ج24 - أحكام العيوب
الفصل الخامس
وفيه مقاصد الأول فيما يرد به النكاح ، والكلام فيه يقطع
في مطالب ثلاثة :
الأول : في العيوب ،
وهي إما في الرجل أو المرأة ، فههنا مقامان :
الأول : في عيوب
الرجل ، وهي على المشهور بين الأصحاب أربعة : الجنون ، والخصاء ، والعنن ، والجب.
وتردد في الشرائع في الرابع ثم قال : والأشبه تسلطها على الفسخ ، ونقل عن ابن
البراج في المهذب أنه ذهب إلى اشتراك الرجل المرأة في كون كل من الجنون والجذام
والبرص والعمى موجبا للخيار في النكاح.
وكذلك ابن الجنيد وزاد العرج والزنا ، وظاهر شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك الميل إلى عد الجذام والبرص في عيوب الرجل حيث قال ـ بعد
نقل قولي ابن البراج وابن الجنيد ـ : ودليلهما في غير الجذام والبرص غير واضح ،
أما فيهما ففي غاية الجودة ، لصحيحة الحلبي ، ثم ساق الرواية ، وسيأتي ذكرها ونقل
كلامه الذي على أثرها ، وبيان ما فيه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا بد من الكلام في كل واحد واحد
من هذه الأمور المذكورة.
(ومنها الجنون) قال في المسالك : لا خلاف في كون الجنون
من عيوب الرجل المجوزة لفسخ المرأة النكاح في الجملة ، ثم إذا كان مقدما على العقد
أو مقارنا له ثبت لها به الفسخ مطلقا سواء كان مطبقا أم دوارا ، وسواء عقل أوقات
الصلاة أم لا ، وإن كان متجددا بعد العقد سواء كان قد وطأ أم لا ، فإن كان لا يعرف
أوقات الصلاة فلها الفسخ أيضا ، وإن عقل حينئذ فأكثر المتقدمين كالشيخ وأتباعه على
عدم الفسخ ، والأقوى عدم اشتراطه لعدم وجود دليل يفيد التقييد ، وتناول
الجنون بإطلاقه لجميع أقسامه ، فإن
الجنون فنون ، والجامع بينهما فساد العقل كيف اتفق ، انتهى.
ونقل عن ابن حمزة أنه أطلق أن الجنون الموجب للخيار في
الرجل والمرأة هو الذي لا يعقل معه أوقات الصلاة ، وهو يشمل المتقدم منه والمتجدد
، والمشهور في كلام الأصحاب أنهم لم يقيدوا الجنون بهذا القيد إلا في المتجدد بعد
العقد.
قال في المسالك : وكيف كان فلا دليل على اعتبار ذلك ،
وإن كان مشهورا.
أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار هنا ما رواه المشايخ
الثلاثة (1) عن علي ابن
أبي حمزة قال : «سئل أبو إبراهيم عليهالسلام عن المرأة
يكون لها زوج ، وقد أصيب في عقله بعد ما تزوجها أو عرض له جنون ، فقال لها : أن
تنزع نفسها منه إن شاءت».
قال في الفقيه (2) بعد أن أورد هذه الرواية : وروى في
خبر آخر أنه «إن بلغ به الجنون مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما ، وإن عرف
أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه ، فقد ابتليت».
قال السيد السند في شرح النافع بعد نقل ذلك : وكأن هذه
الرواية مستند ابن حمزة ومن قال بمقالته ، لكنها مرسلة ، ثم طعن في الرواية الأولى
بأن راويها علي بن أبي حمزة ، وهو أحد عمد الواقفية ، فلا تنهض روايته حجة في
إثبات الأحكام الشرعية.
أقول : الظاهر أن الرواية التي أشار إليها الصدوق إنما
هي ما صرح به الرضا عليهالسلام في كتاب
الفقيه الرضوي (3) حيث قال عليهالسلام : «إذا تزوج
رجل فأصابه بعد ذلك جنون فبلغ به مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما ، فإن عرف
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 151 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 428 ح 19 ، الفقيه ج
3 ص 338 ح 3.
(2) الفقيه ج 3 ص 338 ح 4.
(3) فقه الرضا ص 237 ، الوسائل ج 14 ص 607 ح 1 و 3.
أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه فقد
ابتليت».
وقد عرفت مما تقدم سيما في كتب العبادات نقل الصدوق ـ رحمة
الله عليه ـ وأبيه في الرسالة عبارات هذا الكتاب والإفتاء بها وإن كان نقله هنا
إنما هو بطريق الرواية ، وأبوه في الرسالة قد أفتى بهذه العبارة بعينها ، على ما
نقله في المختلف (1) ولم أقف في
هذا الحكم إلا على هذين الخبرين.
ويمكن الجمع بينهما بتقييد إطلاق رواية علي بن أبي حمزة (2) بما ذكره عليهالسلام في كتاب
الفقه.
ثم إن ظاهر كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه
هو أن الجنون بعد العقد ، وأن التفصيل بكونه إن كان لا يعقل أوقات الصلاة فلها
الفسخ وإن عقل فلا فسخ إنما هو في صورة ما إذا كان الجنون بعد العقد ، وطأ أم لا ،
وهو على هذا دليل لقول الشيخ ومن تبعه ، ولا يصلح لأن يكون دليلا لابن حمزة ، لأن
كلامه عليهالسلام أعم من
المتقدم على العقد والمتأخر عنه ، وإن كانت العبارة التي نقلها الصدوق ـ رحمة الله
عليه ـ (3)
__________________
(1) حيث قال : وظاهر كلام على بن بابويه ذلك ، فإنه قال : إذا
تزوج رجل وأصابه بعد ذلك جنون فبلغ به مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما ،
وان عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه ، فقد ابتليت. انتهى ، وهي عين عبارة كتاب
الفقيه كما ترى.
(منه ـ قدسسره ـ).
(2) فإنها مطلقة بالنسبة إلى عقل أوقات الصلاة وعدمه ، وكلامه
ـ عليهالسلام ـ في كتاب الفقه مفصل ، فيحمل إطلاق
الخبر المذكور على التفصيل الذي في كلامه ـ عليهالسلام ـ كما هو القاعدة المقررة في أمثال
ذلك. (منه ـ قدسسره ـ).
(3) الظاهر أن الصدوق بنى في عبارته التي نقلها في الرواية على
ما تضمنه الخبر الذي قبلها من فرض الجنون بعد ما تزوجها ، فأطلق في نقلها الرواية
اعتمادا على ذلك ، فكأنه قال : وروى في خبر آخر أنه مع ظهور الجنون بعد التزويج ان
بلغ به الجنون. الى آخره ، واللفظ الذي نقله عنه لفظ الكتاب كلمة كلمة ، وعبارة
أبيه في الرسالة كما عرفت
مطلقة ، ولهذا إن السيد في شرح النافع
جعلها دليلا له ، إلا أن الظاهر كما عرفت أن كلام الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ إنما
هو مأخوذ من كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه
، وإن أجمل في التعبير عنه ، وعبارة الكتاب صريحة في المتأخر عن العقد كما عرفت ،
وظاهر رواية علي بن أبي حمزة أيضا أن الجنون إنما هو بعد العقد لقوله عليهالسلام «وقد أصيب في
عقله بعد ما تزوجها».
وعلى هذا فمورد روايات المسألة إنما هو المتجدد بعد
العقد ، والظاهر أن الوجه فيه هو عدم صحة النكاح لو فرض الجنون قبل العقد ، إلا أن
يكون الجنون أدوارا وعقد في حال الصحة ، أو قلنا بجواز تزويج الولي له.
وكيف كان فإن ما ذكره الأصحاب من العموم أو الإطلاق في
المسألة لما قبل العقد أو قارنه أو تأخر عنه لا دليل عليه ، بل الموجود في الأدلة
إنما هو المتأخر خاصة ، والظاهر أن معتمد المتأخرين بعد الطعن في أخبار المسألة
بالضعف إنما هو الاتفاق والإجماع إن ثبت.
وفي المسالك استدل على الحكم المذكور بصحيحة الحلبي (1) عن الصادق عليهالسلام قال : «إنما
يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعقل». قال : وهو شامل لما قبل العقد وبعده
، ولما يعقل معه أوقات الصلاة وغيره ، ثم نقل رواية علي بن أبي حمزة ، ثم قال :
وهي صريحة في المتجدد شاملة بإطلاقها لما قبل الدخول وبعده ، ثم قال : لكن في
طريقها ضعف ، وعمدة الأمر على الاتفاق على كون الجنون عيبا مطلقا مع عدم وجود دليل
مخصص ، انتهى.
أقول : ما ذكره من الاستدلال على هذا الحكم بصحيحة
الحلبي محل نظر.
أما (أولا) فلأن المتبادر من قوله «إنما يرد النكاح»
إنما هو تسلط الزوج
__________________
من نقل المختلف انما هي عبارة الكتاب من أولها إلى آخرها ،
وبالجملة فإنه لا ريب في كون تلك الرواية هي كلامه ـ عليهالسلام ـ في كتاب الفقه (منه ـ قدسسره ـ) الفقه الرضوي ص 237.
(1) التهذيب ج 7 ص 424 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 593 ب 1 ح 6.
على الفسخ إذا ظهر بالزوجة أحد هذه
العيوب لأن النكاح إنما يستند إلى الزوجة ، فيكون رده من قبل الزوج.
وأما (ثانيا) فلأن الكليني والصدوق ـ رحمة الله عليهما ـ
قد رويا هذه الرواية بالاشتمال على السؤال عن عيوب المرأة ، والشيخ قد أسقط السؤال
، واقتصر على مجرد الجواب.
وهذه صورة الرواية بنقل الشيخين المذكورين : عن الحلبي (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «أنه قال في
رجل تزوج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ، ولم يبينوا له ، قال :
لا ترد إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل
، قلت : أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها قال : لها المهر بما استحل من
فرجها ، ويغرم وليها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها».
ونقلها شيخنا المجلسي في كتاب البحار (2) عن الحسين بن
سعيد في كتابه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال في
الرجل : يتزوج إلى قوم» الحديث. كما نقله الشيخان المذكوران.
وبالجملة فإن من يقول بهذا الاصطلاح المحدث لا دليل عنده
لهذا الحكم إلا ما يتشبثون به من الإجماع الذي قد عرفت في غير مقام ما فيه من
النزاع ، ولهذا إن السيد السند في شرح النافع قال : والمسألة قوية الإشكال ،
لانتفاء ما يعتمد عليه من النص فيها ، فإن ثبت فيها إجماع على أن الجنون مطلقا أو
على بعض الوجوه موجب للخيار : وجب المصير إليه ، وإلا فالأمر كما ترى.
وأما من لا يقول به ـ كما هو الحق الحقيق بالاتباع ، وإن
كان في هذه الأزمان قليل الاتباع ـ فالأمر واضح ، والعمل على الروايتين المذكورتين
، إلا
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 406 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 426 ح 12 ، الفقيه ج
3 ص 273 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 597 ح 5.
(2) البحار ج 103 ص 364 ح 18 مع اختلاف يسير.
أن موردهما كما عرفت إنما هو الجنون
المتجدد بعد العقد أعم من أن يكون قد وطأ أم لا.
بقي شيء ، وهو أنه هل يفتقر فسخ المرأة في المتجدد إلى
طلاق أم لا؟ ظاهر الشيخ في النهاية الأول حيث قال : فإن حدث بالرجل جنة يعقل معها
أوقات الصلاة لم يكن لها اختيار ، وإن لم يعقل أوقات الصلاة كان لها الخيار ، فإن
اختارت فراقه كان على وليه أن يطلقها ، وكذا قال ابن البراج في المهذب وابن زهرة
وابن إدريس لم يذكرا الطلاق.
قال في المختلف : والوجه أنه لا يفتقر الى طلاق ، سواء
تجدد بعد الدخول أو قبله كغيره من العيوب ، انتهى.
أقول : أنت خبير بأن الروايتين الواردتين في المسألة لا
دلالة فيهما على الطلاق بوجه ، بل ظاهر رواية علي بن أبي حمزة وقوله فيها «لها أن
تنزع نفسها منه إن شاءت» إنما هو الفسخ خاصة وأن الاختيار لها ، فأيهما اختارت مضى
، وعبارة كتاب الفقه وإن كانت مجملة إلا أن الظاهر حملها على هذه الرواية لصراحتها
في الفسخ ، وبالجملة فالظاهر ضعف القول المذكور.
(ومنها الخصاء) وهو بكسر الخاء المعجمة : المرسل
الأنثيين ، قاله الجوهري ، وفي كتاب المصباح المنير للفيومي : خصيت العبد وأخصيته
خصاء بالكسر والمد سللت خصيته ، فهو فعيل بمعنى مفعول ، قيل : والحق به الوجاء ،
وهو رض الخصيتين بحيث تبطل قوتهما.
وفي القاموس : أنه بمعنى الخصاء.
وقال في المسالك : والوجاء بالكسر والمد أيضا هو رض
الخصيتين بحيث تبطل قوتهما ، قيل : إنه من أفراد الخصاء ، فيتناوله لفظه ، انتهى.
وعد الخصاء من عيوب الرجل هو المشهور بين الأصحاب ، ويدل
عليه
جملة من الأخبار.
منها ما رواه المشايخ الثلاثة (1) في الموثق عن
عبد الله بن بكير عن أبيه عن أحدهما عليهماالسلام «في خصي دلس
نفسه لامرأة مسلمة فتزوجها ، قال : فقال : يفرق بينهما إن شاءت المرأة ، ويوجع
رأسه ، وإن رضيت به وأقامت معه لم يكن لها بعد رضاها به إن تأباه».
وما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن سماعة في
الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام «أن خصيا دلس
نفسه لامرأة ، قال : يفرق بينهما وتأخذ المرأة منه صداقها ، ويوجع ظهره كما دلس
نفسه».
وما رواه في التهذيب (3) عن عبد الله بن مسكان في الصحيح قال
: «بعثت بمسألة مع ابن أعين قلت : سله عن خصي دلس نفسه لامرأة ودخل بها فوجدته
خصيا ، قال : يفرق بينهما ويوجع ظهره ويكون لها المهر بدخوله عليها».
وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (4) عن علي بن
جعفر عن أخيه عليهالسلام قال : «سألته
عن خصي دلس نفسه لامرأة ، ما عليه؟ قال : يوجع ظهره ويفرق بينهما وعليه المهر
كاملا إن دخل بها وإن لم يدخل بها فعليه نصف المهر».
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (5) «وإن تزوجها
خصي فدلس نفسه لها وهي لا تعلم فرق بينهما ، ويوجع ظهره كما دلس نفسه ، وعليه نصف
الصداق ولا عدة عليها منه ، فإن رضيت بذلك لم يفرق بينهما ، وليس لها الخيار بعد
ذلك».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 410 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 432 ح 31 ، الفقيه ج
3 ص 298 ح 59 وفيه اختلاف يسير ، الوسائل ج 14 ص 608 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 411 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 432 ح 32 ، الوسائل
ج 14 ص 608 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 432 ح 33 ، الوسائل ج 14 ص 608 ح 3.
(4) قرب الاسناد ص 108 ، الوسائل ج 14 ص 609 ح 5.
(5) فقه الرضا ص 237 ، الطبعة الأولى سنة 1406 ه ، وفيه «لم
يفرق ما بينهما».
وبهذه العبارة بعينها أفتى الشيخ علي
بن بابويه في الرسالة على ما نقله عنه في المختلف (1).
وما رواه الكشي في كتاب الرجال عن ابن مسكان (2) «أنه كتب إلى
الصادق عليهالسلام مع إبراهيم بن
ميمون يسأله عن خصي دلس نفسه على امرأة ، قال : يفرق بينهما ويوجع ظهره».
ونقل عن الشيخ في الخلاف والمبسوط أن الخصاء ليس بعيب ،
محتجا بأن الخصي يولج ويبالغ أكثر من الفحل ، وإنما لا ينزل وعدم الانزال ليس
بعيب.
والعجب منه مع ورود هذه الأخبار ونقله لجملة منها في كتب
الأخبار كيف يطرحها في معارضة هذا التعليل ويرجحه عليها. وبالجملة فإن الحكم بعد
ورود هذه الأخبار مما لا ريب فيه.
بقي الكلام في الوجاء فإن ثبت أنه داخل تحت الخصاء ،
وإلا فالتمسك بأصالة صحة العقد أقوى مستند في المقام ، وبما ذكرناه أيضا صرح السيد
السند في شرح النافع.
(ومنها العنن) وقد عرفه المحقق في الشرائع بأنه مرض تضعف
معه القوة عن نشر العضو بحيث يعجز عن الإيلاج.
قال في المسالك : والاسم العنة بالضم ، ويقال للرجل إذا
كان كذلك : عنين كسكين.
__________________
(1) قال في المختلف : وقال على بن بابويه «وان تزوجها خصى قد
دلس نفسه لها وهي لا تعلم فرق بينهما ويوجع ظهره كما دلس نفسه ، وعليه نصف الصداق
ولا عدة عليها منه» وكذا قال الصدوق في المقنع.
أقول
: وهذه العبارة عين عبارة كتاب الفقه المذكورة في الأصل ، وبه يعلم صحة ما كررناه
في غير مقام من اعتماد الصدوقين على هذا الكتاب والإفتاء بعبارته.
(منه
ـ قدسسره ـ).
(2) رجال الكشي ص 243 ، الوسائل ج 14 ص 609 ح 7.
أقول : قال في القاموس : العنين كسكين من لا يأتي النساء
عجزا ، ولا يريدهن.
وقال في كتاب مصباح المنير : رجل عنين لا يقدر على إتيان
النساء ، ولا يشتهي النساء ، وظاهره أنه لا بد في تحقق العنن من أمرين : أحدهما
العجز عن إتيانهن لضعف العضو وعدم قدرته عن الانتشار ، وثانيهما عدم إرادة القلبية
بالكلية ، وظاهر كلام الفقهاء إنما هو الأول خاصة كما عرفت من كلام المحقق.
وكيف كان فإنه قد أجمع الأصحاب على أنه من العيوب
الموجبة لتسلط المرأة على الفسخ ، وعليه تدل جملة من الأخبار.
منها ما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليهالسلام قال : «العنين
يتربص به سنة ، ثم إن شاءت امرأته تزوجت وإن شاءت أقامت».
وما رواه المشايخ الثلاثة (2) عن عباد الضبي
وفي الفقيه والتهذيبين غياث مكان عباد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام «قال في العنين
: إذا علم أنه عنين لا يأتي النساء فرق بينهما ، فإذا وقع عليها وقعة واحدة لم
يفرق بينهما والرجل لا يرد من عيب».
وما رواه في الكافي (3) عن أبي بصير في الصحيح ، وهو المرادي
بقرينة ابن مسكان عنه قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة
ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع ، أتفارقه؟ قال : نعم إن شاءت ، قال ابن مسكان :
وفي حديث آخر تنتظر سنة ، فإن أتاها وإلا فارقته ، فإن أحبت أن تقيم معه فلتقم».
وما رواه في الكافي والفقيه (4) عن السكوني عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 431 ح 27 ، الوسائل ج 14 ص 611 ح 5.
(2) الكافي ج 5 ص 410 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 430 ح 25 ، الفقيه ج
3 ص 357 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 610 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 411 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 610 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 412 ح 10 ، التهذيب ج 7 ص 430 ح 23 ، الفقيه
ج 3 ص 358 ح 6 ، الوسائل ج 14 ص 611 ح 4.
أمير المؤمنين عليهالسلام من أتى امرأته
مرة واحدة ثم أخذ عنها فلا خيار لها». قال في الفقيه : وفي خبر آخر «أنه متى أقامت
المرأة مع زوجها بعد ما علمت أنه عنين ورضيت به لم يكن لها خيار بعد الرضا».
وما رواه في التهذيب (1) عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام «أن عليا عليهالسلام كان يقول :
إذا تزوج الرجل امرأة فوقع عليها مرة ثم أعرض عنها فليس لها الخيار لتصبر فقد
ابتليت».
وعن أبي الصباح الكناني (2) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة
ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا ، أتفارقه؟ قال : نعم إن شاءت».
وعن الكناني (3) بهذا الاسناد قال : «إذا تزوج الرجل
المرأة وهو لا يقدر على النساء أجل سنة حتى يعالج نفسه».
وعن أبي البختري (4) عن أبي جعفر عليهالسلام عن أبيه عليهالسلام «أن عليا عليهالسلام كان يقول :
يؤخر العنين سنة من يوم ترافعه امرأته ، فإن خلص إليها ، وإلا فرق بينهما ، فإن
رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد سقط الخيار ولا خيار لها».
وما رواه في كتاب قرب الاسناد (5) عن الحسين بن
علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهالسلام عن علي عليهالسلام «أنه كان يقضي
في العنين أنه يؤجل سنة من يوم مرافعة المرأة».
وعن عبد الله بن الحسن (6) عن علي بن
جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن عنين دلس نفسه لامرأة ، ما حاله؟ قال : عليه المهر ، ويفرق
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 430 ح 26 ، الوسائل ج 14 ص 612 ح 8.
(2) التهذيب ج 7 ص 431 ح 28 ، الوسائل ج 14 ص 611 ح 6.
(3 و 4) التهذيب ج 7 ص 431 ح 29 و 30، الوسائل ج 14 ص 611 ح 7 و
9.
(5) قرب الاسناد ص 50 ، الوسائل ج 14 ص 612 ح 9.
(6) قرب الاسناد ص 108 ، الوسائل ج 14 ص 612 ح 12.
بينهما إذا علم أنه لا يأتي النساء».
وفي كتاب الفقه الرضوي (1) قال عليهالسلام «فإن تزوجها
عنين وهي لا تعلم ، فإن علم أن فيه علة تصبر عليه حتى يعالج نفسه سنة ، فإن صلح
فهي امرأته على النكاح الأول ، وإن لم يصلح فرق بينهما ، ولها نصف الصداق ، ولا
عدة عليها منه ، فإن رضيت بذلك لا يفرق بينهما ، وليس لها خيار بعد ذلك».
أقول : ويفهم من هذه الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض بحمل
مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها أمور :
الأول : إنه يجب تأجيله سنة بعد ظهور العنن ، وأن مبدأ
ذلك من وقت المرافعة إلى الحاكم الذي وقعت النزاع والدعوى بينهما ، وقد نقل الشهيد
الثاني وقبله المحقق الشيخ علي الاتفاق على وجوب التأجيل سنة ، مع أن العلامة في
المختلف نقل عن ابن الجنيد أنه إن كانت العنة متقدمة على العقد جاز للمرأة الفسخ
في الحال ، وإن كانت حادثة بعد العقد أجل سنة من حين الترافع.
واحتج له في المختلف برواية الضبي ورواية أبي الصباح
الكناني ، والجواب عنهما بما ذكرناه من تقييد إطلاقهما بالأخبار الدالة على
التأجيل ، وحمل المطلق على المقيد.
وأجاب العلامة عنهم في المختلف بأن العلم إنما يحصل بعد
السنة ، قال : ولو قدر حصوله قبلها فالأقوى ما قاله ابن الجنيد.
أقول : الظاهر من الأخبار أن التأجيل سنة ليس لأن العلم
به لا يحصل إلا بعد السنة كما ذكره ، بل إنما هو لاحتمال زواله بالمعالجة ونحوها
وإلا فهو قد ثبت بأحد الأمور الآتية في ثبوته من العجز عن وطئ النساء ، أو القيام
في الماء البارد ونحوهما مما سيأتي ، ولكن الشارع لأجل التوسعة عليه ضرب له هذه
المدة للمعالجة كما تضمنه خبر الكناني الثاني ، وسيأتي إن شاء الله ما يدل
__________________
(1) فقه الرضا ص 237 ، الطبعة الأولى سنة 1406 ه ، وفيه
اختلاف يسير.
على ما ذكرناه.
الثاني : إنه له تجدد بعد وطئها ولو مرة واحدة فإنه لا
فسخ لها ، فلتصبر فإنها قد ابتليت ، وهو أشهر القولين بين الأصحاب ، وذهب الشيخ
المفيد وجماعة إلى أن لها الفسخ أيضا للاشتراك في الضرر الحاصل باليأس من الوطي ،
وفيه طرح للأخبار المصرحة بالصبر لها وأنها قد ابتليت كرواية إسحاق بن عمار ،
ورواية الضبي ورواية السكوني.
وظاهره في المسالك الميل إلى القول الثاني لضعف الأخبار
المذكورة ، لأن الجمع بين الأخبار بحمل المطلق على المقيد فرع تحقق المعارضة ،
وهذه الأخبار تقصر عن معارضة الأخبار المطلقة التي فيها الصحيح كصحيحة محمد بن
مسلم ، قال : وتوقف في المختلف وله وجه ، انتهى.
أقول : وسيأتي تتمة الكلام في هذا المقام في المطلب
الآتي في أحكام العيوب إن شاء الله تعالى.
الثالث : لو رضيت من المرأة بالزوج بعد العلم بالعنن
فإنه لا خيار لها ، والظاهر أنه لا خلاف فيه.
الرابع : الظاهر من الأخبار المتقدمة أن العنن الموجب
للفسخ هو عدم إمكان إتيانه النساء ، سواء كانت هي أو غيرها ، فلو عجز عنها مع
إمكان إتيانه غيرها لم يسم عنينا ، فإن قوله في رواية الضبي «إذا علم أنه لا يأتي
النساء ، فرق بينهما». وقوله في رواية أبي بصير «ابتلى زوجها فلم يقدر على الجماع».
ظاهر فيما قلناه ، ونحوهما غيرهما.
ويظهر من عبارة الشيخ المفيد المتقدمة أن المعتبر في صدق
العنن وعدمه إنما هو بالنسبة إلى الزوجة ، ولا عبرة بغيرها ، حيث قال : فإن وصل
إليها ولو مرة واحدة فهو أملك بها ، وإن لم يصل إليها في السنة كان لها الخيار ،
ومفهومه
أنه لو لم يصل إليها وإن وصل إلى
غيرها فإن لها الخيار ، وهو مشكل (1).
ويمكن حمل كلامه على التمثيل ، بمعنى أنه إن أمكنه
الوصول إلى من يريد نكاحها من تلك المرأة أو غيرها ، والتعبير بها إنما وقع من حيث
كونها هي الزوجة المراد الدخول بها.
والظاهر أنه لا وجه لهذا التقدير الذي بنى عليه الكلام
من إمكان زوال العنن بالنسبة إلى امرأته دون أخرى ، فإن العنن الذي هو عبارة عن
المرض المذكور إن وجد فإنه مانع مطلقا ، وإن زال فهو يقدر على الجماع مطلقا ،
والتعبير في الروايات إنما وقع بناء على ذلك ، فربما عبر بالنساء مطلقا ، وربما
عبر بالمرأة ، وهكذا من العبارات الخارجة مخرج التمثيل دون الخصوصية بفرد دون آخر.
الخامس : ما تضمنته رواية عبد الله بن الحسن المروية في
كتاب قرب الاسناد من وجوب المهر كملا ، وكلامه في كتاب الفقه الرضوي من التخصيص
بالنصف لا يخول من إشكال ، ومقتضى قواعد الأصحاب أنه إذا كان الفسخ من قبل المرأة
وكان قبل الدخول فإنه يسقط المهر ، إلا أنهم استثنوا العنن في هذا المقام ، فقالوا
: بأنه ينتصف المهر بالفسخ كما دل عليه كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي ، وعليه تدل أيضا صحيحة أبي حمزة (2) قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : إذا
تزوج الرجل المرأة الثيب التي قد تزوجت زوجا غيره ، فزعمت أنه لم يقربها منذ دخل
بها ـ إلى أن قال : ـ فعلى الامام أن يؤجله سنة ، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما
وأعطيت نصف الصداق ، ولا عدة عليها». وهذه الرواية هي مستند الأصحاب
__________________
(1) أقول : قد ذكرنا هذه المسألة أيضا في المطلب الثاني في
أحكام العيوب فليراجع. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) الكافي ج 5 ص 411 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 429 ح 20 ، الوسائل
ج 14 ص 613 ح 1.
في تنصيف المهر في هذه الصورة ونحوها
كلامه عليهالسلام في كتاب
الفقه.
وأما رواية قرب الاسناد الدالة على إعطاء المهر كملا فلا
أعلم بها قائلا ، إلا أن المنقول عن ابن الجنيد أنه قال : إن المرأة إن اختارت
الفسخ بعد تمكينها إياه من نفسها وجب المهر وإن لم يولج ، ويمكن جعل هذه الرواية
مستندا له ، والعلامة في المختلف قد جعل كلام ابن الجنيد بناء على أصله من قوله
بوجوب المهر بالخلوة (1) ، مع أن هذه
الرواية كما ترى ظاهرة فيه.
(ومنها الجب) والمشهور بين الأصحاب على وجه لم ينقل فيه
أحد خلافا هو عد الجب من العيوب الموجبة للفسخ ، وإن تردد فيه المحقق في الشرائع ،
والظاهر أن وجهه عدم ورد نص فيه بخصوصه ، كغيره من العيوب المتقدمة ، وأن مقتضى
العقد لزوم النكاح ، وفسخه يتوقف على دليل شرعي ، وليس فليس ، ويمكن الاستدلال
عليه بفحوى ما دل على ثبوت الخيار بالخصاء والعنن بخلاف المجبوب الذي لم يبق له ما
يمكنه به الوطي بالكلية ، ويعضده إطلاق رواية أبي الصباح الكناني المتقدمة.
قال في المسالك : ويمكن إثباته من النصوص الدالة على حكم
الخصاء فإنه أقوى عيبا منه لقدرة الخصي على الجماع في الجملة ، بل قيل : إنه يصير
أقوى من
__________________
(1) قال العلامة في المختلف : المشهور أن العنين يجب عليه نصف
المهر مع فسخ المرأة النكاح ، وقد نص عليه الصدوق في المقنع وأبوه والشيخ في
النهاية وغيرهم ، وليس هنا فسخ من قبل الزوجة يستعقب شيئا من المهر سوى هذا ،
والأصل فيه اترافه على مخادمها وخلوته بها سنة ، وقال ابن الجنيد ـ رحمة الله عليه
ـ : إذا اختارت الفرقة بعد تمكينها إياه من نفسها وجب المهر وان لم يولج ، وهو
بناء على أصله من أن المهر يجب بالخلوة كما يجب بالدخول ، انتهى.
أقول
: قد عرفت أن مستند القول بالتنصيف انما هو صحيحة أبي حمزة ، وأما مذهب ابن الجنيد
فيمكن أن يكون مستند رواية قرب الاسناد. (منه ـ قدسسره ـ).
الفحل بواسطة عدم خروج المني منه ،
ومن ثم ذهب بعضهم إلى عدم كونه عيبا لذلك ، بخلاف المجبوب ، فإنه قد انتفى عنه
القدرة على الجماع رأسا لعدم الآلة ، وكذلك استفادته من العنن لمشاركته له في
المعنى وزيادة ، لأن العنن يمكن برؤه ، والمجبوب يستحيل ، ويمكن استفادته من عموم
الأخبار كقوله في رواية أبي الصباح (1) في امرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على
الجماع إلى آخره ، فإنه يشمل بإطلاقه المجبوب لأنه لا يقدر على الجماع مضافا الى
لزوم الضرر بالمرأة على تقدير عدم إثبات الخيار لها ، وهو منفي ، وحينئذ فالمذهب
كونه عيبا. انتهى وهو جيد.
ويؤكده أن الظاهر من جعل الشارع لها الخيار في المواضع
المتقدمة إنما هو لرفع الضرر عنها ، ولهذا لو رضيت سقط خيارها ، ولا ريب في حصول
الضرر في هذا الموضع ، بل هو أشد ضررا من غيره كما ذكره شيخنا المذكور ، فيكون
أولى بجعل الخيار لها فيه ، واشترط في الشرائع أن لا يبقى له ما يمكن معه الوطي
ولو قدر الحشفة ، وهو كذلك لأن الوطي يصدق بذلك المقدار ويترتب عليه أحكامه من
الغسل والمهر والحد ونحوها.
وبالجملة فالظاهر أنه عيب يثبت به الفسخ اتفاقا ، هذا
إذا كان ثابتا قبل العقد.
أما لو تجدد بعد العقد سواء كان قبل الوطي أو بعده ، فهل
يكون الحكم فيه كذلك أم لا ، قولان ، وقد اضطرب هنا كلام الشيخ والعلامة في كتبهما
، فذهب الشيخ في المبسوط وابن البراج وجماعة إلى ثبوت الخيار متى وجد.
واستدل عليه في المبسوط بالإجماع ، وعموم الأخبار ، مع
أنه في موضع آخر من الكتاب المذكور ، قال : وعندنا لا يرد الرجل من عيب يحدث به
إلا الجنون الذي لا يعقل معه أوقات الصلاة ، وقال المخالف : إذا حدث واحد من
الأربعة : الجنون والجذام والبرص والجب فلها الخيار ، وعندنا أنه لا خيار ، انتهى.
وهو مشعر بدعوى الإجماع عليه مع ادعائه الإجماع في
مقابله ، وهذا من
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 431 ح 28 ، الوسائل ج 14 ص 611 ح 6.
جملة ما اتفق له في غير موضع من دعوى
الإجماع على حكم ، ودعواه في موضع آخر على خلافه ، وكذلك ذهب في الخلاف إلى عدم
الخيار بالحادث ، وإليه ذهب ابن إدريس.
وأما العلامة فإنه في المختلف قوى جواز الفسخ بالجب
والخصاء والعنن ، وإن تجددت بعد الدخول ، وفي الإرشاد قطع بعدم ثبوته بالمتجدد
منها مطلقا ، وكذا في التحرير ، ثم في موضع آخر منه قرب جواز الفسخ بالمتجدد من
الجب بعد الوطي وإبقاء الخصاء على الحكم الأول من عدم الفسخ بالمتجدد منه بعد
العقد مطلقا ، وفي العنة جوز بالمتجدد بعد العقد وقبل الدخول خاصة.
وفي القواعد جزم بالجباء المتجدد منه بعد العقد وقبل
الوطي وتردد في المتجدد بعد الوطي وشرط في الخصاء سبقه على العقد ، ونسب الحكم في
المتجدد إلى قول ، مشعرا بتردده ، وفي العنة شرط عدم الوطي.
والتحقيق في هذا المقام أن يقال : إنك قد عرفت أنه ليس
في الأخبار ما يدل على حكم الجب بالكلية ، وإنما المرجع في حكمه إلى الأخبار
المتقدمة في تلك الأفراد بالتقريب المتقدم ، وقد عرفت أن الظاهر من تلك الأخبار
باعتبار ضم بعضها إلى بعض ، وحمل مطلقها على مقيدها ، ومجملها على مفصلها من غير
التفات إلى صحيح منها أو ضعيف هو أنه مع الدخول بها ولو مرة فلا فسخ ، والفسخ إنما
هو فيما عدا ذلك ، وحينئذ فيكون الحكم في الجب أيضا كذلك ، ويأتي على القول الآخر
المتقدم ذكره ثمة جواز الفسخ مطلقا ، ولعله من هنا نشأ هذا الخلاف في هذه الصورة
أيضا.
(ومنها) الجذام والبرص والعمى ، وذهب إليه ابن البراج في
المهذب ، وجعله مشتركا بين المرأة والرجل ، وقبله ابن الجنيد أيضا وزاد العرج
والزنا.
قال في المسالك : ودليلهما في غير الجذام والبرص غير
واضح ، أما فيهما ففي
غاية الجودة ، لصحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «يرد النكاح من
البرص والجذام والجنون والعفل». قال : وهو متناول بإطلاقه للرجل والمرأة ، ولأن
ثبوتهما عيبا في المرأة مع أن للرجل وسيلة إلى التخلص منها بالطلاق يوجب كونها
عيبا في الرجل بالنسبة إليها بطريق أولى ، لعدم قدرتها على التخلص لو لا الخيار ،
وحصول الضرر منه بالعدوى باتفاق الأطباء ـ إلى أن قال : ـ ويبقى الكلام في اعتبار
سبقه على العقد والاكتفاء بالمتجدد منه مطلقا أو قبل الدخول كما سبق في نظائره ،
بل العموم هنا أولى لإطلاق النص الصحيح المتناول لجميع الأقسام ، انتهى.
وفيه أن ما استند إليه هنا من النص المذكور قد تقدم
الجواب عنه وأن هذا النص ليس من محل البحث في شيء ، فإن مورد الخبر إنما هو عيوب
النساء كما تقدم ذلك مشروحا مبينا في مسألة الفسخ بالجنون ، ويؤيده ذكر العفل في
جملة تلك العيوب ، فإنه مخصوص بالمرأة ، ومن نظر إلى روايتي الكليني والصدوق
المشتملتين على السؤال عن عيوب المرأة ، وهو عليهالسلام قد أجابه بما
هو مذكور هنا علم أن الشيخ قد أسقط السؤال واقتصر على إيراد الجواب ، وهو معيب عند
المحدثين كما ذكره جملة من المحققين ، لعروض مثل هذا الاشتباه هنا ، فإن هذا الجواب
مبني على السؤال المذكور في صدر الخبر ، وإقطاعه عنه يوجب ما وقع فيه هذا المستدل
هنا ، وكيف كان فإنه لا أقل أن يكون ما ذكرناه مساويا لما قالوه للاحتمال ، وبه
يبطل الاستدلال.
وأما الوجه العقلي الذي ذكره فقد عرفت في غير موضع مما
تقدم أن هذه التعليلات العقلية لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، لاستفاضة الآيات
والروايات بالرجوع في الأحكام إلى الكتاب العزيز أو ما ورد عنهم عليهمالسلام.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 406 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 424 ح 4 ، الوسائل ج
14 ص 597 ح 5.
(ومنها) الزنا ، المشهور أنه ليس بعيب يرد به النكاح ،
وقال ابن الجنيد : الزنا قبل العقد وبعده يرد به النكاح ، فلو زنت المرأة قبل دخول
الرجل بها فرق بينهما ، وكذلك إن كان الزاني رجلا فلم ترض المرأة فرق بينهما ،
ووافقه الصدوق في المقنع في الزوجة ، فقال في الكتاب المذكور : إذا زنت المرأة قبل
دخول الرجل بها فرق بينهما ولا صداق لها ، لأن الحدث كان من قبلها ، لقول على عليهالسلام (1) «إذا زنت قبل
أن يدخل بها زوجها؟ قال : يفرق بينهما ولا صداق لها ، لأن الحدث كان من قبلها».
أقول : لا ريب أن ما ذكره الصدوق وابن الجنيد هنا قد دل
عليه جملة من الأخبار المتقدمة في الإلحاق الذي بعد المقام الثاني في الزنا من
المطلب الثالث فيما يحرم بالمصاهرة ، إلا أنه قد دلت صحيحة رفاعة المذكورة ثمة على
خلاف ما دلت عليه تلك الروايات ، وبهذه الصحيحة أفتى الصدوق في علل الشرائع (2) مع أنه قد
أفتى في المقنع كما عرفت بالأخبار الدالة على الفسخ ، وهو غريب منه.
وبالجملة فإن ظاهر الأصحاب الاعراض عن تلك الروايات وعدم
العمل بها ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام في مواضع ، منها في المسألة
الخامسة من من مسائل لواحق المذكورة في آخر الفصل الثاني فليراجع ذلك من أحب.
(ومنها) ما لو ظهر كون الزوج خنثى (3) قيل : لها
الفسخ ، وهو قول الشيخ في المبسوط في موضعين منه ، قال في أحدهما : ولو أصابته
خنثى وقد ثبت أنه رجل فهل لها الخيار؟ على قولين : أحدهما أن لها الخيار وهو
الأقوى ،
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 566 ح 45 ، التهذيب ج 7 ص 490 ح 176 ، الفقيه
ج 3 ص 263 ح 38 ، الوسائل ج 14 ص 601 ح 3.
(2) الكافي ج 7 ص 179 ح 7 ، علل الشرائع ص 502 ط النجف الأشرف
، الوسائل ج 18 ص 359 ح 8.
(3) أي المرأة وجدت الزوج خنثى. (منه ـ قدسسره ـ).
وفي موضع ثالث أنه ليس بعيب وإنما هو
بمنزلة الإصبع الزائدة ، وهذا هو الأقوى ، وكذا لو ظهرت المرأة خنثى ، لأن الزائد
فيها كالإصبع الزائدة.
أقول : والأظهر أن يقال ، بالنسبة إلى الرجل كالثقبة
الزائدة ، لا كالإصبع كما ذكره ، وإنما التشبيه بالإصبع لمن حكم بكونها امرأة.
قال في المسالك : وموضع الخلاف ما إذا كان محكوما له
بالذكورية ، أو الأنوثية ، أما لو كان مشكلا تبين فساد النكاح ، وبذلك صرح الشيخ
في المبسوط بأنه صرح بكون الخلاف في الخنثى الواضح ، لأنه قال في الموضعين المشار
إليهما آنفا : لو بان خنثى وحكم بأنه ذكر هل لها الخيار أم لا؟ واختار العلامة في
المختلف عدم الخيار لما ذكره الشيخ من التعليل بأن هذه الزيادة كالإصبع الزائدة ،
قال : ولا وجه للخيار مع إمكان الوطي وثبوت الرجولية ، وقال في المسالك :ووجه
الخيار مع وضوحه (1) وجود النفرة
منه ، وكون العلامات ظنية لا تدفع الشبهة ، والانحراف الطبيعي.
أقول : وبمقتضى هذا التقرير أنه لو ظهر كون الزوج امرأة
والزوجة رجلا بالعلامات التي يستعلم بها الواضح بطل العقد ، وكذا لو ظهر كونه خنثى
مشكلا بطل أيضا ، ولم أقف في هذه المسألة على نص يدل على ما ذكروه من ثبوت الخيار
للمرأة لو ظهر كون زوجها خنثى وقد حكم بكونه رجلا شرعا ، وللرجل لو ظهر كون زوجته خنثى
قد حكم شرعا بكونها امرأة ، إلا أن حديث دينار الخصي (2) المشتمل على
عد الأضلاع ، وأن أمير المؤمنين عليهالسلام ألحق تلك
الخنثى بالرجل لما كانت أضلاعها مثل أضلاع الرجال ، يدل على بطلان النكاح لو ظهر
كون الخنثى
__________________
(1) قوله «مع وضوحه» يعنى فرض كونه خنثى واضحا لا خنثى مشكلا
فإنه مع كونه مشكلا يبطل النكاح. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) التهذيب ج 9 ص 354 ح 5 ، الفقيه ج 4 ص 239 ح 4 ، الوسائل ج
17 ص 575 ح 3.
التي كانت زوجة ـ رجلا ، ويأتي مثله
في الزوج إذا كان خنثى ، وظهر كونه امرأة بالعلامات المنصوبة من الشارع ، وهو مما
لا إشكال فيه كما صرح به الأصحاب ، وأما موضع البحث فلم أقف فيه على نص.
(ومنها) ما لو انتمى الرجل إلى قبيلة فزوجوه بناء على
ذلك ، فظهر خلاف ما ادعاه ، فهل للمرأة الخيار أم لا؟ قولان : وقد تقدم الكلام في
هذه المسألة في المسألة السادسة من مسائل لواحق العقد المذكورة في آخر الفصل
الثاني ، فلا حاجة الى إعادته.
المقام الثاني : في عيوب
المرأة ، وهي على
المشهور في كلامهم سبعة : الجنون والجذام والبرص والقرن والإفضاء والعمى والإقعاد
، وفي العرج أقوال ، يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى ، وعد الصدوق في المقنع من عيوب
المرأة الموجبة للفسخ ما إذا زنت المرأة قبل دخول الزوج بها ، وعد ابن الجنيد مطلق
الزنا من الرجل والمرأة قبل العقد وبعده ، وعد ابن الجنيد مطلق الزنا من الرجل
والمرأة قبل العقد وبعده ، وعد المفيد وجماعة المحدودة في الزنا ، بل الظاهر أنه
المشهور بين المتقدمين على ما نقله في المسالك ، والمشهور بين المتأخرين عدم عد
ذلك ، والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من الأخبار المتعلقة بالمقام ، ثم الكلام
فيها بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر عليهمالسلام.
الأول : ما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو
الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل تزوج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ، ولم يبين وله ، قال : يرد النكاح من
البرص والجذام والجنون والعقل».
الثاني : ما رواه الشيخ والصدوق (2) في الصحيح أو
الحسن عن الحلبي عن
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 406 ح 6 ، الوسائل ج 14 ص 593 ح 6.
(2) التهذيب ج 7 ص 426 ح 12 ، الفقيه ج 3 ص 273 ح 4 ، الوسائل
ج 14 ص 593 ح 6 وص 597 ح 5.
أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال في
رجل تزوج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ، ولم يبينوا له ، قال : لا تردد ، إنما يرد
النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل ، قلت : أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع
بمهرها؟ قال : لها المهر بما استحل من فرجها ، ويغرم وليها الذي أنكحها مثل ما ساق
إليها».
الثالث : ما رواه الشيخ في التهذيب (1) عن الحلبي عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إنما
يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل».
الرابع : ما رواه عن زيد الشحام (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «ترد
البرصاء والمجنونة والمجذومة ، قلت : العوراء؟ قال : لا».
الخامس : ما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن رفاعة قال
: «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المحدود
والمحدودة هل ترد من النكاح؟ قال : لا ، قال رفاعة : وسألته عن البرصاء؟ قال : قضى
أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة
زوجها وليها وهي برصاء أن لها المهر بما استحل من فرجها ، وأن المهر على الذي
زوجها ، وإنما صار المهر عليه لأنه دلسها ، ولو أن رجلا تزوج امرأة وزوجها رجل لا
يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شيء وكان المهر يأخذه منها» (4).
السادس : عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (5) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «قال في
الرجل إذا.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 424 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 594 ح 10.
(2) الكافي ج 5 ص 406 ح 8 ، التهذيب ج 7 ص 424 ح 6 ، الوسائل ج
14 ص 594 ح 11.
(3) الكافي ج 5 ص 407 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 424 ح 8 ، الوسائل ج
14 ص 600 ح 2.
(4) أقول وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر الرواية من كتاب
البزنطي عن الحلبي «قال : سألت أبا عبد الله ـ عليهالسلام ـ عن البرصاء ، قال : قضى أمير
المؤمنين ـ عليهالسلام ـ في امرأة زوجها وليها». الحديث كما
في الأصل. (منه ـ قدسسره ـ).
(5) الكافي ج 5 ص 407 ح 12 ، التهذيب ج 7 ص 427 ح 13 ، الوسائل
ج 14 ص 598 ح 2.
تزوج المرأة فوجد بها قرنا وهو العفل
أو بياضا أو جذاما أنه يردها ما لم يدخل بها».
السابع : عن الحذاء (1) في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام «في رجل تزوج
امرأة من وليها فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها ، قال : فقال : إذا دلست العفلاء
نفسها والبرصاء والمجنونة والمفضاة وما كان بها من زمانة ظاهرة ، فإنها ترد على
أهلها من غير طلاق ، ويأخذ الزوج المهر من وليها الذي كان دلسها ، فإن لم يكن
وليها علم بشيء من ذلك فلا شيء عليه ، وترد إلى أهلها ، قال : وإن أصاب الزوج
شيئا مما أخذت منه فهو له ، وإن لم يصب شيئا فلا شيء له ، قال : وتعتد منه عدة
المطلقة إن كان قد دخل بها ، وإن لم يكن دخل بها فلا عدة ولا مهر».
الثامن : ما رواه في الكافي (2) عن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المرأة
ترد من أربعة أشياء من البرص والجذام والجنون والقرن وهو العفل ما لم يقع عليها
فإذا وقع عليها فلا».
التاسع : ما رواه في الكافي والفقيه (3) عن الحسن بن
صالح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج
امرأة فوجد بها قرنا ، قال : هذه لا تحبل وينقبض زوجها عن مجامعتها ترد على أهلها
، قلت : فإن كان دخل بها؟ قال : إن كان علم بها قبل أن يجامعها ثم جامعها فقد رضي
بها ، وإن لم يعلم بها إلا بعد ما جامعها ، فإن شاء بعد أمسكها ، وإن شاء سرحها
إلى أهلها ، ولها ما أخذت منه بما استحل من فرجها».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 408 ح 14 ، التهذيب ج 7 ص 425 ح 10 ، الوسائل
ج 14 ص 596 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 409 ح 16 ، التهذيب ج 7 ص 427 ح 14 ، الوسائل
ج 14 ص 592 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 409 ح 17 ، الفقيه ج 3 ص 274 ح 5 ، الوسائل ج
14 ص 599 ح 3.
العاشر : ما رواه في الكافي (1) عن أبي الصباح
الكناني في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج
امرأة فوجد بها قرنا قال : هذه لا تحبل ولا يقدر زوجها على مجامعتها ، يردها على
أهلها صاغرة ولا مهر لها ، قلت : فإن كان دخل بها؟ قال إن كان علم بذلك قبل أن
ينكحها يعني المجامعة ثم جامعها فقد رضي بها ، وإن لم يعلم إلا بعد ما جامعها ،
فإن شاء بعد أمسك وإن شاء طلق».
الحادي عشر : ما رواه الشيخ (2) في الصحيح عن
داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل
يتزوج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء ، قال : ترد على وليها ، ويكون
لها المهر على وليها. فإن كان بها زمانة لا يراها الرجال أجيز شهادة النساء عليها».
الثاني عشر : ما رواه في التهذيب (3) عن محمد بن
مسلم في الموثق عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «ترد
البرصاء والعمياء والعرجاء». وزاد في الفقيه : الجذماء.
الثالث عشر : ما رواه في التهذيب (4) عن غياث بن
إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام «في رجل تزوج
امرأة فوجدها برصاء أو جذماء ، قال : إن كان لم يدخل بها ولم يبين له فإن شاء طلق
، وإن شاء أمسك ، ولا صداق لها وإذا دخل بها فهي امرأته».
الرابع عشر : ما رواه في التهذيب (5) عن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله قال : «سألت
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 409 ح 18 ، التهذيب ج 7 ص 427 ح 15 ، الوسائل
ج 14 ص 598 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 424 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 594 ح 9.
(3) التهذيب ج 7 ص 424 ح 7 ، الفقيه ج 3 ص 273 ح 3 ، الوسائل ج
14 ص 594 ح 7 و 12.
(4) التهذيب ج 7 ص 426 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص 595 ح 14.
(5) الكافي ج 5 ص 355 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 425 ح 9 وص 448 ح 4 ،
الوسائل ج 14 ص 601 ح 4 ، وما في المصادر اختلاف يسير مع ما نقله ـ قدسسره.
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج
امرأة فعلم بعد ما تزوجها أنها قد كانت زنت ، قال : إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن
زوجها ، ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وإن شاء تركها ، قال : وترد المرأة من
العفل والبرص والجذام والجنون فأما ما سوى ذلك فلا».
الخامس عشر : ما رواه في التهذيب (1) عن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام «أنه قال : في
كتاب علي عليهالسلام : من تزوج
امرأة فيها عيب دلسته ولم تبين ذلك لزوجها فإنه يكون لها الصداق بما استحل من
فرجها ، ويكون الذي ساق الرجل إليها على الذي زوجها ولم يبين».
السادس عشر : ما ذكره الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (2) قال : «وإن
تزوج رجل بامرأة فوجدها قرناء أو عفلاء أو برصاء أو مجنونة ، إذا كان بها ظاهرا
كان له أن يردها على أهلها بغير طلاق ، ويرجع الزوج على وليها بما أصدقها إن كان
أعطاها شيئا ، فإن لم يكن أعطاها شيئا فلا شيء عليه».
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام هنا يقع في مواضع.
الأول : لا خلاف نصا
وفتوى في أن الجنون الذي هو عبارة عن فساد العقل من العيوب الموجبة للفسخ وإطلاق
النصوص يقتضي الفسخ به متى تحقق ، بأي سبب كان ، وعلى أي وجه كان دائما أو أدوارا
، عقل معه أوقات الصلوات أو لم يعقل ، وكذا إطلاق فتاوى الأصحاب على ما صرح به غير
واحد منهم ـ رضياللهعنهم ـ ، نعم يشترط
استقراره ، فلا عبرة بعروض زوال العقل وقتا ثم يعود ، لعدم صدق الجنون عرفا على من
كان كذلك.
وكذا الجذام متفق عليه نصا وفتوى ، إلا أنه لا يحكم به
إلا بعد تحققه بتناثر اللحم وسقوط بعض الأطراف كالأنف ، وذلك لأن الجذام بالفتح
بمعنى القطع ،
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 432 ح 34 ، الوسائل ج 14 ص 597 ح 7.
(2) فقه الرضا ص 237 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 602 ب 1 ح 8.
وإنما سمي مجذوما لذلك.
قال في كتاب المصباح المنير (1) ـ بعد أن ذكر
أن الجذام مصدر من باب ضرب بمعنى القطع ـ ما لفظه : ومنه يقال : جذم الإنسان
بالبناء للمفعول إذا أصابه الجذام ، لأنه يقطع اللحم ويسقطه وهو مجذوم ، انتهى.
وأما مع ظهور علاماته قبل أن يتحقق من ضيق النفس وبحة
الصوت وكمود العينين إلى حمرة ، ونحو ذلك ، فإنه يرجع فيه إلى أهل الخبرة من
الأطباء ، قالوا : ويشترط فيهم العدالة والتعدد والذكورة كغيرها من الشهادات أو
الشياع المتاخم للعلم ، وبدون ذلك يتمسك بأصالة لزوم العقد.
وكذا لا خلاف في البرص نصا وفتوى ، والذي ذكره جملة من
الأصحاب ، وبه صرح في القاموس (2) أنه بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد
مزاج. وقال المحقق في الشرائع هو البياض الذي يظهر على صفحة البدن لغلبة البلغم.
وقالوا في المسالك : والبرص مرض معروف يحدث في البدن
يغير لونه إلى السواد أو إلى البياض ، لأن سببه قد يكون غلبة السوداء فيحدث الأسود
، وقد يكون غلبة البلغم فيحدث الأبيض.
وقال في كتاب مجمع البحرين (3) : البرص لون
مختلط حمرة وبياضا أو غيرهما. ولا يحصل إلا من فساد المزاج وخلل في الطبيعة.
أقول : والمفهوم من دعاء أمير المؤمنين عليهالسلام على أنس لما
لم يشهد بخبر الغدير فدعا عليه ببياض لا تواريه العمامة ، أن البرص هو البياض.
وكيف كان فإنه لا يحكم به إلا بعد تحققه كالجذام.
قال في المسالك : فإنه يشتبه بالبهق في القسمين والسببين
، قال : والفرق
__________________
(1) المصباح المنير ص 130.
(2) القاموس المحيط ج 2 ص 295.
(3) مجمع البحرين ج 4 ص 163.
بينهما أن البرص يكون غائصا في الجلد
واللحم ، والبهق يكون في سطح الجلد خاصة ليس له غرز وقد يتميزان بأن يغرز فيه
الإبرة ، فإن خرج منه دم فهو بهق ، وإن خرج منه رطوبة بيضاء فهو برص ، انتهى.
وبالجملة فإنه مع اشتباه الحال يرجع فيه إلى أرباب
الخبرة بذلك حسبما تقدم في الجذام.
الثاني : قد دل الحديث
الأول على أن من جملة تلك العيوب العفل ، وكذا في الخبر الثاني والثالث والسابع
والرابع عشر ، وفي بعضها ذكر عوضه «القرن» كالخبر التاسع والعاشر والخامس عشر ،
وفي بعضها فسر أحدهما كما في الخبر السادس والثامن ، وبه يزول الاشكال من البين ،
وكلام أهل اللغة قد اختلف في الاتحاد والتغاير ، وباختلافه اختلف كلام الفقهاء
أيضا.
قال في كتاب المصباح المنير (1) : عفلت المرأة
عفلا من باب تعب إذا خرج من فرجها شيء يشبه أدرة الرجل فهي عفلاء وزان حمراء ،
والاسم العفلة مثل قصبة.
وقال ابن الأعرجي (2) : العفل لحم ينبت في قبل المرأة وهو
القرن ، قالوا : ولا يكون العفل في البكر ، وإنما يصيب المرأة بعد الولادة ، وقيل
: هي المتلاحمة أيضا ، وقيل هو ورم يكون بين مسلكي المرأة فيقبض فرجها حتى يمنع
الإيلاج ، انتهى. وقال في مادة قرن : والقرن مثل فلس أيضا العفلة ، وهو لحم ينبت
في الفرج في مدخل الذكر كالغدة الغليظة ، وقد يكون عظما ، ثم نقل عن الأصمعي أنه
سمي قرنا لأنه اقترن مع الذكر خارج الفرج ، انتهى.
وقال في القاموس (3) : العفل والعفلة متحركتين شيء يخرج
من قبل النساء وحياء الناقة كالأدرة للرجال ولم يذكر القرن.
__________________
(1) لم نعثر عليه في المصباح المنير.
(2) تاج العروس ج 8 ص 24.
(3) القاموس المحيط ج 4 ص 18.
وقال في النهاية الأثيرية (1) : القرن بسكون
الراء شيء يكون في فرج المرأة كالسن يمنع من الوطي يقال له العفل.
وقريب منه قال الجوهري (2) ، إلا أنه قال
في موضع آخر : العفل شيء يخرج من قبل النساء وحياء الناقة شبيه بالأدرة التي
للرجل.
ونقل عن ابن دريد في الجمهرة (3) أن القرناء هي
المرأة التي يخرج قرنة من رحمها ، قال : والاسم القرن وضبطه محركا مفتوحا ، وقال
في العفل : إنه غلظ في الرحم.
أقول : وكلام أكثرهم يدل على اتحاد العفل والقرن ، ولكنه
مختلف في أنه هل هو عبارة عن شيء يخرج من قبل المرأة إلى خارج القبل ، ويكون
كالأدرة للرجال ، والأدرة على ما ذكروه وزان غرفة انتفاخ الخصيتين ، أو أنه عبارة
عن عظم كالسن يكون في باطن القبل يمنع من الوطي أو أنه لحم ينبت في باطن القبل ،
وعلى كل تقدير فإن النصوص قد دلت على أنه عيب يجوز الفسخ به ، فبأي معنى كان من
هذه المعاني فإن الفسخ به جائز ، لدوران الحكم مدار هذا الاسم بأي معنى كان ،
والظاهر من جملة من الأخبار المتقدمة هو أنه لا يمنع الجماع وإن كان يعسر كالخبر
الثاني لقوله «أرأيت إن كان قد دخل بها» إلى أن قال «لها المهر بما استحل من فرجها»
مع عده العفل في جملة تلك العيوب وكذا مفهوم الخبر السادس لقوله «يردها ما لم يدخل
بها» وصريح الخبر الثامن ، وكذا التاسع ، وعدم الرد مع الدخول بها محمول على
الدخول مع العلم بالعيب ، فإنه دال على الرضاء بها فليس له الفسخ حينئذ كما صرح به
في الخبر التاسع ونحوه الخبر العاشر.
__________________
(1) النهاية الأثيرية ج 4 ص 54.
(2) الصحاح ج 5 ص 769.
(3) جمهرة اللغة ج 2 ص 408.
وهذه الأخبار كلها دالة على إمكان المجامعة مع عده عيبا
يفسخ به ، والأصحاب قد اختلفوا في ذلك بعد اتفاقهم على أن المانع عيب يتخير في
الفسخ به.
فالمشهور وهو الذي قطع به الشيخ عدم الخيار به لعدم
المقتضي له ، فإن الخيار إنما نشأ من حيث المنع من الوطي الذي هو أهم المطالب من
التزويج ، وظاهر المحقق في الشرائع الميل إلى ثبوت الخيار به ، وقوفا على ظاهر
النصوص الدالة على عده عيبا أعم من أن يمكن معه الوطي أم لا ، ولم أقف على قائل
صريح بذلك ، وعبارة المحقق بقوله «ولو قيل بالفسخ» تشعر بأنه لا قائل بذلك.
قال في المسالك : وهذا القول قوي إن لم يكن الإجماع على
خلافه إذ لا يظهر به قائل صريحا كما يظهر من عبارة المصنف ، انتهى.
أقول : العجب منهم ـ رحمة الله عليهم ـ في استنادهم في
الخيار إلى إطلاق الأخبار مع أن ما ذكرنا من الأخبار مع كثرتها مطابقة الدلالة على
إمكان النكاح معه مع عده عيبا يوجب الخيار.
وبالجملة فالظاهر من الأخبار هو ثبوت الخيار به ، وإن
أمكن الوطي ، وما ذكروه من التعليل العقلي بأن الخيار إنما نشأ من حيث المنع من
الوطي ممنوع ، فإنها علة مستنبطة لا دلالة في شيء من الأخبار عليها ، ولعل العلة
إنما هو نفرة الزوج من ذلك أو عدم الحبل أو عسر مجامعتها كما يشير إليه الخبر
التاسع والعاشر ، وكيف كان فإن هذا التعليل في مقابلة ما ذكرناه من الأخبار عليل
لا يلتفت إليه.
الثالث : أكثر الأخبار
المتقدمة خالية من عد العرج في جملة عيوب المرأة ، وإنما تضمنه الخبر الحادي عشر
والثاني عشر مع تضمن جملة منها الحصر في الأربعة المشهورة وهي : الجذام والبرص
والجنون والعفل ، ويؤكده قوله في الخبر الرابع عشر بعد عد الأربعة المذكورة «فأما
ما سوى ذلك فلا» ومن هنا اختلف كلمة الأصحاب في ذلك على أقوال عديدة :
(أحدها) عده مطلقا وهو قول الشيخين في الفقيه والتهذيب
والمقنعة وابن الجنيد وأبي الصلاح وأكثر الأصحاب للخبرين المذكورين.
و (ثانيها) ثبوته بشرط كونه بينا ، ذهب إليه العلامة في
المختلف والتحرير ، ونقله عن ابن إدريس ، واستدل عليه بالروايتين المذكورتين.
وأنت خبير بأنه لا دلالة فيهما على هذا القيد ، والعجب
أن العلامة نسب هذا القول إلى الشيخ في النهاية والتهذيب مع أن الشيخ لم يقيده
بذلك ، والمتبادر من لفظ البين ما كان ظاهرا في الحس وإن لم يبلغ حدا يمنع من
التردد إلا بمشقة كثيرة ، وهذا هو المتبادر من لفظ العرج ، وحينئذ فيرجع القولان
إلى قول وأحد ، وإن أريد هنا معنى آخر فلا أعرف له دليلا.
و (ثالثها) تقييده ببلوغ حد الإقعاد ، وهو قول المحقق في
الشرائع والعلامة في القواعد والإرشاد ، وأنت خبير بما فيه ، فإن هذا لا يسمى عرجا
لغة ولا عرفا.
قال في المسالك : وكأن الحامل لهم على هذا التقييد أمران
: أحدهما : استبعاد كون مطلق العرج عيبا موجبا للخيار خصوصا مع وقوع الخلاف فيه ،
وحصول الشك في خروج العقد من اللزوم إلى الجواز ، ومعارضة صحيحة الحلبي السابقة
الدالة على عدم الرد بغير ما ذكره فيها من العيوب.
والثاني : ورود كون الزمانة عيبا في صحيحة داود بن سرحان
، فإن ظاهرها أن الرد منوط بالزمانة عملا بمفهوم الشرط وكذا رواية أبي عبيدة
السالفة ، فيجب حمل المطلق على المقيد ، ثم قال : وفيه نظر ، لأن مفهوم الزمانة
أمر آخر غير المفهوم من العرج ، ومقتضى النصوص كون كل واحد منهما عيبا برأسه ،
وليس ذلك من باب المطلق والمقيد في شيء ، بل الظاهر أن الزمانة أمر خفي لا يطلع
عليه الرجال ، والعرج ليس كذلك ، وسيأتي النقل عن الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ أنه
جعلهما أمرين وأثبت الخيار بالزمانة دون العرج ، واستبعاد كون العرج عيبا مطلقا
غير مسموع بعد ورود النص الصحيح ، والشك في خروج
العقد من اللزوم منتف بعد ورود النص ،
وعمل أكثر الأصحاب. انتهى ، وهو جيد ، ومنه يعلم ضعف القول المذكور ، وأنه بمحل من
القصور.
و (رابعها) عدم عده عيبا مطلقا ، وهو الظاهر من كلام
الشيخ في المبسوط والخلاف حيث إنه لم يعده في عيوب المرأة ، وكذا ابن البراج في
المهذب ، وهو ظاهر الصدوق في المقنع حيث إنه لم يعده في عيوب المرأة ، وإنما نسبه
إلى الرواية ، فقال : واعلم أن النكاح لا يرد إلا من أربعة أشياء : من البرص
والجذام والجنون والعقل ، إلا أنه روي في الحديث أن العمياء والعرجاء ترد.
أقول : والمسألة عندي لا تخلو من الإشكال لدلالة الخبرين
المذكورين على عده من العيوب ، ومفهوم الحصر في تلك الأخبار الدال على العدم
المؤكد بقوله في بعضها «وأما ما سوى ذلك فلا».
فإن قيل : هنا أشياء آخر خارجة عن الأربعة المذكورة قد
وردت بها النصوص أيضا وقال بها جملة من الأصحاب ، قلنا : ما ذكرناه في العرج يجري فيها
أيضا.
وأما ما أجاب به في المسالك حيث نقل عن أصحاب هذا القول
الاحتجاج بأصالة لزوم العقد ، وظاهر الحصر في صحيحة الحلبي في قوله عليهالسلام «إنما يرد
النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل». ثم قال : ولا يخفى ضعف الدليلين ، فإن
الأصل قد عدل عنه بما ثبت في النصوص الصحيحة من الخيار فيه ، وفي غيره من العيوب ،
والحصر في الرواية غير مراد ، لخروج كثير من العيوب عنها ، وإثبات الاختيار حينئذ
بدليل خارجي ليشاركه العرج فيه ، والكليني رواها عن الحلبي مجردة عن أداة الحصر
وهو أوضح ، انتهى.
ففيه أن الحصر ليس مخصوصا بالرواية التي ذكرها وهي
الرواية الثالثة ، بل هو موجود في الرواية الثانية أيضا ، وأظهر منها ما في
الرواية الرابعة عشر من قوله عليهالسلام بعد عد
الأربعة المذكورة «وأما ما سوى ذلك فلا» وحينئذ فكيف
لا يكون الحصر مرادا في تلك الأخبار
مع صراحة هذه الرواية في أنه لا ترد فيما سوى هذه الأربعة.
وبذلك يظهر لك بقاء الاشكال فيما ذكرناه بالنسبة إلى هذه
الأربعة وما زيد عليها من عرج وغيره ، فأن مقتضى هذه الروايات هو انحصار العيب في
هذه الأربعة ، ومقتضى ما ورد في غير هذه الأخبار موجودة في مواضع أخر.
وكيف كان فالظاهر ترجيح ما ذكره من العمل بالأخبار في كل
فرد فرد وردت به ، إلا أنه بعد لا يخلو من نوع توقف ، ولعل روايات أحد الطرفين
إنما خرجت مخرج التقية.
الرابع : قد تضمنت
الرواية السابعة عد الإفضاء في جملة عيوب المرأة ، وقد تقدم ذكر معناه ، وهو أحد
السبعة التي ذكرها الأصحاب كما تقدم ذكره ، وهو مما لا إشكال ولا خلاف فيه عندهم
فيما أعلم مع أنه زائد على الأربعة المتقدمة ، وتضمنت أيضا «من بها زمانة» وكذا
الرواية الحادية عشر.
والزمانة على ما ذكره في القاموس (1) العاهة ، وقال
في كتاب المصباح المنير (2) : زمن الشخص
زمنا وزمانة ، فهو زمن من باب تعب ، وهو مرض يدوم زمانا طويلا.
ولم يعده الأصحاب هنا من عيوب المرأة سوى الصدوق في
المقنع فإنه قال : من تزوج امرأة فوجدها قرناء أو عفلاء أو برصاء أو مجنونة أو كان
بها زمانة ظاهرة كان له أن يردها على أهلها بغير طلاق ، وإنما ذكر أكثرهم الإقعاد
، مع أنه لا وجود له في الأخبار ، إلا أن جملة ممن تأخر استدلوا له بصدق الزمانة
عليه ، فإنها بكل من التفسيرين المذكورين صادقة على المقعد ، ويؤيده أنه قد تقدم
دلالة الأخبار على عد العرج في العيوب ، والإقعاد أسوء حالا منه فيكون عيبا البتة.
__________________
(1) القاموس المحيط ج 4 ص 232.
(2) المصباح المنير ص 348.
وبالجملة فالأقرب عده بالتقريب المذكورة ، وقد تقدم أنه
أحد السبعة المشهورة في كلامهم.
الخامس : قد عدوا من
جملة السبعة المشهورة العمى أيضا ، ويدل عليه الخبر الحادي عشر والثاني عشر ،
وربما ظهر من كلام الشيخ في المبسوط أنه ليس بعيب ، فإنه عد عيوب المرأة ستة ، ثم
قال : وفي أصحابنا من ألحق بها العمى ، وكونها محدودة في الزنا ، والظاهر هو
المشهور لما عرفت من دلالة الخبرين المذكورين عليه.
السادس : قد عد بعضهم
الرتق من جملة العيوب الموجبة للخيار ، ونسبه المحقق في الشرائع إلى لفظ قيل مؤذنا
، بتمريضه لعدم وجوده في النصوص ، وإن كان الاعتبار بالنظر إلى ما تقدم في الأخبار
يساعده ، ولهذا قال في الشرائع : وربما كان صوابا إن منع الوطي أصلا ، لفوات
الاستمتاع.
والرتق على ما ذكره أهل اللغة : التحام الفرج على وجه لا
يمكن دخول الذكر فيه.
قال في كتاب المصباح المنير (1) : رتقت المرأة
رتقا من باب تعب فهي رتقاء ، إذا انسد مدخل الذكر من فرجها ولا يستطاع جماعها.
وفي القاموس (2) امرأة رتقاء : بينة الرتق لا يستطاع
جماعها ، أو لا خرق لها إلا المبال خاصة. ونحوه كلام الجوهري في الصحاح (3).
وفسره العلامة في القواعد بأنه عبارة عن كون الفرج
ملتحما بحيث لا يكون فيه مدخل للذكر ، وهذا هو الموافق لما ذكره أهل اللغة ، ولكنه
قال في السرائر : إن الرتق لحم ينبت في الفرج يمنع دخول الذكر ، وعلى هذا يكون
مرادفا للعفل بأحد معانيه المتقدمة.
__________________
(1) المصباح المنير ص 297.
(2) القاموس المحيط ج 3 ص 235.
(3) الصحاح ج 4 ص 1480.
والظاهر أنه إلى هذا أشار في المسالك بقوله : وذكر بعضهم
أن الرتق مرادف للقرن والعفل ، وأن الثلاثة بمعنى وأحد ، فعلى هذا يكون داخلا في
النص ، ثم إنه على تقدير تفسيره بالمعنى المشهور فإنه وإن كان لم يرد به نص بخصوصه
إلا أنه يمكن استفادة حكمه من الخبر التاسع والخبر العاشر ، وقوله فيهما «هذه لا
تحبل ولا يقدر زوجها على مجامعتها يردها على أهلها» فإنه بمنزلة التعليل لجواز
الرد بالنسبة إلى المسؤول عنه في الروايتين فيتعدى إلى كل موضع وجدت فيه العلة
المذكورة.
قال في المسالك : وما قيده به من كونه عيبا على تقدير
منعه الوطي أصلا هو المذهب ، لأنه حينئذ يصير أولى بالحكم من القرن والعفل اللذين
لا يوجبان انسداد المحل أصلا مع اشتراكهما في العلة الموجبة للفسخ وهو فوات
الاستمتاع ، فجرى مجرى فوات المنفعة فيما يطلب بالعقد منفعة. انتهى وهو جيد.
السابع : عد الشيخ
المفيد في عيوب النساء المحدودة في الفجور ، وبه قال سلار وابن البراج وابن الجنيد
وأبو الصلاح وقطب الدين الكيدري ، وعد الصدوق في المقنع المرأة إذا زنت قبل الدخول
بها فإنه يفرق بينهما ولا صداق لها ، لأن الحدث كان من قبلها.
وقال الشيخ في النهاية : المحدودة في الزنا لا ترد وكذلك
التي كانت قد زنت قبل العقد ، فليس للرجل ردها ، إلا أن يرجع على وليها بالمهر
وليس له فراقها إلا بالطلاق ، وقال ابن إدريس : الذي يقوى في نفسي أن المحدودة لا
ترد بل يرجع على وليها بالمهر إذا كان عالما بدخلة أمرها ، فإن أراد فراقها طلقها.
انتهى ، وهو يرجع إلى كلام الشيخ في النهاية وهو المشهور بين المتأخرين.
ونقل عن الشيخ المفيد أنه احتج باشتماله على العار فكان
موجبا للتسلط على الفسخ وبالرواية الرابعة عشر ، والظاهر أن بناء الاستدلال بها
على أن قوله
«إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها ،
ولها الصداق بما استحل من فرجها» وهو كناية عن المفارقة بقرينة المقابلة بقوله «وإن
شاء تركها» وحاصل الجواب أنه يتخير بين فراقها فيأخذ الصداق ممن زوجها ، وبين
إمساكها وتركها على حالها ، والشيخ قد أجاب عن هذه الرواية فقال : إن هذا لا ينافي
ما قدمناه من أنه ليس الرد بمجرد الفسق لأنه قال : إذا علم بها أنها كانت قد زنت
كان له الرجوع على وليها بالصداق ، ولم يقل أن له ردها ، ولا يمنع أن يكون له
استرجاع الصداق وإن لم يكن له رد العقد ، لأن بأحد الحكمين منفصل عن الآخر ، وظاهر
من تأخر عنه الجمود على هذا الجواب ، ولا يخفى ما فيه ، فإن ما ادعاه من إمساكها
مع أخذ الصداق مما لا يوافق أصولهم وقواعدهم ، وكأنه على هذا حمل قوله «وإن شاء
تركها» على ترك أخذ المهر وإلا فلا معنى لهذا الكلام على تقدير حمله المذكور.
وبالجملة فالظاهر من الرواية إنما هو التخيير بين فراقها
وإمساكها ، لكنه عبر عن فراقها بلازمه الذي هو استرجاع المهر ممن زوجها ولا معنى
لقوله «وإن شاء تركها» إلا على هذا الوجه ، على أنه قد اعترضه في المختلف في هذا
الجواب أيضا فقال : إذا ثبت هذا ففي إيجاب المهر على الولي مع عدم كونه عيبا كما
اختاره الشيخ وابن إدريس إشكال ، ينشأ من أن التضمين إنما هو باعتبار تدليس العيب
على الزوج ، فإن كان عيبا كان له الفسخ ، وإن لم يكن فلا ، وحاصله أن وجوب الضمان
إنما هو باعتبار تدليس العيب على الزوج ، فلو لم يكن عيبا فإنه لا ضمان ومتى كان
عيبا يوجب الضمان فإنه يوجب الفسخ أيضا.
وبالجملة فإنه لا معنى للرواية إلا ما ذكرناه على أنه قد
تقدم جملة من الأخبار الدالة على ما دل عليه هذا الخبر في الإلحاق الذي بعد المقام
الثاني في الزنا من المطلب الثالث فيما يحرم بالمصاهرة ، وتقدم ما يعارضها ،
والأصحاب قد
أعرضوا عن العمل بتلك الأخبار ،
لمعارضتها بما هو أكثر عددا وأقوى سندا كما تقدم تحقيقه في الموضع المذكور ، مع أن
هذه الرواية لا تنطبق على القول المذكور ، لأن موردها المحدودة في الزنا لا مطلق
الزانية ، والرواية إنما اشتملت على الثاني دون الأول ، والمنقول عن أصحاب القول
المذكور إنما هو التعليل العقلي ، وهو الأول ، والاستدلال لهم بالرواية إنما وقع
من العلامة في المختلف بناء على قاعدته من تكلف الأدلة لما ينقله من الأقوال.
قال شيخنا في المسالك ـ ونعم ما قال ـ : ومنها المحدودة
في الزنا ، ذهب أكثر قدماء الأصحاب إلى أنه يجوز للزوج فسخ نكاحها لأن ذلك من
الأمور الفاحشة التي يكرهها الأزواج ، ونفور النفوس منه أقوى من نحو العمى والعرج
، ولزوم العار العظيم به يقتضي كون تحمله ضررا عظيما ، وللرواية السابقة ، وفيها
مع قصور الدلالة عن جواز الرد ، عدم دلالتها على محل النزاع ، ومن ثم ذهب
المتأخرون إلى أن ذلك كله ليس بعيب يجوز الفسخ ، والطلاق بيد الزوج لجبر ما يشاء
من الضرر والمشقة بتحملها ، وللشيخ قول آخر بعدم الفسخ ، لكن يرجع الزوج بالمهر
على وليها العالم بحالها ، عملا بمدلول الرواية ، ورده في المختلف بأن الضمان إنما
هو باعتبار تدليس العيب على الزوج ، فإن كان عيبا أوجب الفسخ ، وإلا لم يجب المهر.
انتهى وهو جيد وجيه.
وبالجملة فإنه لا دليل على ما نقله الشيخ المفيد ومن
تبعه إلا هذا الوجه العقلي الاعتباري ، فإن الروايات خالية منه ، وما نقل عن
الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ من مطلق الزنا ، فقد تقدم الكلام فيه مشروحا في الموضع
المشار إليه آنفا.
المطلب الثاني : في أحكام العيوب ، وفيه مسائل :
الاولى : عيوب المرأة
المبيحة للفسخ إما أن تكون متقدمة على العقد أو أو متجددة بعده وقبل الدخول أو
متأخرة عن الدخول ، والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في الفسخ في المتقدم على العقد
، وعدم الفسخ في المتأخر عن الدخول.
أما الأول فلأنه مورد النصوص المتكاثرة المتقدمة.
وأما الثاني فإنه قال في المسالك : لا خيار في هذه
الصورة اتفاقا على ما يظهر من المصنف وغيره لجريان الدخول مجرى التصرف المانع من
الرد بالعيب ، وسبق لزوم العقد فيستصحب ، ولصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «المرأة
ترد من أربعة أشياء : من البرص والجذام والجنون والقرن ما لم يقع عليها ، فإذا وقع
عليها فلا». وهي شاملة بإطلاقها لوقوعه عليها قبل وجود العيب وبعده ، انتهى.
وربما ظهر من كلام الشيخ في المبسوط أن العيب الحادث بعد
الدخول يثبت به الفسخ كما نقله عنه في المسالك ، وبالجملة فالعمدة عندهم الاستدلال
على عدم الفسخ مع تأخر العيب عن الدخول هو الإجماع المدعى مع ظاهر إطلاق الخبر
المذكور.
أقول : والتمسك بأصالة لزوم العقد حتى يقوم دليل على
تطرق الفسخ إليه أقوى مستمسك في المقام ، ومحل الخلاف في هذا المقام إنما هو تجدد
العيب بعد العقد وقبل الدخول ، وفيه قولان :
(أحدهما) ثبوت الفسخ ، ذهب إليه الشيخ في المبسوط
والخلاف تمسكا بإطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على ثبوت الفسخ بهذه العيوب أعم من
أن تكون موجودة قبل العقد أو متجددة بعده.
و (ثانيهما) العدم ، واختاره ابن إدريس والمحقق في
الشرائع والعلامة في جملة من كتبه ، وهو المشهور بين المتأخرين ، محتجين بأن العقد
وقع لازما فيستصحب ، وبأن أمر النكاح مبني على الاحتياط فلا يتسلط على فسخه بأي
سبب كان ، وأجابوا عن الأخبار بأنها ليست صريحة في ذلك ، بل ربما ظهر من
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 409 ح 16 ، التهذيب ج 7 ص 427 ح 14 ، الفقيه
ج 3 ص 273 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 592 ح 1.
أكثرها تعلق الحكم بالموجود قبل العقد
فيجب التمسك فيما عداه بمقتضى العقد اللازم ، قال في المسالك : ولا بأس بهذا القول
وإن كان القول الآخر لا يخلو من قوة أيضا.
وظاهر سبطه في شرح النافع اختيار هذا القول حيث قال ـ بعد
الاحتجاج عليه بنحو ما ذكرنا ـ : وهذا أقوى.
أقول : لا يخفى أن أكثر الروايات المتقدمة المشتملة على
الأسئلة ظاهرة في تقدم العيب على العقد مثل قوله في الخبر الأول والثاني (1) قال : «سألته
عن رجل تزوج إلى قوم فإذا امرأته عوراء». فإنه ظاهر في تقدم العور على العقد ، لكن
لما لم يكن العور من العيوب ، قال عليهالسلام «لا ترد ولكن
ترد من البرص والجذام والجنون والعفل». بمعنى أنها ترد لو كانت المرأة المسؤول
عنها كذلك ، والمسؤول عنها كما عرفت من كان العور متقدما فيها على العقد ، وقوله
في الخبر الخامس «قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة
زوجها وليها وهي برصاء». وهو ظاهر في تقدم البرص على العقد ، وقوله في الخبر
السادس «في الرجل إذا تزوج المرأة فوجد بها قرنا». وهو أيضا ظاهر في التقدم ،
ومثله الخبر السابع بل هو أظهر باعتبار نسبة التدليس إلى المرأة أو الولي ،
والتدليس إنما يكون باعتبار العقد عليها وهي معيبة ، وإلا فلو عقد عليها وهي صحيحة
سالمة من العيب وإنما حدث العيب بعد العقد فإنه لا ينسب التدليس إليها ولا إلى
وليها وهو ظاهر ، وفيها دلالة بالمفهوم الشرطي ـ الذي هو حجة عند المحققين ـ على
أنه متى لم يحصل التدليس الذي هو كما عرفت عبارة عن تقدم العيب على العقد فإنها لا
ترد على أهلها ، وهو يصدق على من حدث بها العيب بعد العقد وقبل الدخول وأنها لا
ترد لعدم التدليس فيها الموجب للرد ، وهو بحمد الله سبحانه ظاهر ومثل ذلك الخبر
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 406 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 426 ح 12 ، الوسائل
ج 14 ص 593 ح 6.
التاسع والعاشر وقوله «تزوج امرأة
فوجد بها قرنا». وقوله في الخبر الحادي عشر «يتزوج المرأة فيؤتى بها عمياء أو
برصاء». ومثله الخبر الثالث عشر والخامس عشر.
وبالجملة فإن هذه الأخبار كما ترى ظاهرة في تقدم العيب
على العقد ، وما أجمل منها وهو الأقل يمكن حمله على ما دلت عليه هذه الأخبار من
التقدم ، وعلى هذا فتبقى أصالة لزوم العقد سالمة من المعارض ، وبه يظهر قوة القول
المشهور بين المتأخرين ، إلا أنه بعد لا يخلو من نوع توقف ، والمشهور في كتب
الأصحاب انحصار الخلاف في هذه المسألة في القولين المذكورين ، وربما يظهر من ابن
الجنيد هنا قول ثالث على ما نقله في المسالك ، وهو ثبوت الفسخ بالجنون المتجدد ،
وإن كان بعد الدخول كما تقدم في الرجل لأنه قال : ولو حدث ما يوجب الرد قبل العقد
بعد الدخول لم يفرق بينهما إلا الجنون فقط ، فجعل الجنون موجبا للخيار في كل من
الزوجين وإن حدث بعد الدخول ، لأنه كما تقدم نقله عنه آنفا شرك في العيوب التي
ذكرها بين الرجل والمرأة ، ومفهوم عبارته المذكورة أيضا ثبوت الخيار بباقي العيوب
لو حدث قبل الدخول كقول الشيخ ـ رحمة الله عليه.
المسألة الثانية : قد ذكر
الأصحاب لخيار الفسخ هنا أحكاما (منها) الفورية ، والمشهور في كلامهم من غير خلاف
يعرف أن الخيار المذكور هنا فوري للرجل كان أم للمرأة ، فلو علم من له الخيار ولم
يبادر بالفسخ لزم العقد ، وعلل مع ذلك بأن الغرض من الخيار دفع الضرر بالتسلط على
الفسخ ، وهو يحصل بذلك فيقتصر فيما خالف الأصل على مقدار ما يحصل به.
واعترف في المسالك بأنه ليس لهم نص في ذلك بالخصوص. وقال
سبطه في شرح النافع : وفي بعض الروايات دلالة عليه ، ثم إنه إن كان العيب ظاهرا
متفقا عليه لا نزاع فيه بينهما فالفورية معتبرة في الفسخ ، وإن توقف ثبوته على
المرافعة إلى الحاكم فالفورية في المرافعة إلى الحاكم ، فإذا ثبت صار الفسخ فوريا.
و (منها) أن الفسخ المذكور ليس بطلاق ، لأن الطلاق يفتقر
إلى لفظ خاص
وشروط مقررة لا دليل على اعتبارها هنا
ولا قائل بها ، فلا يعد من الثلاث المحرمة ، ولا ينتصف به المهر كما ينتصف بالطلاق
إلا في صورة خاصة خرجت بنص خاص ، وهي الفسخ بالعنة كما تقدم.
و (منها) أن المشهور أنه لا يفتقر الفسخ بالعيوب إلى
الحاكم ، سواء كانت في المرأة أو الرجل ، بل لكل من المرأة والزوج التفرد بالفسخ
في موضع يجب له الخيار إلا في العنة ، فإنه يفتقر لضرب الأجل ، وغاية ما يفهم من
النصوص أن الفسخ حق ثابت لكل من الزوجين في مورده ، فمتى اختاره فسخ به.
ومن الأخبار الدالة على كل من الحكمين الأخيرين رواية
علي بن أبي حمزة (1) الواردة في
الجنون ، وفيها «لها أن تنزع نفسها متى شاءت». وفي روايات الخصاء «يفرق بينهما»
وهو خطاب لمن له قوة يد في الأمر والنهي مطلقا ، وكناية عن انفساخ النكاح إذا لم
ترض به ، وفي بعض روايات العنن أنه بعد مضي السنة «إن شاءت تزوجت وإن شاءت أقامت»
وفي بعض «تفارقه إن شاءت» وفي بعض «فإن أتاها في ضمن السنة وإلا فارقته» وفي بعض
أخبار عيوب المرأة «ترد على أهلها من غير طلاق» وهو صريح في نفي الطلاق ومثله في
كتاب الفقه الرضوي مما تقدم قوله «يردها إلى أهلها بغير طلاق» وفي جملة منها «يرد
النكاح من البرص والجنون» ونحو ذلك مما ذكر في تلك الأخبار ، والجميع كما ترى ظاهر
في أنه ليس بطلاق ، ولا يفتقر إلى الحاكم الشرعي بوجه.
وأما ما اشتمل عليه بعض تلك الأخبار من قوله «إن شاء طلق
وإن شاء أمسك» فالمراد بالطلاق هنا كما ذكره الشيخ ـ رحمهالله ـ الرد
والسراح المذكوران في غير هذا الخبر.
وبالجملة فالحكم بالنسبة إلى النظر في الأخبار مما لا شك
فيه ومما يدل
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 151 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 428 ح 19 ، الفقيه ص
338 ح 3.
على المرافعة إلى الحاكم في العنة
لضرب الأجل ما تقدم في حديث أبي البختري (1) من قوله «يؤخر العنين سنة من يوم
مرافعة امرأته». ومثله حديث كتاب قرب الاسناد (2) المتقدم أيضا.
وما ذكرناه من أنه لا يفتقر الفسخ إلى الرجوع إلى الحاكم
في غير العنة هو المشهور في كلام الأصحاب ، ونقل الخلاف هنا عن ابن الجنيد حيث قال
: وإذا أريدت الفرقة لم يكن إلا عند من يجوز حكمه من والي المسلمين أو خليفته أو
بمحضر من المسلمين إن كانا في بلد هدنة أو سلطان متغلب ، انتهى.
واضطرب كلام الشيخ في المبسوط في هذا المقام فقال : وإن
اختار الفسخ أتى الحاكم بفسخ النكاح ، وليس له أن ينفرد به لأنها مسألة خلاف ، هذا
عند المخالف ولا يمنع عندنا أن يفسخ الرجل ذلك بنفسه أو المرأة ، لأن الأخبار
مطلقة في هذا الباب ، ثم قال بعد كلام طويل : فأما الفسخ فإلى الحاكم لأنه مختلف
فيه ، ولو قلنا على مذهبنا أنه له الفسخ بنفسه كان قويا ، والأول أحوط لقطع
الخصومة ، ثم قال بعد ذلك : لا يجوز أن تفسخ ـ يعني امرأة العنين ـ بغير حاكم لأنه
مختلف فيه.
أقول : ظاهر كلامه وكذا ظاهر كلام ابن الجنيد أن اشتراط
الفسخ بالحاكم مذهب المخالفين. أما كلام الشيخ فهو صريح في ذلك ، وأن مذهب
الإمامية عدم اشتراطه ، وأن هذا الاحتياط الذي صار إليه إنما هو بالنظر إلى خلاف
العامة. وأما كلام ابن الجنيد فإنه يشير إلى ذلك بقوله إن كانا في بلد هدنة ـ يعني
تقية ـ أو سلطان متغلب ـ يعني سلاطين الجور.
وبالجملة فإن القول المذكور كما عرفت مع شذوذه لا دليل
عليه ، وليس في هذا الكلام المنقول عنهما ما يدل على المخالفة لما عليه الأصحاب
وصريحا إن
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 431 ح 30 ، الوسائل ج 14 ص 612 ح 9 وفيهما «ترافعه».
(2) قرب الاسناد ص 50 ، الوسائل ج 14 ص 612 ح 12.
لم يكن أولى بالدلالة على الموافقة ،
فإن كلامهم يدور على أن ذلك إنما هو مذهب المخالفين ، والقول به إنما هو على جهة
التقية منهم ، وهو ظاهر فيما قلناه وواضح فيما ادعيناه.
المسألة الثالثة : الظاهر أنه
لا خلاف في أنه إذا فسخ الزوج قبل الدخول فإنه لا مهر لها ، ولو فسخ بعده فلها
المسمى ويرجع به على المدلس ، ويدل على الحكم المذكور جملة من الأخبار المتقدمة في
المقام الثاني من سابق هذا المطلب مثل صحيحة أبي عبيدة (1) وهي الرواية
السابعة من تلك الروايات ، وقوله فيها «وترد على أهلها بغير طلاق ، ويأخذ الزوج
المهر من وليها الذي كان دلسها ، فإن لم يكن وليها علم بشيء من ذلك فلا شيء عليه
، وترد إلى أهلها ، قال : وإن أصاب الزوج شيئا مما أخذت منه فهو له ، وإن لم يصب
شيئا فلا شيء له ، قال : وتعتد عدة المطلقة إن كان دخل بها ، وإن لم يكن دخل بها
فلا عدة ولا مهر».
ورواية رفاعة (2) وهي الخامسة من الروايات المتقدمة ،
وقوله عليهالسلام فيها «قضى
أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة
زوجها وليها وهي برصاء أن لها المهر بما استحل من فرجها وأن المهر على الذي زوجها
، وإنما صار المهر عليه لأنه دلسها ، ولو أن رجلا تزوج امرأة أو زوجها رجل لا يعرف
دخيلة أمرها لم يكن عليه شيء وكان المهر يأخذه منها».
وصحيحة الحلبي أو حسنته (3) وهي الثانية
من تلك الروايات وفيها «قلت : أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال : لها
المهر بما استحل من
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 408 ح 14 ، التهذيب ج 7 ص 425 ح 10 ، الوسائل
ج 14 ص 596 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 407 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 424 ح 8 ، الوسائل ج
14 ص 600 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 426 ح 12 ، الوسائل ج 14 ص 593 ح 6.
فرجها ، ويغرم وليها الذي أنكحها مثل
ما ساق إليها».
ونحو هذه الروايات أيضا رواية عبد الرحمن بن أبي عبد
الله (1) وهي الرابعة
عشر من تلك الروايات ، وكذا صحيحة محمد بن مسلم (2) وهي الخامسة عشر.
وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على رسم مباحث :
الأول : إذا فسخ
الزوج بعد الدخول استحقت الزوجة المسمى ومقتضى القواعد الشرعية أنه لا فرق في ذلك
بين كون العيب الذي فسخ به كان قبل العقد أو حدث بعده ، لأن النكاح صحيح وإن فسخ
بالخيار وثبوت الخيار فرع على صحة العقد في نفسه ، لأن الفسخ لا يبطله من أصله ،
ولهذا لا يرجع بالنفقة الماضية ، وحينئذ فالواجب هو المسمى لصحة العقد.
وقال الشيخ في المبسوط : إن كان الفسخ بالمتجدد بعد
الدخول فالواجب المسمى لأن الفسخ إنما يستند إلى العيب الطارئ بعد استقراره ، وإن
كان بعيب موجود قبل العقد أو بعده قبل الدخول وجب مهر المثل ، لأن الفسخ وإن كان
في الحال إلا أنه مستند إلى حال حدوث العيب ، فيكون كأنه وقع مفسوخا حين حدث العيب
، فيصير كأنه وقع فاسدا ، فيلحقه أحكام الفاسد ، إن كان قبل الدخول فلا مهر ولا
متعة ، وإن كان بعده فلا نفقة للعدة ويجب مهر المثل.
قال في المسالك : ولا يخفى ضعفه لأن النكاح وقع صحيحا ،
والفسخ وإن كان بسبب العيب السابق لا يبطله من أصله بل من حين الفسخ ، ولا يزيل
الأحكام التي سبقت عليه خصوصا إذا كان العيب حادثا بعد العقد ، فإن دليله لا يخفى
عليه.
أقول : وفيه أيضا أن مقتضى كلامه أن ظهور العيب السابق
على العقد أو على الدخول موجب لبطلان العقد ، حيث إنه جعل العقد في قوة المفسوخ
به.
وفيه أنه قد ثبت له التخيير بين الفسخ والإمضاء ،
واختياره الإمضاء لا يجامع
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 425 ح 9 ، الوسائل ج 14 ص 601 ح 4.
(2) التهذيب ج 7 ص 432 ح 34 ، الوسائل ج 14 ص 597 ح 7.
بطلانه بالعيب حين ظهوره.
وكيف كان فإن المعتمد في ذلك على الأخبار ، وهي كما عرفت
دالة على أنه متى فسخ فإن لها المسمى مع الدخول ، أعم من أن يكون العيب متقدما على
العقد أو متأخرا ، بل ظاهر أكثرها كما قدمنا بيانه إنما هو تقدم العيب على العقد ،
وهو الذي حكم فيه بمهر المثل ، والروايات صريحة في المسمى كما عرفت.
الثاني : قد دلت الأخبار وبه صرح الأصحاب على أنه متى
فسخ الزوج بعد الدخول فإن لها المسمى ، وأن الزوج يرجع به على وليها الذي دلسها ،
والمراد من التدليس هو عدم إخبار الزوج بالعيب المذكور ، مع علم المتولي للتزويج
به ، ولا فرق في ذلك بين كون المدلس وليا شرعيا أو غيره ، بل لو كان التدليس إنما
وقع منها من غير واسطة في البين فإنه يرجع عليها بالمهر متى قبضته ، ولو لم يدفع
إليها شيئا لم تستحق شيئا.
ويدل على ذلك فيما إذا كانت هي التي دلست نفسها ما تقدم في
رواية رفاعة (1) من قوله «ولو
أن رجلا تزوج امرأة قد زوجها رجل لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شيء ، وكان
المهر يأخذه منها». وحاصله أن التدليس لما لم يحصل من المتولي لتزويجها لعدم علمه
، وإنما حصل منها لعدم إخبارها بالعيب مع علمها به ، فإن للزوج الرجوع بالمهر
عليها ، ومقتضاه أنه لو لم يدفع إليها شيئا فإنه لا يجب عليه ، إذ لا معنى لدفعه
لها واسترجاعه منها ، وبما ذكرنا صرح الأصحاب أيضا.
ويدل على ذلك أيضا ما رواه في الكافي (2) في الصحيح أو
الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل ولته
امرأة أمرها أو ذات قرابة أو جار لها لا يعلم دخيلة أمرها فوجدها قد دلست عيبا هو
بها ، قال : يؤخذ المهر منها ولا يكون
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 407 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 424 ح 8 ، الوسائل ج
14 ص 596 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 407 ح 10 ، الوسائل ج 14 ص 597 ح 4.
على الذي زوجها شيء».
قال في المسالك : إذا تقرر ذلك فمما غرم الزوج من المهر
، وكان هناك مدلس رجع به عليه سواء كان وليا أم غيره ، حتى لو كان المدلس هو
المرأة رجع عليها أيضا بمعنى أنه لا يثبت عليه لها مهر ، ولا وجه لإعطائها إياه ثم
الرجوع عليها به.
بقي الكلام فيما لو انتفى التدليس بأن كان العيب خفيا لم
تطلع عليه المرأة فضلا عن المتولي لتزويجها ، والظاهر أنه لا رجوع لانتفاء المقتضي
لذلك ، ثم إنهم ذكروا أنه لو كان الرجوع على غير الزوجة فلا ريب أنه يرجع لجميع ما
غرمه ، وإن كان الرجوع عليها فإن المشهور أنه لا يرجع بالجميع بل يجب أن يستثني
منه ما يكون مهرا ، لأن الوطي المحرم لا يخلو من مهر ، وقيل إنه يرجع بالجميع
تمسكا بالإطلاق ، واستظهره السيد السند في شرح النافع.
أقول : ويؤيده ما ذكرنا من رواية رفاعة ، وقوله فيها «وكان
المهر يأخذه منها» فإنه صريح في الرجوع بالمهر كملا ، وأصرح منها صحيحة الحلبي أو
حسنته المذكورة.
وأما ما ذكروه من أن النكاح المحرم لا يخلو من مهر على
إطلاقه ممنوع ، فإن الظاهر أن الرجوع عليها بالمهر هنا عقوبة لتدليسها كما في صورة
الرجوع على المتولي لنكاحها إذا كان عالما بالعيب مع أنه أجنبي.
ثم إنه على تقدير القول المشهور من استثناء شيء يكون
مهرا ففي تقديره قولان :
(أحدهما) ما ذهب إليه ابن الجنيد من أنه أقل مهر مثلها ،
لأنه قد استوفى منفعة البضع فوجب عوضه ، وهو مهر المثل.
(وثانيها) وعليه الأكثر أنه أقل ما يكون مهرا وهو أقل ما
يتمول في العادة ، ووجهه ورود النص بالرجوع بالجميع ، فيجب الاقتصار في المخالفة
على موضع
اليقين ، واعترف في المسالك بأن
النصوص خالية من هذا الاستثناء. أقول : بل هي ظاهرة في رده لما عرفت من حديث
رفاعة.
الثالث : قد دلت جملة من الأخبار المتقدمة في المقام
الثاني في عيوب المرأة من المطلب الأول على جواز الفسخ بعد الدخول مثل الخبر
الثاني والخامس والسابع (1) ويستفاد منها
أن الوطي لا يمنع من الفسخ بالعيب السابق على العقد ، ولكن قد دلت جملة منها أيضا
على أن الدخول بها يمنع من الرد ، كقوله عليهالسلام في رواية عبد
الرحمن بن أبي عبد الله (2) وهي الرواية
السادسة «أنه يردها ما لم يدخل بها». فإن مفهومه أنه متى دخل بها لا يردها ، وفي
صحيحته (3) وهي الثامنة
من تلك الروايات «ترد من أربعة أشياء. ما لم يقع عليها ، فإذا وقع عليها فلا».
وفي رواية غياث بن إبراهيم (4) وهي الرواية
الثالثة عشر «وإذا دخل بها فهي امرأته». والوجه الواضح المنار في الجمع بين هذه
الأخبار هو أنه إن دخل بها مع علمه بالعيب فهو رضا منه بها ، فليس له الفسخ حينئذ
، وعليه تحمل الأخبار الأخيرة ، وإن دخل بها جاهلا به فإن له الرد ، وعليه تحمل
الأخبار الأولة ، وقد دل على هذا التفصيل الخبر التاسع (5) والخبر العاشر
(6) بأوضح دلالة.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 426 ح 12 وص 424 ح 8 وص 425 ح 10 ، الوسائل
ج 14 ص 593 ح 6 وص 600 ح 2 وص 596 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 407 ح 12 ، التهذيب ج 7 ص 427 ح 13 ، الوسائل
ج 14 ص 598 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 409 ح 16 ، التهذيب ج 7 ص 427 ح 14 ، الوسائل
ج 14 ص 592 ح 1.
(4) التهذيب ج 7 ص 426 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص 595 ح 14.
(5) الكافي ج 5 ص 409 ح 17 ، الفقيه ج 3 ص 274 ح 5 ، الوسائل ج
14 ص 599 ح 3.
(6) الكافي ج 5 ص 409 ح 18 ، التهذيب ج 7 ص 427 ح 15 ، الوسائل
ج 14 ص 598 ح 1.
الرابع : إذا فسخت الزوجة بعيب في الزوج ، فإن كان بعد
الدخول فإن لها المسمى في العقد لأن المسمى يلزم بالعقد ، ويستقر بالدخول ، وإن
كان قبل الدخول فلا شيء لها لأن الفسخ جاء من قبلها ، واستثنى من ذلك الفسخ
بالعنن فإن لها نصف المهر.
فأما ما يدل على أن الفسخ متى كان من قبل المرأة فإنه مع
عدم الدخول لا مهر لها فهو ما رواه المشايخ الثلاثة (1) عن السكوني عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام في المرأة إذا
زنت قبل أن يدخل بها الرجل : يفرق بينهما ولا صداق لها ، إن الحدث كان من قبلها».
وهو ظاهر في أنه متى كان السبب الموجب للفسخ من قبلها
فإنه لا مهر لها عملا بالعلة المذكورة ، وهذا الحكم من القواعد المتفق عليها عندهم
والمسلمة بينهم كما صرحوا به في غير موضع من الأحكام.
وأما ما يدل على استثناء الفسخ بالعنن من هذه القاعدة فصحيحة
أبي حمزة (2) قال : «سمعت
أبا جعفر عليهالسلام يقول : إذا
تزوج الرجل المرأة الثيب التي قد تزوجت زوجا غيره فزعمت أنه لم يقربها منذ دخل بها
ـ إلى أن قال : ـ فعلى الامام أن يؤجله سنة فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما وأعطيت
نصف الصداق ولا عدة عليها». وقد تقدم الكلام في هذا المقام أيضا.
الخامس : قد ذكر الشيخ وجملة من الأصحاب أنه لو فسخت
المرأة بالخصاء ثبت لها المهر مع الخلوة ويعزر ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ (3) في الصحيح عن
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 566 ح 45 ، التهذيب ج 7 ص 473 ح 105 ، الفقيه
ج 3 ص 263 ح 38 ، الوسائل ج 14 ص 601 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 411 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 429 ح 20 ، الوسائل
ج 14 ص 613 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 432 ح 33 ، الوسائل ج 14 ص 608 ح 3.
ابن مسكان قال : «بعثت بمسألة مع ابن
أعين قلت : سله عن خصي قد دلس نفسه لامرأة ودخل بها فوجدته خصيا ، قال : يفرق
بينهما ويوجع ظهره ، ويكون لها المهر بدخوله عليها».
وعن سماعة (1) في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام «أن خصيا دلس
نفسه لامرأة ، قال : يفرق بينهما وتأخذ المرأة منه صداقها ويوجع ظهره كما دلس نفسه».
وأنكر ابن إدريس هذا الحكم وقال : لا دليل على صحة هذه
الرواية من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة ، وإن كان
أورده شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا.
وقال العلامة في المختلف : إن الشيخ بنى ذلك على أصله من
ثبوت المهر بالخلوة.
قال السيد السند في شرح النافع ـ بعد نقل ذلك عن العلامة
ـ : وفيه نظر فإن الشيخ إنما استند في هذا الحكم إلى هذه الروايات ، ولو صح سندها
لوجب المصير إليه ، وإذا لم يثبت ذلك الأصل فالمسألة محل تردد ، انتهى.
أقول : ومن روايات المسألة ما رواه الثقة الجليل عبد
الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد (2) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال : «سألته
عن خصي دلس نفسه لامرأة ما عليه؟ قال : يوجع ظهره ويفرق بينهما وعليه المهر كاملا
إن دخل بها ، وإن لم يدخل بها فعليه نصف المهر».
وما صرح به الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (3) حيث قال : وإن
تزوجها خصي فدلس نفسه لها وهي لا تعلم فرق بينهما ويوجع ظهره كما دلس نفسه ، وعليه
نصف الصداق ولا عدة عليها منه». ونقل في المختلف هذه العبارة بلفظها عن
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 411 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 432 ح 32 ، الوسائل
ج 14 ص 608 ح 2.
(2) قرب الاسناد ص 108 ، الوسائل ج 14 ص 609 ح 5.
(3) فقه الرضا ص 237 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 604 ب 12 ح 2.
الشيخ علي بن بابويه في الرسالة ،
وابنه في المقنع على وجه الإفتاء بها.
وأنت خبير بأن المستفاد من هذه الروايات بعد ضم بعضها
إلى بعض هو أن الخصاء وإن كان عيبا إلا أنه يمكن الجماع معه كما ذكره الشيخ وغيره
، ومن هذه الجهة لم يعده عيبا كما تقدم نقله عنه ، قال : لأن غايته أنه لا ينزل ،
وإلا فإنه يبالغ في الإيلاج أكثر من الفحل ، وعدم الانزال ليس بعيب ، وحينئذ فنقول
إنه متى دخل الخصي بها وجب المهر. وهو مما لا إشكال فيه ، وبه صرحت صحيحة علي بن
جعفر ، وعليه يحمل صحيحة ابن مسكان وموثقة سماعة ، وإن لم يدخل بها فنصف المهر كما
صرحت به صحيحة علي بن جعفر أيضا وعليه يحمل كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي.
وبذلك يظهر لك أن ما ذكره هؤلاء الأجلاء في المقام فإنه
نفخ في غير ضرام ، ومبنى هذا الاشكال عندهم والاختلاف بينهم على دعوى دلالة صحيحة
ابن مسكان وموثقة سماعة على وجوب المهر بالخلوة ، فمن ثم اتخذهما الشيخ دليلا على
ما ادعاه من وجوب المهر بالخلوة ، وردهما ابن إدريس لذلك ، وهكذا كلام العلامة
والسيد المذكور.
وفيه أن غاية ما يدل عليه الخبران المذكوران هو أنه
بتزويجه بها ودخوله عليها يجب المهر ، وهو مجمل بالنسبة إلى الوطي وعدمه ، ولكن
صحيحة علي بن جعفر قد فصلت الحكم بأنه إن كان قد دخل بها فلها المهر كملا ، وإن لم
يدخل فنصفه ، والمجمل يحمل على المفصل كما هو القاعدة الكلية ويعضدها كلامه عليهالسلام في كتاب
الفقيه ، وحكمه بالتنصيف فإنه محمول على الفسخ مع عدم الدخول ، وهذا بكرامته
سبحانه واضح لا سترة عليه ، والله العالم.
المسألة الرابعة : قد ثبت بما
قدمناه في المقام الأول من المطلب الأول أن العنن من جملة عيوب الرجل المتفق على
جواز فسخ المرأة به ، بقي الكلام هنا في مواضع من أحكامه :
الأول : إنك قد عرفت
أن العنة عبارة عن ضعف الآلة عن الانتشار والولوج في الفرج ، فهو أمر مخفي لا يطلع
عليه غير من ابتلى به ، فلا يمكن الاطلاع عليه بالشهادة حينئذ فلا طريق إلى الحكم
به إلا بإقرار صاحبه على نفسه أو قيام بينة بإقراره ، فعلى هذا لو ادعت المرأة
عليه بذلك وأنكر الرجل فالقول قوله بيمينه عملا بأصالة السلامة الراجعة إلى أصالة
العدم ، فإن حلف استقر النكاح ، وإن نكل فإن قضينا بمجرد النكول ثبت العيب ، وإلا
ردت اليمين على المرأة ، فإن حلفت ثبت العيب ، إلا أنه لا بد في حلفها من حصول
العلم لها به ، وذلك يحصل بممارستها له مدة على وجه يحصل لها بتعاضد القرائن العلم
بالعنة.
ونقل الأصحاب عن الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ أن الرجل
المدعى عليه العنة يقام في الماء البارد ، فإن تقلص حكم بقوله ، وإن بقي مسترخيا
حكم لها.
ونقل ذلك في المسالك عن ابن حمزة أيضا قال : ومعنى تقلص
انضم وانزوى ، ولفظ الصدوق «وإن تشنج» والمراد به تقبض الجلد ، قال : وأنكر هذه
العلامة المتأخرون ، لعدم الوثوق بالانضباط وعدم الوقوف على مستند صالح ، نعم هو
قول الأطباء وكلامهم فيثمر الظن الغالب بالصحة ، إلا أنه ليس طريقا شرعيا ، انتهى.
أقول : لا يخفى أن ما نقلوه عن الصدوق فإنه قد رواه في
كتابه من لا يحضره الفقيه (1) عن الصادق عليهالسلام مرسلا وبه صرح
الرضا عليهالسلام في كتابه (2) حيث قال :
وإذا ادعيت عليه أنه عنين وأنكر الرجل أن يكون كذلك ، فإن الحكم فيه أن يجلس الرجل
في ماء بارد فإن استرخى ذكره فهو عنين ، وإن تشنج فليس بعنين». ولكن أصحابنا
المتأخرين حيث لم يصل إليهم الكتاب المذكور ولا اطلعوا عليه لم يطلعوا على ما فيه
من الأحكام.
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 357 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 614 ح 4.
(2) فقه الرضا ص 237 ، مستدرك الوسائل ، ج 2 ص 604 ب 14 ح 1.
وروى الصدوق في الفقيه (1) قال : وفي خبر
آخر أنه يطعم السمك الطري ثلاثة أيام ثم يقال له : بل على الرماة ، فإن ثقب بوله
الرماد فليس بعنين ، وإن لم يثقب بوله الرماد فهو عنين.
الثاني : إذا تحقق
العنن للرجل فإما أن يثبت تقدمه على العقد أو تأخره عنه قبل الوطي أو بعده ، وإنما
يحصل بعد الوطي ، ولا خلاف في الفسخ به في الصورة الاولى وعليه تدل الأخبار
المتقدمة.
وأما بعد العقد وقبل الوطي فالمشهور جواز الفسخ به أيضا
، وربما ظهر من عبارة المبسوط عدمه ، وأما المتجدد بعد الوطي فأكثر الأصحاب على
عدم الفسخ به.
وذهب الشيخ المفيد وجماعة إلى أن لها الفسخ به أيضا ،
قال الشيخ المذكور ـ على ما نقله عنه في المختلف ـ : وإن تزوجته على أنه سليم فظهر
لها أنه عنين انتظرت به سنة ، فإن وصل إليها فيها ولو مرة واحدة فهو أملك بها ،
وإن لم يصل إليها في مدة السنة كان لها الخيار ، فإن اختارت المقام معه على أنه
عنين لم يكن لها بعد ذلك خيار ، وإن حدث بالرجل عنة بعد صحته كان الحكم في ذلك كما
وصفناه ينتظر به سنة ، فإن تعالج فيها وصلح وإلا كانت المرأة بالخيار ، انتهى.
قال الشيخ في التهذيب ـ بعد نقل ذلك عنه ـ : فأما الذي
ذكره ـ رحمة الله عليه ـ من التسوية بين العنة إذا حدثت بعد الدخول وبينهما إذا
كانت قبل الدخول إنما حمله على ذلك عموم الأخبار التي رويت في ذلك مثل ما رواه
الحسين بن سعيد ، ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «العنين
يتربص به سنة ، ثم إن شاءت امرأته تزوجت وإن شاءت أقامت».
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 357 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 614 ح 5.
(2) التهذيب ج 7 ص 431 ح 27 ، الوسائل ج 14 ص 611 ح 5.
وعن أبي الصباح الكناني (1) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة ابتلى
زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا ، أتفارقه؟ قال : نعم إن شاءت».
وعن أبي البختري (2) عن أبي جعفر عن أبيه عليهماالسلام «أن عليا عليهالسلام كان يقول : يؤخر
العنين سنة من يوم ترافعه امرأته فإن خلص إليها وإلا فرق بينهما».
ثم قال : والأولى عندي الأخذ بالخبر الذي رويناه عن
إسحاق بن عمار (3) عن جعفر عن
أبيه عليهالسلام «أن عليا عليهالسلام كان يقول :
إذا تزوج الرجل امرأة فوقع عليها مرة ثم أعرض عنها فليس لها الخيار فلتصبر فقد
ابتليت وليس لأمهات الأولاد ولا الإماء ما لم يمسها من الدهر إلا مرة واحدة خيار».
وعن غياث الضبي (4) عن الصادق عليهالسلام «قال في العنين
: إذا علم أنه عنين لا يأتي النساء فرق بينهما ، وإذا وقع عليها دفعة واحدة لم
يفرق بينهما ، والرجل لا يرد من عيب».
أقول : مرجع كلام الشيخ إلى أن الأخبار التي استدل إليه
الشيخ المفيد وإن دلت على ما ذكره بإطلاقها إلا أن هذه الروايات باعتبار ما اشتملت
عليه من أنه متى جامعها ولو مرة واحدة فإنه لا خيار لها خاصة صالحه لتقييد تلك
الأخبار ، وقضية الجمع بينها تقييد ذلك الإطلاق بهذه الأخبار ، وهو جيد ، فإن ذلك
قاعدة كلية عندهم في الجمع بين الأخبار.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 431 ح 28 ، الوسائل ج 14 ص 611 ح 6.
(2) التهذيب ج 7 ص 431 ح 30 ، الوسائل ج 14 ص 612 ح 9.
(3) التهذيب ج 7 ص 430 ح 26 ، الوسائل ج 14 ص 612 ح 8.
(4) الكافي ج 5 ص 410 ح 4 وفيه «عباد الضبي» ، التهذيب ج 7 ص
430 ح 25 ، الفقيه ج 3 ص 357 ح 4 مع تفاوت يسير ، الوسائل ج 14 ص 610 ح 2.
وجملة من المتأخرين منهم صاحب المسالك وسبطه في شرح
النافع (1) وغيرهما رجحوا
مذهب الشيخ المفيد عملا بذلك الإطلاق حيث إن في رواياته صحيحة محمد ابن مسلم ،
والأخبار المقيدة ضعيفة باصطلاحهم لا تصلح لمعارضة تلك الأخبار ، والجمع بين الأخبار
عندهم فرع حصول التعارض ، وموجب ذلك أن من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح كالمتقدمين
ومن تبعهم من متأخري المتأخرين فإنه يتحتم عندهم الجمع بين الأخبار بما ذكره الشيخ
ـ رحمة الله عليه.
قال في المختلف ـ بعد نقل ما ذكرناه ـ : والأشهر قول
الشيخ عملا بمقتضى العقد اللازم وبما تقدم في الرواية ، وإن كان قول المفيد لا
يخلوا أيضا من قوة ، لما فيه من دفع الضرر بفوات فائدة النكاح ، فنحن في ذلك من
المتوقفين ، انتهى.
وفيه أنه بعد ثبوت الحكم بالأخبار ودلالتها على أنها قد
ابتليت فلتصبر لا وجه لهذا الكلام ، والأدلة العقلية في حد ذاتها غير مسموعة ،
فكيف في مقابلة الأخبار الصريحة في ردها.
والعجب من شيخنا المفيد أنه حكم في صورة العنن الأصلي
بأنه متى أجل سنة ووصل إليها في تلك المدة ولو مرة فإنه يكون أملك بها ـ يعني لا
خيار لها ـ وهو أعم من أن يعود العنن إليه بعد ذلك أم لا ، فإنه لا خيار لها في
هذه الصورة على كلا الاحتمالين ، وحينئذ فلا بد من تقييد إطلاق الأخبار بغير هذه
الصورة ، لأن مقتضى إطلاق تلك الأخبار هو أن العنن موجب للخيار أعم من أن يكون
أصليا أو إنما عرض بعد التزويج والدخول ، ومقتضى ما ذكره من أنه بعد ثبوت العنن
وكونه أصليا لو وصل إليها مرة فإنها لا خيار لها وإن عاد العنن له بعد
__________________
(1) قال السيد السند في شرح النافع بعد رده الروايات المقيدة
بضعف الاسناد : والمسألة محل تردد وان كان المصير الى ما عليه الأكثر من اشتراط
حصول العنة قبل الوطي أولى اقتصارا في فسخ العقد اللازم على موضع الوفاق ، وهو
ظاهر في اختياره القول المشهور للتعليل المذكور. (منه ـ قدسسره ـ).
ذلك كما هو مقتضى إطلاق كلامه ،
الخروج عن مقتضى ذلك الإطلاق ، فيجب تخصيصه بغير هذه الصورة.
وأنت خبير بأنه لا فرق بين هذه الصورة ولا بين العنن
العارض بعد الوطي إذ الجميع من باب واحد ، فلا معنى لاستثنائه هذه الصورة ، وحكمه
بالفسخ في تلك الصورة. وبالجملة فالمعتمد هو القول الأول وهو الذي عليه المعول.
الثالث : ظاهر جملة من الأصحاب أن العنن إنما يتحقق
بالعجز عن وطئها قبلا ودبرا ، والعجز عن وطئ غيرها. فلو عجز عنها مثلا وأمكن وطئ
غيرها لم يكن عنينا ، ولم يترتب عليه جواز الفسخ.
ويدل على ذلك قوله عليهالسلام في رواية غياث
الضبي (1) المتقدمة «إذا
علم أنه لا يأتي النساء فرق بينهما». وقوله في رواية أبي بصير (2) المتقدمة أيضا
«ابتلى زوجها فلم يقدر على الجماع».
واستدل السيد السند في شرح النافع على هذا القول برواية
عمار (3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «أنه سئل عن
رجل أخذ عن امرأته فلا يقدر على إتيانها ، فقال : إن كان لا يقدر على إتيان غيرها
من النساء فلا يمسكها إلا برضاها بذلك ، وإن كان يقدر على غيرها فلا بأس بإمساكها».
ثم ردها مع رواية الضبي بضعف السند ، وظني أن هذه
الرواية ليست من روايات العنن ، وإنما المراد بالأخذ فيها هو عمل شيء كالسحر يمنع
من الجماع. قال في القاموس (4) : والأخذ
بالضم رقية كالسحر ، وعلى هذا المعنى حمله في الوافي
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 410 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 430 ح 25 ، الوسائل
ج 14 ص 610 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 411 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 610 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 411 ح 9 ، الوسائل ج 14 ص 611 ح 3.
(4) ج 1 ص 350.
أيضا وإن احتمل ارادة العنن أيضا.
وظاهر عبارة الشيخ المفيد المتقدمة في سابق هذا الموضع وقوله
«انتظرت به سنة فإن وصل إليها فيها ولو مرة واحدة فهو أملك بها ، وإن لم يصل إليها
في مدة السنة كان لها الخيار» فإن ظاهرها أن العنن يصدق بمجرد عدم الوصول إليها
وإن أمكن الوصول إلى غيرها.
ويدل على ذلك قوله عليهالسلام في صحيحة أبي
حمزة الثمالي (1) وقد تقدمت «فإذا
ذكرت أنها عذراء فعلى الامام أن يؤجله سنة فإن وصل إليها ، وإلا فرق بينهما». فإن
ظاهر هذا الكلام هو الاكتفاء في حصول العنن ، وجواز الفسخ بعجزه عن وطئها وإن لم
يعلم عجزه عن وطئ غيرها ، ويعتريني في هذا المقام إشكال ، وهو أنه قد تقدم في كلام
أهل اللغة في معنى العنين أنه الذي لا يقدر على إتيان النساء ولا يريدهن بالكلية ،
وفي كلام الفقهاء أنه مرض تضعف معه القوة عن نشر العضو.
وظاهر الكلام في الموضعين أنه لا يختلف باختلاف النساء
فيزول بالنسبة إلى بعض ، ويحصل بالنسبة إلى أخرى ، ففرض الأصحاب هذا الخلاف وجعله
مسألة في البين ليس في محله ، والروايات المذكورة لا دلالة فيها على ما ادعوه من
الاختلاف بل هي بالنسبة إلى ما ندعيه أقرب وبما ذكرناه أنسب.
وأما رواية الضبي وكذا رواية أبي بصير فهما ظاهرتان في
أن العنين من لا يقدر على مجامعة النساء من زوجته وغيرها وهو صريح فيما قلناه.
وأما صحيحة أبي حمزة فغاية ما تدل عليه أنه إن جامعها في
هذه المدة فإنه يعمل زوال العنة عنه ، وإن لم يمكنه جماعها علم أنه عنين لا يمكن
جماعها ولا جماع غيرها ، نعم رواية عمار ظاهرة فيما ذكروه إلا أنك قد عرفت أنها
ليست من محل البحث في شيء.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 411 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 429 ح 20 ، الوسائل
ج 14 ص 613 ح 1.
الرابع : أطلق الأكثر بأنه لو ادعى الوطي وأنكرت فالقول
قوله بيمينه ، سواء كان بعد ثبوت العنن أو قبله ، والمحقق في الشرائع فرض المسألة
فيما لو ادعى الزوج الوطي بعد ثبوت العنن ، وحكم بأن القول قوله بيمينه ، والحكم
ظاهر فيما لو ادعى الزوج الوطي قبل ثبوت العنن ، فإنه يقبل قوله بيمينه.
قالوا : لأن دعوى الوطي يتضمن إنكار العنن المؤيد بأصالة
السلامة من العيب فيكون قوله مقبولا بيمينه ، ويدل عليه ما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن
أبي حمزة قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : إذا
تزوج الرجل المرأة الثيب التي قد تزوجت زوجا غيره فزعمت أنه لم يقربها منذ دخل بها
فإن القول في ذلك قول الرجل ، وعليه أن يحلف بالله لقد جامعها ، لأنها المدعية ،
قال : فإن تزوجها وهي بكر فزعمت أنه لم يصل إليها فإن مثل هذا تعرفه النساء فلينظر
إليها من يوثق به منهن ، فإذا ذكرت أنها عذراء فعلى الامام أن يؤجله سنة ، فإن وصل
إليها وإلا فرق بينهما ، وأعطيت نصف الصداق ولا عدة عليها».
وقال في الفقه الرضوي (2) «وإذا ادعت أنه
لا يجامعها ـ عنينا كان أو غير عنين ـ فيقول الرجل أنه قد جامعها ، فعليه اليمين
وعليها البينة لأنها المدعية».
والخبران ظاهران في أن الدعوى المذكورة قبل ثبوت العنن.
وإنما الإشكال فيما إذا كانت الدعوى بعد ثبوت العنن كما
فرضه المحقق ونحوه العلامة في القواعد ، ووجه الاشكال أنه مدع لزوال ما قد ثبت ،
فلا يكون قوله مقبولا ، مع أنهم حكموا هنا بقبول قوله بيمينه.
والمفهوم من كلام المحقق الشيخ علي في شرح القواعد أن
الوجه فيما حكموا به من قبول قوله بيمينه في هذه الدعوى مع ثبوت العنن أحد أمرين :
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 411 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 429 ح 20 ، الوسائل
ج 14 ص 613 ح 1.
(2) فقه الرضا ص 237 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 604 ب 14 ح 1.
إما لأن هذا الفعل لا يعلم إلا من
قبله فيقبل قوله فيه ، كدعوى المرأة انقضاء العدة بالأقراء ، وإما لأن العنة لا
تثبت قبل مضي السنة ، وإلا لثبت الفسخ ، وأما الثابت العجز الذي يمكن أن يكون عنة
وأن يكون غيرها ، ولهذا يجب أن يؤجل سنة لينظر فيها هل يقدر على الوطي أم لا ، فإن
قدر فلا عنة وإلا ثبتت وحكم بها ، فيكون الزوج بدعواه الوطي وإن كان بصورة المدعي
، إلا أنه في الحقيقة منكر للعنة والأصل الصحة وحصول العيب على خلاف الأصل ، وإن
كان بعد ثبوت العجز ، وحينئذ فيقبل قوله فيه ، واستدلوا أيضا بصحيحة أبي حمزة
المذكورة بدعوى أنها مطلقة فإن موردها اختلافهما في حصول الوطي وعدمه المتناول لما
إذا وقع ذلك قبل ثبوت العنة وبعده.
وفيه أن الظاهر بعده ، لأنه بعد ثبوت العنة يثبت لها
الخيار في الفسخ وعدمه ، فلا وجه لما تضمنه الخبر حينئذ من الحكم المذكور فيه ،
ولا ضرورة تلجأ إليه.
وفي المسألة قول آخر أيضا صرح به الشيخ في الخلاف
والصدوق في المقنع وجماعة من الأصحاب ، وهو أن دعواه الوطي إن كان في القبل ، فإن
كانت بكرا صدق بشهادة أربع نساء يشهدون بذهابها ، وإن كانت ثيبا حشي قبلها خلوقا ،
ثم يؤمر بالوطء فإن خرج الخلوق على ذكره كان القول قوله ، وإلا فلا.
واستدل عليه في الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم.
والذي ورد من الأخبار في ذلك أما بالنسبة إلى البكر فما
تقدم في صحيحة أبي حمزة.
وأما بالنسبة إلى الثيب فهو ما رواه الشيخ في التهذيب
والكليني في الكافي (1) عن عبد الله
بن الفضل الهاشمي عن بعض مشيخته قال : «قالت امرأة لأبي عبد الله
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 411 ح 8 ، التهذيب ج 7 ص 429 ح 21 ، الفقيه ج
3 ص 357 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 613 ح 2.
عليهالسلام ، أو سأله رجل
عن رجل تدعي عليه امرأته أنه عنين وينكر الرجل ، قال : تحشوها القابلة بالخلوق ولا
تعلم الرجل ويدخل عليها الرجل ، فإن خرج وعلى ذكره الخلوق صدق ، وكذبت ، وإلا صدقت
وكذب».
ورواه الشيخ في التهذيب (1) عن عبد الملك
بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له
، أو سأله رجل عن رجل ادعت عليه امرأته» الحديث (2).
وما رواه في الكافي عن غياث بن إبراهيم (3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «ادعت
امرأة على زوجها على عهد أمير المؤمنين عليهالسلام أنه لا
يجامعها ، فأمرها أمير المؤمنين عليهالسلام أن تستذفر بالزعفران
ثم يغسل ذكره فإن خرج الماء أصفر صدقه ، وإلا أمره بطلاقها».
ورد المتأخرون الروايات المذكورة بضعف الاسناد ، فلا
يسوغ التعلق بها ، والأظهر بناء على إطراح هذا الاصطلاح المحدث العمل بها كما عمل
بها المشايخ المتقدمون.
__________________
(1) ما عثرنا على هذه الرواية بهذا السند في التهذيب نعم روى
في الفقيه عن محمد ابن على بن محبوب عن أحمد بن محمد عن أبيه عن أبيه عن عبد الله
الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ الى آخر الحديث.
(2) أقول : الذي في الكافي عبد الله بن الفضل الهاشمي وهو ثقة
في الرجال ، الا أن الحديث فيه ضعف باعتبار الإرسال عن بعض مشيخته ، وفي التهذيب
عبد الملك بن الفضل الهاشمي وهو غير موجود في الرجال ، ولا يبعد عندي أنه عبد الله
المذكور في رواية الكافي وانما حصل الغلط من قلم الشيخ بإبداله عبد الملك وله
أمثال ذلك مما لا يخفى كثرة ، فيكون الحديث صحيحا لانه رواه الحسن بن محبوب عن
أحمد بن محمد عن أبيه عن عبد الملك وطريقه الى الحسن محبوب صحيح. (منه ـ قدسسره ـ).
(3) الكافي ج 5 ص 412 ح 11 وفيه اختلاف يسير ، التهذيب ج 7 ص
430 ح 24 ، الوسائل ج 14 ص 614 ح 3.
أما بالنسبة إلى البكر فحيث كان الخبر كما عرفت صحيحا
باصطلاحهم ، فإنهم حكموا بمضمونه ، ثم إنه لو ادعى عود البكارة بعد ثبوتها بشهادة
النساء وأنه قد وطأها ، ولكن هذه البكارة التي شهدت النساء بها إنما تجددت بعد
الوطي فالقول قول المرأة بيمينها ، وإما بعدم الوطي أو بأن هذه البكارة بكارة
الأصل لا متجددة ، فإن دعواها معتضدة بأصالة بقاء البكارة ، وأن الظاهر عدم العود
، هذا كله فيما لو كانت الدعوى وطؤها قبلا.
أما لو ادعى وطؤ غيرها من النساء أو وطؤها دبرا فإن
القول قوله بيمينه أيضا كما تقدم في سابق هذا الموضع عملا بما تقدم في تينك
المسألتين من أصالة الصحة وعدم العيب في إحداهما وتعذر إقامة البينة في الأخرى.
الخامس : قد تقدم أن العنن يثبت بأحد الطرق المتقدمة من
اعتراف الرجل بالعجز عن المجامعة ، أو القيام في الماء البارد كما ذهب إليه الشيخ
في الخلاف والصدوق في المقنع ، أو أكل السمك طريا ثلاثة أيام والبول على الرماد
كما روي ، وحينئذ فإن صبرت المرأة مع علمها بأن لها الخيار ورضيت به فلا خيار لها
بعد ذلك لأن الخيار فوري ، وإن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم فيؤجله سنة من يوم
المرافعة ، فإن واقعها في ضمن تلك المدة فلا خيار لها ، وإلا تخيرت وفسخت ، ولها
نصف المهر ، وقد تقدمت جملة من الأخبار الدالة على هذه الأحكام.
وعلل التمديد بالسنة الواقع في الأخبار بأن تعذر الجماع
ربما كان لعارض من خارج من حرارة ، فيزول في فصل الشتاء ، أو برودة فيزول في فصل
الصيف ، أو يبوسة فيزول في فصل الربيع ، أو رطوبة فيزول في الخريف ، والمشهور أنه
ليس لها الفسخ قبل المرافعة ومضي المدة المذكورة.
وقد تقدم نقل خلاف ابن الجنيد وقوله : إن كانت العنة
متقدمة على العقد جاز للمرأة الفسخ في الحال ، وإن كانت حادثة بعد العقد أجل سنة ،
ويدل
عليه خبر غياث الضبي وخبر أبي الصباح
الكناني ، إلا أنهما مطلقان فيحمل إطلاقهما على ما تضمنته الأخبار المقيدة بذكر
السنة.
والمفهوم من الاخبار وكلام الأصحاب أن العجز عن إتيان
النساء الذي فسر به العنن ليس باعتبار بعض دون بعض ، لأنه مرض مخصوص يمنع من حركة
العضو وانتشاره مطلقا ، وهو لا يختلف باختلاف النسوة ، فأما مع العجز عن امرأة
مخصوصة فإنه قد يتفق ويكون لانحباس الشهوة عنها بسبب نفرة أو حياء أو نحو ذلك ،
ولا يكون بذلك عنينا ، وقد يكون له نوع اختصاص بالقدور على جماعها بالإنس بها
والميل إليها وانتفاء ذلك من غيرها ، ولا فرق في العنة عندهم بين كونها خلقية أو
عارضة ، بين كونها قبل العقد وبعده قبل الدخول ، وأما بعد الدخول فقد تقدم أن
الأشهر الأظهر عدم الخيار وحيث يختار لها الفسخ فلها نصف المهر ، وإن كان على خلاف
القاعدة المقررة بينهم ، لصحيحة أبي حمزة ، وقد تقدمت وتقدم الكلام في ذلك والله
العالم.
المطلب الثالث في التدليس : تفعيل من الدلس وهو الظلمة ،
قال في كتاب المصباح المنير (1) : دلس البائع
تدليسا كتم عيب السلعة من المشتري وأخفاه. وقال الخطابي وجماعة ويقال : دلس دلسا
من باب ضرب ، والتشديد أشهر في الاستعمال. قال الأزهري : سمعت أعرابيا يقول : ليس
لي الأمر دنس ولا دلس ، أي لا خيانة ولا خديعة ، والدلسة بالضم الخديعة أيضا. وقال
ابن فارس : أصله من الدلسة وهي الظلمة ، انتهى.
أقول : ومنه يعلم أنه لغة بمعنى الظلمة والمخادعة ، وكأن
المدلس لما أتى بالمعيب أو الناقص إلى المخدوع وقد كتم عليه عيبه ونقصانه أتاه به
في الظلمة وخدعه.
قال في المسالك : والفرق بينه ـ يعني التدليس ـ وبين
العيب أن التدليس لا يثبت إلا بسبب اشتراط صفة كمال ، وهي غير موجودة أو ما هو في
معنى الشرط ،
__________________
(1) المصباح المنير ص 270.
ولولاه لم يثبت الخيار بخلاف العيب ،
فإن منشأه وجوده ، وإن لم يشترط الكمال وما في معناه فمرجع التدليس إلى إظهار ما
يوجب الكمال أو إخفاء ما يوجب النقص ، ومنشأ الخيار فوات مقتضى الشرط أو الظاهر ،
انتهى.
وظاهر هذا الكلام يقتضي أن للتدليس معنى أخص فيقابل
العيب ، ومعنى أعم يشمل به العيب ، والمفهوم من كلام أهل اللغة هو الثاني ، إلا
أنه سبب الخيار في العيب غيره بالنسبة إلى إظهار ما يوجب الكمال ، وكيف كان فالأمر
في ذلك سهل بعد وضوح المقصود.
وتحقيق الكلام في هذا المطلب يقع في مسائل :
الأولى : إذا تزوج
امرأة على أنها حرة باشتراط ذلك في نفس العقد فبانت أمة ، فللزوج فسخ النكاح إذا
وقع النكاح بإذن المولى وكان ممن يجوز له نكاح الإماء ، أما بدون ذلك فإنه يقع
العقد باطلا في الثاني ، وفي الأول موقوفا على الإجازة على المشهور ، وقيل : إنه
باطل ، وهو الأظهر ، ولا فرق في جواز الفسخ في الصورة المذكورة بين الدخول بها
وعدمه.
أما ثبوت الفسخ فلأن ذلك قضية الشرط دخل أم لم يدخل ،
فإن التصرف لا يسقط خيار الشرط كما سبق في موضعه ، أما لو وقع ذلك بغير شرط ، بل
أخبرته أو أخبره المتولي لنكاحها بالحرية فتزوجها لذلك على وجه حصل به تدليس بأن
وقع الخبر في معرض التزويج ، ففي إلحاقه بالشرط قولان ناشئان من تحقق التدليس
وأصالة لزوم العقد ، ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه صرح باختصاص الحكم بما لو شرط
ذلك ، وعن القواعد أنه صرح بمساواة الأمرين.
قال في المسالك : وعبارة المصنف وجماعة يحتمل إرادة
القسمين ، وكذلك الرواية التي هي مستند الحكم وهي رواية الوليد بن صبيح (1) عن أبي عبد
الله
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 404 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 422 ح 1 ، الوسائل ج
14 ص 577 ح 1.
عليهالسلام «في رجل تزوج
امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها».
إلى آخره ، انتهى. وظاهر السيد السند في شرح النافع
القول بمساواة الأمرين حيث قال : إذا تزوج امرأة على أنها حرة فظهرت أمة ، سواء
شرط ذلك في نفس العقد أو ذكر قبله وجرى العقد عليه ، وكان للزوج فسخ النكاح ـ إلى
أن قال : ـ أما ثبوت الفسخ مع اشتراط ذلك في العقد فظاهر ، لأن ذلك فائدة الشرط ،
وأما مع ذكره قبل العقد وجريان العقد عليه ، فإن التراضي إنما وقع على هذا الوجه
المخصوص فإذا لم يبطل العقد بفواته فلا أقل من ثبوت الخيار ، انتهى.
أقول : لم أقف لما ذكره من الحكم بأن له الفسخ في الصورة
المذكورة على نص واضح ، إلا أنه في صورة الشرط الظاهر أنه لا إشكال فيه عملا بقضية
الشرط وهو موضع اتفاق ، وأما مع عدمه فليس إلا ما ذكره السيد السند هنا ، وظاهر
جملة منهم الاستدلال على ذلك برواية الوليد بن صبيح التي أشار إليها في المسالك ،
وهي ما رواه عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل تزوج
امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها قال : إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها
فالنكاح فاسد ، قلت : وكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال : إن وجد مما أعطاها
شيئا فليأخذه ، وإن لم يجد شيئا فلا شيء له عليها ، وإن كان زوجها إياه ولي لها
ارتجع على وليها بما أخذت منه ، ولمواليها عليه عشر ثمنها إن كانت بكرا ، وإن كانت
غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها ، قال : وتعتد منه عدة الأمة ، قلت : فإن
جاءت منه بولد؟ قال : أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الولي» (1).
وأنت خبير بأن هذه الرواية لا دلالة فيها على المدعى ،
وإنما الظاهر
__________________
(1) أقول : ربما يتسارع الى الوهم المغايرة بين لفظ الولي في الرواية
والموالي وهو باطل ، فإنه لا ولى للأمة الا مولاها ، فالولي بالنسبة إليها والمولى
بمعنى واحد كما لا يخفى ، ويؤيده قرينة المقابلة بينه وبين قوله في صدر الخبر «ان
كان الذي زوجه إياها من غير مواليها» فإنه ظاهر في كون الولي من مواليها. (منه ـ قدسسره ـ).
منها أنه متى كان الذي زوجها من غير
مواليها فالنكاح فاسد ، وفيه رد لما يدعونه من أنه موقوف على الإجازة كما تقدمت
الإشارة إليه ، ومتى كان المزوج لها من مواليها فإنه يرجع عليه بالمهر الذي أخذته
منه ، وهو ظاهر في بطلان النكاح ، ولكن لمولاها عوض ما استحل من فرجها العشر أو
نصف العشر ، والمدعى هو أنه لو كان التزويج بإذن المولى والتدليس إنما وقع منه فإن
الزوج يتخير بين الرضا بالعقد وفسخه ، والرواية إنما تدل بظاهرها على البطلان ،
لقضية الرجوع على المولى بالمهر الذي دفعه ، وحينئذ فالخبر بالدلالة على خلاف ما
يدعونه أنسب ، وإلى ما ذكرناه أقرب.
وأما ما اشتمل عليه صدر الخبر من أنه إذا كان الذي زوجها
إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد ، وأنه يرجع بالمهر عليها فيأخذ مما وجده دون أن
يرجع على الذي زوجها ، فيجب حمله على عدم علم الذي زوجها بالتدليس كما يشير إليه
قوله «دلست نفسها» فإنه في هذه الحال إنما يرجع عليها ، وأما لو كان المدلس هو
الذي زوجها فالرجوع بالمهر إنما هو عليه دونها ، كما تقدم تحقيقه.
وبالجملة فالظاهر عندي من الخبر المذكور هو بطلان النكاح
في الصورة التي ادعوا أن للزوج الفسخ ، بمعنى التخيير بين الرضا بالعقد وبين فسخه
، فليتأمل في المقام.
ثم إنه بناء على ما ذكره من تخيير الزوج في الفسخ لو فسخ
قبل الدخول فإنه لا مهر ، والظاهر أنه لا خلاف فيه كما سبق في العيوب ، وإن فسخ
بعده فحيث كان بإذن السيد كما هو المفروض يلزم المسمى ، وأما لو لم يكن بإذنه فإنه
بناء على ما قالوه ، من أن العقد يقع موقوفا على إذنه تأتي الأقوال الثلاثة
المتقدمة في مثله من المسمى أو مهر المثل أو العشر ونصف العشر على التقديرين ، إلا
أنك قد عرفت أن الظاهر من الأخبار في هذه الصورة إنما هو البطلان. ومنها رواية
الوليد المذكورة وقوله فيها «إن كان الذي زوجها من غير
مواليها فالنكاح فاسد» ونحوها غيرها
مما تقدم في المسألة الاولى من الفصل الرابع في نكاح الإماء.
وأنت خبير بأن ما ذكروه أيضا من لزوم المسمى بالدخول متى
كان بإذن المولى مشكل بما ذكرناه ، من أن المفهوم من رواية الوليد المذكورة هو أنه
يرجع في الصورة المذكورة على وليها بالمهر الذي أخذته منه ، ولكن الولي يرجع عليه
بالعشر أو نصف العشر ، فالواجب في هذه الحال إنما هو العشر أو نصف العشر ، وفيه
إشارة إلى بطلان المسمى في الصورة المذكورة ، والرجوع إلى العشر ونصف العشر.
هذا مقتضى الخبر ، وهم ـ رضوان الله عليهم ـ قد نقلوا
الخبر المذكور ولم يتكلموا في معناه وما اشتمل عليه من هذه الأحكام بشيء بالكلية
، وما ذكرناه من بيان معناه وما اشتمل عليه من هذا التفصيل الذي ذكرناه ظاهر لمن
تأمل بعين البصيرة ، ونظر بمقلة غير حسيرة ، وتناوله بيد غير قصيرة.
ثم إنهم قالوا بناء على ما ذكره من أن للزوج الفسخ في
الصورة المذكورة أنه لو فسخ بعد الدخول فلا كلام في وجوب المهر للمولى ، وأنه لو
فسخ بعد الدخول وغرم المهر وما في معناه وتبين بطلان العقد فإنه يرجع به على
المدلس ، وقد تقدم في أحكام العيوب ما يدل عليه.
ثم إنه لا يخلو إما أن يكون المدلس هو المرأة أو مولاها
أو أجنبيا ، فإن كانت هي المدلسة لم يكن الرجوع عليها حال الرقية ، لأنه يكون
كالرجوع على المولى وهو باطل ، بل إنما يرجع عليها بعد العتق واليسار ، فإن لم يكن
دفع المهر إليها غرمه المولى ، لأنه له ، ولكن يرجع به عليها كما عرفت على الوجه المتقدم
، وإن كان قد دفعه إليها استعاده ، لأنه باق على ملكه حيث إن قبضها إياه قبض فاسد
إن كانت عينه باقية كلا أو بعضا ، وتبعها بالباقي حسبما تقدم ، وإن كان المدلس
المولى قالوا : فإن أتى في لفظه بما يقتضي العتق ، مثل
قوله هي حرة ، إنشاء أو إخبارا حكم
عليه بحريتها إعمالا لسبب بحسب مقتضاه ، وحينئذ فيصح العقد ويكون المهر لها دون
السيد ، لأنها قد تحررت ، ويعتبر في صحة النكاح حينئذ إذنها سابقا أو إجازتها
لاحقا كغيرها من الحرائر.
وإن لم يتلفظ بما يقتضي العتق بل تكلم بكلام يحتمل
الحرية وغيرها فلا شيء للسيد ، ولا للمملوكة ، أما المملوكة فإنها لا تستحق من
مهرها شيئا ، والسيد وإن استحقه بالدخول إلا أن للزوج الرجوع عليه لتدليسه عليه
وتغريره إياه ، ولا وجه لدفعه إليه ثم استرجاعه منه.
وهل يستثني للسيد أقل ما يصح أن يجعل مهرا وهو أقل ما
يتمول أو أقل ما يكون مهرا لأمثالها كما ذهب إليه ابن الجنيد؟ قيل : لا ، وهو ظاهر
اختيار المحقق تمسكا بإطلاق ما دل على الرجوع على المدلس مما غرمه وإن كان هو
المولى. وقيل : نعم ، لأن الوطي المحرم في غير صورة التحليل يمتنع خلوه من العوض ،
وأجيب بأن العوض متحقق لكن يرجع به على المدلس.
أقول : قد تقدم الكلام في هذا المقام في المسألة الثالثة
من المطلب الثاني ، وقد ذكرنا ثمة أن ما ادعوه من هذه القاعدة ، وهو أن الوطي
المحرم يمتنع خلوه من العوض على إطلاقه ممنوع ، بل ظاهر الأخبار خلافه كما قدمنا
بيانه وشيدنا بنيانه.
وإن كان المدلس أجنبيا رجع عليه بجميع المهر المسمى
للمولى. قالوا : ولو دفعه إليها في هذه الصورة وتلف في يدها غرم مهرا آخر للسيد
ورجع به على المدلس ، لأن دفعه لها غير شرعي ، حيث إن المهر للمولى ، فيجب عليه
دفعه مرة أخرى للمولى ، ويرجع به على المدلس.
أقول : حيث إنه لم يرد في الأخبار ماله تعلق بهذه
المسألة إلا رواية الوليد ابن صبيح المتقدمة بالتقريب الذي ذكرناه فيها ، فإنه
يعسر الجمع بينها وبين ما قرروه في هذا المقام في جملة من المواضع :
(منها) إنهم ذكروا في صورة ما إذا كانت هي المدلسة ، أنه
لو دفع إليها المهر استعاده إن كان موجودا كلا أو بعضا ، وإن لم يكن تبعها به
العتق واليسار ، وظاهر الرواية في هذه الصورة كما بيناه أنه إن لم يجد شيئا فلا شيء
له عليها.
(ومنها) إن ما ذكروه في صورة تزويج المولى لها من
التفصيل في الألفاظ التي حصل بسببها التدليس من حصول العتق بها في بعض وعدم حصوله
في آخر يرده إطلاق الخبر المذكور فإن غاية ما دل عليه أنه إذا زوجها الولي ـ وهو
الذي عرفت أن المراد به المولى ـ فإنه يرجع عليه بما أخذت منه أعم من أن يأتي بتلك
الألفاظ المذكورة أو غيرها ، ويؤيده أن الحكم بحصول العتق بمجرد تلك الألفاظ كما
ذكروه من غير قصد إليه ـ ولا سيما أنه مشروط بالقربة ولم تحصل ـ مشكل.
(ومنها) ما تقدم ذكره من أن مقتضى كلامهم أنه متى كان
النكاح بغير إذن المولى فإنه يقع صحيحا موقوفا على إجازته ، والخبر المذكور صريح
في أن النكاح فاسد ويعضده في ذلك جملة من الأخبار التي قد تقدمت الإشارة إليها.
(ومنها) ما تقدم الإشارة إليه أيضا من أنهم صرحوا بأنه
متى كان التزويج بإذن السيد فإن له المسمى مع الدخول ، مع أن الرواية المذكورة تدل
بناء على ما شرحناه في معناها على أن الزوج يرجع على السيد بالمهر المسمى لتدليسه
، ولكن للسيد عليه العشر أو نصف العشر بما استحل منها ، وهو ظاهر في بطلان المسمى
الذي حكموا به والانتقال عنه إلى العشر أو نصف العشر.
وبالجملة فإن من تأمل الرواية المذكورة حق التأمل لا
يخفى عليه صحة ما قلناه ، ولم أر من تعرض للكلام على ما اشتملت عليه من هذه
الأحكام ، وقد تقدم الكلام في المسألة بالنسبة إلى المهر والولد في المسألة
الرابعة من الفصل الرابع في نكاح الإماء.
المسألة الثانية : إذا تزوجت
الحرة عبدا على أنه حر ـ وإن كان بمجرد
إخباره قبل العقد بكونه حرا ـ ثم ظهر
كونه عبدا ، فإن كان التزويج بغير إذن مولاه ولم يجز العقد بعد وقوعه كان العقد
باطلا ، وإن كان بإذنه أو إجازته صح العقد وكان للمرأة الفسخ ، ولا فرق في ذلك بين
أن تتبين الحال قبل الدخول أو بعده إلا أنه إن فسخت قبل الدخول فلا مهر ، وكذا لو
تبين بطلان العقد لعدم إذن السيد قبل الدخول بها فإنه لا مهر لها أيضا ، وإن فسخت
بعد الدخول فلها المهر ، وإن وقع النكاح برضاء السيد كان لها عليه المسمى وإلا كان
لها مهر المثل على المملوك يتبع به بعد العتق.
والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه الشيخ
(1) في الصحيح عن
محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة حرة
قد تزوجت مملوكا على أنه حر فعلمت بعد أنه مملوك ، فقال : هي أملك بنفسها إن شاءت
قرت معه ، وإن شاءت فلا ، فإن كان دخل بها بعد ما علمت أنه مملوك وأقرت بذلك فهو
أملك بها». ورواه الكليني والصدوق.
وما رواه في الكافي (2) عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قضى
أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة حرة
دلس لها عبد فنكحها ولم تعلم إلا أنه حر ، قال : يفرق بينهما إن شاءت المرأة».
والروايتان صريحتان في ثبوت الخيار لها بعد العلم
وإطلاقها دال على أنه لا فرق في ذلك بين كون ذلك بعد الدخول أو قبله ، وأما باقي
الأحكام فهي معلومة مما سبق في غير مقام.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 410 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 428 ح 18 ، الفقيه ج
3 ص 287 ح 13 وفيها «سألت أبا جعفر» ، الوسائل ج 14 ص 605 ب 11 ح 1 ، وما في
المصادر اختلاف يسير مع ما نقله ـ قدسسره.
(2) الكافي ج 5 ص 410 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 606 ح 2.
المسألة الثالثة : اختلف
الأصحاب فيما لو عقد على بنت رجل على أنها بنت مهيرة فبانت بنت أمة ، فقال الشيخ
في النهاية أن له ردها ، فإن لم يكن دخل بها لم يكن لها عليه شيء وكان المهر على
أبيها ، وإن كان قد دخل بها كان المهر عليه بما استحل من فرجها ، وقال ابن البراج
: إذا تزوج من رجل على ابنته أنها بنت مهيرة فوجدها بنت أمة كان مخيرا بين ردها
وبين إقرارها على العقد ، فإن ردها فعلى قسمين : إما أن يكون دخل بها فعليه المهر
بما استحل من فرجها ، وإن لم يكن دخل بها لم يكن عليه شيء ، وقد ذكر أن المهر يجب
لها على أبيها إذا لم يدخل بها ، والأولى أن ذلك لا يجب.
وقال الكيدري : إن لم يدخل بها فلا شيء عليه والمهر على
أبيها على ما روي ، والأصل انه غير واجب.
وقال ابن إدريس : إن لم يكن دخل بها لم يكن عليه شيء ،
وروي أن المهر على أبيها ، وليس عليه دليل من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ،
والأصل براءة الذمة ، فمن شغل ذمة الأب بالمهر يحتاج إلى دليل ، وإن دخل بها كان
المهر عليه لها بما استحل من فرجها ، ورجع على أبيها به ، فإن رضي بعد ذلك بالعقد
لم يكن له بعد رضاه الرجوع بالمهر ولا خيار الرد.
وقال المحقق في الشرائع : قيل : إذا عقد على بنت رجل على
أنها بنت مهيرة فبانت بنت أمة كان له الفسخ ، والوجه ثبوت الخيار مع الشرط لا مع
إطلاق العقد ، فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر ، ولو فسخ بعده كان لها المهر ويرجع به
على المدلس أبا كان أو غيره.
أقول : وقد اتضح بما ذكرناه أن الخلاف هنا في مواضع
ثلاثة :
(أحدها) إنه مع عدم الدخول بها هل يثبت لها المهر على
أبيها أم لا؟ والأول قول الشيخ في النهاية خاصة ، والثاني هو المشهور.
و (ثانيها) إنه هل الحكم في هذه الصورة هو ردها على
أبيها كما ذكره
الشيخ ، أو أنه يتخير بين الرد
والقبول كما هو المشهور.
و (ثالثها) إنه على تقدير أن الحكم هو الخيار كما هو
المشهور ، هل الخيار مخصوص بما إذا شرط كونها بنت مهيرة في أصل العقد أو مطلقا؟
عبارة المحقق المذكورة صريحة كما ترى في الأول ، ومثله العلامة في المختلف حيث قال
: والوجه عندي أنه لا خيار إلا مع الشرع ، واختاره في المسالك فقال ـ بعد أن نقل
عن المحقق ذلك ـ : وهذا هو الأقوى وظاهر الأكثر الثاني.
ثم إن الأصحاب ذكروا مسألة أخرى على أثر هذه المسألة ،
فقالوا : لو زوجه بنت مهيرة وأدخل عليه بنته من أمة فعليه ردها ، ولها مهر المثل
إن دخل بها ، ويرجع به على من سائقها إليه ويرد عليه التي زوجها ، وكذا كل من أدخل
عليه غير زوجته فظنها زوجته ، قالوا : والفرق بين المسألتين أن العقد في السابقة
على بنت الأمة مع دخوله على أن تكون بنت الحرة ، فلذا كان له الخيار لفوات شرطه ،
أو ما أقدم عليه ، وفي هذه الصورة وقع على بنت الحرة باتفاقهما ، وإنما أدخل عليه
بنت الأمة بغير عقد ، والحكم بوجوب رد التي أدخلت عليه ظاهر ، لأنها ليست هي
المعقود عليها ، ولها مهر المثل إذا دخل بها جاهلا بالحال ، لأنه وطء شبهة ، ومهر
المثل عوضه ، ويرجع به على المدلس الذي ساقها إليه لغروره.
وقال الشيخ في النهاية (1) : ومتى كان
للرجل بنتان أحدهما بنت مهيرة والأخرى بنت أمة فعقد الرجل على بنته من المهيرة ،
ثم ادخل عليه بنته من أمة كان له ردها ، وإن كان قد دخل بها وأعطاها المهر كان
المهر لها بما استحل من فرجها ، وإن لم يكن دخل بها فليس لها عليه مهر ، وعلى الأب
أن يسوق إليه ابنته من المهيرة ، وكان عليه المهر من ماله إذا كان المهر الأول قد
وصل إلى
__________________
(1) النهاية ج 2 ص 485 طبعة قم.
ابنته الاولى ، وإن لم يكن قد وصل
إليها ولا يكون قد دخل بها كان المهر في ذمة الزوج.
وقال ابن البراج : وإن كان الرجل قد دفع الصداق إلى
الأولى لم يكن لهذه عليه شيء ، ووجب على أبيها في ماله صداقها دون الزوج.
أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما
رواه في الكافي والتهذيب (1) في الموثق عن
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل خطب إلى رجل ابنة له من مهيرة ، فلما كان ليلة دخولها على زوجها ادخل عليه
ابنة له اخرى من أمة قال : ترد على أبيها وترد إليه امرأته ، ويكون مهرها على
أبيها».
وهذه الرواية ظاهرة في المسألة بل صريحة في المسألة
الثانية لدلالتها على أن التي أدخلت عليه غير الابنة التي وقع العقد عليها ، وقد
حكم عليهالسلام بأنه ترد
الابنة التي أدخلت عليه إلى أبيها لأنها ليست هي الزوجة ، ويرد إلى الرجل ابنته
التي وقع عليها العقد لأنها زوجته ، ومهرها على أبيها عوض تدليسه ، والمهر الذي
دفعه أولا للتي أدخلت عليه بناء على أنه دخل بها ، والرواية وإن كانت مجملة في ذلك
إلا أن هذا التفصيل معلوم مما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وما رواه في الكافي (2) عن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن
قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يخطب
إلى الرجل ابنته من مهيرة فأتاه بغيرها ، قال : ترد إليه التي سميت له بمهر آخر من
عند أبيها ، والمهر الأول للتي دخل بها».
وهذه الرواية أيضا ظاهرة بل صريحة في المسألة الثانية ،
وأن التي أدخلت عليه غير زوجته المعقود بها ، وقد كني عن العقد في الخبرين بالخطبة
، وقد حكم
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 406 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 423 ح 3 ، الوسائل ج
14 ص 603 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 406 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 423 ح 2 ، الوسائل ج
14 ص 603 ح 1.
عليهالسلام بأن ما ساقه
الزوج من المهر يكون للتي أدخلت عليه لمكان دخوله بها مع جهله بالحال ، وأن على
الأب أن يدفع لزوجته التي عقد بها عليه المهر من ماله.
والروايتان المذكورتان كما ترى على خلاف قواعدهم (1) من إيجاب مهر
المثل للتي أدخلت عليه لأنه نكاح شبهة ، وهو موضع مهر المثل ، وأنه يرجع به على
الأب لتدليسه ، مع أن الروايتين ظاهرتان في أن لها المهر الذي ساقه الزوج أولا ،
ومقتضى قواعدهم أنه يجب للزوجة المهر الذي سمي في العقد ، ويجب على الزوج دفعة لها
، مع أنه عليهالسلام حكم في
الخبرين بإيجابه على الأب.
ويعضد هذين الخبرين أيضا ما رواه الثقة الجليل أحمد بن
محمد بن عيسى في كتاب النوادر (2) عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إن
عليا عليهالسلام قضى في رجل له
ابنتان إحداهما لمهيرة والأخرى لأم ولد ، فزوج ابنته المهيرة فلما كان ليلة البناء
أدخلت عليه ابنته لام ولد فوقع عليها ، قال : ترد عليه امرأته التي كانت تزوجها ،
وترد هذه على أبيها ، ويكون مهرها على أبيها».
ورواه الصدوق في المقنع (3) مرسلا قال : «قضى
علي عليهالسلام» الحديث.
أقول : قول «ويكون مهرها على أبيها» راجع إلى التي كانت
قد تزوجها
__________________
(1) قال السيد السند في شرح النافع : ما تضمنته الرواية من كون
مهر الزوجة على أبيها مخالف للأصل ، ويمكن حملها على أن المسمى مساو لمهر المثل ،
فان ما أخذته التي دخل بها من المهر يكون للشبهة ، ويرجع الى أبيها إذا كان قد
ساقها اليه ويدفع الى ابنته الأخرى ، ويكون ذلك معنى كون المهر من عند أبيها ،
انتهى.
ولا
يخفى ما فيه من التعسف الظاهر ، وأي ضرورة تلجئ الى ذلك ، إذ من الجائز بل هو
الظاهر أن الحكم بذلك وان كان على خلاف القواعد الا أنه وقع عقوبة ومؤاخذة للأب
بما فعله من التدليس ، وله نظائر قد تقدمت. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) النوادر ص 65 ، البحار ج 103 ص 365 ح 24 ، الوسائل ج 14 ص
603 ح 3.
(3) الوسائل ج 14 ص 603 ذيل ح 2.
كما صرح به الخبر المتقدم.
ويؤكده أيضا ما رواه ابن شهرآشوب في كتاب المناقب (1) عن إسماعيل بن
موسى بإسناده «أن رجلا خطب إلى رجل ابنة له عربية فأنكحها إياه ، ثم بعث إليه
بابنة له أمها أعجمية فعلم بذلك بعد أن دخل بها ، فأتى معاوية وقص عليه القصة فقال
: معضلة لها أبو الحسن ، فاستأذنه وأتى الكوفة وقص على أمير المؤمنين عليهالسلام فقال : على
أبي الجارية أن يجهز لابنة التي أنكحها إياه بمثل صداق التي ساق إليه فيها ، ويكون
صداق التي ساق منها لأختها بما أصاب من فرجها ، وأمره أن لا يمس التي تزف إليه حتى
تقضي عدتها ، ويجلد أبوها نكالا لما فعل» (2).
وأنت خبير بأن هذه الأخبار بعد حمل مجملها على مفصلها قد
اتفقت على أن الحكم في المسألة الثانية هو وجوب مهر الزوجة التي أخر دخولها على
أبيها ، والمهر الذي ساق الزوج أولا يكون للتي أدخلت عليه لمكان الدخول بها ، وإن
كان ذلك على خلاف قواعدهم المشهورة إلا أنه صريح كلام الشيخ في النهاية كما قدمناه
، وكذا كلام ابن البراج ، والمشهور بين المتأخرين خلافه كما عرفت مما قدمنا نقله
عنهم.
قال العلامة في المختلف ـ بعد ذكر المسألة الثانية ونقل
قول الشيخ في النهاية بنحو ما نقلناه آنفا وذكر رواية محمد بن مسلم الاولى ـ :
والحق أن نقول إن كانت الأولى عالمة بأنها ليست الزوجة ودخل بها على علمها
بالتحريم لم يكن لها مهر لأنها زانية ، وإن لم تكن عالمة أو جهلت التحريم كان لها
مهر مثلها ـ إلى أن
__________________
(1) المناقب ج 2 ص 376 ، البحار ج 103 ص 361 ح 3.
(2) قد تضمنت هذه الرواية زيادة على غيرها من روايات المسألة
عدم جواز وطئ زوجته حتى تنقضي عدة التي أدخلت عليه ، والوجه فيه ظاهر حيث انها
أختها ، ونكاحها صحيح لانه نكاح شبهة ، والوطي ما دامت في العدة يستلزم الجمع بين
الأختين ، وتضمنت جلده تأديبا جزاء لما فعله من التدليس وارتكاب أمر محرم شرعا. (منه
ـ قدسسره ـ).
قال : ـ وأما الأولى فلها مهرها على
الزوج لأنه لا يسقط بدفع الزوج إلى الثانية ، ثم الزوج يطالب الأب الرافع بما دفعه
الزوج إلى الثانية لأنه غره ، انتهى.
وفيه أنه وإن كان ذلك مقتضى قواعدهم المقررة ، لكن اتفاق
هذه الروايات ودلالتها صريحا على ما ذكرناه يمنع من ردها وطرحها في مقابلة ما
ذكروه سيما مع ما عرفت في غير موضع مما تقدم من وقوع نحو ذلك في مواضع لا تحصى
كثرة.
وكيف كان فجملة هذه الأخبار إنما تضمنت حكم المسألة
الثانية ، وليس غيرها في الباب ، وعلى هذا فالمسألة الأولى خالية من الدليل ، وإن
كثر فيها القال والقيل ، وما ذكروه فيها من الرواية بأن مهر تلك المرأة مع عدم
الدخول بها على أبيها لم نقف عليه في خبر بالكلية ، وكذا المواضع التي وقع فيها
الخلاف كما قدمنا ذكره لم نقف فيها على خبر.
وبالجملة فإنه لم يصل إلينا خبر يتضمن تلك المسألة
بالكلية ، وإنما الذي وصل إلينا هذه الأخبار التي ذكرناها ، وموضعها إنما هو
المسألة الثانية ، وحينئذ فيشكل الكلام فيها وإن أمكن بالنظر إلى تقريباتهم
العقلية في بعض المواضع منها ، إلا أنها غير معمول عليها عندنا كما عرفت في غير
موضع مما تقدم.
والعلامة في المختلف بعد أن اختار فيها أنه لا خيار إلا
مع الشرط كما قدمنا نقله عنه قال : والشيخ عول على رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام ، ثم ساق
الرواية الاولى من روايته ، ثم قال : وإن كان ضامنا في هذه الصورة فكذا في
المتنازع لعدم التفاوت ، وفي إيجاب المهر على الأب إشكال ، انتهى.
وأنت خبير بأن ظاهر كلامه أن الشيخ إنما قال بوجوب المهر
على الأب في المسألة الأولى إلحاقا لها بالمسألة الثانية ، حيث أوجب على الأب
المهر للزوجة ، ولا يخفى أنه مع كونها قياسا ، فهو قياس مع الفارق ، لأن التي حكم
بإيجاب المهر لها على الأب في المسألة الأولى ليست زوجة ، لأن الشرط والتراضي إنما
وقع على بنت المهيرة ، وهذه إنما هي مدلسة ، ولذا حكم بردها على أبيها ، ومن أجل
ذلك استشكل أيضا في إيجاب المهر على
الأب ، والتي حكم بإيجاب المهر لها في المسألة الثانية زوجة شرعية مستحقة للمهر ،
لكن لما كان الأب سببا في فوات مهرها باستحقاق الأخت التي أدخلت عليه لدخوله بها ،
غرم المهر عقوبة لابنته التي أخر إدخالها على زوجها.
وبالجملة فالمسألة حيث كانت عارية عن النص فالكلام فيها
مشكل ، وحبس الفكر عن الجولان في ميدانها أوفق بالامتثال لما أمروا به في أمثالها.
فوائد
الأولى : قد وقع
التعبير بالمهيرة في الأخبار وكلام الأصحاب ، وفي الحديث كان لداود عليهالسلام (1) ثلاثمائة
مهيرة ، وسبعمائة سرية. وهي فعلية بمعنى مفعولة ، والمراد بها على ما ذكره أهل
اللغة الحرة كالجوهري وغيره ، سميت بذلك لأنها لا ينكح إلا بمهر ، بخلاف الأمة
فإنها قد توطئ بالملك والتحليل.
قال في القاموس (2) المهيرة هي الحرة الغالية المهر. وفي
الصحاح (3) : المهيرة هي
الحرة.
الثانية : قال في
المسالك : واعلم أنه لا فرق في بنت المهيرة بين كون أمها حرة في الأصل ، أو معتقة
لما عرفت من أن المراد منها لغة الحرة ، وهي شاملة لهما ويحتمل ضعيفا (4) الفرق ، بناء
على أن المعتقة يصدق عليها أنها كانت أمة ،
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 567 ح 50 ، الوسائل ج 14 ص 181 ح 9 ، وما في
المصدرين «كان لسليمان بن داود».
(2) القاموس ج 2 ص 137.
(3) الصحاح ج 2 ص 821.
(4) أقول : أشار بهذا الاحتمال الى ما ذكره جملة منهم السيد
عميد الدين في شرح القواعد فإنه استشكل في المسألة لهذا الاحتمال ، والمذكور فيها
جوابه. (منه ـ قدسسره ـ).
إذ لا يشترط في صدق المشتق بقاء
المعنى المشتق منه ، ولا يخفى ضعفه إذ لا اشتقاق هنا ، بل الأمة اسم للرقية ، وهو
منتف بعد العتق ، وتعريف أهل اللغة ينافيه ، انتهى.
الثالثة : لا يخفى أن
ما صرحت به أخبار المسألة الثانية من ثبوت المهر لمن أدخلت عليه مبني على الدخول
بها مع عدم علمها بالحال ، وإلا فلو كانت عالمة بأنها ليست زوجة فإنه لا شيء لها
لأنها زانية ، ولو علم هو مع جهلها كان هو زانيا ، ولكن لها مهر المثل عند الأصحاب
لموضع الشبهة ، والمهر الذي تضمنته الأخبار ، هذا مع الدخول بها وإلا فلا شيء لها
لا على الرجل الذي أدخلت عليه ولا غيره ، لأنها ليست معقودا عليها ولا موطوءة ،
والله أعلم.
المسألة الرابعة : إذا تزوج الرجل
امرأة على أنها بكر فظهرت ثيبا فظاهر كلام جملة من الأصحاب التفصيل في ذلك بأنه إن
كان شرط كونها بكرا وثبت سبق الثيبوبة على العقد فإنه يجوز له الفسخ لفوات الشرط
المقتضي للتخيير كنظائره ، وإلا فلا ، لأن الثيبوبة في نفسها ليست عيبا بحيث ترد
به المرأة ، ولذلك لم يذكر في العيوب المتقدمة ، وإنما جاز الفسخ من حيث الشرط.
ويثبت سبق الثيبوبة بإقرارها وبالبينة ، أو بقرائن
الأحوال المفيد للعلم ، ولو تجددت الثيبوبة بعد العقد فلا خيار أيضا ولا رجوع لعدم
المقتضي ، وما تجدد بعد العقد من جملة العوارض اللاحقة لها لا توجب شيئا ، ولا
يترتب عليها أثر ، ولو اشتبه الحال بأن لم يعلم تقدم ذلك على العقد أو تأخره عنه ،
فلا خيار أيضا لأصالة عدم التقدم ، ثم إنه متى فسخ فإن كان قبل الدخول فلا شيء
لها ، وإن كان بعده فقد استقر المهر ويرجع به على المدلس ، وإن كانت هي المدلسة
فلا شيء لها ، إلا أنهم قالوا هنا جريا على ما تقدم من نظائر هذا الموضع أنه
يستثني لها أقل ما يصلح لأن يكون مهرا كما هو أحد القولين.
والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه ثقة
الإسلام (1) في الصحيح
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 413 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 428 ح 16 ، الوسائل
ج 14 ص 605 ب 10 ح 1.
عن محمد بن القاسم بن الفضيل عن أبي
الحسن عليهالسلام «في الرجل
يتزوج امرأة على أنها بكر فيجدها ثيبا ، يجوز له أن يقيم عليها؟ قال : فقال : قد
تفتق البكر من المركب ومن النزوة».
وما رواه في الكافي والتهذيب (1) في الصحيح عن
محمد بن جزك قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليهالسلام أسأله عن رجل
تزوج جارية بكرا فوجدها ثيبا ، هل يجب لها الصداق وافيا أم ينتقص؟ قال : ينتقص».
وظاهر الخبر الأول يتناول من اشترط بكارتها في العقد أو
ذكرت قبله وجرى العقد عليها من غير اشتراط له في نفس العقد ، وأنه مع عدم العلم
بالتقدم على العقد يجوز تجدده بأحد الوجهين المذكورين فلا يوجب ذلك الخيار ، وظاهر
الثانية هو أنه مع ظهور الثيبوبة ينقص شيء من المسمى ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء
الله تعالى ، وأما باقي الأحكام في المقام فقد علم وجهها مما سبق.
بقي هنا شيء ، وهو أنه حيث لا فسخ إما لعدم وجود موجبه
، أو لاختياره المقام معها وإن جاز له الفسخ ، فهل للزوج أن ينقص شيئا من المهر
لظهور الثيبوبة التي هي على خلاف ما وقع عليه الاتفاق من البكارة أم لا؟ قولان ،
والثاني منقول عن أبي الصلاح وبن البراج (2) والأول هو المشهور.
قال أبو الصلاح على ما نقل عنه في المختلف في بحث المهور
: إذا تزوج بكرا فوجدها ثيبا وأقرت للزوج بذلك حسب ، أو قامت به البينة فليس يوجب
الرد ولا نقصانا في المهر.
وظاهر هذا الكلام عدم ثبوت الخيار ، وإن تقدم حصول
الثيبوبة على العقد
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 413 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 428 ح 17 ، الوسائل
ج 14 ص 605 ب 10 ح 2.
(2) وأما ابن البراج فإنه قال : إذا تزوجها على أنها بكر
فوجدها ثيبا جاز أن ينقص من مهرها شيئا ، وليس ذلك بواجب. انتهى ، وربما أشعرت هذه
العبارة بخلاف ما نقل عنه. (منه ـ قدسسره ـ).
وشرط البكارة ، وهو خلاف ما يفهم من
كلام الأصحاب كما عرفت ، ولهذا أن العلامة في المختلف قال : وأبو الصلاح إن قصد
التزويج بالبكر مع عدم شرط البكارة فهو مسلم ، وإن قصد ذلك مع اشتراط البكارة فهو
ممنوع ، ثم إنه على تقدير القول المشهور من جواز أن ينقص من المهر شيئا فإنهم قد
اختلفوا في قدر ذلك على أقوال :
(أحدها) أن ينقص شيء في الجملة ، حيث قد ورد عن الشارع
نقص شيء ولم يقدره كما تشعر به صحيحة محمد بن جزك المتقدمة ، والتقريب فيها
استلزام النقص تقدير منقوص ، والمناسب تقدير لفظ شيء مبهم لاقتضاء المقام إياه ،
وهذا القول للشيخ في النهاية.
و (ثانيها) إن الناقص السدس ، ونقل عن القطب الراوندي في
شرح مشكل النهاية محتجا بأن الشيء في عرف الشرع السدس ، فلهذا حمل عليه في الوصية
فكذا هنا ، وغلطه المحقق فقال : بأن الشيء لم يذكر في الرواية ، وإنما وجب تقديره
لاقتضاء اللفظ نقصان قدر مبهم ، وهو الشيء المنكر ، لا الشيء المعين الذي هو
السدس ، ثم كون الشيء سدسا في الوصية لا يقتضيه في غيرها ، لانتفاء الدليل عليه
مع كونه أعم ، ورده العلامة أيضا في المختلف فقال : الجواب المنع من العرف الشرعي
في ذلك ، ولهذا لا يحمل عليه في الإقرار وغيره ، ولا يلزم من تقديره في الوصية
تقديره في غيرها ، إذ ليس في الرواية لفظ شيء.
و (ثالثها) إنه ينقص منه مقدار ما بين مهر البكر والثيب
، وهو قول ابن إدريس حيث قال ـ على ما نقله في المختلف ـ : الصحيح أنه ينقص من
المسمى مقدار مثل ما بين مهر البكر إلى مهر الثيب ، وذلك يختلف باختلاف الجمال
والسن والشرف وغير ذلك ، فلأجل هذا قيل ينقص من مهرها شيء منكر غير معروف ،
واختاره في المختلف ، وهو قول المحقق في الشرائع.
وقد اعترض على هذا القول السيد عميد الدين في شرحه على القواعد فقال : وأنا أقول : إن كلام ابن إدريس ليس جيدا على إطلاقه ، فإنه ربما أدى إلى سقوط المهر بالكلية ، وذلك لأنا لو فرضنا أن مهرها بكرا خمسون وثيبا أربعون كان له أن يسقط التفاوت وهو عشرة ، كما قال ابن إدريس ، فلو فرضنا أن المسمى كان عشرة لزم خلو البضع من المهر بإسقاط جميعه ، بل ينبغي أن يقال أنه يسقط نسبة ما بين مهرها بكرا وثيبا ، ففي هذه الصورة يسقط خمس ما وقع عليه العقد ، وذلك ديناران. انتهى وهو جيد ، وقد تقدم نظيره في كتاب البيع.
ونقل الشيخ ابن فهد في الموجز عن فخر المحققين أنه رده
بأن قيمة المثل يعتبر في المعاوضات المحضة والنكاح ليس منها ، وهو ظاهر في رد قول
ابن إدريس.
وظاهره في المسالك (1) وسبطه في شرح النافع حمل كلام ابن
إدريس على ما ذكره السيد عميد الدين من إرادة النسبة بين المهرين لا مجموع ما
بينهما. ونسبه في المسالك إلى العلامة في التحرير أيضا ، وقال : ووجهه أن الرضاء
بالمهر المعين إنما حصل على تقدير اتصافها بالبكارة ولم تحصل إلا خالية من الوصف ،
فيلزم التفاوت كأرض ما بين المبيع صحيحا ومعيبا ، قال : ويضعف بأن ذلك إنما يتم
حيث يكون فواته قبل العقد ، أما مع إمكان تجدده فلا ، لعدم العلم بما يقتضي
السقوط. انتهى وهو جيد.
و (رابعها) ما نقله في المسالك عن المحقق أيضا وهو إحالة
تقدير ذلك على نظر الحاكم ، لانتفاء تقدير النص شرعا مع الحكم بأصله بالرواية
الصحيحة فيرجع فيه إلى رأي الحاكم ، قال : وهذا القول منسوب إلى المصنف أيضا وهو
أوجه الأقوال ، لثبوت النقص بالرواية الصحيحة وعدم تقديره لغة وشرعا ، فلا
__________________
(1) حيث قال في ثالثها : أنه ينقص منه مقدار ما بين مهر البكر
والثيب أى بنسبة ما بينهما لا مجموع ما بينهما لئلا يلزم استيعاب المسمى في بعض
الموارد بل الزيادة عليه ، فلو فرض مهر مثل البكر مائة والثيب خمسين نقص من الفرض
نصف المسمى ، وهو قول ابن إدريس ـ رحمهالله ـ ورجحه المصنف ـ رحمة الله عليه ـ والعلامة
في التحرير ... الى آخر ما ذكرناه في الأصل. (منه ـ قدسسره ـ).
أقول : الموجود من الأقوال في المسألة هو الثلاثة الأول
كما ذكره في المختلف ، ومثله السيد عميد الدين في شرح القواعد ، وهذا القول نقله
الشيخ أحمد ابن فهد عن المحقق في النكت (1).
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المسألة غير خالية من الاشكال ،
والظاهر عندي ضعف القول الرابع بعد الثاني فإنه أضعف الأقوال ، وما احتج في
المسالك بهذا القول من ثبوت النقص بالرواية ، وعدم تقديره لغة وشرعا يعني عدم
تقدير الشيء ، فإنه لا يستلزم الرجوع إلى الحاكم بوجه من الوجوه ، وكيف والحاكم
إنما يجوز له الحكم بشيء بعد قيام دليل عليه عنده ، ولم يرد من الشرع تفويض
الأحكام الشرعية أو تقدير المجهولات إليه يحكم فيها برأيه كما ادعاه من قوله ،
وينظر في أصل المسألة برأيه ، وأي دليل دل على تفويض ذلك إليه يحكم فيه برأيه ، مع
أنه مأخوذ عليه آية ورواية أن لا يحكم إلا بما أنزل الله ، وأقرب هذه الأقوال
القول الأول والثالث ، بل يمكن إرجاعهما إلى قول واحد كما هو ظاهر العلامة في
المختلف حيث قال ـ بعد اختيار مذهب ابن إدريس ـ وهو غير مناف لما قاله الشيخ ،
والله العالم.
المسألة الخامسة : قد صرح جملة
من الأصحاب بأنه إذا تزوج رجلان بامرأتين فأدخلت امرأة كل واحد منهما على الآخر
فوطأها ، فلكل واحدة منهما على واطئها مهر المثل ، وترد كل واحدة على زوجها ،
وعليه مهرها المسمى ، وليس له وطؤها حتى تنقضي عدتها من وطئ الأول ، ولو ماتتا في
العدة أو مات الزوجان ورث كل منهما زوجة نفسه وورثته.
__________________
(1) وظاهر السيد السند في شرح النافع الميل الى هذا القول تبعا
لجده ـ قدسسرهما ـ حيث قال ـ بعد ذكر الوجه الذي نقلناه
عن جده ـ : ولا بأس به. (منه ـ قدسسره ـ).
وقال الشيخ في النهاية (1) إذا عقد
الرجلان على امرأتين فأدخلت امرأة هذا على هذا ، والأخرى على الآخر ثم علم بعد ذلك
فإن كانا قد دخلا بهما فإن لكل واحدة منهما الصداق ، فإن كان الولي تعمد ذلك ،
اغرم الصداق ، ولا يقرب كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها ، فإن ماتتا قبل
انقضاء العدة فليرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتها ، ويرثانهما الزوجان ، وإن
مات الرجلان وهما في العدة فإنهما يرثانهما ، ولهما المسمى.
وقال ابن إدريس : والصحيح من الأقوال أن بموت أحد
الزوجين يستقر جميع المهر كملا ، سواء دخل بها الرجل أو لا.
أقول : والأصل في هذه المسألة ما رواه في الكافي
والتهذيب (2) عن جميل بن
صالح عن بعض أصحاب أبي عبد الله عليهالسلام «في أختين
هديتا إلى أخوين في ليلة ، فأدخلت امرأة هذا على هذا ، وأدخلت امرأة هذا على هذا ،
قال : لكل واحد منهما الصداق بالغشيان ، وإن كان وليهما تعمد ذلك اغرم الصداق ،
ولا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي العدة ، فإذا انقضت العدة صارت كل واحدة
منهما إلى زوجها بالنكاح الأول ، قيل له : فإن ماتتا قبل انقضاء العدة؟ قال : فقال
: يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما ، ويرثانهما الرجلان ، قيل : فإن مات
الرجلان وهما في العدة؟ قال : ترثانهما ولهما نصف المهر المسمى ، وعليهما العدة
بعد ما تفرغان من العدة الأولى تعتدان عدة المتوفى عنها زوجها».
وروى هذه الرواية الصدوق في الفقيه (3) عن الحسن بن
محبوب عن جميل بن صالح أن أبا عبد الله عليهالسلام قال : «في
أختين أهديتا» الحديث ،. وهو صحيح لأن طريق
__________________
(1) النهاية ص 488 ط قم مع إضافات فراجع.
(2) الكافي ج 5 ص 407 ح 11 ، التهذيب ج 7 ص 434 ح 41 ، الوسائل
ج 14 ص 396 ب 49 ح 2.
(3) الفقيه ج 3 ص 267 ح 54.
الصدوق إلى الحسن بن محبوب صحيح ،
وباقي رجاله ثقات ، والأصحاب في كتب الاستدلال كالمختلف والمسالك وغيرهما إنما
نقلوا الخبر برواية الكليني والشيخ ، وردوه بضعف السند ، لما عرفت من الإرسال ،
وطعن فيه المسالك باشتماله على تنصيف المهر في موت كل منهما ، ولا بأس بنقل كلامه
، وإن طال به زمام الكلام ليظهر لك ما فيه من صحة أو سقام.
قال ـ رحمة الله عليه ـ بعد الكلام في المسألة وذكر
الرواية : وقد ظهر أن الرواية ضعيفة بالإرسال والقطع معا ، ومع ذلك فالشيخ لم يعمل
بموجبها في الزوجين لتضمنها لثبوت نصف المهر بالموت في كل منهما ، والشيخ خصه بموت
الزوجة ، وأوجب مع موت الزوج المسمى ، ولعل لفظ المسمى وقع سهوا ، وكان حقه نصف
المسمى كما في الرواية ، لأنها هي مستند ذكره لها في النهاية ، وقد ذكرها الصدوق
في المقنع كما ذكرها في التهذيب ، ولكن الصدوق لم يجعلها مقطوعة ، بل قال : وسئل
الصادق عليهالسلام عن أختين أهديتا
إلى أخوين. إلى آخر الحديث ، وفي المختلف اقتصر في نقل الرواية على ما تضمنه كلام
الشيخ ، وترك حكاية آخرها المتضمن لثبوت نصف المهر على تقدير موت الزوج ، فلم يحصل
فيها مخالفة إلا في موضع واحد ، وهو ثبوت نصف المهر على تقدير موت الزوجة كما ذكره
في النهاية ، ثم حمل الرواية على أن المرأتين ليس لهما ولد ، فيرجع الزوجان بالنصف
فيما دفعاه مهرا على سبيل الميراث ، ورضيه منه المتأخرون ، وهذا الحل مع بعده يتم
في جانب الزوج دون الزوجة لحكمه لها أيضا بالنصف ، مع أن أول الرواية تضمن حصول
الغشيان ووجوب الصداق ، وآخرها اقتضى ثبوت النصف بالموت ، وحملها على ما لوقع ذلك
قبل الدخول خلاف ظاهرها ، وعلى كل تقدير ، فإطراح الرواية لما ذكر من وجه الضعف
أولى من تكلف حملها على ما لا تدل عليه ، انتهى.
أقول ـ وبالله التوفيق ـ : إن ما طعن به من ضعف السند فقد عرفت جوابه ، وأنه مبني على نقله الرواية من التهذيب أو الكافي ، وإلا فهي كما عرفت صحيحة في الفقيه ، وعبارة المقنع التي حكاها مبنية على ذلك.
وأما ما طعن به في متن الخبر من اشتماله على تنصيف المهر
بموت الزوج والزوجة مع ذكر الغشيان الذي هو كناية عن الدخول في صدر الخبر ،
فالجواب عنه أنه لا يخفى أن الغشيان الذي وقع إنما هو من ذلك الرجل الأجنبي الذي
أدخلت عليه المرأة بظن أنه زوجها فجامعها على أنها زوجته ، والصداق المذكور الذي
استحقه بالغشيان مراد به مهر المثل الذي ذكره الأصحاب ، حيث إن النكاح هنا وقع
نكاح شبهة يوجب مهر المثل ، غاية الأمر أنه عبر عنه بالصداق ، وهو غير بعيد ولا
مستغرب.
وأما ما ذكره من السؤال في الرواية بقوله : فإن ماتتا
قبل انقضاء العدة؟ قال : يرجع بنصف الصداق. فالمراد بالصداق هنا إنما هو المسمى في
العقد بين تلك المرأة وزوجها لا مهر المثل الذي تقدم في صدور الرواية.
وبذلك على ذلك أن هذا السؤال إنما وقع على أثر قوله :
ولا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي العدة ، فإذا انقضت العدة صارت كل امرأة
منهما إلى زوجها ، فإنه لما تضمن وجوب إرجاع كل واحدة منهما إلى زوجها الذي عقد
عليها ، بعد أن تنقضي عدة نكاح الشبهة رجع السائل وسأل عن موت أحد الزوجين من
المرأة أو الرجل في تلك العدة.
وحاصله يرجع إلى موت أحد الزوجين قبل الدخول وهي مسألة
مشهورة سيأتي تحقيق الكلام فيها ، وقد قيل بتنصيف المهر في الموضعين ودلت عليه
جملة من الأخبار أيضا ، وهذا الخبر من جملتها ، وإن عارضها غيرها من الأخبار.
وبالجملة فإن كلا من المرأتين المذكورتين لها صداقان : أحدهما وهو مهر المثل على الواطئ لها ، وهو المذكور في صدر الرواية ، والمهر الآخر المسمى في العقد على الزوج ، وهذا هو الذي وقع السؤال عن وجوبه كملا أو تنصيفه بالموت ، وهي مسألة مشهورة ، وأخبارها من الطرفين مأثورة ، وهذا الخبر من جملتها ، وبذلك يظهر أنه لا طعن من هذه الجهة لوجود القائل ، ودلالة الأخبار على تنصيف المهر في الموضعين ، ولا ضرورة إلى ما تكلفه في المختلف ولا غيره ، ولا إشكال بحمد الملك المتعال في هذا المجال كما لا يخفى على من عرف الرجال بالحق ، لا الحق بالرجال.
ومن روايات المسألة أيضا وإن لم تشتمل على هذه الأحكام
ما رواه في الفقيه (1) عن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن رجلين نكحا امرأتين ، فأتى هذا بامرأة هذا ، وهذا بامرأة هذا؟ قال : تعتد هذه
من هذا ، وهذه من هذا ، ثم ترجع كل واحدة إلى زوجها».
أقول : حكمه عليهالسلام بالعدة هنا
محمول على وقوع الدخول ، وإلا فمع عدمه فإنه ترجع كل واحدة إلى زوجها من حين العلم
بالحال ، وبه صرح الأصحاب أيضا ، وقد صرحوا أيضا بأنه متى كان الرجل عالما بالحال
وهي جاهلة فإنه يكون زانيا فيحد لذلك ، ولها المهر ، وعليها العدة ولو علمت هي
وجهل هو كانت زانية لا مهر لها ، ويجب عليها الحد وعليها العدة لوطئه المحرم ،
والعدة تثبت مع احترام الوطي من جهتها أو من جهته كما عرفت ، ولو علما معا كانا
زانيين فلا مهر ولا عدة ، ولو فرض دخول أحدهما دون الآخر أو العلم من أحدهما دون
الآخر اختص كل بما يلزمه من الأحكام المذكورة ، والله العالم.
المسألة السادسة : من القواعد
المقررة بينهم أن كل موضع حكم فيه ببطلان العقد فللزوجة مع الوطي مهر المثل لا
المسمى ، وكل موضع حكم فيه بصحة العقد فلها مع الوطي المسمى وإن تعقبه الفسخ.
وعلل الأول بأن مهر المثل عوض البضع المحرم حيث لا عقد ،
ومع بطلان العقد ينزل كعدمه فيكون كالوطئ لشبهة المجرد عن العقد.
وعلل الثاني بأن المسمى تابع لصحة العقد ، فمتى صح العقد وجب المسمى وإن تعقبه الفسخ لوجوبه بالعقد ، والفسخ إنما يرفع العقد من حين الفسخ لا من أصل العقد ، فلا يبطل المسمى الذي قد استقر بالدخول سواء كان الفسخ بعيب سابق له أو لا حق ، وللشيخ في المبسوط قول بالتفصيل ، وهو أنه إن كان الفسخ بعيب سابق على الوطي لزم مهر المثل سواء كان حدوثه قبل العقد أو بعده ، وقد تقدم الكلام في ذلك.
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 267 ح 52 ، الوسائل ج 14 ص 395 ب 49 ح 1.