ج19 - أقسام البيع والربا
الفصل الخامس
في أقسام البيع بالنسبة الى الاخبار بالثمن وعدمه ، وهو
لا يخلو عن أقسام أربعة لأنه اما أن يخبر بالثمن ، أولا ، الثاني ـ المساومة ،
والأول ـ اما أن يبيع معه برأس ماله ، أو بزيادة عليه ، أو نقيصة عنه ، والأول ـ التولية
، والثاني ـ المرابحة ، والثالث ـ المواضعة ، وزاد بعضهم قسما خامسا ، وهو إعطاء
بعض المبيع برأس ماله ، ذكره الشهيد في الدروس واللمعة ، ولم يذكره كثير منهم قال
: والتشريك جائز ، وهو أن يجعل له نصيبا بما يخصه من الثمن ، قال شيخنا الشهيد
الثاني : وفي بعض الاخبار دلالة عليه ، وقد يجتمع الأقسام الخمسة في عقد واحد ،
بأن اشترى خمسة ثوبا بالسوية ، لكن ثمن نصيب أحدهم عشرون ، والأخر خمسة عشر ،
والثالث عشرة ، والرابع خمسة ، والخامس لم يبين ، ثم باع من عدا الرابع نصيبهم
بستين بعد اخبارهم بالحال ، والرابع شرك في حصته ، فهو بالنسبة إلى الأول مواضعة ،
والى الثاني تولية ، والثالث مرابحة ، والرابع تشريك ، والخامس مساومة.
وعلى هذا القياس اجتماع قسمين منها ، وثلاثة وأربعة
بالتقريب المذكور.
أقول : والمفهوم من الاخبار أن أفضل ـ هذه الأقسام ـ المساومة
، وان المرابحة مكروهة ، فروى ثقة الإسلام في الكافي في الضعيف والشيخ في التهذيب
في الصحيح ، عن محمد بن مسلم (1) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) : انى أكره
بيع عشرة بإحدى عشرة ، وعشرة باثني عشرة ، ونحو ذلك من البيع ولكن أبيعك كذا وكذا
مساومة ، قال : وأتاني متاع من مصر ، فكرهت أن أبيعه كذلك وعظم على فبعته مساومة».
وعن جراح المدائني (2) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام): انى اكره
بيع ده يازده وده دوازده ، ولكن أبيعك بكذا وكذا» ،. وروى في الكافي عن الحلبي (3) في الصحيح أو
الحسن عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قدم
لأبي متاع من مصر فصنع طعاما ودعى له التجار ، فقالوا له نأخذ منك بده دوازده فقال
لهم أبى : وكم يكون ذلك؟ قالوا في عشرة آلاف ألفين ، فقال لهم : أبي اني أبيعكم
هذا المتاع باثني عشر ألفا فباعهم مساومة».
وروى في الفقيه عن عبيد الله الحلبي ومحمد الحلبي (4) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال «قدم
لأبي متاع» الحديث. الا أنه لم يذكره «فباعهم مساومة» وعلل استحباب المساومة زيادة
على ما ورد في النصوص المذكورة بأن فيه سلامة عن الاخبار بالكذب ، إذ قد يقع
المخبر في الكذب ، وصعوبة أداء الامانة ، والبعد عن مشابهة الربا.
أقول : ويعضده ما يأتي في شروط المرابحة من كثرة المفاسد
فيها ، ويدل
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 197 التهذيب ج 7 ص 55.
(2 و 3) الكافي ج 5 ص 197 التهذيب ج 7 ص 55 و 54.
(4) الفقيه ج 3 ص 135.
على جواز المرابحة صريحا ما رواه الشيخ
في الصحيح عن العلاء (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يبيع
الرجل البيع فيقول أبيعك بده دوازده أو ده يازده فقال : لا بأس إنما هذه المراوضة
، فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة.».
ورواه الحميري في قرب الاسناد عن محمد بن خالد الطيالسي (2) عن العلاء
مثله ، الا انه قال : «لا بأس انما هو البيع يجعله جملة واحدة».
أقول : يعنى يجعل الانتفاع ورأس المال جملة واحدة في حال
البيع ، والمراوضة انما هي قبل البيع ، وفيه إشارة إلى الكراهة في حال البيع ، كما
تقدم بأن يقول : أبيعك بكذا أو ربح كذا.
وأظهر منهما في الجواز أيضا ما رواه الشيخ عن على بن
سعيد (3) «قال سئل أبو
عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يبتاع
ثوبا فيطلب منه مرابحة ، ترى ببيع المرابحة بأسا إذا صدق في المرابحة ، وسمى ربحا
دانقين أو نصف درهم فقال : لا بأس» الحديث.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام هنا يقع في موضعين ، الأول
في العبارة إما بالنسبة إلى المساومة فهي البيع بما يتفقان عليه ، من غير تعرض
لذكر الثمن ، سواء علمه المشتري أو لم يعلمه ، وهو أفضل الأقسام كما عرفت ، وأما
المرابحة فيجب فيها علم المتعاقدين برأس المال ، والربح والغرم والمؤن إن ضمها ،
ويجب على البائع الصدق في الثمن ، والمؤن وما طرء من موجب النقص والأجل وغيره ،
فان لم يحدث فيه زيادة ، قال : اشتريته بكذا ، أو تقوم على بكذا ، وان زاد بفعله
من غير غرامة مالية أخبر بذلك ، بأن يقول : اشتريته بكذا ، وعملت فيه عملا يساوي
كذا ،
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 54.
(2) الوسائل الباب 14 ـ من أبواب أحكام العقود الرقم 5.
(3) التهذيب ج 7 ص 55.
وان كانت الزيادة باستئجار عليه فيقول
: تقوم علي بكذا أو اشتريت بكذا واستأجرت بكذا ، وان طرء فيه عيب ذكره.
ولا بد من ذكر الجنس والصرف والوزن ان تعددت النقود ،
واختلف صرفها ووزنها ، كما لو كان صرف بعض الدنانير عشرة دراهم ، وبعضها أكثر أو
أقل ، وكذا الوزن ، وأما لو اتحد النقد لم يفتقر الى ذلك.
وبالجملة فلا بد من الاخبار بالثمن ، وكلما تجدد مما
يوجب زيادة أو نقيصة واضافة ما ينفقان من الربح اليه (1).
وأما التولية فهو أن يعطيه المتاع برأس ماله ، من غير
زيادة فيقول : وليتك أو بعتك أو ما يشاكل ذلك من الألفاظ الدالة على النقل ، لكن
ان وقع العقد بلفظ بعتك ونحوه من الألفاظ الدالة على مطلق البيع ، فيكون المفعول
الثمن ، أو ما قام علي ونحو ذلك مما لا يتضمن الزيادة على ما أنفقه ، وان وقع بلفظ
وليتك فليكن مفعوله
__________________
(1) أقول ومن ذلك أيضا ما لو اشترى بثمن ورجع بأرش العيب ،
فإنه يجب أن يسقط ذلك من الثمن ، ويخبر بالباقي ، لأن الأرش جزء من الثمن ، فقد
قبض بعضه ، ولا بد من بيانه ، وان كان قوله اشتريته بكذا حقا الا أنه قد طرء عليه
النقصان ، ولو جنى العبد ففداه السيد ، لم يجز أن يضم الفدية إلى ثمنه ، لان ذلك
أمر خارج عن البيع ، ولو جنى عليه فأخذه أرش الجناية لم يضعها من الثمن ، والفرق
بينه وبين أرش العيب أن أرش العيب ثابت بأصل العقد فكأنه مستثنى من الثمن ، بخلاف
الجناية الطارية فإنها حق آخر كنتاج الدابة نعم لو نقص بالجناية وجب الاخبار
بالنقص هذا مقتضى ما أورده في هذا المقام. منه رحمهالله.
العقد ، ويقتصر على ذلك ، وإذا قبل
لزمه مثله جنسا وقدرا وصفة ، ولو قال : وليتك السلعة بكذا وكذا احتمل الاجزاء كما
ذكره في الدروس.
وأما المواضعة فهي كالمرابحة في الاخبار بالثمن ، ونحوه
مما زاد أو نقص حسبما تقدم ، الا أنها بنقيصة معلومة ، فيقول : بعتك بما اشتريته
أو تقوم علي ووضيعة كذا.
وأما التشريك فهو أن يقول : شركتك بالتضعيف بنصفه بنسبة
ما اشتريت مع علمهما بقدره ، ولو قال : أشركتك بالنصف فكذلك ، ولزمه مثل نصف الثمن
، أما لو قال : أشركتك في النصف فإنما له الربع ، الا أن يقول : بنصف الثمن ،
فيتعين النصف ، ولو لم يبين الحصة وانما قال : في شيء منه ، أو أطلق بطل للجهل
بالمبيع ، واحتمل بعضهم حمل الثاني على التنصيف ، والتشريك ـ في الحقيقة ـ عبارة
عن بيع الجزء المشاع برأس ماله ، الا أنه يختص عن مطلق البيع بصحته بلفظ التشريك.
الثاني ـ في الأحكام : وفيه مسائل.
الاولى ـ لو اشترى جملة لم يجز له بيع بعضها مرابحة وان
قوم كلا منها بقيمة الا أن يخبر بالحال ، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح
عن أبي حمزة الثمالي (1) عن أبى جعفر (عليهالسلام) «قال سألته
عن الرجل يشترى المتاع جميعا بالثمن ، ثم يقوم كل ثوب بما يسوى حتى يقع على رأس
ماله جميعا أيبيعه مرابحة؟ قال : لا حتى يبين له أنه انما قومه».
وروى في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما (عليهماالسلام)
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 197 التهذيب ج 7 ص 55 عن محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهماالسلام).
(2) الكافي ج 5 ص 197 عن محمد بن أسلم عن أبي حمزة بتفاوت يسير
الفقيه ج 3 ص 126.
«في الرجل يشترى المتاع جميعا بثمن ثم
يقوم كل ثوب بما يسوى ، حتى يقع على رأس ماله جميعا يبيعه مرابحة ثوبا ثوبا؟ قال :
لا حتى يبين له انما قومه».
وعلل أيضا بأن المبيع المقابل بالثمن هو المجموع ، لا
الافراد ، وان تقوم بها وقسط الثمن عليها في بعض الموارد كما لو تلف بعضها ، أو
ظهر مستحقا.
والمشهور أنه لا فرق في ذلك بين تماثل اجزاء تلك الجملة
أو اختلافها ، خلافا لابن الجنيد على ما نقل عنه من الجواز في المتماثلة ، كقفيز
من حنطة ، وضعفه ظاهر ، وربما أشعر ظاهر الخبرين المذكورين بصحة البيع كذلك مرابحة
، وهو ظاهر إطلاق جملة من العبارات ، كما عبرنا به في صدر المسألة جريا على
كلامهم.
الا أن الظاهر كما صرح به جملة من محققي المتأخرين أنه
وان كان البيع كذلك صحيحا الا أنه ليس من قبيل المرابحة ، وان جاز إطلاقها عليه
مجازا لكونه بصورة المرابحة.
الثانية ـ إذا اشترى نسيئة ثم باعه ولم يخبر بالأصل قال
الشيخ في النهاية : كان للمبتاع من الأجل مثل ماله ، وبه قال : ابن البراج وابن
حمزة ، وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد ، فإنه قال : ومن باع مرابحة كان للمشتري من
النظرة وغيرها في الثمن ما كان للبائع عند الشراء ، وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط
: إذا اشترى سلعة بمائة إلى سنة ، ثم باعها في الحال مرابحة وأخبر أن ثمنها ماءه
فالبيع صحيح بلا خلاف ، فإذا علم المشترى بذلك كان بالخيار بين أن يقبضه بالثمن
حالا ، أو يرده بالعيب ، لانه تدليس ، وهو اختيار ابن إدريس ، وهذا هو المشهور في
كلام المتأخرين عن العلامة ومن تأخر عنه ، نظرا الى ان مقتضى القواعد في مثله ذلك.
ويدل على الأول ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن هشام
بن الحكم (1)
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 208.
في الصحيح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل
يشترى المتاع إلى أجل فقال : ليس له أن يبيعه مرابحة الا إلى الأجل الذي اشتراه
إليه ، فإن باعه مرابحة ولم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل مثل ذلك».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبى محمد الوابشي (1) وهو مجهول قال
: «سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل اشترى
من رجل متاعا بتأخير إلى سنة ، ثم باعه من رجل آخر مرابحة ، إله أن يأخذ منه ثمنه
حالا والربح؟ قال : ليس عليه الا مثل الذي اشترى ، ان كان نقد شيئا فله مثل ما نقد
، وان كان لم يكن نقد شيئا فالمال عليه إلى الأجل الذي اشتراه».
وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم عن ميسر
بياع الزطي (2) قال : «قلت :
لأبي عبد الله (عليهالسلام) انا نشتري
المتاع بنظرة فيجيء الرجل فيقول : بكم تقوم عليك؟ فأقول : بكذا وكذا فأبيعه بربح
، فقال : إذا بعته مرابحة كان له من النظرة مثل مالك ، قال : فاسترجعت وقلت :
هلكنا» ، الحديث. وأجاب العلامة في المختلف عن هذه الاخبار قال : والجواب أنها
محمول على ما إذا باعه بمثل ما اشتراه وأخفى عنه النسيئة ولم يشترط النقد ، فإنه
والحال هذه يكون له من الأجل مثل ما كان للبائع على اشكال. انتهى.
ومرجعه إلى أنه مع عدم ذكره النسيئة وقت البيع ، فاما أن
يذكر الحلول ، أو يشترط النقد ، وان كان إطلاق العقد كما تقدم انما ينصرف الى ذلك
أولا ، وعلى الأول فالحكم ما ذكره المتأخرون من التخيير في المقام ، وعلى الثاني
يحمل الاخبار.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 59.
(2) الكافي ج 5 ص 198 التهذيب ج 7 ص 57 الفقيه ج 3 ص 134 وفي
النسخ اختلاف فليراجع المصادر.
وظاهر المحقق الأردبيلي الميل الى ذلك أيضا ، وحينئذ
يكون هذا قولا ثالثا في المسألة ، وأنت خبير بما في هذا التفصيل من البعد ، أما
أولا فلأنه متى كان إطلاق العقد انما ينصرف الى الحلول والنقد فذكره في اللفظ لا
يزيد الا على مجرد التأكيد ، فكيف يترتب عليه حكم بخصوصه.
وأما ثانيا ـ فلان إطلاق الاخبار شامل للصورتين ،
وتخصيصها يحتاج الى دليل ، ومجرد ما ادعوه من قاعدة العيب – وأنها تقتضي التخيير
وهذا من قبيله ـ يمكن تخصيصها بهذه الاخبار ، واستثناء هذا الجزئي من القاعدة ،
على أنك قد عرفت فيما تقدم أنه لا دليل على ما ادعوه من الخيار في العيب ، زيادة
على الإجماع كما تقدم تحقيقه وبالجملة فالظاهر عندي هو العمل بالأخبار المذكورة.
بقي الكلام في تتمة الرواية الثالثة التي طوينا نقلها
آنفا وهي قول الراوي «قلت : فاسترجعت وقلت : هلكنا ، فقال : لم ، قال : قلت : لان
ما في الأرض ثوب أبيعه مرابحة فيشترى متى ولو وضعت من رأس المال حتى أقول تقوم
بكذا وكذا قال : فلما رأى ما شق على قال : أفلا أفتح لك بابا يكون لك فيه فرج؟ قلت
: بلى قال : قل : قام علي بكذا وكذا وأبيعك بزيادة كذا وكذا ولا تقل بربح». هكذا
في رواية صاحب الفقيه ، وفي غيره قال : قلت : لان ما في الأرض من ثوب «إلا» أبيعه
مرابحة يشترى ولو وضعت من رأس المال حتى أقول تقوم بكذا وكذا» وأبيعك بكذا وكذا
الى آخر ما تقدم ، ولا يخفى ما في هذه العبارة من الاختلال ، وعدم ظهور معنى
مستقيم ، وما ذكر في إصلاحها لا يخلو من تكلف بعيد عن الظاهر.
وأنت خبير بأن ظاهره تخصيص بيع المرابحة بأن يقول : بربح
كذا ، وأما لو قال بزيادة كذا بعد الاخبار برأس المال فليس مرابحة ، بل مساومة ،
والظاهر أنه لا قائل به ، إذ لا فرق بين اللفظين في كون البيع مرابحة ، كما يدل
عليه الاخبار وكلام الأصحاب ، ويشكل العدول به عن ظواهر غيره من الاخبار ، والله
العالم.
الثالثة قال الشيخ في النهاية : لا يجوز أن يبيع الإنسان
مرابحة بالنسبة إلى أصل المال ، بأن يقول أبيعك هذا المتاع بربح عشرة واحدا أو
اثنين بل يقول بدلا من ذلك : هذا المتاع تقوم علي بكذا أو أبيعك إياه بكذا ، بما
أراده ، وكذا قال الشيخ المفيد.
وقال سلار : لا يصح لو قال : بعتك هذا بربح العشرة واحدا
أو أكثر بالنسبة.
وقال أبو الصلاح : لا يجوز بيع المرابحة بالنسبة إلى
الثمن كقوله : أربح عليك في كل عشرة دراهم من ثمنه درهما ، وانما يصح بيع المرابحة
بأن يخبر بجملة الثمن ، ويربح في عين المبيع.
وقال ابن البراج : لا يجوز في بيع المرابحة حمل الربح
على المال ، مثل أبيعك هذا المتاع بكل عشرة منه واحدا أو اثنين ، بل يحمل الربح
على المتاع.
وقال في المبسوط : يكره بيع المرابحة بالنسبة إلى أصل
المال ، وليس بحرام ، وان باع كذلك كان البيع صحيحا ، وكذا قال في الخلاف ، وبه
قال ابن إدريس ، والعلامة ومن تأخر عنه.
أقول : منشأ هذه الأقوال الاختلاف في الاخبار المتقدمة
في صدر الفصل ، الدالة على النهي عن نسبة الربح الى المبيع أو الثمن ، والمراد
بنسبته إليه إضافته اليه اما بواسطة حرف الجر ، مثل والربح فيه ، أو بغير واسطته
مثل وربحه كذا ، وظاهر الاخبار المتقدمة باعتبار ضم بعضها الى بعض انما هو الكراهة
، قيل : لانه يشبه الربا.
والظاهر عندي منها انما هو كراهة البيع مرابحة ، وأن
الأفضل بيع المساومة ، كما يفهم من صحيح الحلبي أو حسنة المتقدم ، لا من حيث ضم
الربح الى المبيع أو رأس المال كما ذكروه ، فان عدوله (عليهالسلام) الى البيع
مساومة دون الفرد الأخر من المرابحة ، ـ مما يشير الى ما ذكرناه ، وكذلك صحيح محمد
بن مسلم المتقدم ، فإن ضيقه (عليهالسلام) انما هو من
بيع المرابحة مطلقا ، لا من خصوص
ذلك النوع ، ولهذا عدل إلى المساومة.
الرابعة لو باع مرابحة فظهر أن رأس ماله كان أنقص ،
فالمشهور أن للمشتري الخيار بين رده وبين أخذه بالثمن ، وقيل : انه يأخذه بإسقاط
الزيادة ، ورجح الأول بأنه الثمن الذي وقع عليه العقد ، فلا يثبت غيره ، وثبوت
الكذب في الاخبار ينجبر بلحوق الخيار.
والمسألة غير منصوصة فيما أعلم ، الا أن الأقرب هو القول
المشهور ، لما ذكر ، ولأصالة الصحة ، وظهور الكذب لا يوجب بطلان البيع ، ولا نقص
الثمن بعد وقوع التراضي به والعقد عليه ، وغاية ما يوجبه الإثم للخيانة ، والجبر
بالخيار.
وصرح بعضهم بثبوت الخيار وان انتقل المبيع من المشترى أو
تلف في يده؟ قال : والأقوى أن بقاءه على ملك المشتري غير شرط في الخيار ، فله
الفسخ مع تلفه ، أو خروجه عن ملكه مع رد مثله أو قيمته ، لأصالة بقاء الخيار.
وعلى القول بإسقاط الزيادة يسقط ربحها ايضا ، ولا خيار
له ، لانه قد رضي بالأكثر ، فأولى أن يرضى بالأقل.
وربما احتمل ثبوت الخيار ايضا لغروره وكذبه وقد يكون له
غرض في الشراء بذلك المبلغ ، لأبرار قسم ، أو انعقاد وصية ، أو نحو ذلك ، ولو قال
: اشتريته بأكثر لم يقبل منه ، لان قوله الثاني مناف للأول ، لتكذيبه نفسه
بالإقرار الأول ، ومثل ذلك غير مسموع شرعا والا لم يتم أكثر الإقرارات فيلغو حينئذ
قيل : ولو اقام بينة على ادعاء الأكثر لم تقبل ، لانه كذبها بإقراره الأول (1).
__________________
(1) هذا القول للشيخ في المبسوط قال : لو قال رأس مالي مائة ثم
قال : غلطت والثمن مائة وعشرة لم يقبل قوله ، ولو اقام بينة على انه أخطأ وان
شراءه كان أكثر لم يقبل منه ، لانه كذبها بالقول الأول ، ولا يلزم المشترى اليمين
بأنه لا يعلم بأنه اشتراه بأكثر من ذلك ، لانه لا دليل عليه ، فان قال : وكيلي كان
اشتراه بمائة وعشرة واقام بذلك بينة قبلت بينته ، قال : وان قلت :
وفيه على إطلاقه اشكال لجواز الغلط في الاخبار الأول ،
أو الاستناد الى اخبار وكيله مثلا ، كان يقول أخبرني وكيلى انه شراه بكذا ، أو ورد
على خط بذلك ثم يظهر خلافه ، فإنه يتجه قبول قوله ان أظهر لإنكاره تأويلا محتملا ،
بمعنى سماع بينته عليه ، ولو ادعى على المشترى العلم بكون الثمن زائدا ، توجهت
عليه اليمين بنفيه ، سواء ادعى الغلط أم لا ، وربما قيل بسماع دعواه مطلقا ، نظرا
إلى إمكان الغلط ، ونفى عنه البأس في المسالك.
الخامسة ـ إذا دفع الى الدلال متاعا وقومه عليه بقيمة
ولم يواجبه البيع لم يجز للدلال بيعه مرابحة إلا بعد الاخبار بصورة الحال ، سواء
كان ما قومه عليه يربح فيه أم لا ، والوجه فيه ظاهر ، مما تقدم في المسألة الاولى
، والاخبار بصورة الحال لا يوجب كونه مرابحة كما تقدم تحقيقه ثمة ، وان كان بصورة
المرابحة ، ولهذا لا يجب على التاجر الوفاء بالربح له ، لانه ليس بيع مرابحة.
والمشهور ان للدلال اجرة المثل سواء كان التاجر دعاه أو
الدلال ابتدأه ، وانما كان له الأجرة في الصورتين ، لانتفاء البيع فيهما مع كونه
مأمورا بعمل له أجرة بحسب العادة ، وإذا فات الشرط رجع الى أجرة المثل.
ونقل عن الشيخين (عطر الله مرقدهما) إنهما أثبتا للدلال
ما زاد على ما عين له من القيمة في صورة ابتداء التاجر ، وان لم يزد لم يكن له شيء
، واما في صورة ابتداء
__________________
لا
يقبل لانه كذبها القول الأول كان قويا انتهى والأظهر ما عليه الأكثر في المسألتين
، فله إقامة البينة في الصورة التي ذكرنا في الأصل ، لأنه ادعى شيئا لو صدقه
الغريم لثبت حقه ، فله إقامة البينة عليه ، واليمين على خلافه والتكذيب ممنوع ،
لانه ادعى شيئا خفيا غير مناف لما شهدت به البينة وهو الغلط ونحوه ، وله المطالبة
باليمين لو ادعى عليه العلم كما في غير هذا الموضع. منه رحمهالله.
الدلال والتماسه ذلك فإنهما جعلا له
أجرة المثل ، وتبعهما القاضي.
أقول : قال الشيخ في النهاية : وإذا قوم التاجر متاعا
على الواسطة بشيء معلوم ، وقال له : بعه فما زدت على رأس المال فهو لك ، والقيمة
لي كان جائزا وان لم يواجبه البيع ، فان باع الواسطة المال بزيادة ، على ما قوم
عليه كان له ، وان باعه برأس المال لم يكن على التاجر شيء وان باعه بأقل من ذلك
كان ضامنا لتمام القيمة ، ثم قال : ومتى أخذ الواسطة المتاع على ما ذكرناه فلا
يجوز له أن يبيعه مرابحة ولا يذكر الفضل على القيمة في الشراء.
وقال ابن إدريس بعد نقل كلام الشيخ المذكور : وما أورده
شيخنا غير واضح ، ولا مستقيم على أصول مذهبنا ، لان هذا جميعه لا بيع مرابحة ، ولا
اجارة ، ولا جعالة محققة ، فإذا باع الواسطة بزيادة على ما قوم عليه لم يكن
للواسطة في الزيادة شيء ، لأنها من جملة ثمن المتاع ، والمتاع للتاجر ما انتقل عن
ملكه بحال ، وللواسطة أجرة المثل ، لانه لم يسلم له العوض فيرجع الى المعوض ،
وكذلك ان باع برأس ماله ، فان باعه بأقل مما أمره به كان البيع باطلا ، وقوله متى
أخذ الواسطة المتاع على ما ذكرناه لا يجوز له أن يبيعه مرابحة ، ولا يذكر الفضل
على القيمة في الشراء. (1)
قال محمد بن إدريس : وأى شراء بين التاجر والواسطة حتى
يخبر بالثمن ، وليس هذا موضع بيع المرابحة في الشريعة بغير خلاف ، وانما أورد
أخبار الآحاد في هذا الكتاب إيرادا لا اعتقادا على ما وردت به ألفاظها صحيحة كانت
أو فاسدة ، على ما ذكره واعتذر به في خطبة مبسوطة انتهى.
__________________
(1) أقول الظاهر ان كلام الشيخ هنا انما خرج مخرج التنبيه على
دفع توهم كون ذلك مما يدخل في بيع المرابحة ، كما أشار إليه (عليهالسلام) في رواية سماعة المذكورة في الأصل ،
فكلامه هنا جار نحو الرواية المذكورة ، ولا بأس به ، فاعتراضه عليه هنا مما لا وجه
له ، منه رحمهالله.
أقول : ومما يدل على ما ذكره الشيخان من الاخبار التي
طعن فيها هنا بأنها من الآحاد ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) ، «انه قال
في رجل قال لرجل : بع ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك فقال : ليس به بأس».
ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن مثله.
وعن زرارة (2) في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) «ما تقول في
رجل يعطى المتاع فيقول : ما ازددت على كذا وكذا فهو لك ، فقال : لا بأس».
وعن سماعة (3) عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «أنه سئل عن
الرجل يحمل المتاع لأهل السوق ، وقد قوموا عليه قيمة ، ويقولون بع فما ازددت فلك؟
فقال : لا بأس بذلك ولكن لا يبيعهم مرابحة». ورواه الكليني والصدوق مثله.
وعن زرارة في الموثق (4) عن أبى جعفر عليهالسلام قال : ««سألته
عن الرجل يعطى المتاع فيقال له : ما ازددت على كذا وكذا فهو لك؟ فقال : لا بأس».
وجملة من تأخر من الأصحاب تأولوا هذه الاخبار بالحمل على
الجعالة ، فيلزم ما عينه لذلك ، قالوا ولا يقدح فيها الجهالة كما اعترض به ابن
إدريس على كلام الشيخ ، لأن الجهالة في مال الجعالة إذا لم يؤد الى النزاع غير
قادح كما سيأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ في بابه.
أقول : ومن المحتمل قريبا خروج هذه الاخبار مخرج وجوب
الوفاء بالوعد ، كما دلت عليه الآية والرواية ، فيجب الوفاء به وفيه تأكيد لما
ذكره الأصحاب ، وبه يضعف ما ذكره ابن إدريس من كون الزيادة للتاجر ، وانما للدلال
أجرة المثل.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 54 الكافي ج 5 ص 195.
(2) التهذيب ج 7 ص 54.
(3) التهذيب ج 7 ص 54 الكافي ج ص 195 الفقيه ج 3 ص 135.
(4) التهذيب ج 7 ص 54 عن أبى عبد الله عليهالسلام.
ثم ان الشيخ في النهاية قال على أثر العبارة المتقدمة :
فإذا قال الواسطة للتاجر : خبرني بثمن هذا المتاع واربح علي فيه كذا وكذا ففعل
التاجر ذلك غير انه لم يواجبه البيع ، ولا ضمن هو الثمن ثم باع الواسطة بزيادة على
رأس المال والثمن ، كان ذلك للتاجر ، وله أجرة المثل لا أكثر من ذلك ، وان كان قد
ضمن الثمن كان له ما زاد من الربح ، ولم يكن للتاجر أكثر من رأس المال الذي قرره
معه انتهى.
والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد حملوا ذلك على أن التاجر
لم يعين له شيئا ـ كما في الصورة الاولى ـ ولم يعقب كلام الدلال بما يدل على الرضا
بما ذكره الدلال ، بل سكت عن ذلك ، والا فلو عقب كلام الدلال بما يدل على الرضا
بما قاله وعينه ، كان كما لو ابتدأه ، كما لو قال لمن ذهب عبده : أرد عليك عبدك
على أن لي نصفه أو ثيابه ابتداء منه ، فقال المولى : نعم لك ذلك ، فإنه يستحقق ما
عينه له.
وبالجملة فإنه في هذه الصورة لا بيع ولا جعالة ، فلهذا
وجب على التاجر أجرة المثل للدلال وعلى هذا يتم ويجتمع كلام الشيخ مع كلام الأصحاب
والروايات الواردة في الباب من غير منافاة في المقام.
السادسة : إذا قال : بعتك بمائة مواضعة العشرة درهما ،
قال في المبسوط : يكون الثمن تسعين ، وقال في الخلاف اختلف الناس فيها ، فقال أبو
حنيفة والشافعي : تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزء من درهم ، وقال أبو ثور :
تسعون ، ثم قال : دليلنا ـ ما ذكره حذاق العلماء وهو أن البيع مرابحة ومواضعة ،
فان باعه مرابحة ، ربح درهم على كل عشرة كان مبلغ الثمن مائة وعشرة وكان قدر الربح
جزء من أحد عشر جزء من الثمن ، وجب أن يكون المواضعة حط جزء من أحد عشر جز عن
الثمن ، وإذا كان مائة حطت منه جزا من أحد عشر جزء ، ينحط تسعه ، من تسعه وتسعين ،
ويبقى درهم ينحط منه جزء من أحد عشر.
وقيل : فيه أيضا : وقوله : وضيعة درهم من كل عشرة ،
معناه يوضع من كل عشرة ، يبقى لي درهم من أصل رأس المال ، وتقديره وضيعة درهم بعد
كل عشرة ، فيكون الثمن أحد وتسعون الا جزا من أحد عشر جزء من درهم.
قالوا : إذا أرادت مبلغ الثمن في ذلك فعقد الباب فيه أن
تضيف الوضيعة الى رأس المال ، ثم تنظر كم قدرها ، فما اجتمع فأسقط ذلك القدر من
رأس المال ، وهو الثمن.
وبابه إذا قال : رأس المال عشرون بعتكها برأس مالي
مواضعة العشرة درهمان ونصف ، فتضيف الى العشرين قدر الوضيعة ، وهو خمسه دراهم
فيصير خمسة وعشرين ، فينظر كم خمسة ، من خمسة وعشرين ، فإذا هو خمسها ، فيسقط من
رأس المال وهو عشرون الخمس أربعة تبقى ست عشرة.
ثم قال : وقول أبى ثور أقوى عندي ، لأنه إذا قال :
مواضعة عشرة واحد ، أضاف المواضعة الى رأس المال ، فرأس المال مائة فيجب فيه عشرة
فيبقى تسعون ، ولم يضفه الى ما يبقى في يده ، ولو قال ذلك لكان الأمر على ما قاله
، وأما حمل الوضيعة على الربح واضافة ذلك الى أصله فهو قياس ، ونحن لا نقول به ،
انتهى وفيه عدول ـ عما قاله في صدر كلامه ـ الى ما اختاره في المبسوط.
والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد اختلفوا أيضا في ذلك كما
اختلف العامة (1) وتفصيل الكلام
في ذلك بوجه أوضح أنه ذلك قال : بعتك بمأة ووضيعة درهم من كل عشرة ، فقيل : بأن
الثمن تسعون ، لان الوضع من نفس العشرة يقتضي ذلك ، حملا «لمن» على الظاهر من
التبعيض ، وقيل : بأن الثمن أحد وتسعون
__________________
(1) قال في القواعد : ولو قال : وضيعة درهم من كل عشرة فمتى
كان الثمن مائة لزمه تسعون ، ولو قال : من كل أحد عشر ، كان يحط تسعة دراهم وجزء
من أحد عشر جزء من درهم ، وكذا لو قال : بوضيعة درهم لكل عشرة انتهى. منه رحمهالله.
إلا جزأ من أحد عشر جزء من درهم ،
حملا «لمن» على ابتداء الغاية ، ويكون التقدير من كل عشرة تسلم لي ، ومثله ما لو
قال : لكل عشرة درهم ، ووجهه أن الوضيعة للعشرة غير العشرة ، كما أن الربح في
العشرة زائدا على العشرة ، فهو بمنزلة ما لو قال : من كل أحد عشر واحد.
وربما قيل هنا أيضا ببطلان العقد ، لتكافى الاحتمالين
الموجب لجهالة الثمن وتردده بين القدرين المذكورين ، وربما رجح الأول بما قدمنا
ذكره ، من أن وضيعة العشرة لا يكون من نفس العشرة دون ما عداها ، لان الموضوع من
جنس الموضوع منه ، فيكون الإضافة بمعنى من التبعيضية ، وربما رجح الثاني بما تقدم
في صدر كلام الشيخ من أن المواضعة على حد المرابحة ، للتقابل بينهما ، فكما اقتضت
المرابحة المعنى الثاني فكذا المواضعة ، ويضعف المرجح الأول ـ بأن اللفظ لا بد فيه
من تقدير ، وكلا التقديرين محتمل ـ والثاني بمنع الملازمة ، وقيام الاحتمال ان لم
تدل قرينة على أحدهما ، واعترض شيخنا الشهيد الثاني على الأصحاب ـ في هذا المقام
وما وقع لهم من الاختلاف والنقض والإبرام ـ بأن المراد من الجنس الذي يكون الإضافة
المعنوية فيه بمعنى من ، أن يكون المضاف جزئيا من جزئيات المضاف اليه ، بحيث يصح
إطلاقه على المضاف وعلى غيره أيضا ، والاخبار به عنه ، كخاتم فضة ، وباب ساج لا
جزا من كل ، حيث لا يصح إطلاقه كبعض القوم ، ويد زيد ، فإنك ترديد بالقوم الكل ،
والكل لا يطلق على البعض ، وكذا القول في يد زيد ، والحاصل أن (من) التي تتضمنهما
الإضافة هي التبيينية ، لا التبعيضية ، كما في خاتم فضة وأربعة دراهم ، وشرط (من)
التبيينية أن يصح إطلاق المجرور بها على المبين ، كما في قوله تعالى (1) «فَاجْتَنِبُوا
الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ» وقد صرح بهذا التحقيق الشيخ رضى ،
وابن هشام ، وناهيك بهما ، وحينئذ فينبغي القول بحمل الإضافة في المسألتين على
معنى (من) رأسا ، لأن الموضوع المضاف بعض العشرة ، ولا يصح الاخبار به عنه ،
فيتعين كونها بمعنى اللام.
__________________
(1) سورة الحج الآية ـ 22.
نعم يمكن مع ذلك كون الوضيعة من نفس العشرة ، كما يستفاد
ذلك من إضافته إلى الثمن. انتهى كلامه (قدسسره).
وناقشه في ذلك المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد بما يطول
ذكره ، مما ليس في التعرض له كثير فائدة ، والغرض من نقل كلامهم في المقام ليس إلا
بيان أنه لا يجوز الرجوع الى التعليلات العقلية في الأحكام ، لعدم انضباطها
ووقوفها على حد ، لاختلاف الافهام ، والمسألة عارية من النص ولا يبعد القول فيها
بالبطلان لما عرفت من الاحتمالات المؤدية إلى الجهالة. والله العالم.
الفصل السادس في الربا
وهو لغة الزيادة قال الله تعالى (1) «فَلا
يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ» وشرعا على ما ذكروه بيع أحد
المتماثلين المقدرين بالكيل أو الوزن بالاخر مع الزيادة في أحدهما حقيقة (2) أو حكما ، أو
اقتراض أحدهما مع الزيادة وان لم يكونا مقدرين بهما ، إذا لم يكن الباذل للزيادة
حربيا ولم يكن المتعاقدان والدا مع ولده ، ولا زوجا مع زوجته ، وعلى تقدير القول
بثبوته في كل معاوضة يبدل البيع بالمعاوضة على أحد المتماثلين الى آخر ما تقدم ، وتحريمه
ثابت بالكتاب ، والسنة ، والإجماع قال الله تعالى عزوجل (3) «أَحَلَّ
اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا» وقال (4) «يَمْحَقُ
اللهُ الرِّبا
__________________
(1) سورة الروم الآية ـ 39.
(2) كالدرهم بدرهمين ، والزيادة الحكمية مثل زيادة الأجل بأن
يبيع قفيزا نقدا بقفيز نسيئة ، فإن فيه زيادة حكمية من حيث أن للأجل قسط من الثمن
وكذا لو كانت الزيادة منفعة مثل أجره دابة أو دار أو نحو ذلك منه رحمهالله.
(3 و 4) سورة البقرة الآية ـ 275.
وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ» وقال (1) «الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ» وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن
هشام بن سالم (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) «قال درهم
ربا أشد عند الله من سبعين زنية كلها بذات محرم» ورواه الشيخ في الصحيح عن هشام
مثله الا انه ترك (عند الله).
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن قيس (3) عن أبى جعفر (عليهالسلام) «قال قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) : آكل الربا
وموكله وكاتبه وشاهده فيه سواء».
وعن ابن بكير في الموثق (4) قال : «بلغ
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أنه
كان يأكل الربا ويسميه اللبأ فقال : لأن أمكنني الله عزوجل منه لا ضربن
عنقه».
وعن سعد بن طريف (5) عن أبى جعفر عليهالسلام قال : «أخبث
المكاسب كسب الربا».
وروى في الفقيه عن أبى بصير (6) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «درهم
ربا أشد من ثلاثين زنية كلها بذات محرم مثل خالة وعمة».
وروى في الفقيه والتهذيب مسندا في الثاني ومرسلا في
الأول (7) عن علي (عليهالسلام) قال : «لعن
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الربا وآكله
ومؤكله
__________________
(1) سورة البقرة الآية ـ 275.
(2) الفقيه ج 3 ص 174 التهذيب ج 7 ص 14 الكافي ج 5 ص 244.
(3) الكافي ج 5 ص 144.
(4) الكافي ج 5 ص 147.
(5) الكافي ج ج ص 147.
(6) الفقيه ج 3 ص 174 التهذيب ج 7 ص 14.
(7) الفقيه ج 3 ص 174 التهذيب ج 7 ص 15 وليس فيه كلمة (وموكله).
وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه». الى
غير ذلك من الاخبار.
أقول : لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
التحريم مع العلم ، وعليه حملت الأخبار المذكورة ، وكذلك لا خلاف في العذر مع
الجهل ، كما رواه في الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنه له حلال ، قال : لا يضره حتى يصيبه متعمدا ، فإذا
أصابه متعمدا فهو بالمنزلة التي قال الله عزوجل». ونحوها صحيحة
الحلبي (2) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) : كل ربا
أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة». وعلى ذلك أيضا
يدل الآية الشريفة أعني قوله سبحانه (3) «فَلَهُ
ما سَلَفَ»
انما الخلاف في وجوب رد ما أخذه حال الجهالة بالتحريم
إذا علم بعد ذلك ، فذهب الشيخ في النهاية والصدوق في المقنع ـ على ما نقله في
المختلف ـ الى العدم.
قال في المختلف : ورواه الصدوق في الفقيه ، ثم نقل عن
ابن الجنيد أنه قال : ومن اشتبه عليه الربا لم يكن له ان يقدم عليه الا بعد اليقين
بأن ما يدخل فيه حلال ، فان قلد غيره أو استدل فأخطأ ثم تبين له ان ذلك ربما لا
يحل ، فان كان معروفا رده على صاحبه ، وتاب الى الله تعالى وان اختلط بماله حتى لا
يعرفه ، أو ورث مالا يعلم أن صاحبه كان يربى ، ولا يعلم الربا بعينه ، فيعزله جاز
له أكله ، والتصرف إذا لم يعلم فيه الربا (4).
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 144 التهذيب ج 7 ص 15 رواه عن الحلبي.
(2) الكافي ج 5 ص 145.
(3) سورة البقرة الآية ـ 275.
(4) أقول : لا يخفى أن فرض المسألة أنه أكل الربا حال الجهل ،
وبعد العلم بالتحريم تاب عن ذلك ، فحمل ما سلف على الذنب ـ كما ذكروه مع أنه لا
ذنب في حال الجهل ، وهو بعد العلم بالتحريم قد تركه ـ لا يخلو من تعسف. منه رحمهالله.
وقال ابن إدريس في السرائر : قال شيخنا في نهايته : فمن
ارتكب الربا بجهالة ولم يعلم أن ذلك محظورا فليستغفر الله تعالى في المستقبل ،
وليس عليه فيما مضى شيء ، ومتى علم أن ذلك حرام ثم استعمله فكل ما يحصل له من ذلك
محرم عليه ، ويجب رده على صاحبه.
قال محمد بن إدريس : قول شيخنا رحمهالله ـ فمن ارتكب
الربا بجهالة ولم يعلم ان ذلك محظورا فليستغفر الله في المستقبل ، وليس عليه فيما
مضى شيء المراد بذلك ليس عليه شيء من العقاب بعد استغفاره ، لا أن المراد بذلك
أنه ليس عليه شيء من رد المال الحرام ، بل يجب عليه رده على صاحبه ، لقوله تعالى (1) «وَإِنْ
تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ» فأما قوله (2) «فَمَنْ
جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ» المراد به ـ والله
أعلم ـ فله ما سلف من العذر وغفران الذنب ، وحق القديم سبحانه بعد انتهائه وتوبته
، لأن إسقاط الذنب عند التوبة تفضل عندنا ، بخلاف ما يذهب إليه المعتزلة.
وقيل في التفسير ـ ذكره شيخنا في التبيان وغيره من
المفسرين ـ أن المراد بذلك ما كان في الجاهلية من الربا بينهم ، فقال «فَمَنْ
جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ» فأما ما يجرى
من المسلم فيجب رده على صاحبه ، سواء كان جاهلا لحاله غير عالم انه محرم أو كان
عالما بذلك ، فإنه يجب رد الربا على من أربى عليه من المسلمين جميعا ، فلا يظن ظان
ولا يتوهم متوهم على شيخنا فيما قال غير ما حررناه. انتهى.
والى هذا القول ذهب العلامة في المختلف أيضا ، قال :
لأنها معاوضة باطلة ، فلا ينتقل بها الملك كغيرها من المعاوضات ، واحتج للشيخ
بالآية اعنى قوله سبحانه «فَلَهُ ما سَلَفَ».
__________________
(1 و 2) سورة البقرة الآية ـ 279.
وما رواه ابن بابويه (1) عن الباقر (عليهالسلام) قال : «قال :
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قد وضع ما
مضى من الربا وحرم ما بقي ، فمن جهله وسعه جهله حتى يعرفه».
وعن الصادق (عليهالسلام) (2) «كل ربا أكله
الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم ـ إذا عرف منهم ـ التوبة». ثم أجاب عن
الجميع بالعود الى الذنب بمعنى سقوطه عنهم بالتوبة ، أو ما كان في زمن الجاهلية.
أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار ما رواه المشايخ
الثلاثة ، (عطر الله مراقدهم ،) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (3) الا أنه في
الفقيه مرسلا قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام)» كل ربا أكله
الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة ، وقال : «لو أن رجلا
ورث من أبيه ما لا وقد عرف أنه في ذلك المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغيره
حلال كان حلالا طيبا فليأكله ، وان عرف منه شيئا معزولا انه ربا فليأخذ رأس ماله
وليرد الربا». وزاد في الكافي والفقيه «وأيما رجل أفاد مالا كثيرا فيه من الربا
فجهل ذلك. ثم عرفه بعد ، فأراد أن ينزعه فيما مضى فله ، ويدعه فيما يستأنف».
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن
الحلبي (4) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «أتى
رجل أبى فقال : انى ورثت مالا وقد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربو وقد
عرفت أن فيه ربا واستيقن ذلك ، وليس
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 16 في ذيل حديث الوسائل الباب ـ 5 ـ من
أبواب الربا.
(2) الكافي ج 5 ص 145 التهذيب ج 7 ص 16 مع اختلاف يسير الفقيه
ج 3 ص 175.
(3 و 4) الكافي ج 5 ص 145 التهذيب ج 7 ص 16 الفقيه ج 3 ص 175
وفيه والكافي (وقد أعرف) بدل (عرفت).
يطيب لي حلاله ، لحال علمي فيه ، وقد
سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا : لا يحل أكله من أجل ما فيه ، فقال أبو
جعفر (عليهالسلام) : ان كنت
تعلم أن فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله ، فخذ رأس مالك ، ورد ما سوى ذلك ، وان
كان مختلطا فكله هنيئا فإن المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبه ، فان رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) قد وضع ما
مضى من الربا وحرم عليهم ما بقي ، فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه ، فإذا عرف
تحريمه حرم عليه ، ووجب عليه فيه العقوبة إذا ارتكبه كما يجب على من يأكل الربا».
وما رواه في الكافي عن أبى الربيع الشامي (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أربا
بجهالة ، ثم أراد أن يتركه ، فقال : أماما مضى فله ، وليتركه فيما يستقبل ، ثم قال
: ان رجلا أتى أبا جعفر (عليهالسلام) فقال : انى
قد ورثت مالا وقد علمت أن صاحبه كان يربو ، وقد سألت فقهاء أهل العراق وفقهاء أهل
الحجاز ، فذكروا أنه لا يحل أكله فقال أبو جعفر (عليهالسلام) : ان كنت
تعرف منه شيئا معزولا وتعرف أهله وتعرف أنه ربا فخذ رأس مالك ، ودع ما سواه ، وان
كان المال قد اختلط فكله هنيئا مريئا ، فان المال مالك ، واجتنب ما كان يصنع صاحبك
فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قد وضع ما
مضى من الربا فمن جهله وسعه أكله فإذا عرفه حرم عليه أكله ، فإن أكله بعد المعرفة
وجب عليه ما وجب على آكل الربا».
ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر (2) من كتاب
المشيخة للحسن ابن محبوب نحوه.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 146 الوسائل الباب ـ 5 ـ من أبواب الربا
الرقم ـ 4.
(2) السرائر ص 475.
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال : «دخل
رجل على أبى جعفر (عليهالسلام) من أهل
خراسان قد عمل بالربا حتى كثر ماله ثم انه سأل الفقهاء فقالوا : ليس يقبل منك شيء
الا أن ترده إلى أصحابه ، فجاء الى أبى جعفر (عليهالسلام) فقص عليه
قصته فقال له أبو جعفر (عليهالسلام) : مخرجك من
كتاب الله عزوجل (2) «فَمَنْ
جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى
اللهِ»
والموعظة التوبة».
وما رواه أحمد ابن محمد بن عيسى في نوادره (3) عن أبيه على
ما نقله في الوسائل قال : «ان رجلا أربا دهرا من الدهر فخرج قاصدا الى أبى جعفر (عليهالسلام) يعنى الجواد (عليهالسلام) فقال له :
مخرجك من كتاب الله يقول الله «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ
فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ» والموعظة هي التوبة فجهله بتحريمه ثم
معرفته به فما مضى فحلال ، وما بقي فليستحفظ».
وما ذكره الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي على ما نقله في كتاب بحار الأنوار (4) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : ما خلق
الله حلالا ولا حراما الا وله حد كحدود الدار ، فما كان من حدود الدار فهو من
الدار حتى أرش الخدش فما سواه ، والجلدة ونصف الجلدة ، وان رجلا أربا دهرا من
الدهر فخرج قاصدا الى أبى جعفر (عليهالسلام) فسأله عن ذلك
، فقال له مخرجك من كتاب الله يقول الله». الحديث المتقدم الى آخره هذا ما وقفت
عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة.
والظاهر منها بعد رد بعضها الى بعض هو ما ذهب اليه الشيخ
والصدوق في هذه المسألة ، فإن ظاهر صحيحة هشام بن سالم المتقدمة هو حل ما أكله حال
الجهل ،
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 15 الوسائل الباب ـ 5 ـ من أبواب الربا
الرقم 7.
(2) سورة البقرة الآية 275.
(3) الوسائل الباب ـ 5 ـ من أبواب الربا الرقم 10.
(4) بحار الأنوار ج 2 ص 170 الرقم 8 ط الحديث.
وأنه لا يضره ذلك حتى يكون متعمدا
معنى بالإثم ، ولا يجب عليه رده إلا في صورة العلم ، وكذلك قوله (عليهالسلام) في الرواية
الخامسة والسادسة ، «فما مضى فحلال وما بقي فليتحفظ» فإنه كالصريح ، بل صريح في حل
ما أكله حال الجهل ، وهو أيضا ظاهر الروايات الباقية ، فإنها متفقة في أنه مع
الجهل لا يجب عليه رده ، كما أفتى به فقهاء العامة.
بقي الكلام في تفصيله (عليهالسلام) في الاخبار
الثلاثة الأول ، وفرق بين ما كان معزولا ، وما كان مختلطا بمال حلال ، وهو بظاهره
موافق لما تقدم نقله عن ابن الجنيد ، ويمكن حمل رد المعزول على الأولوية
والاستحباب ، وان كان الجميع حلالا من حيث الجهل ، كما ينادى به سياق الأخبار
المذكورة ، سيما الخبر الخامس والسادس كما عرفت.
واما احتمال الحمل على الحل من حيث الاختلاط كما صار
اليه بعض أفاضل متأخري المتأخرين (1) لا من حيث الجهل ، فهو بعيد عن سياق
الأخبار المذكورة.
وأما قول العلامة ـ (رحمهالله) لأنها معاوضة
باطلة ، ـ فهو ممنوع ، لأنها من حيث الجهل صحيحة بحسب ظاهر الشرع ، وثبوت البطلان
بعد العلم يحتاج الى دليل ، إذ الحل والحرمة والطهارة والنجاسة ونحوها مما تبنى
على علم المكلف وعدمه ، لا على الواقع ونفس الأمر ، كما مر تحقيقه في كتاب الطهارة
من هذا الكتاب (2).
وأما استدلال ابن إدريس ومثله العلامة في المختلف بقوله
تعالى
__________________
(1) وهو المحدث الكاشاني والفاضل الخراساني في الكفاية حيث
ذهبا الى أن الحرام المختلط بالحلال في المحصور حلال ، وقد أوضحنا بطلانه في
كتابنا الدرة النجفية. منه رحمهالله.
(2) ج 1 ص.
«وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ
أَمْوالِكُمْ» فإن فيه ان سياق الآية على الاختصاص
بالعالم المتعمد ، وهذه صورتها (1) «يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ
وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ» الاية ، ومن الظاهر ان التهديد بالحرب
لا يتوجه الا الى العالم.
ويؤيده تأييدا ما رواه الطبرسي في كتاب مجمع البيان (2) عن الباقر (عليهالسلام) في سبب
النزول من ان الوليد بن المغيرة كان يربى في الجاهلية وقد بقي له بقايا على ثقيف
فأراد خالد بن وليد المطالبة بها بعد أن أسلم ، فنزلت الآية.
وأما تأويل قوله سبحانه «ما
سَلَفَ»
بما ذكره من المعنى فهو تعسف محض ، والظاهر من الآية
انما هو حل ما سلف مما أكله حال الجهل كما دلت عليه الاخبار المتقدمة ، قال أمين
الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان «فَلَهُ ما سَلَفَ» معناه ما أخذه
وأكل من الربا قبل النهى ، ولا يلزمه رده.
قال الباقر (عليهالسلام) (3) : «من أدرك
الإسلام وتاب مما كان عمله في الجاهلية وضع الله عنه ما سلف». انتهى.
وفيه دلالة على اختيار الطبرسي لما ذهب اليه الشيخ
والصدوق في هذه المسألة ، والحمل على ما سلف في الجاهلية ، لا ينافي ما سلف من حيث
الجهل في الإسلام أيضا ، لاشتراك الجميع في الجهل الموجب لحل ما تقدم ، وظاهر
المحقق في النافع القول بذلك أيضا ، حيث قال : ولو جهل التحريم كفاه الانتهاء.
وبما قررناه وأوضحناه يظهر لك أن الأظهر هنا هو ما ذكره
الشيخ والصدوق وكيف كان فتحقيق البحث في هذا الفصل يقع في مسائل الأولى ـ
__________________
(1) سورة البقرة الآية 279.
(2) الوسائل الباب ـ 5 ـ من أبواب الربا الرقم 8.
(3) المستدرك ج 2 ص 479.
من الشروط المعتبرة في الربا أن يكون
العوضان من جنس واحد ، والمراد بالجنس هنا الحقيقة النوعية باصطلاح أهل المنطق ،
فإنه يسمى جنسا بحسب اللغة ، وضابطه أن يتناولهم لفظ خاص كالحنطة والأرز ونحوهما.
وينبغي أن يستثني من هذه الضابطة الشعير ، فإنه في باب
الربا من أفراد الحنطة مع أنه لا يتناوله لفظها ودخوله بالنص.
وأما العلس والسلت على القول بأنهما من أفراد الحنطة
والشعير فدخولهما فيهما ظاهر وان اختصا باسم آخر ، والا فمقتضى الاسم عدم الإلحاق
، فلا يجوز بيع أحد المتجانسين بالاخر مع الزيادة ، ويجوز البيع وزنا بوزن وان كان
أصلهما الكيل على أحد القولين ، نظرا الى أن الوزن أضبط ، حتى قيل انه أصل الكيل ،
بل نقل بعضهم الإجماع على جواز بيع الحنطة والشعير وزنا ، مع الإجماع على كونهما
مكيلين في زمنه (صلىاللهعليهوآله) وقيل :
بالعدم نظرا الى ورود الشرع والعرف بالكيل ، فلا يعتبر بغيره ، فيرجع حينئذ الى ما
علم من عصره (صلىاللهعليهوآله) وعصور الأئمة
(عليهمالسلام) في كونه
مكيلا أو موزونا ، ومع الجهل بذلك إلى عادة البلد.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الثمن والمثمن اما أن يكونا
ربويين ، أو غير ربويين أو يكون أحدهما خاصة ربويا فهيهنا أقسام ثلاثة الأول أن
يكونا معا ربويين ، وحينئذ فلا يخلو اما أن يتحد الجنسان أو يختلفا ، وعلى الثاني
فلا يخلو أيضا اما أن يكون أحدهما من النقود والآخر عرضا من العروض ، فهيهنا أيضا
أقسام ثلاثة الأول ـ أن يكونا ربويين ، ويتحد الجنس ، والواجب المساواة في القدر
والحلول ، فلا يجوز بيع أحدهما بالاخر نسيئة ، وان تساويا في القدر جاز ، قال في
المختلف : ولا أعرف في ذلك
خلافا الا قولا شاذا للشيخ ، ذكره في
الخلاف فإنه قال : إذا باع ما فيه الربا من المكيل والموزون مختلف الجنس جاز بيع
بعضه ببعض متماثلا يدا بيد ، ويكره نسيئة ثم اعتذر عنه بأنه قد يطلق على المحرم
اسم المكروه. انتهى (1) وهو جيد ، الثاني
أن يختلف الجنس ويكون أحدهما من الأثمان ، والأخر من العروض ولا خلاف في الصحة
نقدا ونسيئة ، لأنه مع النسيئة في أحدهما اما أن يكون من قبيل بيع النسيئة المتقدم
جوازه ان كان الأجل في الثمن ، أو من قبيل السلف ان كان الأجل في المبيع ، وكلاهما
جائزان.
الثالث ـ أن يختلف الجنس ويكونا عرضين فإنه يجوز أحدهما
بالاخر نقدا متفاضلا ومتماثلا بلا خلاف ، وانما الخلاف في النسيئة مع التفاضل ،
فهل يجوز أم لا؟ قال الشيخ في النهاية وابن حمزة : بالأول ، وقال المفيد وسلار
وابن البراج : بالثاني ، ونص ابن ابى عقيل وابن الجنيد على التحريم.
وقال الشيخ في المبسوط : بالكراهة ، وبه قال ابن إدريس
والعلامة في
__________________
(1) ثم انه استدل على هذا الإطلاق قال في هذا الكتاب : بأنه
يكره الأكل والشرب في آنية الفضة وقصد التحريم ، أقول : لا يخفى أن لفظ الكراهة
كما شاع استعماله في التحريم في الاخبار فالمتقدمون كثيرا ما يجرون على نحو
الاخبار في هذا الأبواب ، ثم ان ظاهر الشيخ في المبسوط موافقة ما ذكر في الخلاف
حيث قال : وان باع بعض الجنس ـ يعنى مما يكون الثمن والمثمن ربويين ـ بجنس مثله
متفاضلا جاز ، والأحوط أن يكون يدا بيد. انتهى ، وأنت خبير بأن ظاهر هذه العبارة
لا تقبل التأويل المتقدم ، ومنه يقرب ان مراده بالكراهة في عبارة الخلاف انما هو
معنى الأصولي ، وحينئذ يكون المسألة محل خلاف ، الا أن قوله ضعيف ، مردود بالأخبار
الدالة على كون ذلك ربا كما سيظهر لك إنشاء الله تعالى. منه رحمهالله.
المختلف ، احتج القائلون بالجواز
بالأصل ، وما نقل شائعا من قوله (عليهالسلام) (1) «إذا اختلف
الجنسان فبيعوا كيف شئتم». هذا ما احتج به في المختلف لهذا القول.
أقول : ويدل عليه أيضا ما رواه في التهذيب والفقيه عن
سماعة في الموثق (2) قال : «سألته
عن الطعام والتمر والزبيب؟ فقال : لا يصلح شيء منه اثنان بواحد الا أن تصرفه نوعا
الى نوع آخر ، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد وأكثر من ذلك». وإطلاقه دال على
الجواز يدا بيد ونسيئة.
ونحوه أيضا ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو
الحسن عن الحلبي (3) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) في حديث «قال.
ويكره قفيز لوز بقفيزين ، وقفيز تمر بقفيزين ، ولكن صاع حنطة بصاعين من تمر ، وصاع
تمر بصاعين من زبيب». الحديث ، الا ان احتمال تقييد إطلاقهما بالاخبار الاتية
قائم.
ثم انه في المختلف نقل الاحتجاج للمانعين بما رواه الحلبي
(4) في الصحيح عن
الصادق (عليهالسلام) قال : «ما
كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من الأشياء يتفاضل ، فلا بأس ببيعه مثلين بمثل
يدا بيد ، فأما نظرة فلا يصلح». ثم أجاب بأن الربا من شرطه اتحاد الجنس على ما
بينه علمائنا ، ثم حمل الخبر على الكراهة.
أقول : ومما يؤيد هذه الرواية أيضا ما رواه في الكافي عن
محمد بن سنان (5) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «ما
كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل
يدا بيد ، فأما نظرة فلا تصلح».
__________________
(1) المستدرك ج 2 ص 480.
(2) التهذيب ج 7 ص 95 الرقم 12 الفقيه ج 3 ص 178.
(3) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 94.
(4) الكافي ج 5 ص 191 عن محمد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) التهذيب ج 7 ص 93.
(5) الكافي ج 5 ص 191 التهذيب ج 7 ص 93 وفي المصدرين ليس فيهما
لفظ (ابن سنان).
وما رواه في التهذيب عن زياد بن أبى غياث (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) مثله الا أنه
قال : «وأما النسيئة فلا يصلح». ولفظ لا يصلح عند الأصحاب من الألفاظ الظاهرة في
الكراهة ، ولهذا حملوه ما ورد بهذا اللفظ على ذلك ، وأيده ما ذكر من أن شرط الربا
اتحاد الجنس.
وروى في الكافي عن سماعة (2) في الموثق عن
أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «المختلف
مثلان بمثل يدا بيد لا بأس به».
وفي صحيحة محمد بن مسلم (3) قال : «إذا
اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد».
وفي صحيحة الحلبي (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الزيت
بالسمن اثنين بواحد ، قال : يدا بيد لا بأس به». ولعل مستند القول بالكراهة هو
الجمع بين أدلة القولين ، ويؤيده ما ذكره الثقة الجليل على بن إبراهيم (5) على ما نقل في
الكافي في فصل طويل في هذا الباب قال : «فإذا اختلف أصل ما يكال فلا بأس به اثنان
بواحد يدا بيد ، ويكره نسيئة». الا أن احتمال التحريم في هذا اللفظ قائم ، لكثرة
إطلاقه على ذلك في الاخبار وكلام المتقدمين ، وكذا لفظ «لا يصلح» فإنه كثيرا ما
يستعمل في الاخبار في مقام التحريم وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال.
الثاني أن يكونا غير ربويين كثوب بثوبين ، وعبد بعبدين ،
ودابة بدابتين ، ولا خلاف في أنه يجوز ذلك نقدا وأما نسيئة فقولان : المنع وهو قول
الشيخ
__________________
(1) التهذيب ج ص 118.
(2) الكافي ج 5 ص 190.
(3) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 95.
(4) التهذيب ج 7 ص 121.
(5) الكافي ج 5 ص 192.
في النهاية ، فإنه قال : لا يجوز ،
وكذا في الخلاف والشيخ المفيد وابن ابن عقيل وابن الجنيد. وقال الشيخ في المبسوط :
يكره ، وهو المشهور بين المتأخرين ، وأطلق الصدوقان الجواز.
احتج القائلون بالجواز بالأصل ، وقوله (عليهالسلام) (1) «إذا اختلف
الجنسان فبيعوا كيف شئتم». وأن المقتضى موجود ، والمانع مفقود ، أما المقتضي فهو
عموم أدلة البيع. وأما عدم المانع فلانه ليس الا الربا وهو منفي هنا بالاخبار.
ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة بأسانيد عديدة فمنها
الموثق والصحيح عن عبيد بن زرارة (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : لا
يكون الربا الا فيما يكال أو يوزن».
وما رواه في الكافي عن منصور (3) في الموثق قال
: «سألته عن الشاة بالشاتين ، والبيضة بالبيضتين ، قال : لا بأس ما لم يكن كيلا أو
وزنا».
وما رواه في الفقيه عن داود بن الحصين (4) «أنه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن الشاة
بالشاتين ، والبيضة بالبيضتين قال : لا بأس ما لم يكن مكيلا ولا موزونا».
وما رواه في التهذيب عن منصور بن حازم (5) في الموثق عن
أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن البيضة بالبيضتين؟ قال : لا بأس به ، والثوب بالثوبين؟ قال : لا بأس به ،
والفرس بالفرسين؟ قال : لا بأس به ، ثم قال : كل شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين
بمثل إذا كان من جنس واحد ، فإذا كان لا يكال ولا يوزن فليس به بأس اثنان بواحد».
__________________
(1) المستدرك ج 2 ص 480.
(2) الكافي ج 5 ص 146 التهذيب ج 7 ص 118 الفقيه ج 3 ص 175.
(3) الكافي ج 5 ص 191 التهذيب ج 7 ص 118 الفقيه ج 3 ص 178.
(4) الفقيه ج 3 ص 178.
(5) التهذيب ج 7 ص 119.
وما رواه في التهذيب أيضا في الموثق عن زرارة (1) عن أبي جعفر (عليهالسلام) قال : «لا
بأس بالثوب بالثوبين».
وما في كتاب الفقه الرضوي (2) قال : (عليهالسلام) ـ بعد نقل
رواية عن أبيه عليهالسلام ـ «وسئل عن
الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين؟ فقال : لا بأس ما لم يكن كيلا ولا وزنا ، وقال
: أيضا (عليهالسلام) ولو أن رجلا
باع ثوبا بثوبين ، أو حيوانا بحيوانين من أى جنس يكون ، لا يكون ذلك من الربا». وإطلاق
الجواز في هذه الاخبار شامل للنقد والنسيئة.
احتج القائلون بالمنع بجملة من الاخبار أيضا منها ما
رواه المشايخ الثلاثة نور الله تعالى مراقدهم في الصحيح عن زرارة (3) «عن أبى جعفر (عليهالسلام) «قال :
البعير بالبعيرين ، والدابة بالدابتين يدا بيد ليس به بأس» وزاد في الفقيه «قال :
لا بأس بالثوب بالثوبين يدا بيد ونسيئة إذا وصفتهما».
ورووه أيضا بأسانيدهم ، وفيها الصحيح عن عبد الرحمن بن
أبي عبد الله (4) «قال سألت أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن العبد
بالعبدين ، والعبد بالعبد والدراهم؟ قال : لا بأس بالحيوان كله يدا بيد» ،. وهما
مشعران بالمنع عن النسيئة ، كما يشعر إليه الزيادة التي في الخبر الأول.
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (5) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الثوبين
الرد بين بالثوب المرتفع والبعير بالبعيرين ،
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 119.
(2) المستدرك ج 2 ص 480.
(3) الكافي ج 5 ص 190 التهذيب ج 7 ص 118 الفقيه ج 3 ص 177.
(4) الكافي ج 5 ص 191 التهذيب ج 7 ص 118 الفقيه ج 3 ص 177.
(5) التهذيب ج 7 ص 120.
والدابة بالدابتين ، فقال : كره ذلك
علي (عليهالسلام) فنحن نكرهه ،
الا أن يختلف الصنفان ، قال : فسألته عن الإبل والبقر والغنم أو إحداهن في هذا
الباب؟ قال : نعم نكرهه». والقائلون بالجواز حملوا هذه الاخبار على الكراهة ،
والأظهر حملها على التقية كما اختاره بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين
قال : لا خلاف بين العامة في جواز بيع الحيوان بالحيوانين حالا ، وانما الخلاف
بينهم في النسيئة فذهب الأكثر منهم الى عدم الجواز ، وذهب بعضهم الى عدم الجواز في
المعدود.
أقول : والى ذلك يومي خبر سعيد بن يسار (1) المروي في
الكافي والفقيه قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن البعير
بالبعيرين يدا بيد ونسيئة؟ فقال : نعم لا بأس إذا سميت بالأسنان جذعين أو ثنيين ،
ثم أمرني فخططت على النسيئة». فإن الظاهر من الأمر هنا بضرب الخط على النسيئة بعد
نفى البأس انما هو لئلا يراه العامة أو لئلا ينقل عنه.
ومثله قال في النهاية ذيل هذا الخبر ، «لان الناس يقولون
لا» وانما فعل ذلك للتقية انتهى ، والظاهر أنه من كلام الصدوق رحمهالله وروى الشيخ في
التهذيب في الصحيح عن سعيد بن يسار (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن البعير
بالبعيرين يدا بيد ونسيئة؟ قال لا بأس به ، ثم قال : خط على النسيئة». ومما ذكرنا
يظهر قوة القول المشهور. (3)
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 191 الفقيه ج 3 ص 177.
(2) التهذيب ج 7 ص 117.
(3) أقول العجب من صاحب الكفاية ، فإنه قال في صحيحة سعيد بن
يسار تصريح بجواز بيع البعير بالبعيرين نسيئة مع أن الخبر دل على أنه (عليهالسلام) أمر بالخط على النسيئة إيذانا بعدم
الجواز ، فكيف غفل عن تتمة الخبر واستدل به على جواز البيع نسيئة والحال كما ترى ،
وبالجملة فالخبر ظاهر بالمنع ، ولكن الجواب عنه ما ذكرنا في الأصل منه رحمهالله.
الثالث : أن يكون أحدهما ربويا ، والأخر غير ربوي ، ولا
خلاف في جواز بيع أحدهما بالاخر نقدا ونسيئة كيف اتفق الا مع تأجيلهما ، تساويا في
الأجل أو احتلفا ، لانه من قبيل بيع الدين بالدين ، كما تقدم الإشارة اليه ، وان
كان بعض صوره لا يخلو من المناقشة كما سيأتي إنشاء الله ـ تعالى ـ تحقيقه في باب
الدين.
المسألة الثانية ـ الأظهر الأشهر أن الحنطة والشعير هنا
جنس واحد ، فلا يجوز التفاضل بينهما نقدا ولا نسيئة ، ولا بيع أحدهما بالاخر نسيئة
وان تساويا ، وهو مذهب الشيخين ، وظاهر الصدوق في الفقيه. حيث رواه ولم ينكره ،
وسلار وأبو الصلاح وابن حمزة.
وقال ابن الجنيد : أنهما نوعان ، وقال ابن أبى عقيل :
وقد قيل لا يجوز بيع الحنطة بالشعير الا مثلا بمثل سواء ، لأنهما من جنس واحد ،
بذلك جائت بعض الآثار عنهم (عليهمالسلام) ثم قال :
والقول والعمل على الأول ، والى هذا القول مال ابن إدريس ، وأكثر من القولين في
ذلك ، وطول بما لا معتمد عليه ولا معول.
قال : لا خلاف بين المسلمين العامة والخاصة أن الحنطة
والشعير جنسان مختلفان حسا ولفظا ، ولا خلاف بين أهل اللغة واللسان العربي في ذلك
، فمن ادعى أنهما كالجنس الواحد فعليه الدلالة ، وأخبار الآحاد ليست حجة ، ثم لم
يذهب الى هذا القول سوى الشيخ أبى جعفر والشيخ المفيد ، ومن قلدهما ، بل جملة
أصحابنا المتقدمين ورؤساء مشايخنا الماضين لم يتعرضوا لذلك ، بل أفتوا وصنفوا أن
مع اختلاف الجنس يجوز بيع الواحد بالاثنين ، وقوله (عليهالسلام) (1)
__________________
(1) المستدرك ج 2 ص 480.
«إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم».
والحنطة والشعير مختلفان صورة وشكلا ، ولونا وطعما ، وإدراكا وحسا ، ثم أطال بما
لا يرجع الى طائل ولا يعود الى حاصل.
وجوابه فيما ادعاه من الإجماع المعارضة أولا بدعوى الشيخ
الإجماع ـ في الخلاف ـ على خلاف ما ذكره ، وثانيا المنع من الإجماع الذي يدعيه لما
عرفت ، فإنه لم يذهب الى ما ذهب اليه الا ابن الجنيد وابن أبى عقيل ، ومن عداهما
من المتقدمين فهو اما مصرح بكونهما جنسا واحدا في هذا الباب ، أو أنه لم يتعرض
لذكرهما ، وان ذكروا أن مع اختلاف الجنس يجوز البيع كيف اتفق.
فالعمل عندنا على الاخبار الواردة في المقام السالمة من
المعارض ، ورده لها بأنها أخبار آحاد مردود ، بأن الواجب عليه ـ مع رد هذه الاخبار
ونحوها من اخبار الشريفة الواردة في جملة الأحكام ـ هو الخروج من هذا الدين وهذه
الشريعة إلى دين آخر ، وشريعة أخرى ، وتعلقه بالإجماع تعلق بما هو أوهن من بيت
العنكبوت وانه لأوهن البيوت ، كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب في مجلد كتاب
الطهارة (1) وفي باب صلاة
الجملة.
وأما الاخبار الدالة على ما قلناه فمنها ما رواه المشايخ
الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن أبى بصير (2) وغيره في الصحيح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «الحنطة
والشعير رأسا برأس (لا يزداد) واحد منهما على الأخر».
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن
الحلبي (3) عن
__________________
(1) ج 1 ص 35.
(2) الكافي ج 5 ص 187 التهذيب ج 7 ص 95 الفقيه ج 3 ص 178 في
الكافي والفقيه. (لا يزاد).
(3) الكافي ج 5 ص 187 التهذيب ج 7 ص 94 (وليس فيه كلمة لا يباع).
أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا
يباع مختومان من شعير ، بمختوم من حنطة (ولا يباع) الا مثلا بمثل والتمر مثل ذلك ،
قال : وسئل عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد عند صاحبها الا شعيرا أيصلح له أن يأخذ
اثنين بواحد؟ قال : لا ، إنما أصلهما واحد» وزاد في الكافي «وكان علي (عليهالسلام) يعد الشعير
بالحنطة».
وعن هشام بن سالم (1) في الصحيح عن أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سأله
رجل عن الرجل يبيع الرجل الطعام الأكرار ، فلا يكون عنده ما يتم له ما باعه ،
فيقول له خذ منى مكان كل قفيز حنطة قفيزين من شعير حتى تستو في ما نقص من الكيل؟
قال : لا يصلح لأن أصل الشعير من الحنطة ، ولكن يرد عليه من الدراهم بحساب ما نقص
من الكيل» (2).
وعن عبد الرحمن بن أبى عبد الله (3) في الصحيح قال
: «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : أيجوز قفيز
من حنطة بقفيزين من شعير؟ فقال : لا يجوز الا مثلا بمثل ثم قال : ان الشعير من
الحنطة».
أقول : لعل الوجه فيما اشتملت عليه هذه الاخبار من أن
الشعير من الحنطة وأن أصلهما واحد ، هو ما رواه الصدوق بإسناده (4) «أن على بن أبى
طالب (عليهالسلام)
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 187 التهذيب ج 7 ص 96.
(2) أقول قد اشتهر في كلام الأصحاب أن لفظ (لا يصلح) من ألفاظ
الكراهة كما تقدم ذكره في غير مقام ، مع أنه هيهنا إنما أريد به التحريم قطعا ،
ومثله غيره من الاخبار ، والحق أن هذا اللفظ من الألفاظ المتشابهة المحتملة للحمل
على كل من المعنيين الا مع القرينة ، فالاستدلال به على الكراهة بقول مطلق مما لا
وجه له. منه رحمهالله.
(3) الكافي ج 5 ص 188 التهذيب ج 7 ص 96.
(4) المستدرك ج 2 ص 481.
سئل عما خلق الله الشعير؟ فقال : ان
الله (تبارك وتعالى) أمر آدم (عليهالسلام) أن ازرع مما
اخترت لنفسك ، وجاءه جبرئيل بقبضة من الحنطة ، فقبض آدم (عليهالسلام) على قبضة ،
وقبضت حواء على أخرى فقال : آدم (عليهالسلام) لحوا لا
تزرعي أنت ، فلم تقبل أمر آدم ، فكلما زرع آدم جاء حنطة ، وكلما زرعت حواء جاء
شعيرا». وبه يزول الاستبعاد الذي ذكره جملة من أولئك الأمجاد.
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن صفوان (1) «عن رجل من
أصحابه عن أبى عبد الله (عليهالسلام) «قال :
الحنطة والشعير لا بأس به رأسا برأس».
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن
الحلبي (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) في حديث قال
: «ولا يصلح الشعير بالحنطة إلا واحدا بواحد» الحديث.
وما رواه في التهذيب عن أبي بصير (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحنطة
بالشعير ، والحنطة بالدقيق؟ فقال : إذا كان سواء فلا بأس ، والا فلا».
وعن محمد بن قيس (4) في الصحيح عن أبى جعفر (عليهالسلام): قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) : لا تبع
الحنطة بالشعير الا يدا بيد ، ولا تبع قفيزا من حنطة بقفيزين من شعير» الحديث.
وهذه الاخبار على كثرتها وصحتها لا معارض لها سواي ما
ذكروه من الوجوه التخريجية العلية التي لا يجوز التعويل عليها في تأسيس الأحكام
الشرعية والله العالم.
بقي الكلام هنا في الجمع بين القاعدة المتفق عليها في
كلام الأصحاب وهي
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 95.
(2) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 94.
(3) التهذيب ج 7 ص 95.
(4) التهذيب ج 7 ص 95.
ما عرفت آنفا من اشتراط اتحاد الجنس
في الربا ـ الذي هو عبارة عن الحقيقة النوعية ، ولا ريب أن الحنطة والشعير في غير
باب الربا جنسان ، كما في باب الزكاة وفيما لو حلف أو نذر أن لا يأكل الحنطة ،
فإنه لا يحنث بأكل الشعير ونحو ذلك ، ولاختلاف مفهومها لغة وعرفا ، ـ وبين الاخبار
المذكورة الدالة على وقوع الربا فيهما بمعاوضة أحدهما بالاخر ، وظاهر شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك تخصيص القاعدة المذكورة بالأخبار ، بمعنى أنهما جنسان لاختلاف
مفهومهما لغة وعرفا ، إلا في الربا للأخبار المتقدمة فإنهما فيه من جنس واحد ،
وأنت خبير بان ظاهر جملة من الاخبار المتقدمة أنهما جنس واحد مطلقا ، لا بخصوص
الربا ، وأنه انما وقع الربا فيهما من هذه الحيثية الثابتة لهما مطلقا ، كما يفسره
حديث الصدوق المذكور ، لا أن اتحادهما مخصوص بالربا ، ولا مناص عن الإشكال إلا
بخرم القاعدة المذكورة وابطالها وقد قدمنا في الأبحاث المتقدمة أن الواجب هو
الوقوف على موارد النصوص ، وعدم الاعتماد على قواعدهم المذكورة في غير موضع ،
واختلاف التسمية لا ينافي الاتحاد حقيقة ، كما في الحنطة والدقيق ، فإن الحقيقة
واحدة وان اختلف الاسم.
وكأنه الى ما ذكرنا أشار في التذكرة فقال : وبالجملة
الاعتماد على أحاديث أهل البيت (عليهمالسلام) والاختصاص
باسم ، لا يخرج المهية عن التماثل كالحنطة والدقيق. انتهى. وبالجملة ان اتحاد
الاسم واختلافه علامة غالبة مبنى عليها الحكم ما لم يحصل أقوى منها ، ولهذا يعمل
على الاسم في غير الحنطة والشعير ، وفيهما أيضا في غير باب الربا مما أشرنا إليه
آنفا وان كانت حقيقتهما واحدة ، وأصلهما واحد بالنصوص المتقدمة ، لكون أحكام الشرع
تابعة للاسم والإطلاق العرفي ، لا الحقيقي النفس الأمري إلا مع دليل يدل عليه ،
ولما دلت النصوص على الاتحاد حقيقة وان ذلك كاف في باب الربا ، فلا يحتاج الى
اتحاد الاسم ، وان عمل عليه في غير ذلك والله العالم.
المسألة الثالثة ـ الظاهر انه لا خلاف في أن كلما يعمل
من جنس واحد فإنه يحرم التفاضل فيه ، كالحنطة ودقيقها ، إذ الطحن لا يخرجها عن
الحقيقة ، وكذا كل جنس مع فرعه ، مثل التمر والدبس والرطب والعصير ، والعنب
والزبيب. والدبس ونحو ذلك ، فيجوز بيع الحنطة بدقيقها متساويا لا متفاضلا ولا
نسيئة قال : في التذكرة وقد بينا أن أصل كل شيء وفرعه واحد ، يباع أحدهما بالاخر
متساويا لا متفاضلا ، ولا يجوز نسيئة إذا كان مما يكال أو يوزن ، فيجوز بيع الحنطة
بدقيقها ودقيق الشعير وبسويقهما ، والسويق بالدقيق عند علمائنا أجمع ، وادعى أيضا
الإجماع في الاتحاد بين الحنطة وبين جميع ما يعمل منه ، حتى بينها وبين الخبز
والهريسة ، وكذا بين جميع أنواع اللبن ، وما يحصل منه حتى بين الحليب والكشك ،
والكامخ.
وقال في التذكرة أيضا : يجوز بيع الحنطة بالخبز متساويا
نقدا ، ولا يجوز نسية ولا متفاضلا ، ويجوز بيع الخبز بالخبز يابسا ورطبا ومختلفين
، وبيع الفالوذج بالحنطة ، ونقل منع العامة في الكل.
أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار في هذا المقام ما
رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة (1) قال : «سألته عن الحنطة والدقيق؟
فقال : إذا كانا سواء فلا بأس».
وما رواه أيضا عن محمد بن مسلم (2) في الصحيح عن
أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت :
ما تقول في البر بالسويق؟ فقال : مثلا بمثل لا بأس به ، قلت : انه يكون له ريع أو
يكون له فضل ، فقال : أليس له مؤنة؟ قلت : بلى قال : هذا بذا ، وقال : إذا اختلف
الشيئان فلا بأس مثلين بمثل يدا بيد». قال في الوافي : لعل مراد السائل أن البر له
ريع أن فيه فضل ، لانه يزيد إذا أخبز ، بخلاف السويق.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 188 التهذيب ج 7 ص 95.
(2) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 95.
أقول : بل الظاهر انما هو أنه متى بيع أحدهما بالاخر
كيلا ، لأنهما من المكيلات (1) فإن الحنطة
تكون أثقل ، والسويق وهو الدقيق المقلو أخف ، فيحصل الريع والزيادة في الحنطة ،
ولهذا قيل : بالمنع هنا ، والمشهور الجواز ، فأجاب (عليهالسلام) بأن هذه
الزيادة في مقابلة مؤنة طحنه إذا طحن ليكون دقيقا ، فيكون في قوة دقيق بدقيق
متساويين.
وما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم (2) عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «الحنطة
بالدقيق مثلا بمثل ، والسويق بالسويق مثلا بمثل والشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس
به».
وما رواه في التهذيب والفقيه في الصحيح عن زرارة (3) عن أبى جعفر (عليهالسلام) قال : «الدقيق
بالحنطة والسويق بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به».
وما رواه في الكافي والتهذيب عن سماعة في الموثق (4) قال : «سئل
أبو عبد الله (عليهالسلام) عن العنب
بالزبيب؟ قال : لا يصلح الا مثلا بمثل ، قلت : والتمر والزبيب ، قال : مثلا بمثل».
وفي التهذيبين على ما نقله في الوافي «قلت والرطب والتمر»
قال : وهو الصحيح ، لجواز اختلاف الوزن في غير الجنسين كما صرح
__________________
(1) أقول : لا خلاف بينهم في أن الحنطة في زمنه (صلىاللهعليهوآله) أنه من المكيل ، وأما الدقيق فقيل :
انه من الموزون ، والذي صرح به جملة من المحققين منهم المحقق الأردبيلي أنه كان
مكيلا ، قال : والظاهر كونها في زمانه مكيلا كذلك ، كما نقل ذلك في الحنطة
بالإجماع انتهى منه رحمهالله.
(2) الكافي ج 5 ص 189.
(3) التهذيب ج 7 ص 94 الفقيه ج 3 ص 178.
(4) الكافي ج 5 ص 190 التهذيب ج 7 ص 97.
به في الحديث الأخر ، وأشار به الى ما
ذكره الكليني على أثره الخبر المذكور قال : وفي حديث آخر بهذا الاسناد «قال :
المختلف مثلان بمثل يدا بيد لا بأس به».
وعن أبى الربيع (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : ما ترى في
التمر والبسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال : لا بأس ، قلت : والبختج والعصير مثلا بمثل؟ قال
: لا بأس به».
أقول : والبختج العصير المطبوخ ، وهو معرب الپخته.
أقول : دلت هذه الاخبار على أن الحنطة والدقيق والسويق
متحدة ، وكذلك العنب والزبيب ، والعصير مطبوخا أو غير مطبوخ نوع واحد ، ويمكن
إلحاق ما عداها من فروع كل منهما ، كما ذكره العلامة بالتقريب المتقدمة فإنها كلها
متفرعة من الحنطة والعنب ، وعلى هذا القياس غيرهما من سائر الأنواع وفروعها.
الا ان في المقام إشكالا أشار إليه المحقق الأردبيلي (قدسسره) ولا بأس بنقل
كلامه ، قال بعد ذكر كلام العلامة هنا ونقل بعض أخبار المسألة ما ملخصه : لكن فيه
تأمل من حيث عدم انطباقه على القوانين ، من حيث أنه لا يصدق على الكل اسم خاص وأن
له حقيقة واحدة ، ولهذا لو حلف شخص أن لا يأكل أحدهما لا يحنث يأكل الأخر ، فيحتمل
أن يكونا جنسين ، وجواز بيع أحدهما بالاخر يكون كذلك ، ويكون الشرط للكراهة مع
عدمه كما مر في سائر المختلفات.
ويمكن أن يقال : الضابط أحد الأمرين اما الاتفاق في
الحقيقة ، أو الاتحاد في الاسم ، وهنا الأول ، ولم يتحقق الثاني ، وفيه تأمل.
ومن حيث إنه لا شك أن الحنطة إذا جعلت دقيقا تزيد ، وهو
ظاهر ، ودلت عليه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وانطباق الوجه المذكور فيها على
قواعدهم
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 190 التهذيب ج 7 ص 98.
يحتاج إلى التأمل ، فلا ينبغي صحة بيع
أحدهما بالاخر متساويا أيضا ، للزيادة كما في اليابس من جنس بآخر رطبا ، مثل الرطب
والتمر والعنب والزبيب كما سيجيء فلا ينبغي النظر الى مثل هذه الزيادة في وقت آخر
بتبديل وتغيير ، مع أنه معتبر عندهم كما سمعت في الرطب والتمر فتأمل في الفرق.
ومن حيث إن الظاهر كونهما من المكيل في زمانه (صلىاللهعليهوآله) كما نقل ذلك
في الحنطة بالإجماع ، على أنه يمكن أن يختار الوزن ، لأنه أصل ، ويجوز بيع المكيل
به ، لإجماع المنقول ـ في شرح الشرائع ـ على جواز بيع الحنطة بالوزن مع كونه مكيلا
بالإجماع ، ولكن الظاهر أنه تحصل الزيادة في الحنطة على الدقيق بعد الطحن ، فان
اختار الوزن تحصل هذه باعتبار الكيل ، وان اختار الكيل تحصل الزيادة باعتبار الوزن
، وهو ظاهر ، فيمكن التوجيه بما تقدم ولعل الأول أولى ، والاجتناب أحوط. انتهى
كلامه ، (زيد مقامه).
أقول : منشأ هذه الإشكالات مراعاة القوانين التي صرحوا
بها في هذا الباب من اشتراط اتحاد الجنس ، وأن الجنس ، عبارة عما ذا واحتمال كون
الاتحاد والاختلاف بالنظر الى الحقيقة الأصلية وان اختلفت أسماء أفرادها ، أو أنه
لا بد من الاتحاد في الاسم ، لدوران الأحكام الشرعية في جملة من المواضع مداره ،
والظاهر عندي من الاخبار الواردة في هذا الباب هو أن المراد انما هو الأول ، وهو
الاتحاد في الحقيقة وان تعددت أسماء أفرادها ، لقوله (عليهالسلام) في اخبار بيع
الشعير بالحنطة : «أصلهما واحد» وقوله : «ان الشعير من الحنطة» ، ومنعهم (عليهمالسلام) في الاخبار
المتقدمة هنا من التفاضل في العنب وما خرج منه وتفرع عليه من زبيب وعصير ودبس ،
وكذا الحنطة وما تفرع عليها من دقيق وسويق وخبز ونحو ذلك ، وهكذا في التمر والرطب
الدبس ونحو ذلك ، فيصير كل من هذه الأصول وما تفرع منه نوعا واحدا ، وحقيقة واحدة
وان تعددت الأسماء ، فإنه لا عبرة بتعددها
في هذا الباب وان اعتبر ذلك في غيره
من سائر أبواب الفقه ، ودارت الأحكام مدار التسمية.
ويعضد ما ذكرنا ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن على بن
إبراهيم (1) عن رجاله في
جل من المعاوضات ، قال فيه ما صورته : وما كيل أو وزن مما أصله واحد فليس لبعضه
فضل على بعض كيلا بكيل ، أو وزنا بوزن ، فإذا اختلف أصل ما يكال فلا بأس به اثنان
بواحد يدا بيد ويكره نسيئة ، الى ان قال : وما كان أصله واحدا وكان يكال أو يوزن
فخرج منه شيء لا يكال ولا يوزن فلا بأس به يدا بيد ، ويكره نسيئة ، وذلك كالقطن
والكتان فأصله يوزن وغزله يوزن ، وثيابه لا توزن فليس للقطن فضل على الغزل ، وأصله
واحد ، فلا يصلح الا مثلا بمثل وزنا بوزن فإذا صنع منه الثياب صلح يدا بيد والثياب
لا بأس الثوبان بالثوب». الى آخره وظاهر الكليني القول بذلك حيث نقله ولم ينكره
ولم يتعرض لرده بل حمل عليه ، وبذلك يظهر صحة ما ذكرناه.
واما التمسك بأنه لو حلف ان لا يأكل أحدها فإنه لا يحنث
بأكل الأخر فإنه مردود بما قلناه ، من اختصاص هذا الحكم بباب الربا كما سمعت من
أخباره ، وأما ما عداه فإنه لا نزاع في ترتب الأحكام ودورانها مدار صدق الاسم ،
وبه يظهر ضعف ما ذكره في الحيثية الاولى.
وأما ذكره في الحيثية الثانية من أن الحنطة بالدقيق
مستلزم للربا للزيادة في الحنطة ، فهو مسلم ، الا أن أكثر الأخبار المتقدمة قد دل
على الجواز ، ولا مجال لردها مع صحتها وصراحتها ، ولعل الزيادة على هذا الوجه غير
ملتفت إليها ، على أنه (عليهالسلام) قد أجاب عن
ذلك بأن هذه الزيادة في مقابلة المؤنة في طحن الحنطة ، كما قدمنا ذكره.
واما قوله : وانطباق الوجه المذكور فيها على قواعدهم
يحتاج إلى التأمل ،
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 192.
فان فيه أولا ـ ما قدمنا ذكره ـ ان من
الواجب الوقوف على ما دلت عليه الاخبار وافقت قواعدهم أو خالفتها ، وعدم ظهور وجه
الفرق ـ بين هذه الصورة ، وبين بيع الرطب بالتمر ، من حيث حصول الزيادة الحكيمة في
الموضعين ، واليه أشار بقوله فتأمل في الفرق ـ لا يدل على العدم ، بل يمكن ان يجعل
ما ذكره (عليهالسلام) وجه فرق ،
بأنه وان حصلت الزيادة الحكمية في ذلك الوقت ، الا انه بعد صيرورة الحنطة دقيقا ،
وظهور الزيادة على ذلك الدقيق المقابل حسا ، فان هذه الزيادة تكون في مقابلة أجرة
الطحن.
وثانيا أنه من الجائز عدم الالتفات الى مثل هذه الزيادة
الحكمية كما أشار إليه بقوله فلا ينبغي النظر الى مثل هذه الزيادة في وقت آخر ، بل
المعتبر في الزيادة ـ الموجبة للربا ـ انما هي الزيادة الحسية حال الكيل والوزن ،
وحينئذ يحمل تعليله (عليهالسلام) على أنه
تعليل اقناعى لرفع استبعاد المخالفين.
وأما مسألة الرطب بالتمر ـ الموجبة لدخول الشبهة هنا ـ فسيأتي
الكلام فيها إنشاء الله ـ تعالى ـ ونقل الخلاف فيها ، وبيان أن جملة من الأصحاب
حملوا الأخبار الواردة فيها على الكراهة دون التحريم ، وبعض الأصحاب قصر الحكم على
مورد النص من الرطب بالتمر خاصة ، فلا يتعدى الى غيره.
وبذلك يظهر لك ما في قوله ، مع أنه معتبر عندهم في الرطب
والتمر ، وبالجملة فالواجب الوقوف على النص والعمل به ، وارتكاب التأويل بما يرجع
به الى غيره من نصوص المسألة ، وهو حاصل بما ذكرناه.
وبما أوضحناه يظهر لك ايضا ما في كلام المحقق المتقدم
ذكره في شرح قول المصنف ، «والشيء وأصله كالزبد والثمن واللبن ،» حيث قال : قد مر
بيانه وان كان فيه تأمل من جهة عدم الاتحاد الاسم والخاصية ، فلو لا الإجماع
المفهوم من التذكرة لأمكن القول
بالاختلاف ، الى ان قال : إذ الدليل على الكلية غير واضح ، لانه ما وجد شيء صحيح
صريح في الكلية ، والاسم غير صادق ، والاختلاف ممكن حقيقة ، بل هو الظاهر لاختلاف
الخواص ، مثل الخل والتمر ، والجبن والحليب ، ويؤيده ما في صحيحة عبد الرحمن (1) بن ابى عبد
الله قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن بيع الغزل
بالثياب (المنسوجة) والغزل أكثر وزنا من الثياب ، قال : لا بأس». ، الى ان قال :
وبالجملة الدليل غير قائم على الاتحاد بين الشيء الربوي وأصله كلية ، بل قائم على
عدمه ، والأصل وأدلة إباحة البيع دليل الجواز ، الا ان كلام الأصحاب ذلك ، فالخروج
عنه مشكل ، والاحتياط يقتضيه ، والمسألة من المشكلات كلها محلها ، وقد ادعى
الإجماع في أكثرها ، حتى بين الحليب واللبن والكشك والكامخ ، والحنطة والخبز ،
بجميع أنواعه والهريسة فما ثبت الإجماع فيه لا يمكن الخروج عنه ، وظاهر التذكرة
الإجماع في كل أصل مع فرعه ، وفرع كل أصل مع آخر فتأمل انتهى.
أقول : انه وان لم يوجد هنا نص على الكلية المذكورة كما
ذكره ولكن لا يخفى ان ما أشرنا إليه من النصوص الواردة هنا وان كان موردها جزئيات
مخصوصة ، الا ان الحكم فيها ليس مقصورا على تلك الجزئيات ، لعدم الخصوصية ، بل
يتعدى الى ما ضاهاها ، وإذا ضم إليها ما نقلناه عن الثقة الجليل على بن إبراهيم من
الكلام الذي نقله عن مشايخه ، وعليه اعتمد أيضا ثقة الإسلام ، إذ من المعلوم ان
نقله له في كتابه ليس الا بقصد الإفتاء والعمل عليه ، كالاخبار التي نقلها في ذلك
الكتاب ،
ومن الظاهر الواضح الظهور ان هؤلاء الأجلاء الذين هم من
أرباب النصوص لا يذكرون هذا الكلام ويفتون به الا مع ظهوره لهم عن أهل العصمة (صلوات
الله عليهم)
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 190 التهذيب ج 7 ص 120 وفي الكافي (المبسوطة)
بدل المنسوجة.
وهذا مما لا يختلجه الشك والريب ،
والكلام المذكور صريح في الكلية المذكورة ، فلا مجال للتوقف فيه ، واما إيراده
صحيحة عبد الرحمن في بطلان الكلية المذكورة ، فقد ظهر جوابه من كلام على بن
إبراهيم المتقدم الدال على ان الفرع الملحق بأصله في هذا الباب انما هو إذا كان
مثله في كونه مكيلا أو موزونا مثل أصله والثياب ليست كذلك ، كما صرح به ، فلا ورود
لما أورده (قدسسره) هذا كله فيما
: يعمل من جنس واحد ، كما تقدم في صدر المسألة ، فلو كان من جنسين فإنه لا اشكال
ولا خلاف فيما أعلم في جواز بيعه بهما ، وينصرف كل جنس من الثمن الى ما يخالفه من
المبيع ، ومن أجل ذلك لا يشترط مساواة جملة الثمن للمبيع قدرا ، ولا يعتبر معرفة
كل واحد من الجنسين ، بل يكفي معرفة المجموع ، ويجوز أيضا بيعه بأحدهما ، ويشترط
هنا زيادته على مجانسة زيادة تموله ، بحيث يمكن فرض كونهما ثمنا في بيع ذلك الجنس
الأخر لو بيع منفردا وان قلت وفي حكم المعمول من جنسين ما لو ضم أحدهما إلى الأخر
، وباعهما في عقد واحد وان تميزا لتساوى الفرضين في العلة المسوغة للبيع والله
العالم.
المسألة الرابعة ـ اختلف الأصحاب في بيع الرطب بالتمر ،
بل كل رطب بيابسه ، فقال الشيخ في النهاية : لا يجوز بيع الرطب بالتمر ، مثلا بمثل
، لأنه إذا جف نقص ، ولا يجوز بيع العنب بالزبيب الا مثلا بمثل ، وتجنبه أفضل ،
وقال في الخلاف : لا يجوز بيع الرطب بالتمر ، فأما بيع العنب بالزبيب أو ثمرة رطبة
بيابسها مثل التين الرطب بالجاف ، والخوخ الرطب بالقديد ، وما أشبه ذلك فلا نص
لأصحابنا فيه ، والأصل جوازه لان حملها على الرطب قياس ، ونحن لا نقول به.
وقال في المبسوط : لا يجوز بيع الرطب بالتمر ، لا
متفاضلا ولا متماثلا على حال ، وكذا الخبز لا يجوز بيع لينه بيابسه ، لا متماثلا
ولا متفاضلا ، ثم قال في موضع آخر منه : بيع الرطب بالتمر لا يجوز إذا كان حرضا
مما يؤخذ منه ، فأما إذا كان تمرا موضوعا على الأرض فإنه يجوز ، وأما بيع العنب
بالزبيب ، والكمثرى الرطب
والتين الرطب بالمقدد منه وما أشبه ذلك
، فلا نص لأصحابنا فيه ، والأصل جوازه لقوله تعالى (1) «وَأَحَلَّ
اللهُ الْبَيْعَ» ثم قال : ولا يجوز بيع الحنطة
المبلولة بالجافة وزنا مثلا بمثل ، لانه يؤدى الى الربا لان مع أحدهما ماء فينقص
إذا جف ، والتفاضل لا يجوز لفقد الطريق الى العلم بمقدار الماء ، وقال في
الاستبصار : ان بيع الرطب بالتمر ، مكروه لا محرم.
وقال ابن ابى عقيل : لا يجوز بيع التمر اليابس بالرطب ،
ولا الزبيب بالعنب ، لان الزبيب والتمر يابسان ، والرطب والعنب رطبان ، وإذا يبسا
نقصا ، وكذا الفاكهة اليابسة بالفاكهة الرطبة ، مثل التمر بالرطب.
وقال ابن الجنيد : لا يشترى التمر اليابس بالرطب ، لنهي
النبي (صلىاللهعليهوآله) عن ذلك ،
وهذا في الفاكهة وغيرها من اللحم إذا كان من جنس واحد ، وسواء كان جفافه بالنار أو
الهواء.
وقال ابن البراج : لا يجوز بيع الرطب بالتمر مثلا بمثل ،
ولا غير ذلك ،
وقال ابن حمزة : لا يجوز بيع الرطب بالتمر ولا العنب
بالزبيب ، لا متماثلا ولا متفاضلا.
وقال ابن إدريس : قول الشيخ : لا يجوز بيع الرطب بالتمر
مثلا بمثل ، ـ لأنه إذا جف نقص ـ غير واضح ، بل يجوز ذلك ، ومذهبنا ترك التعليل
والقياس ، لانه كان يلزم عليه أنه لا يجوز بيع رطل من العنب برطل من الزبيب ، وهذا
لا يقول به أحد من أصحابنا بغير خلاف ، وأيضا لا خلاف أن بيع الجنس بالجنس مثلا
بمثل جائز سائغ ، والمنع منه يحتاج الى دليل ، وقوله تعالى (2) «وَأَحَلَّ
اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا» قال : وقد رجع
شيخنا عما ذكره في نهايته في الثالث من استبصاره فقال :
__________________
(1) سورة البقرة الآية 275.
(2) سورة البقرة الآية ـ 275.
الوجه في هذه الاخبار ضرب من الكراهة
دون الحظر.
وقال العلامة في المختلف : المعتمد تحريم كل رطب مع
يابسه الا العرية.
وقال في الدروس : وماله حالتا جفاف ورطوبة يباع مع اتفاق
الحال ، ولو اختلف الحال فالمشهور منع بيع الرطب بالتمر متساويا ومتفاضلا للرواية.
وقال في الاستبصار : ـ وتبعه ابن إدريس ـ بالجواز
متساويا على الكراهة ، لعدم التصريح في الرواية ، وأما العنب بالزبيب ونحوه مما
ينقص عند الجفاف فبعض من منع هناك فيه جوز هنا متماثلا في القدر ، ومنع منهما ابن
الجنيد والحسن وابن حمزة والفاضل ، وهو أولى ، وظاهره التوقف في مسألة بيع الرطب
بالتمر ، حيث اقتصر على نقل الخلاف خاصة ، وحكمه بالأولوية فيما عدا ذلك.
وقال المحقق في الشرائع : وفي بيع الرطب بالتمر تردد ،
والأظهر اختصاصه بالمنع ، اعتمادا على أشهر الروايتين.
وقال في المسالك ـ بعد نقل بعض أخبار المسألة المشتملة
على علة التحريم :
والأقوى التحريم والتعدية الى كل ما فيه العلة المذكورة
، هذا ما حضرني من أقوالهم.
وأما الاخبار الواردة في المقام فمورد أكثرها الرطب
بالتمر ، ومنها ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «لا
يصلح التمر اليابس بالرطب ، من أجل أن التمر يابس والرطب رطب ، فإذا يبس نقص»
الحديث.
وصحيحة محمد بن قيس (2) عن ابى جعفر (عليهالسلام) في حديث «أن
أمير المؤمنين (عليهالسلام) كره أن يباع
التمر بالرطب عاجلا ، بمثل كيله إلى أجل من أجل أن التمر ييبس فينقص من كيله».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 94.
(2) التهذيب ج 7 ص 96.
ورواية داود بن سرحان (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «لا
يصلح التمر بالرطب ، ان الرطب رطب والتمر يابس ، فإذا يبس الرطب ينقض». ورواية
داود الأبزاري (2) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سمعته
يقول : لا يصلح التمر بالرطب التمر يابس والرطب رطب».
وموثقة سماعة (3) قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن العنب
بالزبيب؟ قال : لا يصلح الا مثلا بمثل ، قلت : والرطب والتمر قال : مثلا بمثل». هكذا
في رواية الشيخ الخبر المذكور في التهذيبين. وفي رواية الكليني له ، جعل عوض «والرطب
والتمر» «والتمر والزبيب» ورواية الشيخ أصح ، لأنه مع اختلاف الجنسين لا بأس
باختلاف الوزن ، ورواية أبي الربيع (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما ترى في
التمر والبسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال : لا بأس به ، قلت : فالبختج والعصير مثلا
بمثل؟ قال : لا بأس به».
أقول لا يخفى أنهم في غير موضع من الأحكام متى ورد بلفظ «لا
يصلح أو يكره» فإنما يحملونه على الكراهة بالمعنى الأصولي دون التحريم ، كما تقدم
ذكره في غير موضع ، وقد تقدم التحقيق منا في غير موضع (5) أن الحق أن
هذه الألفاظ ونحوها
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 90 الاستبصار ج 3 ص 93.
(3) الكافي ج 5 ص 190 التهذيب ج 7.
(4) الكافي ج 5 ص 190 التهذيب ج 7 ص 97.
(5) أقول : وأما ما ذكره المحقق الأردبيلي ـ حيث أنه اختار
التحريم في الجميع ، من أن الظاهر أن «الكراهة» بمعنى التحريم ، لما مر أن عليا (عليهالسلام) لا يكره الحلال حقيقة ـ أنه من الظاهر
الذي لا يمكن إنكاره ـ كما لا يخفى على المتتبع بالاخبار ، ورود الكراهة في
الاخبار بالمعنيين المذكورين ، ومجرد ورود الكراهة بمعنى التحريم في بعض الاخبار
لا يقتضي حملها هنا على التحريم ، بل غاية الأمر أن يكون محتملة للأمرين ، وهو قد
صرح أيضا بأن «الكراهة ولا يصلح» انما يستعمل غالبا في المباح ، فكيف يكون الظاهر
هنا هو التحريم ، ما هذه إلا مجازفة ظاهرة ، كما لا يخفى على المتأمل المنصف.
|
(منه رحمهالله). |
من الألفاظ المتشابهة ، لوقوعها في
الاخبار بمعنى التحريم تارة ، وبمعنى الكراهة بالمعنى الأصولي أخرى ، فالأخبار
المذكورة غير صريحة في التحريم ، فلا يمكن الخروج بها عن أدلة الجواز من الأصل ،
وعموم ما دل على جواز البيع كتابا وسنة ، وخصوص موثقة سماعة ورواية أبي الربيع
المذكورتين وكذا ما دل على صحة البيع مع تماثل الجنسين الربويين في الوزن مطلقا ،
وبذلك يظهر أن ما ذكر ـ من أن هذه الروايات صحيحة لا تعارضها رواية سماعة ولا
رواية أبي الربيع ـ ليس في محله ، لأنها وان كانت صحيحة ، الا أنها غير صريحة في
المطلوب لما عرفت ، سيما مع اعترافهم في غير موضع بذلك ، كما ذكرناه ، فكيف
يستندون الى هذه الألفاظ في التحريم هنا ، ومجرد كثرتها وتعددها وصحة أسانيدها لا
تكون قرينة على التحريم.
والظاهر أنه لأجل ما ذكرنا اختار في الكفاية الكراهة ،
وفاقا للشيخ في كتابي الاخبار ، وابن إدريس ، وهو ظاهر الشهيد في الدروس ، وأما
تعدية الحكم الى غير الرطب والتمر بناء على ثبوت التحريم فيهما ، فهو مبنى على
حجية العلة المنصوصة ، وفي ذلك كلام تقدم في مقدمات الكتاب في صدر مجلد كتاب
الطهارة (1).
وكيف كان فالمسألة هنا لا تخلو من شوب الاشكال ،
والاحتياط مطلوب فيها على كل حال والله العالم.
المسألة الخامسة ـ قد عرفت مما تقدم أنه من المقرر في
كلامهم أن كل شيء وما تفرع منه جنس واحد ، وكلما اشترك في الدخول تحت حقيقة من
الحقائق فهو جنس واحد ، فالعنب والتمر وما يخرج منهما ويتفرع عليهما جنس واحد ،
وهكذا الحنطة وما يتفرع عليها جنس واحد ، ومنه الشعير كما تقدم ولحم المعز والضأن
جنس واحد ، لدخولهما تحت لفظ الغنم ، والبقر والجاموس عندهم جنس واحد ، لدخولهما
تحت جنس البقر ، والعراب وهي الإبل العربية ، والبخاتي وهي الإبل الخراسانية جنس
واحد والطيور عندهم أجناس فالحمام كله (2) جنس على قول.
__________________
(1) ج 1 ص 63.
(2) قيل : وجه الخلاف هنا هو الشك في أن مقولية الحمام على ما
تحته
وقيل : ما يختص من أنواعه باسم فهو جنس مغاير ، واللحوم
مختلفة باختلاف أسماء حيواناتها ، والألبان تتبع الحيوان في التجانس والاختلاف ،
والادهان تتبع ما يستخرج منه ، والزبد والسمن والحليب والمخيض والأقط واحد ، تابع
لما يستخرج منه ، والخلول تابعة لأصولها ، فخل التمر مخالف لخل العنب ، قالوا
والوحشي من الحيوانات مخالف لانسيه ، وقد ادعى في التذكرة الإجماع على أكثر هذه
الأحكام ، فان ثبت ، والا فللنظر في بعضها مجال.
ومن ذلك لحوم البقر والجاموس ، ودعوى أنهما جنس واحد ،
لدخولهما تحت لفظ البقر ، كما يدل عليه كلام أهل اللغة ، فلو لا الاتفاق على ذلك
لأمكن المناقشة بالنظر الى العرف ، فإنه يأبى ذلك ، مع أنه مقدم على اللغة عندهم ،
ومما يؤيد كونهما نوعا واحدا ضم أحدهما إلى الأخر في الزكاة ، وجعلهما جنسا واحدا
، ومن ذلك الحكم بأن الوحشي من الحيوانات مخالف لانسيه ، مع اندراجهما تحت لفظ
واحد وحقيقة واحدة ، وهي المدار في الاتحاد ، واختلاف الصور والخواص ونحو ذلك قد
تقدم أنه غير منظور ولا معتبر ، كما في الشعير والحنطة وغيرهما.
__________________
مقولية النوع على أصنافه أو مقولية الجنس على أنواعه ، فعلى
الأول يحرم بيع بعضها ببعض مطلقا ، وعلى الثاني يختص كل نوع بحكمه ، ولما كان
الوقوف على ذاتيات الحقائق عسيرا جدا ولم يمكن من جهة الشرع قاطع لشيء ، حصل
الخلاف ، وبهذا يحصل الفرق بين أفراد الحمام ، وأفراد البقر بالنسبة إلى الجاموس ،
فإنه قد ثبت شرعا أنهما نوع واحد ، تعدهما في باب الزكاة كذلك ، وكيف كان فينبغي
أن يعلم أن الربا في الحمام ونحوه من الطير انما هو في لحمه إذا بيع وزنا ، والا
فلو بيع عددا أو جزافا فلا ، الا على القول بحصول الربا في المعدودات أيضا.
|
(منه رحمهالله). |
المسألة السادسة ـ قال الشيخ في النهاية : لا يجوز بيع
الغنم باللحم لا وزنا ولا جزافا ، وكذا قال المفيد وسلار وابن البراج ، وفي الخلاف
والمبسوط : لا يجوز بيع اللحم بالحيوان إذا كان من جنسه ، كلحم الشاة بالشاة ،
ولحم البقر بالبقر ، وان اختلف لم يكن به بأس ، وكذا قال ابن حمزة ، وهو مذهب ابن
الجنيد أيضا ، وقال ابن إدريس : يجوز ذلك إذا كان اللحم موزونا ، سواء اتفق الجنس
أولا يدا بيد ، وسلفا أيضا ان كان اللحم معجلا ، دون العكس ، إذ لا يجوز السلف في
اللحم ، ويجوز في الحيوان.
قال في المختلف بعد نقل ما ذكرناه ، والأقرب الأول ، لنا
أنه أحوط وأسلم من الربا ، ولانه قول من ذكرنا من علمائنا ، ولم نقف لغيرهم منا
على مخالف ، وابن إدريس قوله محدث لا يعول عليه ، ولا يثلم في الإجماع ، ولان
الشيخ احتج عليه في الخلاف بإجماع الفرقة ـ ونقله حجة لثقته وعدالته ومعرفته ، ـ وبما
رواه غياث ابن إبراهيم (1) في الموثق عن
الصادق (عليهالسلام) «أن أمير
المؤمنين (عليهالسلام) كره اللحم
بالحيوان». لا يقال : ان غياث ابن إبراهيم بتري والمتن غير دال على المطلوب ، إذ
الكراهة لا تدل على التحريم ، لأنا نقول : ان غياثا وان كان بتريا (2) الا أن
أصحابنا وثقوه ، فيغلب على الظن ما نقله ، والظن يجب العمل به ، والكراهة تستعمل
كثيرا في التحريم.
احتج ابن إدريس بأن المقتضى ـ وهو قول الله تعالى (3) «أَحَلَّ
اللهُ الْبَيْعَ» ـ موجود ، والمانع ـ وهو الربا ـ منفي
، لأن الربا انما ثبت في الموزون ، والحيوان الحي ليس بموزون ، والجواب المنع من
نفى المانع ، ومن كون المانع هو الربا خاصة ، ولو قيل : بالجواز في الحيوان الحي دون
المذبوح جمعا بين الأدلة كان
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 191.
(2) وفي الجمع : البترية بضم الموحدة فالسكون فرق من الزيدية.
(3) سورة البقرة الآية ـ 275.
قويا. انتهى كلامه زيد إكرامه.
أقول : هذا كلامه هنا ، وفي التحرير اختار الجواز ،
استضعافا للرواية المذكورة ، وفي الإرشاد قال : ويجوز بيع لحم الغنم بالشاة على
رأى ، ثم انه لا يخفى ما في كلامه هنا من المجازفة والضعف الظاهر لكل ناظر ، وما
ذكره ابن إدريس هو الموافق للقواعد الشرعية ، والرواية ينبغي حملها على الكراهة
بالمعنى المصطلح ، كما هو أحد معنييها في الاخبار ، لعدم ظهور الموجب للتحريم ،
وأصالة الصحة أقوى مستمسك في المقام.
ومن ثم ان العلامة في آخر كلامه قد عدل عما ذكره أولا
وسجل به ، وقوله : ولو قيل : ـ مع أن هذا قول ابن إدريس ـ لا معنى له ، الا أن
يريد من المتقدمين ، والظاهر أن مراده ذلك ، حيث انهم لا يعتبرون بأقوال المعاصرين
، وانما يعولون على أقوال المتقدمين ، كما يشعر به كلامه ، وظاهر كلامه ـ قدسسره ـ في هذا
المقام أن محل الخلاف هنا هو الحيوان الحي مع اللحم ، كما هو صريح كلام ابن إدريس
، ويشير اليه قوله ـ هنا ـ (ولو قيل) ، الى آخره.
وظاهر المحقق الأردبيلي في شرحه على الإرشاد أن محل
الخلاف انما هو الشاة المذبوحة ، قال : ينبغي عدم الخلاف بالجواز بالشاة حال
حياتها متفاضلا ، ونسيئة ، والخلاف بعد الذبح مع أحد الأمرين ، فمن حيث أن العادة
بيعها بالوزن بعده فيتحقق شرط الربا وهو الجنسية والوزن هنا ، ومن حيث أن المذبوح
ليس يتعين بيعه بالوزن ، لعدم تحقق ذلك عادة ، بل الظاهر جواز بيعه حينئذ جزافا ،
فليس بموزون ، ـ الى أن قال ـ : وبالجملة لو ثبت أن بيع الحيوان المأكول بعد الذبح
لا يجوز الا وزنا لا يجوز باللحم من جنسه متفاضلا ونسيئة ، والا فلا.
أقول : فيه زيادة على ما تقدم أن ظاهر كلام الأصحاب أن
الحيوان بعد الذبح لا يباع الا بالوزن ، وأنه ليس محل خلاف كما ادعاه ، مع أن
كلامه في المقام لا تخلو
من تدافع ، لأنه في الحيثية الأولى
ذكر أن العادة بيعه بالوزن بعد الذبح ، وبنى التحريم على ذلك ، وفي الحيثية
الثانية نفى عدم تحقق ذلك عادة ، وبنى عليه الجواز ، وهل هو الا تناقض ظاهر كما لا
يخفى على كل ناظر ، فضلا عن الخبير الماهر.
ثم ان ممن اختلف كلامه في هذه المسألة أيضا المحقق ،
فقال : في الشرائع ، بالتحريم ، وفي النافع. بالكراهة كما ذهب اليه ابن إدريس ،
وهذا القول الأخير هو الذي نقله عنه في نكت الإرشاد ، وقال في المسالك ـ بعد قول
المصنف «ولا يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه» الى آخره : ـ هذا هو المشهور بين
الأصحاب ، وخالف فيه ابن إدريس فحكم بالجواز ، لان الحيوان غير مقدر بأحد الأمرين
وهو قوى مع كونه حيا ، والا فالمنع أقوى ، والظاهر أنه موضع النزاع انتهى.
وهو مؤيد لما قدمنا ذكره ، وتنظر صاحب الكفاية فيه لعله
مبنى على ما ذكره الأردبيلي مما قدمنا نقله عنه ، وقد عرفت ما فيه.
وبالجملة فالتحقيق أن كلام المتقدمين ومن تبعهم من
المتأخرين شامل للحيوان الحي والمذبوح ، كما هو ظاهر كلام العلامة في المختلف ، في
رده على ابن إدريس ، حيث التجأ إلى جواز أن يكون المانع أمر آخر غير الربا ، ومثله
الشهيد في نكت الإرشاد ، (1).
__________________
(1) أقول : قال الشهيد في نكت الإرشاد ـ بعد قول المصنف ويجوز
بيع اللحم بالشاة على رأى ـ ما لفظه : هذا مذهب ابن إدريس ونجم الدين ، وزاد ابن
إدريس جواز إسلاف اللحم في الحيوان لا العكس ، لعموم «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» ولان الربا انما هو في الموزون
والمكيل ، وظاهر أن الشاة ليست أحدهما ، وأجيب بأن العام يخصص بدليل ، وبمنع
اختصاص الربا بما ذكره ، ونمنع أنه من باب الربا ، بل هو محرم لعلة ، لا من جهة
الربا ، ثم نقل مذهب الشيخين ومن تبعهما ، وذكر احتجاج العلامة ، وظاهره التوقف ،
حيث اقتصر على نقل الأقوال ، ولم يوضح شيئا
وابن إدريس ومن تبعه ـ كالشهيد الثاني والمحقق الشيخ على
، واليه أشار العلامة في آخر كلامه في المختلف ، وهو مذهبه في التحرير والإرشاد ،
والمحقق في النافع ـ فصلوا بين الحي والمذبوح ، فوافقوهم في المذبوح ، لكونه بعد
الذبح لحما لا يباع الا بالوزن ، وخالفوهم في الحي ، لعدم بيعه وزنا ، وهو الحق في
المقام ، وبه يظهر أن محل الخلاف انما هو في الحي خاصة ، ويزيدك بيانا ما ذكره في
شرح اللمعة ، حيث قال المصنف : «ولا يباع اللحم بالحيوان مع التماثل» فقال الشارح
: كلحم الغنم بالشاة ان كان مذبوحا لأنه في قوة اللحم ، فلا بد من تحقق المساواة ،
فلو كان حيا فالجواز قوي لأنه حينئذ غير مقدر بالوزن. انتهى.
المسألة السابعة ـ الأشهر الأظهر أنه لا ربا إلا في
المكيل والموزون ، فما ليس كذلك يجوز بيعه متساويا ومتفاضلا ، وقيل : بثبوته في
المعدود أيضا ، ونقل عن الشيخ المفيد وابن الجنيد وسلار.
والذي يدل على الأول جملة من الاخبار ـ منها ما رواه المشايخ
الثلاثة (عطر الله مراقدهم) بأسانيد عديدة في الموثق عن عبيد بن زرارة (1) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : لا
يكون الربا الا فيما يكال أو يوزن».
وما رواه في الكافي عن منصور بن حازم (2) في الموثق قال
: «سألته عن الشاة بالشاتين ، والبيضة بالبيضتين ، قال : لا بأس ما لم يكن كيلا
ولا وزنا».
وما رواه في الفقيه عن داود بن الحصين (3) «أنه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام)
__________________
وقال في الدروس : ولا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه على الأصح
، وتجويز ابن إدريس شاذ انتهى. منه رحمهالله.
(1) الكافي ج 5 ص 146 التهذيب ج 7 ص 94 الفقيه ج 3 ص 175.
(2) الكافي ج 5 ص 191 التهذيب ج 7 ص 118.
(3) الفقيه ج 3 ص 178.
عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين
قال. لا بأس ما لم يكن مكيلا ولا موزونا».
وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (1) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : لا بأس
بمعاوضة المتاع ما لم يكن كيلا أو وزنا». ونحوها موثقة أخرى لمنصور بن حازم ، وقد
تقدمت في المسألة الاولى.
وما رواه في الكافي (2) عن على بن إبراهيم عن رجاله عمن ذكره
في فصل طويل في المعاوضات قال : «وما عد عددا ولم يكل ولم يوزن فلا بأس به اثنان
بواحد يدا بيد ، ويكره النسيئة».
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) «واعلم أن
الربا ربا آن ربا يؤكل وربا لا يؤكل ، فاما الربا الذي يؤكل فهو هديتك الى رجل
تطلب الثواب أفضل منه ، فأما الربا الذي لا يؤكل ، فهو ما يكال أو يوزن».
واحتج الأصحاب على ذلك ـ زيادة على الاخبار ـ بان الأصل
الجواز ، ولأن الإنسان مسلط على ماله ، وحاكم فيه ، فلا يمنع فيه الا بدليل ، ونقل
عن الشيخ المفيد أنه احتج بعموم النهى عن الربا ، وهو في اللغة الزيادة ، وهي
متحققة في المعدود.
وبما رواه محمد بن مسلم (4) في الصحيح قال
: «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الثوبين
الرديين». الخبر وقد تقدم في المسألة الاولى.
وموثقة سماعة (5) قال : «سألته عن بيع الحيوان اثنين
بواحد ، فقال : إذا سميت الثمن فلا بأس».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 94 الفقيه ج 3 ص 178.
(2) الكافي ج 5 ص 192.
(3) المستدرك ج 2 ص 479.
(4 و 5) التهذيب ج 7 ص 120.
وأجاب في المختلف عن الدليل الأول بأن الزيادة المطلقة
غير معتبرة ، بل لا بد من شرائط معها ، فخرجت الحقيقة اللغوية عن الإرادة ، وعن
الأحاديث بأن الكراهة قد تكون للتنزيه بل هو المعنى المتعارف منها.
أقول : أما الخبر الأول فقد تقدم احتمال خروجه مخرج
التقية أيضا.
وأما خبر الثاني فمن المحتمل قريبا أن يكون لفظ الثمن
هنا وقع تحريف لفظ السن ، كما ورد في موثقة سعيد بن يسار قال : «سألت أبا عبد الله
(عليهالسلام) عن البعير
بالبعيرين يدا بيد ونسيئة؟ فقال : نعم لا بأس إذا سميت بالأسنان جذعين أو ثنتين ،
ثم أمرني فخططت على النسيئة» (1). وقد تقدم أن
الأمر بالخط على النسيئة انما وقع تقية كما ذكره بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم).
والشيخ (رضوان الله عليه) في الاستبصار قد حمل هذا الخبر
على الاستظهار والاحتياط ، قال : لأن الأفضل والأحوط أن يقوم كل واحد منها على جهة
ويكون البيع على القيمة ، وان لم يكن ذلك محظورا.
وأيده بما رواه في الصحيح عن ابن مسكان (2) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) أنه سئل عن
الرجل يقول : عاوضني بفرسي فرسك ، وأزيدك قال : لا يصلح ، ولكن يقول : أعطني فرسك
بكذا وكذا وأعطيك فرسي بكذا وكذا». وكيف كان فالعمل على القول المشهور والله
العالم.
المسألة الثامنة ـ قالوا المعتبر في الكيل والوزن ما كان
في عهده (صلىاللهعليهوآله) فمتى علم ذلك
، اتبع وجرى فيه الربا وان تغير حاله بعد ، ولا فرق بين أن يكون ذلك في بلده (عليهالسلام) أو غير بلده
إذا أقر أهله عليه ، وما لم يعلم حاله يتبع عادة البلدان ، فان اختلفت كانت لكل
بلد حكم نفسه ، مصيرا الى العرف الخاص
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 191 التهذيب ج 7 ص 118.
(2) التهذيب ج 7 ص 120.
عند تعذر العلم ، فكل بلد يكون فيها
مكيلا أو موزونا يثبت فيه الربا ، وكل بلد لا يكون كذلك يجوز البيع متفاضلا ونسيئة
من غير مانع.
قال : بعض المحققين والظاهر أن الحكم للبلد ، لا لأهله
وان كان في بلده غيره ، ولا يخفى ما فيه من الغموض ، وان كان مراده أن الحكم لأهل
البلد الساكنين فيها دون من خرج منها الى بلد ليست كذلك ، وقيل : وهو منقول عن
الشيخين وسلار.
وابن إدريس يغلب جانب التقدير بالكيل أو الوزن على جانب
العدد والجزاف أخذا بالأحوط (1).
ووجه الأول بأن المعتبر العرف عند عدم الشرع ، وكما أن
عرف تلك البلد التقدير ، فيلزمه حكمه ، وعرف الأخرى الجزاف مثلا فيلزمه حكمه ،
صرفا للخطاب الى المتعارف من الجانبين. (2)
__________________
(1) أقول : التحقيق ان هذين القولين ينحلان إلى ثلاثة أقوال :
أحدها ـ اعتبار التقدير في جميع الأشياء حذرا من الغرر المقتضى الى التنازع ،
ولأنه الأحوط ، وهو قول الشيخ في النهاية ، وتبعه سلار.
ثانيها
ـ اعتبار حكم الأغلب والأعم ، لأن المعروف من عادة الشرع اعتبار الأغلب دون النادر
، وهذا مدلول عبارة الشيخ المفيد ، وتبعه ابن إدريس : وثالثها ـ اعتبار كل بلد حكم
نفسه ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط والمحقق والعلامة وغيرهم منه رحمهالله.
(2) كما إذا كان ذلك الجنس مكيلا أو موزونا في بلد فإنه ربوي
محرم على أهل تلك البلد ببيعه متفاضلا ، ولو أن أحد أهل هذه البلد خرج الى بلد
يباع فيها ذلك الجنس جزافا فإنه يجوز له شراؤه جزافا ولا يحرم عليه الزيادة
باعتبار أنه في بلده ربويا ، والظاهر أن هذا مراد المحق المذكور ، وان كانت عبارته
عن تأديته ظاهرة القصور.
|
منه
رحمهالله. |
ووجه الثاني بصدق المكيل والموزون على ذلك في الجملة ،
قالوا : انه قد ثبت أن أربعة كانت مكيلة في عهده (صلىاللهعليهوآله) وهي الحنطة
والشعير والتمر والملح ، نقل عليه في التذكرة إجماع الأمة ، فلا يباع بعضها ببعض
الا كيلا وان اختلف في الوزن ، واستثنى ـ في التذكرة ـ ما يتجافى منه في المكيال ،
كالقطع الكبار من الملح ، فيباع وزنا لذلك ، وما عداها ان ثبت له في عهده (صلىاللهعليهوآله) أحد الأمرين
، والا رجع الى عادة البلد.
ولو عرف أنه كان مقدرا في عهده (صلىاللهعليهوآله) وجهل اعتباره
بأحدهما قالوا : احتمل التخيير ، وتعين الوزن ، لأنه أضبط واختاره في التذكرة ،
واستحسنه في المسالك.
أقول : وفي حكم الأربعة المذكورة في الاتفاق على كونهما
من المكيل في عهده (صلىاللهعليهوآله) الدنانير
والدراهم وكونهما موزونة ، لاتفاق الأمة كما ذكره في التذكرة أيضا على ثبوت الربا
في هذه الستة أعني الأربعة المتقدمة مع هذين ، ومن الظاهر أن هذين ليست من المكيل
، فليس إلا أنهما موزونة ، ويعضده استفاضة الأخبار بأنهما من الموزون في عصرهم (عليهمالسلام).
ثم أقول : لا يخفى أن جميع الحبوب من حنطة وشعير وأرز
وعدس وماش والتمر والرطب ونحوها وما يتفرع من كل منها وكذا الألبان والادهان
ونحوها في هذه الأزمنة المتأخرة انما تباع بالوزن ، والكيل الذي كان أولا غير
معمول عليه بين الناس بالكلية ، فيشكل الحكم في هذه الأجناس الأربعة التي اتفقوا
على كونها مكيلة في عصره (صلىاللهعليهوآله) باعتبار
بيعها وزنا ، حيث انهم صرحوا بأن ما كان مكيلا لا يجوز بيعه بغير الكيل ، وكذا
الموزن مع قطع النظر عن حصول الربا وعدمه وهكذا يجري في باب الربا ايضا ، وقد صرح
في التذكرة بأنه لا يجوز بيع شيء من المكيل بشيء من جنسها وزنا بوزن وان تساويا.
نعم نقل في المسالك ـ عن بعضهم ـ انه نقل الإجماع على
جواز بيع الحنطة
والشعير وزنا ، مع الإجماع ـ كما عرفت
ـ على كونهما مكيلين في عصره (صلىاللهعليهوآله) وقال في
التذكرة أيضا : وما أصله الكيل يجوز بيعه وزنا سلفا وتعجيلا ، ولا يجوز بيعه بمثله
وزنا ، لان الغرض في السلف والمعجل تعيين جنس معرفة المقدار ، وهو يحصل بهما ،
والغرض هنا المساواة ، فاختص المنع في بعضه ببعض به ، وقال أيضا : كما لا يجوز بيع
الموزون بجنسه جزافا ، كذا لا يجوز بيعه مكيلا ، إلا إذا علم عدم التفاوت فيه ،
وكذا المكيل لا يجوز بيعه جزافا ولا موزونا الا مع عدم التفاوت ، وقال أيضا : لو
كان حكم الجنس الواحد مختلفا في التقدير ـ كالحنطة المقدرة بالكيل ، والدقيق
المقدر بالوزن ـ احتمل تحريم البيع بالكيل والوزن للاختلاف قدرا ، وتسويغه بالوزن.
أقول لقائل أن يقول : ان المستفاد من الاخبار ثبوت الكيل
والوزن في الجملة ، وأن البيع في جملة من الاخبار انما يقع بهما ، وأن الربا انما
يقع فيهما ، ولم يقم لنا دليل واضح أن ما كان مكيلا لا يجوز بيعه وزنا ، وكذا
العكس سواء كان في باب الربا أو غيره ، سيما مع ما صرح به جملة منهم من أن الوزن
أضبط ، وانه الأصل ، وعموم أدلة جواز البيع كتابا وسنة يقتضي الجواز كيف اتفق من
أحد هذين الأمرين ، ويعضده ما تقدم من نقل الإجماع على جواز بيع الحنطة الشعير
وزنا مع الإجماع على أنها من المكيل في عصره (صلىاللهعليهوآله).
وبالجملة فأقصى ما يستفاد من الأدلة في باب البيع هو
وجوب معرفة المبيع والثمن بالوزن أو الكيل ، دفعا للغرر والنزاع ، وكذا في باب
الربا أنه لا يقع إلا في المكيل أو الموزون ، واما ان ما علم كونه في الزمن السابق
مكيلا أو موزونا لا يجوز الخروج من أحدهما إلى الأخر فلم نقف فيه على دليل ،
وأصالة العدم قائمة ، وأصالة الصحة في العقود ثابتة ، حتى يقوم دليل على الخروج عن
ذلك.
وكيف كان فالأولى مراعاة الاحتياط في أمثال هذه المقامات
والله العالم بحقائق أحكامه.
المسألة التاسعة ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله
عليهم) انه لا ربا بين الوالد وولده ، ولا بين المولى ومملوكه ، ولا بين الرجل وزوجته
، وعن المرتضى (رضى الله عنه) في بعض أجوبته : انه حكم بثبوت الربا بينهم ، وحمل
الخبر الوارد بالنفي على النهي ، وجعله من قبيل قوله (سبحانه) (1) :
«فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ» الا انه صرح
بالرجوع من ذلك ، وانتصر للقول المشهور وادعى عليه الإجماع قال ـ (قدسسره) : قد كنت
فيما تأولت ـ في جواب مسائل وردت من الموصل ـ الأخبار التي يرويها أصحابنا
المتضمنة لنفي الربا بين من ذكرناه ـ ـ على ان المراد بذلك وان كان بلفظ الخبر ـ معنى
الأمر ، كأنه قال : يجب ان لا يقع بين ما ذكرناه ربا ، كما قال الله (تعالى) (2) «وَمَنْ
دَخَلَهُ كانَ آمِناً» وقوله (تعالى) (3) «فَلا
رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ» وقوله عليهالسلام (4) «العارية
مردودة (5) والزعيم غارم».
ومعنى ذلك كله معنى الأمر والنهى ، وان كان بلفظ الخبر واعتمدنا في نصرة هذا
المذهب على عموم ظاهر القرآن وان الله حرم الربا على كل متعاقدين بقوله (6) «لا
تَأْكُلُوا الرِّبَوا» وهو شامل للوالد وولده ، والرجل
وزوجته ، ثم لما تأملت ذلك رجعت عن هذا المذهب لأني وجدت أصحابنا مجمعين على نفى
الربا بين من ذكرناه ، وغير مختلفين فيه في وقت من الأوقات ، وإجماع هذه الطائفة
قد ثبت انه حجة ، ويخص بمثله ظواهر القرآن ، والصحيح نفى الربا بين من ذكرناه الى
آخر كلامه زيد في مقامه.
__________________
(1) سورة البقرة الآية 197.
(2) سورة آل عمران الآية ـ 97.
(3) سورة البقرة الآية ـ 197.
(4) المستدرك ج 2 ص 507.
(5) المستدرك ج 2 497.
(6) سورة آل عمران الآية ـ 13.
وابن الجنيد فصل هنا بين الوالد وولده فقال : لا ربا بين
الوالد وولده ، إذا أخذ الوالد الفضل الا ان يكون له وارث أو عليه دين.
والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما
رواه في الكافي عن عمرو بن جميع (1) عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) ليس بين
الرجل وولده ربا ، وليس بين السيد وعبده ربا». ورواه في الفقيه مرسلا عن النبي (صلىاللهعليهوآله) مثله ، قال :
في الكافي وبهذا الاسناد (2) «قال رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) : ليس بيننا
وبين أهل حربنا ربا ، نأخذ منهم الف درهم بدرهم ، نأخذ منهم ولا نعطيهم».
ورواه في الفقيه (3) مرسلا بنقصان قوله «نأخذ منهم الف
درهم بدرهم». وإثبات ما قبله وما بعده. وما رواه في الكافي عن زرارة وعن محمد بن
مسلم (4) عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «ليس
بين الرجل وولده ولا بينه وبين عبده ، ولا بينه وبين اهله ربا ، انما الربا فيما
بينك وبين ما لا تملك ، قلت : فالمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال : نعم ، قلت : فإنهم
مماليك ، فقال : انك لست تملكهم ، انما تملكهم مع غيرك أنت وغيرك فيهم سواء ،
والذي بينك وبينهم ليس من ذلك ، لان عبدك ليس مثل عبدك وعبد غيرك».
ورواه في التهذيب عن زرارة ومحمد عنه (عليهالسلام) : مثله. وما
رواه في الفقيه مرسلا (5) قال : «قال
الصادق (عليهالسلام) : ليس بين
المسلم وبين الذمي ربا ، ولا بين المرأة وزوجها ربا».
وما رواه في الفقيه (6) «قال سأل على
بن جعفر أخاه موسى بن جعفر (عليهالسلام)
__________________
(1 و 2) الكافي ج 5 ص 147 الفقيه ج 3 ص 176.
(3) الفقيه ج 3 ص 176.
(4) الكافي ج 5 ص 147 التهذيب ج 7 ص 17.
(5 و 6) الفقيه ج 3 ص 178 الوسائل الباب 7 من أبواب الربا
الرقم ـ 5 ـ 6 ـ 7.
«عن رجل أعطى عبده عشره دراهم ، على
ان يؤدى العبد كل شهر عشرة دراهم أيحل ذلك؟ قال : لا بأس». ورواه في التهذيب مسندا
عن على بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) مثله» ورواه
على بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليهالسلام) مثله ، وزاد
، وسألته عن رجل اعطى رجلا ثمانمائة درهم يعمل بها على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل
أو أكثر هل يحل ذلك؟ قال : لا هذا الربا محضا. وقال (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (1) «وليس بين
الوالد وولده ربا ، ولا بين الزوج والمرأة ، ولا بين المولى والعبد ، ولا بين
المسلم والذمي». انتهى.
قال في الكفاية : ومستند المشهور رواية زرارة ومحمد بن
مسلم مؤيدة برواية عمرو بن جميع ، وشيء منها لم يبلغ حد الصحة ، مع ان عموم
الكتاب والاخبار الكثيرة يخالفه ، فان ثبت إجماع كان هو المتبع ، والا فالصواب
العمل بالكتاب انتهى.
وضعفه أظهر من أن يخفى ، فإنه لا خلاف بين الأصحاب ـ ممن
ذهب الى هذا الاصطلاح المحدث ومن لم يذهب إليه ـ في العمل بهذه الاخبار ولم يقل
أحد منهم غير المرتضى ومن يحذو حذوه وهو أقل قليل على غير هذه الاخبار لصحتها
وصراحتها.
فأما صحتها عند المتقدمين فظاهرة ، وأما عند المتأخرين
فلجبر ضعف أسانيدها باتفاق الأصحاب على العمل بها ، وبها خصصوا عموم الكتاب
والاخبار المذكورة ، على أن الدليل غير منحصر في الروايتين المشار إليهما في كلامه
، بل هو مضمون أخبار عديدة ، وفيها الصحيح كرواية على بن جعفر برواية الفقيه ، فان
طريقه في المشيخة الى على بن جعفر صحيح ، وهي من مرويات كتابه ، وهو من الأصول
المشهورة الثابتة الصحة.
وبالجملة فإن ما ذكره هنا ، من المناقشات الواهية التي
لا يلتفت إليها ، والظاهر
__________________
(1) المستدرك ج 2 ص 480.
انه تبع في هذا المقام المحقق
الأردبيلي حيث أشار الى ذلك فقال ـ بعد نقل روايتي عمرو بن جميع وزرارة ومحمد بن
مسلم ونقل دعوى المرتضى الإجماع ـ ما ملخصه : والإجماع غير ظاهر ، ولهذا ذهب السيد
الى الثبوت ، وقال : معنى نفى الربا نهي مثل «فَلا
رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ» وابن الجنيد
ذهب الى عدم الثبوت من جانب الوالد فقط ، والحديث غير صحيح ، وعموم أدلة التحريم
قوى ، ويمكن أن يقال : لا ربا بين الرجل وولده بمعنى جواز أخذ الوالد من مال ولده
لا العكس ، ويؤيد بأخبار أخر مثل أن الولد وماله لوالده. انتهى.
وفيه أولا ما عرفت آنفا ، وثانيا ان الاستناد في عدم
ظهور الإجماع إلى كلام المرتضى المذكور عجب منه (قدسسره) فان المرتضى
قد عدل عن هذا الكلام بعد ظهور الإجماع له ، كما صرح به في كلامه المتقدم ، وهو
مؤذن بأن قوله بهذا القول وقع غفلة وذهولا عن ملاحظة الإجماع ، فلما انكشف له ثبوت
الإجماع عدل عنه الى قول المشهور فصار هذا الكلام في حكم العدم ، فكيف يصلح لان
يطعن به على دعوى الإجماع.
وثالثا أن ما ادعاه من حمل نفى الربا بين الوالد والولد
ـ على الصورة المذكورة مستندا الى الاخبار المشار إليها ـ مردود بما حققناه في تلك
المسألة ، من أن هذه الاخبار على ظاهرها مخالفة للعقل والنقل ، كتابا وسنة ، مع
معارضتها بغيرها ، وبينا أنها انما خرجت مخرج التقية ، فلا اعتماد عليها في حد
ذاتها فضلا عما ذكره هنا.
وبالجملة فإن مناقشته في المقام ـ بعد ما عرفت من
اخبارهم (عليهمالسلام) واتفاق
الأصحاب على العمل بها قديما وحديثا ـ مما لا ينبغي أن يصغى إليها ، ولا يعرج في
مقام التحقيق عليها ، ولم يبق الا خلاف ابن الجنيد ، وضعفه ـ كسائر أقواله التي
ينفرد بها ـ أظهر من أن يذكر ، وأقواله غالبا لا يخرج عن مذهب العامة ، ولهذا صرح
جملة من علماء الرجال بإطراح أقواله لعمله بالقياس المتفق على النهى عنه في
الشريعة نصا وفتوى ، مع ظهور الأخبار المذكورة في رده ، فنقل المحقق المذكور
لقوله للتسجيل به على الطعن في
الإجماع غير حقيق بالاتباع والاستماع.
بقي الكلام هنا في مواضع ـ الأول هل المراد بالولد في
هذا المقام ، هو الولد النسبي دون الرضاعي ، وأن يكون للصلب فلا يتعدى الى الجد مع
ولد الولد؟ إشكال ينشأ من الاقتصار في الرخصة على مورد اليقين ، ومن صحة إطلاق
الولد شرعا على من ذكرناه من ولد الولد بل ولد البنت ، كما تقدم تحقيقه في كتاب
الخمس. وكذا الولد الرضاعي ، الا أن الظاهر في الولد الرضاعي بعده ، لعدم انصراف
الإطلاق إليه ما لم يقيد ، وأما الولد مع الام فلا إشكال في ثبوت الربا بينهما ،
وبما ذكرنا من تخصيص الولد بالنسبي وأن يكون للصلب صرح شيخنا الشهيد الثاني في
المسالك والروضة مع احتمال المعنى الأخر ، ونحوه المحقق الشيخ على (قدسسره) في شرح
القواعد ، وبالعموم صرح في الدروس فقال : ولا بين الولد ووالده وان علا والاحتياط
يقتضي الاقتصار على المعنى الأول.
الثاني ـ الأكثر على أنها لا فرق في الزوجة بين الدائمة
والمتمتع بها ، وبه صرح العلامة في أكثر كتبه وغيره ، لعموم النص ونقل عن العلامة
في التذكرة انه خص الزوجة بالدائم ، مستندا الى أن التفويض في مال الرجل انما ثبت
في حق الدائم ، فإن للزوجة أن يأخذ من مال الرجل المأدوم. ورد بأن في معارضة ذلك
لعموم النص منع ظاهر.
وظاهر المحقق الأردبيلي المناقشة هنا أيضا بناء على ما
قدمنا نقله عنه ، حيث قال : وأما بين الزوجة والزوج فمثل ما تقدم ، فان كان إجماع
يقتصر عليه مثل الدائمة ، كما اختاره في التذكرة مؤيدا بجواز أكلها من بيت زوجها ،
وفي بعض الروايات الصحيحة تسلط الزوج على مالها بحيث لا يجوز لها العتق إلا بإذنه
، فلا يبعد عدمه بينهم من الطرفين على تقدير الإجماع ، والا فعموم أدلة منع الربا
متبع. انتهى وضعفه ظاهر مما قدمناه.
الثالث ـ الظاهر من كلام أكثر الأصحاب أنه لا ربا بين المسلم
والحربي ،
بمعنى أن للمسلم أخذ الفضل منه ، دون
العكس ، فإنه محرم ، وأطلق جماعة نفي الربا بينهما من غير فرق بين أخذ المسلم
الزيادة أو الحربي. وممن أطلق الشيخ في النهاية ، ومقتضاه جواز أخذ الحربي الزيادة
، ورده ابن إدريس وهو الحق.
وبنحو ما ذكره الشيخ صرح ابن البراج ، فقال : ولا ينعقد
الربا بين الوالد وولده ، والسيد وعبده ، والحربي والمسلم ، والمرأة وزوجها ، يجوز
أن يأخذ كل واحد ممن ذكرنا من صاحبه الدرهم بدرهمين ، والدينار بدينارين.
والذي يدل على ما هو المشهور ما تقدم نقله عن النبي (صلىاللهعليهوآله) برواية
الكافي والفقيه (1) من نفى الربا
بين المسلم وأهل الحرب ، وان المسلم يأخذ منهم ولا يعطيهم ، وهو صريح في المطلوب ،
ولا يضر ضعف السند عندنا سيما مع تأيد ذلك بحل مال الحربي ، وقد صرح في التذكرة
بأنه لا فرق بين كونه معاهدا أم لا ، لأن الحربي فيء لنا وأمانة ، وان منع من أخذ
ماله من غير حق ، الا أنه إذا رضي بدفع الفضل انتقض أمانه فيه.
بقي الكلام في رواية زرارة ومحمد بن مسلم من حيث دلالتها
على حصول الربا بين المسلم والمشرك ، ولم أقف على من تعرض لنقلها في المقام ، فضلا
عن الجواب عنها الا المحقق الأردبيلي ، وظاهره الجمع بينها وبين الرواية المتقدمة
ـ مع ميله الى العمل برواية زرارة ومحمد بن مسلم لوضوح سندها وتأيدها بعموم الأدلة
كما أشار إليه آنفا ـ بحمل الرواية الأولى على غير المعاهد ، وحمل هذه على المعاهد
، والأصحاب كما تقدم في كلام العلامة لم يفرقوا بينهما ، كما هو ظاهر الخبر الأول.
الرابع ـ نفى الربا في الاخبار المتقدمة بين السيد وعبده
، أما من حيث عدم ملكه فالبيع غير صحيح ، والأمر واضح ، لصدق عدم الربا ، وأما
بناء على ملكه فيكون العلة النص ، وان لم يظهر له وجه ينزل عليه ، وكان الاولى لمن
يقول بعدم
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 176.
ملكه ترك ذكره في هذا المقام ، الا
أنه لما ورد به النص تعرضوا له. (1)
وظاهر المحقق الأردبيلي هنا أيضا المناقشة في الحكم على
تقدير القول بملكه ، قال : وأما عدم الثبوت بين العبد وسيده ، فبناء على القول
بأنه لا يملك واضح ، وأما على القول الأخر فلا يظهر ، إذ الرواية غير صحيحة ، ولا
يعرف غيرها ، الا أن يدعى الإجماع فيقتصر على موضعه وهو القن الخاص لا المكاتب
مطلقا ، ولا المشترك كما يشعر به الرواية المتقدمة. انتهى.
وفيه أن الرواية التي أشار إليها ، وهي رواية زرارة
ومحمد بن مسلم (2) وظاهره أنه لم
يطلع على غيرها وان كانت غير صحيحة باصطلاحه الذي يدور مداره ، الا أن رواية على
بن جعفر صحيحة كما أشرنا إليه آنفا (3) ، وموردها المملوك وسيده ، فلا مجال
لما ذكره من المناقشة ، وعدم ظهور الوجه من النص ليحمل عليه لا يدل على العدم ،
والواجب التسليم لما ثبت عنهم (عليهالسلام) سواء ظهر لنا
الوجه فيه أم لا ، وقد صرح الأصحاب بأنه لا بد هنا من اختصاص الملك بالسيد ، فلو
كان مشتركا ثبت
__________________
(1) أقول : ومن هنا قال ابن إدريس معترضا على الشيخ : فأما
قولهم : ولا بين العبد وسيده ، فلا فائدة فيه ، ولا لنا حاجة الى هذا التعليل وأى
مال للعبد ، وانما الربا بين الاثنين مالكين ، واعترضه العلامة بأن هذا الكلام ليس
بجيد ، فان الشيخ نقل الحديث ، وهو قول الصادق (عليهالسلام) وليس بين السيد وعبده ربا ، ونفى
الربا قد يكون لنفى الملك ، وقد يكون لغير ذلك ، فنفى التملك علة لنفي الربا ، فأي
مأخذ على الشيخ حيث ذكر الحكم المعلل ، ولم يذكر علته ، إذ كانت معروفة ، ثم ان
الشيخ يذهب الى أن العبد يملك ، انتهى وهو جيد. منه رحمهالله.
(2 و 3) تقدم في ص 258 في ص 259.
الربا بينه وبين كل من الشركاء ، ويدل
عليه ما تقدم في رواية زرارة ومحمد بن مسلم (1). والمدبر وأم الولد في حكم القن ،
وفي المكاتب بقسميه إشكال ، ينشأ من إطلاق النص ومن انقطاع سلطنته عليه ، فهو
كالأجنبي منه ، وظاهر كلام المحقق المتقدم ذكره ثبوت الربا بينه وبين سيده ، وهو
ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ايضا ، مع احتماله العدم والاحتياط ظاهر.
الخامس ـ المشهور بين الأصحاب ثبوت الربا بين المسلم
والذمي ، لعموم أدلة التحريم ، ولان مال الذمي محترم. وذهب السيد المرتضى وابنا
بابويه وجماعة الى عدم ثبوته ، وعليه دلت الأخبار المتقدمة.
والذي يقرب عندي أن هذه الاخبار انما صرحت بنفي الربا
بين المسلم والذمي ، بناء على أن أهل الكتاب ـ في تلك الأعصار فضلا عن زماننا هذا
ـ قد خرقوا الذمة ، ولم يقوموا بها كما صرح به جملة من الاخبار ، ومن ثم دل جملة
من الاخبار على أن مالهم فيء للمسلمين ، وجواز استرقاقهم ، كما صرح به جملة من
الأصحاب أيضا ، وحينئذ فلا اشكال. وعلى هذا فيختص جواز أخذ الفضل بالمسلم ، دون
الذمي كما تقدم في الحربي (2).
السادس ـ لا يخفى انه حيث أن المشهور بين متأخري أصحابنا
هو الحكم بإسلام المخالفين ، ووجوب اجراء حكم الإسلام عليهم فإنه يكون الحكم فيهم
كما في المؤمنين. وأما على ما يظهر من الاخبار وعليه متقدمو علمائنا الأبرار وجملة
من متأخري المتأخرين في قرب هذه الأعصار ـ من أن حكمهم حكم الحربي في جواز القتل
وأخذ المال والنجاسة ونحو ذلك من الأحكام ، لاستفاضة الاخبار بل تواترها معنا
بكفرهم وشركهم ، وما يترتب على ذلك من الأحكام المتقدمة ونحوها ، فينبغي دخولهم في
الكافر الذي دلت عليه الاخبار المتقدمة ، وأن يكون حكمهم كذلك ،
__________________
(1 و 2) ص 258.
وبطريق أولى الخوارج ، ونحوهم ممن
اتفقوا على كفرهم ونجاستهم وجواز قتلهم وأخذ أموالهم ، وان لم يتعرضوا هنا لذكرهم
، الا أن مقتضى ذلك دخولهم تحت إطلاق الكافر والمشرك والحربي ونحوها من هذه
الاخبار. والله العالم.
تنبيهات
الاولى ظاهر الأصحاب جواز بيع درهم ودينار أو درهم ومتاع
بدينارين أو درهمين ، بل نقل في المسالك أنه موضع وفاق وقال العلامة في التذكرة :
وهو جائز عند علمائنا أجمع ، وبه قال أبو حنيفة حتى لو باع دينارا في خريطة بمأة
دينار جاز.
أقول : ويعضده ما تقدم في آخر المسألة الثالثة من أن ما
يعمل من جنسين ربويين أو يضم أحدهما إلى الأخر في عقد واحد ، فإنه لا خلاف ولا
إشكال في بيعها بهما أو بأحدهما بشرط زيادته على مجانسيه ، وينصرف كل من الثمن الى
ما يخالفه من المبيع ، ويدل على ذلك جملة من الاخبار.
منها ما رواه في التهذيب عن الحسن بن صدقة (1) عن أبى الحسن
الرضا (عليهالسلام) قال : «قلت
له : جعلت فداك انى أدخل المعادن وأبيع الجوهر بترابه بالدنانير والدراهم ، قال :
لا بأس به ، قلت : وأنا أصرف الدراهم بالدراهم وأصير الغلة وضحا وأصير الوضح غلة؟
قال : إذا كان فيها (ذهب) فلا بأس قال : فحكيت ذلك لعمار بن موسى (الساباطي) (2) قال : كذا قال
: لي أبوه ، ثم قال لي : الدنانير اين تكون؟ قلت : لا أدرى ، قال عمار ، قال لي
أبو عبد الله (عليهالسلام) : تكون مع
الذي ينقص».
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 117 وفيه «دنانير» بدل كلمة (ذهب).
(2) كلمة الساباطي زيادة في التهذيب وليس في النسخة المطبوعة.
أقول : والوضح هو الدرهم الصحيح الذي لا ينقص شيئا ،
والغلة بالكسر الدراهم المغشوشة. وفي بعض الاخبار «فبعثنا بالغلة فصرفوا ألفا
وخمسين بألف» فزيادة الذهب حينئذ يكون في جانب الغلة ليقع كل في مقابلة مخالفه.
وما رواه عن ابى بصير (1) عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن الدراهم بالدراهم وعن فضل ما بينهما فقال : إذا كان بينهما نحاس أو ذهب فلا بأس».
وعن عبد الرحمن بن الحجاج (2) في حديث قال :
«قلت له : اشترى الف درهم ودينار بألفي درهم؟ قال : لا بأس بذلك ، ان أبى (عليهالسلام) كان اجرأ على
أهل المدينة مني ، وكان يقول هذا ، فيقولون انما هذا الفرار ، لو جاء رجل بدينار
لم يعط ألف درهم ، ولو جاء بألف درهم لحم لم يعط ألف دينار ، فكان يقول لهم : نعم
الشيء الفرار من الحرام الى الحلال». الى غير ذلك من الاخبار الاتية في باب الصرف
إنشاء الله ـ تعالى ـ مثل أخبار المراكب المحلاة ، والسيف المحلى
كرواية أبي بصير (3) قال : سألته عن السيف المفضض يباع
بالدراهم ، قال : إذا كانت فضته أقل من النقد فلا بأس ، وان كانت أكثر فلا يصلح.
وبالجملة فقد اتفق الإجماع والاخبار في الدلالة على صحة
ذلك ، ويزيده تأكيدا أن الربا انما يكون في بيع أحد المتجانسين المقدرين بالكيل أو
الوزن مع التفاضل ، أو نسيئة الأخر ، وما نحن فيه ليس كذلك ، لان المركب من الجنسين
أو مع ضم أحدهما إلى الأخر في العقد ليس بجنس واحد ، الا أن شيخنا الشهيد الثاني
في المسالك قد أورد هنا إشكالا في المقام ، فإنه بعد أن نقل اتفاق أصحابنا على
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 98.
(2) التهذيب ج 7 ص 104.
(3) التهذيب ج 7 ص 113 الوسائل الباب ـ 15 من أبواب الصرف.
الحكم المذكور ، ونقل عن الشافعي
الخلاف في ذلك محتجا بحصول التفاوت عند المقابلة على بعض الوجوه ، كما لو بيع مد
ودرهم بمدين ، والدرهم ثمن لمد ونصف بحسب القيمة الحاضرة ، ثم أجاب عنه بأن
الزيادة حينئذ بمقتضى التقسيط لا بالبيع ، فإنه انما وقع على المجموع بالمجموع.
قال : ويشكل الحكم لو احتيج الى التقسيط شرعا ، كما تلف
الدرهم المعين قبل القبض أو ظهر مستحقا مطلقا ، وكان في مقابله ما يوجب الزيادة
المفضية إلى الربا ، فإنه حينئذ يحتمل بطلان البيع من رأس ، للزوم التفاوت في
الجنس الواحد ، كما لو باع مدا ودرهما بمدين أو درهمين مثلا ، فان الدرهم التالف
إذا كان نصف المبيع ، بأن كانت قيمة المد درهما يبطل البيع في نصف الثمن ، فيبقى
النصف الأخر ، وحيث كان منزلا على الإشاعة ، كان النصف في كل من الجنسين ، فيكون
نصف المدين ونصف الدرهمين في مقابلة المد ، فيلزم الزيادة الموجبة للبطلان الى آخر
ما ذكره من الكلام ، وتعدد الاحتمال في المقام.
وفيه ان هذا لا يوجب إشكالا في أصل المسألة لخروجها بهذا
الفرض عما هي عليه أولا ، والغرض انما هو بيان صحة الحكم بما ذكرنا كما اتفقت عليه
الاخبار والإجماع في الصورة المفروضة ، وأما مع الخروج عنها الى فرض آخر كما إذا
اتفق الأمر كما ذكره ، فهي مسألة أخرى ، يرجع فيها إلى الأصول المقررة والقواعد
المعتبرة ، فلا اشكال بحمد الله الملك المتعال.
الثاني ـ قال في الخلاف : يجوز بيع مد طعام ، بمد طعام
وان كان في أحدهما فضل ، وهو عقد التبن أو زوان ، وهو حب أصغر منه دقيق الطرفين ،
أو شيلم وهو معروف ، واحتج بالآية (1) وعدم المانع ، ونحوه في المبسوط الا
أنه قال فيه : وقال قوم لا يجوز وهو الأحوط ، والمشهور بين الأصحاب الجواز ، صرح
به ابن إدريس ومن تأخر عنه ، واحتجوا بأنها تابعة ، فلا يؤثر في المنع ، ولا في
المماثلة
__________________
(1) سورة البقرة الآية ـ 275.
والتجانس ، ولهذا لو اشترى منه طعاما
ودفع اليه مثل ذلك مما جرت العادة بكونه فيه ، وجب عليه القبض.
وبالجملة فإن جرى العادة بذلك واستمرار الناس على الرضاء
به وأخذه في الأجناس أسقط حكم الزيادة به فيما نحن فيه ، ونحوه الدردي في الخل
والدبس ، والثقل في البزر ونحو ذلك. نعم لو زاد ذلك عن مقتضى العادة فلا إشكال في
المنع.
الثالث ـ منع الشيخ في النهاية ـ عن بيع السمن بالزيت
متفاضلا نسيئة ، والمشهور بين الأصحاب الصحة ، لاختلاف الجنسين ، والظاهر أنه استند
الى ما رواه في التهذيب (1) وكذا رواه الصدوق
في الفقيه في الحسن عن عبد الله بن سنان «قال سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول لا
ينبغي للرجل إسلاف السمن في الزيت ، ولا الزيت بالسمن».
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن
سنان (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل أسلف
رجلا زيتا على أن يأخذ سمنا قال : لا يصلح». والأصحاب قد حملوها على الكراهة ، وهو
أحد احتمالي الشيخ أيضا في كتابي الاخبار ، فإنه جمع بين هذين الخبرين ، وبين
رواية وهب ، بحمل هذين الخبرين اما على المنع من إسلاف الزيت في السمن إذا كان
بينهما تفاضل ـ لان التفاضل بين الجنسين المختلفين انما يجوز إذا كان نقدا ، وإذا
كان نسيئة فلا يجوز ـ واما أن يكون على الكراهة ، قال : ولأجل ذلك قال : «لا يصلح
ولا ينبغي ولم يقل أنه لا يجوز وذلك حرام. انتهى.
ومنع ـ في النهاية ـ أيضا من بيع السمسم بدهنه ، والكتان
بدهنه وتبعه ابن إدريس وقال ـ في المختلف بعد نقل ذلك عنهما ـ : والحق أنه لا يجوز
التفاضل فيهما ويجوز التساوي ، لنا أنهما إما متساويان في الجنس فيباع أحدهما
بمتساويه
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 43 الفقيه ج 3 ص 167.
(2) التهذيب ج 7 ص 43.
في المقدار ، واما مختلفان فيباع
أحدهما بالاخر مطلقا. انتهى. وهو جيد.
الرابع ـ قال في الخلاف والمبسوط : يجوز بيع الحنطة
بالسويق منه وبالخبز والفالوذج المتخذ من النشاء مثلا بمثل ، ثم قال في المبسوط : «ولا
يجوز متفاضلا يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة ، وأما الفالوذج فيجوز بيعه بالحنطة أو
الدقيق متفاضلا ما لم يؤد الى التفاضل في الجنس ، لان فيه غير البشاء.
والتحقيق أن ما ذكره بالنسية الى الفالوذج ان بيع بأقل
منه وزنا بحيث يحصل التفاضل اما بجنسه أو بغير جنسه لم يجز ، وإلا جاز ، لأن
المقتضي للمنع ثبوت الربا وان بيع بأزيد منه وزنا ، فإنه لا ربا ، لان هذه الزيادة
في الحنطة الذي هو الثمن في مقابلة ما اشتمل عليه الفالوذج من الجنس الأخر.
الخامس ـ قد يتخلص من الربا بوجوه ، منها ـ أن يبيع أحد
المتبايعين سلعته من صاحبه بجنس غيرها ، ثم يشترى صاحبه ذلك الجنس بالثمن (1) وكذا لو تواهبا
بأن وهب كل منهما الأخر سلعته لصاحبه ، أو أقرض كل واحد منهما سلعته ثم تباريا ،
وكذا لو تبايعا ووهبه الزيادة ، كل ذلك من غير شرط.
قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ ونعم ما قال ـ :
ولا يقدح في ذلك كون هذه الأمور غير مقصودة بالذات ، والعقود تابعة للقصود ، لان
قصد التخلص من الربا انما يتم مع القصد الى بيع صحيح ، أو قرض أو غيرهما من
الأنواع المذكورة ، وذلك كاف في القصد ، إذ لا يشترط في القصد الى قصد جميع
الغايات المترتبة عليه ، بل يكفى قصد غاية صحيحة من غاياته ، وان من أراد شراء دار
مثلا ليواجرها ويتكسب بها ، فان ذلك كاف في الصحة ، وان كان لشراء الدار غايات أخر
أقوى من هذه وأظهر في نظر العقلاء ، وكذا القول في غير ذلك من افراد العقود ، وقد
ورد
__________________
(1) مثاله كما لو كان لزيد مد من حنطة يريد يبيعه على عمرو
بمدين من شعير ، فان زيدا يبيع مد الحنطة على عمرو بمد من أرز ، ويشترى عمرو ذلك
الأرز بمدين من شعير ، يدفعه الى زيد. منه رحمهالله.
أخبار كثيرة ما يدل على جواز الحيلة
على نحو ذلك. انتهى وهو جيد.
وظاهر كلام المحقق الأردبيلي هنا يشير الى التوقف في ذلك
، قال في تمثيل ما أشار المصنف : مثل ان أراد بيع قفيز حنطة بقفيزين من شعير أو
الجيد بالرديين ، وغير ذلك يبيع المساوي بالمساوي قدرا ويستوهب الزائد ، وهو ظاهر
لو حصل القصد في البيع والهبة ، وينبغي الاجتناب عن الحيل مهما أمكن ، وإذا اضطر
يستعمل ما ينجيه عند الله ، ولا ينظر الى الحيل ، وصورة جوازها ظاهر لما عرف من
علة تحريم الربا : فكأنه الى ذلك أشار في التذكرة بقوله : لو دعت الضرورة إلى بيع
الربويات مستفضلا مع اتحاد الجنس الى آخره ، وذكر الحيل. انتهى.
المسألة العاشرة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
تحقق الربا وثبوته في غير البيع من المعاوضات ، وبالعموم صرح الشهيد الثاني وثاني
المحققين في المسالك وشرح القواعد ، وذكر بعض المحققين أنه قول الأكثر ،
وبالاختصاص يشعر كلام المحقق في كتاب البيع من الشرائع ، والعلامة في الإرشاد
والقواعد ، الا أن المحقق في باب الغصب صرح بثبوته في كل معاوضة ، وهو ظاهر اختياره
في باب الصلح ، والعلامة في باب الصلح من القواعد تردد في ذلك على ما نقله الشارح
المتقدم ، وظاهر صاحبي المسالك وشرح القواعد الاستناد في العموم الى قوله عزوجل «وَحَرَّمَ
الرِّبا»
(1).
وفيه أن أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان قال
في تفسير الآية المذكورة ، معنى «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ
الرِّبا»
أحل الله البيع الذي لا ربا فيه وحرم البيع التي فيه
الربا ، وعلى هذا فيكون الآية دليلا للاختصاص بالبيع ، ولا أقل أن يكون محتملة
لذلك ، وعليه يكون الآية متشابهة لا تصلح للدلالة على شيء من القولين.
والتحقيق أن المعلوم من الاخبار ثبوته في البيع والقرض ،
وأما غيرهما فإشكال ينشأ من عموم أدلة الحل ـ كأصالة الإباحة ودلالة الآيات
والروايات على أن حصول
__________________
(1) سورة البقرة الآية ـ 275.
التراضي كاف في الإباحة وحصر المحرمات
، وليس هذا منها ، «والناس مسلطون على أموالهم» (1) خرج ما خرج من
ذلك بدليل ، وبقي الباقي ـ ومن أن الربا قد ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع ،
وأنه لغة بمعنى الزيادة مطلقا ، ولم يثبت له معنى شرعي ولا عرفي يوجب الخروج عن
معناه لغة ، وما ذكره الأصحاب في تعريفه مما قدمنا ذكره في أول الفصل مجرد اصطلاح
، ولكل أن يصطلح على ما شاء مما قام له دليله ، وحينئذ فتعين حمله على معناه
اللغوي ، خرج منه ما خرج بدليل من إجماع ونحوه ، وبقي الباقي تحت التحريم ، ويؤيده
ما في كتاب مجمع البيان (2) في علة تحريم
الربا ، حيث قال : اما علة تحريمه فقد قيل : هي ان فيه تعطيل المعايش والإجلاب
والمتاجر إذا وجد المربي من يعطيه دراهم وفضلا بدراهم لم يتجر ، وقال الصادق (عليهالسلام) : «انما شدد
في تحريم الربا لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف قرضا أو رفدا». انتهى.
أقول ونظير هذا الخبر الذي ذكره ما رواه في الكافي
والتهذيب عن سماعة (3). في الموثق
قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : انى رأيت
الله قد ذكر الربا في غير آية (وكرره) فقال : أو تدري لم ذلك؟ قلت : لا قال : لئلا
يمتنع الناس عن اصطناع المعروف». وعن هشام بن سالم (4) عن أبى عبد
الله (عليهالسلام) قال : «انما
حرم الله
__________________
(1) البحار ج 2 ص 272.
(2) تفسير المجمع ج 2 ص 390 طبع صيدا.
(3) الكافي ج 5 ص 146 التهذيب ج 7 ص 17 وفيه (وكبره) بدل (وكرره).
(4) الكافي ج 5 ص 146 التهذيب ج 7 ص 17.
الربا لكيلا يمتنع الناس من اصطناع
المعروف» (1). والظاهر أن
المراد بالمعروف هو ما ذكره في الخبر الأول من القرض والرفد ، وأما ما ذكره بعض
الأفاضل من أن خبر كتاب مجمع البيان انما هو مضمون هذين الخبرين ، وأن قوله قرضا
ورفدا انما هو من كلام صاحب الكتاب تفسيرا منه للمعروف فالظاهر بعده ، لما علم من
نقله في هذا الكتاب كثيرا أخبارا ليست في الكتب الأربعة ، وأيضا فلفظ خبره غير
ألفاظ هذين الخبرين ، ومن القاعدة المعهودة بين المحدثين في نقل الاخبار أنه متى
أريد تفسير بعض الألفاظ في الخبر يشيرون الى ذلك بلفظ يدل عليه.
وروى الصدوق بإسناده عن هشام بن الحكم (2) أنه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن علة تحريم
الربا ، فقال : انه لو كان حلالا لترك الناس التجارات وما يحتاجون اليه ، فحرم
الله الربا ليفر الناس من الحرام الى الحلال والى التجارات من البيع والشراء ،
فيبقى ذلك بينهم في القرض.
ويعضد ما ذكرناه من العموم أيضا ما نقله في كتاب مجمع البيان
(3) عن ابن عباس ،
قال : «كان الرجل منهم إذا حل دينه على غريمه ، فطالبه به ، قال المطلوب منه :
زدني في الأجل وأزيدك في المال ، فيتراضيان عليه ويعملان به ، فإذا قيل لهم : هذا
ربا ، قالوا : هما سواء ، يعنون بذلك ان الزيادة في الثمن حال البيع ، والزيادة فيه
بسبب الأجل عند محل الدين سواء فذمهم الله به ، وألحق الوعيد بهم
__________________
(1) أقول : ويعضده ما رواه الصدوق في العلل فيما كتبه الرضا (عليهالسلام) في جواب مسائل محمد بن سنان في حديث
قال فيه : وعلة تحريم الربا بالنسيئة لعلة ذهاب المعروف ، وتلف الأموال ، ورغبة
الناس في الربح ، وتركهم القرض ، والقرض صنائع المعروف. الحديث منه رحمهالله.
(2) الفقيه ج 3 ص 371.
(3) تفسير المجمع ج 2 ص 389 ط صيدا.
وخطأهم في ذلك بقوله (1) «أَحَلَّ
اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا» الى ان قال :
والفرق بينهما ان الزيادة في أحدهما لتأخر الدين وفي الأخر لأجل البيع» الى آخره ،
والظاهر انه لذلك صرح الأصحاب بتحريم الزيادة لزيادة الأجل مع أن ذلك ليس بيعا ولا
قرضا.
والظاهر أنه الى ذلك يشير ما رواه المشايخ الثلاثة (نور
الله تعالى مراقدهم) في الصحيح والحسن (2) بأسانيد عديدة واختلاف لا يضر
بالمعنى ، عن ابى جعفر وأبى عبد الله (عليهماالسلام) «أنه سئل عن
الرجل يكون عليه الدين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول له : انقدني كذا وكذا ،
وأضع عنك بقيته ، أو يقول : انقدني بعضه ، وأمد لك في الأجل فيما بقي؟ قال : لا
أرى به بأسا ، انه لم يزدد على رأس ماله ، قال الله جل ثناؤه «فَلَكُمْ
رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ، لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ». فان فيه إشارة
الى عدم جواز التأجيل بالزيادة على الحق ، وان كان على سبيل الصلح ، فإنه ربا ،
كما يشير اليه ذكر الآية ، والربا وان حصل بالنقص أيضا الا أن الخبر المذكور وغيره
دل على جوازه.
ويعضد هذا الخبر الذي هو في قوة أخبار متعددة ، كما
أشرنا إليه آنفا ما رواه في الكافي والتهذيب في الحسن عن أبان (3) عمن حدثه ، عن
أبى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن الرجل يكون له على الرجل الدين ، فيقول له قبل أن يحل الأجل : عجل النصف من حقي
على أن أضع عنك النصف ، أيحل ذلك لواحد منهما؟ قال : نعم».
__________________
(1) سورة البقرة الآية ـ 275.
(2) الكافي ج 5 ص 259 التهذيب ج 6 ص 207 الفقيه ج 3 ص 21.
(3) الكافي ج 5 ص 258 التهذيب ج 6 ص 206.
ثم ان من الاخبار الدالة على وقوعه في القرض ما رواه في
الفقيه مرسلا مقطوعا ، (1) قال : «الربا
رباء ان ، ربا يؤكل وربا لا يؤكل ، (2) فأما الربا الذي يؤكل فهديتك الى
الرجل تطلب منه الثواب أفضل منها ، فذلك الربا الذي يؤكل ، وهو قول الله عزوجل «وَما
آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ
اللهِ»
(3) وأما الربا
الذي لا يؤكل فهو أن يدفع الرجل الى الرجل عشرة دراهم على أن يرد عليه أكثر منها ،
فهذا الذي نهى الله عنه ، فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ)» (4) الاية.
وقال الرضا (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (5) : «واعلم أن
الربا رباء ان ربا يؤكل وربا لا يؤكل ، فأما الربا الذي يؤكل فهو هديتك الى الرجل
تطلب الثواب أفضل منه ، فأما الربا الذي لا يؤكل ، فهو ما يكال ويوزن ، فإذا دفع
الرجل الى رجل عشرة دراهم على أن يرد عليه أكثر منها فهو الذي نهى الله عنه ،
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 182.
(2) أقول صدر عبارته الى قوله وأما الربا الذي لا يؤكل فهو ان
يدفع الى آخره مأخوذ من رواية إبراهيم بن عمر اليماني (المذكور في الفقيه (الفقيه
ص 175.) وقوله واما الربا الذي لا يؤكل مأخوذ من كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي (عليهالسلام) كما ذكرناه ، ويقصد تمام العبارة
زيادة على ما ذكرناه ، فان ما في الفقيه عين عبارة كتاب الفقه الرضوي كما ذكرناهما
، وبذلك يظهر أن ما توهمه بعض المحققين من أنه من كلام الصدوق حيث ذكره ذيل صحيحة
شعيب بن يعقوب فهو هنا غلط محض منه رحمهالله.
(3) سورة الروم الآية ـ 39.
(4) سورة البقرة الآية ـ 278.
(5) المستدرك ج 2 ص 479.
فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما
بَقِيَ مِنَ الرِّبا)» الاية.
وما رواه في الكافي والتهذيب عن خالد بن الحجاج (1) قال : «سألته
عن رجل كانت لي عليه مأة درهم عددا قضانيها مأة درهم وزنا قال : لا بأس ما لم
تشارط ، قال : وقال : جاء الربا من قبل الشروط ، وانما يفسده الشروط» :.
وما رواه الشيخ في التهذيب عن داود الأبزاري (2) قال : «لا
يصلح ان تقرض ثمرة وتأخذ أجود منها بأرض أخرى غير التي أقرضت فيها».
ومن هذه الروايات يظهر ضعف تخصيص الربا بالبيع ، كما
أشرنا إليه آنفا ،
ومما يمكن الاستدلال به للقول بالعموم أيضا إطلاق جملة
من الاخبار المتقدمة في المسائل السابقة ، مثل صحيحة عمر بن يزيد (3) عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «يا
عمر قد أحل الله البيع وحرم الربا ، فاربح ولا تربه ، قلت : وما الربا؟ قال : دراهم
بدراهم ، مثلان بمثل».
والتقريب فيها ان الدراهم بالدراهم يجري في جميع
المعاوضات التي تكون بالدراهم كذلك ، وذكر الدراهم والمثل بالمثلين انما خرج مخرج
التمثيل.
وموثقة عبيد بن زرارة (4) عن ابى جعفر (عليه)
قال : «لا يكون الربا الا فيما يكال أو يوزن».
وصحيحة الحلبي (5) عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا
يصلح التمر اليابس بالرطب».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 244 التهذيب ج 7 ص 112.
(2) التهذيب ج 7 ص 91 الرقم ـ 29.
(3) التهذيب ج 7 ص 18 الفقيه ج 3 ص 176.
(4) الكافي ج 5 ص 146 التهذيب ج 7 ص 17.
(5) الكافي ج 5 ص 189 التهذيب ج 7 ص 94.
وصحيحة أبي بصير (1) وغيره عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «الحنطة
والشعير رأسا برأس لا يزداد واحد منهما على الآخر».
ورواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) يجوز قفيز من
حنطة ، بقفيزين من شعير؟ قال : لا يجوز إلا مثلا بمثل».
وصحيحة الحلبي (3) عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «الفضة
بالفضة مثلا بمثل ليس فيه زيادة ولا نقصان الزائد والمستزيد في النار».
وصحيحة محمد بن مسلم (4) قال : «سألته عن الرجل يدفع الى
الطحان الطعام فيقاطعه على ان يعطى صاحبه لكل عشرة أرطال اثنى عشر دقيقا؟ فقال : لا
قلت : الرجل يدفع السمسم الى العصار ، ويضمن لكل صاع أرطالا مسماة ، قال لا».
وظاهر هذه الرواية المنع من تقبيل الحنطة على الطحان بالدقيق والسمسم على العصار ، ولهذا عد العلامة تحريم التقبيل واستدل بالرواية المذكورة ، وبالجملة فإن الاحتياط في القول بالعموم ان لم يكن هو الأظهر ، والله العالم.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 187 التهذيب ج 7 ص 97 الفقيه ج 3 ص 178.
(2) الكافي ج 5 ص 188 التهذيب ج 7 ص 96.
(3) التهذيب ج 7 ص 98.
(4) الكافي ج ص 189 التهذيب ج 7 ص 96 الفقيه ج 3 ص 147.