ج13 - نوادر كتاب الصوم

خاتمة الكتاب

وهي تشتمل على نوادر ما تقدم فيه من الأبواب

روى في الكافي عن جابر عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة ورفع يديه فقال : اللهم أهله علينا بالأمن والايمان والسلامة والإسلام والعافية المجللة والرزق الواسع ودفع الأسقام اللهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللهم سلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه».

وفي خبر آخر (3) «استقبل القبلة وكبر ثم قال : اللهم أهله علينا بيمن وايمان وسلامة وإسلام وهدى ومغفرة وعافية مجللة ورزق واسع انك على كل شي‌ء قدير».

__________________

(2 و 3) الوسائل الباب 20 من أحكام شهر رمضان.


وعن الصادق عليه‌السلام (1) «إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر اليه واستقبل القبلة وارفع يديك الى الله تعالى وتخاطب الهلال وتقول : ربى وربك الله رب العالمين اللهم أهله علينا بالأمن والايمان والسلامة والإسلام والمسارعة الى ما تحب وترضى اللهم بارك لنا في شهرنا هذا وارزقنا خيره وعونه واصرف عنا ضره وشره وبلاءه وفتنته».

وعن ابن ابى عقيل انه أوجب قراءة هذا الدعاء وقت رؤية هلال شهر رمضان وهو هذا : الحمد لله الذي خلقني وخلقك وقدر منازلك وجعلك مواقيت للناس ، اللهم أهله علينا إهلالا مباركا ، اللهم ادخله علينا بالسلامة والإسلام واليقين والايمان والبر والتقوى والتوفيق لما تحب وترضى».

وروى ثقة الإسلام بسنده عن السكوني عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «من كتم صومه قال الله (عزوجل) لملائكته عبدي استجار من عذابي فأجيروه. ووكل الله (عزوجل) ملائكته بالدعاء للصائمين ولم يأمرهم بالدعاء لأحد إلا استجاب لهم فيه».

وروى عن عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «الرجل يكون صائما فيقال له أصائم أنت؟ فقال : لا ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام هذا كذب».

أقول : يستفاد من هذين الخبرين استحباب كتمان الصيام إلا إذا سئل فلا يجوز له الكذب.

وروى عن الحسن بن صدقة (4) قال : «قال أبو الحسن عليه‌السلام قيلوا فان الله يطعم الصائم ويسقيه في منامه».

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 13 من أحكام شهر رمضان والإقبال ص 251 عن الصدوق في الفقيه عن الصادق (ع) ولكن في الفقيه ج 2 ص 62 نسبه الى أبيه في رسالته ولم نجده فيه مرويا عن الصادق (ع).

(2 و 3) الوسائل الباب 1 من آداب الصائم.

(4) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم.


وروى في الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة (1) قال : «سألته عن السحور لمن أراد الصوم؟ فقال : اما في شهر رمضان فان الفضل في السحور ولو بشربة من ماء واما في التطوع فمن أحب ان يتسحر فليفعل ومن لم يفعل فلا بأس».

وروى في الكافي عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن السحور لمن أراد الصوم أواجب هو عليه؟ فقال : لا بأس بان لا يتسحر إن شاء واما في شهر رمضان فإنه أفضل أن يتسحر نحب أن لا يترك في شهر رمضان».

وروى في التهذيب عن عمرو بن جميع عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) عن أبيه عليه‌السلام قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تسحروا ولو بجرع الماء ألا صلوات الله على المتسحرين».

وروى في الفقيه مرسلا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والتهذيب مسندا عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (4) ـ قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تعاونوا بأكل السحور على صيام النهار وبالنوم عند القيلولة على قيام الليل».

وروى في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (5) قال : «ان الله وملائكته يصلون على المستغفرين والمتسحرين بالأسحار فليتسحر أحدكم ولو بشربة من ماء».

وروى في التهذيب عن حفص بن البختري عن أبى عبد الله عليه‌السلام (6) «أفضل سحوركم السويق والتمر».

وروى ثقة الإسلام والصدوق في الصحيح والحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (7) قال : «سئل عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها؟ قال : ان كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم وان كان غير ذلك فليصل وليفطر».

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 4 من آداب الصائم.

(6) الوسائل الباب 5 من آداب الصائم.

(7) الوسائل الباب 7 من آداب الصائم.


وروى في التهذيب في الموثق عن زرارة وفضيل عن أبى جعفر عليه‌السلام (1) «في رمضان تصلى ثم تفطر إلا أن تكون مع قوم ينتظرون الإفطار فإن كنت معهم فلا تخالف عليهم وأفطر ثم صل وإلا فابدأ بالصلاة. قلت ولم ذلك؟ قال لانه قد حضرك فرضان : الإفطار والصلاة فابدأ بأفضلهما وأفضلهما الصلاة. ثم قال تصلى الفرض وأنت صائم فتكتب صلاتك تلك فتختم بالصوم أحب الى».

أقول : لعل المعنى في قوله «فتكتب صلاتك. الى آخره» انه تكتب صلاتك مختومة بالصوم بمعنى أنه تكتب صلاة الصائمين.

وروى الشيخ المفيد في المقنعة (2) عن الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين جميعا عن أبى جعفر عليه‌السلام انه قال : «تقدم الصلاة على الإفطار إلا أن تكون مع قوم يبتدئون بالإفطار فلا تخالف عليهم وأفطر معهم وإلا فابدأ بالصلاة فإنها أفضل من الإفطار ، وتكتب صلاتك وأنت صائم أحب الى».

قال (3) وروى أيضا في ذلك أنك إذا كنت تتمكن من الصلاة وتعقلها وتأتى بها على حدودها قبل أن تفطر فالأفضل أن تصلى قبل الإفطار ، وان كنت ممن تنازعك نفسك للإفطار وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة غير ان ذلك مشروط بان لا تشتغل بالإفطار قبل الصلاة الى أن يخرج وقت الصلاة.

أقول : يعنى وقت فضيلتها. والظاهر ان المراد بالصلاة المأمور بتقديمها في هذه الأخبار هي صلاة المغرب وحدها محافظة على وقت فضيلتها لضيقه فيكفي في تأدية السنة تقديمها خاصة.

وروى في الكافي عن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) (4) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أفطر قال : اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 7 من آداب الصائم.

(4) الوسائل الباب 6 من آداب الصائم.


منا ، ذهب الظماء وابتلت العروق وبقي الأجر».

وروى فيه عن أبى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «يقول في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار الى آخره : الحمد لله الذي أعاننا فصمنا ورزقنا فأفطرنا اللهم تقبل منا وأعنا عليه وسلمنا فيه وتسلمه منا في يسر منك وعافية ، الحمد لله الذي قضى عنا يوما من شهر رمضان».

وروى في التهذيب عن عبد الله بن ميمون القداح عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (2) قال : «جاء قنبر مولى على عليه‌السلام بفطره اليه قال فجاء بجراب فيه سويق عليه خاتم ، قال فقال له رجل يا أمير المؤمنين ان هذا لهو البخل تختم على طعامك. قال فضحك على عليه‌السلام قال ثم قال أو غير ذلك؟ لا أحب أن يدخل بطني شي‌ء لا أعرف سبيله. قال ثم كسر الخاتم فاخرج سويقا فجعل منه في قدح فأعطاه إياه فأخذ القدح فلما أراد أن يشرب قال : بسم الله اللهمّ لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا انك أنت السميع العليم».

أقول : المراد بالفطر ما يفطر عليه. وقوله عليه‌السلام «أو غير ذلك» يعنى غير البخل ، وكأنه استفهام لذلك القائل بمعنى هل عندك غير ما قلت من الحمل على البخل؟ ثم بين له السبب في ما يفعله من ختم طعامه لئلا يضع عياله فيه شيئا لا يعلم به.

وروى ابن طاوس في كتاب الإقبال (3) عن مولانا زين العابدين عليه‌السلام انه قال : «من قرأ إنا أنزلناه. عند فطوره وعند سحوره كان في ما بينهما كالمتشحط بدمه في سبيل الله».

وروى فيه (4) عن محمد بن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان عن موسى ابن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) «ان لكل صائم عند فطره دعوة مستجابة فإذا كان أول لقمة فقل : بسم الله يا واسع المغفرة اغفر لي ـ. قال (5) : وفي رواية

__________________

(1 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 6 من آداب الصائم.

(2) الوسائل الباب 6 و 10 من آداب الصائم.


أخرى : بسم الله الرحمن الرحيم يا واسع المغفرة اغفر لي ـ فإنه من قالها عند إفطاره غفر له».

وروى في الكافي بسنده عن ابن القداح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أول ما يفطر عليه في زمن الرطب الرطب وفي زمن التمر التمر».

وروى فيه عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (2) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صام فلم يجد الحلو أفطر على الماء».

وروى فيه عن ابن ابى عمير عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «إذا أفطر الرجل على الماء الفاتر نقى كبده وغسل الذنوب من القلب وقوى البصر والحدق».

وينبغي حمل إطلاق هذا الخبر على سابقه في الإفطار على الماء مطلقا كما هو صريح الخبر الآتي.

وروى فيه عن عبد الله بن مسكان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أفطر بدأ بحلواء يفطر عليها فان لم يجد فسكرة أو تمرات فإذا أعوز ذلك كله فماء فاتر ، وكان يقول ينقى المعدة والكبد ويطيب النكهة والفم ويقوى الأضراس ويقوى الحدق ويجلو الناظر ويغسل الذنوب غسلا ويسكن العروق الهائجة والمرة الغالبة ويقطع البلغم ويطفئ الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع». ورواه في المقنعة مرسلا (5) إلا انه لم يذكر السكر والتمرات.

وروى في الكافي أيضا بسنده عن سلمة السمان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (6) قال «إذا رأى الصائم قوما يأكلون أو رجلا يأكل سبحت كل شعرة منه».

وروى الصدوق مرسلا (7) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من صائم

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 10 من آداب الصائم.

(6) الوسائل الباب 9 من آداب الصائم.

(7) الوسائل الباب 9 من آداب الصائم.


يحضر قوما يطعمون إلا سبحت له أعضاؤه وكانت صلاة الملائكة عليه وكانت صلاتهم استغفارا».

وروى في كتاب ثواب الأعمال مسندا عن السكوني عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «دخل سدير على ابى في شهر رمضان فقال يا سدير هل تدري أي الليالي هذه؟ فقال نعم فداك أبى هذه ليالي شهر رمضان فما ذاك؟ فقال له أتقدر على ان تعتق كل ليلة من هذه الليالي عشر رقبات من ولد إسماعيل؟ فقال له سدير بأبي أنت وأمي لا يبلغ مالي ذلك. فما زال ينقص حتى بلغ رقبة واحدة في كل ذلك يقول لا أقدر عليه. فقال له أفما تقدر أن تفطر في كل ليلة رجلا مسلما؟ فقال له بلى وعشرة فقال له ابى فذاك الذي أردت يا سدير ان إفطارك أخاك المسلم يعدل عتق رقبة من ولد إسماعيل».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة (2) عن الصادق عليه‌السلام مرسلا قال : «فطرك لأخيك وإدخالك السرور عليه أعظم اجرا من صيامك».

قال (3) وقال الباقر عليه‌السلام «أيما مؤمن فطر مؤمنا ليلة من شهر رمضان كتب الله له بذلك مثل أجر من أعتق نسمة».

قال (4) «ومن فطره شهر رمضان كله كتب الله له بذلك أجر من أعتق ثلاثين نسمة مؤمنة وكان له بذلك عند الله دعوة مستجابة».

ورواه البرقي في المحاسن عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه‌السلام مثله (5) وكذا الصدوق في ثواب الأعمال (6).

وروى ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن ابى الورد عن ابى جعفر عليه‌السلام في حديث (7) قال : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ومن فطر فيه ـ يعني في شهر رمضان ـ مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لذنوبه في ما مضى. قيل يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس كلنا يقدر على ان يفطر صائما؟ فقال ان الله كريم يعطى هذا الثواب لمن

__________________

(1) ارجع الى الاستدراكات في آخر الكتاب.

(2 و 3 و 4 و 6 و 7) الوسائل الباب 3 من آداب الصائم.


لا يقدر إلا على مذقة من لبن يفطر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك».

أقول : يستفاد من هذا الخبر ان المراد بالتفطير الذي ذكر في الاخبار المتقدمة ونحوها ما يترتب عليه من الثواب ليس هو مجرد إعطاء الصائم ما يفطر عليه كما هو مشهور الآن بين العامة وانما المراد به الأكل عنده كما هو الجاري في سنة الضيافة إلا ان يعجز عن ذلك ، وان كرم الله واسع يرتب له ذلك على ما تسع قدرته ولو شربة ماء.

ويؤيد ما ذكرناه ما رواه البرقي في المحاسن بسنده عن مالك بن أعين عن ابى جعفر عليه‌السلام (1) قال : «لأن أفطر رجلا مؤمنا في بيتي أحب الى من ان أعتق كذا وكذا نسمة من ولد إسماعيل».

وروى ثقة الإسلام والصدوق وغيرهما عن حمزة بن حمران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «كان على بن الحسين عليه‌السلام إذا كان اليوم الذي يصوم فيه أمر بشاة فتذبح وتقطع أعضاؤه وتطبخ فإذا كان عند المساء أكب على القدور حتى يجد ريح المرق وهو صائم ثم يقول : هاتوا القصاع اغرفوا لآل فلان اغرفوا لآل فلان. ثم يؤتى بخبز وتمر فيكون ذلك عشاؤه».

وروى في الكافي وفي الفقيه بسنديهما عن حمران (3) «انه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله تعالى (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) (4)؟ قال هي ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر ولم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر. قال الله تعالى (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (5)؟ قال يقدر في ليلة القدر كل شي‌ء يكون في تلك

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 3 من آداب الصائم.

(3) الوسائل الباب 31 من أحكام شهر رمضان.

(4) سورة الدخان الآية 3.

(5) سورة الدخان الآية 4.


السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شر أو طاعة أو معصية أو مولود أو أجل أو رزق ، فما قدر في تلك الليلة وقضى فهو المحتوم ولله تعالى فيه المشيئة. قال قلت (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (1) أي شي‌ء عنى بذلك؟ فقال : العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ولو لا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا ولكن الله يضاعف لهم الحسنات».

وروى الشيخان المذكوران أيضا في كتابيهما (2) مسندا في الكافي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «أرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وفي الفقيه أرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في منامه بنى أمية يصعدون منبره من بعده يضلون الناس عن الصراط القهقرى فأصبح كئيبا حزينا قال فهبط عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لي أراك كئيبا حزينا؟ فقال : يا جبرئيل إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى. فقال والذي بعثك بالحق نبيا ان هذا لشي‌ء ما اطلعت عليه. ثم عرج الى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها قال : أفرأيت ان متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون (3) وانزل عليه : انا أنزلناه في ليلة القدر وما أدريك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر (4) جعل الله تعالى ليلة القدر لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله خيرا من الف شهر ملك بنى أمية».

ورؤيا أيضا في كتابيهما عن يعقوب (5) قال : «سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله

__________________

(1) سورة القدر الآية 4.

(2) الفروع ج 1 ص 207 والفقيه ج 2 ص 101 وفي الوسائل الباب 31 من أحكام شهر رمضان.

(3) سورة الشعراء الآية 206 و 207 و 208.

(4) سورة القدر الآية 4.

(5) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان.


عليه‌السلام عن ليلة القدر فقال أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟ فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن».

ورؤيا أيضا بسنديهما عن رفاعة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : ليلة القدر هي أول السنة وهي آخرها (2) وذلك لأن بإقبال تلك الليلة يتحقق الأمران معا.

ورؤيا أيضا بسنديهما عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) قال : «سألته عن علامة ليلة القدر فقال : علامتها أن يطيب ريحها وان كانت في برد دفئت وان كانت في حر بردت وطابت. قال : وسئل عن ليلة القدر فقال تنزل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد وأمر عنده موقوف له فيه المشيئة فيقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويمحو ويثبت وعنده أم الكتاب».

وروى في الكافي بسنده عن أبي حمزة الثمالي (4) قال : «كنت عند ابى عبد الله عليه‌السلام) فقال له أبو بصير جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى؟ فقال في احدى وعشرين أو ثلاث وعشرين. قال فان لم أقو على كلتيهما. فقال ما أيسر ليلتين في ما تطلب. قال قلت فربما رأينا الهلال عندنا وجاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك من أرض أخرى؟ فقال ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها. قلت جعلت فداك ان سليمان بن خالد روى ان في تسع عشرة يكتب وفد الحاج؟ فقال عليه‌السلام) يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر والمنايا والبلايا والأرزاق وما يكون الى مثلها في قابل فاطلبها في ليلة احدى وعشرين وثلاث وعشرين وصل في كل واحدة منهما مائة ركعة

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 31 من أحكام شهر رمضان.

(2) هذا آخر الحديث وما بعده جاء في النسخ متصلا به وقد أورده في الوافي بعنوان البيان فيجوز إيراده هنا كذلك وقد سقط من العبارة شي‌ء.

(4) الفروع ج 1 ص 206 وفي الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان.


وأحيهما إن استطعت الى النور واغتسل فيهما. قال قلت فان لم اقدر على ذلك وانا قائم؟ قال فصل وأنت جالس. قلت فان لم أستطع؟ قال فعلى فراشك».

وزاد في الفقيه (1) قلت فان لم أستطع؟ فقال ـ ثم اشتركوا في الرواية ـ لا عليك أن تكتحل أول الليل بشي‌ء من النوم ، ان أبواب السماء تفتح في شهر رمضان وتصفد الشياطين وتقبل أعمال المؤمنين. نعم الشهر رمضان كان يسمى في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله) المرزوق.

وروى في الفقيه عن محمد بن حمران عن سفيان بن السمط (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الليالي التي يرجى فيها من شهر رمضان؟ فقال تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين. قلت فإن أخذت إنسانا الفترة أو علة ما المعتمد عليه من ذلك؟ فقال ثلاث وعشرين».

وروى في الكافي بسنده عن الفضيل بن يسار (3) قال : «كان أبو جعفر عليه‌السلام إذا كانت ليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين أخذ في الدعاء حتى يزول الليل فإذا زال الليل صلى».

وروى ثقة الإسلام في كتابه بسنده عن حسان بن مهران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «سألته عن ليلة القدر فقال : التمسها في ليلة احدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين». ورواه الصدوق في الخصال بسنده مثله (5) ثم قال : اتفق مشايخنا على انها ليلة ثلاث وعشرين.

وروى في التهذيب في الموثق عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (6) قال : «سألته عن ليلة القدر فقال هي ليلة احدى وعشرين أو ثلاث وعشرين. قلت أليس إنما هي ليلة؟ فقال بلى. قلت فأخبرني بها قال وما عليك ان تفعل خيرا في ليلتين».

__________________

(1) ج 2 ص 102 و 103.

(2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان.


وروى بإسناده عن حماد بن عيسى عن محمد بن يوسف عن أبيه (1) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ان الجهى أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان لي إبلا وغنما وغلمة فأحب أن تأمرني بليلة أدخل فيها فأشهد الصلاة وذلك في شهر رمضان فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فساره في اذنه فكان الجهني إذا كان ليلة ثلاث وعشرين دخل بإبله وغنمه واهله إلى المدينة».

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب موسى بن بكر الواسطي عن حمران (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ليلة القدر فقال هي ليلة ثلاث أو أربع. قلت أفرد لي إحداهما فقال وما عليك أن تعمل في الليلتين وهي إحداهما».

وعن زرارة عن عبد الواحد الأنصاري (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ليلة القدر فقال إني أخبرك بها لا أعمى عليك هي ليلة أول السبع وقد كانت تلتبس عليه ليلة أربع وعشرين».

وروى في الكافي عن إسحاق بن عمار (4) قال : «سمعته يقول وناس يسألونه يقولون الأرزاق تقسم ليلة النصف من شعبان؟ قال فقال لا والله ما ذلك إلا في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان واحدى وعشرين وثلاث وعشرين ، فان في تسع عشرة يلتقي الجمعان وفي ليلة احدى وعشرين يفرق كل أمر حكيم وفي ليلة ثلاث وعشرين يمضى ما أراد الله (عزوجل) من ذلك وهي ليلة القدر التي قال الله تعالى (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (5) قال قلت ما معنى قوله يلتقي الجمعان؟ قال يجمع الله فيها ما أراد من تقديمه وتأخيره وإرادته وقضائه. قال قلت فما معنى يمضيه في ثلاث وعشرين؟ قال انه يفرقه في ليلة احدى وعشرين ويكون له فيه البداء ، فإذا كان ليلة ثلاث وعشرين قال انه يفرقه في ليلة احدى وعشرين ويكون له فيه البداء ، فإذا كان ليلة ثلاث وعشرين أمضاه فيكون من المحتوم الذي لا يبدو له فيه».

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان.

(5) سورة القدر الآية 4.


وروى العياشي عن حماد بن عيسى عن حسان بن ابى على (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ليلة القدر فقال اطلبها في تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين».

وروى الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن ليلة القدر فقام خطيبا فقال بعد الثناء على الله (عزوجل): اما بعد فإنكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم لأني لم أكن عالما بها ، اعلموا أيها الناس انه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوى فصام نهاره وقام وردا من ليله وواظب على صلاته وهجر الى جمعته وغدا الى عيده فقد أدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب (عزوجل) وقال أبو عبد الله عليه‌السلام فازوا والله بجوائز ليست كجوائز العباد».

أقول : في هذه الاخبار المتعلقة بليلة القدر فوائد شريفة ينبغي التنبيه عليها :

الاولى ـ لا يخفى ان هذا الخبر الأخير قد اشتمل على إخفاء ليلة القدر بالكلية وعدم الاعلام بها مع السؤال عنها ، وجملة من الأخبار المتقدمة قد اشتملت على إخفائها في ليلتين أو ثلاث ، وجملة قد صرحت بها.

ولعل الوجه في ذلك ان السبب في إخفائها بالمرة ليستوعب الشهر كله بالأعمال الصالحة ، وهذا هو الأنسب بسائر الناس فإنهم متى علموها على الخصوص فلربما رغبوا عن العمل في غيرها إيثارا لها بذلك. واما من عرف حرمة الشهر ووفاة اعماله فهؤلاء الخواص وقد أخفيت لهم في ليلتين أو ثلاث ليوفوا هذه الليالي الشريفة أعمالها لان بعضها وان لم يكن ليلة القدر إلا انه من القريب من مرتبتها. واما من بينت له بالخصوص فهم خواص الخواص الذين يعلم منهم القيام باعمال تلك الليالي الشريفة وإن علموا انها ليست بليلة القدر ، واليه يشير مسارة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الجهني في اذنه. ولا ينافي ذلك حديث زرارة المتقدم وعدم اعلام الباقر

__________________

(1) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان. ارجع الى الاستدراكات.

(2) الوسائل الباب 18 من أحكام شهر رمضان.


عليه‌السلام له بها وامره بالعمل في تلك الليلتين مع انه من خواص الخواص لانه يمكن حمله على ان ذلك وقع من حيث الحاضرين وقت السؤال.

الثانية ـ ما تضمنه الحديث الأول (1) ـ من ان العمل في ليلة القدر خير من الف شهر ليس فيها ليلة القدر ـ فالمراد بهذه الالف شهر هي ملك بنى أمية كما دل عليه الخبر الذي بعده ، وبذلك صرح الصادق عليه‌السلام في الحديث المروي عنه في صدر الصحيفة السجادية (2) حيث قال فيه : «وانزل الله في ذلك (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (3) تملكها بنو أمية ليس فيها ليلة القدر».

بقي الكلام في معنى عدم ليلة القدر في هذه الالف شهر هل هو بمعنى رفعها منها بالكلية كما هو ظاهر الاخبار الدالة على تنزل الملائكة فيها على الامام عليه‌السلام من كل سنة بما يتجدد من الحوادث والقضايا (4) واليه يشير خبر يعقوب المتقدم (5) وقوله عليه‌السلام : «لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن»؟. اشكال من دلالة الاخبار على هذا المعنى الأخير ، ومن انه متى كان التفضيل على ما عدا ليلة القدر فإنه لا وجه لخصوصية هذه الالف شهر التي يملكها بنو أمية بذلك كما هو ظاهر إطلاق الخبر الأول متى قطع النظر عن تأيده بما قدمناه.

ومثله ما رواه في الكافي (6) عن الحسن بن العباس بن الحريش عن ابى جعفر الثاني عليه‌السلام قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام كان على بن الحسين عليه‌السلام يقول «إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» (7) صدق الله (عزوجل) أنزل الله القرآن في ليلة القدر «وَما أَدْراكَ

__________________

(1) ص 438 و 439.

(2) ص 13 طبع النجف الأشرف.

(3 و 7) سورة القدر الآية 2 و 3 و 4.

(4) أصول الكافي ج 1 ص 242 الى 253.

(5) ص 439 و 440.

(6) الأصول ج 1 ص 248 رقم 4.


ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ» قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أدرى. قال الله (عزوجل) «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» ليس فيها ليلة القدر.

ومثله ما رواه فيه عن المسمعي (1) ومن جملته «وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر». وبمضمونها أخبار أخر.

وعلى هذا المعنى اعتمد المفسرون كأمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان وغيره ، قال في مجمع البيان : ثم فسر سبحانه تعظيمه وحرمته فقال «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» ليس فيه ليلة القدر وصيامه. ثم نقل ذلك عن مقاتل وقتادة. ثم نقل عن عطاء عن ابن عباس معنى آخر يتضمن ان المفضل عليه الف شهر كان رجل من بنى إسرائيل يحمل السلاح فيها على عاتقه في سبيل الله فتمنى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك في أمته فأنزل الله تعالى «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» الذي حمل الاسرائيلى فيها السلاح في سبيل الله (2).

ومن ما يؤيد التقييد الذي أشرنا إليه زيادة على أشرنا إليه من الروايات ما رواه في روضة الكافي (3) في حديث عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «وانزل الله (جل ذكره) إنا أنزلناه في ليلة القدر وما ادراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر للقوم. الحديث».

ومثله في الاحتجاج (4) عن الحسن بن على (عليهما‌السلام) في حديث طويل مع معاوية ذكر فيه رؤيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وان الله تعالى أنزل عليه في كتابه «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» ثم قال عليه‌السلام : فاشهد لكم واشهد عليكم ما سلطانكم بعد على عليه‌السلام إلا الالف شهر التي أجلها الله (عزوجل) في كتابه.

واما كون مدة ملك بنى أمية ألف شهر فبيانه ان المستفاد من كتب السير

__________________

(1) الوسائل الباب 18 من أحكام شهر رمضان.

(2) سنن البيهقي ج 4 ص 306.

(3) ص 222 و 223.

(4) ص 154.


والاخبار ان أول انفراد بنى أمية بالأمر بعد ما صالح الحسن عليه‌السلام معاوية وهو سنة أربعين من الهجرة وكان انقضاء دولتهم على يد ابى مسلم الخراساني سنة اثنين وثلاثين ومائة من الهجرة فكانت مدة دولتهم اثنين وتسعين سنة ، رفع منها مدة خلافة عبد الله بن الزبير وهي ثمان سنين وثمانية أشهر بقي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر بلا زيادة ولا نقصان وهي ألف شهر (1).

الثالثة ـ اختلفت أقوال العامة في تعيين ليلة القدر بل في بقائها فذهب بعضهم إلى أنها رفعت بعد موت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو قول شذوذ منهم والمشهور بقاؤها ، إلا أن القائلين ببقائها اختلفوا في تعيينها ، فقال بعضهم انها مشتبهة في السنة كما ذهب إليه أبو حنيفة ، ومنهم من قال في شعبان والأكثر على انها في شهر رمضان ، وذهب بعضهم إلى أنها أول ليلة منه ، وقيل في ليلة سبع عشرة منه عن الحسن البصري ، والصحيح عندهم انها في العشر الأواخر وهو مذهب الشافعي ، وروى مرفوعا (2) «التمسوها في العشر الأواخر». ثم اختلفوا في أنها آية ليلة من العشر فقيل انها ليلة احدى وعشرين وهو مذهب ابى سعيد الخدري واختاره الشافعي ، وقيل هي ليلة ثلاث وعشرين منه عن عبد الله بن عمر ، وقيل ليلة سبع وعشرين عن ابى بن كعب ، وقيل انها ليلة تسع وعشرين (3) ولكل من هذه الأقوال رواية يعتمدها (4).

__________________

(1) ذكر ذلك السيوطي في الخصائص الكبرى ج 2 ص 118 طبع حيدرآباد ، وابن دحلان في السيرة النبوية على هامش السيرة الحلبية ج 1 ص 231 والحلبي في السيرة الحلبية ج 1 ص 421 في فصل الإسراء.

(2) سنن البيهقي ج 4 ص 307 و 308.

(3) ذكر في عمدة القارئ ج 5 ص 362 الأقوال كلها إلا انه نسب إلى الشيعة القول بأنها رفعت ، واخبارهم وكلماتهم تنادي بأنها لم ترفع ولا سيما خبر يعقوب المتقدم ص 439.

(4) سنن البيهقي ج 4 ص 307 الى 313.


قال بعض الأصحاب : ولا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في انحصارها في هذه الليالي الثلاث : ليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين إلا من الشيخ في التبيان فإنه نقل الإجماع على انها في فرادى العشر الأواخر.

أقول : الظاهر من كلام العلامة في المنتهى كونها في العشر الأواخر من غير تعيين ، فإنه قال أولا ـ بعد نقل جملة من أقوال العامة ـ ما صورته : إذا ثبت هذا فإنه يستحب طلبها في جميع ليالي شهر رمضان وفي العشر الأواخر آكد وفي ليالي الوتر منه أوكد. ثم نقل جملة من كلامهم ونقل جملة من الاخبار التي قدمنا نقلها من ما دل على الانحصار في ثلاث أو اثنتين أو انها ليلة الجهني ، وقال بعد ذلك فرع ـ لو نذر ان يعتق عبده بعد مضى ليلة القدر فان كان قاله قبل العشر صح النذر ووجب عليه العتق بعد انسلاخ الشهر لانه يتفق حصولها إذا مضت الليلة الأخيرة ، وان كان قاله وقد مضى ليلة من العشر لم يتعلق النذر بتلك السنة لأنه لا يتحقق وجودها بعد النذر فيقع في السنة الثانية إذا مضى جميع العشر. انتهى. وهو مؤذن بتوقفه في التعيين وجزمه بأنها في العشر الأخيرة وقد عرفت من ما قدمنا نقله عن الصدوق ان المشهور هو كونها ليلة ثلاث وعشرين وهو الظاهر من الاخبار كما قدمنا ذكره.

قال أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (قدس‌سره) في كتاب مجمع البيان : والفائدة في إخفاء هذه الليلة أن يجتهد الناس في العبادة ويحيوا جميع ليالي شهر رمضان طمعا في إدراكها كما ان الله سبحانه أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس واسمه الأعظم في الأسماء وساعة الإجابة في ساعات الجمعة. انتهى.

الرابعة ـ اختلف العلماء في معنى هذه التسمية ، فقيل سميت ليلة القدر لأنها الليلة التي يحكم الله فيها ويقضى بما يكون في السنة بأجمعها من كل أمر وهي الليلة


المباركة في قوله تعالى «إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ» (1) لأن الله تعالى ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة ، وفي الخبر عن ابن عباس (2) انه قال : «تقضى القضايا في ليلة النصف من شعبان ثم يسلمها إلى أربابها في ليلة القدر». وقيل ليلة القدر أي ليلة الشرف والخطر وعظم الشأن من قولهم رجل له قدر عند الناس أي منزله وشرف ومنه «وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (3) اى ما عظموه حق عظمته. وقيل سميت ليلة القدر لانه انزل فيها كتاب ذو قدر الى رسول ذي قدر لأجل أمة ذات قدر على يدي ملك ذي قدر. وقيل سميت بذلك لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة من قوله تعالى «وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ» (4) وهو منقول عن الخليل بن أحمد.

أقول : والظاهر ان أظهر هذه الأقوال هو الأول وهو المناسب لتفضيلها على الف شهر.

الخامسة ـ اختلف العلماء في معنى «انزل القرآن في ليلة القدر» مع انه انما انزل على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله نجوما مدة حياته ، فقيل إنه أنزل الله تعالى القرآن جملة واحدة في اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم كان ينزله جبرئيل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نجوما وكان من أوله الى آخره ثلاث وعشرون سنة. وقيل معناه انا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة وهم الكتبة من الملائكة في السماء الدنيا وكان ينزل ليلة القدر من الوحي على قدر ما ينزل به جبرئيل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في السنة كلها الى مثلها من القابل ، وقيل ان معناه انا أنزلنا القرآن في شأن ليلة القدر وهو قوله تعالى «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» (5)

__________________

(1) سورة الدخان الآية 3.

(2) قال الالوسى في روح المعاني ج 25 ص 113 في قوله تعالى «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» في سورة الدخان : روى عن ابن عباس : تقضى الأقضية كلها في ليلة النصف من شعبان وتسلم إلى أربابها ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان.

(3) سورة الانعام والزمر الآية 92 و 68.

(4) سورة الطلاق الآية 8.

(5) سورة القدر الآية 4.


وذهب المحدث الكاشاني في أصول الوافي الى ان معنى إنزاله في ليلة القدر إنزال بيانه بتفصيل مجمله وتأويل متشابهه وتقييد مطلقه وتفريق محكمه من متشابهه ، قال : وبالجملة تتميم إنزاله بحيث يكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. انتهى أقول : والظاهر هو القول الأول ويدل عليه

ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن حفص بن غياث عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن قول الله تعالى (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (2) وإنما أنزل القرآن في عشرين سنة بين أوله وآخره؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان الى البيت المعمور ثم أنزل في طول عشرين سنة. ثم قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان وانزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وانزل الزبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان وأنزل القرآن في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان».

أقول : في هذا الخبر دلالة على ان ليلة القدر هي ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان لاخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله بإنزال القرآن فيها.

بقي انه قد روى في التهذيب في باب فضل شهر رمضان من كتاب الصيام خبرا في أول الباب (3) فيه «انه نزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان فاستقبل الشهر بالقرآن». ثم روى في آخر الباب حديثا عن أبى بصير (4) يتضمن إنزال الكتب المذكورة في هذا الخبر وإنزال القرآن في ليلة القدر.

ولا يخفى مدافعة الخبر الأول من هذين الخبرين لما دل على النزول ليلة القدر

__________________

(1) الأصول ج 2 ص 628.

(2) سورة البقرة الآية 182.

(3) وهو حديث عمرو الشامي الذي أورده في الوسائل الباب 18 من أحكام شهر رمضان.

(4) الوسائل الباب 18 من أحكام شهر رمضان رقم 16.


وبعضهم جمع بين الخبرين بحمل النزول في ليلة القدر يعني إلى الأرض والخبر الآخر على نزوله الى السماء. ويدفعه صدر الخبر المذكور من ان نزوله إلى الأرض كان نجوما في عشرين سنة. والأقرب في الجمع بينهما حمل النزول في أول ليلة من شهر رمضان على أول النزول وان كان الأكثر إنما نزل في ليلة القدر. واما ما نقلناه عن المحدث الكاشاني فاستند فيه الى حديث إلياس المذكور في كتاب الحجة (1) وفي الدلالة نظر.

السادسة ـ ما تضمنه الخبر الأول (2) ـ من قوله عليه‌السلام : فهو المحتوم ولله فيه المشيئة ـ لا يخلو من اشكال ولعله سقط من البين شي‌ء ، لأن المحتوم لا تدخله المشيئة كما دلت عليه الأخبار ومنها قوله عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم المتقدم (3) «وأمر عنده موقوف له فيه المشيئة» وأظهر منه ما تقدم (4) في آخر رواية إسحاق بن عمار.

ويؤيده ما ورد في الاخبار (5) من ان العلم المخزون عنده هو الذي يكون فيه البداء وله فيه المشيئة بالتقديم والتأخير والزيادة والنقصان ونحو ذلك وما اطلع عليه ملائكته ورسله فإنه محتوم لا يداخله البداء ، ولا ريب ان ما تكتبه الملائكة في هذه الليلة وتنزل به الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والامام القائم بعده من أحوال تلك السنة وما يتجدد فيها إنما هو من الثاني فكيف تكون فيه المشيئة كما دل عليه الخبر المذكور.

ومن الأخبار المشار إليها ما رواه في الكافي (6) عن الفضيل بن يسار في الصحيح قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول العلم علمان : فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه وعلم علمه ملائكته ورسله ، فما علمه ملائكته ورسله فإنه سيكون لا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون يقدم منه

__________________

(1) باب الاضطرار إلى الحجة ج 2 ص 8 وقد ذكر التوجيه ص 11.

(2) وهو حديث حمران المتقدم ص 438.

(3) ص 440.

(4) ص 442.

(5 و 6) الأصول ج 1 كتاب التوحيد باب البداء.


ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويثبت ما يشاء». ومثله غيره.

السابعة ـ ما تضمنه حديث إسحاق بن عمار المتقدم (1) من قوله : «قال في ليلة تسع عشرة يلتقي الجمعان. الى آخره». لعل المعنى فيه ـ والله تعالى وأولياؤه اعلم بباطنه وخافية ـ ان في ليلة تسع عشرة يجمع بين طرفي كل حكم بالإيقاع واللاايقاع وفي ليلة احدى وعشرين يفرق بينهما بالمشيئة لأحدهما دون الآخر لكن لا على جهة الحتم بل على وجه يدخله البداء وفي ليلة ثلاث وعشرين يمضى ذلك حتما على وجه لا يدخله البداء.

وفي معنى هذا الخبر وان كان بألفاظ أخر ما رواه في الكافي في الموثق عن زرارة (2) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام التقدير في ليلة تسع عشرة والإبرام في ليلة احدى وعشرين والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين».

وما رواه فيه عن ربيع المسلي وزياد بن ابى الحلال ذكراه عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام ـ ورواه في الفقيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) ـ قال : «في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير وفي ليلة احدى وعشرين القضاء وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها ، ولله تبارك وتعالى أن يفعل ما يشاء في خلقه».

فالتقدير المذكور في هذين الخبرين عبارة عن استحضاره بكميته وكيفيته مع عدم الترجيح بين ما في الوجود والعدم وهي المرتبة الأولى المشار إليها في الخبر المتقدم بالتقاء الجمعين ، والمرتبة الثانية التي تقع في ليلة احدى وعشرين ترجيح أحد الطرفين وهي المعبر عنها في أول هذين الخبرين بالإبرام وفي ثانيهما بالقضاء ، وإطلاق الإبرام هنا وقع تجوزا باعتبار الترجيح ، والمرتبة الثالثة في ليلة ثلاث وعشرين وهي الإمضاء والإبرام الحقيقي الذي لا يدخله البداء.

__________________

(1) ص 442.

(2 و 3) الوسائل الباب 32 من أحكام شهر رمضان.


والمفهوم من الأخبار ان هذه المراتب في أفعاله (عزوجل) مطلقا وانه لا يكون فعل إلا بها وربما زيد عليها أيضا :

ففي الكافي (1) عن على بن إبراهيم الهاشمي قال : «سمعت أبا الحسن موسى ابن جعفر عليه‌السلام يقول : لا يكون شي‌ء إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى. قلت ما معنى شاء؟ قال ابتداء الفعل. قلت ما معنى أراد؟ قال الثبوت عليه. قلت ما معنى قدر؟ قال تقدير الشي‌ء من طوله وعرضه. قلت ما معنى قضى؟ قال إذا قضى أمضاه فذلك الذي لا مرد له».

ولتحقيق القول في ذلك محل آخر.

وروى الشيخ والصدوق عن الحسن بن على بن فضال (2) قال : «كتبت الى أبى الحسن الرضا عليه‌السلام اسأله عن قوم عندنا يصلون ولا يصومون شهر رمضان وربما احتجت إليهم يحصدون لي فإذا دعوتهم الى الحصاد لم يجيبوني حتى أطعمهم وهم يجدون من يطعمهم فيذهبون اليه ويدعوني وأنا أضيق من إطعامهم في شهر رمضان؟ فكتب عليه‌السلام بخطه أعرفه : أطعمهم».

وروى في الكافي عن عمر بن يزيد (3) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان المغيرية يزعمون ان هذا اليوم لهذا الليلة المستقبلة؟ فقال كذبوا هذا اليوم لليلة الماضية ، ان أهل بطن نخلة حيث رأوا الهلال قالوا قد دخل الشهر الحرام».

أقول : بطن نخلة موضع بين مكة والطائف ، والمغيرية اتباع المغيرة بن سعيد العجلي وقد تكاثرت الاخبار بذمة وانه كان من الكاذبين على ابى جعفر عليه‌السلام (4)

__________________

(1) الأصول ج 1 ص 150 باب المشيئة والإرادة ، وقوله : «قلت ما معنى أراد؟ قال الثبوت عليه» ليس فيه وانما هو في الوافي ج 1 ص 114 باب أسباب الفعل من أبواب معرفة مخلوقاته وأفعاله من كتاب العقل والعلم والتوحيد.

(2) الوسائل الباب 36 من أحكام شهر رمضان.

(3) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان.

(4) ارجع الى الاستدراكات.


وروى انه كان يدعو الى محمد بن عبد الله بن الحسن ولقبه الأبتر وهو زيدي واليه تنسب البترية الذين هم أحد فرق الزيدية.

وروى ثقة الإسلام في الكافي مسندا عن ابى عبد الله عن أبيه عن جده (عليهم‌السلام) ان عليا عليه‌السلام ـ ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا (1) «ان عليا عليه‌السلام ـ قال يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان لقول الله (عزوجل) (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ)» (2) وزاد في الكافي (3) : «والرفث الجماع».

قال في الوافي : إنما قال يستحب وليس في الآية أزيد من الحل لان الله سبحانه أحب ان يؤخذ برخصه.

وروى احمد بن محمد بن احمد بن عيسى في نوادره عن فضالة عن إسماعيل بن ابى زياد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثم ساق الخبر الى أن قال : وسمى شعبان شهر الشفاعة لأن رسولكم يشفع لكل من يصلى عليه فيه ، وسمى شهر رجب الأصب لأن الرحمة تصب على أمتي فيه صبا. ويقال الأصم لأنه نهى فيه عن قتال المشركين وهو من الشهور الحرام».

وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج (5) عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري في مكاتباته لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) «انه كتب اليه ان قبلنا مشايخ وعجائز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة وأكثر ويصلون شعبان بشهر رمضان

__________________

(1) الوسائل الباب 30 من أحكام شهر رمضان. وفي الفروع ج 1 ص 213 «حدثني ابى عن جدي عن آبائه».

(2) سورة البقرة الآية 184.

(3) الفروع ج 1 ص 213 وفيه هكذا «والرفث المجامعة».

(4) الوسائل الباب 30 من الصوم المندوب.

(5) الوسائل الباب 26 من الصوم المندوب.


وروى لهم بعض أصحابنا ان صومه معصية؟ فأجاب : قال الفقيه يصوم منه أياما إلى خمسة عشرة يوما ثم يفطر إلا ان يصومه عن الثلاثة الأيام الفائتة للحديث : ان نعم شهر للقضاء رجب».

أقول : يشم من هذا الخبر رائحة التقية ولعل في عدوله عليه‌السلام عن الجواب من نفسه الى النقل عن الفقيه إيماء الى ذلك ، والعلامة قد نقل القول بكراهة صوم شهر رجب كله عن احمد (1) ونقل عنه انه احتج بما رواه خرشة بن الحر قال : «رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية» وعن ابن عمر «انه كان إذا رأى الناس وما يعدون لرجب كرهه وقال صوموا منه وأفطروا» «ودخل أبو بكر على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال ما هذا؟ فقالوا رجب نصومه. قال أجعلتم رجبا رمضان فأكفأ السلال وكسر الكيزان» (2).

قال العلامة في المنتهى بعد نقل ذلك عن احمد ونقل جملة من الاخبار الدالة على استحباب صيامه : ونقل احمد عن عمر انه إنما كان تعظمه الجاهلية يقتضي عدم العرفان بفضل هذا الشهر الشريف في الشريعة المحمدية ، وكذا أمر ابن عمر وابى بكر بترك صومه يدل على قلة معرفتهما بفضل هذا الشهر ، وبالجملة لا اعتداد بفعل هؤلاء مع ما نقلناه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته.

أقول : بل الظاهر ان الوجه في منع القوم إنما هو ما سمعوه من ان هذا الشهر شهر على عليه‌السلام كما ورد في بعض أخبارنا وانه مأمور بصومه لذلك (3) كما ان شعبان شهر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وشهر رمضان شهر الله تعالى (4). فيكون عليه‌السلام قرينا لهما في هذا

__________________

(1) المغني ج 3 ص 166.

(2) المغني ج 3 ص 167 والمروي عنه فيه «أبو بكرة» لا «أبو بكر» كما في المتن.

(3) الوسائل الباب 26 من الصوم المندوب رقم 16 والباب 28 منه رقم 13.

(4) الوسائل الباب 26 من الصوم المندوب رقم 16 والباب 28 منه رقم 10 و 12 و 18 و 23 و 24.


الموضع كما في غيره فحملتهم العداوة الجبلية على المنع من صومه حسدا وبغضا ، إذ يبعد كل البعد عدم سماعهم من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ما ورد في فضله مع صومه صلى‌الله‌عليه‌وآله كلا أو بعضا.

ثم أقول : لا يخفى انه متى كانت الاخبار قد وردت من هذين الخليفتين اللذين هما معتمدا أهل السنة في دينهما زيادة على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما يعلم من تصلبهم على القيام ببدعهم في الدين فان هذا القول لا يختص بأحمد من بينهم إلا انه لم ينقل. والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *