الرسالة الصلاتية - الطهارة

الرسالة الصلاتية

تأليف: فقيه أهل البيت "عليهم السلام"

المحدث الشيخ يوسف آل عصفور البحراني

قدس الله نفسه الزكية
الطهارة - الصلاة - اللواحق


المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

  أما بعد حمد الله سبحانه على جزيل نواله والصلاة على خيرته محمد وآله (فيقول) الفقير إلى جود ربه السبحاني والمتعطش لفيضه الصمداني: يوسف بن أحمد البحراني ملّكه الله نواصي الأماني، وذلل له شوامس المعاني، وبصّره بعيوب نفسه، وجعل يومه خيراً من أمسه.

  قد إلتمس مني جملة من الأخوان الأعزّاء والأخلاء النبلاء إملاء رسالة وجيزة في الصلاة اليومية وما يتبعها من الأحكام الأبدية واضحة الألفاظ والمعاني سهلة التناول للقاصي والداني يرجع إليها المبتدي ويعول عليها المنتهي، فأجبت مسؤولهم وحققت مأمولهم ابتغاء وجهه الكريم في هداية المسترشدين وطلب ثوابه الجسيم في يوم الدين.

  وقد رتبتها على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة راجياً من الجناب الوهّاب الإمداد بالهداية إلى جادة الحق والصواب، والعصمة من زلات الأقدام، وهفوات الأقلام في كل باب إنه خير من دعي فأجاب ورجا واستجاب.

  اعلم أيدك الله تعالى أن الغرض من خلق الإنسان هو عبادة الملك العلام كما نطق به القرآن فقال عزوجل (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

  وقد ضمن لهم الأرزاق على قدر الاستحقاق لئلا يصدهم عن القيام بواجب طاعته فقال: (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) وقال (وفي السماء رزقكم وما توعدون).

  وقد استفاضت أخبار أهل البيت صلوات الله عليهم بأن أفضل العبادات الصلاة اليومية التي هي أفضل الأعمال البدنية، وأنها عمود الدين، وأن الأعمال لا تقبل إلا بقبولها، وأنه لا يقبل منها إلا ما أقبل عليه بقلبه، وأنه ينبغي للمؤمن المحافظة عليها في أول أوقاتها والإتيان بحدودها، وأن من استخفّ بها كان في حكم التارك لها.

  فروى المشايخ الثلاثة (عطّر الله مراقدهم) عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وآله: مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط وإذا ثبت العمود ثبت الأطناب والأوتاد والغشاء، وإذا انكسر لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء.

  أقول: الفسطاط البيت من الشعر والخيمة العظيمة والمراد أن مثل الصلاة من بين سائر العبادات مثل العمود وغيرها من سائر أجزاء الفسطاط.

  وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن علي عليه السّلام قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وآله: إن عمود الدين الصلاة، وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحت نظر في عمله، وإن لم تصح لم ينظر في بقية عمله.

  وهذا الخبر صريح كما ترى في أنه متى لم تصح صلاته ردت عليه بقية أعماله وإن كانت صحيحة.

  وروى ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب بسنديهما عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر يقول: إن أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل ما سواها، إن الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول حفظتني حفظك الله، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيعك الله. ومثلها روي في كتاب الفقيه عن الصادق عليه السّلام مرسلاً.

  وروى الشيخان المتقدمان عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: بينا رسول الله صلى اللّه عليه وآله كان جالساً في المسجد إذ دخل عليه رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده. فقال صلى اللّه عليه وآله: نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني .

  وروى ثقة الإسلام في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لا تتهاون بصلاتك فإن النبي صلى اللّه عليه وآله قال عند موته: ليس مني من استخفّ بصلاته، ليس مني من شرب مسكراً، لا يرد علي الحوض لا والله.

  وروي في الكافي والفقيه عنه عليه السّلام قال: لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته، لا يرد علي الحوض.

  وروي في الكافي قال: قال أبو الحسن عليه السّلام: لما حضر أبي الوفاة قال لي: يا بني انه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بصلاته.

  وروي في الفقيه عن الصادق عليه السّلام: إن شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة.

  وروي في الكافي والتهذيب عن الصادق عليه السّلام قال: والله إنه ليأتي على الرجل خمسون سنة ما قبل الله منه صلاة واحدة فأي شيء أشد من هذا؟ والله إنكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها، إن الله عزّ وجل لا يقبل إلا الحسن، فكيف يقبل ما يستخفّ به؟

  (أقول) يستفاد من هذه الأخبار أن التهاون في المحافظة على حدود الفرائض والتساهل في استيفاء أركانها وواجباتها وتأخيرها إلى آخر أوقاتها يؤدي إلى الاستخفاف بشأنها وهو يؤدي إلى الكفر – نعوذ بالله من ذلك – ومن أجل هذا جاءت الأخبار لا تناله الشفاعة ولا يرد الحوض.

  ويدل هذا على ما قلناه صريحاً – من أن الاستخفاف في حكم الترك والترك كفر- ما رواه في الفقيه عن أبي عبدالله عليه السّلام أنه سئل: ما بال الزاني لا تسميه كافراً وتارك الصلاة تسميه كافراً؟ وما الحجة في ذلك؟ فقال: لأن الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه، وتارك الصلاة لا يترك إلا استخفافاً بها وذلك أنك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلا وهو مستلذ بإتيانه إياها قاصداً إليها، وكل من ترك الصلاة قاصداً لتركها فليس قصده لتركها اللذة فإذا نفيت اللذة وقع الاستخفاف وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر.

  إلى غير ذلك من الأخبار القاطعة للظهور المعلنة لمن خالفها بالويل والثبور، فليتق الله امرؤ آمن بالله ورسوله في المحافظة على صلاته التي هي عمود دينه وعماد يقينه وسبب نجاته ونجحه والفوز في تجارته على ربه بعظيم ربحه.

  هذا مع ما ورد في ثوابها من الأجر والثواب والقرب من الملك العلام مما لا تحصيه الأقلام ولا تعدّه أصناف الأنام، ولا يخطر على الخواطر والأوهام.

  فروى ثقة الإسلام في الكافي عن أبي عبدالله عليه السّلام قال: إذا قام المصلي إلى الصلاة نزلت عليه ملائكة الرحمة من عنان السماء إلى عنان الأرض وحفّت به الملائكة وناداه ملك لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة ما انفتل. (أقول) وعنان السماء ما يرى منها.

  وروي في الكتاب المزبور أيضاً عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وآله: إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله إليه أو قال أقبل الله عليه حتى ينصرف وأظلته الرحمة من أفق رأسه إلى أفق السماء والملائكة تحف من رأسه إلى أفق السماء ووكل الله به ملكاً قائماً على رأسه يقول له: أيها المصلي لو تعلم من ينظر إليك ومن تناجي ما التفت ولا زلت عن موضعك أبداً.

  وروي في الكافي وفي النهاية أيضاً قال قال أبو عبدالله عليه السّلام : صلاة فريضة خير من عشرين حجة، وحجة خير من بيت مملوء ذهباً يتصدق منه حتى يفنى.

  وروى الشيخ في التهذيب عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وآله لو كان على باب دار أحدكم نهر فاغتسل منه في كل يوم خمس مرات أكان يبقى في بدنه شيء من الدرن؟ قلنا: لا، قال: فإن مثل الصلاة كمثل النهر الجاري كلما صلّى صلاة كفر ما بينهما من الذنوب.

  وروى الصدوق في الفقيه قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: ما من عبد من شيعتنا يقوم إلى الصلاة إلا اكتنفته بعدد من خالفه ملائكة يصلون خلفه ويدعون الله حتى يفرغ من صلاته.

  وروي فيه عن أبي جعفر عليه السّلام انه قال: للمصلي ثلاث خصال إذا هو قام في صلاته: حفّت به الملائكة من قدمه إلى عنان السماء، ويتناثر البر عليه من عنان السماء إلى مفرق رأسه، وملك موكّل به ينادي لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل.

  إلى غير ذلك من الأخبار الجارية في هذا المضمار، فيا أف لمن قرعت سمعه هذه الأخبار، واطلع على ما تضمنته هذه الآثار ثم قابل بالصد والأدبار، واغتر بزخارف هذه الدار المملوءة بالأكدار والآصار عن التوجه إلى خدمة الملك الجبار ومن بيده أزمة الإيراد والإصدار.

  نسأل الله تعالى لنا ولإخواننا المؤمنين التوفيق فيما يوجب الزلفى لديه في الدنيا والدين إنه كريم رحيم معين.

الباب الأول

في الطهارة وما يلحق بها

وفيه مقاصد:

المقصد الأول

في الوضوء

وفيه فصول:

الفصل الأول

موجبات الوضوء

  البول والغائط والريح والنوم الغالب على العقل والإستحاضة على بعض الوجوه.

  والمشهور بين أصحابنا بل كاد أن يكون إجماعا عدّ مزيل العقل أيضاً من سكر وجنون وإغماء ودليلهم لا يفي بالدلالة وإن كان الأحوط العمل بما ذهبوا إليه.

  وما عدا ذلك من مذي أو تقبيل أو مس باطن الفرجين أو قيء أو نحو ذلك وإن وردت به الأخبار إلا أنها مخالفة للمذهب موافقة لمذهب العامة فيجب حملها على التقية وإن كان المشهور بين أصحابنا رضوان الله عليهم حملها على الاستحباب. والأظهر ما ذكرناه.

  نعم الأحوط الوضوء من المذي الخارج بشهوة .

الفصل الثاني

كيفية الوضوء

  يجب في الوضوء أمور:

  أحدها: النية: وهي قصد الفعل قربة إلى الله تعالى، وهي أمر قلبي كما في سائر الأفعال التي يوقعها المكلف.

  وزاد أصحابنا قصد الرفع والاستباحة والوجوب أو الندب. ولم تقف على دليل يدل على شيء من ذلك.

  والقربة كافية عندنا هنا وفي جميع العبادات.

  والدائر في كلام القوم أنها عبارة عن الكلام النفساني الذي يصوره المكلف عند الشروع في الفعل بأن ينوي مثلاً عند الوضوء بقلبه أو يقول مع ذلك بلسانه: (أتوضأ لرفع الحدث واستباحة الصلاة لوجوبه قربة إلى الله تعالى) وكذلك ما يتصوره عند الصلاة بقوله مثلاً (أصلي فرض الظهر أداءاً لوجوبه قربة إلى الله).

  وليس كذلك بل النية أمر بسيط لا تركيب فيه بوجه، ويظهر لك صحة ما نقول من جملة أفعال المكلف التي تصدر عنه من أكل وشرب وقيام وقعود ونوم ونكاح وسعي في الحوائج ونحو ذلك، فإن هذه الأفعال لا تقع من المكلف العاقل غير الغافل بغير نية مع أنه لا يتصور شيئاً وقت إيقاعها وإصدارها كما يفعله في عباداته، وليست العبادة من صلاة وطهارة ونحوهما إلا كسائر أفعاله، نعم تزيد عليها باعتبار قصد التقرب بالفعل لله سبحانه، وإلا فقصد الفعل مشترك في الجميع على نهج واحد وهو أمر جبلي لا يتمكن المكلف العاقل غير الذاهل من إيقاع الفعل بدونه، لذا قيل لو كلفنا الله تعالى العمل بغير نية لكان تكليفاً لما لا يطاق.

  وحينئذٍ فما بال سائر المكلفين إذا أرادوا إيقاع سائر الأفعال لا يحصل لهم اضطراب ولا وسوسة ولا إشكال، وإذا أرادوا إيقاع الصلاة ونحوها حادوا وتاهوا في أودية الوسواس، والتاثت عليهم شباك الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس.

  وهذه جملة شافية ونخبة كافية في أمر النية تعتمد عليها في جميع المقامات، وترجع إليها في جميع العبادات.

  وأوجب الأصحاب مقارنة النية لغسل الوجه، ورخصوا في مقارنتها لغسل اليدين الذي يستحب في أول الوضوء، وهو مبني على ما نقلناه عنهم من أنها عبارة عن الكلام النفساني الذي يحدثه المكلف ويصوره في خاطره عند إرادة الطهارة والصلاة ونحوهما، وقد عرفت ما فيه.

  ويجب استدامتها حكماً إلى الفراغ بأن لا ينوي نية أخرى تنافيها، وهو مما لا خلاف فيه ولا إشكال يعتريه.

  وثانيها: غسل الوجه: وحدّه من قصاص شعر المقدم من الرأس إلى محاذر الذقن طولاً وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضاً، ويراعى في ذلك مستوى الخلقة، وغيره يحال عليه.

  ويجب الابتداء في غسله بالأعلى على الأشهر الأظهر، ولا يجوز النكس خلافاً لجملة من متأخري المتأخرين، والأحوط غسل ما وقع فيه الخلاف من المواضع الواقعة في الحدود ومنها:

  1- العذار وهو الشعر النابت على العظم الذي على سمت الصماخ يتصل أعلاه بالصدغ وأسفله بالعارض.

  2- مواضع التحذيف – بالحاء المهملة والذال المعجمة – وهي ما بين الصدغ والنزعة، وسميت بذلك لأنها يحذف النساء المترفات الشعر النابت عليها.

  3- العارض وهو الشعر المنحط على محاذاة الأذن يتصل أسفله بما يقرب من الذقن وأعلاه بالعذار.

  ولا يجب تخليل الشعر من لحية وغيرها بمعنى إدخال الماء لغسل البشرة المستورة بالشعر، وأما إذا كانت البشرة ظاهرة بحيث ترى في مجلس التخاطب لكون الشعر خفيفاً لا يسترها فإنه يجب غسلها بغير إشكال وإن كان كلام الأصحاب في هذا المقام لا يخلو من إجمال.

  وثالثها: غسل اليدين: مقدماً لليمنى اتفاقاً نصاً وفتوى مبتدئاً بالمرفقين على الأظهر الأشهر فلا يجوز النكس خلافاً لمن تقدمت الإشارة إليهم في غسل الوجه فإنهم جوزوا النكس أيضاً هنا.

  ويجب إدخال المرفقين في الغسل بلا خلاف إنما الخلاف في أن دخولهما أصالة أو من باب المقدمة والأظهر الأول.

  ويجب تخليل ما يمنع وصول الماء إلى البشرة ويستحب فيما لا يمنع.

  والأحوط غسل ما وقع في محل الفرض من يد وإصبع زائدتين ولحم زائد على أصل الخلقة.

  والواجب غسل كل من الوجه واليد اليمنى واليد اليسرى مرة مرة، والمشهور استحباب مرة ثانية لكل واحد من هذه الأعضاء الثلاثة وقيل بالتحريم وهو الأقرب عندي من الأدلة فلا ينبغي الزيادة على المرة.

  ويستحب الإسباغ في الغسل وإن كان الواجب يتأدى بما هو كالدهن كما استفاضت به الأخبار.

  ورابعها: مسح بشرة مقدم الرأس وشعره المختص به: وهو الذي لا يخرج بمده عن حد المقدم، فلو زاد على حد المقدم إذا مد إلى ناحية الوجه لم يمسح علي القدر الزائد منه لخروجه في محل الفرض.

  ويجب أن يكون المسح في الرأس، وفي الرجلين ببقية البلل فلا يجوز استئناف ماء جديد، ولو تعذر بقاء بلة في اليد ليبس الهواء مثلا، أخذ من بلل شعر لحيته وحاجبيه ومسح به.

  ومع جفاف الجميع فإن كان لضرورة الحر أو قلة الماء جاز الاستئناف وقيل بالانتقال إلى التيمم والأحوط الجمع بين الأمرين وإلا أعاد الوضوء، وخلاف ابن الجنيد في المسألة ضعيف لا يلتفت إليه وإن عوّل بعض مشايخنا المعاصرين عليه.

  وهل أقل ما يتأدى به الواجب من المسح بالرأس مجرد المسمّى أو قدر إصبع أو ثلاث أصابع مضمومة في عرض الرأس أقوال أظهرها وأحوطها الثالث فيمسح هذا المقدار وإن كان بإصبع واحد عرضاً في طول الرأس.

  ولا يجوز المسح على حائل إجماعا إلا لضرورة من برد أو قرح أو تقية.

  وخامسها: مسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين: ويجوز النكس على الأشهر الأظهر وإن كان الأفضل العدم.

  وهل الكعب هنا عبارة عن قبة القدم كما هو المشهور أو المفصل بين الساق والقدم كما هو القول الآخر إشكال وإن كان الأقرب الأول إلا أن الأحوط الثاني فينبغي المحافظة عليه.

  وهل يجب الاستيعاب طولاً أو يكفي المسمّى؟   قولان:

  والأحوط وجوب الاستيعاب كما هو المشهور، وكذلك الاستيعاب العرضي، وان ادعى الإجماع على عدمه إلا أن الأحوط وجوب الاستيعاب فإن الأدلة من الطرفين في كل الموضعين متدافعة ووجه الجمع بينهما مشكل، فالاحتياط بالوجوب متعين وهو أحد مواضع وجوب الاحتياط.

الفصل الثالث

مستحبات الوضوء

  للوضوء مستحبات:

  منها: التسمية، وغسل اليدين مرة إن كان من حدث البول أو النوم ومرتين إن كان من الغائط.

والدعاء حال الغسل بالمأثور وهو: بسم الله والحمد لله الذي جعل الماء طهوراً ولم يجعله نجساً .

  والمضمضة ثم الاستنشاق ثلاثاً ثلاثاً وأن يقول عند المضمضة: اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك.

  وعند الاستنشاق: اللهم لا تحرم عليّ ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها.

  ويقول عند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه.

  وعند غسل اليد اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد الجنان بيساري وحاسبني حساباً يسيراً.

  وعند غسل اليد اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلي عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران.

  وعند مسح الرأس: اللهم غشني برحمتك وبركاتك.

  وعند مسح القدمين: اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني .

  ويستحب بدأة الرجل في غسل اليدين بغسل ظاهر الذراعين، والمرأة بباطنهما.

  والمشهور انه يستحب للرجل في الغسلة الأولى البدأة بظاهر ذراعية، والغسلة الثانية بباطنهما، والمرأة بالعكس. ولم نقف له على مستند.

  ويستحب أن يكون الوضوء بمد لتحصيل سنّة الإسباغ.

الفصل الرابع

أحكام الوضوء

  للوضوء أحكام:

  1- وجوب الترتيب بين الأعضاء وهو إجماعي نصاً وفتوى إلا في الرجلين فأقوال:

  والمشهور سقوط الترتيب فيجوز مسحهما دفعة واحدة بالكفين معاً، وتقديم كل منهما على الأخرى.

  وقيل بوجوب الترتيب وهو البدأة باليمنى ثم اليسرى وهو المعتمد.

  وقيل بالمقارنة أو تقديم اليمنى دون العكس .

  2- الموالاة وهل هي عبارة عن المتابعة بين الأعضاء بمعنى عدم التأخير بما يسمى تراخياً أو مراعاة الجفاف؟ قولان: أظهرهما الثاني.

  ثم انه على هذا القول هل المعتبر جفاف جميع الأعضاء المتقدمة أو عضواً ما أو العضو السابق على ما هو؟ فيه أقوال ثلاثة أظهرها الأول.

  3- تحريم التولية اختياراً وهي عبارة عن أن يتولى غيره غسل أعضائه لا لعذر، فلو كان لعذر من مرض ونحوه جازت من غير إشكال.

  4- كراهة الاستعانة عند الأصحاب. ودليلهم غير ناهض بصحة ما ادعوه.

  والأظهر عدم الكراهة. ويتحقق الاستعانة بصب الماء في اليد لأجل الغسل لا بنحو طلب إحضار الماء أو تسخينه أو نحو ذلك كما توهمه بعضهم.

  5- وجوب طهارة الماء وإباحته. وهل يشترط في مكان الوضوء وكذلك في مكان الغسل الإباحة؟ إشكال والأحوط الاشتراط.

  6- انه لو شك في شيء من أفعال الوضوء وهو على حال الوضوء ولم يقم عنه ولم يدخل في فعل آخر أتى بما شك فيه وما بعده ما لم يجف السابق فيلزم فوات الموالاة وإلا عاد، وإن انتقل عن حال الوضوء إلى حالة أخرى مضى ولم يلتفت.

  7- انه لو شك في الحدث وهو على يقين الطهارة بنى على يقين الطهارة، ولو شك في الطهارة وهو متيقن الحدث بنى على يقين الحدث، ولو تيقنهما معاً وشك في المتأخر فالواجب الطهارة لتعارض الاحتمالين واستحالة الترجيح بلا مرجح.

  8- إن من كان على بعض أعضاء وضوءه جبيرة أو دواء ملصوق فإن لم يتضرر بنزعه نزعه أو إيصال الماء إلى ما تحته وجب إيصاله إلى ما تحته وإلا مسح على ذلك الموضع على المحل المذكور.

  ولو كان القرح أو الجرح خالياً من الدواء فإن تضرر بإجراء الماء عليه غسل ما حوله وتركه. والمشهور مع ذلك وضع شيء طاهر عليه ثم المسح عليه. ولا بأس به.

  9- إن من كان به سلس البول فإنه يضع ذكره في خريطة مملوءة بالقطن ثم يتوضأ ويجمع بين الصلاتين بوضوء واحد ويصليهما بوقت واحد ويفرد الصبح بوضوء، وقيل بوجوب الوضوء لكل صلاة وما ذكرناه أظهر، وإن كان الآخر هو الأشهر.

  ومن كان به داء البطن فإنه يتوضأ ويصلي وإذا فاجأه الحدث في الصلاة تطهّر وتوضأ وبنى على ما فعل.

  وقيل غير ذلك وما اخترناه أفضل.

المقصد الثاني

في غسل الجنابة

  وموجبه أمران:

  أحدهما: الجماع في فرج المرأة؛ وعلى وجه تغيب الحشفة فيجب عليهما معاً الغسل اتفاقاً نصاً وفتوى، وفي الإيلاج في دبرها على الوجه المذكور خلاف والمشهور الوجوب عليهما أيضاً وقيل بالعدم والأدلة من الطرفين متصادمة، والمسألة لا تخلو من شوب الإشكال، والأحوط الوجوب.

  وفي دبر الغلام خلاف أيضاً، والمسألة عارية من النص والأظهر العدم لعدم الدليل، والغسل أحوط.

  والخلاف في وطء البهيمة أضعف .

  وثانيهما: الإنزال يقظة ونوماً من الرجل والمرأة بلا خلف؛ والأخبار الواردة بسقوط ذلك عن المرأة في النوم مطروحة أو مؤولة أو محمولة على التقية.

  وتجب فيه النية وقد مرّ بك الكلام في تحقيقها وتجب استدامتها حكماً إلى الفراغ.

  وأوجب الأصحاب مقارنتها لغسل الرأس وجوزوا مقارنتها لأول الأفعال المستحبة ، وقد عرفت مما قدمناه أنه لا دليل على اعتبار هذه المقارنة لأنه مبني على كون النية عبارة عن الكلام النفسي الذي يتصوره المكلف ويرتبه في فكره عند إرادة العبادة، وهذا ليس هو النية الحقيقية كما عرفت.

  ثم إنه يجب غسل الرأس أولاً ومنه الرقبة ثم الجانب الأيمن ثم الجانب الأيسر إن كان مرتباً. وما اشتهر من نزاع جملة من متأخري المتأخرين في عدم الدليل على وجوب الترتيب في الجانبين جموداً على بعض الأخبار المطلقة قد أوضحنا بطلانه في جملة من مؤلفاتنا، وبينا أن الأظهر من الأخبار وجوب الترتيب.

  ولو أراد الإرتماس في الماء سقط الترتيب، وهو عبارة عن الدخول تحت الماء دفعة عرفية ولا يمنع منها الاحتياج إلى التخليل لو كان كثير الشعر أو نحو ذلك، ومورد أخبار الإرتماس وإن كان غسل الجنابة خاصة لكن لم يفرق أحد بينه وبين غيره من الأغسال بل صرّح جملة منهم بعم الفرق وهو كذلك كما حققناه في محل أليق.

  والإرتماس كما يقع مع خروجه عن الماء كذلك يقع من الجالس في الماء بأن يرسل نفسه من موضع إلى موضع آخر على وجه تختلف عليه سطوح الماء وقيل لا بد من الخروج من الماء وهو ضعيف، وكذا غسل الترتيب يقع من الجالس في الماء على الوجه المذكور.

  ويستحب غسل اليدين من المرفقين أمام الغسل ثلاثاً والمضمضة والاستنشاق والإسباغ بصاع وتخليل ما لا يمنع وصول الماء أما ما يمنع فيجب ويستحب الموالاة فيه فلو فرّق متعمد لم يبطل غسله اتفاقاً نصاً وفتوى.

  ويستحب البول بعد الإنزال أمام الغسل وقيل بالوجوب وهو أحوط .

  ويحرم على الجنب قراءة العزائم وهي عند الأصحاب عبارة عن مجموع السورة المشتملة على آية العزيمة حتى البسملة بقصد أنها منها، والظاهر من الأخبار الاختصاص بنفس اية العزيمة.

  والمشهور أيضاً أنه يحرم عليه مسّ شيء عليه اسم الله تعالى وقيل بالكراهة والأول أحوط .

  ويحرم عليه الجلوس في المساجد والإجتياز في المسجدين مسجد مكة والمدينة حتى لو احتلم فيهما يتيمم للخروج منهما، ويحرم عليه أيضاً وضع شيء في المسجد، وهل تحريم الوضع مخصوص بالدخول أو الأعم ولو من الخارج؟ قولان: للأول منهما انه الفرد الشايع المتبادر فينصرف إليه الإطلاق، والثاني عموم لفظ الخبر. والاحتياط لا يخفى.

  ومن خرج منه بلل مشتبه بعد الغسل عن الإنزال فللأصحاب فيه صور خمس بعضها اتفاقي وبعضها خلافي، والأظهر عندي من الأدلة أنها ثلاث:

  إحداها: من لم يبل ولم يجتهد سواء أمكنه البول أو لم يمكنه فالواجب عليه إعادة الغسل.

  الثانية: من بال ولم يجتهد فيجب عليه الوضوء خاصّة.

  الثالثة: من بال واجتهد فلا شيء عليه من غسل ولا وضوء.

  وبالجملة فإن عدم البول عندنا موجب لإعادة الغسل سواء كان تركه مع إمكانه أو تعذّره اجتهد بعد أم لم يجتهد، ومع البول تسقط إعادة الغسل ويبقى الوضوء وعدمه.

  ومن أحدث في أثناء الغسل حدثاً أصغر ففيه أقوال ثلاثة -فقيل- بإعادة الغسل من رأس وقيل -بالإتمام خاصّة ولا شيء عليه وقيل بالإتمام والوضوء، والأول منها مروي وإن ضعف سنده، والثاني أوفق بالقواعد المقررة، والثالث فيه نوع من الاحتياط، والاحتياط في المسألة بإتمام الغسل ثم الوضوء ثم الإعادة مما لا ينبغي تركه.

المقصد الثالث

في التيمم

  وموجباته موجبات الوضوء إن وقع بدلاً عن الوضوء أو موجبات الغسل إن وقع بدلاً عن الغسل سواء كان غسل جنابة أو غيرها.

  وموجبه أيضاً وجود الماد بعد التيمم لأنه يكون ناقضاً للتيمم الأول ووجوب التيمم مخصوص بما لو لم يوجد الماء وتعذّر حصوله إما لفقده أو لفقد آلة توصل إليه أو لفقد ثمنه أو لم يتعذّر حصوله ولكنه يتعذّر استعماله لمرض ونحوه.

  والواجب فيه النية حسبما تقدم من الكلام فيها، والأحوط ملاحظة نية البدلية عن الوضوء أو الغسل.

  وأن يضرب ببطني يديه على ما يسمّى أرضاً، وقيل بالاكتفاء بمجرد الوضع وما ذكرناه أظهر، وقيل إن المضروب عليه يجب أن يكون من التراب دون مطلق الأرض والأول أولى ، وإن كان الثاني أقوى.

  وأن يمسح بيديه جبهته من قصاص الشعر إلى طرف الأنف المتصل بالجبهة، والأحوط إضافة الجبينين حال المسح وقيل هنا أقوال أخر، والأحوط ما ذكرنا، وهو المشهور.

  ثم يمسح ببطن كل واحدة ظهر الأخرى من الزند إلى أطراف الأصابع مقدماً لليمنى في المسح على اليسرى مستوعباً للممسوح في المواضع الثلاثة، وأما الماسح فيكفي منه ما يحصل به المسح، وما اشتهر بين بعضهم في مسح الجبهة إنه يمر يديه معاً مبسوطتين من أسفلها إلى أعلاهما فتكلف بارد.

  وتجب الموالاة بالمسح.

  وهل الواجب ضربة واحدة مطلقاً أو اثنتان كذلك أو ثلاث أو واحدة للوضوء واثنتان للغسل؟ 

  أقوال: أظهرها الأول بحمل أخبار الثنتين على التقية أو الاستحباب والأفضلية، وأما أخبار الثلاث فلا ريب في طرحها لاسيما مع اشتمالها على مسح مجموع العضو كما في الوضوء.

  وهل يجوز التيمم عند فقد الماء مع سعة الوقت أو يتعين تأخيره إلى آخر الوقت أو التفصيل في ذلك بأنه ان رجا وجود الماء وحصوله تعين عليه التأخير، وإلا تيمم مع السعة أقوال أظهرها الثالث لما فيه من الجمع بين أخبار المسألة مع دلالة بعض الأخبار عليه.

  ويشترط طهارة أعضاء التيمم مع الإمكان فلو لم يمكن سقط اعتبارها عملاً بعموم أخبار التيمم لعدم المخصص لها والأحوط اعتبار العلوق باليد، وإن استحب النفض إذ لا منافاة بينهما وإن توهّم ولو أحدث المتيمم بدلاً من الغسل حدثاً أصغر من بول أو غائط أو نحوهما فقد انتقض تيممه الأول ولو أراد التيمم بعد ذلك فهل يتيمم بدلاً من الحدث الأكبر أو من الحدث الأصغر؟ قولان: 

  والمسألة عارية من النص والأقرب باعتبار مناسبة القواعد هو الثاني وإن كان المشهور الأول والاحتياط يقتضي التيمم مرتين بدلاً عن كل منهما.

  وكذا يجري الكلام فيما لو وجد ما يكفيه من الماء بعد حدثه للوضوء خاصة فإن الواجب بمقتضى القول الثاني هو الوضوء بذلك الماء، ومقتضى القول الأول هو التيمم بذلاً عن الغسل ومقتضى الاحتياط إن يتوضأ ويتيمم بدلاً عن الغسل.

المقصد الرابع

في النجاسات

  وهي عشرة:

  أولها وثانيها: البول والغائط بشرط كونه من حيوان ذي نفس سائلة غير مأكول اللحم وخلاف ابن الجنيد في بول الصبي الذي لم يأكل اللحم ضعيف مردود بالأخبار.

  والمراد بغير مأكول اللحم ما هو أعم من أن يكون بالأصل أو بالعرض كالجلال ما لم يستبرأ وموطوءة الإنسان.

  نعم قد خرج عندي من هذه القاعدة أبوال الدواب الثلاثة وهي الخيل والبغال والحمير فإن الأظهر عندي نجاستها وفاقاً للشيخ في بعض كتبه وجملة من متأخري المتأخرين وإن كان المشهور الطهارة وقوفاً على ظاهر أخبار القاعدة المتقدمة، ونحن إنما خرجنا عنها لاستفاضة النصوص بالنجاسة وصراحتها فيها على وجه لا يقبل شيئاً من تأويلاتهم.

  والمستفاد من جملة منها أن المراد بمأكول اللحم هنا ما خلق لأجل الأكل لا بمعنى ما كان حلالاً كما توهموه وهذه الدواب إنما خلقت لأجل الركوب والحمل والزينة كما صرحت به الآية لا للأكل وإن كانت حلالاً، وبالجملة فالحكم عندنا في المسألة مما لا يداخله الشك كما حققنا ذلك بما لا مزيد عليه في جملة من مؤلفاتنا.

  وثالثها ورابعها: المني والدم من ذي النفس السائلة سواء كان مأكول اللحم أو لا على المشهور بين الأصحاب بل لا يكاد يوجد فيه خلاف وفي تناول أخبار المني الواردة بنجاسته لكل حيوان ذي نفس سائلة عنذي إشكال إذ المتبادر من سياقها صريحاً في بعض وظاهراً في آخر هو مني الإنسان خاصة وليس غيرها في المسألة والظاهر أن مستندهم في العموم إنما هو الاتفاق والإجماع على الحكم المذكور.

  وخامسها: ميتة ذي النفس السائلة وأجزاؤها إلا ما لا تحله الحياة وهو الصرف والشعر والوبر والسن والعظم والقرن والظلف والظفر والحافر والبيض والأنفحة وقيد بعضهم البيض بما إذا اكتسى القشر الأعلى وعليه تدل ظاهر بعض الأخبار وأكثر الأخبار خال من القيد.

  وسادسها: الكافر بأنواعه وإن انتحل الإسلام كالخوارج والنواصب والغلاة لرجوعهم إلى ذلك باعتبار جحودهم بعض ضروريات الدين المحمدي {ص} نعم وقع الخلاف في نجاسة أهل الكتاب والأشهر الأظهر النجاسة.

  وسابعها: المسكر المايع بالأصالة من خمر أو نبيذ والقيد المذكور للاحتراز عمّا عرض له الميعان كالحشيشة فإنها لا تنجس بذلك وإن كانت محرمة والقول بنجاسة الخمر والمسكر وهو المشهور، وقيل بالعدم والأول أظهر.

  وثامنها وتاسعها: الكلب والخنزير.

  وعاشرها: الفقاع: وهو الآن غير معلوم لنا على الخصوص ولهذا إن جملة منهم أحالوه على العرف وما يسمّى فقاعاً وعلى تقديره فعرف ذلك الوقت غير معلوم لنا الآن إلا أن المفهوم من الأخبار أن الفقاع هو النبيذ إلا إنه إن حصل فيه الغليان كان خمراً وتلحقه أحكام الخمر من التحريم والنجاسة على القول بها وإن لم يبلغ إلى ذلك كان حلالاً وعلى هذا فيدخل في المسكر فلا يكون قسماً برأسه كما ذكروه نور الله مراقدهم وتصير النجاسات تسعة خاصّة.

  واختلفوا في العصير العنبي إذا غلى واشتد ولم يذهب ثلثاه هل هو نجس أو طاهر والمشهور الطهارة، وقيل بالنجاسة والمشهور أقرب أما تحريمه فإجماعي نصاً وفتوى والحق به في التحريم العصير الزبيبي والتمري، وفي الأول إشكال والأحوط التجنّب، أما الثاني فإن الأشهر الأظهر حله والقول بالتحريم شاذ ضعيف لا دليل عليه فلا يلتفت إليه.

  وقد اختلف الأصحاب أيضاً في نجاسة عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلال والقول بالنجاسة هو المقرب وعليه العمل.

  والمشهور طهارة الفارة والمسوخ وقيل بالنجاسة والأول أظهر وما ورد في الفأرة مما يدل على غسل أثرها محمول على الاستحباب.

المقصد الخامس

في إزالة النجاسات

  وفيه مسائل:

  الأولى: لا خلاف في وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن لأجل الصلاة إلا ما استثني مما سيأتي التنبيه عليه، والمشهور وجوب إزالتها أيضاً لأجل الطواف وقيل بالعدم والأدلة في المسألة لا تخلو من تعارض والاحتياط بالقول بالوجوب.

  ويجب إزالتها أيضاً من الأواني للأكل والشرب وعن المأكول والمشروب تحريم إدخالها المسجد مع التعدي للمسجد أو آلاته وقيل مطلقاً والأدلة في الموضعين لا تخلو من مناقشة إلا أن ظاهرهم الاتفاق على الأول، ولعل الحجة عندهم والاحتياط يقتضيه فلا بأس بالوقوف على ما ذكروه.

  والحق بذلك أيضاً وجوب إزالتها عن المصاحف وجلودها ولفائفها والضرائح المقدسة وما يلقى عليها من الكسوة والملاحف ولا بأس به لما فيه من تعظيم شعائر الله.

  الثانية: لا خلاف بين الأصحاب في العفو عن دم القروح والجروح في الجملة وإنما وقع الخلاف فيما يتقدر به العفو فقيل بتخصص العفو بما إذا كانت سائلة في جميع الوقت بحيث لا يكون هناك فترة مطلقاً وقيل لا يكون فترة تسع الصلاة وقيل بإناطته بحصول المشقّة وقيل بالعفو ما لم تبرا سواء كانت سائلة أو غير سائلة وهذا هو المستفاد من الأخبار وعليه العمل والفتوى.

  وعفي أيضاً عما نقص عن سعة الدرهم من الدم بجميع أقسامه إلا دم الحيض فإنه لا يعفى عن قليله ولا عن كثيرة والمشهور بين المتأخرين إلحاق دم النفاس والإستحاضة والحق آخرون دم نجس العين والجميع لا مستند له، والمروي دم الحيض خاصة نعم الحق بعض الأصحاب دم الغير إذا أصاب الإنسان ولا بأس به للرواية الدالة عليه وإن لم يكن مشهوراً بينهم .

  وعفي أيضاً عن ثوب المربية للمولود إذا لم يكن لها غيره وغسلته في اليوم مرة، والمراد بالمولود أعم من الذكر والأنثى وخصّه بعضهم بالذكر والأظهر العموم لظاهر الخبر.

  وعفي أيضاً عما يتعذّر إزالته ولو مع عدم الضرورة، فيصلى فيه ولا يصلى عارياً على أظهر القولين، والمشهور أنه في هذه يصلي عارياً إلا مع الضرورة إلى لبس النجس ونحوه.

  الثالثة: المشهور بين الأصحاب أن الشمس تطهّر ما جففته من النجاسة التي لا جرم لها إذا كانت في الأرض والحصر والبواري وما لا ينقل عادة وقيل بالاختصاص بنجاسة البول لا جميع النجاسات وقيل بالعموم في النجاسة كالأول لكن المتنجس الذي يطهر بالشمس مخصوص بالأرض والحصر والبواري وقيل بالاختصاصين، وقيل بعدم الطهارة بالشمس بالكلية وإنما هو عفو فيجوز استعماله ما دام يابساً فإذا صار رطباً عادت النجاسة وعند في أصل الحكم توقف لتعارض ظواهر الأدلة وقيام التأويل من الجانبين والاحتياط واجب وهو العمل بالقول الأخير .

  ومن المطهرات أيضاً الأرض فتطهر باطن القدم والخف وزاد بعض النعل ولو من خشب وزاد آخر كل ما يوطأ به ولو مثل خشبة اقطع الرجل.

  وظاهر الأخبار حصول التطهير بها سواء كان بالمشي أو بالمسح حتى تزول العين واشترط بعض في التطهير بها طهارتها وجفافها والمشي خمسة عشر ذراعاً، وفي الأخبار ما يؤيده إلا أن الثالث ينبغي حمله على الاستحباب لما عرفت من حصول التطهير بمجرد المسح.

  ومن المطهرات أيضاً النار فتطهر ما أحالته رماداً أو دخاناً على الأشهر والأظهر، وتردد بعض في الثاني وهو ضعيف.

  وفي تطهيرها ما صيرته خزفاً أو آجراً قولا مبنيان على خروجه بذلك من الأرضية واستحالته عما كان عليه وعدمه والمشهور الثاني والمسألة عندي محل توقف والعمل بالمشهور طريق الاحتياط.

  ومن المطهرات الاستحالة والانقلاب فتطهر النطفة بالاستحالة حيواناً والخمر بالانقلاب خلاً منه والكافر بالإسلام أيضاً اتفاقاً في الجميع نصاً وفتوى

  والمشهور طهارة الكلب والخنزير بصيرورتهما ملحاً والعذر بصيرورتها دوداً أو تراباً وقيل بالعدم، والأول أظهر.

  ويطهر الحيوان غير الآدمي بزوال العين، وكذا تطهر به البواطن، وأما الآدمي فهل يطهر بمجرد الغيبة أو لا بد من العلم بالإزالة ويشرط تلبسه بما يشترط فيه الطهارة عنده من الصلاة ونحوها؟ أقوال: أظهرها الأول.

  الرابعة: من صلى في نجاسة غير معفو عنها فلا يخلو إما أن يكون عالماً عامداً مختاراً وهذا لا خلاف ولا إشكال في بطلان صلاته ووجوب إعادتها وقتاً وخارجاً.

  وإما أن يكون جاهلاً فحينئذٍ إن استمر الجهل إلى الفراغ من الصلاة فالأشهر الأظهر الصحة وقيل بالإعادة في الوقت ، وربما نقل أيضاً وجوب القضاء والعمل على الأول.

  وإن رأى النجاسة في أثناء الصلاة يجب عليه إلقاء الثوب الذي فيه النجاسة والستر بغيره وإن لم يكن سواه أزال النجاسة إن أمكن وأتم الصلاة وإن لم يمكن قطع الصلاة والأظهر عندي التفصيل في ذلك بالعلم بسبق النجاسة على الدخول في الصلاة وعدمه، فعلى الثاني الحكم ما ذكروه وعلى الأول فالأحوط قطع الصلاة واستينافها بعد إزالة النجاسة.

  وإما أن يكون ناسياً فإن استمر به النسيان إلى الفراغ فأقوال: أحدها وجوب الإعادة مطلقاً والظاهر أنه المشهور بين المتقدمين، وثانيها العدم مطلقاً، وثالثها أنه ذكر في الوقت أعد وإلا فلا إعادة عليه وهو المشهور بين المتأخرين، والمسألة عندي محل توقف لتصادم أخبارها وعدم صحة ما ذكروه في الجمع بينها والاحتياط فيها واجب عندي كما في كل موضع اشتبه فيه الدليل وهو في جانب القول الأول وإن ذكر في الأثناء فأقوال أحوطها الإستئناف.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *