمن ، وقال : «إهلالا كإهلال النبي صلىاللهعليهوآله». مع انه رده
في المختلف ـ بعد نقله عن الشيخ ـ بان الواجب عليه أحد النسكين ، وإنما يتميز
أحدهما عن الآخر بالنية. وهو جيد. ويؤيده ما قدمناه في بحث النية من كتاب الطهارة
، من ان مدار الأفعال ـ وجودا وعدما ، واتحادا وتعددا ، وصحة وبطلانا وجزأيها
ثوابا وعقابا ـ على القصود والنيات ، كما دلت عليه الاخبار المذكورة في ذلك المقام.
ثم انه في المختلف أجاب عن حديث علي (عليهالسلام) بالمنع من
انه لم يعلم إهلال النبي (صلىاللهعليهوآله). ولا يخلو من
بعد. وسيأتي تحقيق القول فيه ان شاء الله تعالى.
الثانية ـ قال المحقق في الشرائع : لو أحرم بالحج
والعمرة وكان
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج
والعمرة إذا لم يتعين عليه أحدها ، وان كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة. ولو قيل
بالبطلان في الأول ولزوم تجديد النية كان أشبه.
قال في المسالك بعد نقل العبارة المذكورة : أراد بالأول
الإحرام بهما في أشهر الحج. والقائل بالصحة فيه ابن ابي عقيل وجماعة ، وله شواهد
من الاخبار. والأصح البطلان.
أقول : لا ريب ان ابن ابي عقيل وان قال بالإحرام بالحج
والعمرة في نية واحدة بشرط سياق الهدي كما تقدم ذكره ، لكنه لا يقول بالتخيير بين
الحج والعمرة ، بل هو قائل بوجوب الإتيان بهما : العمرة أولا ثم الحج ، وانه لا
يحل من العمرة بعد الإتيان بأفعالها كما في المتمتع الغير القارن ، وإنما يحل بعد
الإتيان بأفعال الحج كملا ، كما تقدم تحقيق الكلام في ذلك في البحث الثاني من
المطلب الثاني من المقدمة الرابعة (1).
وفي المدارك نقل القول بالتخيير في هذه الصورة عن الشيخ
في الخلاف والظاهر انه الأظهر ، لأنه موافق لما قدمنا نقله عن المبسوط ، وان كان
قد فرض المسألة ثمة في ما لو لم ينو حجا ولا عمرة ، وهنا في ما لو نواهما معا. ثم
رده في المدارك بأنه ضعيف جدا ، قال : لأن المنوي ـ أعني : وقوع الإحرام الواحد
للحج والعمرة معا ـ لم يثبت جوازه شرعا ، فيكون التعبد به باطلا ، وغيره لم تتعلق
به النية. مع ان العلامة في المنتهى نقل عن الشيخ في الخلاف انه قال : لا يجوز
القران بين حج وعمرة بإحرام واحد. وادعى على ذلك الإجماع. انتهى. وهو جيد.
أقول : ومع تسليم صحة وقوع الإحرام للحج والعمرة ـ بناء
على
__________________
(1) ج 14 ص 372.
مذهب ابن ابي عقيل ومن قال بقوله ـ فالقول
بالتخيير يحتاج الى دليل فان مقتضى قول أولئك إنما هو وجوب الإتيان بهما معا ،
وانه لا يحل من إحرامه حتى يأتي بالعمرة ثم الحج ، فالقول بالتخيير في الصورة
المذكورة لا وجه له.
ثم ظاهر عبارة المحقق المذكورة : انه لو أحرم بهما في
غير أشهر الحج تعين للعمرة ، حيث لم يتعرض لرده. وهو ظاهر الشيخ في المبسوط
والعلامة في المنتهى في المسألة الاولى. وهو ايضا غير جيد ، كما ذكره في المدارك
وقبله جده (قدس الله روحيهما) في المسالك ، لان العبادات توقيفية ، ولم يثبت عن
الشارع مثل ذلك. ومجرد كون الزمان لا يقبل غير العمرة المفردة ـ كما احتجوا به ـ لا
يصلح دليلا شرعيا.
الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو
قال : «كإحرام فلان» وكان عالما بما أحرم صح ، لحصول النية المعتبرة. واما لو كان
جاهلا ، فان حصل العلم قبل الطواف قيل : الأصح صحته ، فإن أمير المؤمنين (عليهالسلام) لما قدم من
اليمن أحرم كذلك ولم يكن عالما بما أحرم به النبي (صلىاللهعليهوآله) وانكشف الحال
له قبل الطواف. وان استمر الاشتباه لموت أو غيبة قال الشيخ : يتمتع احتياطا للحج
والعمرة ، لأنه ان كان متمتعا فقد وافق وان كان غيره فالعدول عنه جائز. ورد بان
العدول انما يسوغ في حج الإفراد خاصة إذا لم يكن متعينا عليه. ونقل في المسالك
قولا بالبطلان في الصورة المذكورة ، قال : وهو أحوط. قال في التذكرة : ولو بان ان
فلانا لم يحرم انعقد مطلقا وكان له صرفه الى اي نسك شاء. وكذا لو لم يعلم هل أحرم
فلان أم لا؟ لأصالة عدم إحرامه. قال في المدارك : وهو حسن.
أقول : وعندي في أصل المسألة إشكال ،
فإن المستند في ذلك انما هو قول أمير المؤمنين (عليهالسلام) لما قدم من
اليمن : «إهلالا كإهلال النبي صلىاللهعليهوآله» (1). والذي يظهر
لي من الخبر المذكور اختصاص ذلك به (عليهالسلام) حيث ان
الصدوق في الفقيه (2) ذكر حكاية حج
النبي (صلىاللهعليهوآله) ـ وان لم
يسنده ـ بهذه الصورة : قال : «ونزلت المتعة على النبي (صلىاللهعليهوآله) عند المروة
بعد فراغه من السعي ، فقال : ايها الناس هذا جبرئيل (عليهالسلام) ـ وأشار بيده
الى خلفه. وساق الكلام الى ان قال : وكان النبي (صلىاللهعليهوآله) ساق معه مائة
بدنة ، فجعل لعلي (عليهالسلام) منها أربعا
وثلاثين ولنفسه ستا وستين ، ونحوها كلها بيده. الى ان قال : وكان علي (عليهالسلام) يفتخر على
الصحابة ويقول : من فيكم مثلي وانا شريك رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في هديه ، من
فيكم مثلي وانا الذي ذبح رسول الله (صلىاللهعليهوآله) هديي بيده». ولا
ريب ان الصدوق وان لم يسنده هنا إلا انه لم يذكره إلا بعد ورود الخبر به عنده. وهو
ظاهر في ما ذكرناه ، فان افتخار علي (عليهالسلام) على الصحابة
ـ بكونه شريك رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في هديه ـ أظهر
ظاهر في ما ذكرناه ، ولو كان هذا الحكم عاما في جميع الناس ـ كما يدعونه ـ لم يكن
لافتخاره (عليهالسلام) بذلك وجه. ونحن
قد قدمنا الخبر برواية الشيخ والكليني في صدر المقدمة الرابعة (3)
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(2) ج 2 ص 153 ، والوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(3) ج 14 ص 315.
على غير هذا النحو ، إلا انه لا يخلو
من الاشكال كما نبهنا عليه ثمة. وحينئذ فإن وقفوا على مضمون الخبر ـ من انه متى
أهل كإهلال فلان ، فبان ان فلانا ساق الهدي ، فإنه يكون شريكا في هديه ، كما تضمنه
حديث علي (عليهالسلام) ـ ففيه ان
افتخاره (عليهالسلام) بذلك ينافي
القول بالعموم كما ادعوه ، وان خرجوا عنه في ذلك لم يتم لهم الاستدلال به.
وبذلك يظهر لك ما في الفروع التي فرعوها في المسألة من
الاختلال. بل مع صحة الاستدلال بالخبر ـ كما ادعوه ـ لا تخلو ايضا من الاشكال ولا
سيما ما استحسنه في المدارك من كلام التذكرة ، فإني لا اعرف له وجه حسن مع بناء
العبادات على التوقيف. وما رد به كلام الخلاف في سابق هذه المسألة ـ كما قدمنا
نقله عنه ـ جار هنا أيضا.
الرابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو
نوى الإحرام بنسك ولبى بغيره انعقد ما نواه دون ما تلفظ به ، لان المدار على النية
، واللفظ لا اعتبار به. وهو كذلك.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن احمد بن محمد بن
ابي نصر (1) قال : «قلت
لأبي الحسن علي بن موسى (عليهالسلام): كيف أصنع
إذا أردت أن أتمتع؟ فقال : لب بالحج وانو المتعة ، فإذا دخلت مكة ، طفت بالبيت ،
وصليت الركعتين خلف المقام ، وسعيت بين الصفا والمروة ، وقصرت ، فنسختها وجعلتها
متعة».
وقد تقدمت صحيحة زرارة المنقولة عن كتاب الكشي في
التنبيه
__________________
(1) الوسائل الباب 22 من الإحرام.
الخامس من البحث الرابع من المطلب
الثاني في حج الافراد والقران (1) دالة على ما دلت عليه الصحيحة
المذكورة.
واما ما ذكره في المدارك في معنى صحيحة أحمد بن محمد بن
ابي نصر ـ حيث نقلها الى قوله : «وانو المتعة». كما هو أحد روايتي الشيخ لها ،
فإنه رواها تارة كما ذكره في المدارك (2) واخرى كما نقلناه (3) ـ من ان
المراد انه يهل بحج التمتع وينوي الإتيان بعمرة التمتع قبله ـ فهو ناشىء عن
الغفلة عن ملاحظة الرواية الأخرى ، فإنها صريحة في فسخ ما اتى به أولا من حج
الافراد والعدول عنه ، وانه ينوي بما اتى به عمرة التمتع.
ونحوها صحيحة زرارة المشار إليها (4) حيث قال فيها
: «وعليك بالحج ان تهل بالإفراد وتنوي الفسخ ، إذا قدمت مكة وطفت وسعيت فسخت ما
أهللت به وقلبت الحج عمرة ، وأحللت إلى يوم التروية. الحديث».
والاخبار في هذا المقام مختلفة ، فبعضها يدل على ما دل
عليه هذان الخبران من التلبية بحج الافراد وإضمار التمتع ، وبعضها يدل على التلبية
بالعمرة المتمتع بها الى الحج. والوجه في تلك الأخبار التقية.
__________________
(1) ج 14 ص 401.
(2) التهذيب ج 5 ص 80 ، والوسائل الباب 22 من الإحرام. واللفظ
في التهذيب هكذا : «ينوي المتعة ويحرم بالحج» وفي الوسائل كما في الاستبصار ج 2 ص
168 : «ينوي العمرة ويحرم بالحج». والذي أورده في المدارك هو اللفظ الوارد في
الرواية المتقدمة سؤالا وجوابا.
(3) التهذيب ج 5 ص 86.
(4) الوسائل الباب 14 من أعداد الفرائض من كتاب الصلاة ،
والباب 5 من أقسام الحج.
ولا بأس بإيراد جملة من الاخبار المذكورة ، فمنها ـ ما
رواه في الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار (1) قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليهالسلام): ان أصحابنا
يختلفون في وجهين من الحج ، يقول بعضهم : أحرم بالحج مفردا ، فإذا طفت بالبيت
وسعيت بين الصفا والمروة فأحل واجعلها عمرة. وبعضهم يقول : أحرم وانو المتعة
بالعمرة إلى الحج. أي هذين أحب إليك؟ قال : انو المتعة».
وما رواه في الصحيح عن الحضرمي والشحام ومنصور بن حازم (2) قالوا : «أمرنا
أبو عبد الله (عليهالسلام) ان نلبي ولا
نسمي شيئا. وقال : أصحاب الإضمار أحب الي». ونحوها موثقة إسحاق بن عمار (3) وصحيحة أبان
بن تغلب (4).
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حمران بن أعين (5) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن التلبية.
فقال لي : لب بالحج فإذا دخلت مكة طفت بالبيت وصليت وأحللت». وبمضمونها صحيحة
زرارة (6).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الملك بن أعين (7) قال : «حج
جماعة من أصحابنا فلما وافوا المدينة دخلوا على ابي جعفر (عليهالسلام) فقالوا : ان
زرارة أمرنا أن نهل بالحج إذا أحرمنا. فقال لهم :
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من أقسام الحج ، والباب 21 من الإحرام.
(2 و 3) الوسائل الباب 17 من الإحرام.
(4) الوسائل الباب 21 من أقسام الحج ، والباب 21 من الإحرام.
(5 و 6) الوسائل الباب 22 من الإحرام.
(7) الوسائل الباب 3 من أقسام الحج.
تمتعوا. فلما خرجوا من عنده دخلت عليه
، فقلت له : جعلت فداك والله لئن لم تخبرهم بما أخبرت به زرارة ليأتين الكوفة
وليصبحن بها كذابا. قال : ردهم علي. قال : فدخلوا عليه ، فقال : صدق زرارة ثم قال
: اما والله لا يسمع هذا بعد اليوم أحد مني». أقول : الظاهر ان مراده (عليهالسلام) يعني : لا
يسمع الأمر بالتمتع.
وروى في التهذيب في الصحيح عن إسماعيل الجعفي (1) قال : «خرجت
انا وميسر وأناس من أصحابنا ، فقال لنا زرارة : لبوا بالحج. فدخلنا على ابي جعفر (عليهالسلام) فقلنا له :
أصلحك الله انا نريد الحج ونحن قوم صرورة أو كلنا صرورة ، فكيف نصنع؟ فقال : لبوا
بالعمرة. فلما خرجنا قدم عبد الملك بن أعين ، فقلت له : ألا تعجب من زرارة؟ قال
لنا : لبوا بالحج. وان أبا جعفر (عليهالسلام) قال لنا :
لبوا بالعمرة. فدخل عليه عبد الملك بن أعين ، فقال له : ان أناسا من مواليك أمرهم
زرارة ان يلبوا بالحج عنك ، وانهم دخلوا عليك فأمرتهم أن يلبوا بالعمرة. فقال أبو
جعفر (عليهالسلام) : يريد كل
انسان منهم ان يسمع على حده أعدهم علي. فدخلنا ، فقال : لبوا بالحج ، فان رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) لبى بالحج».
أقول : لا يخفى ان الأمر من زرارة لهم بالإهلال بالحج
انما كان تقية ، كما هو صريح حديث الكشي المتقدم ، ومراده الإعلان بذلك ظاهرا بين
الناس مع إضمار التمتع في أنفسهم ، فلا ينافي أمره (عليهالسلام) لهم بالعمرة
، ولكنهم لما لم يفهموا ذلك ، وانه يؤدي الى الطعن في زرارة الذي هو من أخص خواصه (عليهالسلام) أفتاهم
__________________
(1) الوسائل الباب 21 من الإحرام.
بالتقية وقررهم على الحج بما يحج به
العلامة. وغاضة ذلك منهم فقال : «يريد كل انسان منهم ان يسمع على حده».
الخامسة ـ قالوا : إذا نسي بماذا أحرم ، فإن كان أحد
النسكين متعينا عليه انصرف ذلك الإحرام إليه. قال في المدارك : وبه قطع العلامة
ومن تأخر عنه ، لان الظاهر من حال المكلف انه إنما يأتي بما هو فرضه. قال : وهو
حسن ، خصوصا مع العزم المتقدم على الإتيان بذلك الواجب. وان لم يكن أحد النسكين
متعينا عليه ، فقيل بالتخيير بين الحج والعمرة. وهو اختيار الشيخ في المبسوط وجمع
من الأصحاب ، لأنه لا سبيل الى الحكم بالخروج من الإحرام بعد الحكم بانعقاده ، ولا
ترجيح لأحدهما على الآخر. وقال في الخلاف يجعله للعمرة ، لأنه ان كان متمتعا فقد
وافق ، وان كان غيره فالعدول منه الى غيره جائز. قال : وإذا أحرم للعمرة لا يمكنه
ان يجعلها حجة مع القدرة على الإتيان بأفعال العمرة ، فلهذا قلنا يجعله عمرة على
كل حال. واستحسنه العلامة في المنتهى. قال في المدارك بعد نقل ذلك : ولعل التخيير
أجود.
أقول : وعندي في جميع شقوق هذه المسألة إشكال ، لعدم
الدليل الواضح في هذا المجال. وبناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات لا
يخلو من المجازفة في أحكام الملك المتعال ، سيما مع تكاثر الاخبار بالسكوت عن ما
لم يرد فيه نص ، وإرجاع الأمر إليهم (صلوات الله عليهم) والوقوف على جادة الاحتياط
في كل ما اشتبه حكمه ، كما استفاضت به اخبار التثليث (1).
__________________
(1) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يقضي به.
الثاني ـ التلبيات الأربع ، فلا ينعقد الإحرام لمتمتع
ولا لمفرد إلا بها. وهو من ما وقع الإجماع عليه نصا وفتوى.
وتحقيق الكلام في هذا المقام يتوقف على رسم مسائل :
الأولى ـ اختلف الأصحاب في اشتراط مقارنة التلبية للنية
، فقال ابن إدريس باشتراط مقارنتها لها كمقارنة التحريمة لنية الصلاة. واليه ذهب
الشهيد في اللمعة. ونقل في المسالك عن الشيخ علي انه تبعهما على ذلك. وقال في
الدروس : الثالث ـ مقارنة النية للتلبيات ، فلو تقدمن عليها أو تأخرن لم ينعقد.
ويظهر من الرواية والفتوى جواز تأخير التلبية عنها.
وقال العلامة في المنتهى : ويستحب لمن حج على طريق
المدينة ان يرفع صوته بالتلبية إذا علت راحلته البيداء ان كان راكبا ، وان كان
ماشيا فحيث يحرم. وان كان على غير طريق المدينة لبى من موضعه ان شاء ، وان مشى
خطوات ثم لبى كان أفضل. ثم ساق جملة من الروايات الدالة على تأخير التلبية إلى
البيداء في الإحرام من مسجد الشجرة ، وقال بعدها : إذا ثبت هذا فان المراد بذلك ان
الإجهار بالتلبية مستحب من البيداء ، وبينها وبين ذي الحليفة ميل ، وهذا يكون بعد
التلبية سرا في الميقات الذي هو ذو الحليفة ، لأن الإحرام لا ينعقد إلا بالتلبية.
ولا يجاوز الميقات إلا محرما.
أقول : ظاهره حمل الروايات الدالة على تأخير التلبية إلى
البيداء على تأخير الجهر بها ، فيجب عليه الإتيان بها سرا في الميقات بعد عقد نية
الإحرام. وهو ظاهر الصدوق في الفقيه (1) حيث أوجب التلبية
__________________
(1) ج 2 ص 313 و 314.
سرا في الميقات ثم الإعلان بها إذا
استوت به الأرض ان كان في غير طريق المدينة ، وإلا فإذا بلغ البيداء عند الميل ان
كان في طريق المدينة.
ويحكى عن بعض الأصحاب انه جعل التلبية مقارنة لشد
الإزار.
وكلام أكثر الأصحاب خال عن اشتراط المقارنة. بل يحكى عن
كثير منهم التصريح بعدم الاشتراط.
أقول : والمستفاد من الاخبار على وجه لا يقبل المدافعة
والإنكار هو جواز التأخير ، ومنها صحيحة معاوية بن عمار ، وقد تقدمت في صدر المقام
الأول من هذا المقصد (1).
وصحيحة عبد الله بن سنان (2) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : ان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم يكن يلبي
حتى يأتي البيداء».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (3) قال : «لا بأس
ان يصلي الرجل في مسجد الشجرة ويقول الذي يريد ان يقوله ولا يلبي ، ثم يخرج فيصيب
من الصيد وغيره ، فليس عليه فيه شيء».
وما رواه الصدوق عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وعبد
الرحمن بن الحجاج والحلبي جميعا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
صليت في مسجد الشجرة فقل ـ وأنت قاعد في دبر الصلاة
__________________
(1) ص 29.
(2) الوسائل الباب 34 من الإحرام.
(3) الوسائل الباب 14 من الإحرام.
(4) الوسائل الباب 35 و 46 من الإحرام. وظاهر الفقيه ج 2 ـ
قبل ان تقوم ـ ما يقول المحرم ، ثم قم
فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء ، فإذا استوت بك البيداء فلب. وان أهللت من
المسجد الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام ، وأفضل ذلك ان تمضي حتى تأتي الرقطاء
وتلبي قبل ان تصير الى الأبطح».
وعن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) «انه صلى
ركعتين وعقد في مسجد الشجرة ثم خرج ، فاتي بخبيص فيه زعفران فأكل ـ قبل ان يلبي ـ منه».
وعن هشام بن الحكم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «ان
أحرمت من غمرة أو بريد البعث صليت وقلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك ، وان شئت
لبيت من موضعك ، والفضل ان تمشي قليلا ثم تلبي».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) : «في الرجل
يقع على اهله بعد ما يعقد الإحرام ولم يلب؟ قال : ليس عليه شيء».
وعن منصور بن حازم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش».
__________________
ص 207 ان الحديث ينتهي بقوله (ع) : «فلب» وان ما بعده من كلام
الصدوق. ويظهر ذلك ايضا من الوافي باب (وقت التلبية وكيفيتها).
(1) الوسائل الباب 14 من الإحرام.
(2) الفقيه ج 2 ص 208 ، والوسائل الباب 35 من الإحرام.
(3) الوسائل الباب 14 من الإحرام.
(4) الوسائل الباب 34 من الإحرام.
وعن عبد الله بن سنان (1) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : ان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم يكن يلبي
حتى يأتي البيداء».
وما رواه الصدوق عن حفص بن البختري في الصحيح عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (2) «في من عقد
الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على اهله قبل ان يلبى؟ قال : ليس عليه شيء».
وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «صل
المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة ، واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى
أول ميل عن يسارك ، فإذا استوت بك الأرض ـ راكبا كنت أو ماشيا ـ فلب. الحديث».
وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي الحسن (عليهالسلام) (4) قال : «قلت له
: إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أيلبى حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة؟
قال : اي ذلك شاء صنع».
قال الكليني (قدسسره) (5) : وهذا عندي
من الأمر المتوسع ، إلا ان الفضل فيه ان يظهر التلبية حيث أظهر النبي (صلىاللهعليهوآله) على طرف
البيداء. ولا يجوز لأحد ان يجوز ميل البيداء إلا وقد أظهر التلبية. وأول البيداء
أول ميل يلقاك عن يسار الطريق. انتهى.
__________________
(1) الوسائل الباب 34 من الإحرام. وقد تقدمت في الصفحة 41 برقم
(2).
(2) الوسائل الباب 14 من الإحرام.
(3) الوسائل الباب 34 من الإحرام.
(4) الوسائل الباب 35 من الإحرام.
(5) فروع الكافي ج 4 ص 234.
وروى الشيخ عن زرارة في القوى (1) قال : «قلت
لأبي جعفر (عليهالسلام) : متى ألبي
بالحج؟ قال : إذا خرجت إلى منى. ثم قال : إذا جعلت شعب الدب على يمينك والعقبة على
يسارك فلب للحج».
ويدل عليه أيضا جملة من الاخبار (2) زيادة على ما
ذكرناه.
وهذه الاخبار كلها مع صحتها واستفاضتها صريحة في جواز
التأخير وبذلك يظهر ضعف القول بوجوب المقارنة. على ان ما حملوه عليه ـ من وجوب
المقارنة في نية الصلاة ـ لا دليل عليه ، كما تقدم تحقيقه في محله.
بقي الكلام هنا في شيئين أحدهما ـ ظاهر الروايات
المتقدمة الدالة على الإحرام من مسجد الشجرة وجوب تأخير التلبية عن موضع عقد
الإحرام في المسجد ، لقوله (عليهالسلام) في صحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة (3) في صدر البحث
: «ثم قم فامش هنيئة فإذا استوت بك الأرض ـ ماشيا كنت أو راكبا ـ فلب». وقوله (عليهالسلام) في صحيحته
الثانية أو حسنته المذكورة هنا : «واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء». وقوله
(عليهالسلام) في رواية
الصدوق عن الفضلاء الأربعة المتقدمين : «ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك
البيداء ، فإذا استوت بك البيداء فلب». وقوله (عليهالسلام) في رواية
منصور بن حازم : «إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء». ويعضد ذلك ظاهر صحيحة
عبد الله بن سنان المتقدمة وقوله (عليهالسلام)
__________________
(1) الوسائل الباب 46 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 14 و 34 و 35 من الإحرام.
(3) ص 29.
فيها : «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم يكن يلبي
حتى يأتي البيداء».
إلا انه قد روى ثقة الإسلام في القوي عن عبد الله بن
سنان (1) «انه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام) هل يجوز
للمتمتع بالعمرة إلى الحج ان يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال : نعم ، انما لبى
النبي (صلىاللهعليهوآله) على البيداء
لان الناس لم يعرفوا التلبية فأحب أن يعلمهم كيف التلبية».
وظاهر كلام ثقة الإسلام المتقدم حمل الروايات الدالة على
التأخير على الأفضلية.
والشيخ فرق بين الراكب والماشي ، فجمع بين الاخبار بحمل
رواية عبد الله بن سنان المذكورة على الماشي وحمل الروايات المتقدمة على الراكب
قال بعد ذكرها : والوجه في هذه الرواية ان من كان ماشيا يستحب له ان يلبى من
المسجد ، وان كان راكبا فلا يلبي إلا من البيداء.
واستدل على ذلك بصحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إن كنت
ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وان كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك
البيداء».
ورد بان حمل الروايات المتضمنة للأمر بتأخير التلبية إلى
البيداء من غير تفصيل على الراكب بعيد جدا.
أقول : ويعضده الأمر بالتلبية للماشي والراكب ـ بعد
الخروج عن موضع عقد الإحرام وان تستوي به الأرض ـ في صحيحة معاوية بن
__________________
(1) الوسائل الباب 35 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 34 من الإحرام.
عمار ، وقوله (عليهالسلام) في رواية
الصدوق عن الفضلاء الأربعة (1) «ثم قم فامش
حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء. فلب».
قال في الوافي! ويشبه ان يكون الفرق صدر عن تقية. وظاهره
حمل صحيحة عمر بن يزيد على التقية (2) وهو غير بعيد.
وبالجملة فالاحتياط في الوقوف على الروايات المتقدمة
الدالة على التأخير إلى البيداء راكبا كان أو ماشيا. بل لا يبعد المصير اليه لولا
ذهاب جملة من فضلاء قدماء الأصحاب إلى التخيير ، كما سمعت من كلام ثقة الإسلام (قدس
الله روحه).
فإنه قد روى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن وهب
(3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التهيؤ
للإحرام. فقال : في مسجد الشجرة ، فقد صلى فيه رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وقد ترى
أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل ، فتحرمون كما أنتم في
محاملكم ، تقول : لبيك اللهم لبيك. الحديث».
أقول : وهذا الخبر ظاهر في ان الإحرام عبارة عن التلبية
، كما قدمنا الكلام فيه في مسألة ناسي الإحرام. والمراد بالتهيؤ للإحرام في الخبر
هو الصلاة والدعاء عقيبها بما تقدم ، بعد الغسل ولبس ثوبي
__________________
(1) ص 41.
(2) لم نقف بعد التتبع في كتب العامة على التفرقة بين الراكب
والماشي بذلك. وقال العيني الحنفي في عمدة القارئ ج 4 ص 519 : اختلف العلماء في
الموضع الذي أحرم منه النبي (ص) فقال قوم : أهل من مسجد ذي الحليفة وقال آخرون :
حين اطل على البيداء ، وقال آخرون : من البيداء.
(3) الوسائل الباب 34 من الإحرام.
الإحرام. وقوله : «وقد ترى أناسا
يحرمون فلا تفعل» يعني : يلبون ويعقدون بالتلبية. فنهاهم عن ذلك حتى يبلغوا
البيداء ، وأمرهم بالإحرام في محاملهم ، يعني : التلبية ، كما يشير اليه قوله : «تقول»
يعني : تحرم بهذا القول.
والخبر ظاهر في تعيين تأخير التلبية إلى البيداء ،
ومعتضد بالأخبار المتقدمة. والظاهر ان هذا حكم مختص بالإحرام من مسجد الشجرة ، فلا
تنافيه الأخبار الدالة على التخيير وأفضلية التأخير في غير هذا الميقات وجملة من
الأصحاب استندوا في التخيير في هذا الميقات الى التخيير الوارد في غيره من
المواقيت. وفيه ما عرفت.
الثاني ـ انه قد تقدم في اخبار المواقيت انه لا يجوز
لأحد قاصد النسك ان يتجاوزها إلا محرما ، مع ان هذه الاخبار دلت على تجاوزها الى
البيداء ـ وهو على ميل من مسجد الشجرة كما عرفت ـ بغير إحرام ـ لأن الإحرام ـ كما
عرفت ـ انما يحصل بالتلبية ، وهي قد دلت على تأخير التلبية إلى البيداء. ومن هنا
صرح العلامة (قدسسره) في ما قدمنا
نقله عنه من المنتهى انه يحرم سرا بعد الصلاة في المسجد ، قاصدا بذلك حمل روايات
تأخير التلبية إلى البيداء على تأخير الإجهار بها لا تأخيرها ولو سرا. إلا ان حمل
الروايات على ما ذكره بعيد جدا ، ولا سيما صحيحة معاوية بن وهب المذكورة. ولا
يحضرني الآن وجه في الخروج عن هذا الإشكال. إلا ان تحمل الأخبار الدالة على النهي
عن تجاوز تلك المواقيت إلا محرما على ما هو أعم من الإحرام والتهيؤ له ، فإن إطلاق
الإحرام على الصلاة له والدعاء بعدها ـ بعد الغسل ولبس ثوبي الإحرام ونحو ذلك ـ غير
بعيد ، بل هو أقرب المجازات ، وان كان
ترتب الكفارات انما يحصل بعد التلبية.
المسألة الثانية ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) انه لو كان قارنا تخير في عقد إحرامه بالتلبية وان شاء قلد أو أشعر. ونقل
عن المرتضى وابن إدريس (رضى الله عنهما) انه لا ينعقد إحرام الأصناف الثلاثة إلا
بالتلبية ، لأن انعقاد الإحرام بالتلبية مجمع عليه ، ولا دليل على انعقاده بهما.
وهو ضعيف مردود بالأخبار الصحيحة الصريحة ، وان كان كلامهما (روح الله روحيهما)
جيدا على أصلهما الغير الأصيل من عدم الاعتماد على اخبار الآحاد.
والذي يدل على القول المشهور روايات : منها ـ صحيحة
معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «يوجب
الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة
فقد أحرم».
وصحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «من
أشعر بدنته فقد أحرم وان لم يتكلم بقليل ولا كثير».
وصحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «تقلدها
نعلا خلقا قد صليت فيها. والأشعار والتقليد بمنزلة التلبية».
وفي حديث طويل برواية الشيخ (4) عن صفوان في
الصحيح ـ عن معاوية بن عمار وغير معاوية ممن روى صفوان عنه الأحاديث المتقدمة
المذكورة ، وقال ـ يعني : صفوان ـ هي عندنا مستفيضة ـ عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهماالسلام). الى ان قال
: «لانه قد يوجب الإحرام
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
(4) الوسائل الباب 14 من الإحرام.
أشياء ثلاثة : الاشعار والتلبية
والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم».
وما رواه ثقة الإسلام في الكافي ـ بإسنادين ، أحدهما
صحيح عندي حسن على المشهور بإبراهيم ـ عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) «في قول الله عزوجل (الْحَجُّ
أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) (2) والفرض :
التلبية والاشعار والتقليد ، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج. ولا يفرض الحج إلا في هذه
الشهور. الحديث».
وعن جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
كانت البدن كثيرة قام في ما بين ثنتين ثم أشعر اليمنى ثم اليسرى.
ولا يشعر ابدا حتى يتهيأ للإحرام ، لأنه إذا أشعر وقلد
وجلل وجب عليه الإحرام. وهي بمنزلة التلبية».
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الأشعار ـ على ما ذكره الأصحاب (رضوان
الله عليهم) ـ ان يشق سنام البعير من الجانب الأيمن ، ويلطخ صفحته بدم إشعاره.
والاخبار لا تساعد على ما ذكروه من اللطخ ، وانما اشتملت على شق سنامها من الجانب
الأيمن :
ففي صحيحة الحلبي المتقدمة في المقدمة الرابعة في أنواع
الحج في مسألة القارن (4) : «والاشعار
أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها».
وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (5) قال : «سألت
__________________
(1) الوسائل الباب 11 من أقسام الحج.
(2) سورة البقرة ، الآية 197.
(3 و 5) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
(4) ج 14 ص 370 ، والوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن البدنة
كيف يشعرها؟ قال : يشعرها وهي باركة ، وينحرها وهي قائمة ، ويشعرها من جانبها
الأيمن ، ثم يحرم إذا قلدت وأشعرت».
وعن معاوية بن عمار في الصحيح (1) قال : «البدنة
يشعرها من جانبها الأيمن ، ثم يقلدها بنعل قد صلى فيها».
وروى ثقة الإسلام في الموثق عن يونس بن يعقوب (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : اني قد
اشتريت بدنة فكيف اصنع بها؟ فقال : انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة ، فأفض عليك من
الماء ، والبس ثوبيك ، ثم أنخها مستقبل القبلة ، ثم ادخل المسجد فصل ، ثم افرض بعد
صلاتك ، ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ثم قل : بسم الله ،
اللهم منك ولك ، اللهم فتقبل مني. ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبه».
وعن عبد الرحمن بن ابي عبد الله وزرارة (3) قالا : «سألنا
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن البدن كيف
تشعر؟ ومتى يحرم صاحبها؟ ومن اي جانب تشعر؟ ومعقولة تنحر أو باركة؟ فقال : تشعر
معقولة ، وتشعر من الجانب الأيمن».
وعن معاوية بن عمار في الحسن عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «البدن
تشعر من الجانب الأيمن ، ويقوم الرجل في الجانب الأيسر ، ثم يقلدها بنعل خلق قد
صلى فيها».
وروى الصدوق عن ابي الصباح الكناني (5) قال : «سألت
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
(5) الفقيه ج 2 ص 209 ، والوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن البدن كيف
تشعر؟ قال : تشعر وهي باركة من شق سنامها الأيمن ، وتنحر وهي قائمة من قبل الأيمن».
الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.
وينبغي التنبيه على فوائد
الأولى : ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ودلت عليه
الاخبار المتقدمة ـ من استحباب الاشعار من الجانب الأيمن من سنام البدنة ـ مخصوص
بغير البدن الكثيرة ، فإنه يدخل بينها ويشعرها يمينا وشمالا.
ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز بن عبد
الله عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها ، دخل الرجل بين كل بدنتين ، فيشعر هذه من الشق
الأيمن ويشعر هذه من الشق الأيسر ، ولا يشعرها ابدا حتى يتهيأ للإحرام ، فإنه إذا
أشعرها وقلدها وجب عليه الإحرام. وهو بمنزلة التلبية». ونحوها رواية جميل
المتقدمة.
الثانية : قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الإشعار
مختص بالإبل ، والتقليد مشترك بينها وبين البقر والغنم.
وعلل بضعف البقر والغنم عن الاشعار. وبما رواه ابن
بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «كان
الناس يقلدون الغنم والبقر ، وإنما تركه الناس حديثا ، ويقلدون بخيط أو يسير».
أقول : وهذه الرواية ـ كما ترى ـ لا صراحة فيها بل ولا
ظاهرية في ما ادعوه ان لم تكن بالدلالة على خلافه أشبه ، إذ غاية ما تدل عليه
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
نقله (عليهالسلام) عن الناس
انهم كان يفعلون ذلك. وهذا اللفظ إنما يطلق غالبا على المخالفين. ومع تسليم إرادة
الشيعة فلا دلالة فيه ايضا. ومن المقرر في كلامهم ان الدليل الواضح والحجة الشرعية
انما هي قول الامام (عليهالسلام) الذي هو
عبارة عن امره ونهيه ونحوهما ، أو فعله ، أو تقريره ، واما مجرد حكاية ذلك عن
الناس ـ أي أناس كانوا ـ فلا دليل فيه. إلا ان الظاهر ان الحكم المذكور متفق عليه
بينهم لا اعلم فيه مخالفا.
والأظهر الاستدلال عليه بما رواه العياشي في تفسيره (1) عن عبد الله
بن فرقد عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «الهدي
من الإبل والبقر والغنم ، ولا يجب حتى يعلق عليه ، يعني : إذا قلده فقد وجب. وقال
: وما استيسر من الهدي : شاة». والظاهر ان قوله «يعني : إذا قلده» من كلام الراوي
تفسيرا لقوله : «حتى يعلق عليه».
الثالثة ـ قد ذكروا (رضوان الله عليهم) ايضا ان التقليد
الذي هو أحد الثلاثة الموجبة للإحرام ، اما ان يكون بان يعلق في عنق هديه نعلا قد
صلى فيها ـ وهذا هو الذي اشتملت عليه الاخبار الكثيرة المتقدمة وغيرها ـ أو بان
يربط في عنقه خيطا أو سيرا. ولم نجده إلا في رواية زرارة المذكورة ، وظاهرها
اختصاص ذلك بالغنم والبقر ، فان التقليد المذكور في روايات الإبل إنما هو بالنعل.
ولم يرد في شيء منها على كثرتها ذكر الخيط والسير ، وإنما ذكر في هذه الرواية
المشتملة على تقليد الغنم والبقر. والوقوف على ظاهر الاخبار يقتضي اختصاص النعل
بالإبل ، والخيط والسير بالبقر والغنم.
__________________
(1) ج 1 ص 88 ، ومستدرك الوسائل الباب 6 و 8 من الذبح.
الرابعة : قال المحقق في الشرائع ـ بعد ان ذكر ان القارن
بالخيار ان شاء عقد إحرامه بالتلبية وان شاء قلد أو أشعر ـ : وبأيهما بدأ كان
الآخر مستحبا. قال في المسالك : المراد انه ان بدأ بالتلبية كان الإشعار أو
التقليد مستحبا ، وان بدأ بأحدهما كانت التلبية مستحبة. ففي إطلاق أن البدأة بأحد
الثلاثة توجب استحباب الآخر إجمال. انتهى. وقال سبطه السيد في المدارك بعد نقل
كلامه : ولم أقف على رواية تتضمن ذلك صريحا. ولعل إطلاق الأمر بكل من الثلاثة كاف
في ذلك.
أقول : لا يخفى عليك ان بعض الاخبار المتقدمة في بيان
معنى الاشعار ـ مثل صحيحة معاوية بن عمار المنقولة وحسنته ـ قد اشتملت على تعليق
النعل بعد الاشعار.
ونحوهما رواية الفضيل بن يسار (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل أحرم
من الوقت ومضى ، ثم انه اشترى بدنة بعد ذلك بيوم أو يومين ، فأشعرها وقلدها وساقها؟
فقال : ان كان ابتاعها قبل ان يدخل الحرم فلا بأس. قلت : فإنه اشتراها قبل ان
ينتهي إلى الوقت الذي يحرم منه فأشعرها وقلدها ، أيجب عليه حين فعل ذلك ما يجب على
المحرم؟ قال : لا ، ولكن إذا انتهى الى الوقت فليحرم ثم يشعرها ويقلدها ، فان
تقليده الأول ليس بشيء».
ورواية السكوني عن جعفر (عليهالسلام) (2) «انه سئل ما
بال البدنة تقلد النعل وتشعر؟ فقال : اما النعل فتعرف انها بدنة ويعرفها صاحبها
__________________
(1) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
(2) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج ، والباب 34 من الذبح.
بنعله. واما الاشعار فإنه يحرم ظهرها
على صاحبها من حيث أشعرها فلا يستطيع الشيطان ان يتسنمها».
وموثقة يونس بن يعقوب (1) قد اشتملت على
التلبية بعد الاشعار ، والروايتان الأوليان ظاهرتان في استحباب التقليد بعد
الاشعار ، وروايتا الفضيل والسكوني شاملتان بإطلاقهما لاستحباب الاشعار بعد
التقليد ، والرواية الخامسة ظاهرة في استحباب التلبية بعد الاشعار. واما ما يدل
على استحباب الاشعار والتقليد بعد التلبية فيظهر ايضا من صدر رواية الفضيل ، حيث
انه (عليهالسلام) حكم بصحة
الاشعار والتقليد ، وانه يكون بذلك قارنا متى فعل ذلك قبل دخول الحرم. وبذلك يظهر
لك ما في كلام الفاضلين المتقدمين (قدس الله روحيهما).
المسألة الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
كيفية التلبيات الأربع بعد الاتفاق على ان الواجب هو اربع منها لا غير :
قال الشيخ في النهاية والمبسوط : التلبيات الأربع فريضة
، وهي : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك»
وبه قال أبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس ونقله في المدارك عن أكثر
المتأخرين.
وقال الشيخ في الاقتصاد : ثم يلبي فرضا واجبا فيقول : «لبيك
اللهم لبيك ، لبيك ، ان الحمد والنعمة والملك لك (2) لا شريك لك
لبيك».
__________________
(1) ص 50.
(2) هذا القول يختلف عن القول الأول في تقديم كلمة «لك»
وتأخيرها ، لأنها في القول الأول مقدمة على كلمة «والملك» وفي هذا
وقال المفيد : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك
، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» (1) وكذا قال علي بن بابويه في رسالته ،
وابنه أبو جعفر في مقنعة وهدايته ، وهو قول ابن ابي عقيل وابن الجنيد وسلار.
وقال السيد المرتضى (رضياللهعنه) : «لبيك
اللهم لبيك ، لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبيك».
هذا ما نقله في المختلف من الأقوال في المسألة.
وقال المحقق في الشرائع : وصورتها ان يقول : «لبيك اللهم
لبيك
__________________
القول مؤخرة عنه ، كما ورد في المختلف ج 1 ص 95. وقد اتفقت
النسخة المطبوعة والمخطوطة على تقديم كلمة «لك» في هذا القول كما في القول الأول ،
وعليه فلا يبقى فرق بين القولين بمقدار ما نقله المصنف (قدسسره) وان كان يفترق القول الثاني عن القول
الأول بفقرة لم ينقلها (قدسسره) وهي قوله في آخرها : «بحجة وعمرة ـ أو
حجة مفردة ـ تمامها عليك لبيك» وعليه تكون التلبيات خمسا.
(1) الكيفية المنقولة عن الشيخ المفيد (قدسسره) تنتهي إلى هنا كما يظهر بمراجعة
المقنعة ص 62 ، والجواهر ج 18 ص 228 و 229 ، وكما يأتي من المصنف (قدسسره) ص 59 ، حيث انه ـ بعد ان يذكر حديث الخصال
المتضمن للتلبيات الأربع بالكيفية المذكورة ـ يقول : «أقول : ومن هذه الرواية يعلم
مستند الشيخ المفيد وابني بابويه ومن تبعهم» فما ورد في المختلف ج 2 ص 95 ـ من ذكر
كلمة «لبيك» في آخر الكيفية المنسوبة إلى الشيخ المفيد ، وورد أيضا في نسخ الحدائق
المطبوعة والمخطوطة ـ الظاهر انه زيادة من قلم الناسخ.
لبيك لا شريك لك لبيك» واختار هذا
القول العلامة في المختلف واليه يميل كلامه في المنتهى ، واختاره جملة من
المتأخرين ومتأخريهم : منهم ـ السيد السند في المدارك ، وجده في المسالك ، والفاضل
الخراساني في الذخيرة.
واما الروايات الواردة في المسألة فمنها ـ ما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد ، فقم وامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ـ ماشيا كنت
أو راكبا ـ فلب. والتلبية ان تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك له لبيك ، ان
الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك داعيا الى
دار السلام لبيك ، لبيك غفار الذنوب لبيك ، لبيك أهل التلبية لبيك ، لبيك
__________________
(1) هذا الحديث رواه الكليني في فروع الكافي ج 4 ص 335 ، وأول
الحديث هكذا : التلبية : لبيك اللهم لبيك. الى آخر ما أورده المصنف (قدسسره) ورواه الشيخ عن الكليني بهذا اللفظ في
التهذيب ج 5 ص 284. ورواه بطريق آخر أيضا في التهذيب ج 5 ص 91 ، وأول الحديث هو
قوله (عليهالسلام) : «إذا فرغت من صلاتك. الى آخر ما
أورده (قدسسره) في الكتاب مع الزيادة التي يذكرها بعد
ذلك. وهو المقصود بقوله (قدسسره) : «ورواه الشيخ ايضا بطريق آخر صحيح»
والطريق الأول للشيخ هو طريق الكليني ، إلا ان لفظ الحديث الوارد من هذا الطريق
يبتدئ ببيان كيفية التلبية كما تقدم ، وقوله : «إذا فرغت. الى قوله : فلب» يختص
بالطريق الآخر للشيخ. وبين اللفظين من الطريقين اختلاف بسيط غير ما ذكرناه يظهر
بالمراجعة. وأورد الحديث في الوسائل في الباب 40 من الإحرام.
ذا الجلال والإكرام لبيك ، لبيك
مرهوبا ومرغوبا إليك لبيك ، لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك ، لبيك كشاف الكرب العظام
لبيك ، لبيك عبدك وابن عبديك لبيك ، لبيك يا كريم لبيك. تقول ذلك في دبر كل صلاة
مكتوبة أو نافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفا ، أو هبطت واديا ، أو لقيت
راكبا ، أو استيقظت من منامك وبالأسحار. وأكثر ما استطعت منها. واجهر بها. وان
تركت بعض التلبية فلا يضرك ، غير ان تمامها أفضل. واعلم انه لا بد من التلبيات
الأربع التي في أول الكلام ، وهي الفريضة ، وهي التوحيد ، وبها لبى المرسلون.
وأكثر من «ذي المعارج» فان رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلم) كان يكثر
منها».
أقول : وبهذا الخبر استدل المحقق ومن تبعه وعليه اعتمدوا
، قال في المختلف : وهو أصح حديث رأيناه في هذا الباب.
أقول : ورواه الشيخ ايضا بطريق آخر صحيح (1) وزاد بعد قوله
: «لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك» : «لبيك تستغني ويفتقر إليك لبيك ، لبيك إله الحق
لبيك ، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبيك» ثم ساق الحديث الى قوله : «وهي
الفريضة».
ومنها ـ صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «لما
لبى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : لبيك
اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ،
__________________
(1) الوسائل الباب 40 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 40 من الإحرام. وفي آخره هكذا : «وفي ادبار
الصلوات».
لبيك ذا المعارج لبيك. وكان (صلىاللهعليهوآله) يكثر من «ذي
المعارج» وكان يلبي كلما لقي راكبا ، أو علا اكمة ، أو هبط واديا ، ومن آخر الليل».
وصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في المسألة الاولى (1) وفيها : «تقول
: لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك
لك ، لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج».
وروى ثقة الإسلام في الكافي عن عبد الله بن سنان في
الصحيح (2) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) : ذكر رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) الحج فكتب
الى من بلغه كتابه ممن دخل في الإسلام : ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يريد الحج ،
يؤذنهم بذلك ليحج من أطاق الحج ، فاقبل الناس ، فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف
الإبط ، وحلق العانة ، والغسل ، والتجرد في إزار ورداء ، أو إزار وعمامة يضعها على
عاتقه لمن لم يكن له رداء. وذكر انه حيث لبى قال : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك
لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. الحديث».
وروى في الفقيه مرسلا (3) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) جاء جبرئيل (عليهالسلام) الى النبي (صلىاللهعليهوآله) فقال له : ان
التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك
لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك».
وروى الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن
محمد
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 84 ، والوسائل الباب 40 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(3) الوسائل الباب 37 من الإحرام.
(عليهماالسلام) في حديث
شرائع الدين (1) قال : «والتلبيات
الأربع وهي : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك
والملك لا شريك لك».
أقول : ومن هذه الرواية يعلم مستند الشيخ المفيد وابني
بابويه ومن تبعهم. واما ما عدا هذين القولين فلم نقف له على دليل.
ومن اخبار المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر
بن يزيد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
أحرمت من مسجد الشجرة ، فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد ، تقول : لبيك
اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك لبيك بحجة تمامها عليك.
واجهر بها كلما ركبت ، وكلما نزلت ، وكلما هبطت واديا ، أو علوت اكمة ، أو لقيت
راكبا ، وبالأسحار».
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) : ثم تلبي سرا
بالتلبية الأربعة وهي المفترضات ، تقول : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك
ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. هذه الأربعة مفروضات وتقول : لبيك ذا
المعارج لبيك ، لبيك تبدئ وتعيد والمعاد إليك لبيك ، لبيك داعيا الى دار السلام
لبيك ، لبيك كشاف الكرب العظام لبيك ، لبيك يا كريم لبيك ، لبيك عبدك وابن عبدك
بين يديك لبيك لبيك أتقرب إليك بمحمد وآل محمد لبيك. وأكثر من «ذي المعارج». انتهى.
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(2) الوسائل الباب 40 من الإحرام.
(3) ص 27.
أقول : والقول الفصل في هذه الاخبار انه لما دلت صحيحة
معاوية ابن عمار المتقدمة في صدر هذه الروايات على ان الفرض الواجب إنما هو
التلبيات الأربع التي في صدر الكلام وانه لا يضر ترك غيرها فلا بد من تخصيص باقي
الاخبار بها ، بحمل ما زاد على الأربع : «ان الحمد والنعمة لك. الى آخره» في هذه
الاخبار على الاستحباب جمعا بين الاخبار. إلا انه يمكن ان يقال : ان هذه الزيادة
حيث لم تكن مشتملة على تلبية فلا منافاة في دخولها تحت إطلاق العبارة المذكورة
ويؤيده عبارة كتاب الفقه الرضوي التي هي معتمد الصدوقين في ما حكما به من دخول هذه
الزيادة ، كما عرفته في غير موضع من ما تقدم ، فإنه ذكر التلبيات الأربع المفروضة
بإضافة الزيادة المذكورة ، وأكد ذلك بقوله أخيرا : «هذه الأربعة مفروضات» ثم ذكر
التلبيات المستحبة. لكن يمكن تأييد الاستحباب ايضا بخلو صحيحة عمر بن يزيد عن هذه
الزيادة. وبالجملة فالاحتياط بهذه الزيادة متعين (1) فان الحكم
عندي لا يخلو من اشتباه.
ثم ان من العجب العجاب اشتهار القول بما ذهب اليه الشيخ
في النهاية والمبسوط بين أكثر متأخري الأصحاب حتى قال شيخنا الشهيد في الدروس :
الرابع ـ التلبيات الأربع ، وأتمها : «لبيك اللهم لبيك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك
والملك لا شريك لك لبيك» ويجزئ : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك» وان
أضاف الى هذا : «ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» كان حسنا. انتهى. والحال
انه لا مستند لهذا القول بالكلية ولا دليل عليه بالمرة ، وهذه
__________________
(1) أوردنا العبارة كما جاءت في النسخة المخطوطة.
جملة أخبار المسألة التي قدمناها
عارية عنه.
وتمام القول في المسألة يتوقف على بيان أمور :
الأول ـ المشهور بين الأصحاب استحباب الجهر بالتلبية ،
وبذلك صرح ابن إدريس ، فقال : والجهر بها على الرجال مندوب على الأظهر من أقوال
أصحابنا. وقال بعضهم : الجهر بها واجب. ونقل في المختلف عن علي بن بابويه انه قال
: ثم يلبى سرا بالتلبية الأربعة المفروضة. أقول : وهذه عين عبارة كتاب الفقه
المتقدمة ، إلا انه لم يذكر تمامها وإنما ذكر ما يتعلق بالمسألة المذكورة. وقال
الشيخ في التهذيب : الإجهار بالتلبية واجب مع القدرة والإمكان. وقال في الخلاف :
التلبية فريضة ، ورفع الصوت بها سنة.
أقول : لا يخفى ان الاخبار بالنسبة الى هذه المسألة ما
بين مطلق وبين مصرح بالجهر ، ولم أقف على ما يتضمن الأسرار إلا في عبارة كتاب
الفقه المتقدمة.
ففي صحيحة حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليهالسلام) وجماعة من
أصحابنا ممن روى عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهماالسلام) (1) انهما قالا : «لما
أحرم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أتاه جبرئيل (عليهالسلام) فقال له : مر
أصحابك بالعج والثج ـ فالعج رفع الصوت والثج نحر البدن ـ قالا : فقال جابر بن عبد
الله : فما مشى الروحاء حتى بحت أصواتنا». والخبر المذكور مروي بطرق عديدة (2). والظاهر ان
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 92 ، والوسائل الباب 37 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 37 من الإحرام.
تفسير العج والثج من بعض الرواة.
ويحتمل ان يكون منهما (عليهماالسلام).
وفي صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة في المسألة الاولى (1) : «ان كنت
ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وان كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك
البيداء».
وأنت خبير بان حمل الاخبار مطلقها على مقيدها يقتضي وجوب
الإجهار.
والعلامة في المختلف لما اختار الاستحباب قال : لنا ـ الأصل
عدم الوجوب. ثم قال : ويدل على الأرجحية ما رواه حريز بن عبد الله. وساق الرواية
المتقدمة. ثم قال : احتج الموجبون بان الأمر ورد بالجهر ، والأمر للوجوب. والجواب
: المنع من الكبرى. انتهى. ولا يخفى ما فيه مع تصريحه في كتبه الأصولية بان الأمر
حقيقة في الوجوب ، ولا سيما أوامر الله (عزوجل) كما هو ظاهر حديث حريز. وهذا موجب
للخروج عن حكم الأصل ، كما لا يخفى.
وظاهر الأصحاب ان هذا الحكم مختص بالحج من ميقات ذي
الحليفة كما هو مورد الروايتين المذكورتين ، وكذا بالإحرام بالحج من مكة فإنه يرفع
صورته بالتلبية إذا أشرف على الأبطح ، كما تضمنته صحيحة معاوية بن عمار (2) وفيها : «فأحرم
بالحج ، ثم امض وعليك السكينة
__________________
(1) الوسائل الباب 34 من الإحرام.
(2) التهذيب ج 5 ص 167 ، والفروع ج 4 ص 454 ، والوسائل الباب
52 من الإحرام ، والباب 1 من إحرام الحج. والحديث ينتهي بقوله : «حتى تأتي منى»
فكلمة «. الحديث» ربما تكون زيادة من الناسخ.
والوقار ، فإذا انتهيت الى الرقطاء
دون الردم فلب ، وإذا انتهيت الى الردم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى
تأتي منى. الحديث».
ومقتضاه تأخير التلبية عن موضع الإحرام الى أن ينتهي إلى
الرقطاء دون الردم ، فيلبي ثم يرفع صوته بها إذا أشرف على الأبطح.
وإطلاقها يدل على عدم الفرق بين الراكب والماشي ، إلا ان
الشيخ في التهذيب ذكر ان الماشي يلبي من موضع إحرامه الذي يصلي فيه والراكب يلبى
عند الرقطاء أو عند شعب الدب ، ولا يجهر بالتلبية إلا عند الاشراف على الأبطح.
واستدل على ذلك برواية عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ثم صل ركعتين خلف المقام ، ثم أهل بالحج ،
فان كنت ماشيا فلب عند المقام ، وان كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك». وهي ـ كما ترى
ـ غير دالة على ما ادعاه.
وبالجملة فالظاهر هو جواز التلبية من المسجد للماشي
والراكب ، وان كان الأفضل تأخير التلبية إلى الموضع المذكور في صحيحة معاوية ابن
عمار المتقدمة ، والرفع بها الى الموضع الآخر.
ومن ما يدل على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن حفص بن
البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبي جميعا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) انه قال : «وان
أهللت من المسجد
__________________
(1) الوسائل الباب 46 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 46 من الإحرام. وقد ذكرنا في التعليقة 4 ص
41 و 42 ما يتعلق بالمورد ، فراجع.
الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام
، وأفضل ذلك ان تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي قبل ان تصير الى الأبطح».
ثم انه ينبغي ان يعلم ان استحباب الجهر بالتلبية أو
وجوبه على القول به انما هو للرجال خاصة دون النساء :
لما رواه الشيخ عن فضالة بن أيوب عن من حدثه عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (1) قال : «ان
الله وضع عن النساء أربعا : الجهر بالتلبية ، والسعي بين الصفا والمروة ، ودخول
الكعبة ، والاستلام».
وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «ليس
على النساء جهر بالتلبية».
الثاني ـ المشهور ان إحرام الأخرس ان يحرك بالتلبية
لسانه ، ويعقد بها قلبه. وأضاف في المنتهى والدروس : الإشارة باليد. ونقل عن ابن
الجنيد انه يلبى عنه غيره ، وعبارته التي نقلها عنه في المختلف هكذا : والأخرس
يجزئه تحريك لسانه مع عقده إياها بقلبه. ثم قال : ويلبي عن الصبي والأخرس وعن
المغمى عليه. قال في المختلف : وهذا الكلام يشعر بعدم وجوب التلبية عليه وانه
تجزئه النيابة.
أقول : والذي وقفت عليه من ما يتعلق بهذه المسألة من
الاخبار رواية السكوني عن جعفر (عليهالسلام) (3) «ان عليا (عليهالسلام) قال : تلبية الأخرس
وتشهده وقراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه».
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 38 من الإحرام.
(3) فروع الكافي ج 3 ص 315 وج 4 ص 335 ، والوسائل الباب 59 من
القراءة في الصلاة ، والباب 39 من الإحرام.
ويمكن ان يستدل لما ذكره ابن الجنيد بما رواه في الكافي
عن زرارة (1) : «ان رجلا
قدم حاجا لا يحسن ان يلبى ، فاستفتي له أبو عبد الله (عليهالسلام) فأمر ان يلبى
عنه».
ولا ريب ان طريق الاحتياط الجمع بين الأمرين ، ليحصل
يقين براءة الذمة من التكليف المعلوم ثبوته.
والظاهر ان مراد الأصحاب بعقد القلب بها ـ يعني : تصورها
إجمالا ـ الكناية عن النية والقصد إلى التلبية.
الثالث ـ قال العلامة في المختلف : لا خلاف عندنا في
وجوب التلبيات الأربع ، ولكن الخلاف في انها ركن أم لا ، فللشيخ قولان : أحدهما
انها ليست ركنا ، ذهب إليه في المبسوط والجمل ، وقال في النهاية : «من ترك التلبية
متعمدا فلا حج له» فجعلها ركنا. وبالأول قال السيد المرتضى وابن حمزة وابن البراج
، وبالثاني قال سلار وابن إدريس وأبو الصلاح. والأقرب الأول ، لنا. انه مع الإخلال
بالتلبية لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف. ولانه ذكر واجب في
عبادة افتتحت به فكان ركنا ، كالتكبير في الصلاة. ولما رواه معاوية ابن عمار في
الصحيح عن الصادق (عليهالسلام) (2) انه قال : «فإذا
فعل شيئا من هذه الثلاثة ـ يعني : التلبيات والاشعار والتقليد ـ فقد أحرم». وتعليق
الحكم على الوصف يقتضي عدمه عند عدمه. والإخلال بالإحرام عمدا مبطل إجماعا. احتج
الآخرون بأن الأصل صحة الحج. والجواب : المنع لانه لم يأت بالمأمور به على وجهه.
انتهى.
__________________
(1) الفروع ج 4 ص 504 ، والوسائل الباب 39 من الإحرام ، والباب
11 من الحلق والتقصير.
(2) الوسائل الباب 12 من أقسام الحج.
أقول : المراد بالركن عند الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
باب الحج هو ما يكون تركه مبطلا عمدا لا سهوا ، وبالواجب ما يكون تركه عمدا موجبا
للإثم دون الابطال. واستثنى من الركن على هذا التعريف الوقوفان ، فان تركهما مبطل
وان كان سهوا.
ثم ان استدلال العلامة (قدسسره) هنا على
الابطال بغير الرواية لا يخلو من نظر : اما الدليل الأول فإنه جار في الواجب ، وهو
لا يقول به. واما الثاني فإنه محض قياس على تكبيرة الإحرام كما لا يخفى.
ويمكن المناقشة أيضا في الرواية المذكورة ونحوها بأن
غاية ما يدل عليه مفهوم الشرط هو عدم الإحرام ، والخصم لا ينكر ذلك ، والمدعى
بطلان الحج ، لأنه قائل بصحة الحج مع ترك الإحرام عمدا ، فإلزامه بما دلت عليه
الرواية من بطلان الإحرام لا معنى له. وانما المنافي لما ذكره ما يدل على بطلان
الحج بذلك. فالواجب هو الإتيان بدليل يدل على بطلان الحج بترك الإحرام متعمدا.
ودعوى الإجماع ـ بقوله : «والإخلال بالإحرام عمدا مبطل إجماعا» ـ ينافي ما نقله عن
الجماعة المتقدمين القائلين بأنه واجب وليس بركن. والواجب ـ كما عرفت ـ عندهم هو
ما لا يبطل الحج بتركه ولو عمدا وانما غايته الإثم. وسيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ مزيد
تحقيق للمسألة.
الرابع ـ قال ابن الأثير في النهاية : «لبيك اللهم لبيك»
هو من التلبية ، وهي إجابة المنادي ، أي إجابتي لك يا رب. وهو مأخوذ من «لب
بالمكان وألب» إذا أقام به ، و «ألب على كذا» إذا لم يفارقه ولم يستعمل إلا على
لفظ التثنية في معنى التكرير ، أي إجابة بعد اجابة وهو منصوب على المصدر بعامل لا
يظهر ، كأنك قلت : «ألب إلبابا
بعد الباب». والتلبية من «لبيك»
كالتهليل من «لا إله إلا الله» وقيل : معناه : اتجاهي وقصدي يا رب إليك ، من قولهم
: «داري تلب دارك» اي تواجهها. وقيل : معناه : إخلاصي لك ، من قولهم : «حسب لباب»
إذا كان خالصا محضا. ومنه لب الطعام ولبابه. وقال في القاموس نحو ذلك. وعن الجوهري
انه كان حقه ان يقال : «لبالك» وثنى على معنى التأكيد ، اي إلبابا لك بعد الباب ،
واقامة بعد اقامة. وقيل : أي إجابة لك يا رب بعد اجابة. وفي كتاب المصباح المنير :
أصل «لبيك» لبين لك ، فحذفت النون للإضافة ، قال : وعن يونس انه غير مثنى بل اسم
مفرد يتصل بالضمير بمنزلة «على» و «لدى» إذا اتصل به الضمير. وأنكره سيبويه وقال :
لو كان مثل «على» و «لدى» لثبتت الياء مع الضمير وبقيت الالف مع الظاهر. وحكى من
كلامهم «لبى زيد» بالياء مع الإضافة إلى الظاهر ، فثبوت الياء مع الإضافة إلى
الظاهر يدل على انه ليس مثل «على» و «لدى» انتهى قال في المجمع : ولبأت بالحج
تلبية. أصله «لبيت» بغير همز قال الجوهري : قال الفراء : ربما خرجت بهم فصاحتهم
الى ان يهمزوا ما ليس بمهموز.
ثم انه قد صرح بعضهم بأنه يجوز فتح الهمزة وكسرها من
قوله : «ان الحمد والنعمة. الى آخره» وحكى العلامة في المنتهى عن بعض أهل العربية
انه من قال «ان» بفتحها فقد خص ، ومن قال بالكسر فقد عم. ووجهه ظاهر ، فان الكسر
يقتضي تعميم التلبية وإنشاء الحمد مطلقا ، والفتح يقتضي تخصيص التلبية ، أي لبيك
بسبب ان الحمد لك.
الخامس ـ روى الصدوق في كتاب العلل (1) في الصحيح عن
عبيد الله ابن علي الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته
: لم جعلت التلبية؟ فقال : ان الله (عزوجل) اوحى الى إبراهيم (عليهالسلام) (وَأَذِّنْ
فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً) (2) فنادى فأجيب
من كل فج يلبون».
وروى في كتاب من لا يحضره الفقيه (3) حديثا طويلا
يتضمن مناجاة الله (عزوجل) لموسى (عليهالسلام) قال في آخره
: فقال الله (عزوجل) : يا موسى اما علمت ان فضل امة محمد (صلىاللهعليهوآله) على جميع
الأمم كفضله على جميع الخلق. فقال موسى (عليهالسلام) : يا رب
ليتني كنت أراهم. فأوحى الله (جل جلاله) اليه يا موسى انك لن تراهم فليس هذا أو ان
ظهورهم ، ولكن سوف تراهم في جنات عدن والفردوس بحضرة محمد (صلىاللهعليهوآله) في نعيمها
يتقلبون وفي خيراتها يتنعمون ، أفتحب أن أسمعك كلامهم؟ فقال : نعم يا إلهي. قال
الله (عزوجل) : قم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل.
ففعل ذلك موسى (عليهالسلام) فنادى ربنا (عزوجل)
: يا امة محمد. فأجابوه كلهم ـ وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ـ : «لبيك
اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ،
لبيك» قال : فجعل الله (عزوجل) تلك الإجابة شعار الحج.
أقول : وفي هذا الخبر ما يؤيد ما قدمناه من دخول «ان
الحمد.
__________________
(1) ص 416 ، والوسائل الباب 36 من الإحرام.
(2) سورة الحج ، الآية 27.
(3) ج 2 ص 211 و 212 ، والوسائل الباب 40 من الإحرام.
الى آخره» في التلبية الواجبة.
وفي آخر صحيحة معاوية بن عمار المتقدم ذكرها (1) : «وأول من
لبى إبراهيم (عليهالسلام) قال : ان
الله (عزوجل) يدعوكم الى ان تحجوا بيته ، فأجابوه بالتلبية ، فلم يبق أحد أخذ
ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل ولا بطن امرأة إلا أجاب بالتلبية».
فائدة
روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (2) قال : «روى ان
إبراهيم (عليهالسلام) لما قضى
مناسكه. ثم ساق الخبر الى ان قال : فلما هم ببنائه قعد على كل ركن ثم نادى : «هلم
الى الحج» فلو ناداهم «هلموا الى الحج» لم يحج إلا من كان يومئذ إنسيا مخلوقا ،
ولكنه نادى : «هلم الى الحج» فلبى الناس في أصلاب الرجال وأرحام النساء : «لبيك
داعي الله لبيك داعي الله» فمن لبى مرة حج حجة ، ومن لبى عشرا حج عشر حجج ، ومن لم
يلب لم يحج. الحديث».
قال المحقق الكاشاني في الوافي : بيان : «هلم الى الحج» نادى
جنس الانس بلفظ المفرد ، ولذا عم نداوة الموجودين والمعدومين ، ولو نادى الافراد
بلفظ الجمع لم يشمل المعدومين بل اختص بالموجودين ، وذلك لان حقيقة الإنسان موجودة
بوجود فرد ما وتشمل جميع الافراد وجدت أو لم توجد. واما الفرد الخاص منه فلا يصير
فردا خاصا
__________________
(1) الوسائل الباب 40 من الإحرام.
(2) ج 2 ص 149 و 150 ، والباب 1 من وجوب الحج وشرائطه ، والباب
11 من مقدمات الطواف وما يتبعها ، والوافي باب (حج إبراهيم وإسماعيل).
جزئيا منه ما لم يوجد. وهذا من لطائف
المعاني نطق به الامام لمن وفق لفهمه. انتهى.
وقال الفاضل المحدث السيد نعمة الله الجزائري : الوجه ان
المقام ظاهرا يقتضي صيغة الجمع ، فالعدول عنه الى الافراد لا بد له من نكتة وعلة
تناسبه ، وليست إلا إرادة استغراق جميع الافراد من شهد ومن غاب ، على ان أهل
البلاغة ذكروا ان استغراق الفرد أشمل من استغراق الجمع ، ونص عليه العلامة
الزمخشري في مواضع من الكشاف. انتهى.
وقال شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني
في كتابه ازهار الرياض : سئلت عن هذا الخبر قديما فكتبت في الجواب : لعل مراده ـ والله
اعلم بمراد أوليائه ـ ان الخطاب بصيغة الجمع يتناول الموجودين وتناوله لغيرهم انما
هو بدليل من خارج من إجماع أو غيره ، كما تقرر في الأصول مستوفى ، والمخالف فيه
الحنابلة خاصة ، وأطبق الكل على فساده ، وصيغة «هلموا» من هذا القبيل. فاما صيغة «هلم»
فإنه يمكن ان يجعل من قبيل الخطاب العام ، كما تقرر في المعاني والبيان قد يترك
الخطاب من المعين الى غير المعين قصدا للعموم وارادة كل من يصلح لذلك ، وجعلوا منه
قوله تعالى (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا) (1) ونحوه ، فكأنه
يصلح لغير الموجودين ايضا ، فيدخلون بعد اتصافهم بالوجود والكمال. وحينئذ فحاصله
ان العدول من «هلموا» الى «هلم» لذلك فإن صيغة «هلم» تصلح للمذكر والمؤنث ،
والمفرد والمثنى والجمع ، بالاعتبار المذكور ، ولغير الموجود بالتقريب السابق ،
فيدخل بعد كماله ووجوده
__________________
(1) سورة الانعام ، الآية 27.
بخلاف «هلموا». ومعنى «لم يحج يومئذ
إلا من كان إنسيا مخلوقا» لم يحج إلا من كان مخلوقا من الانس ، لأنهم المقصودون
بالخطاب المذكور دون غيرهم. هذا ما ظهر لي فتأمل. انتهى.
أقول : اما صحة إطلاق «هلم» على المذكر والمؤنث ،
والمفرد والمثنى والجمع ، فهي لغة الحجاز ، وبها نزل القرآن العزيز ، كقوله تعالى
: (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) (1) واما أهل نجد
وهم بنو تميم فيلحقون بها الضمائر كغيرها من الصيغ فيقولون : «هلموا وهلمي وهلما»
واما تناولها في الخبر للموجودين والمعدومين فقد نقل الشيخ فخر الدين بن طريح في
كتاب مجمع البحرين ، قال : وقيل : لفظ «هلم» خطاب لمن يصلح ان يجيب وان لم يكن
حاضرا ، ولفظ «هلموا» موضوع للموجودين الحاضرين ، ويفسره الحديث : «هلم الى الحج».
ثم ساق الخبر. وبذلك يزول الاشكال ويستغنى عن هذه التكلفات البعيدة والتحملات
الشديدة ، فإنه متى كان هذا اللفظ موضوعا في اللغة لذلك فلا اشكال ، ويخرج الخبر
شاهدا عليه.
السادس ـ قد عرفت من ما حققناه آنفا ان الإحرام الموجب
للكفارات ـ بفعل ما لا يجوز للمحرم فعله ـ إنما هو عبارة عن التلبية أو الإشعار أو
التقليد ، فإن ايها فعل حرم عليه ما يحرم على المحرم وترتبت الكفارات على
المخالفة. وعلى هذا فلو عقد نية الإحرام ولبس ثوبيه ولم يأت بشيء من التلبية متى
كان متمتعا أو مفردا ، ولا بها ولا بإشعار ولا تقليد متى كان قارنا ، وفعل ما لا
يجوز للمحرم فعله ، فإنه
__________________
(1) سورة الأحزاب ، الآية 18.
لا يلزمه كفارة ، ولا يبطل ما فعله
سابقا ، ولا يحتاج الى تجديد نية أخرى.
وعلى ذلك تدل الأخبار الكثيرة : منها ـ ما تقدم (1) من صحيحة
معاوية بن عمار ، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، وصحيحته الثانية في المسألة
الاولى.
ومنها ـ ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن جميل
بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) (2) «في رجل صلى الظهر
في مسجد الشجرة ، وعقد الإحرام وأهل بالحج ، ثم مس طيبا أو صاد صيدا أو واقع اهله؟
قال : ليس عليه شيء ما لم يلب».
وما رواه في الكافي في الصحيح عن النضر بن سويد عن بعض
أصحابنا (3) قال : «كتبت
الى ابي إبراهيم (عليهالسلام) : رجل دخل
مسجد الشجرة فصلى وأحرم ثم خرج من المسجد ، فبدا له قبل ان يلبي ان ينقض ذلك
بمواقعة النساء ، إله ذلك؟ فكتب : نعم ، ولا بأس به». وبمضمونها رواية زياد بن
مروان المروية في الكافي (4).
وما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان عن عبد الله بن
مسكان عن علي بن عبد العزيز (5) قال : «اغتسل
أبو عبد الله (عليهالسلام)
__________________
(1) ص 41 و 42.
(2) الفروع ج 4 ص 330 ، والتهذيب ج 5 ص 82 ، والوسائل الباب 14
من الإحرام ، والباب 11 من تروك الإحرام.
(3 و 4) الفروع ج 4 ص 331. والوسائل الباب 14 من الإحرام ،
والوافي باب (ما يجوز فعله بعد التهيؤ وقبل التلبية وما لا يجوز).
(5) الفروع ج 4 ص 330 ، والوسائل الباب 14 من الإحرام.
للإحرام ، ثم دخل مسجد الشجرة فصلى ،
ثم خرج الى الغلمان فقال : هاتوا ما عندكم من لحوم الصيد حتى نأكله».
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) (1) «في من عقد
الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل ان يلبي؟ قال : ليس عليه شيء».
قال الشيخ (2) بعد ذكر جملة من هذه الاخبار :
المعنى في هذه الأحاديث ان من اغتسل للإحرام ، وصلى ، وقال ما أراد من القول بعد
الصلاة ، لم يكن في الحقيقة محرما ، وإنما يكون قاعدا للحج والعمرة وانما يدخل في
ان يكون محرما إذا لبى. ثم حكى عن موسى عن صفوان عن معاوية بن عمار وغيره ممن روى
عنه صفوان هذه الاخبار ان الاخبار مستفيضة عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهماالسلام) (3) : ان من صلى ،
وقال الذي يريد ان يقول ، وفرض الحج أو العمرة على نفسه وتقدهما ، فله ان يفعل ما
شاء ما لم يلب ، فإذا أتم عقد إحرامه بالتلبية أو الإشعار أو التقليد ، فقد حرم
عليه الصيد وغيره ، ووجب عليه في فعله ما يجب على المحرم. انتهى ملخصا من كلامه
الطويل الذيل.
قال في المدارك بعد ذكر بعض أخبار المسألة : وربما ظهر
منها انه لا يجب استئناف نية الإحرام بعد ذلك بل يكفي الإتيان بالتلبية وعلى هذا
فيكون المنوي عند عقد الإحرام اجتناب ما يجب على المحرم اجتنابه من حين التلبية.
وصرح المرتضى في الانتصار بوجوب استئناف النية قبل التلبية والحال هذه. ويدل عليه
ما رواه الكليني عن النضر بن
__________________
(1 و 3) الوسائل الباب 14 من الإحرام.
(2) التهذيب ج 5 ص 83.
سويد عن بعض أصحابه. ثم ساق الرواية
المتقدمة. ثم قال : لكن الرواية ضعيفة بالإرسال. ولا ريب أن استئناف النية أولى
وأحوط. انتهى.
أقول : فيه أولا : ان النية التي أوجبوها في عقد الإحرام
ـ كما قدمنا نقله عنهم في صدر المقصد ـ إنما هي عبارة عن القصد إلى أمور أربعة :
ما يحرم به من حج أو عمرة ، ونوعه من تمتع أو أحد قسيميه ، وصفته من وجوب أو ندب ،
وما يحرم له من حجة الإسلام أو غيرها. ولم يعتبروا فيها قصد ما يجب اجتنابه على
المحرم ، وانما هذا أمر لازم لذلك ومترتب عليه متى أضاف التلبية الى ما فعله أولا.
ومن ثم انه لا تحصل المنافاة للنية بما يفعله من هذه الأشياء المذكورة في الاخبار.
وبذلك يظهر لك ما في قوله : «وعلى هذا فيكون المنوي. الى آخره».
وثانيا : اني لا اعرف لهذه الرواية وجه دلالة على ما
ذكره من وجوب استئناف النية ، حتى انه يستدل بها للمرتضى على ما نقله عنه ، بل
سبيلها سبيل الروايات المتقدمة.
وثالثا : اني لا اعرف وجها لهذه الأولوية والاحتياط الذي
ذكره في استئناف النية ، مع ما عرفت من ما قدمناه من الاخبار المستفيضة المتفقة
الدلالة على صحة الإحرام بذلك ، من غير تعرض ولو بالإشارة الى ما ذكره من استئناف
النية.
واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن احمد بن يحيى
عن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد (1) ـ قال : «سمعت ابي يقول في
__________________
(1) الوسائل الباب 14 من الإحرام. وارجع الى الاستدراكات.
رجل يلبس ثيابه ويتهيأ للإحرام ثم
يواقع اهله قبل ان يهل بالإحرام قال : عليه دم». ـ فهو خبر شاذ لا يبلغ قوة في
معارضة الأخبار المتقدمة. وقد حمله الشيخ على من لم يجهر بالتلبية وان كان قد لبى
في ما بينه وبين نفسه. واحتمل في الاستبصار حمله على الاستحباب ايضا
الثالث ـ لبس ثوبي الإحرام للرجل ، ووجوبه اتفاقي بين
الأصحاب قال في المنتهى : انا لا نعلم فيه خلافا.
وتدل عليه الاخبار : منها ـ قوله (عليهالسلام) في صحيحة
معاوية ابن عمار (1) : «إذا انتهيت
الى العقيق من قبل العراق ، أو الى وقت من هذه المواقيت ـ وأنت تريد الإحرام ـ فانتف
إبطيك. الى ان قال : واغتسل ، والبس ثوبيك. الحديث».
وفي صحيحة معاوية بن وهب (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) ـ ونحن
بالمدينة ـ عن التهيؤ للإحرام. فقال : اطل بالمدينة ، وتجهز بكل ما تريد ، وان شئت
استمتعت بقميصك ، حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء ، وتلبس ثوبيك ، ان شاء
الله».
وفي صحيحة هشام بن سالم (3) قال : «أرسلنا
الى ابي عبد الله
__________________
(1) الفروع ج 4 ص 326 ، والفقيه ج 2 ص 200 ، والوسائل الباب 6 و
15 من الإحرام.
(2) روى الشيخ في التهذيب ج 5 ص 62 و 64 هذه الرواية بطريقين ،
واللفظ يختلف فيهما. وأوردهما في الوسائل في الباب 7 من الإحرام برقم (1) و (3).
(3) الفروع ج 4 ص 328 ، والفقيه ج 2 ص 201 ، والتهذيب ج 5 ص 63
وص 303 ، والوسائل الباب 8 من الإحرام ، والباب 30 من تروك الإحرام.
(عليهالسلام) ـ ونحن جماعة
بالمدينة ـ انا نريد ان نودعك ، فأرسل إلينا أبو عبد الله (عليهالسلام) : ان اغتسلوا
بالمدينة ، فإني أخاف ان يعز عليكم الماء بذي الحليفة ، فاغتسلوا بالمدينة ،
والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ، ثم تعالوا فرادى أو مثاني. الحديث».
الى غير ذلك من الاخبار.
والمستفاد من الروايات المذكورة ان اللبس قبل عقد
الإحرام ، بل هو من جملة الأشياء التي يتهيأ بها للإحرام. قال العلامة في المنتهى
: فإذا أراد الإحرام وجب عليه نزع ثيابه ولبس ثوبي الإحرام ، يأتزر بأحدهما ويرتدي
بالآخر. وقال ابن الجنيد : ولا ينعقد الإحرام بالميقات إلا بعد الغسل والتجرد.
وينبه عليه ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن
عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا
تلبس ـ وأنت تريد الإحرام ـ ثوبا تزره ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل إلا ان لا يكون
لك إزار ، ولا الخفين إلا ان لا يكون لك نعلان».
بقي الكلام في انه هل اللبس من شرائط صحة الإحرام؟ حتى
لو أحرم عاريا أو لابسا مخيطا لم ينعقد إحرامه ، أم ينعقد إحرامه وان أثم تنظر فيه
الشهيد في الدروس ، ونسب الثاني إلى ظاهر الأصحاب ، حيث قال : وظاهر الأصحاب
انعقاده ، حيث قالوا : لو أحرم وعليه قميص نزعه ولا يشقه ، ولو لبسه بعد الإحرام
وجب شقه وإخراجه من تحته كما هو مروي. انتهى.
وأشار بالرواية الى ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية
بن عمار
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 69 و 70 ، والوسائل الباب 35 من تروك
الإحرام.
وغير واحد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) «في رجل أحرم
وعليه قميصه؟ فقال : ينزعه ولا يشقه. وان كان لبسه بعد ما أحرم شقه وأخرجه من ما
يلي رجليه».
وقال السيد السند في المدارك : ولو أخل باللبس ابتداء
فقد ذكر جمع من الأصحاب انه لا يبطل إحرامه وان اثم. وهو حسن. انتهى. أقول : والذي
وقفت عليه من الاخبار ـ زيادة على الصحيحة المذكورة ـ ما رواه في الكافي في الصحيح
عن صفوان عن خالد بن محمد الأصم (2) قال : «دخل رجل المسجد الحرام وهو
محرم ، فدخل في الطواف وعليه قميص وكساء ، فاقبل الناس عليه يشقون قميصه وكان صلبا
، فرءاه أبو عبد الله (عليهالسلام) وهم يعالجون
قميصه يشقونه ، فقال : له : كيف صنعت؟ فقال : أحرمت هكذا في قميصي وكسائي. فقال : انزعه
من رأسك ، ليس ينزع هذا من رجليه ، إنما جهل. فأتاه غير ذلك فسأله فقال : ما تقول
في رجل أحرم في قميصه؟ قال : ينزعه من رأسه».
وما رواه الشيخ عن عبد الصمد بن بشير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «جاء
رجل يلبي حتى دخل المسجد الحرام وهو يلبي وعليه قميصه ، فوثب إليه أناس من أصحاب
أبي حنيفة فقالوا : شق قميصك وأخرجه من رجليك ، فان عليك بدنة ، وعليك الحج من
قابل ، وحجك فاسد. فطلع أبو عبد الله (عليهالسلام) فقام على باب
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 45 من تروك الإحرام.
(3) التهذيب ج 5 ص 72 ، والوسائل الباب 45 من تروك الإحرام ،
والوافي باب (المحرم يلبس ما لا ينبغي له).
المسجد ، فكبر واستقبل الكعبة ، فدنا
الرجل من ابي عبد الله (عليهالسلام) وهو ينتف
شعره ويضرب وجهه ، فقال له أبو عبد الله (عليهالسلام) : اسكن يا
عبد الله. فلما كلمه ـ وكان الرجل أعجميا ـ فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : ما تقول؟
قال : كنت رجلا أعمل بيدي ، فاجتمعت لي نفقة ، فجئت أحج لم أسأل أحدا عن شيء ،
فأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وانزعه من قبل رجلي ، وان حجي فاسد ، وان علي بدنة.
فقال له : متى لبست قميصك ، أبعد ما لبيت أم قبل؟ قال : قبل ان ألبي. قال : فأخرجه
من رأسك ، فإنه ليس عليك بدنة ، وليس عليك الحج من قابل ، أي رجل ركب أمرا بجهالة
فلا شيء عليه. طف بالبيت سبعا ، وصل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) واسع بين
الصفا والمروة ، وقصر من شعرك ، فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج ، واصنع
كما يصنع الناس».
أقول : ظاهر هذين الخبرين ان لبس الثوب قبل الإحرام
والإحرام فيه انما كان عن جهل ، وانه معذور في ذلك لمكان الجهل. وصحيحة معاوية ابن
عمار المتقدمة وان كانت مطلقة إلا انه يمكن حمل إطلاقها على الخبرين. وحينئذ فيشكل
الحكم بالصحة في من تعمد الإحرام في المخيط عالما بالحكم. إلا انه قد تقدم من
الاخبار ما يدل على ان الإحرام إنما هو عبارة عن التلبية وأخويها ، فترك الثوبين
لا يضربه ولا يبطله. نعم يكون الإحرام فيهما (1) تعمدا موجبا للإثم ، والظاهر سقوطه
__________________
(1) هكذا وردت العبارة في النسخة المطبوعة والمخطوطة ، والظاهر
سقوط كلمة «ترك» من العبارة ، والصحيح هكذا : «نعم يكون ترك الإحرام فيهما تعمدا
موجبا للإثم».
بالجهل حينئذ هو المؤاخذة والمعاقبة
على ذلك.
ثم انه من ما يدل على وجوب الشق والإخراج من الرجلين إذا
كان اللبس بعد الإحرام ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله
(عليهالسلام) (1) قال : «إذا
لبست قميصا وأنت محرم فشقه وأخرجه من تحت قدميك».
وما رواه في الكافي في الصحيح ـ أو الحسن على المشهور ـ عن
معاوية بن عمار ايضا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «ان
لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب وأعد غسلك. وان لبست قميصا فشقه وأخرجه
من تحت قدميك».
وتحقيق القول في المقام يتوقف على بيان مسائل :
الأولى ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على
انه يتزر بأحد الثوبين ، واما الآخر فهل يتردى به أو يتخير بين ان يتردى به أو
يتوشح؟ قولان ، وبالأول صرح العلامة في المنتهى والتذكرة ، وبالثاني الشهيدان في
الدروس والمسالك والروضة ، وقبلهما الشيخان في المقنعة والمبسوط. والتوشح تغطية
أحد المنكبين والارتداء تغطيتهما معا. وبه صرح في المسالك والروضة. وذكر ابن حمزة
في الوسيلة أنه لا بد في الإزار من كونه ساترا لما بين السرة والركبة ، وبذلك صرح
في المسالك ايضا.
والذي صرح به أهل اللغة في معنى التوشح هو انه عبارة عن
إدخال الثوب تحت اليد اليمنى وإلقاء طرفيه على المنكب الأيسر. قال في المغرب :
توشح الرجل ، وهو ان يدخل ثوبه تحت يده اليمنى ويلقيه
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 45 من تروك الإحرام.
على منكبه الأيسر ، كما يفعل المحرم.
وكذلك الرجل يتوشح بحمائل سيفه ، فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى فتكون اليمنى
مكشوفة. وقال في كتاب المصباح المنير : وتوشح بثوبه ، وهو ان يدخله تحت إبطه
الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر ، كما يفعله المحرم.
والذي وقفت عليه من الاخبار في المقام صحيحة عبد الله بن
سنان المتقدمة في كيفية التلبيات الأربع (1) وفيها : «والتجرد في إزار ورداء ، أو
إزار وعمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء». وفي رواية محمد بن مسلم (2) : «يلبس
المحرم القباء إذا لم يكن له رداء». وفي صحيحة معاوية بن عمار (3) : «ولا سراويل
إلا ان يكون له إزار».
والمستفاد من هذه الاخبار ان الثوبين أحدهما إزار والآخر
رداء ، ومن الظاهر ان الذي جرت به العادة في لبسهما هو شد الإزار من السرة ووضع
الرداء على المنكبين ، والظاهر انه في حال الإحرام كذلك ايضا. فالقول بالتوشح
بالرداء ـ كما ذكروه ـ لا اعرف له وجها. ومجرد ذكر أهل اللغة ـ في بيان التوشح انه
كما يفعل المحرم ـ لا يصلح دليلا ، إذ لعله مخصوص بمذهب المخالفين المصرحين بذلك (4) وقال في
المدارك : ويعتبر في الإزار ستر ما بين السرة والركبة ، وفي الرداء كونه من ما
يستر المنكبين. ويمكن الرجوع فيه الى العرف. ولا يعتبر في وضعه كيفية
__________________
(1) ص 58 ، والوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(2) الفقيه ج 2 ص 218 ، والوسائل الباب 44 من تروك الإحرام.
(3) الوسائل الباب 35 من تروك الإحرام رقم (1) واللفظ فيها
بنحو الخطاب.
(4) العناية في شرح الهداية على هامش فتح القدير ج 2 ص 135 ،
وحاشية البحر الرائق لمحمد عابدين الحنفي ج 2 ص 320.
مخصوصة. وظاهره جواز الاتشاح كما
تقدم. وبالجملة فالواجب حمل إطلاق الاخبار المذكورة على ما جرت به العادة من لبس
الثوبين المذكورين. وبه يظهر قوة القول الأول.
الثانية ـ قد صرح الأصحاب بأنه لا يجوز الإحرام في ما لا
يجوز لبسه في الصلاة. ومقتضى ذلك عدم جوازه في الحرير المحض ، والنجس بنجاسة غير
معفو عنها في الصلاة ، وما يحكى الصورة ، وجلد غير المأكول.
ويمكن ان يستدل على ذلك بمفهوم قوله (عليهالسلام) في صحيحة
حريز (1) : «كل ثوب
تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه». فان كلا من الأشياء المعدودة من ما في الصلاة فيه
البأس. بل ربما يفهم من الرواية المذكورة عدم الإحرام في الجلد وان كان من مأكول
اللحم ، لعدم صدق الثوب عليه عرفا.
وإطلاق كلام الأصحاب يقتضي عدم الإحرام في ما يحكي
العورة إزارا كان أو رداء. وجزم الشهيد في الدروس بالمنع من الإزار الحاكي ، وجعل
اعتبار ذلك في الرداء أحوط. والأقرب عدم اعتباره فيه ، حيث انه تجوز الصلاة فيه
وان كان حاكيا.
ويدل على وجوب الطهارة في الثوبين ـ زيادة على ما تقدم ـ
ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن المحرم تصيب ثوبه الجنابة. قال : لا يلبسه حتى يغسله. وإحرامه تام».
__________________
(1) الوسائل الباب 27 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 37 من تروك الإحرام.
قال في المدارك : ومقتضى الرواية عدم جواز لبس النجس حال
الإحرام مطلقا. ويمكن جمله على ابتداء اللبس ، إذ من المستبعد وجوب الإزالة عن
الثوب دون البدن. إلا ان يقال بوجوب إزالتها عن البدن أيضا للإحرام. ولم أقف على
مصرح به ، وان كان الاحتياط يقتضي ذلك. انتهى. وهو جيد.
ومن ما يؤيد ذلك ايضا ما رواه الكليني في الحسن أو
الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن المحرم يقارن بين ثيابه التي أحرم فيها وغيرها. قال : لا بأس بذلك إذا كانت
طاهرة».
أقول : ظاهر هذه الرواية موافق لظاهر الصحيحة المتقدمة
في اشتراط استدامة طهارة ثوبي الإحرام ، وعدم جواز لبس النجس حال الإحرام ولا يبعد
القول به وان لم يتنبه له الأصحاب في المقام.
الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز
إحرام النساء في الحرير المحض ، فنقل عن الشيخ المفيد في كتاب أحكام النساء ، وابن
إدريس ، وجمع من الأصحاب : الجواز ، وهو المشهور بين المتأخرين واليه مال في
المدارك والذخيرة ، وعن الشيخ وابن الجنيد : القول بالمنع ، وبه صرح الشيخ المفيد
في المقنعة ، والشهيد في الدروس.
واستدل على القول الأولبصحيحة يعقوب بن شعيب (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : المرأة
تلبس القميص تزره عليها؟
__________________
(1) الفروع ج 4 ص 340 و 341 ، والوسائل الباب 30 من الإحرام. والباب
37 من تروك الإحرام.
(2) الوسائل الباب 33 من الإحرام.
وتلبس الحرير والخز والديباج؟ فقال :
نعم لا بأس به».
وصحيحة حريز المتقدمة (1) الدالة على ان
كل ثوب يصلى فيه فلا بأس ان يحرم فيه. والحرير من ما يجوز للنساء الصلاة فيه.
ورواية النضر بن سويد عن ابي الحسن (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن المرأة المحرمة أي شيء تلبس من الثياب؟ قال : تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة
بالزعفران والدروس. الى ان قال : ولا بأس بالعلم في الثوب. الحديث».
والذي يدل على المنع صريحا صحيحة العيص بن القاسم (3) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) : المرأة
المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين ، وكره النقاب».
وما رواه الكليني عن داود بن الحصين عن أبي عيينة (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) : ما يحل
للمرأة ان تلبس وهي محرمة؟ قال : الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير.
قلت : تلبس الخز؟ قال : نعم. قلت : فان سداه إبريسم وهو حرير؟ قال : ما لم يكن
حريرا خالصا فلا بأس». ورواه الشيخ في التهذيب عن
__________________
(1) ص 81.
(2) الوسائل الباب 33 من الإحرام ، والباب 39 و 49 من تروك
الإحرام والحديث ينتهي بقوله (ع) : «ولا بأس بالعلم في الثوب» فكلمة «. الحديث»
لعلها زيادة من الناسخ.
(3) الفروع ج 4 ص 344 ، والتهذيب ج 5 ص 73 و 74 ، والوسائل
الباب 33 من الإحرام ، والباب 48 من تروك الإحرام.
(4) الفروع ج 4 ص 345 ، والوسائل الباب 33 من الإحرام.
داود بن الحصين (1).
وما رواه أيضا في الموثق عن إسماعيل بن الفضل (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة هل
يصلح لها ان تلبس ثوبا حريرا وهي محرمة؟ قال : لا ، ولها ان تلبسه في غير إحرامها».
وفي الموثق عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «النساء
تلبس الحرير والديباج إلا في الإحرام».
وروى الشيخ في التهذيب عن مسمع عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) في حديث قال
فيه : «فأما المرأة فإنها يلبس من الثياب ما شاءت ما خلا الحرير المحض والقفازين».
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب نوادر احمد
ابن محمد بن ابي نصر عن جميل (5) «انه سأل أبا
عبد الله (عليه
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 75 ، والوسائل الباب 33 من الإحرام.
(2) الفروع ج 4 ص 346 ، والوسائل الباب 33 من الإحرام.
(3) الوسائل الباب 16 من لباس المصلي.
(4) لم أجد حديثا لمسمع بهذا المضمون في كتب الحديث ، وقد روى الشيخ
في التهذيب ج 5 ص 73 عن مسمع حديثا في نسيان الحلق أو التقصير وفي لبس المحرم
الخاتم. ثم قال الشيخ : فأما المرأة فإنها تلبس من الثياب ما شاءت ما خلا الحرير
المحض والقفازين ، ولا تلبس حليا تتزين به ، ولا تلبس الثياب المصبوغة المفدمة. ثم
ذكر الروايات الواردة في ذلك. والظاهر ان منشأ نسبة هذا اللفظ الى مسمع هو تخيل ان
كلام الشيخ جزء من حديث مسمع.
(5) الوسائل الباب 33 من الإحرام.
السلام). الى ان قال : وعن المرأة
تلبس الحرير؟ قال : لا». والحديث ـ كما ترى ـ صحيح.
وأصحابنا (رضوان الله عليهم) لم ينقلوا من هذه الروايات
إلا القليل وهو ما حضرهم. وأجابوا عنه بالحمل على الكراهة وترك الأفضل جمعا.
وأيد هذا الحمل الفاضل الخراساني في الذخيرة بجملة من
الاخبار الدالة على ذلك :
مثل ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبيد الله الحلبي عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا بأس
ان تحرم المرأة في الذهب والخز وليس يكره إلا الحرير المحض».
وعن سماعة في الموثق عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن المحرمة تلبس الحرير؟ فقال : لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه ، فاما
الخز والعلم في الثوب فلا بأس ان تلبسه وهي محرمة. وتلبس الخز ، اما انهم يقولون
ان في الخز حريرا. وإنما يكره الحرير المبهم».
وعن ابي بصير المرادي (3) «سأله عن القز
تلبسه المرأة في الإحرام؟ قال : لا بأس ، إنما يكره الحرير المبهم».
__________________
(1) الوسائل الباب 33 من الإحرام.
(2) الفقيه ج 2 ص 220 ، والوسائل الباب 33 من الإحرام. وليس
فيه توجيه السؤال بالنحو الذي ذكره (قدسسره).
(3) الفقيه ج 2 ص 220 ، والوسائل الباب 33 من الإحرام ،
والمسؤل هو أبو عبد الله (ع).
وروى الكليني في الموثق عن سماعة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا
ينبغي للمرأة ان تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فاما في الحر والبرد فلا بأس».
وفي الصحيح عن ابي الحسن الأحمسي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن العمامة السابرية فيها علم حرير ، تحرم فيها المرأة؟ قال : نعم ، إنما يكره ذلك
إذا كان سداه ولحمته جميعا حريرا. الحديث».
وأنت خبير بان استعمال لفظ الكراهة في الاخبار بمعنى
التحريم وكذا لفظ : «لا ينبغي» من ما لا يكاد يعد ولا يحصى كثرة ، وقد حققنا في
غير موضع من زبرنا ومؤلفاتنا ان هذين اللفظين ونحوهما من لفظ «لا أحب» ولفظ «الوجوب
والسنة» ونحوها من ما قد وقع استعمالها في الاخبار في المعنيين استعمالا شائعا لا
يمكن الحمل على أحدهما إلا مع القرينة الصارفة عن المعنى الآخر.
وقد ساعدنا السيد السند في المدارك على ما ذكرناه في
الاخبار المصرحة بالكراهة ، فقال ـ بعد احتمال الجمع بين الاخبار بحمل النهي على
الكراهة ، والاستدلال بصحيحة الحلبي ـ ما لفظه : لكن في حمل الكراهة الواقعة في
الروايات على المعنى المتعارف نظر تقدم تقريره مرارا. انتهى. وهو إشارة الى ما
ذكرناه من استعمال الكراهة في التحريم استعمالا شائعا.
وحينئذ فيرجع الكلام الى الروايات المتقدمة والنظر في
الترجيح
__________________
(1) الوسائل الباب 16 من لباس المصلي.
(2) الوسائل الباب 33 من الإحرام.
بينها ، فان الروايات الاولى من ما
استدل بها على الجواز ، والروايات الأخيرة ظاهرة في التحريم.
وهو الأظهر عندي في المسألة (اما أولا) : فلأن روايات
التحريم أكثر فترجع بالكثرة.
و (اما ثانيا) : فبحمل صحيحة يعقوب بن شعيب التي هي أظهر
ما استدل به لهذا القول ـ وعليها اقتصر في المدارك ـ على الحرير الغير المحض.
وبذلك صرح أيضا في المدارك ، فإنه احتمل في الجمع بين
الاخبار (أولا) بحمل النهي على الكراهة ، ثم رده بما قدمنا نقله عنه. و (ثانيا)
بحمل الأخبار المبيحة على ان المراد بالحرير غير المحض. واستشهد برواية داود بن
الحصين المتقدمة ، ثم طعن فيها بضعف السند. وأنت خبير بأنه مع الإغماض عن المناقشة
في هذا الطعن كما قدمناه مرارا ، فإن الرواية المذكورة معتضدة بجملة من الروايات
التي فيها الصحيح والموثق وغيرهما ، فيتعين حملها البتة على ما ذكرناه.
واما صحيحة حريز باعتبار دلالتها على ان كل ثوب يصلى فيه
يجوز الإحرام فيه ، فان فيه انه وان كان المشهور هو جواز صلاة النساء في الحرير
المحض ، ولم ينقلوا الخلاف في ذلك إلا عن الصدوق ، إلا ان ما ذهب اليه الصدوق
معتضد بجملة من الروايات ايضا ، وقوله لا يخلو من القوة.
ومن ما يدل عليه ما رواه في الخصال (1) عن جابر
الجعفي عن
__________________
(1) ج 2 ص 142 ، والوسائل الباب 16 من لباس المصلي ، والباب
123 من مقدمات النكاح.
ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «يجوز
للمرأة لبس الديباج والحرير في غير صلاة وإحرام».
ورواية زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «سمعته
ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط. الى ان قال : وإنما
يكره الحرير المحض للرجال والنساء».
واما رواية النضر بن سويد فيقيد إطلاقها بما صرحت به
الروايات الأخر ، ويستثني الحرير كما استثنته تلك الاخبار ، ومن هنا تحصل القرينة
الدالة على حمل «الكراهة» ولفظ «لا ينبغي» في الاخبار المتقدمة على التحريم ،
وتنتظم تلك الاخبار في اخبار التحريم. ويعضده رواية زرارة المذكورة ، فإنه ـ بعد
ان نقل عن الامام (عليهالسلام) انه سمعه ينهى
عن لباس الحرير ، للرجال والنساء الدال على التحريم عملا بحقيقة النهى ـ قال في
آخر الرواية : «وإنما يكره الحرير المحض» فعبر عن التحريم الذي ذكره في صدر
الرواية بالكراهة.
وبالجملة فالأظهر عندي هو القول بالتحريم ، ولا سيما مع
اعتضاده بالاحتياط وحصول يقين البراءة.
الرابعة ـ المعروف من مذهب الأصحاب جواز لبس المخيط
للنساء حتى قال العلامة في التذكرة. انه مجمع عليه بين الأصحاب. وقال في المنتهى :
يجوز للمرأة لبس المخيط إجماعا ، لأنها عورة وليست كالرجال. ولا نعلم فيه خلافا
إلا قولا شاذا للشيخ لا اعتداد به. انتهى.
__________________
(1) التهذيب ج 2 ص 367 ، والوسائل الباب 13 و 16 من لباس
المصلي.
والظاهر انه اشارة الى ما ذكره الشيخ
في النهاية (1) حيث قال : ويحرم
على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرجل ، ويحل لها جميع
ما يحل له. ثم قال بعد ذلك : وقد وردت رواية بجواز لبس القميص للنساء ، والأصل ما
قدمناه. فاما السراويل فلا بأس بلبسه لهن على كل حال. انتهى.
والظاهر هو القول المشهور ، لما عرفت من تصريح صحيحة
يعقوب ابن شعيب بأن المرأة تلبس القميص تزره عليها. والروايات التي بعدها من انها
تلبس ما شاءت إلا ما استثنى.
واما ما يدل على جواز لبس السراويل لهن فهو ما رواه
الصدوق في الصحيح عن محمد الحلبي (2) «انه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة
إذا أحرمت ، أتلبس السراويل؟ قال : نعم إنما تريد بذلك الستر».
وتجوز الغلالة للحائض ، وهي بكسر الغين : ثوب رقيق يلبس
تحت الثياب. وجواز ذلك لها من ما لا خلاف فيه ، بل نقل غير واحد منهم الإجماع عليه
، حتى ان الشيخ في النهاية صرح بجوازه وكذا جواز السراويل كما تقدم في عبارته ، مع
ما عرفت من صدر عبارته الدالة على المنع للمرأة من لبس المخيط وانه يحرم عليها ما
يحرم على الرجل.
ومن ما يدل على الجواز ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد
الله بن
__________________
(1) باب (ما يجب على المحرم اجتنابه وما لا يجب). والظاهر انه
يقصد بذلك صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة ص 82.
(2) الوسائل الباب 50 من تروك الإحرام.
سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «تلبس
المحرمة الحائض تحت ثيابها غلالة». ورواه ابن بابويه عن عبد الله في الصحيح مثله (2).
الخامسة ـ الظاهر انه لا خلاف في انه يجوز تعدد الثياب
وإبدالها إلا أنه إذا أراد الطواف فالأفضل أن يطوف في ثوبيه اللذين أحرم فيهما. ويدل
على الحكم الأول ما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن الحلبي (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المحرم
يتردى بالثوبين؟ قال : نعم ، والثلاثة ان شاء ، يتقي بها الحر والبرد».
وعلى الثاني والثالث ما رواه الصدوق في الصحيح والكليني
في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «لا بأس
بأن يغير المحرم ثيابه ، ولكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما.
وكره ان يبيعهما». قال الصدوق : وقد رويت رخصة في بيعهما (5).
ويدل على الحكم الثاني زيادة على الرواية المذكورة ما
رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (6) في حديث قال :
«ولا بأس ان يحول المحرم ثيابه».
وروى الشيخ عن الحلبي (7) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الثوبين
يرتدي بهما المحرم. قال : نعم ، والثلاثة ، يتقي بها الحر
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 52 من تروك الإحرام.
(3) الوسائل الباب 30 من الإحرام.
(4 و 5 و 6) الوسائل الباب 31 من الإحرام.
(7) التهذيب ج 5 ص 70 ، والوسائل الباب 30 و 31 من الإحرام. والباب
38 من تروك الإحرام.
والبرد. وسألته عن المحرم يحول ثيابه؟
فقال : نعم. وسألته : يغسلها إن أصابها شيء؟ قال : نعم. وإذا احتلم فيها فليغسلها».
السادسة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) في جواز لبس السراويل إذا لم يكن له إزار ، وجواز لبس القباء إذا لم يكن له
رداء. إلا ان كلامهم في الثاني لا يخلو من اشتباه.
وقد وقع الخلاف في موضعين أحدهما ـ انه هل يكون جواز لبس
القباء عند فقد ثوبي الإحرام معا أو فقد الرداء خاصة؟ ظاهر المحقق في الشرائع
والنافع : الأول ، حيث قال في الأول : وإذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام وكان
معه قباء ، جاز لبسه مقلوبا ، ويجعل ذيله على كتفيه. وقال في الثاني : ويجوز لبس
القباء مع عدمهما مقلوبا وبذلك صرح الشيخ في النهاية أيضا ، حيث قال : فإذا لم يكن
مع الإنسان ثوبا الإحرام وكان معه قباء فليلبسه مقلوبا ، ولا يدخل يديه في يدي
القباء. ونحوها عبارته في المبسوط ايضا. وبه صرح ابن إدريس في السرائر. وربما أشعر
تصريح هؤلاء بذلك بشهرة ذلك عند المتقدمين عليهم ، مع انه لم ينقل ذلك إلا عن
المحقق في عبارتيه المتقدمتين. وبالثاني صرح الشهيدان في اللمعة والدروس والمسالك
قال في المسالك بعد نقل عبارة الشرائع المذكورة : وتعليق الحكم بذلك على فقد
الثوبين يشعر بان واجد أحدهما لا يجوز له لبسه ، والظاهر جوازه مع فقد أحدهما خاصة
خصوصا الرداء. وخصه في الدروس بفقده وجعل السراويل بدلا عن الإزار. انتهى. وعبائر
جملة من الأصحاب هنا مجملة مثل عبارة العلامة في المنتهى ، حيث قال : ولا يجوز له
لبس القباء بالإجماع ، لانه مخيط ، فان لم يجد ثوبا جاز له ان يلبسه مقلوبا
ولا يدخل يديه في يدي القباء. ونحوها
عبارته في التذكرة.
والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالمقام منه : صحيحة
عمر ابن يزيد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «يلبس
المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين ، وان لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباء
بعد ان ينكسه».
وصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) (2) «في المحرم
يلبس الخف إذا لم يكن له نعل؟ قال : نعم ، ولكن يشق ظهر القدم. ويلبس المحرم
القباء إذا لم يكن له رداء ، ويقلب ظهره لباطنه».
وفي الكافي عن مثنى الخياط عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «من
اضطر الى ثوب وهو محرم وليس معه إلا قباء فلينكسه وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه». قال
: وفي رواية أخرى (4) : «يقلب ظهره
بطنه إذا لم يجد غيره».
وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) «في رجل هلكت
نعلاه ولم يقدر على نعلين؟ قال : له ان يلبس الخفين إذا اضطر الى ذلك ، وليشقه عن
ظهر القدم. وان لبس الطيلسان فلا يزره عليه. وان اضطر الى قباء من برد ولا يجد
ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا ، ولا يدخل يديه في يدي القباء».
وأنت خبير بان ظاهر صحيحتي عمر بن يزيد ومحمد بن مسلم
الدلالة
__________________
(1 و 3 و 4) الوسائل الباب 44 من تروك الإحرام.
(2) الفقيه ج 2 ص 218 ، والوسائل الباب 44 و 51 من تروك
الإحرام.
(5) الفروع ج 4 ص 346 ، والوسائل الباب 51 و 36 و 44 من تروك
الإحرام.
على ما ذكره الشهيدان.
والذي يظهر لي في الجمع بين هذه الاخبار هو انه متى فقد
الرداء خاصة جاز له لبس القباء ، كما دلت عليه الصحيحتان المذكورتان ، ومتى فقدهما
معا ، فان وجد السراويل جعلها عوضا عن الإزار ـ كما دل عليه جملة من الاخبار ـ وجعل
القباء عوضا عن الرداء ، ومتى فقد السراويل اجتزأ بالقباء عوضا عن الثوبين. وهو
الذي دلت عليه ما بعد الصحيحتين المذكورتين من الاخبار التي ذكرناها ، فإنها قد
اشتركت في الدلالة على انه اضطر الى القباء لعدم وجود ثوب غيره من إزار وسراويل
ونحوهما. واما تقييد الضرورة بالبرد في رواية أبي بصير فالظاهر ان هذه ضرورة أخرى
غير الضرورة المذكورة في الاخبار الباقية.
واما ما يدل على جواز السراويل مع فقد الإزار ، فهو ما
رواه ابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا
تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا ان تنكسه ، ولا ثوبا تدرعه ، ولا سراويل إلا ان
لا يكون لك إزار ، ولا خفين إلا ان لا يكون لك نعلان».
وما رواه الكليني في الكافي في الموثق عن حمران عن ابي
جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «المحرم
يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار ، ويلبس الخفين إذا يكن معه نعل».
وثانيهما ـ في انه هل المراد بقلب القباء هو تنكيسه وجعل
ذيله
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 218 ، والوسائل الباب 35 من تروك الإحرام.
(2) الوسائل الباب 50 من تروك الإحرام.
على العنق ، أو جعل باطنه ظاهره
وبالعكس؟
وبالأول صرح ابن إدريس في السرائر ، فقال : وان لم يكن
مع الإنسان ثوبان لإحرامه وكان معه قباء فليلبسه منكوسا ، ومعنى ذلك ان يجعل ذيله
فوق أكتافه. وقال بعض أصحابنا : فليلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في يدي القباء. والى
ما فسرناه يذهب ويعني بقوله : «مقلوبا» لان المقصود بذلك انه لا يشبه لبس المخيط
إذا جعل ذيله على أكتافه فاما إذا قلبه وجعل ذيله الى تحت فهذا يشبه لبس المخيط.
وما فسرناه به قد ورد صريحا في لفظ الأحاديث ، أورده البزنطي صاحب الرضا (عليهالسلام) في نوادره (1). ويجوز ان
يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار ، ولا كفارة عليه. انتهى.
وبالثاني صرح الشيخ وجمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم).
واجتزأ العلامة في المنتهى والمختلف بكل من الأمرين ،
وهو الظاهر الذي عليه تجتمع الأخبار فإن بعضا منها قد اشتمل على تفسيره بالتنكيس ،
كصحيحة عمر بن يزيد ورواية مثنى الخياط ، وبعضا فسره بجعل الظاهر باطنا وبالعكس ،
كصحيحة محمد بن مسلم ومرسلة الكليني ، وهو الظاهر من صحيحة الحلبي ورواية أبي بصير
، فإن النهي عن إدخال يديه في يدي القباء إنما يترتب على ذلك.
قيل : والاحتياط يقتضي الجمع بين الأمرين. وفيه ان
الروايات المذكورة قد اشتملت في بيان كيفية القلب على هاتين الصورتين والإنسان
مخير بينهما. وما ذكروه صورة ثالثة لا مستند لها ، فهي إلى خلاف الاحتياط أقرب منها
اليه ، كما لا يخفى.
واما ما استند اليه ابن إدريس ـ من التعليل لما ذهب اليه
ـ فعليل
__________________
(1) الوسائل الباب 44 من تروك الإحرام.
وكأنه لم يقف على الروايات الدالة على
القلب بالمعنى الآخر.
ثم انه قد صرح شيخنا الشهيد الثاني بأن المراد بالجواز في
عبارات الأصحاب في قولهم : «يجوز لبس الثوب مقلوبا عند تعذر الثوبين أو أحدهما» هو
الجواز بالمعنى الأعم ، والمراد منه الوجوب ، لانه بدل عن الواجب ، وعمل بظاهر
الأمر في النصوص. وهو جيد.
المقام الثاني ـ في مندوبات الإحرام ، ومنها ـ رفع الصوت
بالتلبية على المشهور. وقد تقدم بيان ذلك (1) في أول ملحقات المسألة الثالثة من
مسائل التلبيات.
ومنها ـ تكرار التلبية في المواضع التي تضمنتها الاخبار ،
كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة عبد الله بن سنان ، وقد تقدمتا (2) في المسألة
الثالثة من مسائل التلبيات.
ونحوهما صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «واجهر
بها كلما ركبت ، وكلما نزلت ، وكلما هبطت واديا ، أو علوت اكمة ، أو لقيت راكبا ،
وبالأسحار».
ومنتهى التلبية وتكرارها ان كان حاجا الى يوم عرفة عند
الزوال كما دلت عليه الاخبار :
ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس».
وصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) (5) قال :
__________________
(1) ص 61.
(2) ص 56 و 57 و 58.
(3) الوسائل الباب 40 من الإحرام.
(4 و 5) الوسائل الباب 44 من الإحرام.
«الحاج يقطع التلبية يوم عرفة زوال
الشمس».
وصحيحة عمر بن يزيد (1) قال : «إذا زاغت الشمس يوم عرفة
فاقطع التلبية».
وظاهر الاخبار المذكورة وجوب القطع في الصورة المذكورة ،
وهو المنقول عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ (قدسسرهما).
وان كان معتمرا بعمرة متعة فإذا شاهد بيوت مكة. قال في
الدروس : ونقل الشيخ الإجماع على ان المتمتع يقطعها وجوبا عند مشاهدة مكة.
ويدل على ذلك جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في
الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «المتمتع
إذا نظر الى بيوت مكة قطع التلبية».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
: أين يمسك المتمتع عن التلبية؟ فقال : إذا دخل البيوت بيوت مكة لا بيوت الأبطح».
وعن حنان بن سدير في الموثق عن أبيه (4) قال : «قال
أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهماالسلام) : إذا رأيت
أبيات مكة فاقطع التلبية». وما رواه الشيخ في الموثق عن معاوية بن عمار ـ والكليني
في الصحيح عنه ايضا ـ عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «إذا
دخلت مكة وأنت متمتع فنظرت الى بيوت مكة فاقطع التلبية. وحد بيوت
__________________
(1) الوسائل الباب 9 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.
(2 و 4) الوسائل الباب 43 من الإحرام. والشيخ يرويه عن
الكليني.
(3) الوسائل الباب 43 من الإحرام.
(5) الفروع ج 4 ص 399 ، والتهذيب ج 5 ص 94 ، والوسائل الباب 43
و 44 و 45 من الإحرام.
مكة التي كانت قبل اليوم عقبة
المدنيين ، وان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن. فاقطع التلبية. وعليك بالتكبير
والتهليل والتحميد والثناء على الله (عزوجل) ما استطعت. وان كنت قارنا بالحج فلا
تقطع التلبية حتى يوم عرفة عند زوال الشمس. وان كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت
الحرم».
أقول : في رواية الشيخين المذكورين لهذا الخبر زيادة في
بعض ونقيصة في آخر ، وما ذكرناه هو المجتمع من الروايتين.
وما رواه في الكافي في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي
نصر عن ابي الحسن الرضا (عليهالسلام) (1) «انه سئل عن
المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال : إذا نظر الى أعراش مكة عقبة ذي طوى. قلت : بيوت
مكة؟ قال : نعم».
وقال الشيخ المفيد في المقنعة : وحد بيوت مكة عقبة
المدنيين ، وان كان قاصدا لها من طريق العراق فإنه يقطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي
طوى. والظاهر انه قصد بذلك الجمع بين صحيحة أحمد بن محمد بن ابي نصر المذكورة وبين
صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أو موثقته برواية الشيخين المتقدمين.
واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن زيد الشحام عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (2) ـ قال : «سألته
عن تلبية المتعة متى تقطع؟ قال : حين يدخل الحرم». فحمله في الاستبصار على الجواز
، واخبار النظر الى البيوت على الفضل.
وان كان معتمرا بعمرة مفردة فقيل بالتخيير في قطع
التلبية بين
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 43 من الإحرام.
دخول الحرم أو عند مشاهدة الكعبة. وهو
مذهب الصدوق. وقيل : ان كان ممن خرج من مكة للإحرام فإذا شاهد الكعبة ، وان كان
ممن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم. واليه ذهب الشيخ ومن تبعه. وما صرح به الشيخ صرح
به في الشرائع.
ومنشأ الخلاف اختلاف الاخبار ظاهرا ، فإنه قد روى الصدوق
في من لا يحضره الفقيه (1) في الصحيح عن
عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من
أراد ان يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة والحديبية وما أشبههما ،. ومن خرج من
مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة».
وفي الموثق عن يونس بن يعقوب (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يعتمر عمرة مفردة ، من اين يقطع التلبية؟ قال : إذا رأيت بيوت ذي طوى فاقطع
التلبية».
وعن الفضيل بن يسار (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) قلت : دخلت
بعمرة ، فأين اقطع التلبية؟ قال : حيال العقبة عقبة المدنيين؟ قلت : اين عقبة
المدنيين؟ قال : حيال القصارين».
وعن مرازم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «يقطع
صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم».
__________________
(1) ج 2 ص 276 ، والوسائل الباب 22 من المواقيت ، والباب 45 من
الإحرام.
(2 و 3) الفقيه ج 2 ص 277 ، والتهذيب ج 5 ص 95 و 96 ، والوسائل
الباب 45 من الإحرام.
(4) الوسائل الباب 45 من الإحرام.
ثم قال بعد ذكر هذه الروايات : وروى (1) : انه يقطع
التلبية إذا نظر الى المسجد الحرام.
ثم قال (2) : هذه الاخبار كلها صحيحة ، متفقة
ليست بمختلفة ، والمعتمر عمرة مفردة في ذلك بالخيار يحرم من اي ميقات من هذه
المواقيت شاء ، ويقطع التلبية في أي موضع من هذه المواضع شاء ، وهو موسع عليه. ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقال الشيخ (3) بعد نقل هذه الروايات ، ورواية عمر
بن يزيد الأخرى عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «من دخل
مكة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم» : الوجه في
الجمع بين هذه الاخبار ان نحمل الرواية الأخيرة ـ يعني : رواية الفضيل ـ على من
جاء من طريق المدينة خاصة ، فإنه يقطع التلبية عند عقبة المدنيين ، والرواية التي
قال فيها : «انه يقطع التلبية عند ذي طوى» على من جاء من طريق العراق ، والرواية
التي تضمنت عند النظر إلى الكعبة على من يكون قد خرج من مكة للعمرة. وعلى هذا
الوجه لا تنافي بينها ولا تضاد. والرواية التي ذكرناها في الباب الأول «انه يقطع
المعتمر التلبية إذا دخل الحرم» نحملها على الجواز وهذه الروايات مع اختلاف
أحوالها على الفضل والاستحباب. وكان أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه (رحمهالله تعالى) حين
روى هذه
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 277 ، والوسائل الباب 45 من الإحرام.
(2) الفقيه ج 2 ص 277.
(3) الاستبصار ج 2 ص 177 و 178.
(4) الوسائل الباب 45 من الإحرام.
الروايات حملها على التخيير حين ظن
أنها متنافية ، وعلى ما فسرناه ليست متنافية ، ولو كانت متنافية لكان الوجه الذي
ذكره صحيحا.
أقول : الوجه هو رجحان ما ذكره الشيخ (رحمهالله) وهو الذي
استظهره في المسالك ، قال بعد نقل عبارة المصنف : والتفصيل قول الشيخ (رحمهالله تعالى) تنزيلا
لاختلاف الاخبار على اختلاف حال المعتمر فان كان قد خرج من مكة للإحرام بالعمرة
المفردة من خارج الحرم فلا سبيل الى العمل بمدلول الأخبار المتضمنة لقطعها إذا دخل
الحرم فإنه قد لا يكون بين موضع الإحرام وأول الحرم مسافة توجب التفصيل فيقطعها
إذا شاهد الكعبة ، وان كان قد جاء محرما بها من أحد المواقيت فإذا دخل الحرم. وهذا
هو الأصح. انتهى. وهو جيد.
ومنها ـ أن يشترط في إحرامه أن يحله حيث حبسه وفوائد هذا
الاشتراط ، وان لم تكن حجة فعمرة. واستحباب ذلك من ما اجمع عليه أصحابنا وأكثر
العامة (1).
والأصل فيه الأخبار المستفيضة ، كقول ابي عبد الله (عليهالسلام) في صحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة (2) الواردة في
كيفية الإحرام : «اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلىاللهعليهوآله) فان عرض لي
شيء يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ، اللهم ان لم تكن حجة فعمرة».
وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال :
__________________
(1) المغني لابن قدامة الحنبلي ج 3 ص 282.
(2) ص 29.
(3) الوسائل الباب 16 من الإحرام.
«إذا أردت الإحرام والتمتع فقل :
اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج ، فيسر ذلك لي وتقبله مني
واعني عليه ، وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي».
ورواية الفضيل بن يسار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «المعتمر
عمرة مفردة يشترط على ربه ان يحله حيث حبسه. ومفرد الحج يشترط على ربه ان لم تكن
حجة فعمرة».
ورواية أبي الصباح الكناني (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يشترط في الحج ، كيف يشترط؟ قال : يقول حين يريد ان يحرم : ان حلني حيث حبستني ،
فإن حبستني فهي عمرة. الحديث».
وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن حنان بن سدير في
الموثق (3) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : إذا
أتيت مسجد الشجرة فافرض. قلت : فأي شيء الفرض؟ قال : تصلي ركعتين ثم تقول : اللهم
اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج ، فإن أصابني قدرك فحلني حيث حبستني بقدرك.
فإذا أتيت الميل فلبه».
والظاهر حصول الاشتراط بأي لفظ كان إذا أفاد معناه ، كما
صرح به في المنتهى ، وان كان الإتيان بالمرسوم اولى.
والمستفاد من بعض الاخبار المذكورة ان وقته بعد الصلاة ،
كما صرح به في صحيحة معاوية بن عمار ، ورواية قرب الاسناد.
والظاهر عدم حصول الاشتراط بمجرد النية بل لا بد من
التلفظ به وقوفا على ظاهر الاخبار المذكورة. وتردد في المنتهى.
__________________
(1 و 3) الوسائل الباب 23 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 23 و 24 من الإحرام.
واختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في فائدة هذا
الاشتراط وما يترتب عليه على أقوال :
أحدها ـ ان فائدته سقوط الهدى مع الإحصار ، وهو المنع
بالمرض فيحصل التحلل متى اشترط بمجرد النية. وهو قول السيد المرتضى وابن إدريس ،
مدعيين إجماع الفرقة عليه.
وقيل بعدم السقوط. وهو منقول عن الشيخ وابن الجنيد ،
واختاره في المختلف ، وقواه في المنتهى.
ويدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن ذريح
المحاربي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ، وأحصر بعد ما أحرم ، كيف يصنع؟ قال : فقال : أو ما
اشترط على ربه قبل ان يحرم ان يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله؟ فقلت :
بلى قد اشترط ذلك قال : فليرجع إلى أهله حلالا لا إحرام عليه ، ان الله أحق من وفى
بما اشترط عليه. قلت : أفعليه الحج من قابل؟ قال : لا».
وصحيحة البزنطي (2) قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن محرم
انكسرت ساقه ، أي شيء يكون حاله؟ وأي شيء عليه؟ قال : هو حلال من كل شيء. فقلت
: من النساء والثياب والطيب؟ فقال : نعم من جميع ما يحرم على المحرم. وقال : أو ما
بلغك قول ابي عبد الله (عليهالسلام) : وحلني حيث
حبستني لقدرك الذي قدرت علي. الحديث».
والتقريب فيهما انهما دلتا على التحلل بمجرد الإحصار متى
اشترط
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 81 ، والوسائل الباب 24 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 1 و 8 من الإحصار والصد.
من غير تعرض لاعتبار الهدى ، ولو كان
واجبا لذكره في مقام البيان.
احتج الشيخ على عدم السقوط بقوله تعالى «فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» (1) وأجاب عنه السيد بأنه محمول على من
لا يشترط. وهو غير بعيد. ويؤيده ايضا ان المتبادر من قوله : «وحلني حيث حبستني» أن
التحلل لا يتوقف على شيء أصلا.
قال في المدارك : وموضع الخلاف من لم يسق الهدى ، اما
السائق فقال فخر المحققين انه لا يسقط عنه بإجماع الأمة.
أقول : ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن
مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) وبسند آخر
صحيح عن رفاعة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) «انهما قالا :
القارن يحصر ، وقد قال واشترط : فحلني حيث حبستني. قال : يبعث بهديه. قلت : هل
يتمتع في قابل؟ قال : لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه».
إلا ان الصدوق في الفقيه (3) قد ذكر هذا
المضمون وقال : فلا يبعث بهديه. قال (قدسسره) : «والقارن
إذا أحصر وقد اشترط وقال : «وحلني حيث حبستني» فلا يبعث بهديه ولا يستمتع من قابل
، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه». وظاهره ـ كما ترى ـ انه يتحلل بمجرد الشرط وان
كان قارنا ، ولا يجب عليه بعث ما ساقه. ومنه يظهر وقوع الخلاف في المسألة وعدم
ثبوت الإجماع المدعى. وهو ظاهر في ان
__________________
(1) سورة البقرة ، الآية 196.
(2) التهذيب ج 5 ص 423 ، والوافي باب (المحصور والمصدود)
والوسائل الباب 4 من الإحصار والصد.
(3) ج 2 ص 305 و 306.
مذهب الصدوق في هذه المسألة هو ما ذهب
اليه المرتضى.
إذا عرفت هذا فاعلم ان الروايات هنا قد اختلفت في وجوب
الحج من قابل وعدمه في الصورة المذكورة.
فمن ما يدل على العدم ما تقدم في صحيحة ذريح وصحيحتي
محمد بن مسلم ورفاعة المتقدمتين وغيرهما ايضا.
ومن ما يدل على الوجوب قوله في تتمة صحيحة البزنطي المتقدمة
(1) «قلت : أصلحك
الله ما تقول في الحج؟ قال : لا بد أن يحج من قابل».
وما رواه الشيخ في التهذيب (2) في الصحيح عن
ابي بصير ـ وهو المرادي بقرينة عبد الله بن مسكان عنه ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يشترط في الحج : ان حلني حيث حبستني. أعليه الحج من قابل؟ قال : نعم».
وفي تتمة رواية أبي الصباح الكناني المتقدمة بعد ذكر ما
قدمنا نقله منها (3) «فقلت له :
فعليه الحج من قابل؟ قال : نعم». وقال صفوان (4) : قد روى هذه الرواية عدة من أصحابنا
كلهم يقول : ان عليه الحج من قابل.
والشيخ قد جمع بين هذه الاخبار الوجوب على حجة الإسلام
واخبار العدم على الحج المستحب. وهو جيد.
وثانيها ـ ان فائدته جواز التحلل عند الإحصار من غير
تربص الى ان يبلغ الهدي محله ، فإنه لو لم يشترط لم يجز له التعجيل. وهو ظاهر
__________________
(1) الوسائل الباب 8 من الإحصار والصد.
(2) ج 5 ص 80 و 81 ، والوسائل الباب 24 من الإحرام ، والباب 8
من الإحصار والصد.
(3 و 4) الوسائل الباب 24 من الإحرام.
المحقق في الشرائع وصريحة في النافع ،
حيث قال في الأول : الرابعة ـ إذا اشترط في إحرامه ان يحله حيث حبسه ثم أحصر تحلل
، وهل يسقط الهدي؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه. وفائدة الاشتراط جواز
التحلل عند الإحصار. وقيل : يجوز التحلل من غير شرط ، والأول أظهر. والتقريب فيها
ـ بناء على ما ذكرناه ـ ان قوله : «وفائدة الاشتراط» جواب سؤال مقدر ، وهو ان يقال
: إذا أوجبتم هدي التحلل على المحصور وان اشترط على ربه ان يحله حيث حبسه ، فما
فائدة هذا الاشتراط؟ ـ وهذا هو الذي اعترض به ابن إدريس على الشيخ في القول
المتقدم ـ وإذا لم يكن للشرط فائدة فقد انتفت شرعيته ، وأنتم لا تقولون به. فأجاب
ان فائدته جواز التحلل اي تعجيله للمحصور عند الإحصار من غير تربص الى ان يبلغ الهدي
محله ، فإنه لو لم يشترط لم يجز له التعجيل. واما عبارة النافع فإنها صريحة في ذلك
، حيث قال : ولا يسقط هدي التحلل بالشرط بل فائدته جواز التحلل للمحصور من غير
تربص.
وثالثها ـ ان فائدة هذا الشرط سقوط الحج في القابل عن من
فاته الموقفان. ذكره الشيخ في التهذيب.
واستدل عليه بما رواه في الصحيح عن ضريس بن أعين (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل خرج
متمتعا بالعمرة إلى الحج ، فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر. فقال : يقيم على إحرامه ،
ويقطع التلبية حين يدخل مكة ، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 295 و 296 ، والوسائل الباب 27 من الوقوف
بالمشعر. والحديث عن ابي جعفر (ع).
رأسه ، وينصرف إلى اهله ان شاء. وقال
: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه ، فان لم يكن اشترط فان عليه الحج من قابل».
واستشكله العلامة في المنتهى بان الحج الفائت ان كان
واجبا لم يسقط فرضه في العام القابل بمجرد الاشتراط ، وان لم يكن واجبا لم يجب
بترك الاشتراط. ثم قال : والوجه حمل إلزام الحج في القابل مع ترك الاشتراط على شدة
الاستحباب. انتهى. وهو جيد. ويؤكده ما صرح به في المنتهى في موضع آخر ، حيث قال :
الاشتراط لا يفيد سقوط فرض الحج في القابل لو فاته الحج ، ولا نعلم فيه خلافا. ثم
أورد صحيحة أبي بصير ورواية أبي الصباح الكناني المتقدمتين (1) ثم قال : واما
ما رواه جميل بن صالح عن ذريح المحاربي. وساق الرواية المتقدمة (2) ثم نقل عن
الشيخ حملها على من كان حجه تطوعا ، واستحسنه. وبالجملة فإن الظاهر ان القول
المذكور لا وجه له وروايته متأولة.
ورابعا ـ ان فائدة هذا الشرط استحقاق الثواب بذكره في
عقد الإحرام ، لأنه مأمور به ، وان لم يحصل له فائدة لم تحصل بدون الاشتراط. وهو
قول شيخنا الشهيد الثاني في جملة من مصنفاته ، قال في المسالك بعد ذكر الفوائد
الثلاث المذكورة : وكل واحدة من هذه الفوائد لا تأتي على جميع الأفراد التي يستحب
فيها الاشتراط : اما سقوط الهدى فمخصوص بغير السائق ، إذ لو كان قد ساق هديا لم
يسقط واما تعجيل التحلل فمخصوص بالمحصر دون المصدود. واما كلام التهذيب فمخصوص
بالمتمتع. وظاهر ان ثبوت التحلل بالأصل ، والعارض
__________________
(1) ص 101 و 104.
(2) ص 102.
لا مدخل له في شيء من الأحكام.
واستحباب الاشتراط ثابت لجميع افراد الحج. ومن الجائز كونه تعبدا أو دعاء مأمورا
به يترتب على فعله الثواب. انتهى.
قال في المدارك بعد نقل الأقوال المذكورة : والذي يقتضيه
النظر ان فائدته سقوط التربص عن المحصر ، كما يستفاد من قوله (عليهالسلام) : «وحلني حيث
حبستني» وسقوط الهدي عن المصدود ، لما ذكرناه من الأدلة. مضافا الى ضعف دليل وجوبه
بدون الشرط ، كما سنبينه في محله. بل لا يبعد سقوطه مع الحصر ايضا ، كما ذهب اليه
المرتضى وابن إدريس. ولا ينافي ذلك قوله (عليهالسلام) في حسنة
زرارة (1) : «هو حل إذا
حبسه اشترط أو لم يشترط». لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في
الحالين ، ونحن نقول به. ولا يلزم من ذلك تساويهما من كل وجه ، فيجوز افتراقهما
بسقوط الدم مع الشرط ولزومه بدونه. والله أعلم بحقائق أحكامه.
أقول : لا يخفى ان الظاهر من حسنة زرارة المذكورة الدالة
على انه حل إذا حبسه شرط أو لم يشترط ـ ومثلها ما رواه في الفقيه (2) عن حمزة بن
حمران قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن
__________________
(1) الوسائل الباب 25 من الإحرام.
(2) ج 2 ص 306 ، والوسائل الباب 23 من الإحرام ، والباب 8 من
الإحصار والصد. واللفظ فيه هكذا : «سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله (ع) عن الرجل
يقول ...» وما أورده (قدسسره) يطابق ما في الفروع ج 4 ص 333 ،
والتهذيب ج 5 ص 80.
الذي يقول : حلني حيث حبستني. فقال :
هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل». وروى مثله عن حمران بن أعين (1) ـ انما هو
التحلل بمجرد الحبس الذي هو عبارة عن الصد والحصر. وهو بالنسبة إلى المصدود ظاهر ،
لما دلت عليه الاخبار. مضافا الى اتفاق أكثر الأصحاب من انه يتحلل بذبح الهدي في
مكانه. اما المحصور الذي دلت الأخبار المعتضدة بكلام الأصحاب على انه لا يتحلل حتى
يبلغ الهدي محله ، من منى ان كان في حج ، ومكة ان كان في عمرة ـ ومع هذا يبقى عليه
تحريم النساء الى ان يأتي بالمناسك في العام القابل ان كان الحج واجبا ، أو طواف
النساء ان كان مستحبا ، كما سيأتي ان شاء الله (تعالى) جميع ذلك مفصلا في بابه ـ فكيف
يصدق عليه انه حل حيث حبسه شرط أو لم يشترط؟ إذ المتبادر من هذه العبارات إنما هو
حله بمجرد الحبس من غير توقف على أمر آخر وهو في المحصور مع عدم الاشتراط ليس
كذلك. واما مع الاشتراط فيبني على الخلاف.
وبالجملة فظاهر الخبرين المذكورين ـ بناء على ما عرفت ـ لا
يخلو من الاشكال. وبذلك يظهر لك ما في قوله : «لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت
التحلل مع الحبس في الحالين ونحن نقول به» فان فيه : انه إذا أراد ثبوت التحلل مع
الحبس بالنسبة إلى الحصر بمجرد الحبس وان كان مع عدم الشرط فهو لا يقول به ولا
غيره ، وان أراد في الجملة ولو كان بعد بلوغ الهدى محله فهو خلاف ظاهر الخبر
المذكور. وكذا الخبر الآخر.
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 207 ، والوسائل الباب 23 و 25 من الإحرام.
والظاهر ايضا من اخبار هدي المحصور ان الغرض منه إنما هو
التحلل به ، وان صاحبه يبقى على إحرامه إلى يوم الوعد بينه وبين أصحابه ، ثم يحل
في الساعة التي وأعدهم. وحينئذ فإن كان مجرد الحبس موجبا للحل كما هو ظاهر
الروايتين المذكورتين فلا وجه للهدي حينئذ ، لأن الغرض من الهدي بمعاونة الأخبار
المشار إليها إنما هو التحلل ، وهو قد تحلل بمجرد الحبس كما دل عليه الخبران
المذكوران. وبذلك يظهر ما في قوله (قدسسره) : «فيجوز
افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط ولزومه بدونه» بل لا فرق بينهما بظاهر الخبرين
المشار إليهما.
والعجب انه تبعه على هذه المقالة جمع ممن تأخر عنه :
منهم ـ الفاضل الخراساني في الذخيرة ، والمحدث الكاشاني في الوافي ، ولم يتنبهوا
لما فيه من الاشكال المذكور.
وبالجملة فالمسألة عندي من جهة هذين الخبرين محل اشكال. والله
العالم.
ومنها ـ التلفظ بما عزم عليه. ذكر ذلك جملة من الأصحاب.
ويدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في
الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «قلت له
: اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج ، فكيف أقول؟ قال : تقول : اللهم اني أريد
أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلىاللهعليهوآله). وان شئت
أضمرت الذي تريد».
وعن ابي الصلاح مولى بسام الصيرفي (2) قال : «أردت
الإحرام
__________________
(1) الوسائل الباب 17 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 17 من الإحرام. وارجع الى التعليقة (2) ص
30.
بالمتعة ، فقلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : كيف أقول؟
قال : تقول : اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك (صلىاللهعليهوآله). وان شئت
أضمرت الذي تريد».
وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم اني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج
، فيسر ذلك لي ، وتقبله مني ، واعني عليه وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي ،
أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب. وان شئت فلب حين تنهض ، وان شئت
فأخره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة فافعل».
قال السيد السند (قدسسره) في المدارك
في هذا المقام : والأفضل ان يذكر في تلبية عمرة التمتع الحج والعمرة معا ، على
معنى أنه ينوي فعل العمرة أولا ثم الحج بعدها باعتبار دخولها في حج التمتع لقوله (عليهالسلام) في صحيحة
الحلبي (2) : «ان أمير
المؤمنين (عليهالسلام) كان يقول
فيها : لبيك بحجة وعمرة معا لبيك». وفي صحيحة يعقوب بن شعيب (3) «فقلت له : كيف
تصنع أنت؟ قال : اجمعهما فأقول : لبيك بحجة وعمرة معا». ولو أهل المتمتع بالحج جاز
، لدخول عمرة التمتع فيه ، كما تدل عليه صحيحة زرارة (4) قال :
__________________
(1) الوسائل الباب 16 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 21 من الإحرام.
(3) الوسائل الباب 17 و 21 من الإحرام.
(4) الوسائل الباب 22 من الإحرام. والحديث في النسخ عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) وهو عن ابي جعفر (عليهالسلام) كما أوردناه.
«قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) : كيف أتمتع؟
قال : تأتي الوقت فتلبي بالحج ، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت ، وصليت ركعتين خلف
المقام ، وسعيت بين الصفا والمروة ، وقصرت ، وأحللت من كل شيء. وليس لك ان تخرج
من مكة حتى تحج». قال الشهيد في الدروس ـ بعد ان ذكر ان في بعض الروايات الإهلال
بعمرة التمتع ، وفي بعضها الإهلال بالحج ، وفي بعض آخر الإهلال بهما ـ : وليس
ببعيد اجزاء الجميع ، إذ الحج المنوي هو الذي دخلت فيه العمرة. فهو دال عليها
بالتضمن ، ونيتهما معا باعتبار دخول الحج فيها. وهو حسن. قال في المنتهى : ولو
اتقى كان الأفضل الإضمار. واستدل عليه بروايات : منها ـ صحيحة منصور بن حازم (1) قال : «أمرنا
أبو عبد الله (عليهالسلام) ان نلبي ولا
نسمي شيئا. وقال : أصحاب الإضمار أحب الي». ولا بأس به. انتهى كلام السيد (قدسسره).
أقول : لا يخفى على من راجع الأخبار الجارية في هذا
المضمار انه لما كان الحج الواجب على أهل الآفاق هو حج التمتع ، والأفضل من افراد
الحج بعد الإتيان بحج الإسلام هو حج التمتع ايضا ، وكان العامة يبالغون في المنع
من التمتع (2) خرجت الاخبار
في التلبية بحج التمتع مختلفة باختلاف مقتضيات الأحوال ، فجملة منها تضمن التلبية
بالحج والعمرة ، وجملة خرجت بالتلبية بالحج ـ يعني : حج
__________________
(1) الوسائل الباب 17 من الإحرام.
(2) ارجع الى الصفحة 358 و 359 و 405 من الجزء الرابع عشر من
الحدائق.
الافراد ـ مع إضمار نية العدول عنه
بعد الوصول إلى مكة والإتيان بالطواف والسعي. ولكن اخبار هذا القسم ما بين مجمل ـ كصحيحة
زرارة التي نقلها وحملها على حج التمتع ، وان تقدمه في ذلك في الدروس كما نقله عنه
ـ وما بين مصرح بالفسخ بعد الدخول إلى مكة كصحيحة البزنطي التي قدمناها في الفائدة
الرابعة من الفوائد الملحقة بمسألة النية من المقصد الثاني (1) ومثلها صحيحة
زرارة المنقولة عن كتاب الكشي كما قدمنا ذكرها ايضا (2) وروايات أخر
تقدمت في الموضع المذكور (3). والفاضلان
المذكوران لعدم وقوفهما على تلك الروايات حملوا هذه الرواية ـ ومثلها صحيحة
البزنطي الأخرى (4) لإجمالها ايضا
ـ على حج التمتع. وهو سهو محض ، فإنه لا يخفى على من لا حظ الاخبار بعين التدبر
والاعتبار ان لفظ الحج بقول مطلق انما يراد به حج الافراد ، وكذا في عبارات
الأصحاب أيضا. وجملة منها قد تضمنت الأمر بالإضمار. وسبيل هذين القسمين الأخيرين
هو التقية فربما نادت بالإضمار ، وربما لم تناد إلا بالإجهار بالتلبية بحج الافراد
فيلبي به ويضمر الفسخ بعد دخوله مكة.
ومن ما يستأنس به لما ذكرناه ـ زيادة على ما قدمناه في
الموضع المشار اليه من الروايات الواضحة ـ صحيحة الحلبي التي نقل عن أمير المؤمنين
(عليهالسلام) ما ذكره (5) هذه صورتها :
عن الحلبي عن
__________________
(1) ص 35.
(2) ص 35 و 36 ، وج 14 ص 401.
(3) ص 37 و 38.
(4) ص 36.
(5) الوسائل الباب 21 من الإحرام.
ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان
عثمان خرج حاجا ، فلما صار الى الأبواء أمر مناديا ينادي بالناس : اجعلوها حجة ولا
تمتعوا. فنادى المنادي ، فمر المنادي بالمقداد بن الأسود ، فقال : اما لتجدن عند
القلائص رجلا ينكر ما تقول. فلما انتهى المنادي الى علي (عليهالسلام) وكان عند
ركائبه يلقمها خبطا ودقيقا ، فلما سمع النداء تركها ومضى الى عثمان ، فقال : ما
هذا الذي أمرت به؟ فقال : رأي رأيته. فقال : والله لقد أمرت بخلاف رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ثم أدبر
موليا رافعا صوته : لبيك بحجة وعمرة معا لبيك. الحديث» (1).
أقول : حيث كان عثمان لما فعله من البدع قد سقط قدره من
أعين الناس لم يتقه وجاهر بخلافه. ولكن سنته وسنن أمثاله جرت بعد ذلك.
واماصحيحة يعقوب بن شعيب فهي ما رواه عنه في التهذيب (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) فقلت : كيف
ترى لي ان أهل؟ فقال لي : ان شئت سميت وان شئت لم تسم شيئا. فقلت له : كيف تصنع
أنت؟ فقال : اجمعهما فأقول : «لبيك بحجة وعمرة معا». ثم قال : اما اني قد قلت
لأصحابك غير هذا».
ومنها ـ أن يحرم في الثياب القطن الأبيض.
أما استحباب كونها قطنا فاستدل عليه
بما رواه الكليني في الكافي عن الحسن بن علي عن بعض
أصحابنا عن بعضهم (عليهمالسلام) (3) قال : «أحرم
__________________
(1) صحيح البخاري باب (التمتع والافراد والقران في الحج) وصحيح
مسلم باب (جواز التمتع).
(2) ج 5 ص 88 ، والوسائل الباب 17 و 21 من الإحرام.
(3) الوسائل الباب 27 من الإحرام.
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في ثوبي كرسف».
ورواه الصدوق ايضا مرسلا (1).
واما استحباب البيض فلما روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله) (2) انه قال : «خير
ثيابكم البياض ، فألبسوها أحياءكم ، وكفنوا بها موتاكم».
والظاهر ان هذه الرواية عامية ، فإني لم أقف عليها في
كتب الاخبار.
إلا انه قد روي نحو هذا المضمون في عدة من أخبارنا :
منها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن جابر عن ابي جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «قال
النبي (صلىاللهعليهوآله) : ليس من
لباسكم شيء أحسن من البياض فالبسوه ، وكفنوا فيه موتاكم».
وما رواه في الكافي في الموثق عن ابن القداح عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (4) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : البسوا
البياض ، فإنه أطيب واطهر. وكفنوا فيه موتاكم».
وعن مثنى الخياط عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : البسوا
البياض ، فإنه أطيب وأطهر
__________________
(1) الوسائل الباب 27 من الإحرام.
(2) نقل في الوسائل الباب 14 من أحكام الملابس عن مجالس الشيخ
عن أبي هريرة عن النبي (ص) ما يقارب هذا اللفظ. وكذا في المسند لأبي بكر عبد الله
بن الزبير الحميدي ج 1 ص 240.
(3 و 4) الوسائل الباب 19 من التكفين ، والباب 14 من أحكام
الملابس.
(5) الوسائل الباب 19 من التكفين.
وكفنوا فيه موتاكم».
ويمكن تأييدها بصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «كان
ثوبا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) اللذان أحرم
فيهما يمانيين عبري وأظفار ، وفيهما كفن». ووجه التأييد ما ورد من استحباب التكفين
في الثياب البيض (2).
ولا بأس بالإحرام بالثوب الأخضر ، لما رواه الصدوق
والكليني عن خالد بن ابي العلاء الخفاف (3) قال : «رأيت أبا جعفر (عليهالسلام) وعليه برد
أخضر وهو محرم».
والمصبوغ بمشق ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي بصير
عن ابي جعفر (عليهالسلام) (4) قال : «سمعته
وهو يقول : كان علي (عليهالسلام) محرما ومعه
بعض صبيانه ، وعليه ثوبان مصبوغان ، فمر به عمر بن الخطاب فقال : يا أبا الحسن ما
هذان الثوبان المصبوغان؟ فقال (عليهالسلام) : ما نريد
أحدا يعلمنا بالسنة ، إنما هما ثوبان صبغا بالمشق ، يعني : الطين».
والخز ، لما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن محمد بن
عبد الله الحميري (5) «انه كتب الى
صاحب الزمان (عليهالسلام) : هل يجوز
للرجل ان يحرم في كساء خز أم لا؟ فكتب إليه في الجواب :
__________________
(1) الوسائل الباب 5 من التكفين ، والباب 27 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 19 من التكفين.
(3) الوسائل الباب 28 من الإحرام.
(4) الوسائل الباب 42 من تروك الإحرام.
(5) الوسائل الباب 32 من الإحرام.
لا بأس بذلك ، وقد فعله قوم صالحون». ورواه
الشيخ في كتاب الغيبة مثله (1).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) «انه سأل أبا
الحسن (عليهالسلام) عن المحرم
يلبس الخز؟ قال : لا بأس». ورواه الكليني مثله (3).
والبرد ، لما رواه الصدوق (قدسسره) بإسناده عن
حماد النواء (4) «انه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام) ـ أو سئل وهو
حاضر ـ عن المحرم يحرم في برد؟ قال : لا بأس به ، وهل كان الناس يحرمون إلا في
البرد».
وعن عمرو بن شمر عن أبيه (5) قال : «رأيت
أبا جعفر (عليهالسلام) وعليه برد
مخفف وهو محرم». والظاهر ان معنى قوله : «مخفف» اي رقيق شفاف يرى ما تحته.
المقصد الثالث في أحكام الإحرام
وقد تقدم أكثرها في المباحث المتقدمة ، إلا انه بقي جملة
منها يجب تحريرها في مسائل :
الأولى ـ لا يجوز لمن عقد إحراما أن يعقد إحراما آخر حتى
يأتي بأفعال ما أحرم له أو لا كملا ، والظاهر انه لا خلاف فيه كما يظهر من المنتهى.
__________________
(1 و 3) الوسائل الباب 32 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 32 من الإحرام. والمسؤل في الوسائل هو أبو
الحسن (ع) كما أورده ، وفي الفقيه ج 2 ص 218 هو أبو عبد الله (ع).
(4 و 5) الوسائل الباب 28 من الإحرام.
ويدل عليه قوله (عزوجل) «وَأَتِمُّوا
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ» (1) وبإدخال أحدهما على الآخر لا يحصل
الإتمام.
ويدل عليه أيضا الأخبار الدالة على كيفية كل من هذه
الأفراد التي يحرم لها من عمرة التمتع وحجه وحج الافراد وعمرته ، فإنها صريحة في
وجوب إكمال كل منها ، فإدخال بعضها في بعض خلاف الكيفية المستفادة من الشرع ،
فيكون تشريعا.
وعلى هذا فلو أحرم بحج التمتع قبل التقصير من عمرته ،
فان كان ناسيا فالمشهور انه لا شيء عليه. وقيل عليه دم ، نقل ذلك عن الشيخ علي بن
بابويه والشيخ الطوسي وابن البراج. وحكى العلامة في المنتهى قولا لبعض الأصحاب
ببطلان الإحرام الثاني والبقاء على الإحرام الأول مع انه قال في المختلف : لو أخل
بالتقصير ساهيا وادخل إحرام الحج على العمرة سهوا لم يكن عليه إعادة الإحرام وتمت
عمرته إجماعا وصح إحرامه. ثم نقل الخلاف في وجوب الدم خاصة.
وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور ، لما رواه الشيخ في
الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) «في رجل متمتع
نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج؟ قال : يستغفر الله تعالى».
وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (3) قال : «سألت
أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن رجل تمتع
بالعمرة إلى الحج ، فدخل مكة فطاف وسعى ، ولبس ثيابه وأحل ، ونسي أن يقصر حتى خرج
الى عرفات.
__________________
(1) سورة البقرة ، الآية 196.
(2 و 3) الوسائل الباب 54 من الإحرام. والشيخ يرويه عن
الكليني.
قال : لا بأس به ، يبنى على العمرة
وطوافها وطواف الحج على أثره».
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن رجل أهل بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل في الحج. قال : يستغفر الله ولا شيء
عليه ، وتمت عمرته».
احتج الشيخ على وجوب الدم بما رواه عن إسحاق بن عمار في
الموثق (2) قال : «قلت
لأبي إبراهيم (عليهالسلام) : الرجل
يتمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج؟ فقال : عليه دم يهريقه».
قال في الفقيه (3) : الدم على الاستحباب ، والاستغفار
يجزئ عنه والخبران غير مختلفين.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (4) : وان نسي
المتمتع التقصير حتى يهل بالحج كان عليه دم. وروى يستغفر الله.
وهذا هو مستند الشيخ على بن بابويه ، بل الظاهر ان
عبارته ـ لو نقلت ـ عين هذه العبارة ، كما عرفته في غير موضع من ما تقدم.
وان كان عامدا فقيل انه تبطل عمرته ويصير حجة مفردا ،
ذهب اليه الشيخ وجمع من الأصحاب : منهم ـ الشهيد في شرح الإرشاد ، وصاحب الجامع
على ما نقله فيه ايضا ، والعلامة في المختلف والتذكرة والمنتهى ، والشهيد الثاني
في المسالك ، والظاهر انه المشهور. وذهب
__________________
(1) الوسائل الباب 54 من الإحرام ، والباب 6 من التقصير.
والشيخ يرويه عن الكليني.
(2) الوسائل الباب 54 من الإحرام ، والباب 6 من التقصير.
(3) ج 2 ص 237 ، والوسائل الباب 6 من التقصير.
(4) ص 29.
ابن إدريس إلى بطلان الإحرام الثاني
والبقاء على الإحرام الأول.
استدل الشيخ في التهذيب على ما ذهب اليه بما رواه في
الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «المتمتع
إذا طاف وسعى ثم لبى قبل ان يقصر ، فليس له ان يقصر ، وليس له متعة». وهذه الرواية
قد وصفها جمع بالصحة : منهم ـ العلامة في التذكرة والمنتهى والمختلف ، والشهيد
الثاني في المسالك ، والأول في شرح الإرشاد ، مع ان في طريقها إسحاق بن عمار وهو
مشترك بين الثقة والفطحي.
وعن العلاء بن الفضيل (2) قال : «سألته
عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل ان يقصر. قال : بطلت متعته ، هي حجة مبتولة».
قال في المدارك بعد نقل الخبرين المذكورين : وفي
الروايتين قصور من حيث السند ، فيشكل التعويل عليهما في إثبات حكم مخالف للأصل
والاعتبار. وهو على أصله الغير الأصيل جيد. وقد عرفت في غير موضع من ما تقدم ان
الطعن في الاخبار بضعف السند لا يقوم حجة على الشيخ ونحوه من المتقدمين الذين لا
اثر لهذا الاصطلاح عندهم.
وبالجملة فظاهر الروايتين بطلان المتعة ، والثانية صريحة
في كونها تصير حجة مفردة. ولا معارض لهما.
وما ذكره في الدروس في الجواب عنهما ـ بالحمل على متمتع
عدل عن الافراد ثم لبى بعد السعى ، قال : لانه روى التصريح بذلك ـ
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 159 ، والوسائل الباب 54 من الإحرام.
(2) التهذيب ج 5 ص 90 ، والوسائل الباب 54 من الإحرام.
فقد رده في المدارك بأنه حمل بعيد ،
قال : وما ادعاه من النص لم نقف عليه.
أقول : اما ما ذكره من بعد الحمل فجيد ، لان ظاهر
الروايتين المذكورتين ان الطواف والسعي إنما وقع بنية المتعة ، فالحمل ـ على انهما
وقعا بنية الافراد ، وانه عدل عن الافراد بعدهما الى التمتع ونقل ما اتى به الى عمرة
التمتع ـ تعسف محض. واما ما ذكره ـ من ان ما ادعاه من النص لم يقف عليه ـ فعجيب ،
فإنه قد قدم في مسألة جواز عدول المفرد الى التمتع : انه متى طاف وسعى في حج
الافراد بعد دخوله مكة وأراد نقله الى التمتع ، فان كان قد لبى بعد الطواف أو بعد
السعي امتنع النقل ، لأن التلبية عاقدة للإحرام الأول ، وان لم يلب جاز له العدول.
وهذا هو الذي أراده الشهيد هنا ، وهو من ما لا سبيل إلى إنكاره.
ومن روايات المسألة ما رواه في الفقيه عن إسحاق بن عمار
، وفي التهذيب عنه عن ابي بصير (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يفرد
الحج ، فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يبدو له ان يجعلها عمرة؟ قال : ان
كان لبى بعد ما سعى قبل ان يقصر فلا متعة له». وهي ظاهرة في ما ذكره الشهيد من ان
المفرد متى عدل بعد الطواف والسعي إلا انه لبى بعد السعي فإنه لا متعة له
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 204 ، والتهذيب ج 5 ص 90 ، والوسائل الباب 5 و
19 من أقسام الحج. والحديث في الفقيه عن إسحاق بن عمار عن ابي بصير أيضا. إلا ان
صاحب الوسائل نقله في الباب 19 من أقسام الحج عن الفقيه وأنهاه إلى إسحاق بن عمار.
بمعنى ان عدوله غير صحيح ، بل يبقى على
ما كان عليه حيث عقد إحرامه الأول بالتلبية.
احتج ابن إدريس بأن الإحرام بالحج إنما يسوغ التلبس به
بعد التحلل من الأول ، وقبله يكون منهيا عنه ، والنهي في العبادة يقتضي الفساد.
وبان الإجماع منعقد على انه لا يجوز إدخال الحج على العمرة ولا العمرة على الحج
قبل فراغ مناسكهما.
وأجيب عنه بمنع كون النهي هنا مفسدا ، لرجوعه الى وصف
خارج عن ماهية الإحرام. ومنع تحقق الإدخال ، لأن التقصير محلل لا جزء من العمرة.
قال في المدارك بعد نقل هذا الجواب : ويتوجه على الأول :
ان المنهي عنه نفس الإحرام ، لأن التلبس به قبل التحلل من إحرام العمرة إدخال في
الدين ما ليس منه ، فيكون تشريعا محرما ، ويفسد لأن النهي في العبادة يقتضي
الفساد. وإذا كان فاسدا يكون وجوده كعدمه ، ويبقى الحال على ما كان عليه من وجوب
التقصير وإنشاء إحرام الحج. وعلى الثاني : ان المستفاد من الاخبار الكثيرة
المتضمنة لبيان أفعال العمرة كون التقصير من جملة أفعالها وان حصل التحلل به ، كما
في طواف الحج وطواف النساء. وقد صرح بذلك العلامة في المنتهى مدعيا عليه الإجماع.
ومتى ثبت كون التقصير نسكا تحقق الإدخال بالتلبس بإحرام الحج قبل الإتيان به جزما.
على ان اللازم من ما ذكره المجيب ـ من عدم اقتضاء النهي الفساد ، وعدم تحقق
الإدخال المنهي عنه ـ صحة الإحرام بالحج لا صيرورة الحجة مبتولة ، وهم لا يقولون
به. ويظهر من المصنف التردد في هذه المسألة حيث اقتصر
على نقل القولين من غير ترجيح
لأحدهما. وهو في محله ، وان كان مقتضى الأصل المصير الى ما ذكره ابن إدريس الى ان
يثبت سند الروايتين. انتهى.
أقول : لا يخفى ان تصحيح كلام ابن إدريس والذب عنه بما
ذكره انما يتجه مع طرح الخبرين كما اعترف به في آخر كلامه ، واما مع العمل بهما
عند من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح فالقول بهما متعين ، وما ذكره ابن إدريس ساقط ،
وما نقله من الجواب عنه والإيراد على الجواب المذكور بما ذكره تطويل بغير طائل.
وما قدمناه من الدليل على عدم جواز الإدخال مخصوص بالخبرين المذكورين ، فلا إشكال.
على ان اللازم من احتجاج ابن إدريس بعد تصحيحه والذب عنه بما ذكره هو بطلان
الإحرام الثاني ، وهو لا ينافي ما دل عليه الخبران من صيرورة الحجة مفردة بذلك.
ثم انه متى صارت الحجة مفردة بذلك ـ كما ذكره الشيخ ـ فيجب
إكمالها ، وهل تجزئ عن الفرض الواجب؟ إشكال ينشأ ، من تعلق التكليف بالمتعة وعدم
حصول الضرورة المسوغة للعدول كما في غيره من ما تقدم ، ومن عدم الأمر بالإعادة في
الخبرين المذكورين مع ان المقام مقام البيان. قال في المسالك : والأقوى انه لا
يجزئه عن فرضه لانه عدول اختياري ، ولم يأت بالمأمور به على وجهه. والظاهر ان
الجاهل كالعامد ، لدخوله في إطلاق صحيحة أبي بصير (1) وانما خرج
الناسي بنص خاص. انتهى. ونقل الشهيد في شرح الإرشاد عن صاحب الجامع انه صرح بعدم
الاجزاء عن الفرض ، ثم قال : وهو
__________________
(1) ص 119.
الوجه ، إذ الفرض هو التمتع ولا ضرورة
فلا يصح العدول. ويحتمل الاجزاء ، لعدم الأمر بالإعادة فلا يجب ، وإلا لتأخر
البيان عن وقت الحاجة أو الخطاب. انتهى.
المسألة الثانية ـ يجب الإحرام من المواقيت المتقدمة على
كل من دخل مكة ، فلا يجوز لأحد دخولها بغير إحرام إلا ما استثنى من ما يأتي بيانه.
اما الحكم الأول فيدل عليه ـ مضافا الى اتفاق الأصحاب
على الحكم المذكور ـ روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) : هل يدخل
الرجل مكة بغير إحرام؟ فقال : لا إلا ان يكون مريضا أو به بطن».
وفي الصحيح عن عاصم بن حميد (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أيدخل أحد
الحرم إلا محرما؟ قال : لا إلا مريض أو مبطون».
وروى ابن بابويه عن علي بن أبي حمزة (3) قال : «سألت
أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن رجل يدخل
مكة في السنة المرة والمرتين والثلاث كيف يصنع؟ قال : إذا دخل فليدخل ملبيا ، وإذا
خرج فليخرج محلا».
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (4) قال : «سألت
أبا جعفر (عليه
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 165 و 448 ، والوسائل الباب 50 من الإحرام.
(2) التهذيب ج 5 ص 165 و 448 ، والوسائل الباب 50 من الإحرام.
(3) الفقيه ج 2 ص 239 ، والوسائل الباب 50 من الإحرام ، والباب
6 من العمرة.
(4) روى الشيخ في التهذيب ج 5 ص 165 و 448 حديث محمد بن ـ
السلام) : هل يدخل الرجل بغير إحرام؟
فقال : لا إلا ان يكون مريضا أو به بطن».
وظاهر الصحاح الثلاث المذكورة سقوط الإحرام عن المريض
مطلقا ، وبه قطع الشيخ في جملة من كتبه ، والمحقق في النافع.
وقال في التهذيب : ان الأفضل للمريض الإحرام. واستدل بما
رواه في الصحيح عن رفاعة بن موسى (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل به
بطن ووجع شديد ، يدخل مكة حلالا؟ فقال : لا يدخلها إلا محرما. وقال : يحرمون عنه.
ان الحطابين والمجتلبة أتوا النبي (صلىاللهعليهوآله) فسألوه ،
فأذن لهم ان يدخلوا حلالا».
وبهذا جمع من تأخر عنه ايضا بين هذه الروايات.
ومثل صحيحة رفاعة المذكورة ما رواه في الكافي عنه ايضا
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الرجل يعرض له المرض الشديد قبل ان يدخل مكة. قال : لا يدخلها إلا بإحرام».
ويمكن الجمع بينها ، بحمل الروايات المبيحة للدخول من
غير
__________________
مسلم بطريقين ، وفي كليهما : «هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟»
وأوردهما في الوسائل في الباب 50 من الإحرام رقم (2) و (4) إلا انه أورد الأول
بهذا اللفظ : «هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟» ورواه الصدوق في الفقيه ج 2 ص 239
بلفظ : «مكة» أيضا. وأورد الحديث في الوافي باب (انه لا يجوز دخول مكة بغير إحرام
إلا لعلة) جامعا بين طريقي التهذيب والفقيه ، واللفظ فيه كما أورده المصنف (قدسسره) هنا.
(1) التهذيب ج 5 ص 165 ، والوسائل الباب 50 و 51 من الإحرام.
(2) الوسائل الباب 50 من الإحرام.
إحرام على من لا يتمكن من الإتيان
بالمناسك ولو بالحمل ، والأخيرين على من يتمكن. ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ حمل خبري
رفاعة على التقية ، فإن مذهب أبي حنيفة ـ على ما نقله في المنتهى ـ انه لا يجوز
لأحد دخول الحرم بغير إحرام إلا من كان دون الميقات (1). ولا ريب ان
مذهب أبي حنيفة في زمانه له صيت وشهرة وقوة بخلاف سائر المذاهب فالتقية أقرب قريب
في الخبرين المذكورين.
ويجب على الداخل أن ينوي بإحرامه النسك من حج أو عمرة ،
فإن الإحرام وان كان عبادة إلا انه غير مستقل بنفسه بل اما ان يكون لحج أو عمرة.
ويجب إكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الإحرام. ولا يخفى ان الإحرام إنما يوصف
بالوجوب مع وجوب الدخول ، وإلا كان شرطا غير واجب كوضوء النافلة.
واما الحكم الثاني فإنه قد استثنى الأصحاب (رضوان الله
تعالى عليهم) من هذا الحكم مواضع :
أحدها ـ الحطابون والمجتلبة ، ويدل عليه صحيحة رفاعة
المتقدمة والظاهر ان المراد بالمجتلبة من يجلب الأشياء الى البلد كالحنطة والدقيق
والشعير والحشيش والفواكه ونحوها. والأصحاب قد عبروا هنا بالتكرر قال في المدارك :
ومقتضى عبارة المصنف وغيره استثناء كل من يتكرر دخوله وان لم يدخل في قسم
المجتلبة. وهو غير بعيد ، وان كان الاقتصار على مورد النص اولى. انتهى. وهو جيد.
وثانيها ـ العبيد ، صرح به الشيخ وجماعة ، فجوزوا لهم
دخول مكة بغير إحرام. واستدل عليه في المنتهى بان السيد لم يأذن لهم بالتشاغل
__________________
(1) المغني لابن قدامة ج 3 ص 268.
بالنسك عن خدمته ، فإذا لم تجب عليهم
حجة الإسلام لهذا المنع فعدم وجوب الإحرام لذلك اولى. انتهى. وهو جيد. ومرجعه الى
ان الإحرام إنما يجب للنسك ، والنسك غير جائز له بدون اذن السيد ، فيسقط الإحرام
حينئذ.
وثالثها ـ من دخلها لقتال ، فإنه يجوز ان يدخلها محلا ،
كما دخل النبي (صلىاللهعليهوآله) وأصحابه عام
الفتح. والحكم بذلك مشهور بين الأصحاب ، ومستندهم دخوله (صلىاللهعليهوآله) وأصحابه عام
الفتح (1). مع ان صحيحة
معاوية بن عمار (2) دلت على انه
قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يوم فتح مكة
: ان الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، وهي حرام الى ان تقوم الساعة ، لم
تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار.
قال في المنتهى بعد ذكر جواز الدخول بغير إحرام للحطابين
والمرضى وكل من يتكرر دخوله إليها : وكذا من يريد دخولها لقتال سائغ ، كأن يرتد
قوم فيها ، أو يبغون على امام عادل ، ويحتاج الى قتالهم ، فإنه يجوز له دخولها من
غير إحرام ، لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) دخلها عام
الفتح وعليه عمامة سوداء (3) لا يقال : انه
كان مختصا بالنبي (صلىاللهعليهوآله) لانه قال (عليهالسلام). وذكر حديث
__________________
(1) السيرة الحلبية ج 3 ص 98 ، ومشكاة المصابيح ج 2 ص 62 ،
والمغني لابن قدامة ج 3 ص 268.
(2) الوسائل الباب 50 من الإحرام.
(3) الإمتاع للمقريزي ج 1 ص 377 ، والسيرة الحلبية ج 3 ص 98 ،
ومشكاة المصابيح ج 2 ص 62.
معاوية المتقدم. ثم قال : لأنا نقول :
يحتمل ان يكون معناه : أحلت لي ولمن هو في مثل حالي. انتهى. ولا يخفى ما فيه.
ومن ما يؤيد صحيحة معاوية المذكورة ما رواه الصدوق في
الفقيه بسنده عن كليب الأسدي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) استأذن الله (عزوجل)
في مكة ثلاث مرات من الدهر ، فاذن له فيها ساعة من النهار ، ثم جعلها حراما ما
دامت السماوات والأرض».
وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب اعلام الورى (2) نقلا من كتاب
ابان بن عثمان عن بشير النبال عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث فتح
مكة «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : ألا إن
مكة محرمة بتحريم الله ، لم تحل لأحد كان قبلي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ،
فهي محرمة الى ان تقوم الساعة ، لا يختلى خلاها ، ولا يقطع شجرها ، ولا ينفر صيدها
، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد. قال : ودخل مكة بغير إحرام وعليهمالسلام. الحديث».
ورابعها ـ من دخلها بعد خروجه محرما قبل مضي شهره الذي
خرج فيه. وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة في المقدمة الرابعة في المسألة
الرابعة من مسائل المطلب الأول في حج التمتع (3).
المسألة الثالثة ـ إحرام المرأة كإحرام الرجل إلا في
أشياء :
أحدها ـ لبس المخيط لهن ، فإنه جائز على المشهور. وقد
تقدم
__________________
(1) الوسائل الباب 50 من الإحرام.
(2) ص 117 ، والوسائل الباب 50 من الإحرام.
(3) ج 14 ص 362.
تحقيق القول فيه (1).
وثانيها ـ الجهر بالتلبية ، فإنه لا جهر عليها.
ويدل عليه ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (2) قال : «ليس
على النساء جهر بالتلبية».
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن فضالة عن من حدثه عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «ان
الله (تعالى) وضع عن النساء أربعا : الجهر بالتلبية ، والسعي بين الصفا والمروة ،
ودخول الكعبة ، والاستلام». ورواه في الفقيه (4) عن ابي سعيد المكاري مثله ، وزاد بعد
قوله : «المروة» : «يعني : الهرولة» وأضاف «الاستلام» الى «الحجر».
وثالثها ـ التظليل سائرا ، فإنه محرم على الرجال دون
النساء.
وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (5) قال : «سألته
عن المحرم يركب القبة؟ فقال : لا. قلت : فالمرأة المحرمة؟ قال : نعم».
وصحيحة حريز عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (6) قال : «لا بأس
بالقبة على النساء والصبيان وهم محرمون».
__________________
(1) ص 88 و 89.
(2) الوسائل الباب 38 من الإحرام ، والباب 18 من الطواف.
(3) الوسائل الباب 38 من الإحرام.
(4) ج 2 ص 210 ، والوسائل الباب 38 من الإحرام.
(5) الوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.
(6) الوسائل الباب 65 من تروك الإحرام.
وصحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا بأس
بالظلال للنساء ، وقد رخص فيه للرجال». أقول : يعني : حال الضرورة ، كما يأتي
تحقيقه في محله ان شاء الله تعالى.
ورابعها ـ جواز لبس الحرير لها دونه. وقد تقدم الكلام في
ذلك (2).
وخامسها ـ وجوب كشف وجهها دونه ، فإنه يجب عليها ان تسفر
عن وجهها إجماعا ، لأن إحرامها في وجهها ، فلا يجوز لها تغطيته.
قال في المنتهى : انه قول علماء الأمصار ، والأصل فيه قول
النبي (صلىاللهعليهوآله) (3) : «إحرام
الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها».
ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «مر أبو
جعفر (عليهالسلام) بامرأة
متنقبة وهي محرمة ، فقال : أحرمي وأسفري وارخي ثوبك من فوق رأسك ، فإنك إن تنقبت
لم يتغير لونك. فقال رجل : الى
__________________
(1) الوسائل الباب 64 من تروك الإحرام.
(2) ص 82.
(3) هذا اللفظ ورد في حديث عبد الله بن ميمون الآتي غير منسوب
إلى النبي (ص). وفي سنن الدار قطني ج 2 ص 294 : عن ابن عمر عن النبي (ص) ولكن في
سنن البيهقي ج 5 ص 47 : انه موقوف على ابن عمر. وفي المغني ج 3 ص 323 : كان ابن
عمر يقول : «إحرام الرجل في رأسه». وذكر القاضي في الشرح : ان النبي (ص) قال : «إحرام
الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها».
(4) الفروع ج 4 ص 344 ، والوسائل الباب 48 من تروك الإحرام.
أين ترخيه؟ فقال : تغطى عينيها. قال :
قلت : يبلغ فمها؟ قال : نعم».
وفي الحسن عن عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (1) قال : «المحرمة
لا تتنقب ، لأن إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه».
وعن احمد بن محمد عن ابي الحسن (عليهالسلام) (2) قال : «مر أبو
جعفر (عليهالسلام) بامرأة محرمة
قد استترت بمروحة ، فأماط المروحة بقضيبه عن وجهها».
وفي رواية معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «لا
تطوف المرأة بالبيت وهي متنقبة».
أقول : وما تضمنته صحيحة الحلبي من جواز إرخاء الثوب من
فوق رأسها على وجهها فقد ورد في جملة من الاخبار :
ففي بعضها الى ان يبلغ الفم ، كما في الرواية المذكورة.
وروى الكليني في الصحيح عن العيص بن القاسم (4) قال : قال أبو
عبد الله (عليهالسلام) في حديث : «وكره
النقاب» يعني : للمرأة المحرمة. وقال : «تسدل الثوب على وجهها. قلت : حد ذلك الى
أين؟ قال : الى طرف الأنف قدر ما تبصر». أقول : المراد
__________________
(1) الوسائل الباب 48 و 55 من تروك الإحرام.
(2) الفروع ج 4 ص 346 ، والفقيه ج 2 ص 219 ، والوسائل الباب 48
من تروك الإحرام.
(3) الوسائل الباب 48 من تروك الإحرام ، والباب 68 من الطواف.
(4) الفروع ج 4 ص 344 ، والوسائل الباب 48 من تروك الإحرام.
بالكراهة التحريم ، كما هو شائع في
الاخبار.
وفي بعضها الى الذقن ، كما في صحيحة حريز (1) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) : المحرمة
تسدل الثوب على وجهها الى الذقن».
وفي آخر الى النحر ، كما في صحيحة معاوية بن عمار عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «تستدل
المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة».
وفي الصحيح عن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «المحرمة
تستدل ثوبها الى نحرها».
أقول : ظاهر إطلاق هذه الاخبار عدم وجوب مجافاة الثوب عن
الوجه ، فإن إسداله من أعلى الرأس عليه الى المواضع المذكورة لا يكاد يسلم الوجه
من اصابة الثوب له ، كما هو ظاهر. إلا ان يقال : ان المحرم انما هو شد الثوب على
الوجه كما هو في النقاب ، أو ان تخمره بالثوب ، واليه يشير قوله (عليهالسلام) في صحيحة
الحلبي : «فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك» ومجرد المماسة أحيانا لا يمنع من تغير
اللون ، ومن صدق الاسفار المأمور به في الاخبار. وبه يزول الاشكال.
ونقل عن الشيخ انه أوجب مجافاة الثوب عن وجهها بخشبة
وشبهها بحيث لا يصيب البشرة ، وحكم بلزوم الدم إذا أصاب الثوب وجهها ولم تزله
بسرعة. وقال العلامة في المنتهى بعد نقل ذلك عنه : والوجه عندي سقوط هذا ، لانه
غير مذكور في الخبر. مع ان الظاهر خلافه ، فان سدل الثوب لا يكاد تسلم معه البشرة
من الإصابة ، فلو
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 48 من تروك الإحرام.
كان محرما لبين ، لانه محل الحاجة.
انتهى. ونسب الشهيد في الدروس اعتبار المجافاة إلى الشهرة. وهو مؤذن بتردده في
ذلك. واستشكله أيضا العلامة في التذكرة.
والظاهر عندي من الاخبار هو ما قدمت ذكره ، إلا ان
الأحوط ما ذكره الشيخ من مجافاة الثوب عن وجهها بخشبة ونحوها. واما وجوب الدم فلم
أقف على دليل عليه ، ولا ذكره أحد غيره في ما أعلم.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور بين الأصحاب تحريم النقاب
على المرأة ، بل قال في المدارك : انه مذهب الأصحاب ، لا اعلم فيه مخالفا. وهو
غفلة منه (قدسسره) فإن العلامة
في القواعد والإرشاد قد أفتى بالكراهة ، ومثله المحقق في النافع ، وتردد في
الشرائع. والظاهر انه عبارة عن شد الثوب على فمها وأنفها وما سفل عنهما ، كاللثام
للرجل. ويدل على التحريم الأخبار المتقدمة. ولعل من ذهب الى الكراهة استند الى لفظ
الكراهة في صحيحة عيص بن القاسم المتقدمة. وفيه ان ورود الكراهة بمعنى التحريم في
الاخبار شائع. فالمتجه هو القول بالتحريم.
المسألة الرابعة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في
وجوب الإحرام على الحائض إذا مرت بالميقات قاصدة النسك ، ولكن لا تصلي صلاة
الإحرام.
ويدل على ذلك جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في
الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام)
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 388 ، والوسائل الباب 48 من الإحرام.
عن الحائض تحرم وهي حائض؟ قال : نعم ،
تغتسل ، وتحتشي ، وتصنع كما يصنع المحرم ، ولا تصلي».
وفي الصحيح عن منصور بن حازم (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : المرأة
الحائض تحرم وهي لا تصلي؟ قال : نعم إذا بلغت الوقت فلتحرم».
وفي الصحيح عن العيص بن القاسم (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) : أتحرم
المرأة وهي طامث؟ قال : نعم ، تغتسل ، وتلبي.
وروى في الكافي في الموثق عن يونس بن يعقوب (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحائض
تريد الإحرام. قال : تغتسل ، وتحتشي بالكرسف ، وتلبس ثوبا دون ثياب إحرامها ،
وتستقبل القبلة ، ولا تدخل المسجد ، وتهل بالحج بغير صلاة».
والظاهر ان المراد بقوله : «تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها»
أي تحتها لئلا تتلوث بالدم.
وعن زيد الشحام عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «سئل عن
امرأة حاضت وهي تريد الإحرام فتطمث. فقال : تغتسل ، وتحتشي بكرسف ، وتلبس ثياب
الإحرام ، وتحرم ، فإذا كان الليل خلعتها ولبست ثيابها الأخر ، حتى تطهر».
ونقل السيد السند في المدارك عن جده (قدس الله روحيهما)
في مناسك الحج : انها تترك الغسل. ورده بأنه غير جيد ، لورود الأمر به
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 389 ، والوسائل الباب 48 من الإحرام.
(2 و 3) الوسائل الباب 48 من تروك الإحرام.
(4) الفروع ج 4 ص 445 ، والوسائل الباب 48 من الإحرام.
في الاخبار الكثيرة. ثم قال : ولو كان
الميقات مسجد الشجرة أحرمت منه اختيارا ، فان تعذر أحرمت من خارجه. انتهى. وبذلك
صرح غيره أقول : قد صرحت موثقة يونس بن يعقوب بالمنع من دخول المسجد ، وان إحرامها
يصح من خارجه ، فلا ضرورة لما ارتكبوه من الإحرام اختيارا في المسجد ، ومع تعذره
فمن خارجه.
ولو تركت الإحرام من الميقات جهلا بالحكم وظنا منها انه
لا يجوز لها الإحرام ، رجعت اليه وأحرمت منه ان أمكن ، وإلا أحرمت من موضعها ولو
في مكة ان لم تتمكن من الخروج الى خارج الحرم.
ويدل على ذلك جملة من الاخبار : منها ـ صحيحة معاوية بن
عمار (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة
كانت مع قوم فطمثت ، فأرسلت إليهم فسألتهم ، فقالوا : ما ندري أعليك إحرام أم لا
وأنت حائض ، فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال : ان كان عليها مهلة فلترجع الى الوقت
فلتحرم منه ، وان لم يكن عليها وقت فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم
بقدر ما لا يفوتها».
الى غير ذلك من الاخبار التي تقدمت في مسائل المقام الثاني من المقدمة الخامسة.
__________________
(1) الفروع ج 4 ص 325 ، والتهذيب ج 5 ص 389 ، والوسائل الباب 14 من المواقيت.