ج12 - مصارف الخمس

الفصل الثاني

في قسمة الخمس وما يتبعها

والكلام في هذا الفصل يقع في مطالب الأول ـ في كيفية القسمة والكلام فيه يقع في مقامين أحدهما ـ في أنه هل يقسم أسداسا أو أخماسا؟ المشهور الأول وهي سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى وهي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده للإمام عليه‌السلام القائم مقامه والثلاثة الأخر لليتامى والمساكين وابن السبيل ، وحكى المحقق والعلامة عن بعض الأصحاب قولا بأنه يقسم خمسة أقسام : سهم الله لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسهم ذي القربى لهم والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل ، وإلى هذا القول ذهب أكثر العامة ونقله في المعتبر عن أبي حنيفة والشافعي (1).

حجة القول الأول ظاهر الآية وهو قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» (2) قالوا : فإن اللام للملك أو الاختصاص والعطف بالواو يقتضي التشريك فيجب صرفه في الأصناف الستة.

والأخبار الدالة على ذلك ومنها ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) «في قول الله عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (4) قال خمس الله للإمام وخمس الرسول للإمام وخمس ذي القربى لقرابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام عليه‌السلام واليتامى يتامى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم».

وما رواه في الصحيح عن أحمد بن محمد قال حدثنا بعض أصحابنا رفع الحديث (5) قال : «الخمس من خمسة أشياء. ثم ساق الخبر إلى أن قال : فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم : سهم لله وسهم للرسول وسهم لذوي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل ، فالذي لله فلرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرسول الله أحق به فهو له خاصة ، والذي للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هو لذي القربى والحجة في زمانه فالنصف له خاصة ، والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين لا تحل

__________________

(1) المغني ج 6 ص 406 والمحلى ج 7 ص 327 والأموال ص 325 والبداية ج 1 ص 377 والبدائع ج 7 ص 124 وقد نقل فيه ذلك وفي البداية عن الشافعي كما في المتن إلا أن المنقول عن أبي حنيفة في البدائع اختصاص ذلك بحياة النبي «ص» وأنه يقسم بعده ثلاثة أقسام ، وفي المحلى ج 7 ص 330 نقل عنه القسمة إلى ثلاثة أقسام أيضا.

(2 و 4) سورة الأنفال الآية 43.

(3 و 5) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.


لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك بالخمس ، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم فإن فضل منهم شي‌ء فهو له وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده ، كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان. الحديث».

وما رواه ثقة الإسلام الكليني في الحسن بإبراهيم الذي هو صحيح عندي عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه‌السلام (1) قال : «الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة ، يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله الله تعالى له ، ويقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك ، ويقسم بينهم الخمس على ستة أسهم : سهم لله وسهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل ، فسهم الله وسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأولي الأمر من بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وراثة فله ثلاثة أسهم سهمان وراثة وسهم مقسوم له من الله فله نصف الخمس كملا ، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم فإن فضل عنهم شي‌ء فهو للوالى وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وإنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم. الحديث».

وقريب من ذلك أيضا ما رواه الكليني في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام (2) قال : «سئل عن قول الله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى) (3) فقيل له فما كان لله فلمن هو؟ فقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما كان لرسول الله فهو للإمام. الحديث».

وروى السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في رسالة المحكم والمتشابه من تفسير النعماني بإسناده عن علي عليه‌السلام (4) قال : «الخمس يخرج من أربعة وجوه : من

__________________

(1) الوسائل الباب 1 و 3 من قسمة الخمس.

(2 و 4) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

(3) سورة الأنفال الآية 43.


الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين ومن المعادن ومن الكنوز ومن الغوص ، ويجزأ هذا الخمس على ستة أجزاء فيأخذ الإمام منها سهم الله وسهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وسهم ذي القربى ثم يقسم الثلاثة السهام الباقية بين يتامى آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومساكينهم وأبناء سبيلهم».

وروى الصدوق في المجالس والعيون بسنده عن الريان بن الصلت عن الرضا عليه‌السلام (1) في حديث طويل قال عليه‌السلام «وأما الثامنة فقول الله عزوجل (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (2) فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. إلى أن قال عليه‌السلام فبدأ بنفسه ثم برسوله ثم بذي القربى فكل ما كان من الفي‌ء والغنيمة وغير ذلك من ما رضيه لنفسه فرضيه لهم. إلى أن قال وأما قوله «وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ» فإن اليتيم إذا انقطع يتمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها نصيب ، وكذلك المسكين إذا انقطعت مسكنته لم يكن له نصيب من الغنم ولا يحل له أخذه ، وسهم ذي القربى قائم إلى يوم القيامة فيهم للغني والفقير لأنه لا أحد أغنى من الله ولا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل لنفسه منها سهما ولرسوله سهما فما رضيه لنفسه ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رضيه لهم. الحديث».

حجة القول بأنه يقسم خمسة أقسام الآية الشريفة بالحمل على أن ذكر الله تعالى مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما هو لإظهار تعظيمه وأن جميع ما ينسب إليه ويأمر به وينهى عنه فهو راجع إلى الله تعالى كما تضمنته جملة من الآيات القرآنية ومنها قوله عزوجل «وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ» (3) «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ» (4) «وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ» (5) إلى غير ذلك من الآيات التي قرن فيها نفسه برسوله

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

(2) سورة الأنفال الآية 43.

(3) سورة التوبة الآية 64.

(4) سورة المائدة الآية 61.

(5) سورة الأنفال الآية 2.


للحث على اتباع رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويدل على هذا القول ما رواه الشيخ في الصحيح عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ، ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عزوجل لنفسه ، ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطي كل واحد منهم جميعا ، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

أقول : أما ما ذكروه في معنى الآية وإن احتمل إلا أنه خلاف ظاهر الآية أولا. وثانيا ـ أن الأخبار التي تقدمت دالة على تفسير الآية تأبى هذا المعنى.

وأما الخبر المذكور فقد أجاب عنه الشيخ ومن تأخر عنه بكونه حكاية فعل ولا عموم فيه ، ولعله صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل ذلك ليتوفر على المستحقين. وفيه أن قوله : «وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» ينافي ذلك ، والأظهر عندي حمله على التقية فإن التقسيم إلى خمسة أقسام مذهب جمهور العامة كما عرفت (2) ولهم في معنى الآية تأويلات (3) منها ما قدمناه في حجة هذا القول ، ومنها ما ذكره بعضهم من أن الافتتاح بذكر اسم الله تعالى على جهة التيمن والتبرك لأن الأشياء كلها لله عزوجل ، ومنها ما ذكره بعض آخر وهو أن حق الخمس أن يكون متقربا به إلى الله عزوجل لا غير وأن قوله عزوجل : «وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ... إلى آخره» من قبيل التخصيص بعد التعميم تفضيلا لهذه الوجوه على غيرها كقوله

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

(2) التعليقة 1 ص 370.

(3) البدائع ج 7 ص 124 والأموال ص 326 و 328 والبداية ج 1 ص 377 والمغني ج 6 ص 406.


تعالى «وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ» (1) وإلى هذا المعنى ذهب القائلون منهم بأن خمس الغنيمة مفوض إلى اجتهاد الإمام ليصرفه في من شاء من هذه الأصناف وغيرهم ، وهو مذهب مالك (2).

وظاهر صاحب المدارك التوقف في هذا المقام حيث نقل الخلاف في المسألة وأدلة القولين ولم يرجح شيئا في البين ، والظاهر أن السبب في ذلك ضعف الأخبار المتقدمة باصطلاحه مع اتفاق الأصحاب ظاهرا على العمل بها ، والرواية التي هي دليل القول الثاني وإن كانت صحيحة لكنها لما كانت من ما أعرضوا عنها وتأولوها لم يجسر على المخالفة في القول بها فأغمض النظر عن الترجيح في المسألة.

المقام الثاني ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو قسمة السهام الستة على المصارف الستة التي أحدها سهم ذي القربى ويختص به الإمام عليه‌السلام وإن له سهمين بالوراثة وهما سهم الله تعالى وسهم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسهم بالأصالة وهو سهم ذي القربى ، ونقل السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) عن بعض علمائنا أن سهم ذي القربى لا يختص بالإمام عليه‌السلام بل هو لجميع قرابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من بني هاشم ، ولعله (قدس‌سره) أشار بذلك البعض إلى ابن الجنيد فإنه قال على ما نقل عنه في المختلف : وهو مقسوم على ستة أسهم : سهم الله يلي أمره إمام المسلمين وسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأولى الناس به رحما وأقربهم إليه نسبا وسهم ذي القربى لأقارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بني هاشم وبني المطلب بن عبد مناف إن كانوا من بلدان أهل العدل.

ويدل على الأول مرسلة ابن بكير ومرسلة أحمد بن محمد ومرسلة حماد بن عيسى التي قدمناها في أول الأخبار المتقدمة (3) وكذلك ما نقلناه عن رسالة المحكم

__________________

(1) سورة البقرة الآية 93.

(2) البداية ج 1 ص 377 و 378 والمحلى ج 7 ص 329 و 330 والمغني ج 6 ص 406.

(3) ص 370 و 371.


والمتشابه ، ونحوه أيضا ما نقلناه عن كتاب المجالس والعيون.

وأما ما استدل به في المعتبر على ذلك ـ من ظاهر الآية باعتبار أن قوله : «ذي القربى» لفظ مفرد فلا يتناول أكثر من الواحد فينصرف إلى الإمام عليه‌السلام لأن القول بأن المراد واحد مع أنه غير الإمام منفي بالإجماع. ثم قال : (لا يقال) أراد الجنس كما قال : «وابن السبيل» (لأنا نقول) تنزيل اللفظ الموضوع للواحد على الجنس مجاز وحقيقته إرادة الواحد فلا يعدل عن الحقيقة ، وليس كذلك قوله «وابن السبيل» لأن إرادة الواحد هنا إخلال بمعنى اللفظ إذ ليس هناك واحد متعين يمكن حمل اللفظ عليه ـ

فقد أورد عليه إن لفظ «ذي القربى» صالح للجنس وغيره بل المتبادر منه في هذا المقام الجنس كما في قوله تعالى «وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ» (1) و «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى» (2) وغير ذلك من الآيات الكثيرة فيجب الحمل عليه إلى أن يثبت المقتضي للعدول عنه.

أقول : والأظهر هو الرجوع في الاستدلال إلى الروايات وكذا في الاستدلال بالآية إلى ما ورد من تفسيرها في الأخبار ، فإن الروايات قد فسرت «ذي القربى» هنا بالإمام عليه‌السلام كما تقدم فالحمل على الجنس حينئذ ـ كما ذكره المجيب من أنه يجب الحمل عليه إلى أن يثبت المقتضي للعدول عنه ـ خروج عن ظاهر تلك الأخبار ورد لها بمجرد الاعتبار.

واستدلوا على الثاني بظاهر الآية بناء على ما تقدم في الجواب عن استدلال صاحب المعتبر بالآية. وفيه ما عرفت.

واستدل أيضا على ذلك بصحيحة ربعي المتقدمة (3) لقوله فيها : «ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل».

__________________

(1) سورة بني إسرائيل الآية 29.

(2) سورة النحل الآية 93.

(3) ص 373.


والجواب عن ذلك ما عرفت من حمل الصحيحة المذكورة على التقية ، ولا ريب أن العامة لا يثبتون للإمام حصة بخصوصه وإنما يفسرون «ذي القربى» بجميع قرابته صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) وبه يظهر ضعف ما جنح إليه في المدارك من التعلق في الاستدلال على هذا القول بالدليلين المذكورين.

واستدل على ذلك أيضا برواية زكريا بن مالك الجعفي (2) «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (3) فقال : أما خمس الله عزوجل فللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يضعه في سبيل الله وأما خمس الرسول فلأقاربه وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه صلى‌الله‌عليه‌وآله واليتامى يتامى أهل بيته فجعل هذه الأربعة الأسهم فيهم ، وأما المساكين وأبناء السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل».

أقول : أنت خبير بما عليه هذه الرواية بعد ضعف السند من ضعف الدلالة ، فإن جل ما اشتملت عليه من الأحكام خلاف ما قدمناه من الأخبار واتفقت عليه كلمة علمائنا الأعلام :

فمنها ـ جعل سهم الله عزوجل للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يصرفه في سبيل الله الذي هو الجهاد أو ما هو أعمّ من أبواب البر ، وهو خلاف ما عليه الأصحاب ودلت عليه جملة الأخبار من أنه له صلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل به ما يشاء.

ومنها ـ الحكم بأن خمس الرسول لأقاربه فإنه إن أريد حال الحياة فلا قائل به ولا دليل عليه بل الإجماع والأخبار على خلافه ، وإن أريد بعد موته فلا قائل به أيضا منا مع دلالة الأخبار أيضا على خلافه لدلالتها على كونه للإمام عليه‌السلام. وابن الجنيد وإن خالف في سهم ذي القربى إلا أنه لم يخالف في سهم الرسول (صلى الله

__________________

(1) البداية ج 1 ص 377 والمحلى ج 7 ص 327 والمغني ج 6 ص 410 إلى 412.

(2) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

(3) سورة الأنفال الآية 43.


عليه وآله) والظاهر من قوله في عبارته المتقدمة «وسهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأولى الناس به رحما وأقربهم إليه نسبا» أنه أراد بذلك الإمام عليه‌السلام كما يشير إليه المقابلة بسهم ذي القربى وأنه لأقاربه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من بني هاشم ومنها ـ

جعل سهم ذي القربى لجميع أقربائه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنه وإن قال به ابن الجنيد ودل عليه هذا الخبر إلا أنه خلاف ما اتفقت عليه كلمة أصحابنا ووردت به جملة أخبارنا وإنما هو قول مخالفينا (1).

وبذلك يظهر أن الرواية المذكورة لا تصلح للاستدلال وحملها على التقية ظاهر فإن جميع ما تضمنته من المخالفات لمذهبنا إنما ينطبق على مذهب العامة (2).

وأما قوله في تتمة الخبر «وأما المساكين وأبناء السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة. إلى آخره» فيحتمل أن يكون المعنى فيه الاستدراك لما ورد في آية الزكاة من دخول المساكين وأبناء السبيل فيها فربما يتوهم عمومها للهاشميين أيضا فأراد (عليه‌السلام) دفع هذا الوهم بأنهم وإن دخلوا في عموم اللفظين المذكورين لكن قد عرفت أن الزكاة محرمة علينا أهل البيت فلا تدخل مساكيننا وأبناء سبيلنا فيها فلا بد لهم من حصة من الخمس عوض الزكاة التي حرمت عليهم ومن أجل ذلك فرض لهم في هذه الآية حصة من الخمس ، وحينئذ فقوله : «فهي للمساكين وأبناء السبيل» إما راجع إلى الصدقة ، وحينئذ فالمراد بالمساكين وأبناء السبيل من ذكر في آية الزكاة وحاصل المعنى ما قدمناه ، وإما راجع إلى الحصة التي من الخمس بقرينة المقام وإن لم تكن مذكورة في اللفظ ، وحينئذ فالمراد بالمساكين وأبناء السبيل من الهاشميين ، ومرجع الاحتمالين إلى ما قدمناه.

وبما قررناه في المسألتين المذكورتين يظهر أن القول المشهور في كل منهما هو

__________________

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 376.

(2) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب.


المؤيد المنصور وإن توقف صاحب المدارك ـ بل ميله إلى خلاف ذلك كما يعطيه تقويته لدليل القول المخالف ـ من ما لا وجه له.

وقال في المدارك : واعلم أن الآية الشريفة (1) إنما تضمنت ذكر مصرف الغنائم خاصة إلا أن الأصحاب قاطعون بتساوي الأنواع في المصرف ، واستدل عليه في المعتبر بأن ذلك غنيمة فيدخل تحت عموم الآية. ويتوجه عليه ما سبق. وربما لاح من بعض الروايات اختصاص خمس الأرباح بالإمام (عليه‌السلام) ومقتضى رواية أحمد بن محمد المتقدمة (2) أن الخمس من الأنواع الخمسة يقسم على الستة الأسهم لكنها ضعيفة بالإرسال والمسألة قوية الإشكال. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. انتهى.

أقول : لا إشكال بحمد الملك المتعال عند من وفقه الله تعالى إلى العمل بأخبار الآل (عليهم صلوات ذي الجلال) وذلك (أولا) فإن ما ذكره في المعتبر من حمل الغنيمة في الآية على المعنى الأعم حق لا ريب فيه كما دلت عليه الأخبار وقد تقدمت. و (ثانيا) فإن رواية أحمد بن محمد التي ذكرها ومثلها مرسلة حماد أيضا قد تضمنت إن الخمس من هذه الأنواع الخمسة يقسم على الأصناف التي في الآية ومثلها ما قدمنا نقله عن رسالة المحكم والمتشابه. وأما طعنه في هذه الأخبار بضعف الإسناد ففيه أنه في غير موضع من ما تقدم قد عمل بالأخبار الضعيفة التي اتفق الأصحاب على القول بها وجعل اتفاق الأصحاب جابرا لضعفها كما بيناه في شرحنا على الكتاب في غير موضع ، ولكنه (قدس‌سره) ليس له رابطة يقف عليها. وأيضا فإن مرسلة حماد قد اشتملت على أحكام عديدة استند إليها الأصحاب وعملوا بها ولا راد لها. وبالجملة فإن إشكاله (قدس‌سره) ضعيف وتوقفه سخيف كما لا يخفى على من نظر بعين الإنصاف.

__________________

(1) وهي قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ...» سورة الأنفال الآية 43.

(2) ص 370.


مسائل

الأولى ـ المعروف من مذهب الأصحاب أنه لا يجب استيعاب كل طائفة من الطوائف الثلاث بل لو اقتصر من كل طائفة على واحد جاز.

قالوا : والوجه فيه أن المراد من اليتامى والمساكين في الآية الشريفة الجنس كابن السبيل كما في آية الزكاة لا العموم ، إما لتعذر الاستيعاب أو لأن الخطاب للجميع بمعنى أن الجميع يجب عليهم الدفع إلى جميع المساكين بأن يعطي كل بعض بعضا.

ويدل عليه أيضا ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (1) قال : «سئل عن قول الله عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى) (2) فقيل له فما كان لله فلمن هو؟ فقال لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وما كان لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فهو للإمام عليه‌السلام. فقيل له أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقل ما يصنع به؟ قال ذاك إلى الإمام أرأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كيف يصنع أليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام».

وقال شيخنا الشهيد في الدروس بعد أن تنظر في اعتبار تعميم الأصناف : أما الأشخاص فيعم الحاضر ولا يجوز النقل إلى بلد آخر إلا مع عدم المستحق. ومقتضى هذا الكلام وجوب التعميم في الحاضرين ، ورده من تأخر عنه بالبعد وسيأتي في المسألة الثانية ما فيه مزيد بيان لهذه المسألة.

الثانية ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز تخصيص النصف الذي للطوائف الثلاث بواحدة منها ، وظاهر الشيخ في المبسوط المنع حيث قال : والخمس إذا أخذه الإمام ينبغي أن يقسمه ستة أقسام : سهم لله وسهم لرسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وسهم لذي القربى ، فهذه الثلاثة أقسام للإمام القائم مقام النبي

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من قسمة الخمس.

(2) سورة الأنفال الآية 43.


(صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصرفه في ما شاء من نفقته ونفقة عياله وما يلزمه من تحمل الأثقال ومؤن غيره ، وسهم ليتامى آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم وليس لغيرهم من سائر الأصناف شي‌ء على حال ، وعلى الإمام أن يقسم هذه السهام بينهم على قدر كفايتهم ومئونتهم في السنة على الاقتصاد ، ولا يخص فريقا منهم بذلك دون فريق بل يعطي جميعهم على ما ذكرناه من قدر كفايتهم ويسوي بين الذكر والأنثى ، فإن فضل شي‌ء كان له خاصة وإن نقص كان عليه أن يتم من حصته خاصة. انتهى. ونقل عن أبي الصلاح أنه قال : يلزم من وجب عليه الخمس إخراج شطره للإمام عليه‌السلام والشطر الآخر للمساكين واليتامى وأبناء السبيل لكل صنف ثلث الشطر. وظاهره مثل كلام الشيخ في وجوب التشريك وعدم جواز تخصيص طائفة بذلك.

واستدل للقول المشهور بصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمة (1) حيث قال فيها : «ذاك إلى الإمام أرأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كيف يصنع أليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام عليه‌السلام».

وأجاب في المدارك بأنه يمكن المناقشة في الرواية بالطعن في السند باشتماله على ابني فضال وهما فطحيان مع أنها غير صريحة في جواز التخصيص.

وفيه أن المناقشة بالطعن في السند إنما تتجه بناء على نقله الرواية من التهذيب (2) فإنه كما ذكره ، وأما على رواية الكليني لها في الكافي (3) فإنها صحيحة لأنه رواها فيه عن العدة عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر. وأما الدلالة فسيأتي الكلام فيها في المقام إن شاء الله تعالى.

واستدل للشيخ بظاهر الآية فإن اللام للملك أو الاختصاص والعطف بالواو يقتضي التشريك في الحكم. وأجيب عن ذلك بأنها مسوقة لبيان المصرف كما في آية

__________________

(1) ص 379.

(2) ج 1 ص 385.

(3) الأصول ج 1 ص 544.


الزكاة فلا تدل على وجوب البسط.

أقول : والتحقيق في هذا المقام أن يقال لا ريب أن عبارة الشيخ في المبسوط راجعة في المعنى إلى روايتي أحمد بن محمد وحماد بن عيسى المتقدمتين (1) بل هي نقل لهما بزيادة موضحة لإجمالهما ، ونحوهما في ذلك أيضا الرواية التي نقلناها عن رسالة المحكم والمتشابه للسيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) وحينئذ يقع التعارض بين الروايات المذكورة وبين صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المذكورة ، إلا أن صحيحة ابن أبي نصر ليس فيها من الصراحة ما في روايتي أحمد بن محمد وحماد بن عيسى ، والظاهر من معناها هو أنه لما كان ظاهر الآية البسط على الطوائف الثلاث أثلاثا سأله السائل أنه لو كانت طائفة من هذه الطوائف الثلاث كثيرة متعددة والطائفة الأخرى واحدا أو اثنين فهل الواجب أن يدفع إلى إحداهما كما يدفع إلى الأخرى ويساوي بينهما كما هو الظاهر من الآية؟ أجاب عليه‌السلام بأن ذلك إلى الإمام وما يراه كما كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقسم بما يراه من المساواة إن رأى المصلحة فيها أو العدم والزيادة والنقيصة بما يراه من الوجوه المرجحة. وحملها على ما هو أعمّ ـ من أنه يجوز أن يخص بذلك السهم الذي للطوائف الثلاث واحدا من طائفة كما هو المدعى في المسألة الأولى أو طائفة من الطوائف الثلاث كما هو المدعى في المسألة الثانية ـ بعيد غاية البعد عن ظاهرها بالتقريب الذي ذكرناه ، فالاستناد إليها في ذلك مشكل غاية الإشكال والخروج عن ظاهر الأخبار التي أشرنا إليها مع صراحة بعضها وظاهرية بعضها مشكل.

وأما ما ذكروه في الجواب عن احتجاج الشيخ بالآية ـ من أنها مسوقة لبيان المصرف كما في آية الزكاة ـ ففيه أن ما ذكره الشيخ في بيان الاستدلال بالآية هو الظاهر الذي لا ينكر ، والحمل على ما ذكروه خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا بدليل ، والقياس على آية الزكاة ممنوع بأنه قد قام الدليل ثمة من خارج على عدم

__________________

(1) ص 370 و 371.


البسط وبه خصت الآية ولولاه لكان القول بالبسط جيدا ، والدليل هنا غير موجود بل ظاهر الروايات التي ذكرناها موافق لظاهر الآية. وأيضا لو تم ما ذكروه من أن الآية إنما سيقت لبيان المصرف كما في آية الزكاة للزم جواز صرف الخمس كله إلى أحد الأصناف الستة ولا قائل به بالكلية لأنهم لا يختلفون في أن النصف للإمام عليه‌السلام وبذلك يظهر لك ضعف القول المشهور في كلتا المسألتين وقوة ما قابله مضافا إلى موافقته للاحتياط كما لا يخفى.

الثالثة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن بني المطلب لا يعطون من الخمس شيئا ، وقال الشيخ المفيد في الرسالة الغرية أنهم يعطون واختاره ابن الجنيد على ما نقله في المختلف ، وما ذكره الشيخ المفيد هنا مبني على ما تقدم في كتاب الزكاة من تحريم الزكاة على المطلبي استنادا إلى موثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) أنه قال : «لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة إن الله جعل لهم في كتابه ما فيه سعتهم». ولا ريب أنها دالة على تحريم الزكاة واستحقاق الخمس. إلا أنه قد تقدم الجواب عنها وأن المراد بالمطلبي إنما هو المنسوب إلى عبد المطلب بالنسبة إلى الجزء الأخير من المركب كما هو القاعدة عندهم.

ثم إنه من ما يدل هنا على الاختصاص بالهاشمي قوله عليه‌السلام في صحيحة حماد ابن عيسى عن بعض أصحابه عن العبد الصالح عليه‌السلام (2) قال : «ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقة تحل له وليس له من الخمس شي‌ء» وقال فيها أيضا «وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر والأنثى منهم ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد. الحديث».

الرابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن الإمام عليه‌السلام يقسم النصف الذي يخص الطوائف الثلاث عليهم على قدر الكفاية مقتصدا فإن فضل

__________________

(1) الوسائل الباب 33 من المستحقين للزكاة.

(2) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.


كان له وإن أعوز كان عليه أن يتمه من نصيبه ، وخالف في هذا الحكم ابن إدريس فقال لا يجوز له أن يأخذ فاضل نصيبهم ولا يجب عليه إكمال ما نقص لهم.

ويدل على القول المشهور ما قدمناه من مرسلتي أحمد بن محمد وحماد بن عيسى

احتج ابن إدريس بوجوه ثلاثة : الأول ـ أن مستحق الأصناف يختص بهم ولا يجوز التسلط على مستحقهم من غير إذنهم لقوله عليه‌السلام (1) «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه». الثاني ـ أن الله سبحانه جعل للإمام قسطا وللباقين قسطا فلو أخذ الفاضل وأتم الناقص لم يبق للتقدير فائدة. الثالث ـ أن الذين يجب الإنفاق عليهم محصورون وليس هؤلاء من الجملة فلو أوجبنا عليه إتمام ما يحتاجون إليه لزدنا في من يجب عليهم الإنفاق فريقا لم يقم عليه دلالة.

وأجاب المحقق في المعتبر عن هذه الوجوه بأجوبة اعترضه فيها صاحب المدارك ومن تبعه من أراد الوقوف عليها فليرجع إليها ثمة.

والتحقيق في الجواب الذي لا يداخله الشك ولا الارتياب أن يقال إن ما ذكره ابن إدريس جيد بناء على أصله الغير الأصيل وقواعده المخالفة لما عليه الأخبار والعلماء جيلا بعد جيل ، وأما من تمسك بالأخبار المعتضدة بعمل الأصحاب في جملة الأعصار والأدوار فلا يخفى عليه أن المفهوم منها هو أنه حال وجود الإمام عليه‌السلام ينبغي إيصال مجموع الخمس إليه وجوبا أو استحبابا ، وأما أن الواجب عليه فيه ما ذا فنحن غير مكلفين بالبحث عنه بل ربما أشعر الكلام في ذلك بنوع من سوء الأدب في حقه عليه‌السلام فإنه المرجع في جميع الأحكام والأعرف في كل حلال وحرام إلا أن المفهوم من أخبارهم (عليهم‌السلام) أنه ربما عمل فيه بعد وصوله إليه بما

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من الأنفال رقم 6 والباب 1 من الغصب عن صاحب الزمان «ع» «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه». وفي مستدرك الوسائل الباب 1 من الغصب «لا يحل مال المسلم إلا عن طيب نفس منه». وفي نيل الأوطار ج 5 ص 268 «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه» ...


دلت عليه روايتا حماد بن عيسى وأحمد بن محمد من القسمة وأخذ الزائد وإتمام الناقص كما صرح به الأصحاب ، وربما أباح صاحب الخمس به كملا كما ستأتيك الأخبار به إن شاء الله تعالى مكشوفة القناع ، ولا بعد في جواز التصرف له حسبما أراد وما رآه من المصلحة في العباد فإن الأرض وما فيها كله له عليه‌السلام كما ستأتيك إن شاء الله تعالى الأخبار به في المقام (1) وقد تقدمت (2) رواية أبي خالد الكابلي الدالة على أن للإمام عليه‌السلام أن يعطي ما في بيت المال لرجل واحد وأنه لا يفعل إلا بأمر الله عزوجل.

وبالجملة فإنه متى ثبت عنه بالأخبار المتفق عليها بين الأصحاب فعل من الأفعال وجب قبوله وحمله على أنه الحق الوارد من الملك المتعال ، وما يتراءى من مخالفة ذلك لظاهر القرآن كما هو أقوى مستند للخصم في هذا المكان ففيه أنهم قد اتفقوا على تخصيص أحكام القرآن في غير مقام بالأخبار الثابتة عنهم (عليهم‌السلام) وبذلك يظهر لك أن القول المشهور ليس على إطلاقه كما يدعونه من أن مصرف الخمس دائما على هذه الكيفية بل ربما وقع كذلك وربما لم يقع.

قال المحقق في المعتبر هنا ـ ونعم ما قال في الجواب عن الطعن في الروايتين المشار إليهما بضعف الإسناد ـ ما صورته : والذي ينبغي العمل به اتباع ما نقله الأصحاب وأفتى به الفضلاء ولم يعلم من باقي العلماء رد لما ذكر من كون الإمام (عليه‌السلام) يأخذ ما فضل ويتم ما أعوز ، وإذا سلم النقل من المعارض ومن المنكر لم يقدح إرسال الرواية الموافقة لفتواهم ، فإنا نعلم مذهب أبي حنيفة والشافعي وإن كان الناقل عنه واحدا ، وربما لم يعلم الناقل عنه بلا فصل وإن علمنا نقل المتأخرين له ، وليس كل ما أسند عن مجهول لا يعلم نسبته إلى صاحب المقالة ، ولو قال إنسان لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام ولا مذهب الشافعي في الفقه لأنه لم ينقل مسندا

__________________

(1) أصول الكافي ج 1 ص 407.

(2) ص 357 و 358.


كان متجاهلا ، وكذا مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام) ينسب إليهم بحكاية بعض شيعتهم سواء أرسل أو أسند إذا لم ينقل عنهم ما يعارضه ولا رده الفضلاء منهم. انتهى. ومرجعه إلى جبر الأخبار الضعيفة السند باتفاق الأصحاب على العمل بها ، وهو عند التأمل الصادق حق لا ريب فيه ولكن الاعتماد حينئذ إنما هو على اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور ، ولا شك أن مذهب كل إمام وصاحب مقالة إنما يعلم بنقل أتباعه ومقلديه وشيعته المشهورين بمتابعته والأخذ عنه والاعتماد عليه كما أشار إليه في المعتبر من أصحاب المذاهب الأربعة ونحوهم ، إلا أن جعل هذه المسألة من قبيل ذلك لا يخلو من إشكال.

وبالجملة فالمرجع إلى ما حققناه أولا فإنه هو المفهوم من الأخبار التي عليها الاعتماد في الإيراد والإصدار.

الخامسة ـ الظاهر أنه لا خلاف في أن ابن السبيل هنا كما تقدم في كتاب الزكاة لا يشترط فيه الفقر بل المعتبر حاجته في بلد التسليم وإن كان غنيا في بلده ، إنما الخلاف في اليتيم وهو الذي لا أب له فقيل باعتبار الفقر فيه والظاهر أنه هو المشهور ، واحتجوا عليه بأن الخمس جبر ومساعدة فيختص به أهل الحاجة كالزكاة. ولأن الطفل لو كان له أب ذو مال لم يستحق شيئا فإذا كان له مال كان أولى بالحرمان إذ وجود المال له أنفع من وجود الأب. وقيل بعدم اعتبار الفقر وهو قول الشيخ في المبسوط وابن إدريس تمسكا بعموم الآية ، وبأنه لو اعتبر الفقر فيه لم يكن قسما برأسه.

أقول : والظاهر هو القول المشهور لا لما ذكر من التعليل فإنه وإن كان من حيث الاعتبار لا يخلو من قوة إلا أنه لا يصلح لتأسيس حكم شرعي بل لظاهر صحيحة حماد بن عيسى عن بعض أصحابه المتقدمة حيث قال في آخرها (1) «وليس في مال الخمس زكاة لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم فلم يبق منهم أحد ، وجعل لفقراء قرابة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نصف

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.


الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس (1) فلم يبق فقير من فقراء الناس ولم يبق فقير من فقراء قرابة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلا وقد استغنى فلا فقير ، ولذلك لم يكن على مال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والوالي زكاة لأنه لم يبق فقير محتاج. الحديث».

وما ذكروه من ما قدمنا نقله عنهم يصلح توجيها للنص بل هو عين معنى النص المذكور إلا أنه من حيث عدم الإسناد إلى الإمام لا يصلح أن يكون مستندا في الأحكام.

وأما ما ذكر في حجة القول الثاني ـ من أنه لو اعتبر الفقر فيه لم يكن قسما برأسه ـ ففيه أنه يمكن أن يكون جعله قسما برأسه مع اندراجه في المساكين لمزيد التأكيد مثل الأمر بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى (2) مع اندراجها في الصلوات المذكورة قبلها.

السادسة ـ الظاهر أنه لا خلاف في أنه لا يجوز نقل الخمس مع وجود المستحق ، والكلام هنا جار على ما تقدم في نقل الزكاة بلا إشكال لأن الجميع من باب واحد فلا حاجة إلى التطويل بالتفصيل ، وقد تقدم تحقيق الكلام في المقام في كتاب الزكاة.

السابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يعتبر في الطوائف الثلاث أعني اليتامى والمساكين وابن السبيل الانتساب إلى عبد المطلب جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وعليه تدل الأخبار المتكاثرة ، ومنها ـ ما تقدم في أول الفصل من المراسيل الثلاث المتقدمة وكذا الرواية المنقولة من رسالة المحكم والمتشابه (3).

ومثل ذلك أيضا ما رواه في التهذيب (4) بسنده عن سليم بن قيس الهلالي

__________________

(1) «وصدقات النبي (ص) وولي الأمر».

(2) في قوله تعالى «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» سورة البقرة الآية 240.

(3) ص 370 و 271.

(4) ج 1 ص 385 وفي الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس رقم 4.


عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «سمعته يقول كلاما كثيرا ثم قال : وأعطهم من ذلك كله سهم ذي القربى الذين قال الله تعالى «إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ» (1) نحن والله عني بذي القربى وهم الذين قرنهم الله بنفسه وبنبيه فقال (2) «فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» منا خاصة ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم الله نبيه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس».

وما رواه الكليني عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (3) «في قول الله عزوجل (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (4) قال هم قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والخمس لله وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولنا».

ومنها ـ ما قدمنا نقله في سابق هذه المسألة من عجز صحيحة حماد بن عيسى عن بعض أصحابه زيادة على ما في صدرها الذي قدمناه ثمة (5).

فإن هذه الأخبار قد اشتركت في الدلالة صريحا على أن الخمس لا يخرج منه شي‌ء إلى غير الإمام عليه‌السلام والطوائف الثلاث المنتسبين إليهم (عليهم‌السلام).

ونقل عن ابن الجنيد أنه قال : وأما سهام اليتامى والمساكين وابن السبيل وهي نصف الخمس فلأهل هذه الصفات من ذوي القربى وغيرهم من المسلمين إذا استغنى عنها ذوو القربى ولا يخرج من ذوي القربى ما وجد فيهم محتاج إليها إلى غيرهم ومواليهم عتاقة أحرى بها من غيرهم. انتهى.

قال في المدارك بعد نقل ذلك إلى قوله : «إذا استغنى عنها ذوو القربى» ما صورته : والظاهر أن هذا القيد على سبيل الأفضلية عنده لا التعيين. ثم قال : ويدل على ما ذكره إطلاق الآية الشريفة وصحيحة ربعي المتقدمة (6) وغيرها من الأخبار والعلامة في المختلف نقل عن ابن الجنيد أنه احتج بالعموم ثم قال : والجواب

__________________

(1 و 2 و 4) سورة الأنفال الآية 43.

(3) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

(5) 371 و 385.

(6) تقدمت ص 373.


أن العام هنا مخصوص بالإجماع بالإيمان فيكون مخصوصا بالقرابة لما تقدم. قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو جيد لو كان النص المتضمن لذلك صالحا للتقييد وكيف كان فلا خروج عن ما عليه الأصحاب.

أقول : العجب منه (قدس‌سره) في ميله إلى هذه الأقوال الشاذة النادرة المخالفة للأخبار المتكاثرة واتفاق الأصحاب قديما وحديثا من ما ذكر هنا وما تقدم بمجرد هذه الخيالات الضعيفة والتوهمات السخيفة ، ولا ريب أن ما ذكره ابن الجنيد هنا هو مذهب العامة (1) كما نقله في المعتبر حيث قال بعد نقل قول ابن الجنيد وإنه قال إنه يدخل معهم بنو المطلب ويشركهم غيرهم من أيتام المسلمين ومساكينهم وأبناء سبيلهم لكن لا يصرف إلى غير القرابة إلا بعد كفايتهم : ولم أعرف له موافقا من الإمامية ، وأما شركة بني المطلب فالخلاف فيهم كما مر في باب الزكاة ، وأطبق الجمهور على عمومه في أيتام المسلمين ومساكينهم وأبناء سبيلهم متمسكين بإطلاق اللفظ وعمومه. انتهى.

وأما ما ادعاه من عموم الآية فهو مخصوص بالأخبار التي ذكرناها ، وهل يجسر ذو دين وديانة على رد هذه الأخبار المستفيضة في الأصول المتكررة في غير كتاب وطرحها بمجرد ضعف أسنادها بهذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد كما عرفت هنا أقرب من الصلاح حتى أنها لا تصلح بذلك إلى تخصيص الآية كما زعمه وتوهمه؟ ما هذه إلا خرافات باردة وتمحلات شاردة.

وأما ما ادعاه من دلالة صحيحة ربعي المتقدمة وغيرها من الأخبار فهو من أعجب العجاب عند ذوي البصائر والأبصار ، وأي دلالة في صحيحة ربعي أو غيرها على إعطاء الخمس لغير بني هاشم؟ وغاية ما تدل عليه صحيحة ربعي المذكورة هو إطلاق اليتامى والمساكين وابن السبيل حيث قال فيها : «ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل» ولا ريب أن هذا الإطلاق

__________________

(1) المحلى ج 7 ص 327 والمغني ج 6 ص 413 ومنار السبيل ص 294.


يجب تقييده بالأخبار المتقدمة ، ولكنه (قدس‌سره) لتصلبه في هذا الاصطلاح جمد على إطلاق هذه الرواية وألغى تلك الأخبار المتكاثرة لعدم صحة سند شي‌ء منها ثم العجب منه مع ذلك في قوله أخيرا : إلا أنه لا خروج عن ما عليه الأصحاب وهل هو إلا مجرد تقليد لهم في هذا الباب؟ ولا يخفى ما في هذا الكلام من الاضطراب الناشئ عن التصلب في هذا الاصطلاح وإلا فجميع الأصحاب من أصحاب هذا الاصطلاح وغيرهم لم يخالف في هذه المسألة سوى ابن الجنيد الذي طعن عليه الأصحاب بموافقته العامة في جملة من فتاواه ومنها هذا الموضع.

وبالجملة فالمسألة أظهر من أن تحتاج إلى تطويل زيادة على ما ذكرناه.

الثامنة ـ قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) باشتراط الإيمان في المستحق فلا يعطى غير المؤمن ، وتردد المحقق في الشرائع نظرا إلى إطلاق الآية وإلى أن الخمس عوض عن الزكاة والزكاة مشروطة بالإيمان اتفاقا نصا وفتوى. وفي المعتبر جزم بالاشتراط واستدل عليه بأن غير المؤمن محاد لله بكفره فلا يفعل معه ما يؤذن بالموادة. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهذا الدليل مخالف لما هو المعهود من مذهبه. انتهى. وهو كذلك فإن مذهبه الحكم بإسلام المخالفين ووجوب إجراء أحكام الإسلام عليهم بل له غلو ومبالغة في ذلك فكيف حكم هنا بكفرهم؟ قال المحقق الشيخ علي (قدس‌سره) ومن العجائب هاشمي مخالف يرى رأى بني أمية فيشترط الإيمان لا محالة. وظاهر صاحب الذخيرة التردد في ذلك تبعا للمحقق ، وهو الظاهر من صاحب المدارك وإن لم يصرح به حيث إنه اقتصر على نقل القولين وبيان وجه التردد ولم يحكم بشي‌ء في البين. والأصح الاشتراط وإن قلنا بإسلام المخالف كما ذهبوا إليه لقوله عليه‌السلام في رواية حماد بن عيسى (1) «وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها من الله لهم لقرابتهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكرامة

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.


من الله لهم عن أوساخ الناس فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل والمسكنة. الحديث». دل على أن الخمس من الله عزوجل كرامة لذريته صلى‌الله‌عليه‌وآله وتنزيه ولا ريب أن المخالف ليس أهلا لذلك بالاتفاق فلا يجوز إعطاؤه. هذا مع أن الحق عندنا في المسألة هو كفره وشركه وأنه شر من اليهودي والنصراني كما حققناه في موضعه اللائق به.

المطلب الثاني ـ في بيان حكم من انتسب إلى هاشم بالأم دون الأب ، المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم إلى هاشم بالأبوة فلو انتسبوا بالأم لم يعطوا من الخمس شيئا وإنما يعطون من الزكاة ، وذهب السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) إلى أنه يكفي في الاستحقاق الانتساب بالأم ويكون الحكم فيه حكم المنتسب بالأب من غير فرق ، ومنشأ هذا الخلاف أن أولاد البنت أولاد حقيقة أو مجازا فالمرتضى ومن تبعه على الأول والمشهور الثاني

والأصحاب لم ينقلوا الخلاف هنا إلا عن السيد (رضي‌الله‌عنه) وابن حمزة مع أن شيخنا الشهيد الثاني في شرح المسالك في بحث ميراث أولاد الأولاد نقله عن المرتضى وابن إدريس ومعين الدين المصري ، ونقله في بحث الوقف على الأولاد عن الشيخ المفيد والقاضي وابن إدريس ، ونقل بعض أفاضل العجم في رسالة له صنفها في هذه المسألة واختار فيها مذهب السيد هذا القول أيضا عن القطب الراوندي والفضل بن شاذان ، ونقله المقداد في كتاب الميراث من كتابه كنز العرفان عن الراوندي والشيخ المحقق الشيخ أحمد بن المتوج البحراني الذي كثيرا ما يعبر عنه بالمعاصر ، ونقله في الرسالة المشار إليها أيضا عن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح والشيخ الطوسي في الخلاف وابن الجنيد وابن زهرة في الغنية ، ونقل عن المحقق المولى أحمد الأردبيلي الميل إليه أيضا ، وهو مختار المحقق المدقق المولى العماد مير محمد باقر الداماد وله في المسألة رسالة جيدة قد وقفت عليها ، واختاره أيضا المحقق المولى محمد صالح المازندراني في شرح الأصول والسيد المحدث السيد


نعمة الله الجزائري وشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني ، وسيأتي نقل كلامهم في المقام.

وأنت خبير بأن جملة من هؤلاء المذكورين وإن لم يصرحوا في مسألة الخمس بما نقلناه عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) إلا أنهم في مسائل الميراث والوقف ونحوها لما صرحوا بأن ولد البنت ولد حقيقة اقتضى ذلك إجراء حكم الولد الحقيقي عليه في جميع الأحكام التي من جملتها جواز أخذ الخمس وتحريم أخذ الزكاة ومسائل الميراث والوقوف ونحوها ، لأن مبنى ذلك كله على كون المنتسب بالأم ابنا حقيقيا فكل من حكم بكونه ابنا حقيقيا يلزمه أن يجري عليه هذه الأحكام ، بل الخلاف المنقول هنا عن السيد إنما بنوا فيه على ما ذكره في مسائل الميراث والوقوف ونحوها من حكمه بأن ابن البنت ابن حقيقة كما سيأتيك ذكره.

ولا بأس بنقل بعض عباراتهم المشار إليها في المقام ، قال شيخنا الشهيد الثاني (أعلى الله رتبته) في كتاب الميراث من المسالك في مسألة أولاد الأولاد هل يقومون مقام آبائهم في الميراث فلكل نصيب من يتقرب به أو يقتسمون اقتسام أولاد الصلب والابن له؟ بعد نسبة القول الأول للأكثر : وقال المرتضى وتبعه جماعة : منهم ـ معين الدين المصري وابن إدريس أن أولاد الأولاد يقتسمون تقاسم الأولاد من غير اعتبار من تقربوا به ، ومستندهم أنهم أولاد حقيقة فيدخلون في عموم «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» (1) ويدل على كونهم أولادا وإن انتسبوا إلى الأنثى تحريم حلائلهم بقوله تعالى «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ» (2) وتحريم بنات الابن والبنت بقوله تعالى «وَبَناتُكُمْ» (3) وحل رؤية زينتهن لأبناء أولادهن مطلقا بقوله «أَوْ أَبْنائِهِنَّ» (4) وحلها لأولاد أولاد بعولتهن مطلقا

__________________

(1) سورة النساء الآية 13.

(2 و 3) سورة النساء الآية 28.

(4) سورة النور الآية 32.


بقوله «أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ» (1) والإجماع على أن أولاد الابن وأولاد البنت يحجبون الأبوين عن ما زاد عن السدسين والزوج إلى الربع والزوجة إلى الثمن ، وكل ذلك في الآية متعلق بالولد ، فمن سماه الله ولدا في حجب الأبوين والزوجين هو الذي سماه ولدا في قوله «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ» (2) إلى أن قال (قدس‌سره) : وهذه توجيهات حسنة إلا أن الدليل قد قام أيضا على أن أولاد البنات ليسوا أولادا حقيقة لثبوت ذلك في اللغة والعرف وصحة السلب الذي هو علامة المجاز. إلى آخره

وقال العلامة في المختلف نقلا عن ابن إدريس في هذه المسألة : وقال ابن إدريس بعض أصحابنا يذهب إلى أن ابن البنت يعطى نصيب البنت وبنت الابن تعطى نصيب الابن ، وذهب آخرون من أصحابنا إلى خلاف ذلك وقالوا ابن البنت ولد ذكر حقيقة فنعطيه نصيب الولد الذكر دون نصيب أمه وبنت الابن بنت حقيقة نعطيها نصيب البنت دون نصيب الابن الذي هو أبوها.

قال : واختاره السيد المرتضى واستدل على صحته بما لا يمكن للمنصف دفعه من الأدلة القاهرة اللائحة والبراهين الواضحة ، قال (رضي‌الله‌عنه) اعلم. ثم ساق كلام المرتضى وهو كلام طويل يتضمن البحث والاستدلال مع المخالفين له في هذه المسألة وإلزامهم بوجوه ذكرها.

ومن جملة كلامه (قدس‌سره) في هذا المقام (فإن قيل) فما دليلكم على صحة ما ذهبتم إليه من توريث أولاد الأولاد والقسمة للذكر مثل حظ الأنثيين؟ (قلنا) دليلنا قوله تعالى «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» (3) ولا خلاف بين أصحابنا في أن ولد البنين وولد البنات وإن سفلوا تقع عليهم هذه التسمية وتتناولهم على سبيل الحقيقة ، ولهذا حجبوا الأبوين إلى السدسين بولد الولد وإن هبط والزوج من النصف إلى الربع والزوجة إلى الثمن ، فمن سماه الله تعالى ولدا في حجب الأبوين وحجب الزوجين يجب أن يكون هو الذي سماه في قوله تعالى :

__________________

(1) سورة النور الآية 32.

(2 و 3) سورة النساء الآية 13.


«يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ» (1) فكيف يخالف بين حكم الأولاد ويعطى بعضهم للذكر مثل حظ الأنثيين والبعض الآخر نصيب آبائهم الذي يختلف ويزيد وينقص ويقتضي تارة تفضيل الأنثى على الذكر والقليل على الكثير وتارة المساواة بين الذكر والأنثى؟ وعلى أي شي‌ء يعول في الرجوع عن ظاهر كتابه تعالى؟ فأما مخالفونا فإنهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأنه ولد على الحقيقة وفيهم من وافق على ذلك ، ووافق جميعهم على أن ولد الولد وإن هبط يسمى ولدا على الحقيقة (2). إلى أن قال : ومن ما يدل على أن ولد البنين والبنات يقع عليهم اسم الولد قوله تعالى : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ» (3) وبالإجماع أن بظاهر هذه الآية حرمت بنات أولادنا ، ولهذا لما قال الله تعالى «وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ» (4) ذكرهن في المحرمات لأنهن لم يدخلن تحت اسم الأخوات ، ولما دخل بنات البنات تحت اسم البنات لم يحتج أن يقول : وبنات بناتكم. وهذه حجة قوية في ما قصدناه. وقوله تعالى «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ» (5) وقوله تعالى : «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ... إلى قوله أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ» (6) لا خلاف في عموم الحكم لجميع أولاد الأولاد من ذكور وإناث. ولأن الإجماع على تسمية الحسن والحسين (عليهما‌السلام) بأنهما ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنهما يفضلان بذلك ويمدحان ، ولا فضيلة ولا مدح في وصف مجاز مستعار. ولم تزل العرب في الجاهلية تنسب الولد إلى جده إما في موضع مدح أو ذم ولا يتناكرون ذلك ولا يحتشمون منه ، وقد كان يقال للصادق عليه‌السلام أبدا : أنت ابن الصديق لأن أمه بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر. ولا خلاف في أن عيسى عليه‌السلام من بني آدم وولده وإنما ينسب إليه بالأمومة دون

__________________

(1) سورة النساء الآية 13.

(2) المغني ج 5 ص 560 و 561.

(3 و 4 و 5) سورة النساء الآية 28.

(6) سورة النور الآية 32.


الأبوة (فإن قيل) اسم الولد يجري على ولد البنات مجازا وليس كل شي‌ء استعمل في غيره يكون حقيقة (قلنا) الظاهر من الاستعمال الحقيقة وعلى مدعي المجاز الدلالة. إلى أن قال العلامة في آخر كلام ابن إدريس : هذا كلام السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) وهو الذي يقوى في نفسي وأفتي به وأعمل عليه لأن العدول إلى ما سواه عدول إلى غير دليل من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع منعقد ، بل ما ذهبنا إليه هو ظاهر الكتاب الحكيم ، والإجماع حاصل على أن ولد الولد ولد حقيقة. ولا يعدل عن هذه الأدلة القاطعة للأعذار إلا بأدلة مثلها توجب العلم ، ولا يلتفت إلى أخبار الآحاد في هذا الباب التي لا توجب علما ولا عملا ولا إلى كثرة القائلين به والمودعية كتبهم وتصانيفهم لأن الكثرة لا دليل معها. وإلى ما اختاره السيد المرتضى واخترناه ذهب الحسن بن أبي عقيل في كتاب التمسك وهذا الرجل من أجلة أصحابنا وفقهائنا وكان شيخنا المفيد يكثر الثناء عليه. انتهى وقال في المختلف في كتاب الخمس بعد ذكر القول المشهور أولا : وذهب السيد المرتضى إلى أن ابن البنت ابن حقيقة ، ومن أوصى بمال لولد فاطمة (عليها‌السلام) دخل فيه أولاد بنيها وأولاد بناتها حقيقة ، وكذا لو وقف على ولده دخل فيه ولد البنت لدخول ولد البنت تحت الولد. والأقرب الأول ، لنا ـ أنه إنما يصدق الانتساب حقيقة إذا كان من جهة الأب عرفا فلا يقال تميمي إلا لمن انتسب إلى تميم بالأب ولا حارثي إلا لمن انتسب إلى حارث بالأب ، ويؤيده قول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
 

 

بنوهن أبناء الرجال الأباعد
 

وما رواه حماد بن عيسى قال رواه لي بعض أصحابنا عن العبد الصالح أبي الحسن الأول عليه‌السلام (1) «ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقة تحل له وليس له من الخمس شي‌ء لأن الله يقول : ادعوهم لآبائهم» (2).

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

(2) سورة الأحزاب الآية 6.


ولأنه أحوط. احتج السيد المرتضى بأن الأصل في الإطلاق الحقيقة وقد ثبت إطلاق الاسم في قوله عليه‌السلام (1) في الحسن والحسين (عليهما‌السلام) «هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا». والجواب المنع من اقتضاء الإطلاق الحقيقة مطلقا بل إذا لم يعارض معارض. انتهى.

وقال الشيخ في الخلاف في باب الوقف : مسألة ـ إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده دخل أولاد البنات فيه ويشتركون فيه مع أولاد البنين الذكر والأنثى فيه سواء كلهم وبه قال الشافعي ، وقال أصحاب أبي حنيفة لا يدخل أولاد البنات فيه (2). إلى أن قال : دليلنا إجماع المسلمين على أن عيسى بن مريم عليه‌السلام من ولد آدم وهو ولد ابنته لأنه ولد من غير أب. وأيضا دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسن عليه‌السلام ابنا وهو ابن بنته وقال : «لا تزرموا ابني». أي لا تقطعوا عليه بوله وكان قد بال في حجره فهموا بأخذه فقال لهم ذلك (3) فأما استشهادهم بقول الشاعر :

«بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
 

 

بنوهن أبناء الرجال الأباعد»
 

فإنه مخالف لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإجماع الأمة والمعقول فوجب رده. وقال في كتاب الميراث مثله واستدل بما استدل به هنا. انتهى. ولهذا أنه لم ينقل عنه موافقة القول المشهور إلا في النهاية والمبسوط وإلا فهو في الخلاف قد وافق قول السيد كما عرفت.

وقال الشيخ المفيد في كتاب الوقف من المقنعة : وإذا وقف على العلوية

__________________

(1) قال المجلسي في البحار ج 10 ص 78 في مقام الاستدلال على إمامتهما «ع» : ويستدل بالخبر المشهور أنه «ص» قال : «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا». وفيه ج 9 ص 140 في حديث و «إنهما إمامان قاما أو قعدا». وأيضا ج 9 ص 150 في حديث «وابناه الحسن والحسين «ع» سبطاي من هذه الأمة إمامان قاما أو قعدا» ..

(2) في المغني ج 5 ص 560 و 561 نسب القول بالعدم إلى مالك ومحمد بن الحسن والقول بالدخول إلى الشافعي وأبي يوسف.

(3) الوسائل الباب 8 من النجاسات.


كان لولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وولد ولده من الذكور والإناث ، فإن وقف على الطالبيين كان على ولد أبي طالب (رحمة الله عليه) وولد ولده من الذكور والإناث. وهو كما ترى مطابق لما نقل عنه آنفا حيث أنه أدخل المتقربين بالأم في النسبة إلى علي وأبي طالب (عليهما‌السلام) والمخالفون من أصحابنا في المسألة ينكرون دخول المتقرب بالأم في النسبة كما سمعته من كلام العلامة.

وقال الفضل بن شاذان ـ على ما نقله عنه في الكافي (1) في باب الميراث بعد أن نقل عن العامة القول ببنوة ابن البنت في جميع الأحكام إلا في الميراث ـ ما حاصله : أنهم إنما أنكروا ذلك في باب الميراث اقتداء بأسلافهم الذين أرادوا إبطال بنوة الحسن والحسين (عليهما‌السلام) بسبب أمهما والله المستعان. هذا مع ما قد نص الله عليه في كتابه بقوله عزوجل «كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ ... إلى قوله وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ» (2) فجعل عيسى من ذرية نوح ومن ذرية آدم وهو ابن بنته لأنه لا أب لعيسى ، فكيف لا يكون ولد الابنة ولد الرجل بلى لو أرادوا الإنصاف والحق. وبالله التوفيق. انتهى

أقول : وقد ظهر لك من ما ذكرنا حجج القولين وما أوردوه في البين.

والظاهر عندي هو مذهب السيد (قدس‌سره) لوجوه الأول ـ الآيات القرآنية التي هي أقوى حجة وأظهر محجة الواردة في باب النكاح وباب الميراث ، فإنها متفقة في صدق الولد شرعا على ولد البنت والابن وصدق الأب على الجد منهما ، ولذلك ترتبت عليه الأحكام الشرعية في البابين المذكورين ، والأحكام الشرعية لا تترتب إلا على المعنى الحقيقي للفظ دون المجازي المستعار الذي قد يعتبر وقد لا يعتبر.

وها أنا أتلو عليك شطرا من تلك الآيات الواردة في هذا المجال لتحيط

__________________

(1) الفروع ج 2 ص 260.

(2) سورة الأنعام الآية 85 و 86.


خبرا بأن ما ذهبنا إليه لا يعتريه غشاوة الإشكال وإن كان قد تقدم في كلام السيد ما يشير إلى بعض ذلك :

فمن ذلك قوله عزوجل «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ» (1) فإنه لا خلاف في أنه بهذه الآية يحرم على ابن البنت زوجة جده من الأم لكونه أبا له بمقتضى الآية ، فهي تدل على أن أب الأم أب حقيقة إذ لو لا ذلك لما اقتضت تحريم زوجة جده عليه ، فيكون ولد البنت ولدا حقيقة للتضايف.

ومن ذلك قوله عزوجل في تعداد المحرمات «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ» (2) فإنه لا خلاف في أنه بهذه الآية يحرم نكاح الرجل لزوجة ابن ابنته لصدق الابنية عليه المذكورة.

ومنه قوله تعالى في تعداد المحرمات أيضا «وَبَناتُكُمْ» (3) فإنه بهذه الآية حرمت بنت البنت على جدها.

ومنه أيضا في تعداد من يحل نظره إلى الزينة قوله سبحانه «أَوْ أَبْنائِهِنَّ» (4) فإنه بهذه الآية يحل لابن البنت النظر إلى زينة جدته لأمه بل زوجة جده بقوله «أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ» (5).

ومنه في الميراث في حجب الزوجين عن السهم الأعلى وحجب الأبوين عن ما زاد على السدس قوله عزوجل : «فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ ... فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ» (6) «وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» (7) فإن الولد في جميع هذه المواضع شامل بإطلاقه لولد البنت ، والأحكام المذكورة مرتبة عليه بلا خلاف كما ترتبت على ولد الصلب بلا واسطة.

__________________

(1) سورة النساء الآية 27.

(2 و 3) سورة النساء الآية 28.

(4 و 5) سورة النور الآية 32.

(6) سورة النساء الآية 14 و 15.

(7) سورة النساء الآية 13.


ومن الظاهر البين أنه لو لا صدق الإطلاق حقيقة لما جاز ترتب الأحكام الشرعية المذكورة في جملة هذه الآيات ونحوها عليه.

وأما ما أجاب به في المسالك في كتاب الوقف وفي كتاب الميراث من أن دخول أولاد الأولاد بدليل من خارج لا من حيث الإطلاق فهو مردود بأن الروايات قد فسرت الآيات المذكورة بذلك وأنه قد أريد بها هذا المعنى ، ومنها ـ الروايات الآتية في المقام حيث استدل الأئمّة (عليهم‌السلام) بالآيات على هذا المعنى وفسروها به لا أن هذا المعنى إنما استفيد من أخبار خارجة أو من الإجماع كما ادعاه. وأيضا فإن الأصحاب قد استدلوا على الأحكام المذكورة بإطلاق هذه الآيات كما لا يخفى على من راجع كتبهم فلو لا أن أولاد الأولاد مطلقا داخلون في الإطلاق ومستفادون منه لما صح هذا الاستدلال الذي أوردوه (عليهم‌السلام) ولا الذي ذكره الأصحاب. وبذلك يظهر أن جوابه (قدس‌سره) شعري لا يعتمد عليه وقشري لا يلتفت إليه.

الثاني ـ الأخبار الظاهرة المنار الساطعة الأنوار : ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام الكليني (عطر الله مرقده) في كتاب روضة الكافي (1) والثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (2) بسنديهما إلى أبي الجارود قال : «قال لي أبو جعفر عليه‌السلام يا أبا الجارود ما يقولون لكم في الحسن والحسين (عليهما‌السلام)؟ قلت ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال فأي شي‌ء احتججتم عليهم؟ قلت احتججنا عليهم بقول الله عزوجل في عيسى بن مريم عليه‌السلام : ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى (3) فجعل عيسى بن مريم من ذرية نوح عليه‌السلام. قال عليه‌السلام : فأي شي‌ء قالوا لكم؟ قلت قالوا قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب. قال : فأي شي‌ء احتججتم

__________________

(1) ص 317.

(2) ص 196.

(3) سورة الأنعام الآية 85 و 86.


عليهم؟ قلت احتججنا عليهم بقول الله تعالى لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ» (1) قال فأي شي‌ء قالوا؟ قلت قالوا قد يكون في كلام العرب أبناء رجل وآخر يقول : أبناؤنا. قال فقال أبو جعفر عليه‌السلام يا أبا الجارود لأعطينكها من كتاب الله عزوجل إنهما من صلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يردها إلا كافر. قلت : وأين ذلك جعلت فداك؟ قال من حيث قال الله عزوجل «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ ... الآية إلى أن انتهى إلى قوله تعالى وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ» (2) فسلهم يا أبا الجارود هل كان يحل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نكاح حليلتيهما؟ فإن قالوا نعم كذبوا وفجروا وإن قالوا لا فهما ابناه لصلبه» وزاد في رواية علي بن إبراهيم «وما حرمتا عليه إلا للصلب. الحديث».

ولا يخفى ما فيه من الصراحة في المطلوب والظهور والتشنيع الفظيع على من قال بالقول المشهور ومشاركته للعامة في رد كتاب الله المؤذن بالخروج عن الإسلام نعوذ بالله من زيغ الأفهام وطغيان الأقلام ، ولكن العذر لهم تجاوز الله عنا وعنهم واضح بعدم تتبع الأدلة والوقوف عليها من مظانها لتفرقها وعدم اجتماعها في باب معلوم.

وفي الخبر كما ترى دلالة واضحة على أن إطلاق الولد في الآيات المتقدمة على ابن البنت على جهة الحقيقة وأنه ولد للصلب حقيقة وإن كان بواسطة لا فرق بينه وبين الولد للصلب الذي هو متفق عليه بينهم.

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) «أنه قال لو لم تحرم على الناس أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لقول الله عزوجل : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) (4)

__________________

(1) سورة آل عمران الآية 55.

(2) سورة النساء الآية 28.

(3) الوسائل الباب 2 من ما يحرم بالمصاهرة.

(4) سورة الأحزاب الآية 54.


حرمن على الحسن والحسين (عليهما‌السلام) لقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) (1) ولا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جده». والتقريب فيها ما تقدم عند ذكر الآية المشار إليها.

ومنها ـ ما رواه الصدوق في عيون الأخبار (2) والطبرسي (قدس‌سره) في كتاب الاحتجاج (3) في حديث طويل عن الكاظم عليه‌السلام يتضمن ذكر ما جرى بينه وبين الخليفة هارون الرشيد لما أدخل عليه ، وموضع الحاجة منه أنه قال له الرشيد : «لم جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولون لكم يا بني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنتم بنو علي وإنما ينسب المرء إلى أبيه وفاطمة إنما هي وعاء والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جدكم من قبل أمكم؟ فقال يا أمير المؤمنين لو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال سبحان الله ولم لا أجيبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك. فقال لكنه لا يخطب إلى ولا أزوجه. فقال ولم؟ فقلت لأنه ولدني ولم يلدك. فقال أحسنت يا موسى ثم قال كيف قلتم إنا ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والنبي لم يعقب وإنما العقب للذكر لا للأنثى وأنتم ولد لابنته ولا يكون لها عقب؟. ثم ساق الخبر إلى أن قال : فقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى» (4) من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟ فقال ليس لعيسى أب. فقلت إنما ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريم وكذلك ألحقنا بذراري النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل أمنا فاطمة. أزيدك يا أمير المؤمنين؟ قال هات فقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ ... الآية» (5) ولم يدع أحد أنه أدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت الكساء عند المباهلة للنصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين

__________________

(1) سورة النساء الآية 27.

(2) ج 1 ص 83 الطبع الحديث.

(3) ص 199.

(4) سورة الأنعام الآية 85 و 86.

(5) سورة آل عمران الآية 55.


(عليهم‌السلام) فالأبناء هم الحسن والحسين والنساء هي فاطمة و «أَنْفُسَنا» إشارة إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام (1). الحديث».

ومنها ـ ما رواه الشيخ المفيد (قدس‌سره) في كتاب الاختصاص (2) في حديث طويل عن الكاظم عليه‌السلام مع الرشيد أيضا قال فيه : «وإني أريد أن أسألك عن مسألة فإن أجبتني أعلم أنك قد صدقتني وخليت عنك ووصلتك ولم أصدق ما قيل فيك. فقلت ما كان علمه عندي أجبتك فيه. فقال لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنتم ولد علي وفاطمة إنما هي وعاء والولد ينسب إلى الأب لا إلى الأم؟ فقلت إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة فعل فقال لست أفعل أو تجيب ، فقلت فأنا في أمانك أن لا يصيبني من آفة السلطان شي‌ء فقال لك الأمان. فقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى» (3) فمن أبو عيسى؟ فقال ليس له أب إنما خلق من كلام الله (عزوجل) وروح القدس. فقلت إنما ألحق عيسى بذراري الأنبياء من قبل مريم وألحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي. فقال أحسنت يا موسى زدني من مثله. فقلت اجتمعت الأمة برها وفاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم‌السلام) فقال الله تبارك وتعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (4) فكان تأويل «أَبْناءَنا» الحسن والحسين و «نِساءَنا» فاطمة و «أَنْفُسَنا» علي بن أبي طالب (عليه‌السلام). فقال أحسنت. الحديث».

__________________

(1) ارجع إلى الاستدراكات في آخر الكتاب.

(2) ص 55 و 56.

(3) سورة الأنعام الآية 85 و 86.

(4) سورة آل عمران الآية 55.


أقول : لا يخفى عليك ما في هذا الخبر والذي قبله من الدلالة الظاهرة على خلاف ما دلت عليه مرسلة حماد المتقدمة دليلا للقول المشهور ، فإنه عليه‌السلام حكم في تلك المرسلة بأن المرء إنما ينسب إلى أبيه واستدل بقوله عزوجل «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» (1) وفي هاتين الروايتين لما أورد عليه الرشيد ذلك الموجب لعدم جواز نسبتهم بالبنوة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله احتج عليه‌السلام في الرواية الأولى بعدم جواز نكاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كريمته الموجب لكونه ابنه حقيقة كما تضمنته الآية المتقدمة ، وفي كلتا الروايتين بآية عيسى وآية المباهلة ، ولو كانت البنوة في هذه المواضع إنما هي على جهة المجاز فكيف تصلح هذه الآيات للاستدلال؟ وكيف يسلم الخصم تلك الدعوى؟ بل كيف يعترض الرشيد وغيره عليهم بتسمية الناس لهم أبناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مجازا وباب المجاز واسع ، فلو لا أن المخالفين عالمون بدعواهم (عليهم‌السلام) البنوة الحقيقية وأن الناس إنما أرادوا بذلك كونهم أبناء حقيقة لما كان لهذا الاعتراض وجه بالكلية ، لما عرفت من أن المجاز لا مشاحة فيه ولا يوجب فخرا ولا يخلد ذكرا ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر تمام الظهور لمن سلمت عين بصيرته من الخلل والفتور ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

ومنها ـ ما رواه العياشي في تفسيره (2) عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له ما الحجة في كتاب الله إن آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هم أهل بيته؟ قال قول الله تبارك وتعالى : إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران ـ وآل محمد ـ هكذا نزلت (3) على العالمين (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (4)

__________________

(1) سورة الأحزاب الآية 6.

(2) ج 1 ص 169 و 170.

(3) الأدلة العقلية والنقلية متوفرة على عدم وقوع أي تحريف بالمعنى المعروف في القرآن ، وما ورد من الأخبار من هذا القبيل ليس المراد منه النزول على وجه القرآنية راجع البيان ج 1 لسماحة الأستاذ آية الله الخوئي دام ظله ص 136 إلى 181 وقد برهن فيه على أنه ليس من مذهب الشيعة القول بتحريف القرآن.

(4) سورة آل عمران الآية 32 و 33.


ولا يكون الذرية من القوم إلا نسلهم من أصلابهم. وقال : اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور (1) وآل عمران وآل محمد».

ومنها ـ ما رواه الصدوق في العيون (2) والمجالس عن الرضا عليه‌السلام في باب مجلس الرضا مع المأمون في الفرق بين العترة والأمة ، والحديث طويل قال عليه‌السلام في جملته «وأما العاشرة فقول الله عزوجل في آية التحريم : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ ... الآية» (3) فأخبروني هل تصلح ابنتي أو ابنة ابني أو ما تناسل من صلبي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا لا. قال فأخبروني هل كانت ابنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا نعم. قال ففي هذا بيان لأني من آله ولستم من آله ولو كنتم من آله لحرم عليه بناتكم كما حرم عليه بناتي لأني من آله وأنتم من أمته ، فهذا فرق ما بين الآل والأمة لأن الآل منه والأمة إذا لم تكن من الآل ليست منه ، فهذه العاشرة. وأما الحادية عشرة فقوله عزوجل في سورة المؤمن. وساق الكلام إلى أن قال عليه‌السلام : وكذلك خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بولادتنا منه. الحديث».

ومنها ـ قوله في الخبر المذكور (4) حين ادعى الحاضرون أن الآل هم الأمة : «أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا نعم. قال فتحرم على الأمة؟ قالوا لا. قال هذا فرق بين الآل والأمة. الحديث».

والتقريب فيه أن كل من انتسب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمه فإنه داخل في آله لما ورد من تفسير الآل بالذرية في خبر وبمن حرم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نكاحه في خبر آخر (5) ومتى دخل في الآل حرمت عليه الصدقة بنص الخبر المذكور مع

__________________

(1) سورة سبأ الآية 13 والكلام في التتمة كما تقدم في التعليقة 3 ص 402.

(2) ج 1 ص 239 الطبع الحديث وفي المجالس ص 318.

(3) سورة النساء الآية 28.

(4) العيون ص 229 والمجالس 313.

(5) راجع التعليقة 1 و 2 ص 405.


إن خبر حماد بن عيسى دل على حل الصدقة لمن انتسب إلى هاشم بالأم الموجب لإخراجه من الآل والذرية.

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في أبواب الزيارات (1) بسنده عن بعض أصحابنا قال : «حضرت أبا الحسن الأول عليه السلام وهارون الخليفة وعيسى بن جعفر وجعفر بن يحيى بالمدينة وقد جاءوا إلى قبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال هارون لأبي الحسن عليه‌السلام تقدم فأبى فتقدم هارون فسلم وقام ناحية فقال عيسى بن جعفر لأبي الحسن عليه‌السلام تقدم فأبى فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون فقال جعفر لأبي الحسن عليه‌السلام تقدم فأبى فتقدم جعفر فسلم ووقف مع هارون فتقدم أبو الحسن عليه‌السلام وقال السلام عليك يا أبت أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك أن يصلي عليك. فقال هارون لعيسى سمعت ما قال؟ قال : نعم. فقال هارون أشهد أنه أبوه حقا». فانظر أيدك الله إلى شهادة هارون بأبوته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) له عليه‌السلام حقا وأي مجال للحمل على المجاز في ذلك؟

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه والشيخ في كتابيه بطرق عديدة ومتون متقاربة عن عائذ الأحمسي (2) قال : «دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت السلام عليك يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : وعليك السلام إي والله إنا لولده وما نحن بذوي قرابته. الحديث».

أقول : انظر إلى صراحة كلامه عليه‌السلام في المطلوب والمراد وقسمه على ذلك برب العباد وأنه ليس انتسابهم إليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بمجرد القرابة كما يدعيه ذوو العناد والفساد ومن تبعهم من أصحابنا ممن حاد في المسألة عن طريق السداد حيث حملوا لفظ الابنية في حقهم (عليهم‌السلام) على المجاز وهي ظاهرة بل صريحة كما ترى في

__________________

(1) الفروع ج 1 ص 316 وفي الوسائل الباب 6 من المزار.

(2) الفروع ج 1 ص 137 وفي الوسائل الباب 17 من أعداد الفرائض ونوافلها.


إرادة البنوة الحقيقية لا مسرح للعدول عنها والجواز.

ومجمل القول في هذه الأخبار ونحوها أنها قد دلت على دعواهم (عليهم‌السلام) البنوة له (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وافتخارهم بذلك وأن المخالفين أنكروها عليهم ، وهم (عليهم‌السلام) قد استدلوا على إثباتها بالآيات القرآنية كما مرت ، ولو لا أن المراد بالبنوة الحقيقية لما كان لما ذكر من هذه الأمور وجه ، لأن المجاز لا يوجب الافتخار ولا يصلح أن يكون محلا للمخاصمة والجدال وطلب الأدلة وإيراد الآيات دليلا عليه بل هذه الأشياء إنما تترتب على المعنى الحقيقي كما أشرنا إليه آنفا ، ولكن أصحابنا (رضوان الله عليهم) لم يعطوا المسألة حقها من التتبع لأخبارها والتطلع في آثارها فوقعوا في ما وقعوا فيه.

الثالث ـ أن جملة الأخبار التي وقفت عليها بالنسبة إلى مستحقي الخمس عدا مرسلة حماد المتقدمة إنما تضمنت التعبير عنهم بكونهم آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو ذريته أو عترته أو ذوي قرابته أو أهل بيته أو نحو ذلك من الألفاظ التي لا تناكر في دخول المنتسب بالأم إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ، فإن معنى الآل على ما رواه الصدوق في معاني الأخبار (1) عن الصادق عليه‌السلام من حرم على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله نكاحه ، وفي رواية أخرى (2) فسره بالذرية ، ولا ريب أيضا في صدق الذرية على من انتسب بالأم للآية الدالة على كون عيسى من ذرية نوح عليه‌السلام (3).

وحينئذ فإذا كان التعبير عن مستحق الخمس في الأخبار إنما وقع بهذه الألفاظ التي لا إشكال في دخول المنتسب بالأم إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها فإنه لا مجال لنزاع القوم في هذه المسألة باعتبار عدم صدق البنوة على من انتسب إلى هاشم بالأم ، لأن علة النسبة إلى هاشم لم نقف عليها إلا في المرسلة المتقدمة حيث قال فيها (4) : «وهؤلاء الذين

__________________

(1) ص 93 و 94 الطبع الحديث.

(2) ص 94 الطبع الحديث.

(3) وهي قوله تعالى «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ . إلى قوله تعالى وَعِيسى» سورة الأنعام الآية 85 و 86.

(4) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.


جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين ذكرهم الله تعالى فقال «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» (1) وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم والأنثى. إلى أن قال : ومن كانت أمه من بني هاشم. إلى آخر ما تقدم» وكذا ما في رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم». والثاني لا صراحة فيه بل ولا ظاهرية في المنع من ما ندعيه ، لأن النسبة إلى هاشم تصدق بكونه من الذرية وهي حاصلة بالانتساب بالأم كما عرفت ، فلم يبق إلا المرسلة المتقدمة وموضع المنافاة فيها وهو الصريح في المنافاة إنما هو قوله «ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقات تحل له ...» وإلا فتفسيرهم بالقرابة وأنهم بنو عبد المطلب لا صراحة فيه ولا ظهور بعد ما حققناه آنفا ، فإنا قد أثبتنا بالآيات القرآنية والروايات المتقدمة حصول البنوة بالأم.

وتعلق الخصم بعدم صدق الابنية الحقيقية ـ وأنه لا يقال تميمي ولا حارثي إلا إذا انتسب إلى تميم وإلى حارث بالأب والاستناد إلى ذلك الشعر المنقول في مقابلة ما ذكرناه من المنقول ـ غير معقول عند ذوي الألباب والعقول بل هو أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت لما شرحناه وأوضحناه في ذيل تلك الآيات والروايات.

ويزيده إيضاحا وبيانا دلالة جملة من الأخبار على صحة نسبتهم (عليهم‌السلام) بل جميع الذرية إليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بأن يقال محمدي كما يقال علوي.

ومن ذلك ما رواه في الكافي (3) في باب ما نص الله ورسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على الأئمّة واحدا فواحدا بسند صحيح عن عبد الرحيم بن روح القصير عن

__________________

(1) سورة الشعراء الآية 215.

(2) الوسائل الباب 33 من المستحقين للزكاة.

(3) الأصول ج 1 ص 288.


أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (1) ثم ساق الحديث الدال على اختصاص الإمامة بهم (عليهم‌السلام). إلى أن قال : «فقلت له : هل لولد الحسن عليه‌السلام فيها نصيب؟ فقال لا والله يا عبد الرحيم ما لمحمدي فيها نصيب غيرنا».

وما رواه الصدوق في كتاب معاني الأخبار (2) عن حمزة ومحمد ابني حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال فيه بعد ذكر حمران لعقيدته في الإمامة ما صورته : «يا حمران مد المطمر بينك وبين العالم ـ قلت يا سيدي وما المطمر؟ قال أنتم تسمونه خيط البناء ـ فمن خالفك على هذا الأمر فهو زنديق. فقلت وإن كان علويا فاطميا؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام وإن كان محمديا علويا فاطميا». وهما صريحان كما ترى في صحة النسبة إليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بأن كل من كان من ذريته وأبناء ابنته فهو محمدي. وبه يظهر أن ما ذكروه من أنه لا تصح النسبة إليه إلا إذا انتسب بالأب كلام شعري لا تعويل عليه.

ومن ما يؤكد ذلك ما رواه في الكافي (3) في حديث طويل في باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في الإمامة عن أبي جعفر عليه‌السلام وهو طويل قال في آخره : «الله بيننا وبين من هتك سترنا وجحدنا حقنا وأفشى سرنا ونسبنا إلى غير جدنا وقال فينا ما لم نقله في أنفسنا».

ومن ما يدل على صحة الانتساب بالأم زيادة على ما قدمنا ما رواه العياشي في تفسيره (4) والبرقي في المحاسن (5) عن بشير الدهان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : والله لقد نسب الله عيسى بن مريم في القرآن إلى إبراهيم من قبل النساء. ثم تلا (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ). إلى آخر الآيتين (6) وذكر عيسى (عليه‌السلام).

__________________

(1) سورة الأحزاب الآية 7.

(2) ص 212 الطبع الحديث.

(3) الأصول ج 1 ص 356 و 357.

(4) ج 1 ص 367.

(5) ج 1 ص 156.

(6) سورة الأنعام الآية 85 و 86.


وأما ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في قرينة المجاز ـ من صحة السلب في قول القائل : هذا ليس ابني بل ابن بنتي أو ابن ابني ـ فمردود بأنه غير مسلم على إطلاقه فإنا لا نسلم سلب الولدية حقيقة ، إذ حاصل المعنى بقرينة الإضراب أن مراد القائل المذكور أنه ليس بولدي بلا واسطة بل ولدي بالواسطة ، فالمنفي حينئذ إنما هو كونه ولده من غير واسطة والولد الحقيقي عندنا أعمّ منهما ، ولو قال ذلك القائل ليس بولدي من غير الإتيان بالإضراب منعنا صحة السلب.

وبالجملة فإنه لم يبق هنا شي‌ء ينافي ما حققناه إلا قوله في المرسلة المذكورة «ومن كانت أمه من بني هاشم ...» ولو أنا نجري على قواعدهم في هذا الاصطلاح لكان لنا أن نقول أنه لا ريب أن هذه الرواية ضعيفة السند لا تقوم بمعارضة ما ذكرناه من الآيات والأخبار التي فيها الصحيح وغيره ، والجمع بين الأخبار إنما يصار إليه مع التكافؤ سندا وقوة وإلا فتراهم يطرحون المرجوح من البين.

وأما على ما هو المختار عندنا من صحة جميع الأخبار فالجواب عن ذلك أنه لا ريب أن مقتضى القواعد المقررة عن أصحاب العصمة (عليهم‌السلام) أنه مع اختلاف الأخبار يجب عرضها على القرآن والأخذ بما وافقه ورمي ما خالفه (1) وكذا ورد أيضا العرض على مذهب العامة والأخذ بما خالفه وطرح ما وافقه (2).

ولا ريب بمقتضى ما قدمناه من الآيات والروايات والتحقيق في المقام أن ما تضمنته هذه المرسلة مخالف للقرآن ومطابق للعامة ، وحينئذ فبمقتضى هاتين القاعدتين يجب طرح ما خالف في هذه الرواية المذكورة.

أما مخالفتها للقرآن فظاهر لما عرفت من دلالتها على عدم دخول ابن البنت في الابن الحقيقي وإجراء أحكام الابن الحقيقي عليه لأن الولد إنما ينسب إلى أبيه ، مع دلالة الآيات القرآنية والأخبار المتقدمة على دخوله في الابن الحقيقي كما عرفت

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به.


وأما موافقتها للعامة فلما عرفت من كلام السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) المتقدم وقوله فيه «وأما مخالفونا فإنهم لا يوافقونا في تسمية ولد البنت بأنه ولد على الحقيقة وفيهم من وافق» ولما عرفت من رواية أبي الجارود وحديثي الكاظم (عليه‌السلام) مع الرشيد.

على أنه لو تم العمل على هذه الرواية للزم خروجهم (عليهم‌السلام) عن أن يكونوا آله وذريته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كما تقوله العامة ، وهو من ما لا يقول به أحد من الإمامية لأن ظاهر هذه الرواية أن المنتسب بالأم خاصة حكمه حكم سائر الأجانب وأن نسبته بالأم في حكم العدم وإنما الاعتبار بالأب للآية التي ذكرها مع أنك عرفت من تفسير الآل والذرية ما يوجب دخوله ، ويزيده بيانا ما ذكره الرضا (عليه‌السلام) في الحديث الطويل المروي في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام) (1) في الفرق بين آل النبي وذريته وبين الأمة فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه.

وبالجملة فإنه قد تلخص بما ذكرناه أن وجه المخالفة في هذه الرواية الموجب لطرحها ناشئ من أمرين : أحدهما ـ دلالتها على نفي الابنية عن ولد البنت وقد عرفت من الآيات والروايات المتقدمة ثبوتها. وثانيهما ـ أن المستفاد من ما قدمناه من الأخبار أن من انتسب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمه فهو من آله وكل من كان من آله حرمت عليه الصدقة ، ينتج من ذلك أن كل من انتسب إليه بأمه تحرم عليه الصدقة ، دليل الصغرى ما قدمناه من الخبر المنقول من معاني الأخبار في معنى الآل ، ودليل الكبرى الخبر الذي قدمناه في الفرق بين العترة والأمة ، ومتى ثبت تحريم الصدقة عليه حل له الخمس إذ لا ثالث لهذين القسمين بالاتفاق نصا وفتوى ، كما يدل عليه أيضا آخر حديث حماد بن عيسى (2) الذي احتج به الخصم فليلاحظ.

ومن ما يؤكد موافقة ما تضمنه الخبر المذكور للعامة أيضا ما نقله الفقيه محمد

__________________

(1) ج 1 ص 228 الطبع الحديث.

(2) ص 385.


ابن طلحة الشامي الشافعي في كتابه مطالب السؤل في مناقب آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) قال : وقد نقل أن الشعبي كان يميل إلى آل الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وكان لا يذكرهم إلا وهو يقول هم أبناء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وذريته ، فنقل عنه ذلك إلى الحجاج بن يوسف وتكرر ذلك منه وكثر نقله عنه فأغضبه ذلك من الشعبي ونقم عليه ، فاستدعاه الحجاج يوما وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة والبصرة وعلماؤهما وقراؤهما ، فلما دخل الشعبي عليه لم يهش له ولا وفاه حقه من الرد عليه ، فلما جلس قال يا شعبي ما أمر يبلغني عنك فيشهد عليك بجهلك؟ قال ما هو يا أمير؟ قال ألم تعلم أن أبناء الرجل هل ينسبون إلا إليه والأنساب لا تكون إلا بالآباء؟ فما بالك تقول عن أبناء علي (عليه‌السلام) أبناء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وذريته؟ وهل لهم اتصال برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلا بأمهم فاطمة (عليها‌السلام) والنسب لا يكون بالبنات وإنما يكون بالأبناء؟ فأطرق الشعبي ساعة حتى بالغ الحجاج في الإنكار عليه وقرع إنكاره مسامع الحاضرين والشعبي ساكت ، فلما رأى الحجاج سكوته أطمعه ذلك في زيادة تعنيفه فرفع الشعبي رأسه فقال يا أمير ما أراك إلا متكلما بكلام من يجهل كلام الله تعالى وسنة نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو يعرض عنهما. فازداد الحجاج غضبا منه وقال المثلي تقول هذا يا ويلك؟ قال الشعبي نعم هؤلاء قراء المصرين وحملة الكتاب العزيز فكل منهم يعلم ما أقول ، أليس قد قال الله تعالى حين خاطب عباده «يا بَنِي آدَمَ» (2) وقال «يا بَنِي إِسْرائِيلَ» (3) وقال عن إبراهيم : «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ... إلى أن قال وَعِيسى» (4)؟ فترى يا حجاج اتصال عيسى بآدم وإسرائيل نبي الله وإبراهيم خليل الله بأيّ آبائه

__________________

(1) ص 4.

(2) سورة الأعراف الآية 26 و 27 و 30 و 34.

(3) سورة البقرة الآية 39 و 45 و 117.

(4) سورة الأنعام الآية 85 و 86.


كان أو بأيّ أجداد أبيه؟ هل كان إلا بأمه مريم؟ وقد صح النقل عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «ابني هذا سيد». فلما سمع ذلك منه أطرق خجلا ثم عاد يتلطف بالشعبي واشتد حياؤه من الحاضرين. انتهى.

أقول : ولعل إلى مثل الشعبي أشار سيدنا المرتضى في عبارته بقوله : «وفيهم من وافق».

الرابع ـ أن الظاهر أن معظم الشبهة عند من منع في هذه المسألة من تسمية المنتسب بالأم ولدا بالنسبة إلى جده من أمه هو أنه إنما خلق من ماء الأب والأم إنما هي ظرف ووعاء كما سمعته من كلام الرشيد للكاظم (عليه‌السلام) في الحديثين المتقدمين وإليه يشير كلام الحجاج ، ولعل الذي استند إليه الأصحاب مبني على ذلك. وهو في البطلان أظهر من أن يحتاج إلى بيان لدلالة الآيات الشريفة والأخبار المنيفة على أنه مخلوق من مائهما معا كقوله عزوجل «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ» (1) أي صلب الرجل وترائب المرأة ، وقوله عزوجل «مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ» (2) أي مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة ، ودلالة جملة من الأخبار على أن مشابهة الولد لأمه ومن يتقرب بها تارة ولأبيه ومن يتقرب به أخرى باعتبار سبق نطفة كل منهما ، فإن سبقت نطفة الرجل أشبه الولد الأب أو من يتقرب به ، وإن سبقت نطفة الأم أشبه الولد أمه أو من يتقرب بها.

هذا. وممن وافقنا على هذه المقالة فاختار ما اخترناه ورجح ما رجحناه المحقق المدقق المولى محمد صالح المازندراني في شرح الأصول ، حيث قال في شرح حديث أبي الجارود المتقدم عند قوله في الخبر «ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما صورته : أي ابناه حقيقة من صلبه ، إذ لا نزاع في إطلاق الابن والبنت والولد والذرية على ولد البنت ، وإنما النزاع في أن هذا الإطلاق

__________________

(1) سورة الطارق الآية 8.

(2) سورة الدهر الآية 3.


من باب الحقيقة أو المجاز ، فذهب طائفة من أصحابنا ومنهم السيد المرتضى إلى الأول ، وذهب طائفة منهم ومنهم الشهيد الثاني وجمهور العامة إلى الثاني ، وتظهر الفائدة في كثير من المواضع كإطلاق السيد وإجراء أحكام السيادة والنذر لأولاد الأولاد والوقف عليهم ، والظاهر هو الأول للآيات والروايات وأصالة الحقيقة وضعف هذه الرواية بأبي الجارود الذي تنسب إليه الجارودية لا يضر لأن المتمسك هو الآية ، ودلالة الآيتين الأولتين على المطلوب ظاهرة والثالثة صريحة. واحتمال التجوز غير قادح لإجماع أهل الإسلام على أن ظاهر القرآن لا يترك إلا بدليل لا يجامعه بوجه. وما روي عن الكاظم عليه‌السلام (1) وهو مستند المشهور على تقدير صحة سنده حمله على التقية ممكن ، واستناده باستعمال اللغة غير تام لأن اللغة لا تدل على مطلوبه ، قال في القاموس : وولدك من دمي عقبيك أي من نفست به فهو ابنك. فليتأمل. انتهى كلامه (علت في الخلد أقدامه).

أقول : قد عرفت أن رواية حماد المشار إليها ضعيفة بالإرسال ، ولهذا إن شيخنا الشهيد الثاني لم يعتمد عليها في الاستدلال وإنما اعتمد على ما ادعوه من حمل ذلك الإطلاق على المجاز بدعوى أن اللغة والعرف مساعدان لما يدعونه ، وقد عرفت من ما قدمناه إن ما استدللنا به غير مقصور على هذه الرواية وإن كانت باصطلاحهم قاصرة بل الآيات والروايات به متظافرة متظاهرة.

وممن اختار هذا القول أيضا المحدث الفاضل السيد نعمة الله الجزائري (طاب ثراه وجعل الجنة مثواه) في شرح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «إن ابني هذا سيد» (2) من كتاب عوالي الليالي ، حيث قال : وفي قوله «ابني هذا» نص على أن ولد البنت ابن على الحقيقة والأخبار به مستفيضة ، وذكر الرضا (عليه‌السلام) في مقام المفاخرة مع المأمون أن ابنته عليه‌السلام تحرم على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بآية «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ

__________________

(1) وهو مرسل حماد المتقدم ص 394.

(2) راجع مفتاح كنوز السنة مادة «حسن» وقد تقدم في حديث الشعبي ص 411.


أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ» (1) وإليه ذهب السيد المرتضى (طاب ثراه) وجماعة من أهل الحديث ، وهو الأرجح والظاهر من الأخبار ، فيكون من أمه علوية سيدا يجري عليه ما يكون للعلويين. وإن وجد ما يعارض الأخبار الدالة على ما ذكرناه فسبيله إما الحمل على التقية أو التأويل كما فصلنا الكلام فيه في شرحنا على التهذيب والإستبصار. انتهى. وأشار (قدس‌سره) بحديث الرضا عليه‌السلام مع المأمون في المفاخرة إلى ما قدمنا نقله عن كتابي العيون والمجالس. (2)

وممن صرح بهذه المقالة أيضا المحدث الصالح شيخنا الشيخ عبد الله بن صالح البحراني (عطر الله مرقده) حيث قال في جواب سؤال عن هذه المسألة فأجاب بما ملخصه ـ ومن خطه نقلت وهو طويل قد كتبه على طريق الاستعجال وتشويش من البال كما ذكره فانتخبنا ملخصه ، قال ـ : إنه قد تحقق عندي وثبت لدي بأدلة قطعية عليها المدار والمعتمد من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وكفي بهما حجة مع اعتضادهما بالدليل العقلي إن أولاد البنات أولاد لأبي البنت حقيقة لا مجازا خلافا للأكثر من علمائنا ووفاقا للسيد المرتضى وأتباعه وهم جماعة من المتأخرين كما حققته في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه مبسوطا منقحا بحيث لا يختلجني فيه الرين ولا يتطرق إلى فيه المين ، ولكن حيث طلبت بيان الدليل فلنشر الآن إلى شي‌ء قليل. ثم ذكر آية عيسى عليه‌السلام وأنه من ذرية نوح عليه‌السلام (3) وذكر آية «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ» (4) إلى أن قال : ويدل عليه ما رواه الكليني في الكافي في صحيح محمد بن مسلم. ثم ساق الرواية كما قدمناه (5) ثم قال : فقد وضح من هذا أن الجد من الأم أب حقيقة لا مجازا. ثم ذكر آيتي «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ» (6) وقوله «مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ» (7) وعضدهما بالأخبار التي أشرنا إليها آنفا ، ثم أضاف

__________________

(1 و 4) سورة النساء الآية 28.

(2) ص 403.

(3) ص 401.

(5) ص 399.

(6) سورة الطارق الآية 8.

(7) سورة الدهر الآية 3.


إلى ذلك أنه لو اختص الولد بنطفة الرجل لم يكن العقر من جانب المرأة وإنما يكون من جانب الرجل خاصة مع أنه ليس كذلك. ثم قال : وأما السنة فالأخبار فيها أكثر من أن تحصى ، ومنها ما سبق ، ومنها قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ما تواتر عندنا للحسنين (عليهما‌السلام) (1) «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا». وقوله للحسين عليه‌السلام (2) «ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام». وبالجملة فتسميتهما (عليهما‌السلام) ابنين وكونهما وجميع أولادهما التسعة المعصومين (عليهم‌السلام) يسمونه صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا وخطاب الأمة إياهم بذلك من غير أن ينكر أمر متواتر ، حتى أنه قد روى الكليني في الكافي والصدوق في الفقيه بإسناديهما الصحيح عن عائذ الأحمسي. ثم ساق الرواية كما قدمنا (3) بزيادة «ثلاث مرات» بعد قوله «والله إنا لولده وما نحن بذوي قرابته» قال : ولا وجه لتقرير السائل على ما فعله وقسمه عليه‌السلام بالاسم الكريم وتكرير ذلك ثلاثا للتأكيد لأنه في مقام الإنكار ، ونفيه انتسابهم إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله من جهة القرابة بل من جهة الولادة دليل واضح وبرهان لائح على أنهم أولاد حقيقة وليس كونهم أولاده إلا من جهة أمهم لا من أبيهم ، فما ادعاه الأكثر من علمائنا ـ من أن تسميته صلى‌الله‌عليه‌وآله إياهم أولادا وتسميتهم (عليهم‌السلام) إياه صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا مجاز ـ لا حقيقة له بعد ذلك. وقولهم ـ إن الإطلاق أعمّ من الحقيقة والمجاز ـ كلام شعري لا يلتفت إليه ولا يعول عليه بعد ثبوت ذلك ، ولو كان الأمر كما ذكروه لما جاز لأئمتنا (عليهم‌السلام) الرضا بذلك إذا خاطبهم من لا يعرف كون هذا الإطلاق حقيقة ولا مجازا لأن فيه إغراء بما لا يجوز ، مع أنه لا يجوز لأحد أن ينتسب لغير نسبه أو يتبرأ من نسب وإن دق فكيف بعد القسم

__________________

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 395.

(2) هذا المضمون ورد في البحار ج 9 ص 141 إلى ص 159 إلا أني لم أعثر عليه بلفظ «ابني» وإنما الموجود بلفظ «أنت» ونحوه.

(3) ص 404.


والتأكيد ودفع ما عساه أن يتوهم. وأما قول الشاعر :

«بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
 

 

بنوهن أبناء الرجال الأباعد»
 

فقول بدوي جاهل لا يثمر حجة ولا يوضح محجة ، فلا يجوز الاستدلال به في معارضة القرآن والحديث والدليل العقلي. أما استدلال بعض فقهائنا بصحة السلب ـ في قول أب الأم لولدها لمن سأله «هذا ابنك أم لا؟» فإنه يصح أن يقول «هذا ليس بابني بل ابن بنتي» ـ فكلام ساقط عن درجة الاعتبار وخارج عن الأدلة الواضحة المنار ، لأنه إن كان مراد السائل من كونه ابنه لصلبه بلا واسطة صح السلب ولا ضرر فيه ، وإلا فهو عين المتنازع ونحن نقول لا يصح سلبه لما أثبتناه من الأدلة ، مع أنه بعينه جار في ولد الولد الذي لا نزاع فيه والفرق بينهما لا يمكن إنكاره ، وعلى هذا فقد تبين لك الجواب وأن من كانت أمه علوية أو أم أبيه أو أم أمه أو أم أم أبيه فقط أو أم أم أمه فصاعدا وأبوه من سائر الناس أنه علوي حقيقة وفاطمي إن كان منسوبا إلى جده أو جدته أبا أو أما إلى فاطمة بغير شك ، ويترتب عليه كل ما يترتب على السيادة من جواز الانتساب إليهم (عليهم‌السلام) والافتخار بهم بل لا يجوز إخفاؤه والتبري منه لما عرفت ، وعلى هذا فيجوز النسبة في اللباس وغير ذلك. نعم عندي توقف في استحقاق الخمس لحديث رواه الكليني في الكافي (1) وإن كان خبرا واحدا ضعيف الإسناد محتملا للتقية وأن الترجيح لعدم العمل به للأدلة الصحيحة الصريحة المتواترة الموافقة للقرآن المخالفة للعامة ، إلا أن التنزه عن أخذ الخمس أولى خصوصا عند عدم الضرورة والعلم عند الله. وكتب خادم المحدثين وتراب أقدام العلماء والمتعلمين العبد الجاني عبد الله بن صالح البحراني بضحوة يوم الإثنين من الثاني والعشرين من ربيع الثاني السنة الرابعة والثلاثين بعد المائة والألف بالمشهد الحسيني على مشرفه السلام حامدا مصليا مسلما. انتهى.

__________________

(1) وهو مرسل حماد في الوسائل الباب 30 من المستحقين للزكاة والباب 1 من قسمة الخمس.


أقول : ما ذكره (قدس‌سره) جيد إلا أن توقفه أخيرا في جواز أخذ الخمس للرواية المشار إليها وهي مرسلة حماد المتقدمة لا وجه له ، وذلك لأنه قد علل فيها عدم جواز أخذ الخمس بعدم صحة النسبة بالبنوة كما ينادي به استدلاله (عليه‌السلام) بالآية «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» (1) وهو (قدس‌سره) قد صرح في صدر كلامه بأن ثبوت البنوة قد تحقق عنده وثبت لديه بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة والدليل العقلي واعترف أخيرا بأنها مخالفة للقرآن وموافقة للعامة ، وبذلك يتعين وجوب طرحها بغير إشكال ولا ريب. نعم لو كانت الرواية قد منعت من الخمس بقول مجمل من غير ذكر هذه العلة لربما أمكن احتمال ما ذكره ، ولكن مع وجود العلة وظهور بطلانها بما ذكر من الأدلة يبطل ما يترتب عليها. على أن هذا الكلام خلاف المعهود من طريقته في غير مقام بل طريقة جملة العلماء الأعلام ، فإنه متى ترجح أحد الدليلين ولا سيما بمثل هاتين القاعدتين المنصوصتين فإنهم يرمون بالدليل المرجوح ويطرحونه كما صرحت به النصوص من أن ما خالف القرآن يضرب به عرض الحائط وما وافق العامة يرمى به (2) وليت شعري أي حكم من الأحكام سلم من اختلاف الأخبار؟ مع أنهم في مقام الترجيح لأحد الخبرين يفتون به ويرمون الآخر ، ولا سيما ما نحن فيه لما عرفت من الأدلة الظاهرة والبراهين الباهرة كتابا وسنة المعتضدة بمخالفة العامة.

وبالجملة فكلامه (قدس‌سره) وتوقفه لا أعرف له وجها ، وكأنه تبع في ذلك شيخه العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (قدس‌سره) فإنه كان يرجح مذهب السيد المرتضى في هذه المسألة ولكن يمنع المنتسب بالأم من الخمس والزكاة احتياطا ، والظاهر أنه جرى على ما جرى عليه.

وظاهر صاحب المدارك أيضا التوقف في أصل المسألة وكذا ظاهر المولى

__________________

(1) سورة الأحزاب الآية 6.

(2) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز إن يقضي به.


الفاضل الخراساني في الذخيرة ، ولعمري إن من سرح بريد نظره في ما ذكرناه وأرسل رائد فكره في ما سطرناه لا يخفى عليه صحة ما اخترناه ولا رجحان ما رجحناه وإن خلاف من خالف في هذه المسألة أو توقف من توقف إنما نشأ عن عدم إعطاء التأمل حقه في أدلة المسألة والتدبر فيها ، ولم أقف على من أحاط بما ذكرناه من الأدلة والأخبار الواردة في هذا المضمار. وبالجملة فالحكم عندي فيها أوضح واضح والصبح فاضح.

فإن قيل : أنه قد روى الصدوق في الفقيه عن ثعلبة بن ميمون عن عبد الله بن هلال عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن رجل يتزوج ولد الزنا فقال لا بأس إنما يكره مخافة العار وإنما الولد للصلب وإنما المرأة وعاء. الحديث». وهذا بظاهره مناف لما ذكرتموه سابقا من جواز انتساب الولد إلى جده لأمه بالبنوة ومؤيد لما ذكره الخصم من أنه لا ينسب إلا إلى أبيه الذي بلا فصل.

وقد روى الصدوق أيضا في كتاب عيون الأخبار (2) في باب علل محمد بن سنان التي نقلها عن الرضا عليه‌السلام قال : وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد لأن الولد موهوب للوالد في قول الله عزوجل «يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ» (3) مع أنه المأخوذ بمئونته صغيرا وكبيرا والمنسوب إليه والمدعو له لقول الله عزوجل «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ» (4) ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت ومالك لأبيك. انتهى. والتقريب ما تقدم.

فالجواب : أما عن الأول فبأنك قد عرفت بما قدمناه دلالة الآيات والأخبار على أن الولد مخلوق من نطفتي الرجل والمرأة ، والقول بأن المرأة وعاء محض يعني

__________________

(1) الوسائل الباب 14 من ما يحرم بالمصاهرة.

(2) الوسائل الباب 78 من ما يكتسب به.

(3) سورة الشورى الآية 49.

(4) سورة الأحزاب الآية 6.


ليس لها مدخل ولا شراكة في خلق الولد مخالف لظاهر القرآن والسنة المتفق عليها وكل ما كان كذلك يجب طرحه بالأخبار المستفيضة عنهم (عليهم‌السلام) بأن ما خالف الكتاب والسنة يضرب به عرض الحائط (1) ويؤكد ذلك موافقة الخبر للعامة القائلين بذلك كما عرفت (2) وحينئذ فما هذا سبيله لا يعترض به ولا يقوم حجة ، وعلى هذا فيمكن حمل الخبر المذكور على التقية بالنسبة إلى هذه العبارة.

ويمكن أن يقال أيضا إن الغرض من ذلك هو بيان أن جانب الأب أقوى من جهات عديدة : منها ـ أن الولد إنما ينسب إليه كما هو الشائع الذائع المعتضد بالآية فيقال فلان بن فلان ولا يقال ابن فلانة ، ومنها ـ أنه يلحق به في الإسلام كما قرر في محله وأنه يلحق به في الفراش كما في الخبر (3) «الولد للفراش». ونحو ذلك من أحكام التربية وغيرها ، وبهذا التقريب بعدت الأم منه فكأنها إنما هي بمنزلة الوعاء لحمله ، وحينئذ فلا يقال له باعتبار كون أمه من الزنا أنه ابن زنى وإنما يقال ابن فلان لمزيد العلاقة كما عرفت ومزيد العلاقة هو الذي أوجب إلحاقه بالأب ونسبته إليه.

وأما الجواب عن الثاني فإنه لا يخفى أولا ـ أنه لا قائل في ما أعلم من أصحابنا بظاهر هذا الكلام على إطلاقه من حل مال الولد للوالد مطلقا وإن ذهب بعضهم في بعض الجزئيات إليه ودل عليه بعض الأخبار إلا أن الأظهر الأشهر هاهنا هو التحريم.

وثانيا ـ أن ما دل عليه من النسبة إلى الأب لا منافاة فيه لأنه هو الشائع الذائع المستعمل في جميع الأعصار والأدوار ، ولا دلالة فيه على المنع من جواز النسبة إلى الجد لأب كان أو أم بالبنوة أيضا ، ومورد الآية وسبب نزولها إنما كان

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز إن يقضي به.

(2) ص 408 و 409.

(3) الوسائل الباب 8 من ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه.


باعتبار الرد لما جرت عليه الجاهلية من أنهم إذا تبنوا يتيما واتخذوه ولدا جعلوا حكمه حكم الولد الحقيقي ، ولهذا عابوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تزويجه بزينب زوجة زيد بن حارثة مع أنه ابنه بزعمهم حيث أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله تبناه صغيرا فكان يدعى زيد بن محمد فنزلت الآية في الرد عليهم في ما زعموه من بنوة المتبنى حقيقة وأمرهم بأن يدعوه بأبيه النسبي وأنه هو الأقسط عند الله.

وبالجملة فإنه عليه‌السلام علل جواز أخذ الأب من مال ابنه بغير إذنه بعلل : منها ـ أنه موهوب له والإنسان مخير في ما يوهب له ويملكه بالهبة ، ومنها أنه يدعى به فيقال فلان بن فلان وهو الشائع المتعارف ، ومنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «أنت ومالك لأبيك». ومن الظاهر أنها علل تقريبية ومناسبات حكمية للتقريب إلى الأذهان كما في سائر العلل المذكورة في الكتاب المذكور.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *