ج24 - النكاح المنقطع
الفصل الثالث
ويعبر عنها أيضا بالنكاح المنقطع لتحديده بأجل معين ،
وقد أجمع علماء الفريقين كافة على أن نكاح المتعة كان مشروعا في صدر الإسلام ،
وفعله الصحابة في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وزمن أبي بكر
وبرهة من زمن عمر ، ثم نهى عنها وتوعد من فعلها ، ووافقه بعض ، وخالفه بعض ، وسكت
آخرون ، وأجمع أهل البيت عليهمالسلام وشيعتهم على
بقاء شرعيتها وأنه لم ينسخ حكمها ، ووافقهم على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين.
والأخبار الواردة بها عن أهل البيت عليهمالسلام قد بلغت حد
التواتر المعنوي ، ومن أخبارهم الدالة على إباحتها ما رواه الحميدي (1) في الجميع بين
الصحيحين في مسند عبد الله بن عباس قال : «قال أبو نضرة : كان ابن عباس يأمر
بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها ، قال : فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال :
على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلما قام
عمر قال : إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء ، وإن القرآن قد نزل منازله ،
فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله ، وأبتوا نكاح هذه النساء ، فلن اوتي برجل نكح
امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة».
وروى الحميدي (2) أيضا في كتابه في مسند جابر بن عبد
الله من طريق آخر قال : «كنا نتمتع بالقبضة من التمر والدقيق ، الأيام على عهد
رسول الله صلىاللهعليهوآله وأبي بكر حتى
نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث».
__________________
(1) صحيح مسلم ج 1 ص 467 ، أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 178 ،
راجع الغدير ج 6 ص 210.
(2) صحيح مسلم ج 2 ص 23 10 ح 16 وفيه «نستمتع».
وروى الترمذي في صحيحة (1) عن ابن عمر ،
وقد سأله رجل من أهل الشام عن متعة النساء ، فقال : حلال ، فقال : إن أباك قد نهى
عنها ، فقال ابن عمر : أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها وصنعها رسول الله صلىاللهعليهوآله أنترك السنة
ونتبع أبي؟
وروى الحافظ أبو نعيم في كتاب الحلية وأحمد (2) بن حنبل في
المسند عن عمران بن حصين في متعة النساء ، واللفظ له ، قال : أنزلت آية المتعة في
كتاب الله وعملناها وفعلنا مع النبي صلىاللهعليهوآله ولم ينزل قران
بحرمتها ولم ينه عنها حتى مات.
إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عنها المقام ، ثم إنهم
لانحلال زمامهم واختلال نظامهم مع دلالة هذه الأخبار وأمثالها على استمرار الحل
إلى زمان عمر ، اعتذروا لعمر في نهيه عنها بأنه إنما نهى عنها لنسخها في زمنه صلىاللهعليهوآله وأن معنى قول
عمر في الخبر المشهور (3) «متعتان كانتا
في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حلالا وأنا
أنهى عنهما». يعني أخبركم بالنهي عنهما موافقة لنهي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. هذا مع
اضطراب أخبارهم التي رووها له في النسخ وعدم إمكان الجمع بينها.
فروى البخاري ومسلم في صحيحهما (4) عن ابن مسعود
قال : «كنا نغزو مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس معنا نساء
فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى
أجل ، ثم قرأ عبد الله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ» (5).
وروى الترمذي عن ابن عباس (6) ـ رضياللهعنه ـ قال : إنما
كانت المتعة في
__________________
(1) صحيح الترمذي ج 1 ص 157 ، تفسير القرطبي ج 2 ص 365.
(2) صحيح البخاري ج 7 ص 24 كتاب التفسير سورة البقرة طبع سنة
1277.
(3) أحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 342 و 345 ، تفسير القرطبي ج 2
ص 370.
(4) صحيح البخاري ج 7 ص 5 كتاب النكاح ، صحيح مسلم ج 1 ص 354 ،
الوسائل ج 14 ص 440 ح 26 مع اختلاف يسير.
(5) سورة المائدة ـ آية 87.
(6) صحيح الترمذي ج 3 ص 430.
صدر الإسلام كان الرجل يقدم البلد ليس
له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ متاعه وتصلح له شيئه حتى
نزلت هذه الآية «إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ» (1).
ورووا في الصحيحين (2) «عن علي عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن نكاح
المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر».
ورووا عن سلمة بن الأكوع (3) «أنه قال : رخص
لنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في متعة
النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها».
ورووا عن سيرة الجهني (4) «أنه غزي مع
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في فتح مكة
قال :
فأقمنا فيها خمسة عشر فأذن لنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في متعة
النساء ثم لم يخرج حتى نهى عنها» ورواه مسلم.
وروى أبو داود وأحمد (5) عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حجة الوداع
نهى عنها.
أقول : انظر إلى هذه الأخبار في هذا المقام وما هي عليه
من التناقض الذي لا يقبل الالتئام وهي بانضمام بعضها إلى بعض دالة على التحليل
مرارا عديدة والنسخ كذلك ، مع أن غاية ما يدعونه كما نقل عن الشافعي إنما هو مرتان
، فإنهم نقلوا عن الشافعي أنه قال : ما علمت شيئا حرم مرتين وأبيح مرتين إلا
المتعة.
قال شيخنا في المسالك بعد نقل هذه الروايات التي في
النسخ ونعم ما قال : تأمل هذا الاختلاف في رواية نسخها ، وأين النهي عنها في خيبر
، والاذن فيها في أوطاس ، ثم النهي عنها بعد ثلاثة أيام مع الحكم بأنها كانت سائغة
في أول الإسلام
__________________
(1) سورة المؤمنون ـ آية 6.
(2) صحيح البخاري ج 7 ص 16 ، صحيح مسلم ج 1 ص 397.
(3) أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 182 ، صحيح مسلم ج 1 ص 394.
(4) صحيح الترمذي ج 3 ص 430.
(5) صحيح مسلم ج 1 ص 394.
إلى آخر ذلك الحديث المقتضي لطول مدة
شرعيتها ، ثم الاذن فيها في فتح مكة وهي متأخرة عن الجميع ، ثم النهي عنها ذلك
الوقت ، ثم في حجة الوداع وهي متأخرة عن الجميع ، فيلزم على هذا أن تكون شرعت
مرارا ونسخت كذلك.
ومن اللطائف في هذا المقام ما نقله في المسالك عن بعض
كتب الجمهور : أن رجلا كان يفعلها فقيل له : عمن أخذت حلها؟ فقال : عن عمر ،
فقالوا : كيف ذلك وعمر هو الذي نهى عنها وعاقب على فعلها؟ فقال : لقوله (1) «متعتان كانتا
على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنا احرمهما
وأعاقب عليهما ، متعة الحج ومتعة النساء». فأنا أقبل روايته في شرعيتها على عهد
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا أقبل
نهيه من قبل نفسه.
والبحث معهم في أمثال هذه المسائل واسع ، وقد استوفينا
ذلك في مقدمات كتابنا «سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد».
ولننقل هنا طرفا من الأخبار المروية عن أهل البيت عليهمالسلام تيمنا كما هي
عادتنا في الكتاب ، ومنها ما يدل على إباحتها ، ومنها ما يدل على فضلها واستحبابها
مضافا إلى ما يأتي في أثناء مباحث الكتاب مما يدل على أحكامها.
فروى في الكافي (2) في الصحيح عن أبي بصير قال : «سألت
أبا جعفر عليهالسلام عن المتعة ،
فقال : نزلت في القرآن (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ
بَعْدِ الْفَرِيضَةِ)» (3).
وعن عبد الله بن سليمان (4) قال : «سمعت
أبا جعفر عليهالسلام يقول : كان
علي عليهالسلام يقول : لو لا
ما سبقني به بني الخطاب ما زنى إلا شقي». كذا في الرواية المنقولة في
__________________
(1) راجع الغدير ج 6 ص 205 ـ 212.
(2) الكافي ج 5 ص 448 ج 1 ، الوسائل ج 14 ص 436 ح 1.
(3) سورة النساء ـ آية 24.
(4) الكافي ج 5 ص 448 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 436 ح 2.
كتب الأصحاب (1).
وقال ابن إدريس في سرائره : روي في بعض كتب أصحابنا عن
أمير المؤمنين عليهالسلام لو لا ما
سبقني إليه بني (ابن) الخطاب ما زنى إلا شفي». بالشين المعجمة والفاء ومعناه إلا
قليل ، والدليل عليه حديث ابن عباس ذكره الهروي في الغريبين : ما كانت المتعة إلا
رحمة ، رحم الله بها امة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو لا نهيه
عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شفاء. وقد أورده الهروي في باب الشين والفاء ، لأن
الشفاء عند أهل اللغة القليل بلا خلاف بينهم ، وبعض أصحابنا ربما حرف ذلك وقال :
وتكلم بالقاف والياء المشددة ، وما ذكرناه هو وضع اللغة وإليهم المرجع وعليهم
المعول في أمثال ذلك ، انتهى.
أقول : ويؤيده ما في النهاية الأثيرية (2) قال : وفي
حديث ابن عباس : ما كانت المتعة إلا رحمة ، رحم بها أمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لو لا نهيه
عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شفاء. أي القليل من الناس من قولهم غابت الشمس إلا
قليلا من ضوئها عند غروبها.
وقال الأزهري : قوله إلا شفاء ، إلا أن يشفي ، يعني يشرف
على الزنا ولا يواقعه ، وأقام الاسم وهو الشفاء مقام المصدر الحقيقي ، وهو الإشفاء
على الشيء.
أقول : انظر إلى روايتهم هذا الخبر في كتبهم الموافق لما
قدمناه عنهم من الأخبار الدالة على استمرارها إلى زمان عمر ، ودلالتها على أن عمر
هو الناهي عنها مع أخبار النسخ التي قدمنا نقله عنهم ، فأي الخبرين أولى بالقبول
عند ذوي العقول ، فإن أحدهما باطل البتة وكذب محض بلا ريبة ، ولا ريب أن الصحيح
منها
__________________
(1) أقول : ومما يؤيد ما هو المذكور في لفظ الخبرين ما ورد في
بعض الاخبار المنقولة في كتاب البحار ج 103 ص 305 : لعن الله ابن الخطاب فلولاه ما
زنى إلا شقي أو شقية لانه كان للمسلمين غناء في المتعة عن الزنا. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) النهاية ج 2 ص 488.
هو ما اتفق عليه الفريقان ، وهو خبر
البقاء والاستمرار إلى ذلك الوقت ، فتعين بذلك كذب أخبار النسخ وإن رووها في
الصحاح بزعمهم.
ومنها ما رواه في الكافي (1) عن ابن أبي
عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إنما
نزلت «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً».
أقول : وقد روي نحو هذا الخبر من طرقهم ، رواه الثعلبي
في تفسيره عن حبيب بن أبي ثابت قال : أعطاني عبد الله بن العباس مصحفا وقال : هذا
قراءة أبي ابن كعب ، فرأيت في المصحف «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن
أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان حكيما
عليما» ..
ورواه الثعلبي أيضا في تفسيره عن عبد الله بن جبير وأبي
نضرة.
وعن علي النسائي (2) قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام : جعلت فداك
إني كنت أتزوج المتعة فكرهتها فتشأمت بها فأعطيت الله عهدا بين الركن والمقام
وجعلت علي في ذلك نذرا وصياما أن لا أتزوجها ، ثم أن ذلك شق علي وندمت على يميني ،
ولم يكن بيدي من القوة وما أتزوج في العلانية ، قال : فقال : عاهدت الله أن لا
تطيعه ، والله لئن لم تطعه لتعصينه».
وما رواه في الفقيه (3) عن جميل بن صالح قال : «إن بعض
أصحابنا قال لأبي عبد الله عليهالسلام : إنه يدخلني
من المتعة شيء فقد حلفت أن لا أتزوج متعة أبدا ، فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : إنك إذا لم
تطع الله فقد عصيته».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 449 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 436 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 450 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 251 ح 8 وج 8 ص 312
ح 35 ، الوسائل ج 14 ص 444 ح 1.
(3) الفقيه ج 3 ص 294 ح 16 ، الوسائل ج 14 ص 445 ح 2.
وعن جميل بن صالح (1) عن عقبة عن أبيه عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قلت له
: للمتمتع ثواب؟ قال : إن كان يريد بذلك وجه الله تعالى وخلافا على من أنكرها لم
يكلمها كلمة إلا كتب الله تعالى له بها حسنة ، ولم يمد يده إليها إلا كتب الله له
حسنة ، فإذا دنى منها غفر الله تعالى له بذلك ذنبا ، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر
ما مر من الماء على شعره ، قلت : بعدد الشعر؟ قال : نعم بعدد الشعر».
وعن بكر بن محمد (2) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن المتعة ، فقال : إني لأكره للرجل المسلم أن يخرج عن الدنيا وقد بقيت عليه خلة
من خلال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يصنعها».
وقال الصادق عليهالسلام (3) إني لأكره
للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يأتها ،
فقلت له : فهل تمتع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ قال : نعم ،
وقرأ هذه الآية «وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً ـ إلى قوله
تعالى ـ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً».
ونقل شيخنا المجلسي ـ رحمهالله عليه ـ في
كتاب البحار (4) عن رسالة
الشيخ المفيد ـ رحمة الله عليه ـ في المتعة أخبارا عديدة في استحبابها ، منها ما
رواه بسنده في الرسالة إلى هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «يستحب
للرجل أن يتزوج المتعة وما أحب للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج المتعة ولو
مرة».
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 295 ح 18 وفيه «وروى صالح بن عقبة عن أبيه» ،
الوسائل ج 14 ص 442 ح 3.
(2) الفقيه ج 3 ص 295 ح 20 ، الوسائل ج 14 ص 442 ح 1 وفيهما «لم
يقضها».
(3) الفقيه ج 3 ص 297 ح 33 ، الوسائل ج 14 ص 442 ح 2.
(4) بحار الأنوار ج 103 ص 305 ح 13 ، الوسائل ج 14 ص 443 ح 10.
وعن بكر بن محمد (1) «عن الصادق عليهالسلام حيث سئل عن
المتعة ، فقال : أكره للرجل أن يخرج من الدنيا وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم تقض».
وعن محمد بن مسلم (2) في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال : قال
لي : تمتعت؟ قلت : لا ، قال : لا تخرج من الدنيا حتى تحيي السنة».
وعن صالح بن عقبة (3) عن أبيه عن الباقر عليهالسلام قال : «قلت :
للمتمتع ثواب؟». الحديث كما تقدم نقله عن الفقيه.
وبالإسناد المتقدم أولا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي
بن محمد الهمداني (4) عن رجل سماه
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «ما من
رجل تمتع ثم اغتسل إلا خلق الله من كل قطرة يقطر منه سبعين ملكا يستغفرون له إلى
يوم القيامة ، ويلعنون متجنبيها إلى أن تقوم الساعة».
ثم نقل جملة من الأخبار إلى ان قال في الرسالة : هذا
قليل من كثير في هذا المعنى.
وروى في الكافي (5) عن علي ـ والمراد به علي بن إبراهيم
الذي هو أحد مشايخه ـ رفعه قال : «سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمد بن النعمان صاحب
الطاق فقال له : يا أبا جعفر ما تقول في المتعة أتزعم أنها حلال؟ قال : نعم ، قال
: فما يمنعك أن تأمر نساءك أن يتمتعن ويكتسبن عليك؟ فقال له أبو جعفر : ليس كل
الصنعات يرغب فيها وإن كانت حلالا ، وللناس إقدار ومراتب يرفعون أقدارهم ، ولكن ما
تقول يا أبا حنيفة في النبيذ أتزعم أنه حلال؟ فقال : نعم ، قال : فما يمنعك
__________________
(1) بحار الأنوار ج 103 ص 305 ح 14 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 587
ب 2 ح 1.
(2) بحار الأنوار ج 103 ص 305 ح 15 ، الوسائل ج 14 ص 443 ح 11.
(3) بحار الأنوار ج 103 ص 306 ح 19 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 588
ب 2 ح 3.
(4) بحار الأنوار ج 103 ص 307 ح 22 ، الوسائل ج 14 ص 444 ح 15.
(5) الكافي ج 5 ص 450 ح 8.
أن تقعد نساءك في الحوانيت نباذات
فيكتسبن عليك؟ فقال أبو حنيفة : واحدة بواحدة وسهمك أنفذ ، ثم قال له : يا أبا
جعفر إن الآية التي في «سأل سائل» تنطق بتحريم المتعة ، والرواية عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد جاءت
بنسخها؟ فقال له أبو جعفر : يا أبا حنيفة
إن سورة سأل سائل مكية وآية المتعة مدينة وروايتك شاذة ردية ، فقال له أبو حنيفة :
وآية الميراث أيضا تنطق بنسخ المتعة ، فقال أبو جعفر : قد ثبت النكاح بغير ميراث ،
قال أبو حنيفة : من أين قلت ذاك؟ فقال أبو جعفر : لو أن رجلا من المسلمين تزوج
امرأة من أهل الكتاب ثم توفي عنها ما تقول فيها؟ قال : لا ترث
منه ، قال : فقد ثبت النكاح بغير ميراث ثم افترقا» (1).
أقول : كان أبو جعفر المذكور حديد النظر سريع الجواب
بديهة ، وكان له مع المخالفين إلزامات ، وهو عند الشيعة يلقب بمؤمن الطاق وشاه
الطاق وصاحب الطاق ، والمخالفون يلقبونه بشيطان الطاق لما يجرعهم في إلزاماته لهم
من المشاق.
وله مع أبي حنيفة من هذا القبيل كثير ، قال له أبو حنيفة
لما بلغه موت الصادق عليهالسلام شماتة : يا
أبا جعفر مات إمامك ، فقال له : وإمامك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.
وفي بعض الأخبار ما يدل على المنع من الإلحاح فيها
ومداومتها متى أغناه الله بالأزواج فروى في الكافي
(2) عن علي بن
يقطين في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا الحسن موسى عليهالسلام عن المتعة
فقال : وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها ، قلت : إنما أردت أن أعلمها ، فقال : هي
في كتاب علي عليهالسلام ، فقلت :
تزيدها وتزداد؟ فقال : وهل يطيبه إلا ذاك». والمراد «تزيدها»
في المهر «وتزداد» في
__________________
(1) أقول : الظاهر أن عدول مؤمن الطاق الى هذا الجواب مبنى على
التنزيل والمماشاة ، والا فإن له أن يجيب بأن المتعة زوجة فتدخل تحت الآية وان كان
إطلاقها على الدائم أكثر استعمالا الا أن الظاهر أنه تفرس في أبي حنيفة أنه لا
يقبل هذا الجواب فعدل عنه الى ما ذكره مما لا يمكنه رده وإنكاره. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) الكافي ج 5 ص 452 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 449 ح 1.
الأجل ، بأن يعقد عليها بعد انقضاء
المدة وإن كانت في العدة بمهر جديد ومدة أخرى ، وقوله «وهل يطيبه إلا ذاك» لعل
المراد به أنها ليست مثل الدائمة متى تزوجها صارت كلا عليه ، فإن هذه باعتبار
المدة التي لها إن أعجبته جدد العقد عليها بعد المدة وزادها وزادته وإلا تركها.
وعن الفتح بن يزيد (1) قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن المتعة؟
فقال : هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله بالتزويج ، فليستعفف بالمتعة ، فإن
استغنى عنها بالتزويج فهي مباح له إذا غاب عنها».
وعن ابن شمون (2) قال : «كتب أبو الحسن عليهالسلام إلى بعض
مواليه لا تلحوا على المتعة ، إنما عليكم إقامة السنة ، فلا تشتغلوا بها عن فرشكم
وحرائركم فيكفرن ويتبرين ويدعين على الآمر بذلك ويلعنونا». إلى غير ذلك من
الأخبار.
إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في الأركان والأحكام فهنا
مقامان :
الأول في الأركان :
وهي عند الأصحاب أربعة : الصيغة ، والمحل ، والأجل ،
والمهر. وتفصيل الكلام فيها يقع في موارد :
الأول : في الصيغة ،
ولا خلاف في انعقاد نكاح المتعة بأحد هذه الألفاظ الثلاثة وهي : زوجتك وأنكحتك
ومتعتك بأن تقول المرأة ذلك في الإيجاب ، فيقبل الزوج بما يدل على ذلك من الألفاظ
، وجوز أبو الصلاح وابن البراج في الإيجاب أن يقع من الرجل بقوله متعيني نفسك كذا
فتقول المرأة قبلت أو رضيت.
ونقل عن المرتضى أنه جعل تحليل الأمة عقد متعة ، وعلى
هذا فينعقد عنده بلفظ الإباحة والتحليل ، قال في شرح النافع وهو جيد لو ثبت كونه
كذلك ، لكنه غير واضح كما ستقف عليه في محله ، والمشهور في كلام المتأخرين
__________________
(1 و 2) الكافي ج 5 ص 453 ح 2 و 3، الوسائل ج 14 ص 449 ح 2 وص
450 ح 4.
اعتبار اللفظ الماضي في عقد النكاح
مطلقا ، لأنه صريح في الإنشاء ، بخلاف المستقبل المحتمل للوعد ، وخالف جماعة
فاكتفوا بلفظ المستقبل ، وهذا هو المستفاد من الأخبار المتكاثرة.
منها ما رواه في الكافي (1) عن أبي بصير ،
قال : «لا بد من أن تقول في هذه الشروط : أتزوجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما
نكاحا غير سفاح» الحديث ، وظاهره أن هذه الصيغة العقد كما تدل عليه جملة من
الأخبار الآتية :
وعن أبان بن تغلب (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : كيف أقول
لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا وارثة ولا
موروثة كذا وكذا يوما وإن شئت كذا وكذا سنة بكذا وكذا درهما ، وتسمي من الأجر ما
تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا ، فإذا قالت : نعم ، فقد رضيت فهي امرأتك ، وأنت
أولى الناس بها» الحديث ، وهو كما ترى ظاهر في مخالفة ما ذكروه من وجوه :
منها اشتراط الماضي في الإيجاب وهو هنا بلفظ المستقبل.
ومنها كون الإيجاب من المرأة والقبول من الرجل ،
والإيجاب هنا من الرجل والقبول من المرأة عكس ما قالوه.
وفي رواية ثعلبة (3) «أتزوجك متعة
على كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم نكاحا غير سفاح.»
إلى آخره.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 455 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 263 ح 63 ، الوسائل
ج 14 ص 467 ح 4.
(2) الكافي ج 5 ص 455 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 265 ح 70 ، الوسائل
ج 14 ص 466 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 455 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 263 ح 62 ، الوسائل
ج 14 ص 466 ح 2.
وفي رواية مؤمن الطاق (1) «يقول لها
زوجيني نفسك على كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم.» إلى آخره. إلى
غير ذلك من الأخبار التي من هذا القبيل.
وبالجملة فالظاهر من تتبع الروايات في هذا الباب وغيره
أن المدار في صحة العقود كيف كانت على التراضي من الطرفين بالألفاظ الدالة على
مقتضى ذلك العقد ، كما تقدم ذكره في غير موضع من الكتب المتقدمة.
ويؤكده بالنسبة إلى ما نحن فيه ما رواه في الكافي (2) عن نوح بن
شعيب عن علي عن عمه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «جاءت
امرأة إلى عمر فقالت : إني زنيت فطهرني ، فأمر بها أن ترجم فأخبر بذلك أمير
المؤمنين عليهالسلام فقال : كيف
زنيت؟
فقالت : مررت بالبادية فأصابني عطش شديد فاستسقيت
أعرابيا ، فأبى أن يسقيني إلا أن امكنه من نفسي ، فلما أجهدني العطش وخفت على نفسي
سقاني فأمكنته من نفسي ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : تزويج ورب
الكعبة».
قال في الوافي : إنما كان تزويجا لحصول الرضا من الطرفين
ووقوع اللفظ الدال على النكاح والإنكاح فيه ، وذكر المهر وتعيينه ، والمرة
المستفادة من الإطلاق القائمة مقام ذكر الأجل ، انتهى.
أقول : ويؤيد ما ذكره ـ رحمة الله عليه ـ من حمل الخبر
على التزويج المنقطع ذكر الكليني له في هذا الباب وجعله من قبيل أخبار العقد
المنقطع ، وكأنه فهم منه أنها زوجته نفسها بشربة من ماء.
إلا أنه قد رويت هذه القصة بعينها في خبر آخر بما يدل
على خلاف هذا الخبر ، فروى الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب (3) عن محمد بن
عمرو بن سعيد عن
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 263 ح 61 ، الفقيه ج 3 ص 294 ح 15 الوسائل ج
14 ص 467 ح 5.
(2) الكافي ج 5 ص 467 ح 8 ، الوسائل ج 14 ص 471 ح 8.
(3) التهذيب ج 10 ص 49 ح 186 ، الفقيه ج 4 ص 25 ح 40 ، الوسائل
ج 18 ص 384 ح 7.
بعض أصحابنا قال : «أتت امرأة إلى عمر
فقالت : يا أمير المؤمنين إني فجرت فأقم في حد الله ، فأمر برجمها وكان علي عليهالسلام حاضرا قال :
فقال له : سلها كيف فجرت؟ قالت : كنت في فلاة من الأرض فأصابني عطش شديد فرفعت لي
خيمة فأتيتها فأصبت فيها رجلا أعرابيا فسألته الماء فأبى علي أن يسقيني إلا أن
امكنه من نفسي فوليت منه هاربة فاشتد بي العطش حتى غارت عيناي وذهب لساني ، فلما
بلغ مني أتيته فسقاني ووقع علي ، فقال له عليهالسلام : هذه التي
قال الله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ» (1) هذه غير باغية ولا عادية إليه ، فخلى
سبيلها ، فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر».
ولم أقف على من تكلم في هذين الخبرين وما هما عليه من
الاختلاف في البين إلا المحدث المحسن الكاشاني في الوافي ، ولا بأس بنقل كلامه
بطوله ، وإن طال به زمام الكلام لجودة محصوله ، قال في ذيل هذا الخبر ـ بعد أن
أورده في أبواب الحدود في باب من أتى ما يوجب الحد لجهالة أو لضرورة ـ ما لفظه : «البغي
الخيانة ، والظلم والعدوان التجاوز عن الحد وعن قدر الضرورة ، والمجرور في «إليه»
راجع إلى الفجور ، والظاهر من أمر عمر برجم المرأة بعد إقرارها بالفجور من اكتفائه
بالمرة من دون سؤال عن كونها محصنة أو غير محصنة ، وليس هذا من مثله ببعيد ، ثم
المستفاد من هذا الحديث جواز الزنا إذا اضطر الإنسان إليه بحيث يخاف على نفسه
التلف ، إلا أنه ستأتي هذه القصة بعينها في باب إثبات المتعة من كتاب النكاح
بإسناد آخر وعبارة أخرى (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام وليس في آخر
قوله عليهالسلام هذه التي قال
الله تعالى. إلى آخر الحديث ، بل قال عليهالسلام : فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام : تزويج ورب
الكعبة ، ومفاده أنه ليس ذلك بزنا ولا فجور مضطر إليه بل هو نكاح حلال وتزويج صحيح
، وذلك لحصول شرائط النكاح فيه
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 173.
(2) الكافي ج 5 ص 467 ح 8 ، الوسائل ج 14 ص 471 ح 8.
من خلوها عن الزوج وعن ولاية أحد
عليها ، ورضاء الطرفين ووقوع اللفظ الدال على النكاح والإنكاح فيه ، وذكر المهر
وتعينه ، فهو تزويج متعة ونكاح انقطاع ، لا يحتاج إلى الطلاق ، فإن قيل : يشترط في
صحة المتعة ذكر الأجل ، قلنا : قد ثبت أنه يغني عنه ذكر المرة والمرتين ، والإطلاق
يقتضي المرة فيقوم مقام ذكر الأجل ، إن قيل : أنها لم تعتقد حلها وإنما زعمت أنها
زنت ، قلنا : لعل الحد إنما يجب على الإنسان إذا زنى دون ما إذا زعم أنه زنى ، مع
أنها كانت مضطرة إلى ما فعلت ، فكل من الأمرين جاز أن يكون مسقطا للحد عنها ، ولعل
هذا هو الوجه في ورود الاعتذار عنها تارة بأنها ليست بزانية واخرى بأنها كانت
مضطرة للزنا ، والتحقيق هو الأول ، ولعل الثاني إن صح وروده فإنما ورد على التقية
والمماشاة مع عمر وأصحابه ، وعلى هذا فلا دلالة فيه على جواز الزنا مع الاضطرار
إليه ، إن قيل : إن القصة واحدة يستبعد وقوعها مرتين فما وجه اختلاف الفتيا فيها
من مفت واحد في مجلس واحد؟ قلنا : الاعتماد فيها إنما هو على رواية أبى عبد الله عليهالسلام دون رواية
غيره ، مع أن الحكم الذي في روايته عليهالسلام هو الصواب في
المسألة كما دريت ، وإن أريد تصحيح الأخرى أيضا قيل : لعل أمير المؤمنين عليهالسلام : خاطب القوم
فيها علانية على جهة التقية بما يناسب قدر عقولهم ومبلغ ما عندهم من العلم ، وخاطب
أصحابه سرا بما وافق الحل وبما هم أهله ، فروى الثاني عنه أولاده عليه وعليهمالسلام ، والأول
الأجانب ، والعلم عند الله» انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول : الأظهر في الجواب عن السؤال الثاني أن اعتقاد
الحل وعدمه لا مدخل له في صحة العقد إذا وقع مستكملا لشرائط الصحة ، والعقد هنا
كذلك كما اختاره ، ومن الجائز أن تكون المرأة جاهلة بحل نكاح المتعة لعدم اشتهارها
يومئذ ، وأنها على مذهب عمر في تحريمها فاعتقدت كون ما وقع منها زنا يوجب الحد ،
فلذا اعترفت بذلك وطلبت اقامة الحد عليها ، والامام عليهالسلام أسقط الحد
عنها لصحة النكاح كما في رواية الصادق
عليهالسلام ، أو لمكان الضرورة
كما في الرواية الأخرى ، وسقوطه لمكان الضرورة غير بعيد.
فإن جملة من الأخبار دلت على أنه ما من شيء حرمة الله
إلا أباحه لمكان الضرورة ، ففي موثقة سماعة (1) قال : «قال : إذا حلف الرجل تقية لم
يضره ـ إلى أن قال : ـ وقال : ليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه».
ونحوه غيره من الأخبار المؤيدة بالدليل العقلي أيضا.
بقي الكلام في اختلاف الخبرين في أن سقوط الحد هل هو
لكونه نكاحا صحيحا كما في رواية الصادق عليهالسلام (2) أو لمكان
الضرورة وأنه كان زنا؟ وما ذكره ـ رحمة الله عليه ـ في الجميع بين فتواه عليهالسلام في هذين
الخبرين جيد ، ويؤيده أنه عليهالسلام خاطب بهذا
الجواب الذي في هذا الخبر عمر وأصحابه ، ومذهب عمر تحريم المتعة فلم يصرح له بأن
عدم الحد لصحة النكاح متعة ، وإنما صرح له بالاضطرار ، وهو صحيح كما عرفت ، فإن
الضرورات تبيح المحظورات ، وأما خبر الصادق عليهالسلام فليس فيه
دلالة على مخاطبة عمر بذلك ، وغاية ما يدل عليه أنه أخبر أمير المؤمنين عليهالسلام بذلك فسألها ،
فلما أخبرته القضية قال : «تزويج ورب الكعبة» وليس في الخبر أنها حدث بعد ذلك أو
لم تحد ، وبلغ ذلك عمر أو لم يبلغه ، بل الخبر مجمل في ذلك ، فيجمد على إجماله ،
والله العالم.
الثاني : في المحل ،
وفيه مسائل :
الاولى قالوا ، يشترط
أن تكون مسلمة أو كتابية كاليهود والنصارى والمجوس على أشهر الروايتين ، ويمنعها
من شرب الخمر ، وارتكاب المحرمات ، أما المسلمة فلا تتمتع إلا بالمسلم خاصة ، ولا
يجوز بالوثنية والناصبية ، ولا تتمتع أمة وعنده حرة إلا بإذنها ، ولو فعل كان
العقد باطلا ، وكذا لا يدخل عليها بنت أخيها
__________________
(1) البحار ج 2 ص 272 ح 9 طبعة طهران الجديدة ، الوسائل ج 16 ص
165 ح 18.
(2) الكافي ج 5 ص 467 ح 8 الوسائل ج 14 ص 471 ح 8.
ولا بنت أختها إلا مع الاذن ، ولو فعل
كان العقد باطلا.
أقول : قد تقدم الكلام في هذه المواضع ، وكلما ثبت هناك
من الجواز أو التحريم فهو يجري في هذا الموضع أيضا من هذه المذكورات وغيرها ، فلا
وجه لإعادته.
الثانية : قالوا :
يستحب أن تكون مؤمنة عفيفة ، وأن يسألها عن حالها مع التهمة ، وليس ذلك شرطا في
الصحة ، وهذا الكلام يتضمن جملة من الأحكام.
(منها) يستحب أن تكون مؤمنة عفيفة ، ويدل على ذلك ما
رواه المشايخ الثلاثة (1) في الصحيح عن
محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «سأل رجل أبا الحسن الرضا عليهالسلام ـ إلى أن قال
ـ : فقال : لا ينبغي لك أن تتزوج إلا مؤمنة أو مسلمة ، فإن الله عزوجل يقول «الزّانِي
لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا
زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ، وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (2) وفي رواية الفقيه «إلا بمأمونة». عوض
«مؤمنة».
وفي حديث أبي سارة (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عنها ـ يعني
المتعة ـ قال لي : حلال ولا تتزوج إلا عفيفة ، إن الله عزوجل يقول «وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ» (4) فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على درهمك».
أقول : قد قيل في معنى هذا الخبر وجوه : (أحدها) إن من
لا تأمنها على درهمك كيف تأمنها على فرجك ، فلعلها تكون في عدة غيرك فيكون وطؤك
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 454 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 269 ح 82 ، الفقيه ج
3 ص 292 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 451 ح 3.
(2) سورة النور ـ آية 3.
(3) الكافي ج 5 ص 453 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 252 ح 11 ، الوسائل
ج 14 ص 451 ح 2.
(4) سورة المؤمنون ـ آية 5.
لها بشبهة ، والاحتياط في تجنب
الشبهات مطلوب.
(الثاني) إنها إذا لم تكن عفيفة كانت فاسقة ، فهي ليست
بمحل للأمانة ، فربما تذهب بدراهمك ولا تفي بالأجل.
(الثالث) إنها لما لم تكن مؤتمنة على الدراهم فبالحري أن
لا تؤمن على الفرج وإيداع النطفة لديها فلعلها تزني وتخلط ماءك بماء غيرك.
وفي الحديث الحسن التفليسي (1) قال : «سألت
الرضا عليهالسلام أيتمتع من
اليهودية والنصرانية؟ قال : يتمتع من المرأة المؤمنة أحب إلي وهي أعظم حرمة منهما».
وفي رواية محمد بن الفيض (2) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة ،
فقال : نعم إذا كانت عارفة ، قلت : فإن لم تكن عارفة؟ قال : فأعرض عليها وقل لها
فإن قبلت فتزوجها ، وإن أبت أن ترضى بقولك فدعها» الحديث.
وأما ما رواه الشيخ (3) عن الحسن بن علي عن بعض أصحابه يرفعه
إلى أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا
تمتع بالمؤمنة فتذلها». فقد قال الشيخ إنه يحتمل أن يكون المراد به إذا كانت
المرأة من أهل بيت الشرف يلحق أهلها العار ويلحقها الذل ويكون ذلك مكروها ، انتهى.
و (منها) إنها متى كانت غير مأمونة فالأفضل له أن يسأل
عن حالها ، ويدل على ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (4) ـ رحمة الله
عليهم ـ عن أبي مريم في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام أنه سئل عن
المتعة فقال : إن المتعة اليوم ليس كما كانت قبل اليوم
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 257 ح 34 ، الوسائل ج 14 ص 452 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 454 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 252 ح 13 ، الوسائل
ج 14 ص 452 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 253 ح 14 ، الوسائل ج 14 ص 452 ح 4.
(4) الكافي ج 5 ص 453 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 251 ح 9 ، الفقيه ج
3 ص 292 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 451 ح 1.
إنهن كن يومئذ يؤمن واليوم لا يؤمن
فاسألوا عنهن».
قال في الوافي : يؤمن إما بكسر الميم من الايمان ، بمعنى
إيمانهن بحل المتعة ، وإما بفتحها من الأمانة ، بمعنى صيانة أنفسهن عن الفجور ، أو
عن الإذاعة إلى المخالفين.
أقول : الظاهر هو الثاني ، وفيه إشارة إلى شيوع الزنا
وكثرته يومئذ كما تدل عليه رواية علي بن يقطين (1) قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام : نساء أهل
المدينة ، قال : فواسق ، قلت : فأتزوج منهن؟ قال : نعم». على أن الايمان بحل
المتعة والتصديق به لا معنى لترتب السؤال عليه ، فإنه يجوز التمتع بغير المؤمنة
بذلك ، وظاهر الخبر هو السؤال من الغير عن حالها ، وعبارات الأصحاب تضمنت سؤالها
عن أنه هل لها زوج أم لا؟ والرواية لا تدل عليه ، وإنما تدل على ما ذكرناه.
(ومنها) إنه يصح التمتع بها بغير سؤال ، بل الأفضل ترك
الفحص والسؤال فإنها مصدق في عدم الزوج والعدة ، والأخبار بذلك متكاثرة.
فروى الكليني (2) في الصحيح عن ميسر قال : «قلت لأبي
عبد الله عليهالسلام : ألقى المرأة
بالفلاة التي ليس فيها أحد ، فأقول لها : هل لك زوج؟ فتقول : لا ، فأتزوجها؟ قال :
نعم هي المصدقة على نفسها».
وروى الصدوق (3) بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن عن
الرضا عليهالسلام في حديث قال :
«قلت : المرأة نتزوج متعة فينقضي شرطها ، فتتزوج رجلا آخر قبل أن تنقضي عدتها ،
قال : وما عليك ، إنما إثم ذلك عليها».
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 253 ح 16 ، الوسائل ج 14 ص 455 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 462 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 456 ح 1.
(3) الفقيه ج 3 ص 294 ح 17 ، الوسائل ج 14 ص 456 ح 2.
وروى في التهذيب (1) عن فضل مولى محمد بن راشد عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «قلت :
إني تزوجت امرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجا ، ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا ،
قال : ولم فتشت».
وعن مهران بن محمد (2) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قيل له
: إن فلانا تزوج امرأة متعة ، فقيل له : إن لها زوجا ، فسألها ، فقال أبو عبد الله
عليهالسلام : ولم سألها».
وعن محمد بن عبد الله الأشعري (3) قال : «قلت
للرضا عليهالسلام : الرجل يتزوج
المرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا ، قال : ما عليه ، أرأيت لو سألها البينة؟ كانت
تجد من يشهد أن ليس لها زوج».
وفي رسالة المتعة للشيخ المفيد على ما نقله في البحار (4) عن أبان بن
تغلب عن أبي عبد الله عليهالسلام «في المرأة
الحسناء ترى في الطريق ، ولا يعرف أن تكون ذات بعل أو عاهرة ، فقال : ليس هذا عليك
، إنما عليك أن تصدقها في نفسها».
وعن جعفر بن محمد بن عبيد الأشعري (5) عن أبيه قال :
«سألت أبا الحسن عليهالسلام عن تزويج
المتعة وقلت : أتهمها بأن لها زوجا ، يحل لي الدخول بها؟ قال عليهالسلام : أرأيت إن
سألتها البينة على أن ليس لها زوج ، هل تقدر على ذلك».
وظاهر هذه الأخبار كما ترى كراهية السؤال وإن كان مع
التهمة ، وهو خلاف ما دل عليه صحيح أبي مريم المتقدم ، ولا يخلو ذلك من الإشكال.
الثالثة : المشهور بين
الأصحاب كراهة التمتع بالزانية ، ونقل التحريم عن الصدوق في المقنع.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 253 ح 17 ، الوسائل ج 14 ص 457 ح 3.
(2 و 3) التهذيب ج 7 ص 253 ح 18 و 19 مع اختلاف يسير ، الوسائل
ج 14 ص 457 ح 4 و 5.
(4 و 5) البحار ج 103 ص 310 ح 49 و 50، مستدرك الوسائل ج 2 ص
589 ب 9 ح 1 و 2.
وعن ابن البراج أنه لا يعقد على فاجرة إلا إذا منعها من الفجور
، فإذا لم تمتنع من الفجور فلا يعقد عليها ، وهو ظاهر الشيخ في النهاية أيضا (1).
والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام منها رواية محمد
بن الفيض (2) المتقدم صدرها
في المسألة الثانية ، حيث قال عليهالسلام فيها : «وإياكم
والكواشف والدواعي والبغايا وذوات الأزواج ، فقلت : ما الكواشف؟ قال : اللواتي
كاشفن ، وبيوتهن معلومة ويزنين ، قلت : فالدواعي؟ قال : اللواتي يدعون إلى أنفسهن
وقد عرفت بالفساد ، قلت : والبغايا؟ قال : المعروفات بالزنا ، قلت : فذوات الأزواج
قال : المطلقات على غير السنة».
أقول : الظاهر أن هذه الرواية كملا ما تقدم من صدرها ،
وما ذكرناه هنا من تتمتها هي حجة الصدوق فيما نقل عنه ، حيث إنه قال في الكتاب
المذكور : ولا يتمتع إلا بعارفة ، فإن لم تكن عارفة فأعرض عليها فإن قبلت. إلى آخر
الخبر كملا ، ثم قال : واعلم أن من تمتع بزانية فهو زان ، لأن الله يقول (الزّانِي
لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً)» (3) ، انتهى.
وما رواه المشايخ الثلاثة (4) عن محمد بن
إسماعيل بن بزيع في الصحيح قال : «سأل رجل أبا الحسن الرضا عليهالسلام وأنا أسمع عن
رجل تزوج المرأة متعة ويشترط عليها على أن لا يطلب ولدها ، فتأتي بعد ذلك بولد ،
فشدد في إنكار الولد ، وقال :
__________________
(1) أقول : حيث قال : فإذا أراد الرجل أن يتمتع بامرأة فلتكن
دينة مأمونة ، فإنه لا يجوز التمتع بزانية أو غير مأمونة. الى آخره. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) الكافي ج 5 ص 454 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 252 ح 13 ، الفقيه ج
3 ص 292 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 454 ح 3.
(3) سورة النور ـ آية 3.
(4) الكافي ج 5 ص 454 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 269 ح 82 ، الفقيه ج
3 ص 292 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 453 ح 1.
أيجحده إعظاما لذلك؟ فقال الرجل : فإن
اتهمها؟ فقال : لا ينبغي لك أن تتزوج إلا مؤمنة أو مسلمة ، فإن الله عزوجل يقول (الزّانِي
لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً)». الحديث كما
تقدم ، والظاهر أن هذا الخبر مستند الصدوق فيما ذكره ، من تتمة عبارته السابقة
بحمل لفظ «لا ينبغي لك» على التحريم كما هو شائع ذائع في الأخبار.
وما رواه الشيخ (1) عن زرارة قال : «سأله عمار وأنا عنده
عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة ، قال : لا بأس ، وإن كان التزويج الآخر فليحسن بابه»
، وفيه دلالة على جواز التمتع بها وإن كان يعلم أنها تزني بخلاف الزوجة الدائمة ،
فإنه شرط عليه أن يمنعها عن الفجور.
وعن علي بن يقطين (2) قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام : نساء أهل
المدينة» الخبر. وقد تقدم قريبا.
وعن إسحاق بن جرير (3) قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إن عندنا
بالكوفة امرأة معروفة بالفجور ، هل يحل لي أن أتزوجها متعة؟ فقال : رفعت راية؟ قلت
: لا ، لو رفعت راية لأخذها السلطان ، قال : نعم تزوجها متعة ، قال : ثم أصغى إلى
بعض مواليه فأسر إليه شيئا ، فلقيت مولاه فقلت له : ما قال لك؟ فقال : إنما قال :
ولو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها شيء ، إنما يخرجها من حرام إلى حلال».
ومنها ما رواه في الكافي (4) في الصحيح أو
الحسن عن ابن أبي عمير عن أبي يعفور رفعه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن المرأة ولا أدري ما حالها أيتزوجها الرجل متعة؟ قال يتعرض لها فإن أجابته إلى
الفجور فلا يفعل». ويمكن أن تكون هذه الرواية دليلا لابن البراج فيما تقدم نقله
عنه.
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 253 ح 15 و 16، الوسائل ج 14 ص 454 ح 1 وص
455 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 485 ح 157 ، الوسائل ج 14 ص 455 ح 3.
(4) الكافي ج 5 ص 454 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 453 ب 8 ح 2.
وعن يونس عن بعض رجاله (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يتزوج المرأة متعة أياما معلومة ، فتجيئه في بعض أيامها فتقول إني قد
بغيت قبل مجيئي إليك بساعة أو يوم ، هل له أن يطأها ، وقد أقرت له ببغيها؟ قال :
لا ينبغي له أن يطأها».
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي «وروي لا تمتع بلصة ولا مشهورة بالفجور ، وادع المرأة قبل المتعة إلى ما لا
يحل ، فإن أجابت فلا تمتع بها».
ومن الأخبار المنقولة في كتاب البحار عن رسالة الشيخ
المفيد المتقدم ذكرها ما رواه عن محمد بن فضيل (2) عن أبي الحسن عليهالسلام «في المرأة
الحسناء الفاجرة هل يجوز للرجل أن يتمتع بها يوما أو أكثر؟ قال : إذا كانت مشهورة
بالزنا فلا يتمتع بها ولا ينكحها».
وعن ابن جرير (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة
تزني أيتمتع بها؟ قال : أرأيت ذلك؟ قلت : لا ، ولكنها ترمى به ، قال : نعم يتمتع
بها ، على أنك تغادر وتغلق بابك».
وعن الحسن (4) عن الصادق عليهالسلام «في المرأة
الفاجرة هل يحل تزويجها؟ قال : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها
من ماء الفجور فله أن يتزوجها بعد أن يقف على توبتها».
وروى في كتاب كشف الغمة (5) عن كتاب دلائل
الحميري عن الحسن بن ظريف قال : «كتبت إلى أبي محمد عليهالسلام وقد تركت التمتع
ثلاثين سنة ، وقد نشطت
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 465 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 492 ب 38 ح 1.
(2 و 3) البحار ج 103 ص 309 ح 40 وفيه «عن محمد بن فضيل» ، وح
41 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 589 ب 7 ح 1 وب 8 ح 1 ..
(4) البحار ج 103 ص 309 ح 42 ، مستدرك الوسائل ج 3 ص 23 ب 39 ح
3.
(5) كشف الغمة ج 2 ص 423 ، الوسائل ج 14 ص 455 ح 4.
لذلك ، وكان في الحي امرأة وصفت لي
بالجمال فمال إليها قلبي ، وكانت عاهرا لا تمنع يد لامس فكرهتها ، ثم قلت : قد قال
الأئمة : تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال ، فكتبت إلى أبي محمد عليهالسلام أشاوره في
المتعة ، وقلت : أيجوز بعد هذه السنين أن أتمتع ، فكتب : إنما تحيي سنة وتميت بدعة
، ولا بأس ، وإياك وجارتك المعروفة بالمهر وإن حدثتك نفسك ، إن آبائي قالوا : تمتع
بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال ، فهذه امرأة معروفة بالهتك ، وهي جارتك ،
وأخاف عليك استفاضة الخبر. فتركتها ولم أتمتع بها ، وتمتعها شاذان بن سعيد ، رجل
من إخواننا وجيراننا ، فاشتهر بها حتى علا أمره وصار إلى السلطان وغرم بسبها مالا
نفيسا ، وأعاذني الله من ذلك ببركة سيدي».
أقول : هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، وهي كما ترى ما
بين ما يدل على الجواز كما هو المشهور ، وما يدل على التحريم كما هو مذهب الصدوق ،
والأصحاب حملوا ما دل على المنع على الكراهة ، جمعا بين الأخبار.
وأما على القول بالتحريم فاللازم طرح ما دل على الجواز ،
وهو مشكل ، وبعض ما دل على الجواز وإن أمكن تقييده بما يرجع إلى القول بالتحريم ،
كأن يقيد بمنعها من الفجور ، المكنى عنه بأن يغلق بابه ، أو بظهور التوبة ، كما
دلت عليه جملة من هذه الأخبار ، إلا أن بعضا آخر كصحيحة زرارة ، ورواية إسحاق ابن
جرير ، ورواية علي بن يقطين ، ورواية كشف الغمة ظاهر في الجواز مع عدم القيدين المذكورين
، ولا يحضرني الآن مذهب العامة في المسألة فلعل أخبار أحد الطرفين إنما خرج مخرج
التقية.
وبالجملة فإن المسألة غير خالية من شوب الإشكال ، فإن
جملة من أخبار المنع صريح في التحريم ، والله العالم.
الرابعة : قد صرح جملة
من الأصحاب بأنه يكره التمتع ببكر ليس لها أب فإن فعل فلا يفتضها وليس محرما.
أقول : الكلام هنا يقع في موضعين (أحدهما) البكر التي
لها أب ، هل يجوز التمتع بها دون الأب أم لا؟ وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه
المسألة ، في مسائل المقصد الثاني في الأولياء للعقد من الفصل الأول.
(الثاني) في البكر التي لا أب لها ، ولم نقف فيها على نص
بخصوص ما قالوه وإنما نصوص المسألة ما بين مطلق وما بين مصرح بوجود الأب.
والظاهر أن الأصحاب إنما استندوا فيما ذكروه إلى الإطلاق
، ومن ذلك ما رواه في الكافي (1) عن زياد بن
أبي الحلال في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : لا بأس
بأن يتمتع بالبكر ما لم يفض إليها ، مخافة كراهية العيب على أهلها».
وما رواه المشايخ الثلاثة (2) نور الله
مراقدهم ـ عن حفص بن البختري في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «قال في الرجل
يتزوج البكر متعة ، قال : يكره للعيب على أهلها».
وما رواه في الكافي (3) عن محمد بن أبي حمزة عن بعض أصحابه
عن أبي عبد الله عليهالسلام «في البكر
يتزوجها الرجل متعة؟ قال : لا بأس ما لم يفتضها».
وعن جميل بن دراج (4) في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن الرجل
يتمتع من الجارية البكر ، قال : لا بأس بذلك ما لم يستصغرها».
أقول : الظاهر أن المعنى في قوله «ما لم يستصغرها» أي :
يعدها صغيرة لم تكمل التسع ، فإنه لا يصح العقد عليها إلا من الولي ، وقيل : إن
معناه ما لم يفتضها ، لأنه موجب لصغارها وذلها عند أهلها ، والأول أظهر.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 462 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 457 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 462 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 293 ح 10 ، التهذيب ج
7 ص 255 ج 27 ، الوسائل ج 14 ص 459 ح 10.
(3) الكافي ج 5 ص 462 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 458 ح 2.
(4) الكافي ج 5 ص 462 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 460 ح 1.
وما رواه في الفقيه (1) عن ابن أسباط عن محمد بن عذافر عمن
ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن التمتع بالأبكار ، فقال : هل جعل ذلك إلا لهن ، فليستترن به وليستعففن».
ومن كتاب الحسين بن سعيد على ما نقله في كتاب البحار (2) بسنده فيه عن
أبي بكر الحضرمي قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : يا أبا بكر
، إياكم والأبكار أن تزوجوهن متعة».
وعن عبد الملك بن عمرو (3) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة ،
فقال : إن أمرها شديد ، فاتقوا الأبكار». وإطلاق هذه الأخبار شامل لذات الأب
وغيرها ، خرجت منها ذات الأب باختلاف الأخبار فيها بجواز تمتعها بدون إذن الأب
وعدمه كما تقدم الكلام فيه ، وبقيت غير ذات الأب على مقتضى ما دلت عليه هذه
الأخبار والمستفاد منها بعد ضم بعضها إلى بعض هو كراهة التمتع بها ، وأشد كراهة
الإفضاء إليها بعد التمتع بها ، وهو فتوى الأصحاب كما عرفت ، والله العالم.
الخامسة : قالوا : إذا
أسلم المشرك وعنده كتابية بالعقد المنقطع كان عقدها ثابتا ، وكذا لو كن أكثر ، ولو
سبقت بالإسلام وقف على انقضاء العدة إن كان دخل بها ، فإن انقضت ولم يسلم بطل
العقد ، وإن لحق بها قبل العدة فهو أحق بها ما دام أجله باقيا ، وعللت هذه الأحكام
بأنه لما كان عقد المتعة صحيحا عندنا ، فإذا أسلم المشرك على منكوحة يجوز استدامة
نكاحها كالكتابية أقر عليه كما يقر على الدوام ، وكذا لو كن أكثر من واحدة لما سلف
من أنه لا تنحصر شرعا في عدد.
ولو انعكس الفرض بأن أسلمت هي دونه توقف فسخ النكاح على
العدة ، لأن نكاح المسلمة لا يصح لكافر مطلقا ، فإن انقضت العدة أو المدة التي
جعلاها أجلا للمتعة
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 297 ح 29 ، الوسائل ج 14 ص 458 ح 4.
(2) البحار ج 103 ص 316 ح 27 الوسائل ج 14 ص 460 ح 13.
(3) البحار ج 103 ص 318 ح 33 ، الوسائل ج 14 ص 460 ح 14.
ولم يسلم تبين انفساخ النكاح في حين
الإسلام ، أما مع انقضاء العدة فلانفساخ النكاح حينئذ ، وأما مع انتهاء المدة
فلاقتضائه بالبينونة ، وإن أسلم في العدة وقد بقي من المدة شيء فهو أملك بها ما
دامت المدة باقية ، وعلى التقديرين يثبت المسمى لاستقراره بالدخول لأنه المفروض ،
فلو كان الإسلام قبل الدخول ، فإن كان منه فالحكم بحاله ، وإن كان منها انفسخ
النكاح ولا مهر كما مر ، لأن الفسخ من قبلها هذا كله إذا كانت المرأة كتابية ، فلو
كانت غير كتابية فأسلم أحدهما بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة وتبين منه
بانقضاء الأجل أو خروج العدة ، فأيهما حصل بعد الإسلام انفسخ به النكاح.
والوجه في ذلك أنه لما لم يجز نكاح غير الكتابية للمسلم
دواما ومتعة ابتداء واستدامة ، وامتنع نكاح الكافر وإن كان كتابيا للمسلم ابتداء
واستدامة ، وجب فيما إذا كانت الزوجة غير كتابية ـ أعم من أن تكون وثنية أو غيرها
من فرق الكفر ـ الحكم بانفساخ النكاح إن كان قبل الدخول مطلقا ، وتوقفه على انقضاء
العدة أو المدة إن كان بعده ، فأيهما حصل حكم بانفساخ النكاح أو انتهائه ، ويثبت
المسمى مع الدخول وبدونه إن كان المسلم الزوج كما مر ، هكذا حققه شيخنا ـ رحمهالله ـ في المسالك
، والله العالم.
الثالث : في الأجل ،
أجمع الأصحاب على أن ذكر الأجل شرط في صحة نكاح المتعة ، فلو لم يذكره انعقد دائما
، قالوا : ولا يتقدر في القلة والكثرة بقدر ، بل بما تراضيا عليه ، وإن بلغ في حد
الكثرة إلى ما يقضي العادة بعدم بلوغه إليه وفي جانب القلة إلى حد لا يمكن الجماع
فيه ، لأن غاية العقد لا ينحصر في ذلك.
ونقل عن ابن حمزة أنه قدر الأجل بما بين طلوع الشمس ونصف
النهار ، وقيل ولعله أراد التمثيل لا الحصر.
قالوا : ولا بد أن يكون محروسا من الزيادة والنقصان
كغيره من الأجل.
والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من الأخبار في هذا المقام
، ثم الكلام فيها
بتوفيق الملك العلام ، وبيان ما
يستفاد منها من الأحكام.
الأول : ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن زرارة في
الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا
تكون متعة إلا بأمرين أجل مسمى وأجر مسمى».
الثاني : ما رواه في التهذيب (2) عن إسماعيل بن
الفضل الهاشمي في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة ،
فقال : مهر معلوم إلى أجل معلوم».
الثالث : ما رواه في الكافي والتهذيب (3) في الموثق عن
أبي بصير قال : «لا بد من أن تقول فيه هذه الشروط : أتزوجك متعة كذا وكذا يوما
بكذا وكذا درهما ، نكاحا غير سفاح على كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى أن لا
ترثيني ولا أرثك ، وعلى أن تعتدي خمسة وأربعين يوما ، وقال بعضهم : حيضة».
أقول : الظاهر أنه لما كانت المتعة غير معهودة في تلك
الأزمان فربما توهمت المرأة الزنا ، فأمروا عليهمالسلام بذكر هذه
الشروط المذكورة التي لا مدخل لها في صحتها دفعا لتوهم الدوام وتوهم الزنا ، ولهذا
لم يقل أحد من أصحابنا باشتراط ما ذكر في هذا الخبر ونحوه في صحة العقد كما يظهر
من هذا الخبر ونحوه ، وقوله في آخر الخبر «وقال بعضهم» الظاهر أنه من كلام أبي
بصير ، ويحتمل أن يكون من من بعض الرواة ، والضمير البارز الظاهر رجوعه إلى الأئمة
عليهمالسلام ، واحتمال
الرجوع إلى بعض الرواة الظاهر بعده.
الرابع : عن أبان بن تغلب (4) قال : «قلت :
لأبي عبد الله عليهالسلام : كيف
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 455 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 262 ح 58 ، الوسائل
ج 14 ص 465 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 262 ح 60 ، الوسائل ج 14 ص 465 ح 3.
(3) الكافي ج 5 ص 455 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 263 ح 63 ، الوسائل
ج 14 ص 467 ح 4 وفيها اختلاف يسير مع ما نقله صاحب الحدائق ـ رحمهالله.
(4) الكافي ج 5 ص 455 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 265 ح 70 ، الوسائل
ج 14 ص 466 ح 1.
أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول
أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا وارثة
ولا موروثة كذا وكذا يوما ، وإن شئت كذا وكذا سنة ، بكذا وكذا درهما ، وتسمي من
الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أم كثيرا ، فإذا قالت نعم فقد رضيت : فهي امرأتك
وأنت أولى الناس بها ، قلت : فإني أستحيي أن أذكر شرط الأيام ، قال : هو أضر عليك
، قلت : وكيف؟ قال : إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام ، ولزمتك النفقة في العدة
وكانت وارثة ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة».
الخامس : ما رواه في الكافي (1) عن ثعلبة قال
: «تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم نكاحا غير
سفاح ، وعلى أن لا ترثيني ولا أرثك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما ، وعلى أن عليك
العدة».
السادس : عن هشام بن سالم (2) قال : «قلت :
كيف يتزوج المتعة؟ قال : تقول يا أمة الله أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما ،
فإذا مضت تلك الأيام كان طلاقها في شرطها ، ولا عدة لها عليك».
السابع : ما رواه في التهذيب (3) عن محمد بن
إسماعيل عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال : «قلت له
: الرجل يتزوج متعة سنة أو أقل أو أكثر؟ قال : إذا كان شيئا معلوما إلى أجل معلوم
، قال : قلت : وتبين بغير طلاق؟ قال : نعم».
الثامن : ما رواه أيضا عن زرارة (4) في الموثق قال
: «قلت له : هل يجوز أن
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 455 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 263 ح 62 ، الوسائل
ج 14 ص 466 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 455 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 466 ح 3.
(3) الكافي ج 5 ص 459 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 266 ح 72 ، الوسائل
ج 14 ص 478 ب 25 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 459 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 266 ح 73 ، الوسائل
ج 14 ص 479 ح 2.
يتمتع الرجل من المرأة ساعة أو ساعتين؟
فقال : الساعة والساعتان لا يوقف على حدهما ، ولكن العرد والعردتين واليوم
واليومين ، والليلة وأشباه ذلك».
التاسع : ما رواه في الكافي (1) عن خلف بن
حماد قال : «أرسلت إلى أبي الحسن عليهالسلام : كم أدنى أجل
المتعة ، هل يجوز أن يتمتع الرجل بشرط مرة واحدة؟ قال : نعم».
العاشر : ما رواه أيضا عن القاسم بن محمد (2) عن رجل سماه
قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل
يتزوج المرأة على عرد واحد ، فقال : لا بأس ، ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر».
الحادي عشر : ما رواه في التهذيب (3) عن هشام قال :
«قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أتزوج
المرأة متعة مرة مبهمة؟ قال : فقال : ذلك أشد عليك ، ترثها وترثك ، ولا يجوز لك أن
تطلقها إلا على طهر وشاهدين ، قلت : أصلحك الله فكيف أتزوجها؟ قال : أياما معدودة
بشيء مسمى مقدار ما تراضيتم به ، فإذا مضت أيامها كان طلاقها في شرطها ، ولا نفقة
ولا عدة لها عليك ، قلت : ما أقول لها؟ قال : تقول لها : أتزوجك على كتاب الله
وسنة نبيه ، والله وليي ووليك كذا وكذا شهرا بكذا وكذا درهما ، على أن الله لي
عليك كفيلا لتفين لي ولا اقسم لك ، ولا أطلب ولدك ولا عدة لك علي ، فإذا مضى شرطك
فلا تتزوجي حتى يمضي لك خمس وأربعون ليلة ، وإن حدث بك ولد فأعلميني».
الثاني عشر : وما رواه المشايخ الثلاثة (4) ـ رحمة الله
عليهم ـ عن بكار بن كردم
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 460 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 479 ح 5.
(2) الكافي ج 5 ص 460 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 267 ح 74 الوسائل ج
14 ص 479 ح 4.
(3) التهذيب ج 7 ص 267 ح 76 ، الوسائل ج 14 ص 470 ح 3.
(4) الكافي ج 5 ص 466 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 267 ح 75 ، الفقيه ج
3 ص 297 ح 27 ، الوسائل ج 14 ص 490 ح 1.
قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يلقى
المرأة فيقول لها : زوجيني نفسك شهرا ، ولا يسمي الشهر بعينه ، ثم يمضي فيلقاها
بعد سنين ، قال : فقال : له شهره إن كان سماه ، وإن لم يكن سمى فلا سبيل له عليها».
الثالث عشر : ما رواه في الكافي (1) عن ابن أبي
عمير عن عبد الله بن بكير في الموثق في حديث «إن سمي الأجل فهو متعة ، وإن لم يسم
الأجل فهو نكاح بات».
أقول : هذه جملة ما وقفت عليه من الروايات المتعلقة
بالأجل ، والكلام فيها يقع في مواضع :
الأول : قد اتفقت هذه
الأخبار في الدلالة على صحة ما ذكره الأصحاب من اشتراط الأجل في صحة عقد المتعة ،
وقضية ذلك بطلان العقد لو خلا منه ، كما هو ظاهر جملة من الأصحاب ومذهب العلامة
ووالده وولده وجمع من الأصحاب منهم شيخنا في المسالك وسبطه السيد السند في شرح
النافع.
وقيل بأنه ينقلب العقد دائما وهو المشهور وعليه يدل
الخبر الرابع والخبر الثالث عشر.
وقيل ـ وهو اختيار ابن إدريس ـ : إنه إن كان الإيجاب
بلفظ التزويج أو النكاح انقلب دائما ، وإن كان بلفظ التمتع بطل العقد.
احتج من قال بالأول ، أما على البطلان فبأنه لم ينعقد
متعة لفوات الشرط الذي هو ذكر الأجل ، وهو موضع وفاق ، وأما على عدم انعقاده دائما
، فإن الدوام غير مقصود بل المقصود خلافه ، والعقود تابعة للقصود ، وبالجملة فإنه
مع الحكم بكونه يكون دائما يلزم أن ما وقع غير مقصود ، وما قصد غير واقع.
أقول : وهذا التعليل ربما يترائى صحته في بادي النظر ،
إلا أنك بالرجوع إلى الأخبار وتتبعها في جملة مواضع يظهر لك فساده ، ومن ذلك
الروايتان المذكورتان
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 456 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 262 ح 59 ، الوسائل
ج 14 ص 469 ح 1.
هنا ، فإنهما صريحتان في أنه ينقلب
دائما ، ونحوهما أيضا الرواية الحادية عشر ، ومن ذلك ما تقدم في غير مقام من دلالة
جملة من الأخبار على صحة العقد المشتمل على الشرط الفاسد ، وبطلان الشرط خاصة مع
أن القصد إنما تعلق بالجميع ، فما وقع غير مقصود ، وما قصد غير واقع ، وبذلك يظهر
منع تبعية العقد للقصد على إطلاقه ، ويؤيده ما ذكروه من الإجماع على أن عقد النكاح
ـ إذا تضمن شروطا فاسدة ـ صحيح مع بطلان الشروط المقصودة ، ذكر ذلك السيد السند في
شرح النافع ، وأما ما أجاب به عنه حيث إنه ممن يختار هذا القول غير موجه.
وبالجملة فإن الاعتماد على هذا التعليل في تأسيس الأحكام
الشرعية في مقابلة هذه النصوص الواضحة الجلية لا يخرج عن مقابلة النصوص بالاجتهاد
، وفيه خروج عن نهج السداد وطريق الرشاد.
ومما ذكرناه علم حجة القول الثاني ، إلا أنه في المسالك
نقل الاحتجاج للقول المذكور قال : لأن لفظ الإيجاب صالح لكل منهما ، وإنما يتمحض
للمتعة بذكر الأجل وللدوام بعدمه ، فإذا انتفى الأول ثبت الثاني ، ولأن الأصل في
العقد الصحة ، والفساد على خلاف الأصل ، ولموثقة عبد الله بن بكير ، ثم نقل الخبر
الثالث عشر ، ثم قال : وفيه نظر ، لأن المقصود إنما هو المتعة كما هو الفرض ،
والأجل شرط فيها ، وفوات الشرط يستلزم فوات المشروط ، وصلاحية العبارة غير كاف مع
كون المقصود خلاف ما يصلح له اللفظ ، والمعتبر اتفاق اللفظ والقصد على معنى واحد ،
وهو غير حاصل هنا ، لأن المقصود هو المتعة ، والمطابق للفظ هو الدائم ، وذلك يقتضي
البطلان لفوات شرط المقصود وقصد الملفوظ ، والأصل إنما يكون حجة مع عدم الناقل ،
وهو موجود ، والخبر ـ مع قطع النظر عن سنده ـ ليس فيه دلالة على أن من قصد المتعة
ولم يذكر الأجل يكون دائما ، بل إنما دل على أن الدوام لا يذكر فيه الأجل وهو كذلك
، لكنه غير المدعى ، وحينئذ فالقول بالبطلان مطلقا أقوى ، انتهى.
أقول : قد عرفت في غير موضع مما تقدم أن الاعتماد عندنا
في تأسيس الأحكام الشرعية إنما هو على الأدلة المعصومية دون التخريجات العقلية ،
وقد عرفت أن هذا التعليل الذي بنى عليه وإن كان مما يتسارع إلى الفهم قبوله ، إلا
أن الأخبار ترده كما عرفت ، وحينئذ فمن الجائز أن يقال في الجواب عما ذكره أولا
إنه لما كان لفظ الإيجاب صالحا لكل منهما ، وامتنع حمله على المتعة وإن كانت هي
المقصودة ، للإخلال بشرطها وهو ذكر الأجل ، إلا أنه لا مانع من حيث صلاحية اللفظ
الدائم أن يحمل عليه ، وينقلب العقد إليه وأن لم يكن مقصودا وهو يرجع إلى بطلان ما
ادعوه من اشتراط الصحة بالقصد هذا.
وأما جوابه عن الخبر بعدم الدلالة ، وأن المعنى فيه ما
ذكره فهو بعيد ، إذ لا يخفى على المتأمل أن الخبر ظاهر في أن المدار في الفرق بين
كون العقد دائما أو منقطعا إنما هو على تسمية الأجل في العقد وعدمها ، وفيه إشعار
بأن القصد لا اعتبار به ، وإنما الاعتبار بذكر الأجل وعدمه ، فإن ذكر الأجل كان
منقطعا وإن قصد الدائم ، وإن لم يذكره فهو دائم وإن قصد المنقطع ، هذا ظاهره ، وإن
كان على خلاف مقتضى قاعدته التي بنى عليها ، وضابطته التي استند إليها ، وأظهر منه
خبر أبان بن تغلب ، وهو الخبر الرابع ، فإنه صريح الدلالة ، وهو الذي استدل به
غيره ، إلا أنه لم ينقله في المقام ، ومثلهما كما عرفت الخبر الحادي عشر ، فإنه
ظاهر في عدم انعقاد العقد متعة إذا جعل الأجل مرة مبهمة : ومقتضاه على ما يدعيه أن
يكون العقد باطلا مع أنه لم يحكم عليهالسلام فيه بالبطلان
، وإنما حكم بانقلابه دائما فيكون من قبيل الخبرين الأولين ، وهو ظاهر الدلالة في
خلاف ما زعمه.
نعم ، له الطعن في هذه الأخبار بضعف السند ، إلا أنه
عندنا وعند متقدمي أصحابنا غير مسموع ولا معتمد ، ومن العجب أن سبطه في شرح النافع
بعد أن ذكر الروايتين أجاب عنهما بما أجاب جده عن موثقة ابن بكير من أنه لا دلالة
فيهما على أنه إذا قصد المتعة ولم
يذكر الشرط ينعقد دائما ، وإنما المستفاد منهما أن الدوام لا يذكر فيه الأجل ، وهو
عجيب من مثل هذا الفحل المشهور ، فإنه لا يخفى على أدنى ناظر في خبر أبان أن سياق
الخبر ينادي بأفصح لسان ، ويصرح بأوضح بيان ، بأنه في صورة عقد المتعة المشتمل على
شروطها المتكررة في الأخبار لو أخل بذكر هذا الشرط من بينها لمكان الاستحياء انقلب
عقده دائما ، وإن اشتمل على تلك الشروط الأخر ، فكيف يتم له دعوى أنه لم يقصد
المتعة ، وسياق الخبر كما ترى ونحوها فيما ذكرناه أيضا الخبر الحادي عشر بالتقريب
المتقدم.
وبالجملة فإن جوابهم عن هذه الأخبار لتشييد قاعدتهم التي
بنوا عليها وضابطتهم التي استندوا إليها محض مجازفة لا تشفي العليل ولا يبرد
الغليل ، على أنك قد عرفت انتقاض هذه القاعدة وبطلان ما يترتب عليها من الفائدة
بما دلت عليه الأخبار الدالة على صحة العقود المشتملة على الشروط الفاسدة ، مع
بطلان الشروط.
وأما ما ذهب إليه ابن إدريس من التفصيل المتقدم ، فإنه
علله بأن اللفظين الأولين صالحان لهما بخلاف الثالث ، فإنه يختص بالمتعة ، فإذا
فات شرطها بطل.
وأورد عليه بأن بطلان عقد المتعة كما حصل بفوات شرطه وهو
الأجل ، فكذلك الدوام بطل بفوات شرطه ، وهو القصد إليه ، وهو الركن الأعظم في صحة
العقود ، وهو جيد لو تم ما ذكره من شرطية القصد في صحة العقد كليا.
ونقل هنا أيضا قول رابع وهو التفصيل بأنه إن وقع الإخلال
بالأجل على وجه النسيان أو الجهل بطل ، وإن وقع عمدا انقلب دائما.
وفيه أنه لا دليل على هذا التفصيل العليل ، قال في
المسالك بعد نقل هذا القول : وقد ظهر ضعفه مما تقدم ، فإنه مع التعمد وقصد المتعة
يكون قد أخل بركن من أركان عقدها عمدا ، ولم يقصد غيرها ، ثم قال : وبالجملة
فالأصل في القول بالصحة والانقلاب دائما هو الرواية السابقة على أي وجه اعتبر وقد
عرفت قصورها
عن تأسيس مثل هذا الحكم المخالف للأصل
متنا وسندا ، انتهى.
أقول ، وقد عرفت أن الدال على هذا الحكم الروايات الثلاث
المتقدمة ، وأن ضعف السند غير مرضي عندنا ولا معتمد.
وأما الدلالة فقد أوضحناها بأوضح إيضاح فلا قصور فيها
ولا حرج في القول بها ولا جناح ، والله العالم.
فرع
لو اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على وقوع العقد فادعى
أحدهما أنه متعة وادعى الآخر الدوام ، فإن قلنا بأن إهمال الأجل مطلقا يقتضي
الدوام كان القول قول مدعي الدوام ، لأن الآخر يدعي الزيادة وهي الأجل ، والقول
قول منكرها ، وإن قلنا أن الإهمال يقتضي الإبطال ما لم يقصد الدوام كما هو القول
الآخر فالوجه أنهما يتحالفان ، وينفسخ النكاح ، لأن كلا منهما مدع ومنكر ، والقول
قول المنكر بيمينه ، ولو اشتبه الحال لموت ونحوه لم يحكم بالتوارث ونحوه إلا مع
ثبوت الدوام ، كذا صرح به السيد السند في شرح النافع.
وفيه أن تفريع المسألة المذكورة على الخلاف المتقدم هنا
لا يخلو من الإشكال فإن القائل بالإبطال في صورة إهمال الأجل إنما هو فيما إذا كان
القصد إلى المتعة وأهمل الأجل كما تقدم ، والظاهر من أصل المسألة المفروضة أنهما
متفقان على وقوع عقد النكاح في الجملة ، ولكن أحدهما يدعي أنه عقد نكاح منقطع
مستكمل لجميع شرائط المنقطع ، والآخر يدعي أنه عقد نكاح دائم مستكمل لجميع شرائط
الدائم ، ومتى كان الفرض كذلك فإنه لا تعلق له بهذه المسألة المذكورة ولا تفرع له
عليها بوجه.
والذي يقتضيه النظر في قواعدهم في أمثال هذا المقام هو
القول بالتحالف وانفساخ النكاح ، لأن ضابطة التحالف هو أن يدعي كل منهما على صاحبه
ما ينفيه
الآخر بحيث لا يتفقان على أمر ، وهو
هنا كذلك ، فإن كلا من العقدين مغاير للآخر في الأحكام وما يترتب عليه في المقام ،
فإذا ادعى أحدهما الدوام والآخر المتعة ، فكل منهما يدعي ما ينفيه صاحبه ، كما إذا
ادعى أنه باعه هذا الثوب ، فقال الآخر إنما بعتني هذا الثوب إشارة إلى ثوب آخر ،
فإن الحكم التحالف ، وأما ترتب ذلك على المسألة المتقدمة والخلاف فيها كما ذكره ـ قدسسره ـ وقبله
العلامة في المختلف أيضا فلا أعرف له وجها.
قال في المختلف : قال ابن البراج : إذا اختلف الزوجان
بعد اتفاقهما على العقد ، فادعى أحدهما أنه متعة ، كان على مدعي المتعة البينة
وعلى المنكر اليمين ، لأن الزوج إن ادعى المتعة كان مدعيا لما يسقط عنه حقوقا من
نفقة وميراث وغير ذلك ، وإن ادعت المرأة ذلك كانت مدعيه لما تملك نفسها معه بغير
طلاق وما أشبهه ، والمعتمد أن نقول إن كان إهمال الأجل يقتضي الدوام ، فالقول قول
مدعي الدوام لأن الآخر يدعي زيادة ، فالقول قول من ينكرها وإن كان الإهمال يقتضي
الإبطال ـ كما اخترناه نحن ـ فالوجه أنهما يتحالفان ويفسخ النكاح ، لأن كلا منهما
مدع ، فالقول قول المنكر بيمينه. انتهى ، وأنت خبير بما في كل من القولين بعد
التأمل فيما قدمناه ، والله العالم.
الثاني : من المواضع
المتقدم ذكرها : قد عرفت أنه لا بد من اعتبار ضبط الأجل على وجه يكون محروسا من
احتمال الزيادة والنقصان كقدوم المسافر وإدراك الثمرة كغيره من الآجال ، ويشير إليه
ما تقدم في بعض الأخبار المتقدمة إلى أجل معلوم ، وقوله في الخبر الثامن «الساعة
والساعتان لا يوقف على حدهما» فإن الجميع ظاهر في أنه لا بد من أن يكون الأجل
محدودا ، وكذا لا تقدر له في جانب القلة والكثرة ، فلو قدره بوقت لا يعيش إليه لم
يضر ، لأن الموت قبله غير قادح في صحته شرعا ، وكذا في جانب القلة بما لا يمكن فيه
الجماع لم يقدح في صحته لأنه لا ينحصر صحته في الجماع.
قال في المسالك : ولا يشترط أن يكون بقدر يمكن فيه
الجماع ، لأنه غير
معتبر فيه ، وإنما هو بعض ما يترتب
عليه ، فلو جعلاه لحظة واحدة مضبوطة صح ويترتب عليه حكم العقد من إباحة النظر ،
وتحريم المصاهرة كالأم ونحو ذلك مما يترتب على صحة العقد وإن كان المقصود ذلك ،
لأنه أحد الأغراض المقصودة من النكاح بالعقد إذ لا يعتبر في العقد قصد جميعها ولا
أهمها في صحته ، ولا فرق في ذلك بين كون الزوجة في محل الاستمتاع وعدمه. انتهى ،
وهو جيد.
وفيه رد على ما زعمه بعض الأفاضل المعاصرين من بطلان
العقد لو وقع لمجرد التحليل وجواز النظر إلى ابنة المعقودة أو أمها ونحو ذلك ، وقد
بسطنا الكلام معه في ذلك في كتابنا الدرر النجفية.
وكذا قوله «في محل الاستمتاع وعدمه» فيه رد على المحقق الشيخ
على ـ رحمهالله ـ كما ذكرناه
ثمة ، ويجوز جعل المدة بعض يوم إذا كان مضبوطا إما بغاية معروفة كالزوال وغروب
الشمس أو بمقدار معين كنصف يوم ، ثم إن اتفق معرفتهما ذلك عملا بما علماه ، وإلا
رجعا فيه إلى أهل الخبرة العارفين بذلك وظاهرهم اشتراط العدالة في المخبر ، وهل
يشترط التعدد كالشهادة أو لا ، فيكون من باب الخبر؟ وجهان ، قالوا : ولا يشترط ذكر
وقت الابتداء ولا العلم به ، حيث جعلاه إلى الزوال أو الغروب ونحو ذلك بل أوله وقت
العقد كيفما اتفق.
الثالث : المشهور في
كلام الأصحاب (1) أنه لا يجوز
أن يعين شهرا متصلا بالعقد ومتأخرا عنه ، ولو أطلق اقتضى الاتصال ، وقيل بعدم جواز
الانفصال ، واختاره السيد السند في شرح النافع حيث قال في الكتاب المذكور : وهل
يعتبر في المدة الاتصال أم يجوز جعلها منفصلة عن العقد؟ قولان ، أظهرهما الأول ،
لأن
__________________
(1) أقول : من فروع المسألة ما لو كانت المرأة ذات بعل مدة
معينة وأراد الغير تزويجها شهرا معينا بعد انقضاء أجل الزوج الأول وعدتها منه فإنه
يصح النكاح بمقتضى ظاهر الخبر ، وكذا لو لم تكن ذات بعل وقت العقد ، وأرادت
التزويج في المدة التي بين وقت العقد وبين الشهر المعين بحيث تتم عدتها وأجلها قبل
ذلك الشهر ، فإنه يجوز بمقتضى ظاهر الخبر أيضا. (منه ـ قدسسره ـ).
الوظائف الشرعية إنما تثبت بالتوقيف ،
ولم ينقل تجويز ذلك ، وإنما المنقول ما تضمن اتصال المدة بالعقد ، فيجب القول بنفي
ما عداه إلى أن يثبت دليل الجواز.
وقيل بالثاني لوجود المقتضي وهو العقد المشتمل على الأجل
المضبوط وهو ضعيف. انتهى ، وهو جيد لو لا ورود الخبر الثاني عشر (1) فإنه صريح في
أنه متى سمي شهرا وعليه ـ وإن كان بعد مضي سنين بين العقد وذلك الشهر ـ فإن له
شهره وبه استدل الأصحاب القائلون بالجواز ، إلا أن له أن يرده بضعف السند بناء على
تصلبه في العمل بهذا الاصطلاح المحدث ، والظاهر أنه لم يقف على الخبر وإلا لأشار
إليه وأجاب عنه.
والخلاف في هذا المقام وقع في موضعين :
أحدهما : ما ذكرناه من جواز الانفصال وعدمه ، وقد عرفت
دلالة الرواية على الجواز ، إلا أنه قد قيل في وجه القول بالبطلان أيضا زيادة على
ما ذكره السيد السند في شرح النافع حيث قال : إن صحة العقد توجب ترتب أثره ، وأثره
هنا هو تحقق الزوجية ، وذلك يمتنع مع تأخر الأجل فيكون فاسدا ، لأنا لا نعني
بالفاسد إلا ما لا يترتب أثره عليه ، ولأنه لو صح العقد كذلك لزم كونها زوجة
للعاقد ، وخلية من الزوج في المدة ، فيلزم جواز تزويجها لغيره خصوصا على تقدير
وفاء المدة بالأجل والعدة ، والرواية المذكورة وإن دلت بإطلاقها على الجواز لكنها
ضعيفة السند مجهولة الراوي فلا تصلح للدلالة.
وأجاب في المسالك عن ذلك فقال : ويمكن الجواب بأن الأثر
مترتب على العقد ، ومن ثم حكمنا بالزوجية في المدة ، فلو كان غير مترتب لما صح في
ذلك
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 466 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 267 ح 75 ، الفقيه ج
3 ص 297 ح 27 ، الوسائل ج 14 ص 490 ح 1.
الوقت وتخلفه عن العقد بحسب مقتضى
العقد ، وإنما يتم ما ذكروه على تقدير اقتضائه الاتصال ثم لا يوجد الأثر.
أقول : فيه أن هذا الجواب غير تام لأن القائل بالبطلان
هنا إنما قال به من حيث إن الواجب عنده اتصال الأجل بالعقد ، وإنه لا يجوز جعله
منفصلا لما ذكره من قوله «إن صحة العقد توجب ترتب أثره. إلى آخره» ، وحينئذ فقوله
ـ قدسسره ـ في الجواب
بأن الأثر مترتب على العقد بالنظر إلى الحكم بالزوجية في المدة المتأخرة لا يرد
على هذا القائل ، لأنه يمنع ذلك ويقول بالبطلان في المدة المتأخرة وغيرها ، فإن
استند فيه إلى الرواية فهو قد اعترف كما تقدم ، وسيأتي في كلامه الآتي من أنه لم
يستند إليها لضعفها ، وإنما جعلها شاهدة على هذه الاعتبار.
وبالجملة فإن الحكم بما ادعاه من صحة الزوجية في المدة
المتأخرة حيث قال في آخره : وإنما يتم ما ذكروه على تقدير اقتضائه الاتصال ثم لا
يوجد الأثر.
والعجب منه ـ قدسسره ـ أن صريح
كلامه قبل هذا الكلام الذي نقلناه هو أن محل الخلاف ما قررناه من أنه هل يصح العقد
مع انفصال الأجل عن العقد أم لا؟ وما نقلناه من الاحتجاج الذي أجاب عنه هو احتجاج
القائلين بالعدم ، وأن صحة العقد يقتضي الاتصال ، ولو فصل الأجل بطل العقد ، فكيف
يقول : وهذا إنما يتم على تقدير اقتضائه الاتصال ثم لا يوجد؟ فإن فيه اعترافا بصحة
ما ذكروه من الاحتجاج وبطلان ما ذكره من الجواب ، حيث إن الأمر كذلك كما عرفت ،
فإن هذا المحتج بهذه الحجة إنما احتج بها لقوله بالاتصال ، وأنه لا يجوز عنده
الانفصال للزوم تخلف أثره عند العقد.
وبالجملة فإن كلامه ـ رحمهالله ـ هنا لا يخلو
عن تشويش واضطراب ، ثم إنه قال في تتمة الكلام المذكور عنه : وأما استلزام جواز
العقد عليها فيمكن منع الملازمة أولا من حيث إنها ذات بعل ، والعقد على ذات البعل
لا يجوز ،
ويمكن التزام الجواز لما ذكر ومنع
كونها ذات بعل مطلقا (1) بل في المدة
المعينة ويترتب على ذلك ثبوت المحرمية قبل المدة وثبوت المهر لو مات قبلها ، فعلى
الأول يمكن القول به ، وعلى الثاني ينتفيان إلى أن قال : والرواية المذكورة جعلت
شاهدا للاعتبار لا مستندا للحكم فلا يضر ضعفها ، وكيف كان فالقول بجواز النكاح مع
تأخر المدة عن العقد قوي ، انتهى.
أقول : أراد بالاعتبار الذي استند إليه وجعل الرواية
شاهدا عليه هو ما قدمه أولا حيث قال : وإن عيناه منفصلا صح أيضا على الأقوى عملا
بالأصل ، ولوجود المقتضي للصحة وهو العقد المشتمل على الأجل المضبوط ، وانتفاء
المانع ، وليس إلا تأخره عن العقد ، ولم يثبت شرعا كون ذلك مانعا ، ويشهد له إطلاق
رواية بكار بن كردم ، ثم ساق الرواية.
وفيه أولا ما عرفت فيما قدمنا نقله عن سبطه في شرح
النافع ، فإنه كلام جيد ، ومرجعه إلى أن الأصل عصمة الفروج حتى يقوم دليل على
إباحتها ، والذي علم من الأدلة ـ بناء على طرح الرواية كما هو المفروض في كلامهم ـ
هو اتصال الأجل بالعقد ، ومن ادعى سوى ذلك فعليه الدليل.
وبذلك يظهر لك ضعف تمسكه بالأصل بمعنى أصالة صحة العقد ،
فإن الأصل الذي ذكرناه أقوى متمسكا ، لأن مرجعه إلى أصالة العدم وهو بديهي لا نزاع
فيه.
وكيف كان فدليله بعد ما عرفت لا يخرج عن المصادرة ، لأن
قوله لوجود
__________________
(1) أقول : الأقرب الثاني وهو منع كونها ذات بعل مطلقا ، بل
انما تتصف بذلك في المدة لأن أحكام ذات البعل لا يمكن إجراؤها عليها إلا في تلك
المدة ، فكيف يصدق عليها أنها ذات بعل وتدخل تحت أخبار تحريم التزويج بذات البعل ،
والحال أنه لا يترتب عليها شيء من أحكام ذات البعل ، نعم يمكن أن يقال : أنها ذات
بعل في الجملة باعتبار المدة المتأخرة ، وكيف كان فهذا الاشكال انما يتفرع على
القول بجواز الانفصال ، وأما مع القول بوجوب الاتصال فلا ورود له بالكلية. (منه ـ قدسسره ـ).
المقتضي للصحة إلى آخره عين المدعى ،
والخصم يمنعه من حيث انفصال الأجل حتى يقوم دليل على الصحة مع الانفصال ، وقوله «ولم
يثبت شرعا كون ذلك مانعا فيه» أن الأصل العدم ، وهو يقتضي أن الأصل المنع حتى يقوم
دليل الثبوت.
وبالجملة فإن الخصم يدعي أن تأخير الأجل مانع لعدم ثبوت
التعدية ، والنوافل الشرعية من نكاح أو بيع أو نحوها موقوفة على السماع من صاحب
الشريعة ولم يوجد دليل على أن هذا منها ، وبذلك يظهر ضعف تقويته لما اختاره مع
طرحه الرواية.
الموضع الثاني من الموضعين المذكورين : فيما لو أطلق
يعني شرط أجلا مطلقا لم يعينه بكونه مفصولا أو موصولا ، فالمشهور صحة العقد ، وأنه
يحمل على الاتصال لأنه المتبادر عرفا ، ويؤيده أن أثر العقد يجب أن يترتب عليه حين
وقوعه ، إلا أن يمنع مانع كاشتراط التأخير أو نحوه ، والمانع هنا منتف ، ولأن
المطلق يوجد في ضمن المتصل فيحصل به البراءة ، وظاهر الخبر المذكور في المسألة
أيضا ذلك ، فإن حكمه عليهالسلام بنفي السبيل
عليها مع عدم تسمية الشهر ، بعد مضي الشهر المتصل بالعقد ظاهر في ذلك ، وبه صرح
الشيخ في النهاية تبعا لظاهر الخبر فقال : ومتى عقد عليها شهرا ، ولم يذكر الشهر
بعينه ، ومضى عليه شهر ثم طالبها بعد ذلك بما عقد عليها لم يكن له عليها سبيل.
انتهى ، وهو مبني على حمل الإطلاق على الاتصال كما هو ظاهر.
وقال ابن إدريس : الصحيح ترك هذه الرواية لأن هذا أجل
مجهول ، إلا أن يقول شهرا من هذا الوقت فيصح لأنه معلوم ، ورد بمنع المجهولية ،
لما عرفت من شهادة العرف بالاتصال ، ومثله ما لو أجله إلى الخميس أو إلى الربيع
فإنه يحمل على الأقرب مؤيدا بما قدمنا ذكره ، والله العالم.
الرابع : قد دل الخبر
الثامن على جواز جعل الأجل العرد والعردين ، وهو على ما في أكثر النسخ بالعين
والراء المهملتين.
قال في القاموس : العرد : الصلب الشديد المنتصب والذكر
المنتشر المنتصب ، وهو هنا كناية عن المرة والمرتين ، وفي بعض نسخ التهذيب العود
بالواو ، ولا يبعد أن يكون تصحيفا كما وقع التصريح بالمرة أيضا في الخبر التاسع ،
وفي الخبر العاشر على عرد واحد أي مرة واحدة ، والذي ذكره الأصحاب ـ رضوان الله
عليهم ـ هو أنه إذا اتفقا على اشتراط المرة والمرتين ، فإما أن يقتصرا على ذلك ،
أو يقيدا بزمان معين ، بحيث يكون أجلا وظرفا للعمل ، أو يقيده بزمان على أن يكون
ظرفا خاصة ، كرة في هذا اليوم من غير أن يجعلا آخره منتهى الأجل ، فهنا أقسام
ثلاثة :
(أحدها) أن يقتصرا على ذكر العدد مرة أو مرتين أو أزيد على
وجه مضبوط من غير تقييد بزمان كما هو ظاهر الأخبار المذكورة ، وقد اختلف كلام
الأصحاب فيه على قولين : أحدهما ـ وعليه الأكثر ـ البطلان لقولهم عليهمالسلام في جملة من
الأخبار المتقدمة إلى أجل معلوم ، والأجل الواقع على هذا الوجه غير معلوم ، إذ
يمكن وقوع المرة والمرات في الزمن الطويل والقصير ، وظاهر الأخبار الثلاثة المتقدم
ذكرها هو الجواز سيما الخبر العاشر ، وقوله فيه «إذا فرغ فليحول وجهه».
والجمع بين الأخبار هنا لا يخلو من الاشكال للمجهولية في
هذه الصورة ، وقد صرح بذلك في الحديث الحادي عشر ، فقال : مرة مبهمة ، إلا أنه حكم
فيه بالانقلاب إلى الدائم ، وهو القول الثاني في المسألة ، وبه صرح الشيخ في
النهاية والتهذيب والمحقق في الشرائع استنادا إلى الخبر المذكور ، ويأتي فيه البحث
المتقدم ، فإن الأصحاب قد ردوه بما تقدم في مسألة الإخلال بالأجل بالمرة من عدم
القصد إلى الدائم ، بل توجه القصد إلى المتعة ، فلا ينصرف إلى الدائم بل يبطل من
أصله ، وقد تقدم الكلام معهم في ذلك ويأتي بناء على ما حققناه ثمة من عدم ثبوت هذه
الضابطة التي بنوا عليها ، وطرحوا الأخبار لأجلها ، بل ظاهر الأخبار يدفعها ،
ويردها قوة ما ذهب إليه الشيخ.
وبالجملة فالمتأخرون القائلون بهذه الاصطلاح المحدث لهم
أن يردوا هذه الأخبار كملا بضعف الاسناد ، ويبنوا على ما ذكروه من القاعدة
المذكورة ونحوها وأما القائلون بالعمل بجميع الأخبار كما هي قاعدة متقدمي علمائنا
الأبرار وجملة من متأخري المتأخرين كما هو الحق العلي المنار ، فيشكل الحكم
لاختلاف هذه الأخبار كما عرفت ، وإن كان قول الشيخ في النهاية لا يخلو من قرب.
و (ثانيها) أن يشترط العدد في زمان معين بحيث يكون
الزمان أجلا مضبوطاكيوم وشهر ولكن ذكر العدد شرطا زائدا على ذلك ، وهذا مما لا
إشكال فيه ولا ريب يعتريه ، لاستجماع العقد لشرائط الصحة المتفق عليها ، وليس فيه
زيادة على غيره من العقود المذكورة في الأخبار إلا اشتراط الجماع مرة أو مرات ،
وهو من الشروط السائغة في هذا العقد ، وعموم ما دل على وجوب الوفاء بالشروط يشمله
، ويظهر الفائدة في عدم جواز الزيادة على المرات المشترطة ، ولا تخرج عن الزوجية
إلا بانقضاء المدة ، ولا منافاة بين كونها زوجة وتحريم وطئها بعد تمام العدد
المشترط ، ويجوز الاستمتاع بها في بقية المدة بغير الوطي ، لأنها زوجة.
بقي الكلام في أنها لو أذنت بالوطء بعد ذلك فهل يجوز أم
لا؟ قال في المسالك : وفي جواز الوطي بإذنها وجه ، لأن ذلك حقها ، فإذا أذنت جاز
مع كونها زوجته ، ويحتمل المنع لأن العقد لم يتضمن سوى ذلك العدد ، ولم يتشخص إلا
بما ذكر.
أقول : لا يخفى عليك ضعف هذا الاحتمال ، وأن الوجه إنما
هو الأول ، لما رواه الصدوق (1) عن إسحاق بن
عمار ، وطريقه إليه صحيح ، وهو مشترك بين الثقة والموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له
: رجل تزوج بجارية عاتق على أن لا يفتضها ، ثم أذنت له بعد ذلك ، قال : إذا أذنت
له فلا بأس». وهي الدليل الحق
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 297 ح 30 ، الوسائل ج 14 ص 458 ح 3.
دون هذا الوجه الاعتباري الذي ذكره.
و (ثالثها) أن يشترطاه في وقت معين بحيث يكون ظرفا له
كاليوم مثلا ، ولا مدخل له في التأجيل ، والمراد أن لا يقع خارج ذلك اليوم منه شيء
، وتبين بانتهاء العدد المشروط ، كما أنها تبين بانقضاء ذلك الوقت ، وإن لم يفعل.
قال في المسالك ، وفي صحته قولان : أصحهما البطلان
لجهالة الأجل ، إذ يحتمل الزيادة والنقصان حيث يكون مقيدا بانقضاء العدد.
ويظهر من الشيخ في النهاية الصحة ، حيث قال : إن ذكر
المرة والمرتين جاز إذا أسنده إلى يوم معلوم ، فإن إسناده إلى اليوم أعم من جعله
بمجموعه أجلا أو جعل اليوم ظرفا كما ذكرناه.
وهذا هو الذي فهمه منه العلامة في المختلف ، فإنه قال
بعد نقله لكلامه بصحة ذلك والبطلان مع إبهام المرة : والحق البطلان في الجميع ،
وعلل البطلان بأنه ذكر أجلا مجهولا ، ويجيء على قول الشيخ بانعقاد الشرط بالعدد
المبهم صحته دائما أن يصح هنا كذلك ، لأن الأجل المجهول باطل ، فيساوي غير المذكور
، وجوابه الفرق ومنع الأصل ، انتهى.
الخامس : ظاهر قوله عليهالسلام في الخبر
السابع كان طلاقها في شرطها ولا عدة لها عليك ـ ومثله في الخبر الحادي عشر ـ «أنه
يجوز للزوج التزويج بأخت زوجته المتمتع بها بعد انقضاء مدتها وإن كانت في العدة» (1) لأن المراد
بأنه لا عدة لها على الزوج أنه لا يلزمه الصبر إلى انقضاء عدتها ليحل له ما حرم
عليه بتزويجها
__________________
(1) أقول : وبما ذكرناه من معنى الخبر صرح المحدث الكاشاني في
الوافي فقال : ولا عدة لها عليك ، أى ليس عليك أن تصبر الى انقضاء عدتها إذا أردت
أن تنكح أختها بعد حلول الأجل ، أو ابنة أختها أو ابنة أخيها ، أو نحو ذلك من
الأمور كما تكون تصبر في عدة الدائم. انتهى ، وقيل : بأن المراد من العبارة
المذكورة أن العدة بمعنى العدد ، أى لا يلزمك رعاية كونها من الأربع ، ولا يخفى
بعده. (منه ـ قدسسره ـ).
من نكاح الأخت ، والخامسة ، وابنة
الأخت ، وابنة الأخت ، وهو موافق لما هو المشهور بين الأصحاب من جواز التزويج
بهؤلاء المذكورين في عدة المتعة ، لأنها بائنة ليس للزوج عليها رجعة كالعدة
الرجعية ، إلا أن بعض الأخبار قد دلت على تحريم التزويج بالأخت في هذه العدة ، وهو
مذهب الشيخ المفيد وجماعة تقدم ذكرهم ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة
الثالثة من المقام الأول من المطلب الرابع في استيفاء العدد من الفصل الثاني
فليراجع ، والمسألة بسبب تأييد الأخبار السابقة الدالة على الجواز بهذين الخبرين
لا يخلو من الإشكال ، إلا أن الاحتياط سيما في الفروج مطلوب ، وهو في العمل برواية
التحريم ، والله العالم.
الرابع من الموارد
المتقدم ذكرها في المهر : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب ـ رضياللهعنهم ـ في أن ذكر
المهر شرط في صحة هذا العقد ، فيبطل بفواته بخلاف الدائم ، وعليه تدل النصوص
المتقدمة في سابق هذا المورد كقوله عليهالسلام في خبر الأول «لا
يكون متعة إلا بأمرين أجل مسمى ومهر مسمى» وفي الثاني «مهر معلوم إلى أجل معلوم»
ونحوهما غيرهما ، والفارق بينه وبين العقد الدائم في ذلك النصوص باشتراطه هنا في
صحة هذا العقد ، وعدم الاشتراط ثمة ، وعلل أيضا زيادة على ذلك ، بأن الغرض الأصلي
من نكاح المتعة هو الاستمتاع وإعفاف النفس ، فاشتد شبهة بعقود المعاوضات بخلاف عقد
الدوام ، فإن الغرض الأصلي منه بقاء النسل وغيره من الأغراض المترتبة عليه التي لا
تقصد من المتعة ، فكان شبهه بالمعاوضات أقل ، فمن ثم جاز تجريد العقد منه ، ولم
يكن ذكره شرطا.
ولا يخفى ما فيه من تطرق المناقشة ، إلا أن الأمر في ذلك
سهل بعد دلالة النصوص على المراد.
وكيف كان ففي هذا المقام أحكام يجب التنبيه عليها لالجاء
الضرورة والحاجة في أكثر الموارد إليها.
أحدها : قالوا : إنه
يشترط في المهر أن يكون مملوكا معلوما بالكيل
أو الوزن أو المشاهدة أو الوصف ،
ويتقدر بالمرضاة قل أو كثر ، وهذا الكلام يتضمن أحكاما ثلاثة :
(أحدها) أن يكون مملوكا ، والمراد به ما يشمل ما يصح
تملكه كالخمر والخنزير ، وما يختص تملكه بالعاقد ، فلا يجوز العقد على مال مغصوب
غير مملوك للعاقد ، قالوا : فلو عقد على مال الغير لم يصح ، لامتناع أن يملك البضع
بمال غيره ، وإن رضي المالك بعد ذلك ، بخلاف البيع ونحوه من عقود المعاوضات ، فإن
الإجازة تؤثر في نقله إلى ملك المالك ، وهنا لا يتصور ذلك.
أقول : لا يظهر لي وجه حسن في الفرق بين الأمرين ، بناء
على ما يدعونه من صحة الفضولي ، وأما بناء على ما هو المختار من بطلان الفضولي فلا
إشكال.
و (ثانيها) العلم بمقداره ، فإن كان مكيلا فبالكيل ، وإن
كان موزونا فبالوزن أو معدودا فبالعدد ، قالوا : وتكفي المشاهدة في هذه الثلاثة عن
الاعتبار بما ذكر كصبرة الحنطة لاندفاع الغرر المطلوب دفعه في هذه المعاوضة ، وإن
لم يندفع في غيرها لأنها ليست معاوضة محضة بحيث تبنى على المغابنة والمكايسة ، بل
يعتبر رفع الغرر في الجملة ، لأن الركن الأظهر فيها الاستمتاع ولواحقه ، ومن ثم أطلق
عليه اسم الصدقة والنحلة.
أقول : قد عرفت ما في البناء على أمثال هذه التعليلات في
تأسيس الأحكام الشرعية من الاشكال ، ولا يحضرني الآن نص في المسألة ، وكيف كان فما
ذكروه من الاكتفاء بالمشاهدة مخصوص بما إذا كان حاضرا ، فلو كان غائبا اعتبر وصفه
بما يرفع الجهالة فيبطل العقد بدونه ، هكذا قالوا أيضا وقال السيد السند في شرح
النافع بعد ذكر نحو ما ذكرنا فيما قطع به الأصحاب : وللنظر فيه مجال ، والظاهر أنه
إشارة إلى ما أشرنا إليه.
و (ثالثها) إنه لا تقدير له قلة وكثرة وإنما يتقدر
بالمراضاة ، وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار.
منها ما رواه الكليني (1) عن الكناني عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن المهر ما هو؟ قال : ما تراضى عليه الناس».
وعن زرارة (2) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «الصداق
كل شيء تراضى الناس عليه قل أو كثر في متعة أو تزويج غير متعة».
وعن فضيل بن يسار (3) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «الصداق
ما تراضيا عليه من قليل أو كثير فهذا الصداق».
وعن أبي بصير (4) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن أدنى مهر
المتعة ما هو؟ قال : كف من طعام ، دقيق أو سويق أو تمر».
وما رواه ابن بابويه (5) في الحسن عن محمد بن النعمان الأحول «أنه
سأل أبا عبد الله عليهالسلام قال : أدنى ما
يتزوج به الرجل متعة؟ قال : كفين من بر». ونقل عن ابن بابويه أنه قال : أدنى ما
يجزي في المتعة درهم فما فوقه.
وربما كان مستنده ما رواه أبو بصير (6) قال : «سألت
أبا جعفر عليهالسلام عن متعة
النساء؟ فقال : حلال ، وأنه يجزي فيه الدرهم فما فوقه».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 378 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 354 ح 4 ، الوسائل ج
15 ص 1 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 378 ح 4 ، الفقيه ج 3 ص 296 ح 23 مع اختلاف
يسير ، الوسائل ج 15 ص 2 ح 6.
(3) الكافي ج 5 ص 378 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 354 ح 5 مع اختلاف
يسير ، الوسائل ج 15 ص 1 ح 3.
(4) الكافي ج 5 ص 457 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 471 ح 5.
(5) الكافي ج 5 ص 457 ح 2 مع اختلاف يسير ، التهذيب ج 7 ص 260
ح 50 ، الفقيه ج 3 ص 294 ح 15 ، الوسائل ج 14 ص 471 ح 2.
(6) الكافي ج 5 ص 457 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 260 ح 51 ، الوسائل
ج 14 ص 470 ح 1.
وحمل الخبر جمعا بينه وبين ما عرفت من هذه الأخبار
المتقدمة ونحوها على الأدنى في العادة وإن كانت الأدنى منه جائزا شرعا.
وثانيها قد صرح جملة من الأصحاب (1) بأنه يجب دفع
المهر بالعقد ، واستشكله آخرون.
أما (أولا) فبأن المهر أحد العوضين الذي لا يجب تسليمه
إلا بتسليم العوض الآخر ، فلا بد من تسليمها نفسها.
و (ثانيا) بما رواه في الكافي (2) في الصحيح عن
عمر بن أبان عن عمر بن حنظلة قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أتزوج
المرأة شهرا فتريد مني المهر كملا وأتخوف أن تخلفني ، فقال : يجوز أن تحبس ما قدرت
عليه ، فإن هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك». وهي ظاهرة كما ترى في عدم وجوب
دفعه إليها كملا.
وكيف كان فالمفهوم من الأخبار أنه لا يستقر ملكها للمهر
إلا بالدخول ومضي المدة ، فلو لم تف له المدة جاز له مقاصتها بالنسبة ، وظاهرهم أنه
موضع وفاق.
ومما يدل على ذلك الرواية المذكورة ، وما رواه في الكافي
والتهذيب (3) في الصحيح إلى
عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له
: أتزوج المرأة شهرا فأحبس عنها شيئا؟ قال : نعم ، خذ منها بقدر ما تخلفك ، إن كان
نصف شهر فالنصف ، وإن كان ثلثا فالثلث».
وعن إسحاق بن عمار (4) في الموثق قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام : الرجل
__________________
(1) منهم المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد وغيرهما. في
غيرهما. (منه ـ رحمهالله).
(2) الكافي ج 5 ص 460 ح 1 وفيه «لا يجوز» الوسائل ج 14 ص 481 ح
1.
(3) الكافي ج 5 ص 461 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 260 ح 53 ، الوسائل
ج 14 ص 481 ح 2.
(4) الكافي ج 5 ص 461 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 481 ح 3.
يتزوج المرأة متعة بشرط أن تأتيه كل
يوم حتى توفيه شرطه ، أو يشترط أياما معلومة تأتيه فتغدر به فلا تأتيه على ما شرط
عليها ، فهل يصلح أن يحاسبها على ما لم تأته من الأيام فيحبس عنها من مهرها بحساب
ذلك؟ قال : نعم ، فينظر ما قطعت من الشرط ، فيحبس عنها من مهرها بمقدار ما لم تف
له ما خلا أيام الطمث فإنها لها ، فلا يكون له إلا ما حل له فرجها».
وما رواه في الفقيه (1) عن صفوان بن يحيى عن عمر بن حنظلة
قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أتزوج
المرأة شهرا بشيء مسمى فتأتي بعض الشهر ، ولا تفي ببعض؟ قال : تحبس عنها من
صداقها بقدر ما أحبست عنك ، إلا أيام حيضها فإنها لها».
أقول : ظاهر لفظ حبس بعض المهر في جملة من هذه الأخبار
دال على ما قدمنا من عدم وجوب دفع المهر بمجرد العقد خلافا لما ذكروه ، لأن حبسه
عنها يقتضي بقاءه في ذمة الزوج وعدم دفعه لها ، وبذلك يظهر ضعف ما تقدم نقله عنهم
، والله العالم.
وثالثها الظاهر لا خلاف بين الأصحاب في أنه لو وهب
المتمتع زوجته المدة بعد الدخول بها فإنه لا يسقط شيء من المهر لاقتضاء العقد
وجوب الجميع واستقراره بالدخول ، فسقوط شيء منه يتوقف على دليل ، وليس فليس ،
وسقوط بعض منه بالتوزيع كما تقدم لقيام دليل عليه ـ لا يقتضي ذلك في غيره بغير
دليل ، وإن كان قبل الدخول وجب نصف المهر ، وسقط النصف الآخر.
وينبغي أن يعلم أولا أن مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف
أنه يصح لمن تمتع بامرأة أن يهبها جميع المدة وبعضها قبل الدخول وبعده ، وعلى ذلك
تدل جملة من الأخبار.
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 294 ح 14 ، الوسائل ج 14 ص 482 ح 4.
منها ما رواه الصدوق (1) في الصحيح عن علي بن رئاب قال : «كتبت
إليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم وهب لها أيامها قبل أن يفضي إليها ، أو وهب لها
أيامها بعد ما أفضى إليها ، هل له أن يرجع فيما وهب من ذلك؟ فوقع عليهالسلام : لا يرجع».
وعن يونس بن عبد الرحمن (2) قال : «سألت
الرضا عليهالسلام عن رجل تزوج
امرأة متعة ، فعلم بها أهلها ، فزوجوها من رجل في العلانية ، وهي امرأة صدق ، قال
: لا تمكن زوجها من نفسها حتى تنقضي عدتها وشرطها ، قلت : إنه كان شرطها سنة ، ولا
يصبر زوجها ، قال : فليتق الله زوجها وليتصدق عليها بما بقي» الحديث.
ورواه في الكافي (3) عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليهالسلام بأدنى تفاوت ،
وفيه «فليتق الله زوجها الأول وليتصدق عليها بالأيام ، فإنها قد ابتليت والدار دار
هدنة ، والمؤمنون في تقية» الحديث (4).
وعن أبان بن تغلب (5) قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جعلت فداك
الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها على شهر ، ثم إنها تقع في قلبه فيجب أن يكون
شرطه أكثر من شهر ، فهل يجوز أن يزيدها في أجرها ويزداد في الأيام قبل أن
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 293 ح 8 ، الوسائل ج 14 ص 483 ب 29 ح 1.
(2) الفقيه ج 3 ص 294 ح 17 ، الوسائل ج 15 ص 456 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 466 ح 6 ، الوسائل ج 14 ص 493 ح 1.
(4) وتمامه «قلت : فإنه تصدق عليها في أيامها وأنقصت عدتها كيف
تصنع؟ قال : إذا خلا الرجل بها فلنقل هي : يا هذا ان أهلي وثبوا على فزوجوني منك
بغير أمري ولم يستأمروني وانى الان قد رضيت فاستأنف أنت الان فتزوجني تزويجا صحيحا
فيما بيني وبينك». (منه ـ قدسسره ـ).
(5) الكافي ج 5 ص 458 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 268 ح 78 ، الوسائل
ج 14 ص 478 ح 1.
تنقضي أيامه التي شرط عليها ، فقال :
لا يجوز شرطان في شرط ، قلت : كيف يصنع ، قال : يتصدق عليها بما بقي من الأيام ،
ثم يستأنف شرطا جديدا».
وهذه الأخبار مع اتفاقها على ما ذكرناه من صحة الهبة
بجميع المدة وبعضها قبل الدخول وبعده مؤيدة بظاهر اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور
، وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ حيث قال : وقد يشك في
جواز هذه الهبة من حيث تجدده شيئا فشيئا ، فالثابت في الذمة حال البراءة ليس هو
الحق للتجدد ـ فإنه محض اجتهاد في مقابلة النصوص.
إذا تقرر ذلك فاعلم أن ما قدمنا ذكره من أنه لو كان هبة
المدة قبل الدخول وجب لها نصف المهر وسقط النصف الآخر كما في الطلاق قبل الدخول ،
الظاهر أنه مما لا خلاف فيه بل ادعى عليه المحقق الشيخ علي الإجماع.
ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب (1) بطريقين
أحدهما في الموثق عن سماعة قال : «سألته عن رجل تزويج جارية أو تمتع بها ثم جعلته
في حل من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال : نعم ، إذا جعلته في
حل فقد قبضته منه ، فإن خلالها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الزوج نصف الصداق».
والتقريب فيها أنه لو لا أن الحكم تنصيف المهر في الصورة
المذكورة لكان الواجب أن لا ترد إليه شيئا أو ترد الجميع كما لا يخفى ، وظاهره في
المسالك التوقف في الحكم ، ومنشأه المناقشة في ثبوت الإجماع المدعى ، وأن الرواية
مقطوعة يعني مضمرة ، واعتمد في وجوب تمام المهر على اقتضاء العقد ، لقصور الدلالة
على المسقط ، وظاهر السيد السند في شرح النافع العمل بالرواية ، وإن كانت ضعيفة
لجبرها باتفاق الأصحاب لعدم ظهور المخالف ، بل دعوى الإجماع كما عرفت ، وكل منهما
قد خالف نفسه في غير موضع فيما ذكرناه هنا ، والوجه فيه ما قدمنا ذكره من أن أصحاب
هذا الاصطلاح ـ لضيق الخناق ـ لا يقفون على ضابطة
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 261 ح 55 ، الوسائل ج 14 ص 483 ح 1.
يعتمدون عليها ولا قاعدة يرجعون إليها
، والحق هو القول المشهور ، فإنه بعد ورود الخبر به لا يعتريه قصور ولا فتور ، وقد
صرح غير واحد منهم كما تقدم قريبا بأن الإضمار غير مضر في الأخبار ولا موجب فيها
لسقوط الاعتبار.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن ما ذكر من التنصيف في الهبة قبل
الدخول مما لا إشكال فيه ، إذا وقعت الهبة بجميع المدة الباقية وقت الهبة كما هو
ظاهر الخبر الذي هو مستند هذا الحكم ، أما لو وهبها البعض خاصة قبل الدخول وقلنا
بجوازه وانقضت المدة ولم يدخل فالأظهر أنه لا يسقط من المهر شيء اقتصارا فيما
خالف الأصل على مورد النص والوفاق ، قيل : ويحتمل السقوط لصدق التفرق قبل الدخول
ورد بأنه ضعيف.
والظاهر كما استظهره جملة من الأصحاب أن هذه الهبة في
معنى الإبراء ، فلا يتوقف على القبول ، وقال في المسالك : يصح هبة المدة جميعها.
ورابعها إذا تبين فساد عقد المتعة بأحد الوجوه الموجبة
لذلك ، كأن ظهر أن لها زوجا ، أو أنها أخت زوجته ، أو أمها أو نحو ذلك مما يوجب
فسخ العقد فإن كان قبل الدخول فلا خلاف في أنه لا شيء لها من المهر ، وإن أخذته
استعاده منها ، إنما الخلاف فيما إذا ظهر شيء من ذلك بعد الدخول ، فللأصحاب فيه
أقوال :
(أحدها) وهو مذهب الشيخين في المقنعة والنهاية أن لها ما
أخذت ولا يلزمه أن يعطيها ما بقي ، ولم يفصلا بين كونها عالمة أو جاهلة ، واستدل
عليه الشيخ في التهذيب (1) بما رواه في
الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
بقي عليه شيء من المهر وعلم أن لها زوجا فما أخذته فلها بما استحل من فرجها ويحبس
عنها ما بقي عنده».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 461 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 261 ح 54 الوسائل ج
14 ، ص 482 ح 1.
أقول : ونحو هذه الرواية ما رواه في الكافي (1) عن علي بن
أحمد بن أشيم قال : «كتب إليه الريان بن شبيب ـ يعني أبا الحسن عليهالسلام ـ : الرجل
يتزوج المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم وأعطاها بعض مهرها وأخرته بالباقي ثم دخل
بها وعلم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها إنما زوجته نفسها ولها زوج مقيم
معها ، أيجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب عليهالسلام : لا يعطيها
شيئا لأنها عصت الله عزوجل».
والرواية الاولى وإن دلت بإطلاقها على عدم الفرق بين
العالمة بالزوج والجاهلة بأن تعتقد خلوها من الزوج بطلاق أو موت ثم يظهر خلافه ،
إلا أنه يجب حملها على الجاهلة بقرينة قوله عليهالسلام في الخبر «فما
أخذته فلها بما استحل من فرجها» حيث إنه مع فرض كونها عالمة تكون بغيا ولا مهر لبغي
، فكيف يكون ما أخذت ملكا لها بما استحل من فرجها!!
ويؤيده قوله عليهالسلام في الرواية
الثانية المشتملة على العالمة «لا تعطها شيئا فإنها عصت الله تعالى» ، وظاهره جواز
استرجاع ما أخذته ، ولكن لما كان سؤال السائل إنما هو عن جواز حبس الباقي وعدمه
أجابه بما ذكر في الخبر ، فكأنه عليهالسلام فهم منه
الاعراض عما دفعه لها وعدم إرادته ، وإلا فإنه يستحق المطالبة به ، لما عرفت من
أنها بغي ، فلا يستحق شيئا. والظاهر أيضا حمل كلام الشيخين على ذلك ، ولا يحضرني
الآن صورة كلاميهما فإن كان وفق عبارة الخبر فالقرينة فيه ظاهرة أيضا.
وبالجملة فما ذكرناه هو الأوفق بالأصول والقواعد ، وقد
عرفت أن الرواية لا تأباه إلا ان في ذلك إشكالا سيأتي التنبيه عليه.
بقي الكلام فيما لو لم يدفع إليها شيئا بالكلية ، أو دفع
الجميع ، فإن الرواية لا دلالة فيها على حكم شيء من هذين الفردين ، ومقتضى القواعد
في هذا الباب أنها إن كانت عالمة فإنه يسترجع ما دفع ويمنعها من الجميع إن لم يدفع
،
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 461 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 482 ح 2.
وإن كانت جاهلة فإنه يكون نكاح شبهة
يرجع فيه إلى مهر المثل ، لكن هل يقسط على المدة كما إذا أخلفته ولم تف له بتمام
المدة أو تستحق الجميع؟ إشكال ، ولعل الأول أقرب والله العالم.
و (ثانيها) أنها إن كانت عالمة فلا شيء لها مطلقا لأنها
بغي ، ولا مهر لبغي ، وإن كانت جاهلة فلها مجموع المسمى ، فإن قبضته وإلا أكمل لها
، واختاره المحقق في الشرائع وجماعة ، وأورد عليه بالنسبة إلى صورة الجهل ، بأن
المسمى إنما يلزم بالعقد الصحيح لا الفاسد ، والعقد هنا فاسد ، ومجرد التراضي
بالعقد لا يقتضي لزومه.
و (ثالثها) أنه لا شيء لها مع العلم مطلقا ، ومع الجهل
فلها مهر المثل مطلقا لأن ذلك هو عوض البضع في وطئ الشبهة ، والواقع هنا كذلك ،
وهذا هو مختار المحقق في النافع وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، قال السيد
السند في شرح النافع : وهو جيد مع إطراح الرواية.
أقول : لا ريب أن مقتضى القواعد بالنسبة إلى صورة الجهل
هو وجوب مهر المثل مطلقا ، والرواية ولو على تقدير ما حملناها عليه من التخصيص
بالجاهلة قد تضمنت حبس الباقي من المهر ، والقول الثالث إنما يتم بطرحها ، إلا أنه
يمكن أن يقال بتخصيص القاعدة المذكورة بهذه الرواية ، ويجب الوقوف فيها على مورد
النص من عقد المتعة إذا ظهر أن لها زوجا بعد أن أخذت بعضا من المهر وبقي بعض.
وهل المراد بمهر المثل مهر أمثالها بحسب حالها لتلك
المدة التي سلمت نفسها فيها متعة أو مهر المثل للنكاح الدائم ، لأن ذلك هو قيمة
البضع عند وطئ الشبهة من غير اعتبار العقد المخصوص أو غيره؟ قولان : استظهر في شرح
النافع الأول ونفي البعد في المسالك عن الثاني لما ذكرناه من التعليل ، وسيجيء
الكلام في ذلك والمسألة محل إشكال.
و (رابعها) أنه لا شيء لها مع العلم ، ومع الجهل يلزمه
أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل ، لأن مهر المثل إن كان أقل فهو عوض البضع حيث
تبين بطلان العقد ، وإن كان المسمى هو الأقل فقد قدمت على أن لا يستحق غيره.
وأورد عليه بأنه يشكل بأن المسمى إنما رضيت به على وجه
مخصوص وهو كونها زوجة ، فلا يلزم الرضاء به على تقدير فساد العقد ، ثم إنه على
تقدير صحة القول المذكور فلو كان في أثناء المدة فالمعتبر الأقل من قسطها من
المسمى ومهر المثل بأحد الاختيارين.
قال في المسالك : ولا بأس بهذا القول لو قال به أحد يعتد
به من الفقهاء بحيث لا يخرق الإجماع إن اعتبر في الأقوال الحادثة مثل هذا كما هو
المشهور.
واعترضه سبطه في شرح النافع فقال بعد نقل ذلك عنه : أقول
: إن إحداث القول في المسألة إنما يمنع منه إذا كان قد انعقد الإجماع البسيط أو
المركب على خلافه لاقتضائه الخروج عن قول الامام عليهالسلام لدخول قوله عليهالسلام في أقوال
المجمعين كما هو المقدر ، هذا إنما يتحقق إذا نقل الإجماع في المسألة ، أما إذا
وجد فيها منا قول أو أقوال ولم ينقل عليها إجماع ولا ظهر المخالف فإن ذلك لا يكون
إجماعا ولا يقتضي المنع من إحداث قول مخالف له ، وإن لم يعلم وجود قائل به.
هذا كله بعد تسليم كون الإجماع المنقول في كتب الأصحاب
هو الإجماع الذي علم فيه دخول قول المعصوم عليهالسلام في أقوال
المجمعين ، ومن تتبع كلام الأصحاب وما وقع لهم في نقل الإجماع من الاختلاف
والاضطراب خصوصا ما وقع في كلام الشيخ والمرتضى من دعوى كل منهما الإجماع على نقيض
ما ادعى عليه الآخر في عدة مسائل ، ودعوى الشيخ في الخلاف الإجماع في مسائل كثيرة
وإفتائه بخلاف ذلك في مواضع أخر علم أنهم لا يريدون بالإجماع ذلك المعنى ، وإنما
يريدون به المشهور بين الطائفة أو غير ذلك مما لم تثبت حجيته والله العالم ، انتهى
وهو جيد.
أقول : لا يخفى على من تتبع كلام شيخنا الشهيد الثاني ـ رحمهالله ـ في
المسالك ما وقع من الاضطراب في هذا
المقام ، وقد قدمنا عنه في كتاب الوصايا في مسألة ما لو أوصى له بأبيه فقبل الوصية
ما هو ظاهر بل صريح في إبطال هذا الكلام وأنه من أضعف الأوهام.
فإنه قال : ولا يقدح دعواه الإجماع في فتوى العلامة
بخلافه ، لأن الحق أن إجماع أصحابنا إنما يكون حجة مع تحقق دخول قول المعصوم عليهالسلام في جملة
أقوالهم ، فإن حجيته إنما هي باعتبار قوله عندهم ، ودخول قوله في أقوالهم في مثل
هذه المسألة النظرية غير معلوم ، وقد نبه المصنف في أوائل المعتبر على ذلك فقال :
إن حجية الإجماع لا تتحقق إلا مع العلم القطعي بدخول قول المعصوم عليهالسلام في قول
المجمعين ، ونهى عن الاغترار بمن يتحكم ويدعي خلاف ذلك ، وهذا عند الإنصاف عين
الحق ، فإن إدخال قول شخص غائب لا يعرف قوله في قول جماعة معروفين بمجرد اتفاقهم
على ذلك القول بدون العلم بموافقته لهم تحكم بارد ، وبهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه
المتأخر لغيره من المتقدمين في كثير من المسائل التي ادعوا فيها الإجماع إذا قام
عنده الدليل على ما يقتضي خلافهم ، وقد اتفق ذلك لهم كثيرا ، لكن زلة المتقدم
مسامحة عند الناس دون المتأخر. انتهى ، وهو جيد يستحق أن يكتب بالنور على وجنات
الحور.
المقام الثاني في الأحكام واللواحق التابعة للمقام :
وفيه مسائل : الأولى : لا ريب ولا
إشكال في صحة الاشتراط في العقود بما لا يخالف الكتاب والسنة ، ووجوب الوفاء به
لعموم الأخبار الدالة على وجوب الوفاء بها ، والمفهوم في كلام أكثر الأصحاب أن
الشرط إنما يعتد به ويجب الوفاء إذا وقع بين الإيجاب والقبول ليكون من جملة العقد
اللازم ، فلو قدمه على العقد أو أخره عنه لم يقع معتدا به ، لأنه والحال هذه لا
يكون محسوبا من العقد.
وقال الشيخ في النهاية : كل شرط يشترط الرجل على المرأة
يكون له
تأثير بعد ذكر العقد ، فإن ذكر الشروط
وذكر بعدها العقد كانت الشروط التي قدم ذكرها باطلة لا تأثير لها ، فإن كررها بعد
العقد ثبت على ما شرط.
وأنكر ابن إدريس ذلك وخص اللزوم بما اشتمل عليه العقد ،
وعليه كافة المتأخرين ، وربما قيل بأن ما دل على الوفاء بالشرط كما يشمل الشرط
الذي في العقد يشمل ما تقدم وما تأخر عنه أيضا ، إلا أن يدعى منع صدق اسم الشرط
على غير ما لم يذكر في العقد.
والذي وقفت من الأخبار في هذا المقام ما رواه في الكافي
والتهذيب (1) عن محمد ابن
مسلم في الموثق قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول في الرجل
يتزوج المرأة متعة إنهما يتوارثان إذا لم يشترطا ، وإنما الشرط بعد النكاح».
وعن ابن بكير (2) في الموثق أو الحسن قال : «قال أبو
عبد الله عليهالسلام : ما كان من
شرط قبل النكاح هدمه النكاح ، وما كان بعد النكاح فهو جائز» الحديث.
وما رواه في الكافي (3) عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل «وَلا
جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ» (4) فقال : ما تراضوا به من بعد النكاح
فهو جائز وما كان قبل النكاح فلا يجوز إلا برضاها وبشيء يعطيها فترضى به».
وعن ابن بكير في الموثق (5) قال : «قال
أبو عبد الله عليهالسلام : إذا اشترطت
على
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 456 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 265 ح 69 ، الوسائل
ج 14 ص 469 ح 4.
(2) الكافي ج 5 ص 456 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 262 ح 59 ، الوسائل
ج 14 ص 468 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 456 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 469 ح 3.
(4) سورة النساء ـ آية 24.
(5) الكافي ج 5 ص 456 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 263 ح 64 ، الوسائل
ج 14 ص 468 ح 1.
المرأة شروط المتعة فرضيت به وأوجبت
التزويج فاردد عليها شرطك الأول بعد النكاح ، فإن أجازته فقد جاز ، وإن لم تجزه
فلا يجوز عليها ما كان من الشرط قبل النكاح».
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (1) بعد أن ذكر أن
وجوه النكاح الذي أمر الله جل وعز بها أربعة أوجه إلى أن قال : «والوجه الثاني
نكاح بغير شهود ولا ميراث وهو نكاح المتعة بشروطها ، وهي أن تسأل المرأة فارغة هي
أم مشغولة بزوج أو بعدة أو بحمل ، وإذا كانت خالية من ذلك قال لها : وتمتعيني نفسك
على كتاب الله وسنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نكاح غير سفاح
كذا وكذا بكذا وكذا ، وبين المهر والأجل على أن لا ترثيني ولا أرثك ، وعلى أن
الماء أضعه حيث أشاء ، وعلى أن الأجل إذا انقضى كان عليك عدة خمسة وأربعين يوما ،
فإذا أتممت قلت لها : متعيني نفسك ، وتعيد جميع الشروط عليها ، لأن القول الأول
خطبة ، وكل شرط قبل النكاح فاسد ، وإنما ينعقد الأمر بالقول الثاني ، فإذا قالت في
الثاني : نعم دفع إليها المهر أو ما حضر منه ، وكان ما بقي دينا عليك ، وقد حل لك
وطؤها». انتهى.
ونقل شيخنا المجلسي في كتاب البحار (2) عن خبر المفضل
الوارد في الغيبة قال : «وفيه قال المفضل للصادق عليهالسلام : يا مولاي
فالمتعة؟ قال : المتعة حلال طلق ، والشاهد فيها قول الله عزوجل ، ثم ساق
كلاما طويلا إلى أن قال : قال المفضل : يا مولاي فما شرائط المتعة؟ قال : يا مفضل
لها سبعون شرطا من خالف منها شرطا واحدا ظلم نفسه ، قال : قلت : يا سيدي قد
أمرتمونا أن لا نتمتع ببغية ولا مشهورة بفساد ولا مجنونة ، وأن ندعو المتعة إلى
الفاحشة فإن أجابت فقد حرم الاستمتاع بها ، وأن نسأل أفارغة أم مشغولة ببعل أو حمل
أو عدة ، فإن شغلت بواحدة من الثلاث فلا تحل ، وإن خلت فيقول لها : متعيني نفسك
على كتاب الله عزوجل
__________________
(1) فقه الرضا ص 232 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 589 ب 14 ح 2.
(2) البحار ج 103 ص 301 ح 11 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 592 ب 32
ح 1.
وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله نكاحا غير
سفاح ، أجلا معلوما بأجرة معلومة ـ وهي ساعة أو يوم أو يومان أو شهر أو سنة أو ما
دون ذلك أو أكثر ، والأجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو شسع نعل أو شق تمرة إلى
فوق ذلك من الدراهم والدنانير أو عرض ترضى به ـ على أن لا ترثيني ولا أرثك ، وعلى
أن الماء لي أضعه منك حيث أشاء ، وعليك الاستبراء خمسة وأربعين يوما أو محيضا
واحدا ، فإذا قالت ، نعم أعدت القول ثانية وعقدت النكاح ، فإن أحببت وأحبت هي
الاستزادة في الأجل زدتما» الحديث.
أقول : هذه الأخبار قد اتفقت على بطلان الشرط المتقدم
قبل العقد ، والأصحاب قد فهموا من كلام الشيخ أن ذكر الشروط في أثناء العقد لا
تلزم إلا أن تعاد بعده ، وهو ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة ، إلا أنهم حملوا لفظ
النكاح ـ في قوله عليهالسلام : وما كان بعد
النكاح فهو جائز ـ على الإيجاب ، وأنه عليهالسلام سماه نكاحا
مجازا ، وعلى ذلك أيضا حملوا عبارة الشيخ.
وأنت إذا تأملت في كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي وكذا حديث المفضل ظهر لك صحة ذلك ، فإن ظاهر الخبرين المذكورين هو ذكر
الشروط مرتين (أما) المرة الأولى فهي للاعلام بها ، واستعلام رضا المرأة بذلك
وعدمه ، و (أما) الثانية فهي للعقد الذي يستبيح نكاحها كما هو صريح عبارة كتاب
الفقه الرضوي ، وكذا حديث المفضل حيث قال : فإذا قالت : نعم أعدت القول ثانية
وعقدت النكاح ، وهما ظاهران في أن عقد النكاح إنما هو بالقول الثاني ، وحينئذ
فيحمل قولهم عليهمالسلام في تلك
الأخبار المجملة وما كان بعد النكاح ، يعني بعد الإيجاب بقولها أنكحتك نفسي ، أو
خطابه لها في المرة الثانية بقوله أتمتعيني نفسك ، ونحو ذلك من ألفاظ الإيجاب.
وبالجملة فإنه متى حكم على إجمال تلك الأخبار بهذين
الخبرين ، فإنه يرتفع بذلك الخلاف من البين ، والله العالم.
الثانية : قد صرحوا
بأنه يجوز للمتمتع العزل وإن لم ترض ، وأن الولد
يلحق به وإن عزل ، وأنه لو نفاه عن
نفسه انتفى ولم يفتقر إلى لعان ، وهذا الكلام يتضمن أحكاما ثلاثة :
الأول : إنه يجوز للمتمتع العزل وإن لم تأذن ، وقد نقل
غير واحد من الأصحاب أنه موضع وفاق ، ويؤيده ما تقدم في الفائدة الحادية عشر من
الفوائد المتقدمة من أن الأظهر الأشهر جواز العزل عن الحرة على كراهية.
ويؤيده أيضا أن الوطي لا يجب لهن إجماعا ، لأن الغرض
الأصلي منهن الاستمتاع دون النسل ، وقوله عليهالسلام في رواية ابن
أبي عمير (1) المرسلة :
الماء ماء الرجل يضعه حيث يشاء ، إلا أنه إذا جاء ولد لم ينكره وشدد في إنكار
الولد ، وبالجملة فالحكم مما لا خلاف ولا إشكال.
الثاني : إن الولد يلحق به وإن عزل ، وهذا الحكم لا يختص
بالمتعة بل يجري في كل وطئ صحيح ، والوجه فيه بعد النص الدال على أن «الولد للفراش»
(2). وخصوص رواية
ابن أبي عمير المتقدمة جواز سبق المني من حيث لا يشعر ، ويعضد ذلك إطلاق صحيحة
محمد بن مسلم (3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام في حديث في
المتعة قال : «قلت : أرأيت إن حملت؟ قال : هو ولده». فإن ترك الاستفصال دليل على
العموم في المقال.
وفي صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (4) قال : «سأل
رجل الرضا عليهالسلام عن
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 464 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 269 ح 80 ، الوسائل
ج 14 ص 489 ح 5.
(2) الكافي ج 7 ص 163 ح 1 ، التهذيب ج 9 ص 346 ح 26 ، الوسائل
ج 17 ص 566 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 264 ح 66 ، الوسائل ج 14 ص 488 ح 1 وفيه «حبلت».
(4) الكافي ج 5 ص 454 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 269 ح 82 ، الفقيه ج
3 ص 292 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 488 ح 2.
الرجل يتزوج المرأة متعة ، ويشترط
عليها أن لا يطلب ولدها فتأتي بعد ذلك بولد فينكر الولد ، فشدد في ذلك ، فقال :
يجحد ، وكيف يجحد إعظاما لذلك ، قال الرجل : فإن اتهمها؟ قال : لا ينبغي لك أن
تتزوج إلا مأمونة».
قوله «ويشترط عليها أن لا يطلب ولدها» كناية عن العزل
بمعنى أنه يشترط عليها العزل ، وهو ظاهر في أنه ليس له بعد الوطي نفي الولد وإن
عزل ، ولا بمجرد التهمة ، بل لا بد من العلم بانتفائه.
وفي رواية الفتح بن يزيد (1) قال : «سألت
أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن الشروط في
المتعة ، فقال : الشروط فيها بكذا وكذا إلى كذا وكذا ، فإن قالت نعم فذاك له جائز
، ولا تقول كما أنهى إلي أن أهل العراق يقولون : الماء مائي والأرض لك ولست أسقي
أرضك الماء ، وإن نبت هناك نبت فهو لصاحب الأرض ، فإن شرطين في شرط فاسد : فإن
رزقت ولدا قبله ، والأمر واضح ، فمن شاء التلبيس على نفسه لبس».
قيل : المراد بالشرطين هما الإفضاء إليها وعدم قبول
الولد : وإنما فسدا لتنافيهما شرعا ، وقيل : المراد بأحد الشرطين شرط الله لقبول
الولد ، والآخر شرط الرجل لنفسه ، والظاهر أن الأول أقرب ، لأن ذلك هو الذي اشتمل
عليه العقد. وكيف كان فالخبر دال على أنه متى جامعها فإن عزل فإنه يجب عليه قبول
الولد متى رزقها الله تعالى إياه ، ولا يجوز له نفيه بأن يلحقه بالأم ، وهو المشار
إليه بقوله «وإن نبت هناك نبت فهو لصاحب الأرض» فإن المراد بالنبت الولد.
الثالث : إنه لو نفاه عن نفسه ، فإنه ينتفي ظاهرا ، ولا
يتوقف على اللعان ، قال في المسالك : وهو موضع وفاق.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 464 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 269 ح 81 ، الوسائل
ج 14 ص 489 ح 6.
أقول : ويدل على ذلك ما رواه في الكافي (1) في الصحيح عن
ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا
يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع منها».
وما رواه في التهذيب (2) عن ابن سنان في الصحيح عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «لا
يلاعن الحر الأمة ، ولا الذمية ، ولا التي يتمتع بها».
والتقريب فيها أن مقتضى سقوط اللعان مطلقا انتفاء الولد
بغير لعان ، وإلا لا نسد باب نفيه ، ولزم كونه أقوى من ولد الزوجة الدائمة وهو
معلوم البطلان.
فإن قيل : إن مقتضى ما تقدم من الأخبار هو أن الولد يلحق
به وإنه لا يجوز له نفيه إلا أن يعلم بانتفائه ، ومقتضى ما ذر هنا أنه لو نفاه عن
نفسه انتفى قلنا : ما ذكر هنا مبني على الظاهر كما أشير إليه آنفا ، ومبني ما ذكر
سابقا على ما بينه وبين الله عزوجل ، فهو وإن قبل
قوله ظاهرا في انتفائه إلا أنه لا يجوز له فيما بينه وبين الله عزوجل إلا مع العلم
بانتفائه ، لا بمجرد العزل ولا التهمة ، إلا أن لقائل أن يقول : إن ما دل عليه
الخبران المذكوران من أنه لا يلاعن الرجل المرأة المتمتع بها لا تصريح فيه بكون
اللعان لنفي الولد ، فيجوز أن يكون نفي اللعان إنما هو بالنسبة إلى القذف ، فإنه
أحد موضعي اللعان.
وحينئذ فلا دليل على الحكم المذكور ، إلا ما يدعونه من
الاتفاق إن ثبت ، فلو قيل بعد انتفائه بنفيه ـ للأخبار الأولة الدالة على وجوب
قبوله للولد ، وأنه لا يجوز نفيه لعدم التعويل على مثل هذه الإجماعات ـ لكان في
غاية القوة إلا أن الخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل ، وموافقتهم من غير دليل
واضح أشكل.
تنبيه
قد طعن شيخنا الشهيد في صحيحة ابن سنان المذكورة هنا ،
بأن ابن سنان
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 166 ح 17 ، التهذيب ج 8 ص 189 ح 18 ، الوسائل
ج 15 ص 605 ح 1.
(2) التهذيب ج 8 ص 188 ح 12 ، الوسائل ج 15 ص 596 ح 4.
مشترك بين عبد الله وهو ثقة ، ومحمد
وهو ضعيف ، والاشتراك يمنع الوصف بالصحة.
واعترضه سبطه في شرح النافع بأن ابن سنان الذي يروي عن
أبي عبد الله عليهالسلام ، هو عبد الله
الثقة الجليل قطعا ، لأن محمد لم يرو عن الصادق عليهالسلام أصلا ، وإنما
يروي عن أصحابه ، وقد روى محمد عن عبد الله ، وذلك معلوم من كتب الرجال ، انتهى.
أقول : ما ذكره جيد بالنسبة إلى محمد بن سنان الزاهري
الضعيف ، إلا أنه يبقى احتمال محمد بن سنان أخي عبد الله بن سنان ، فإنه قد نقلت
روايته عن الصادق عليهالسلام في مواضع من
كتاب طب الأئمة عليهمالسلام ، ويمكن أن
يقال : إنه وإن كان كذلك إلا أن الغالب المتكرر روايته هو عبد الله دون أخيه محمد
، والحمل على الغالب أقوى دون الشاذ النادر.
الثالثة : لا خلاف نصا
وفتوى في أن المتعة لا يقع بها طلاق ، بل تبين بانقضاء المدة ، وقد تقدمت جملة من
الأخبار دالة على ذلك.
وقد عرفت أنه لا يقع بها لعان لنفي الولد اتفاقا ، إلا
أنك قد عرفت ما فيه ، وأما اللعان للقذف فالمشهور أنه لا يقع بها كما هو ظاهر
الصحيحين المتقدمين.
ونقل عن الشيخ المفيد والسيد المرتضى أنه يقع بها ،
لأنها زوجته فتدخل في عموم «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ
حافِظُونَ»
(1) وأجيب عنه بأن
عموم القرآن مخصص بالسنة وإن كانت آحادا كما هو الأشهر الأظهر ، والمشهور أيضا أنه
لا يقع بها إيلاء لقوله عزوجل في قصة الإيلاء
«وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ» (2) الدال على قبول المولى منها الطلاق ،
والمتعة ليست كذلك ، ولأن من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء وهو منتف فيها ،
وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم.
ونقل عن المرتضى ـ رضي الله تعالى عنه ـ وقوع الإيلاء
بها لعموم قوله
__________________
(1) سورة المؤمنون ـ آية 5.
(2) سورة البقرة ـ آية 227.
تعالى «لِلَّذِينَ
يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ» (1) فإنه جمع مضاف
وهو من صيغ العموم.
وأجيب عنه بأنه مخصوص بقوله تعالى «وَإِنْ
عَزَمُوا الطَّلاقَ» فإن عود الضمير إلى بعض أفراد العام
يخصصه.
قال في المسالك : وفيه نظر والمسألة موضع خلاف بين
الأصوليين ، وقد ذهب جماعة من المحققين إلى أنه لا يخصص.
أقول : والمسألة لعدم النص الظاهر لا تخلو من توقف وإن
كان القول المشهور لا يخلو من قرب.
وهل يقع بها ظهار أم لا؟ قولان : المشهور الأول ، لأن
المتمتع بها زوجة ، فتدخل في العمومات المتضمنة لظهار الزوجة وذهب جماعة منهم ابن
بابويه وابن إدريس إلى الثاني ، لأصالة بقاء الحل ، ولأن المظاهر يلزم بالفئة أو
الطلاق ولا طلاق في المتعة ولا يجب الوطي ، فيلزم بالفئة ، مع أن إيجابها وحدها لا
دليل ، وإقامة هبة المدة مقام الطلاق قياس ، ولأن أمره بأحد الأمرين موقوف على
المرافقة المتوقفة على وجوب الوطي.
قال في المسالك مشيرا إلى الجواب عن ذلك قوله «ولأن
المظاهر يلزم بالفئة أو الطلاق.» إلى آخره : والإلزام بأحد الأمرين لا يوجب
التخصيص ، فجاز اختصاصه بمن يمكن معه أحد الأمرين وهو الدائم ، وهكذا الموافقة ،
ويبقى أثر الظهار باقيا في غيره كوجوب اعتزالها ، وهذا هو هو الأقوى ، انتهى.
أقول : والمسألة أيضا محل توقف ، لعدم الدليل الواضح ،
وبالتردد في المسألة أيضا صرح السيد السند في شرح النافع وهو في محله.
الرابعة : اختلف
الأصحاب في ثبوت التوارث بهذا العقد على أقوال : (أحدهما) إنه يقتضي التوارث
كالدائم حتى لو شرطا سقوطه بطل الشرط ، كما لو شرطا عدمه في النكاح الدائم ، ويعبر
عنه بأن المقتضي للإرث هو العقد
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 226.
لا بشرط شيء ، وهذا القول لابن
البراج ، واستند فيه إلى عموم الآية الدالة على توريث الزوجة (1) ، وهذه زوجة ،
فترث كسائر الزوجات ، ويدل على كونها زوجة آية «إِلّا
عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ» (2) وملك اليمين منتف عنها قطعا ، فلو لم
تثبت كونها زوجة لزم تحريمها ، وعدم حلها كما تدعيه العامة من الآية.
وفي هذا القول طرح للأخبار بجملتها ، ولعله إما بناء من
قائله على أنها قد تعارضت فتساقطت ، أو كونها خبر واحد لا يخصص عموم القرآن ، أو
الطعن في السند بالضعف ، إلا أن الثالث بعيد ، لتفرعه على هذا الاصطلاح المحدث ،
وهو غير معمول عليه عند أمثال هذا القائل من المتقدمين.
قيل : ولقد كان هذا القول بالسيد المرتضى أنسب ، وبأصول
أليق ، لكنه ـ رحمهالله ـ عدل عنه لما
ظنه من الإجماع على خلافه.
و (ثانيها) عكس القول المذكور ، وهو أنه لا توارث فيه من
الجانبين ، سواء شرطا التوارث أو عدمه ، أو لم يشترط شيئا منهما ، ذهب إليه أبو
الصلاح وابن إدريس والعلامة في أحد قوليه ، وابنه فخر المحققين ، والمحقق الشيخ
علي ، والظاهر أنه مذهب أكثر المتأخرين ، تمسكا بأصالة العدم ، لأن الإرث حكم شرعي
يتوقف ثبوته على الدليل ، ومطلق الزوجية لا يقتضي استحقاق الإرث ، لأن من الزوجات
من ترث ، ومنهن من لا ترث ، والرواية سعيد بن يسار (3) الآتية إن شاء
الله تعالى ـ ونحوها رواية عبد الله بن عمر (4) الآتية أيضا إن شاء الله تعالى
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 12.
(2) سورة المؤمنون ـ آية 6.
(3) التهذيب ج 7 ص 264 ح 67 ، الوسائل ج 14 ص 487 ح 7.
(4) التهذيب ج 7 ص 265 ح 68 ، الوسائل ج 14 ص 487 ح 8 ، وفيهما
«عبد الله بن عمرو».
بالتقريب الآتي ذيلهما.
و (ثالثها) إن أصل العقد لا يقتضي التوارث بل اشتراطه ،
فإذا شرط ثبت تبعا للشرط ، أما عدم اقتضائه الإرث بدون الشرط فللأدلة المتقدمة ،
وأما ثبوته مع الشرط فلعموم «المسلمون عند شروطهم» (1). اختاره الشيخ
وأتباعه إلا القاضي ابن البراج ، وبه قطع المحقق والشهيدان ، وستأتي الأخبار
الدالة عليه إن شاء الله تعالى.
و (رابعها) عكسه ، وهو أنهما يتوارثان ما لم يشترطا
سقوطه ، فيكون المقتضي للإرث هو العقد بشرط لا شيء ، ولو اشترطا ثبوته كان
اشتراطا لما يقتضيه العقد ، وإلى هذا القول ذهب المرتضى وابن أبي عقيل ، أما ثبوت
التوارث مع انتفاء شرط السقوط ، فلعموم الآية (2) ، وأما السقوط مع الشرط ، فلعموم «المؤمنون
عند شروطهم» وقد استدل عليه أيضا بموثقة محمد بن مسلم (3) الآتية إن شاء
الله تعالى.
والواجب نقل ما وصل إلينا من روايات المسألة ، ثم الكلام
فيها بما وفق الله سبحانه فهمه منها.
الأول : ما رواه في الكافي (4) عن أحمد بن
محمد بن أبي نصر في الصحيح أو الحسن عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال : «تزويج
المتعة نكاح بميراث ، ونكاح بغير ميراث ، إن اشترطت كان ، وإن لم يشترط لم يكن».
ورواه الحميري في قرب الاسناد (5) عن أحمد بن
عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال في الكافي بعد نقل الخبر المزبور : وروى
أيضا «ليس بينهما ميراث
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 467 ح 80 ، الوسائل ج 14 ص 487 ح 9.
(2) سورة النساء ـ آية 12.
(3) التهذيب ج 7 ص 264 ح 66 ، الوسائل ج 14 ص 486 ح 4.
(4) الكافي ج 5 ص 465 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 264 ح 65 ، الوسائل
ج 14 ص 485 ح 1.
(5) قرب الاسناد ص 159 ، الوسائل ج 14 ص 485 ح 1.
اشتراط أو لم يشترط».
الثاني : ما رواه في الكافي (1) أيضا في
الموثق عن محمد بن مسلم قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول في الرجل
يتزوج المرأة متعة : إنهما يتوارثان ما لم يشترطا ، وإنما الشرط بعد النكاح».
ورواه الحسين بن سعيد في كتابه عن صفوان بن يحيى بن بكير
عن محمد بن مسلم (2) قال : «سمعت
أبا جعفر عليهالسلام يقول :.»
الحديث.
ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب عبد
الله بن بكير ، وحمله الشيخ على أنهما يتوارثان إذا لم يشترطا الأجل ، وأيده بما
تقدم في رواية أبان بن تغلب (3) إن لم يشترط
كان تزويج مقام.
الثالث : من الكتاب المذكور عن أبي عمير (4) في الصحيح أو
الحسن عن عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث في
المتعة قال : «فإن أحدث به حدث لم يكن لها ميراث».
الرابع : ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (5) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام : كم المهر؟
يعني في المتعة ، فقال : ما تراضيا عليه ـ إلى أن قال : ـ وإن اشترطا الميراث فهما
على شرطهما».
ورواه الحسين بن سعيد في كتابه عن النضر عن عاصم عن محمد
بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام.» الحديث إلى
آخره.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 465 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 265 ح 69 ، الوسائل
ج 14 ص 486 ح 2.
(2) البحار ج 103 ص 315 ح 19 ، الوسائل ج 14 ص 486 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 455 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 265 ح 70 ، الوسائل
ج 14 ص 466 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 466 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 486 ح 3.
(5) التهذيب ج 7 ص 264 ح 66 وفيه «وان اشترطت» ، الوسائل ج 14
ص 486 ح 5.
الخامس : ما رواه أيضا عن عمر بن حنظلة (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام في حديث في
المتعة قال : «وليس بينهما ميراث».
السادس : وبإسناده عن سعيد بن يسار (2) في الصحيح عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث؟ قال : ليس بينهما ميراث ، اشترط أو
لم يشترط» (3).
وحمله الشيخ على اشتراط سقوط الميراث وقال : وإنما يحتاج
ثبوته إلى شرط ، لا ارتفاعه ، وأيده في الوافي بأنه لما كان المتعارف اشتراطه في
هذا العقد نفي التوارث لا إثباته ، كما مضى في عدة أخبار حمل قوله «اشترط أو لم
يشترط» على ذلك.
السابع : ما رواه أيضا عن عبد الله بن عمر (4) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة ،
فقال : حلال من الله ورسوله ، قلت : فما حدها؟ قال : من حدودها أن لا ترثها ولا
ترثك» الحديث.
الثامن : ما رواه في الفقيه عن موسى بن بكير عن زرارة (5) عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث قال :
«ولا ميراث بينهما في المتعة إذا مات واحد منهما في ذلك الأجل».
ورواه الحسين بن سعيد في كتابه عن النضر عن موسى بن بكير
عن زرارة (6) عن أبي جعفر عليهالسلام.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 270 ح 83 ، الوسائل ج 14 ص 486 ح 6.
(2) التهذيب ج 7 ص 264 ح 67 ، الوسائل ج 14 ص 487 ح 7.
(3) ورواه الحسين بن سعيد في كتابه عن النضر عن عاصم عن محمد
بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله ـ عليهالسلام ـ الى آخره. (منه ـ قدسسره ـ). الوسائل ج 14 ص 486 ح 4.
(4) التهذيب ج 7 ص 265 ح 68 ، الوسائل ج 14 ص 487 ح 8 وفيهما «عبد
الله بن عمرو».
(5) الفقيه ج 3 ص 296 ح 23 ، الوسائل ج 14 ص 487 ح 10.
(6) البحار ج 103 ص 316 ح 23 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 591 ب 24
ح 1.
التاسع : ما صرح به الرضا عليهالسلام في كتابه
الفقه الرضوي (1) حيث قال :
اعلم أن وجوه النكاح الذي أمر الله عزوجل بها أربعة
أوجه منها نكاح بميراث ، وهو بولي وشاهدين ومهر معلوم ـ إلى أن قال : ـ والوجه
الثاني نكاح بغير شهود ولا ميراث ، وهي نكاح المتعة بشروطها. إلى آخر عبارته
المتقدمة في المسألة الأولى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن مما يدل على القول الثاني الرواية
السادسة والسابعة ، والتقريب في الثانية منهما أنه عليهالسلام جعل نفي
التوارث من حدود نكاح المتعة ، بمعنى أن عقد المتعة لا يقتضي التوارث ، إلا أن
غاية ما تدل عليه هو عدم التوارث بالعقد ، ولا ينافيه ثبوت الإرث بالشرط الخارج عن
العقد ، وحينئذ فلا تكون هذه الرواية منافية لما دل على ثبوته بالشرط ، كما هو
القول الثالث.
وأما ما قيل في وجه الاستدلال بالرواية المذكورة من أنه عليهالسلام نفي التوارث
من الجانبين وجعله من حدود المتعة ومقتضياتها ، فوجب أن لا يثبت بها توارث إنما مع
عدم الاشتراط العدم فواضح ، وأما مع شرط الإرث فلأنه شرط ينافي مقتضى العقد على ما
دل عليه الحديث ، فوجب أن يكون باطلا.
ففيه أنه في صورة شرط الإرث إنما يحصل المنافاة لمقتضى
العقد لو كان العقد يقتضي عدم الإرث ، وقد عرفت أن غاية ما يدل عليه الخبر هو عدم
اقتضاء الإرث ، لا اقتضاء عدمه ، والمنافاة إنما تحصل بناء على الثاني لا الأول ،
إذ معنى قوله عليهالسلام «من حدودها أن
لا ترثها ولا ترثك» هو أن من حدودها ومقتضياتها أن عقدها لا يقتضي الإرث ، لا أنه
يقتضي عدم التوارث ، والفرق بين الأمرين ظاهر.
ومما يدل على القول الثالث الرواية الاولى والرابعة ،
وهما مع صحة سنديهما ظاهرتا الدلالة على القول المذكور.
ومما يدل على القول الرابع الرواية الثانية ، وقد عرفت
حمل الشيخ لها على أن المراد بالشرط اشتراط الأجل ، بمعنى أنهما يتوارثان إذا لم
يشترطا
__________________
(1) فقه الرضا ص 232 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 591 ب 23 ح 5.
الأجل ، فإن العقد بدون الأجل يصير
دائما كما تقدم ، ولا بأس به جمعا بين الأخبار.
ولعل أقرب هذه الأقوال هو القول الثالث لما عرفت من قوة
دليله سندا ومتنا ، ولا ينافيه إلا الرواية السادسة ، وإلا فالسابعة قد عرفت أنه
لا منافاة فيها ، والرواية الثانية بما ذكرناه من حملها على ما ذكره الشيخ يرتفع
المنافاة منها ، والرواية الثالثة غاية ما تدل عليه أنه لا ميراث بمقتضى العقد ،
وهو موافق للقول المذكور ، وكذلك الرواية الخامسة فإن المعنى فيها أنه ليس بينهما
توارث ، يعني بمقتضى العقد ، ولا ينافيه ثبوته بالشرط ، وكذلك الرواية الثامنة
والتاسعة ، فإن مقتضى الجميع أنه لا توارث بمقتضى العقد كما في النكاح الدائم ،
وهو أحد جزئي المدعى ، وحينئذ فتنحصر المنافاة في الرواية السادسة ، والشيخ ـ رحمة
الله عليه ـ قد حملها على أن المراد اشتراط نفي الميراث ولم يشترط ، وهو وإن كان
لا يخلو من بعد إلا أنه في مقام الجمع بين الأخبار لا بأس به ، لئلا ينافي ما دل
على ثبوت الميراث مع الشرط.
وبما حررناه في المقام ، يظهر أن أظهر الأقوال المذكورة
ـ بعد رد هذه الأخبار بعضها إلى بعض حسبما عرفت ـ هو القول المزبور ، إلا أنه ربما
أشكل من وجه آخر ، وهو أن الاشتراط ليس بسبب شرعي في ثبوت الإرث ، وأسباب الإرث
محصورة وليس هذا منها ، وما ليس بسبب شرعي لا يمكن جعله سببا ، ولا مقتضى للتوارث
هنا إلا الزوجية ، ولا يقتضي ميراث الزوجية إلا الآية ، فإن اندرجت المتعة في
الزوجية التي دلت الآية على ثبوت الإرث لها ورثت على كل حال وإن لم يشترط ثبوته ،
وبطل شرط نفيه ، وإن لم تندرج في الزوجية التي في الآية لم يثبت بالشرط لأنه شرط
توريث من ليس بوارث ، وهو باطل قطعا ، وربما حمل الخبران لأجل ما عرفت على إرادة
الوصية باشتراط الإرث في عقد المتعة ، فيكون كالإرث ، لا إرثا حقيقيا.
وأجيب عن الاشكال المذكور بأنه لما كان الخبران
المذكوران مع اعتبار
سنديهما واضحا الدلالة على المدعي ،
والمستفاد منهما كون اشتراط الميراث سائغا لازما فيثبت به ، وإن كان أصل الزوجية
لا يقتضيه ، والواجب تخصيص الآيات الدالة على ميراث الزوجة بهما كما خصصت في
الزوجة الذمية إذا أسلمت تحت كافر ، برواية أن الكافر لا يرث المسلم ، ومن ذلك
يعلم الجواب عن قوله «ولا مقتضى للتوارث هنا إلا الزوجية. إلى آخره» فإنه مسلم إلا
أنها بدون الشرط مخصوصة بالروايتين المذكورتين بمعنى أن الآيات وإن دلت على كونها
زوجة ، والزوجية تقتضي الميراث ، إلا أن الخبرين دلا على تخصيص الميراث لعدم
المقتضى فيجب تخصيص الآيات بهما ، فمع الاشتراط تدخل في عموم الآيات لعدم المقتضى
للتخصيص ، ومع العدم يجب إخراجهما من العموم بالخبرين ، نعم هذا الحكم غريب لعدم
النظير ، إلا أن الجمع بين الأدلة يقتضيه ، فلا بعد فيه ، وليس بعده (1) إلا اطراح
الخبرين مع ما هما عليه من جودة الاسناد والدلالة على المراد.
وأما قوله «إن الاشتراط ليس بسبب شرعي في ثبوت الإرث.
إلى آخره» فإنه مردود بأنه بعد دلالة النص على ذلك لا وجه لهذا الكلام لما يتضمنه
من الرد على الامام عليهالسلام حيث جعله سببا
في ذلك ، والأسباب لا تنحصر في دلالة الكتاب فهو وإن لم يثبت بالكتاب إلا أنه ثبت
بالسنة.
وبالجملة فالنظر في أخبار المسألة بالتقريب الذي قدمناه
في حمل بعضها على بعض يقتضي العمل بالقول المذكور.
ومما يتفرع على القول المذكور أنهما لو اشترطا التوارث
لأحدهما دون الآخر فإن مقتضى الخبرين العمل بشرطهما ، وله نظائر في الأحكام كما في
إرث المسلم الكافر دون العكس ، وإرث الولد المنفي باللعان إذا اعترف به الأب بعد
ذلك فإن الولد يرثه وهو لا يرث الولد ، والله العالم.
الخامسة : اختلف
الأصحاب في عدة المتمتع بها متى دخل بها الزوج وانقضت
__________________
(1) الظاهر أن في العبارة سقط وهو أنه ليس بعده أزيد أو أبعد
من اطراح الخبرين.
مدتها ، أو وهبها إياها ولم تكن يائسة
وكانت ممن تحيض على أقوال : ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الروايات في المسألة.
(فأحدها) ـ وهو قول الشيخ في النهاية وجمع من الأصحاب
منهم ابن البراج في كتابيه وسلار والمحقق في الشرائع والشهيد في اللمعة وغيرهم ـ أنها
حيضتان فإن كانت في سن من تحيض ولا تحيض فخمسة وأربعون يوما.
ويدل على هذا القول ما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو
الحسن عن إسماعيل ابن الفضل قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة
فقال : الق عبد الملك بن جريج فاسأله عنها ، فإن عنده منها علما ، فلقيته فأملى
علي منها شيئا كثيرا في استحلالها ، فكان فيما روى لي ابن جريح قال : ليس فيها وقت
ولا عدد ، إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء ، وصاحب الأربع نسوة يتزوج
منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود ، فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق ، ويعطيها
الشيء اليسير ، وعدتها حيضتان ، وإن كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما. فأتيت
بالكتاب أبا عبد الله عليهالسلام فعرضت عليه ،
فقال : صدق وأقر به ، قال ابن أذينة : وكان زرارة بن أعين يقول هذا ويحلف أنه الحق
، إلا أنه كان يقول : إن كانت تحيض فحيضة ، وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف».
ويدل على ذلك أيضا ما رواه العياشي في تفسيره (2) عن أبي بصير
عن أبي جعفر عليهالسلام في المتعة إلى
أن قال : «ولا تحل لغيرك حتى تنقضي عدتها ، وعدتها حيضتان».
وما رواه الحسين بن سعيد في كتابه على ما نقله في كتاب
البحار (3) عن النضر عن
عاصم بن حميد عن أبي بصير قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن المتعة ،
فقال : نزلت في القرآن ـ إلى أن قال : ـ فلا تحل لغيرك حتى تنقضي لها عدتها ،
وعدتها حيضتان».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 451 ح 6 ، الوسائل ج 14 ص 447 ح 8.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 233 ح 86 ، الوسائل ج 14 ص 477 ح 6.
(3) البحار ج 103 ص 315 ح 20 ، الوسائل ج 14 ص 477 ح 6.
ولم أقف على من استدل بهذه الأخبار لهذا القول ، وإنما
استدل له في المسالك والروضة برواية محمد بن الفضيل (1) عن أبي الحسن
الماضي عليهالسلام قال : «طلاق
الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان». قال : وروى زرارة (2) في الصحيح عن
الباقر عليهالسلام «أن على المتعة
ما على الأمة». ثم قال : فيجتمع من الروايتين أن عدة المتعة حيضتان.
ولا يخفى ما فيه سيما مع اختلاف الروايات في الأمة التي
جعلوها أصلا للمتعة ، على أن صحيحة زرارة التي ذكرها وإن أوهمت ما ذكره باعتبار ما
نقله منها إلا أنها بملاحظة ما تقدم منها على هذه العبارة غير دالة على ما أراده.
فإن صورة الرواية هكذا : زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام «قال : وعدة
المطلقة ثلاثة أشهر ، والأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة ، وكذلك المتعة عليها
مثل ما على الأمة» وظاهر هذه الرواية أن المماثلة بين المتعة والأمة إنما هو في
الاعتداد بالأشهر لا الحيض ، إذ لا تعرض فيها للحيض بالكلية كما هو ظاهر.
و (ثانيها) إنها حيضة واحدة ذهب إليه ابن أبي عقيل ،
ويدل عليه من الأخبار ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أذينة عن زرارة
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «عدة
المتعة إن كانت تحيض فحيضة ، وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف».
أقول : هكذا نقل الرواية في الوافي ، والذي في الكافي
إنما هو بهذه الصورة عن زرارة (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : «إن
كانت تحيض فحيضة. إلى آخر ما تقدم».
وبهذه الكيفية نقلها صاحب الوسائل ، وينبه عليه أيضا ما
ذكره السيد السند في شرح النافع بعد الرواية كما ذكرناه حيث قال : كذا في الوافي ،
وصدرها
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 135 ح 66 ، الوسائل ج 15 ص 470 ح 5.
(2) التهذيب ج 8 ص 157 ح 144 ، الفقيه ج 3 ص 296 ح 25 ،
الوسائل ج 15 ص 484 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 458 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 473 ح 1.
غير مذكور ، لكنه أوردها في أول باب
عدة المتعة. انتهى ، ومن ذلك ويعلم أن ما نقله في الوافي من الزيادة في أولها
اجتهاد منه كما هي عادته غالبا.
وكيف كان فإن صاحب الكافي لم يورد في هذا الباب من
روايات الاعتداد بالحيض إلا هذه الرواية ، وربما أشعر ذلك بأن مذهبه الاكتفاء
بالحيضة الواحدة كما هو المنقول عن ابن أبي عقيل ، وقد عرفت في عجز صحيحة إسماعيل
بن الفضل (1) أو حسنة ما
نقله ابن أذينة عن زرارة من أن مذهبه في العدة بالحيض ، القول بالحيضة الواحدة ،
والظاهر أن معتمد زرارة على هذه الرواية ، والراوي لها عنه ابن أذينة كما عرفت ،
وفي جميع ذلك نوع تقوية لهذا القول كما لا يخفى.
ومما يدل على هذا القول أيضا ما رواه في الكافي (2) عن عبد الله
بن عمر قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المتعة ـ الحديث
كما تقدم في سابق هذه المسألة ، وهو الحديث السابع ، إلى أن قال في آخره ـ قال :
فقلت : فكم عدتها؟ فقال : خمسة وأربعون يوما أو حيضة مستقيمة».
وما رواه في كتاب قرب الاسناد (3) عن أحمد بن
محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر عن الرضا عليهالسلام قال : «سمعته
يقول : قال أبو جعفر عليهالسلام : عدة المتعة
حيضة ، وقال : خمسة وأربعون يوما لبعض أصحابه».
ويؤيده ما رواه في الكافي (4) عن أبي بصير
قال : «لا بد من أن تقول في هذه الشروط : أتزوجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا
درهما نكاحا غير سفاح على كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى أن لا
ترثيني ولا أرثك ، وعلى أن
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 451 ح 6 ، الوسائل ج 14 ص 447 ح 8.
(2) التهذيب ج 7 ص 265 ح 68 ، الوسائل ج 14 ص 473 ح 4.
(3) قرب الاسناد ص 159 ، الوسائل ج 14 ص 474 ح 6.
(4) الكافي ج 5 ص 455 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 263 ح 63 مع اختلاف
يسير ، الوسائل ج 14 ص 467 ح 4 مع اختلاف يسير.
تعتدي خمسة وأربعين يوما ، وقال بعضهم
: حيضة».
أقول : قوله «وقال بعضهم» إما من كلام صاحب الكافي أو من
أحد الرواة للخبر.
وروى الطبرسي أبو منصور أحمد بن أبي طالب في كتاب
الاحتجاج (1) عن محمد ابن
عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان صلوات الله عليه أنه كتب إليه في رجل
تزوج امرأة بشيء معلوم إلى وقت معلوم ، وبقي له عليها وقت فجعلها في حل مما بقي
له عليها ، وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيامها بثلاثة أيام ، أيجوز أن
يتزوجها رجل آخر بشيء معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة ، أو يستقبل
بها حيضة أخرى؟ فأجاب عليهالسلام : يستقبل بها
حيضة غير تلك الحيضة ، لأن أقل العدة حيضة وطهرة تامة. وفي بعض النسخ «وطهارة».
وهذه الرواية أيضا ظاهرة في هذا القول ، والمعنى في قوله
«لأن أقل العدة. إلى آخره» أن العدة عبارة عن حيضة كاملة حتى تطهر منها.
و (ثالثها) أنها حيضة ونصف ، وهو مذهب الصدوق في المقنع
حيث قال : وإذا تزوج الرجل امرأة متعة ثم مات عنها فعليها أن تعتد أربعة أشهر
وعشرة أيام ، وإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة ، وإن
مكثت عنده أياما فعليها أن تحد وإن كانت عنده يوما أو يومين أو ساعة من النهار
فتعتد ولا تحد ، انتهى.
وهو مضمون ما رواه في الفقيه (2) في الصحيح عن
صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة
يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة؟ قال : تعتد أربعة أشهر وعشرا ،
فإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة قال : قلت : فتحد؟ قال
: فقال : نعم إذا مكثت
__________________
(1) الاحتجاج ج 2 ص 311 ، الوسائل ج 14 ص 474 ح 7.
(2) الفقيه ج 3 ص 296 ح 24 ، التهذيب ج 8 ص 157 ح 143 وفيه «وجبت
العدة كملا» ، الوسائل ج 14 ص 474 ح 5.
عنده أياما فعليها العدة وتحد ، وأما
إذا كانت عنده يوما أو يومين أو ساعة من النهار فقد وجبت العدة ولا تحد (1).
ورواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن أحمد عن علي الميثمي
عن صفوان إلى آخر ما تقدم.
و (رابعها) إنها طهران ، وهو اختيار الشيخ المفيد وابن
إدريس والعلامة في المختلف ، وهو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، ولم أقف
بعد التتبع على خبر يدل على هذا القول ، وإنما استدل له في المختلف بما رواه
الشيخ عن ليث المرادي (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : كم تعتد
الأمة من ماء العبد؟ قال : بحيضة».
قال في المختلف في تقرير الاستدلال بهذا الخبر :
والاعتبار بالقرء الذي هو الطهر بحيضة واحدة يحصل قران ، القرء الذي طلقها فيه ،
والقرء الذي بعد الحيضة ، والمتمتع بها كالأمة ، انتهى.
ومرجعه إلى حمل المتمتع بها على الأمة ، وعلى ذلك حمل
الخبر في التهذيب أيضا واعترضه السيد السند في شرح النافع وقبله جده في المسالك
بأن فيه نظرا ، فإن الحيضة تتحقق بدون الطهرين معا فضلا عن أحدهما كما لو أتاها
الحيض بعد انتهاء المدة بغير فصل ، فإن الطهر السابق منتف ، وإذا انتهت أيام الحيض
تحققت الحيضة التامة وإن لم يتم الطهر ، بل بمعنى لحظة منه ، ومثل هذا لا يسمى
طهرا في اعتبار العدة ، وإن اكتفي به سابقا على الحيض ، انتهى.
واستدل له في المسالك بحسنة زرارة (3) عن الباقر عليهالسلام وفيها «إن كان
حر
__________________
(1) أقول : ما دل عليه هذا الخبر وان أفتى به في المقنع من
التفصيل في الحد ولا أعرف له وجها ، وبذلك صرح العلامة في المختلف فقال بعد نقل
كلامه ونقل الرواية المذكورة : وفي التفصيل اشكال وهو في محله. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) التهذيب ج 8 ص 135 ح 67 ، الوسائل ج 14 ص 470 ح 6.
(3) الكافي ج 6 ص 167 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 135 ح 65 ، الوسائل
ج 15 ص 469 ح 1.
تحته أمة فطلاقها تطليقتان ، وعدتها
قران». مضافا إلى صحيحة زرارة المتقدمة (1) الدالة على «أن على المتمتعة ما على
الأمة». قال : وهذه أوضح دلالة من الاولى ، وأشار بالأولى إلى رواية محمد بن
الفضيل التي قدمنا نقلها عنه دليلا على القبول الأول ، قال : لأنها حسنة ، ومحمد
بن الفضيل الذي يروى عن الكاظم عليهالسلام ضعيف ، وإن
كان العمل بها أحوط لأن العدة بالحيضتين أزيد منها بالقرءين ، انتهى.
وأنت خبير بما في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال أما (أولا)
فلأن حسنة زرارة التي استدل بها إنما تضمنت القرءين ، وهو كما يطلق على الطهرين يطلق
على الحيضتين لغة وشرعا كما قد استفاض في الأخبار ، وسيأتي تحقيقه في محله إن شاء
الله.
ومع الإغماض عن ذلك فقد عرفت أن ما دلت عليه صحيحة زرارة
من أن على المتمتعة ما على الأمة إنما هو بالنسبة إلى الاعتداد بالأشهر لا
بالأقراء ، حيضا كانت أو أطهارا.
وأما (ثانيا) فلأن الحمل على الأمة مع اختلاف الأخبار
فيها أيضا بالطهرين أو الحيضتين ، أو الحيضة ونصف كما سلف في صحيحة عبد الرحمن بن
الحجاج التي بها أفتى الصدوق في المقنع واختلاف كلمة الأصحاب كذلك مما لا يجدي
نفعا ، ولا يثمر ترجيحا ، والحيضتان في الأمة ليس مختصا برواية محمد بن الفضيل حتى
أنه يرجح حسنة زرارة عليها بل هو مدلول صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة زرارة كما سيأتي
تحقيقه في تلك المسألة إن شاء الله تعالى.
وبالجملة فإن كلامه وغيره في هذا المقام مبني على حمل
المتمتع بها على الأمة ، وقد عرفت ما فيه ، والقول الأول قد عرفت قوة مستنده ،
وصراحة الروايات مع صحتها به ، والقول الثاني والثالث أيضا ظاهران من الأخبار التي
قدمناها ، ومن أجل ذلك حصل الإشكال إذ لا أعرف وجها للجمع بينها على وجه يشفي
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 157 ح 144 ، الوسائل ج 15 ص 485 ح 2.
العليل ، ويبرد الغليل ، والحمل على
التقية هنا مغلق بابه ومسدل حجابه ، إلا أن يكون بالمعنى الآخر الذي تقدمت الإشارة
إليه مرارا ، لكنه غير معلوم في أي هذه الأقسام ، وظاهر جملة من أفاضل متأخري
المتأخرين كالسيد السند في شرح النافع والمحدث الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراساني
في الكفاية التوقف في المسألة.
وربما جمع بين الأخبار (1) بحمل ما زاد
على الحيضة على الاستحباب ، وجعله السيد السند الأولى في الجمع بينهما ، وجعل
الاحتياط في الحيضتين ، وهو جيد ، وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي
في الوسائل اختيار مذهب الشيخ المفيد تبعا للجماعة المتقدم ذكرهم استنادا إلى
الأخبار الدالة على تفسير الأقراء المعتبرة في العدد بالأطهار ، واتفاق الأصحاب
على اعتبار الأطهار في العدة ، وتفسير الأقراء التي تضمنتها الآية بها ، وعدم
عملهم على ما قابلها من روايات الحيض بل حملها على التقية كما ذكره الشيخ.
وفيه (أولا) إنه وإن كان الأمر كما ذكره من حمل الروايات
الدالة على تفسير الأقراء بالحيض على التقية وعدم عملهم عليها ، إلا أن ذلك إنما
وقع لهم في مسألة الزوجة التي يجب عليها العدة بثلاثة أقراء ، والروايات إنما
اختلفت في أنه هل المراد بالأقراء هنا هي الأطهار أو الحيض ، إنما هو في هذه
المسألة واتفاق الأصحاب على أن المراد بالأقراء هي الأطهار لا الحيض إنما هو ثمة
دون ما نحن فيه ، ونحن إنما صرنا إلى العمل بتلك الأخبار في تلك المسألة لاتفاق
الأصحاب ، واعتضاد تلك الأخبار به ، وهذا مفقود فيما نحن فيه لما عرفت من الاختلاف
في هذه المسألة ، والحمل على التقية في هذه المسألة غير ميسر لعدم قول
__________________
(1) وبه صرح شيخنا المجلسي ـ قدسسره ـ في حواشيه على التهذيب حيث قال بعد
نقل الأقوال : وحمل الزائد على الحيضة على الاستحباب لا يخلو من قوة ، والأحوط
رعاية الحيضتين ، وهو الذي صرح به السيد السند في شرح النافع كما عرفت في الأصل.
(منه ـ قدسسره ـ).
العامة بها ، فرد تلك الأخبار
المعارضة في تلك المسألة من هذه الحيثية لا يستلزم ردها مطلقا.
و (ثانيا) إنك قد عرفت دلالة جملة من الروايات الصحيحة
الصريحة على الحيضتين ، وجملة أخرى على الحيضة ، وصحيحة عبد الرحمن على الحيضة
والنصف ، والعمل بهذا القول مع عدم الدليل الواضح عليه إلا مجرد هذا التخريج
السحيق يستلزم طرح جملة تلك الأخبار ، مع ما هي عليه من الصراحة وصحة أكثرها ،
وهذا لا يلتزمه محصل.
وبالجملة فإني لا أعرف لهذا القول وجها يعتمد عليه ،
وكيف كان فالاحتياط بالعمل بأخبار الحيضتين عندي متعين ، فإنه أحد المرجحات
الشرعية في مقام اختلاف الأخبار ، والله العالم.
السادسة : قد اختلف
الأصحاب في عدة المتعة من الوفاة لو مات الزوج في المدة المعينة بينهما ، والكلام
هنا يقع في مقامين :
الأول : أن تكون
الزوجة المتمتع بها حرة والمشهورة أن عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملا
، وإلا فبأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل كالدائم.
وذهب جمع من الأصحاب ـ منهم المفيد والمرتضى وسلار وابن
أبي عقيل ـ إلى أن عدتها شهران وخمسة أيام.
احتج القائلون بالأول بعموم قوله عزوجل «وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً» (1) الآية ، والزوجة صادقة على المتمتع
بها بلا خلاف ولا إشكال. وما تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) من قوله «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة
يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها ، هل عليها العدة؟ فقال : تعتد
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 234.
(2) التهذيب ج 8 ص 157 ص 143 ، الفقيه ج 3 ص 296 ح 24 ،
الوسائل ج 15 ص 484 ح 1.
أربعة أشهر وعشرا» الحديث.
وما رواه في الفقيه (1) في الصحيح عن ابن أذينة عن زرارة قال
: «سألت أبا جعفر عليهالسلام ما عدة المتعة
إذا مات عنها الذي يتمتع بها؟ قال : أربعة أشهر وعشرا ، قال : ثم قال : يا زرارة
كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة وعلى أي وجه كان النكاح منه
متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا ، وعدة المطلقة ثلاثة أشهر ،
والأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة وكذلك المتعة عليها ما على الأمة».
والذي يدل على القول الثاني ما رواه الشيخ (2) عن علي بن حسن
الطاطري عن علي بن عبد الله بن علي بن شعبة الحلبي عن أبيه عن رجل عن أبي عبد الله
عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ، ما عدتها؟ قال : خمسة وستون يوما».
وردها المتأخرون بضعف الاسناد سيما بالطاطري ، فإن الشيخ
ذكر في الفهرست أنه كان واقفيا شديد العناد في مذهبه صعب العصبية على من خالفه من
الإمامية ، وأجاب الشيخ عنها بالحمل على ما إذا كانت أمة ، لما سيأتي إن شاء الله
تعالى من أن عدة الأمة من الوفاة هذا القدر ، ولا بأس به جمعا بين الأخبار.
بقي من أخبار هذه المسألة ما رواه الشيخ (3) عن علي بن
يقطين عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «عدة
المرأة إذا تمتع بها فمات عنها زوجها خمسة وأربعون يوما».
وهذا الخبر لا ينطبق على شيء من القولين المذكورين ،
وحمله الشيخ على موت الزوج في العدة بعد انقضاء الأجل ، وهو جيد ويؤنس به ، عطف
الموت بالفاء
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 296 ح 25 ، التهذيب ج 8 ص 157 ح 144 ،
الوسائل ج 15 ص 484 ح 2.
(2) التهذيب ج 8 ص 158 ح 147 ، الوسائل ج 15 ص 485 ح 4.
(3) التهذيب ج 8 ص 157 ح 145 ، الوسائل ج 15 ص 484 ح 3.
على المتمتع بها ، فكأنه في معنى أن
موته وقع على أثر تمام التمتع بانقضاء الأجل.
الثاني : أن تكون أمة
، والمشهور أن عدتها شهران وخمسة أيام ، نصف عدة الحرة إذا كانت حاملا ، وتدل عليه
الأخبار الكثيرة الدالة على أن عدة الأمة في الوفاة زوجة دائمة كانت أو متعة شهران
وخمسة أيام.
ومن ذلك ما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «الأمة
إذا توفي عنها زوجها فعدتها شهران وخمسة أيام».
وعن الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «عدة
الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمسة أيام ، وعدة المطلقة التي لا تحيض شهر ونصف».
وعن أبي بصير (3) قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : عدة الأمة
التي يتوفى عنها زوجها شهران وخمسة أيام ، وعدة الأمة المطلقة شهر ونصف».
وبهذا المضمون موثقة سماعة ، وعلى هذه الروايات حمل
الشيخ رواية ابن أبي شعبة المتقدمة فخصص المرأة بالأمة لمناسبتها لها في العدة.
وذهب جمع من الأصحاب منهم ابن إدريس والعلامة في المختلف
إلى أن عدة الأمة في الوفاة عدة الحرة مطلقا.
قال في المسالك : وفي صحيحة زرارة السابقة ما يدل عليه ،
ويشكل بمعارضتها بهذه الأخبار الكثيرة ، وربما كانت أصح سندا وإن شاركها في وصف
الصحة ، وأشار بصحيحة زرارة السابقة إلى صحيحته المتقدمة في المقام الأول ، وهو
قوله «يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج» إلى آخره ، وفحوى كلامه يدل على أنه لا
مستند لهذا القول إلا هذه الصحيحة مع أن الروايات الدالة عليه كثيرة.
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 154 ح 135 ، الوسائل ج 15 ص 473 ح 9.
(2) التهذيب ج 8 ص 154 ح 134 ، الوسائل ج 15 ص 473 ح 8.
(3) التهذيب ج 8 ص 154 ح 132 ، الوسائل ج 15 ص 473 ح 6.
ومنها ما رواه في الكافي (1) في الصحيح عن
سليمان بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الأمة إذا
طلقت ما عدتها؟ إلى أن قال : قلت : فإن توفي عنها زوجها؟ فقال : إن عليا عليهالسلام قال : في
أمهات الأولاد لا يتزوجن حتى يعتدن أربعة أشهر وعشرا وهن إماء».
وما رواه في الكافي والفقيه (2) عن الحسن بن
محبوب عن وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل كان له أم ولد ، فزوجها من رجل فأولدها غلاما ، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى
سيدها ، إله أن يطأها؟ قال : تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر وعشرة أيام ، ثم
يطأها بالملك بغير نكاح». وطريق الصدوق إلى حسن بن محبوب صحيح ، فتكون الرواية
صحيحة.
وما رواه في التهذيب (3) عن سليمان بن خالد في الموثق عن أبي
عبد الله عليهالسلام قال : «عدة
المملوكة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا».
وبالجملة فالروايات في المقام مختلفة ، والشيخ قد جمع
بينها بحمل هذه الروايات الدالة على عدة الحرة على أمهات الأولاد ، والأخبار
الدالة على التنصيف على غيرها من الإماء ، وهذا الحمل لا يجري في صحيحة وهب بن عبد
ربه ، وهو ظاهر ، لكون العدة عن الرجل الذي زوجه السيد ، ولا موثقة سليمان بن خالد
المصرحة بأن المتوفى الزوج لا السيد ، ودلالة الروايات من الطرفين إنما هو باعتبار
إطلاق الأمة المتوفى عنها زوجها الشامل للزوجة الدائمة والمتمتع بها ، وأم الولد
بالنسبة إلى سيدها لا تدخل في ذلك وبالجملة فالمسألة محل
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 170 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 153 ح 129 ، الوسائل
ج 15 ص 472 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 172 ح 10 ، التهذيب ج 8 ص 153 ح 130 ، الفقيه
ج 4 ص 246 ح 6 مع تفاوت يسير ، الوسائل ج 15 ص 472 ح 3.
(3) التهذيب ج 8 ص 153 ح 131 ، الوسائل ج 15 ص 473 ح 5.
توقف وإشكال.
قال في المسالك : ولو كانت الأمة حاملا اعتدت بأبعد
الأجلين من المدة المذكورة ووضع الحمل ، أما إذا كانت الأشهر الأبعد ، فظاهر ،
للتحديد بها في الآية والرواية ، وأما إذا كان الوضع أبعد فلامتناع الخروج عن
العدة مع بقاء الحمل ، لأنه أثر ماء الميت الذي يقصد بالعدة إزالته ، ولعموم قوله
تعالى «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» (1) فلا بد من مراعاة المقامين ، وذلك
بأبعد الأجلين ، انتهى.
أقول : وسيأتي تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى في محل
اللائق به ، والله العالم.
السابعة : لا ريب في
جواز تجديد العقد عليها بعد الأجل وإن كانت في العدة سواء أراد العقد عليها دواما
أو متعة ، وهذا مخصوص به ، أما غيره فلا يجوز له العقد عليها إلا بعد تمام العدة.
ويدل على ذلك ما رواه في الكافي (2) عن أبي بصير
في الصحيح أو الموثق قال : «لا بأس بأن تزيدك وتزيدها إذا انقطع الأجل فيما بينكما
، تقول لها : استحللتك بأجل آخر برضا منها ، ولا يحل ذلك لغيرك حتى تنقضي عدتها»
الخبر.
ولا يصح قبل انقضاء أجلها ، ولو أراد ذلك وهبها المدة
الباقية من الأجل ، واستأنف العقد متعة أو دواما ، وعلى ذلك يدل مفهوم الشرط في
الخبر المتقدم.
وما رواه في الكافي (3) عن أبان بن تغلب قال : «قلت لأبي عبد
الله عليهالسلام : جعلت فداك
الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها على شهر ثم إنها تقع في قلبه فيجب أن
__________________
(1) سورة الطلاق ـ آية 4.
(2) الكافي ج 5 ص 458 ح 11 ، التهذيب ج 7 ص 268 ح 77 ، الوسائل
ج 14 ص 475 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 458 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 268 ح 78 ، الوسائل
ج 14 ص 478 ح 1.
يكون شرطه أكثر من شهر ، فهل يجوز أن
يزيدها في أجرها ، ويزداد في الأيام قبل أن تنقضي أيامه التي شرط عليها؟ فقال : لا
، لا يجوز شرطان في شرط ، قلت : فكيف يصنع؟ قال : يتصدق عليها بما بقي من الأيام
ثم يستأنف شرطا جديدا».
قوله عليهالسلام «لا يجوز شرطان
في شرط» قيل في معناه وجوه : (منها) إن الشرطان المدتان المتخالفتان والأجران
المتباينان في شرط أي في عقد واحد ، ذكره المحدث الكاشاني في الوافي.
و (منها) ما ذكره المحدث الأمين الأسترآبادي قال : أي
أجلان في عقد واحد ، فلذا لا يجوز عقد جديد قبل انفساخ العقد الأول.
و (منها) ما ذكره المجلسي في حواشيه على الكافي ، قال :
لعل المراد بالشرط ثانيا الزمان على طريقة مجاز المشاكلة ، وبالشرطين العقدين ، أي
لا يتعلق عقدان بزمان واحد.
ويحتمل أن يكون المفروض زيادة الأجل والمهر في أثناء
المدة تعويلا على العقد السابق من غير تجديد ، فيكون بمنزلة اشتراط أجلين ومهرين
في عقد واحد.
أقول : الظاهر من هذه الوجوه هو ما ذكره المحدث
الكاشاني.
وربما بنى الكلام هنا على الخلاف المتقدم في وجوب اتصال
المدة بالعقد وعدمه ، فإن قلنا بالأول امتنع حتى ينقضي أجلها ، وإن قلنا بالثاني
جاز العقد عليها قبل انقضاء الأجل ، وهو جيد ، إلا أن المحقق ـ مع تصريحه في
الشرائع بجواز انفصال الأجل عن وقت العقد ـ صرح في النافع في هذه المسألة بأنه لا
يصح العقد قبل انقضاء الأجل ، واحتمال رجوعه عما أفتى به في الشرائع بعيد.
وما ذكرناه من عدم جواز تجديد العقد عليها قبل انقضاء
الأجل هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل في المختلف عن ابن حمزة أنه قال : «وإن أراد
أن يزيد في الأجل جاز وزاد في المهر ، وروي أنه يهب منها مدته ثم يستأنف ، وأنه لا
يصح ما ذكرناه أولا.
ونقل في المختلف أنه احتج بأصالة الجواز السالم عن معارضة شغلها بعقد غيره ، وكونها مشغولة بعقد لا يمنع من العقد عليها مدة أخرى كما لو كانت مشغولة بعدته ، ثم قال في المختلف. ولا بأس به عندي ، ثم نقل عن ابن أبي عقيل أنه قال : لو نكح متعة إلى أيام مسماة ، فإن أراد أن ينكحها نكاح الدائم قبل أن تنقضي أيامه منها لم يجز ذلك ما لم تملك نفسها ، وهو أملك بها منها ما لم تنقض أيامها ، فإذا انقضت أيامها فشاءت المرأة أن تنكحه من ساعته جاز ، ولو وهب أيامه ثم نكحها نكاح إعلان جاز ذلك.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وهو يعضد قول ابن حمزة
، إلا أنه قيد بالإعلان.
أقول : ما ذكره ـ رحمهالله ـ من الاحتجاج
لابن حمزة واختاره محض اجتهاد في مقابلة النصوص ، وهو مما منعت منه الشريعة على
العموم والخصوص ، والخبران المتقدمان ظاهران في عدم جواز ذلك.
أما الأول فإنه يدل على ذلك بمفهوم الشرط الذي هو حجة
عند محققي الأصوليين ، وعليه دلت جملة من الأخبار التي تقدمت الإشارة إليها مرارا.
وأما الثاني فهو صريح في ذلك ، وبها يجب الخروج عن الأصل
الذي استند إليه ، وقياسه العقد في الأجل على العقد في العدة قياس مع الفارق ،
فإنها في الأجل زوجة ، وفي العدة تباين ، قد خرجت عن الزوجية بالكلية ، وإنما وجبت
العدة عليها لأجل استبراء رحمها ، ولو جدد العقد عليها لم يضر بالعلة في العدة ،
بخلاف غيره ، ولو صح تجديد العقد عليها متعة في الأجل لصح ذلك دواما إذ لا فرق
بينهما إذ المقتضي للصحة أمر واحد فيها مع أنه لا يقول به.
وبالجملة فإن ما اختاره من القول المذكور الموجب لرد الخبرين المذكورين مع ظهور دلالتهما وعدم المعارض لهما مما لا يلتزمه محصل ، وكان الواجب عليه الجواب عنهما ، وهو قد ذكر رواية أبان دليلا للقول المشهور ، واختار ما ذكره ولم يتعرض للجواب عنها.
الثامنة : المشهور بين
الأصحاب أنه لو اشترط المرأة المتمتع بها أن لا يطأها في الفرج لزم الشرط ولم يجز
له الوطي ، ولو أذنت بعد ذلك جاز.
قال الشيخ في النهاية : إذا اشترط الرجل في حال العقد أن
لا يطأها في فرجها لم يكن له وطؤها فيه ، فإن رضيت بعد العقد بذلك كان ذلك جائزا ،
وجعله ابن إدريس رواية ، وهو مؤذن بتوقفه في ذلك.
وظاهر العلامة في المختلف عدم الجواز وإن رضيت ، فإنه
قال ـ بعد نقل كلام الشيخ في النهاية ونقل نسبة ابن إدريس ذلك إلى الرواية ـ ما
لفظه : والشيخ عول على رواية عمار بن مروان (1) عن الصادق عليهالسلام قال : «قلت :
رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها ، فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس مني
ما شئت من نظر أو التماس وتنال مني ما ينال الرجل من أهله ، إلا أنك لا تدخل فرجك
في فرجي وتلذذ بما شئت فإني أخاف الفضيحة؟ قال : لا بأس ، ليس له إلا ما اشترط». ثم
قال : والجواب نحن نقول بموجب الرواية ، وأنها لو اشترطت عليه عدم الإتيان في
الفرج لزم ، وتمنع تسويغه بعد ذلك بالاذن ، انتهى.
أقول : فيه أن الشيخ لم يعود على هذه الرواية كما توهمه
، فإنها غير وافية بالاستدلال على ما قال ، بل دليله الذي اعتمد عليه إنما هو ما
ذكره من الرواية مع ما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار ، ورواه الصدوق في الفقيه
(2) بطريقه إلى
إسحاق بن عمار أيضا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له
: رجل تزوج بجارية عاتق على أن لا يفتضها ، ثم أذنت له بعد ذلك ، قال : إذا أذنت
له فلا بأس».
وهي كما ترى ظاهرة بل صريحة في جواز الوطي بعد الاذن ،
وطريق
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 467 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 270 ح 85 ، الوسائل
ج 14 ص 491 ب 36 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 369 ح 59 ، الفقيه ج 3 ص 297 ح 30 ، الوسائل
ج 15 ص 45 ب 36 ح 2.
الصدوق ـ رحمهالله ـ إلى إسحاق بن
عمار صحيح ، ولكن لما كان إسحاق المذكور مشتركا بين الصيرفي الإمامي الثقة ، وبين
الفطحي الثقة ، فالخبر من الموثق.
وفي معنى خبر عمار بن مروان ما رواه سماعة (1) أيضا عن أبي
عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له
: رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها ، فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس منى
ما شئت من نظر والتماس وتنال مني ما ينال الرجل من أهله ، إلا أنك لا يدخل فرجك في
فرجي ، وتلذذ بما شئت ، فإني أخاف الفضيحة ، فقال : ليس له إلا ما اشترط».
والمفهوم من هذه الأخبار الثلاثة ـ بعد ضم بعضها إلى بعض
ـ هو صحة الشرط المذكور ، وعدم جواز الجماع إلا مع الاذن بعد ذلك فإنه يجوز.
قال السيد السند في شرح النافع بعد ذكر روايات المسألة
كملا : ويظهر من العلامة في المختلف عدم جواز مخالفة الشرط ، وإن رضيت بذلك ،
وربما كان وجهه أن العقد لم يتشخص سوى ذلك بالشرط ، فلا يكون خلافه مندرجا في
العقد ، والمسألة محل إشكال وإن كان الجواز لا يخلو من رجحان ، انتهى.
أقول : الظاهر أن العلامة لم يقف في وقت ما كتبه هنا في
الكتاب المذكور على رواية إسحاق بن عمار الدالة على مدعى الشيخ كما سمعت مما
نقلناه عنه ، وإنما استدل له بتلك الرواية الدالة على المنع من الوطي بالشرط وهو
مما لا ريب فيه ، ولم يقف على ما دل على الجواز مع الاذن فهو معذور فيما ذهب إليه
، وإلا فلو أنه وقف على الرواية ـ ومع هذا اختار المنع ـ لأجاب عن الرواية
المذكورة.
بقي الكلام معه في هذا الوجه الذي استدل به على المنع ،
واستشكل لأجله مع نقله للخبر المذكور.
وفيه أنه لا ريب في كونها زوجة ، وأن الوطي حق لها ،
فمتى أذنت جاز
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 369 ح 58 ، الوسائل ج 15 ص 45 ب 36 ح 1.
والاعتماد على تشخص العقد بذلك الشرط
ـ فلا يكون خلافه مندرجا في العقد ـ قد هدمنا بنيانه ، وزعزعنا أركانه بالأخبار
الكثيرة الصحيحة الصريحة في صحة العقود المشتملة على الشروط الفاسدة مع بطلان تلك
الشروط كما تقدم في غير مقام.
هذا مع تسليم جواز الاعتماد على أمثال هذه التعليلات
العليلة في تأسيس الأحكام الشرعية ، مع عدم المعارض لها من الأخبار ، وإلا فمع
منعه سيما بعد وجود الخبر الصريح الصحيح بالاصطلاح القديم ، فالحكم أظهر من أن
يعتريه شائبة الإشكال.
ثم إنه لا يخفى أن مورد هذه الروايات الثلاث هو الزوجة
مطلقا أعم من أن تكون دائمة أو متعة ، والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في صحة هذا
الشرط في عقد المتعة لعموم ما دل على الوفاء بالشروط ، وعدم ما يدل على المنافاة ،
وما ربما يقال من أن مقتضى العقد إباحة الاستمتاع في كل وقت فتخصيصه ببعض الأوقات
ينافيه ، مدفوع بأن ذلك إنما يقتضيه العقد المطلق أي المجرد عن الشرط ، لا مطلق
العقد ، على أن ذلك لو تم لاقتضى عدم جواز اشتراط انتفاع البائع بالمبيع مدة معينة
وإسقاط الخيار وما شاكل ذلك ، مما أجمع الأصحاب على صحة اشتراطه.
ويعضده ما قدمنا تحقيقه في كتب المعاملات من أن الشروط
كائنة ما كانت إنما هي بمنزلة الاستثناء الذي عرفوه بأنه إخراج ما لولاه لدخل ،
فالمنافاة لأجل العقد حاصلة البتة ، ولا خصوصية له بهذا المكان كما يوهمه كلام هذا
القائل.
نعم يبقى الكلام والاشكال في صحة هذا الشرط وعدمه في
النكاح الدائم ، والقول بلزوم الشرط وجواز الوطي مع الاذن في المنقطع والدائم
للشيخ والمحقق في كتابيه وجماعة.
قال في النافع : لو شرطت أن لا يفتضها صح ولو أذنت بعده جاز ، ومنهم من خص الجواز بالمتعة ، انتهى.
والقول باختصاص صحة هذا الاشتراط بالمتعة ، وبطلانه بل
بطلان العقد في الدائم ، للشيخ أيضا وجماعة منهم العلامة في المختلف وولده في
الشرح ، استدلوا على البطلان في الدائم بمنافاة هذا الشرط لمقتضى العقد ، إذ من
أهم مقتضياته حصول التناسل ، وهو يستدعي الوطي ، وإذا فسد الشرط فسد العقد ، لعدم
الرضا به بدون الشرط.
أقول : لا يخفى أن الأخبار الثلاثة الواردة في المسألة
شاملة بإطلاقها للنكاح الدائم والمنقطع ، وبها أخذ من قال بالعموم ، إلا أن الظاهر
من روايتي عمار وسماعة الاختصاص بنكاح المتعة ، فإنه هو الذي يترتب عليه حصول
الفضيحة ، وسيجيء إن شاء الله الكلام في هذه المسألة بمزيد تحقيق في المقام ،
والله العالم.
التاسعة : المشهور بين
الأصحاب أنه لا يجوز التمتع بأمة المرأة بغير إذنها ، وخالف في ذلك الشيخ في
النهاية والتهذيب فجوز التمتع بها بغير إذن المرأة استنادا إلى روايات سيف بن
عميرة (1) وقد تقدم
تحقيق البحث في هذه المسألة مستوفى ، كما هو حقه في المسألة الثانية عشر من المقصد
الثاني في الأولياء للعقد من الفصل الأول في العقد (2) ، والله
العالم.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 257 و 258 ح 39 و 40 و 41 ، الوسائل ج 14 ص
463 ح 1 و 2 و 3.
(2) أقول : من جملة ذلك في كتاب البيع سيما في باب الحيوان ، وكذا في هذا الكتاب فيما يحرم جمعا أو عينا من المطلب الثالث في المصاهرة وغيرهما أيضا. (منه ـ قدسسره ـ).