ج7 - لباس المصلي
المطلب الثاني
قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا تجوز الصلاة في النجاسة الغير المعفو عنها ، وقد تقدم البحث في ذلك مستوفى في كتاب الطهارة. ولا تجوز أيضا في جلد الميتة ولا جلد غير مأكول اللحم وصوفه وشعره ووبره عدا ما يأتي استثناؤه ان شاء الله تعالى ، ولا في الحرير المحض للرجل ولا في الذهب له ايضا ولا في المغصوب ، ويجوز في ما عدا ذلك.
وتفصيل هذه الجملة يقع في مقامات (الأول) في جلد الميتة وقد
أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على انه لا تجوز الصلاة فيه ولو كان مما يؤكل
لحمه سواء دبغ أم لم يدبغ حتى من القائلين بطهارته بالدباغ.
ويدل عليه الاخبار المتكاثرة. فروى الشيخ في الصحيح عن
ابن ابي عمير عن غير واحد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) «في الميتة؟
قال : لا تصل في شيء منه ولا شسع».
أقول : الشسع بالكسر ما يشد به النعل.
وروى الصدوق والشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي
جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ فقالا ولو دبغ سبعين مرة».
وروى في كتاب الخصال بسنده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) (3) قال : «لا
يصلى في جلود الميتة وان دبغت سبعين مرة ولا في جلود السباع».
وروى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) (4) قال : «لا
يصلى بجلد الميتة ولو دبغ سبعين مرة إنا أهل بيت لا نصلي بجلود الميتة وان دبغت». الى
غير ذلك من الاخبار الآتية ونحوها.
واما ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا وفي كتاب العلل
مسندا في الصحيح عن يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) ـ قال : «قال
الله عزوجل لموسى
__________________
(1 و 2 و 5) الوسائل الباب 1 من لباس المصلي.
(3) الوسائل الباب 6 من لباس المصلى.
(4) البحار ج 18 الصلاة ص 100.
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ (1) لأنها كانت من
جلد حمار ميت» ـ.
فقد أجيب عنه بالحمل على عدم علمه (عليهالسلام) بذلك أو انه
لم يكن يصلي فيها ان جوزنا الاستعمال في غير الصلاة أو انه لم يكن في شرعه تحريم
الصلاة في جلد الميتة.
والحق في الجواب انما هو ما رواه في كتاب إكمال الدين (2) في حديث سعد
ابن عبد الله ودخوله على الإمام أبي محمد العسكري (عليهالسلام) مع احمد بن
إسحاق وعلى فخذه ابنه القائم عجل الله فرجه قال في حديثه : وهو غلام يناسب المشتري
في الخلقة والمنظر ، فسأله عن مسائل فقال سل قرة عيني وأومأ إلى الغلام ، فكان في
ما سأله قال أخبرني يا ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن أمر الله
تبارك وتعالى لنبيه موسى (عليهالسلام) «فَاخْلَعْ
نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً» (3) فان فقهاء
الفريقين يزعمون انهما من إهاب الميتة؟ فقال (عليهالسلام) من قال ذلك
فقد افترى على موسى (عليهالسلام) واستجهله في
نبوته لانه ما خلا الأمر فيهما من خطيئتين اما ان تكون صلاة موسى فيهما جائزة أو
غير جائزة؟ فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة وان كانت مقدسة
مطهرة فليست بأقدس واطهر من الصلاة ، وان كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على
موسى انه لم يعرف الحلال والحرام ولم يعلم ما جازت الصلاة فيه مما لم تجز وهذا
كفر. قلت فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما قال ان موسى ناجى ربه بالواد المقدس فقال
يا رب اني أخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عن من سواك وكان شديد الحب لأهله فقال
الله تبارك وتعالى «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ» اي انزع حب
أهلك من قلبك ان كانت محبتك لي خالصة. الحديث ،. وهو طويل أخذنا
منه موضع الحاجة. وبه يظهر حمل الخبر الأول على التقية.
قال شيخنا في الذكرى : والمبطل للصلاة فيه علم كونه ميتة
أو الشك إذا وجد
__________________
(1 و 3) سورة طه ، الآية 12.
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 101.
مطروحا لأصالة عدم التذكية أو في يد
كافر عملا بالظاهر من حاله أو في سوق الكفر ، ولو وجد في يد مستحل الميتة بالدبغ
ففيه صور ثلاث (الاولى) ان يخبر بأنه ميتة فيجتنب لاعتضاده بالأصل من عدم الذكاة (الثانية)
ان يخبر بأنه مذكى فالأقرب القبول لأنه الأغلب ولكونه ذا يد عليه ، فيقبل قوله فيه
كما يقبل في تطهير الثوب النجس. ويمكن المنع لعموم «فَتَبَيَّنُوا» (1) ولأن الصلاة
في الذمة بيقين فلا تزول بدونه (الثالثة) ان يسكت ففي الحمل على الأغلب من التذكية
أو على الأصل من عدمها الوجهان ، وقد روى في التهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) اني ادخل سوق
المسلمين اعني هذا الخلق الذين يدعون الإسلام فاشتري منهم الفراء للتجارة فأقول
لصاحبها أليس هي ذكية؟ فيقول بلى فيصلح لي ان أبيعها على انها ذكية؟ فقال لا ولكن لا بأس ان تبيعها وتقول قد شرط لي الذي
اشتريتها منه انها ذكية. قلت وما أفسد ذلك؟ قال استحلال أهل العراق للميتة وزعموا
ان دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله (صلىاللهعليهوآله)». وفي هذا الخبر إشارة إلى انه لو أخبر المستحل بالذكاة لا
يقبل منه لان المسؤول في الخبر ان كان مستحلا فذاك وإلا فبطريق الاولى. وعن ابي بصير عنه (عليهالسلام) (3) «كان علي بن
الحسين (عليهماالسلام) رجلا صردا لا
تدفئه فراء الحجاز لان دباغها بالقرظ فكان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو
فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه والقى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فيقول ان
أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون ان دباغه ذكاته». وفي هذا دلالة على جواز لبسه في غير الصلاة. انتهى. أقول : اما ما ذكره (قدسسره) مع علم كونه
ميتة فمحل وفاق منا نصا وفتوى كما عرفت.
واما ما ذكره من الشك بجميع وجوهه التي ذكرها من كونه
مطروحا أو في يد
__________________
(1) سورة الحجرات ، الآية 6.
(2) الوسائل الباب 61 من النجاسات.
(3) الوسائل الباب 61 من لباس المصلى.
كافر أو في سوق فهو المشهور بينهم ،
والأصح ـ كما قدمنا تحقيقه في آخر كتاب الطهارة في بحث الجلود ـ هو الطهارة وهو
اختيار جملة من أفاضل متأخري المتأخرين.
واما ما ذكره في ما إذا وجد في يد مستحل الميتة بالدبغ
فما اختاره في الصورتين الأولتين جيد لدلالة الاخبار ـ كما سلف وسيأتي ان شاء الله
تعالى ـ على وجوب قبول قول ذي اليد في ما يخبر به من طهارة أو نجاسة أو حل أو
حرمة.
واما قوله في الصورة الثانية : ويمكن المنع. الى آخره
فالظاهر ضعفه لما حققناه في كتاب الطهارة من ان قول ذي اليد باعتبار دلالة الاخبار
على وجوب العمل به كالشاهدين الذين أوجب الله سبحانه العمل بقولهما موجب للخروج عن
عهدة التكليف كما لو شهد الشاهدان بطهارة الثوب أو ماء الطهارة أو نحو ذلك من شروط
الصلاة.
واما ما ذكره في الصورة الثالثة مما يؤذن بالتوقف ففيه
ان مقتضى القاعدة المنصوصة «ان
كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه» (1). هو حل الصلاة فيه ، و «كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر
فإذا علمت فقد قذر» (2). هو طهارته ومتى ثبتت الطهارة جازت الصلاة فيه ، ولا
معارض لهذه الاخبار بل هي مؤيدة بالأخبار المستفيضة.
واما ما نقله من روايتي عبد الرحمن وابي بصير فهما
معارضتان بما هو أصح سندا وأكثر عددا وأصرح دلالة من الاخبار الدالة على طهارة ما
يشترى من الجلود من الأسواق من أي بائع كان والصلاة فيها ، وقد تقدمت الأخبار
الدالة على ذلك في كتاب الطهارة :
ومنها ـ صحيحة الحلبي (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) الخفاف
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من ما يكتسب به و 61 من الأطعمة المباحة و
64 من الأطعمة المحرمة.
(2) الوسائل الباب 37 من النجاسات واللفظ «نظيف» بدل «طاهر».
(3) الفروع ج 1 ص 112 وفي الوسائل في الباب 50 من النجاسات.
عندنا في السوق نشتريها فما ترى في
الصلاة فيها؟ فقال صل فيها حتى يقال لك انها ميتة بعينها». وهو دال
بإطلاقه على جواز ذلك من أي بائع كان مسلما أو كافرا مستحلا للميتة أو غير مستحل ،
ونحوها صحيحته الأخرى (1) وفيها «اشتر
وصل فيها حتى تعلم انه ميت بعينه».
ورواية الحسن بن الجهم (2) قال : «قلت
لأبي الحسن (عليهالسلام) اعترض السوق
فاشتري خفا لا ادري أذكي هو أم لا؟ فقال صل فيه. قلت فالنعل؟ قال مثل ذلك. قلت اني
أضيق من هذا؟ قال أترغب عما كان أبو الحسن (عليهالسلام) يفعله؟». الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة المتقدمة في الموضع
المذكور.
وحينئذ فيجب حمل هذين الخبرين على الاحتياط والاستحباب
كما هو ظاهر لذوي الأفهام والألباب فلا دلالة لهما على ما زعمه (قدسسره) في هذا
الباب. وبذلك يظهر ايضا ما في قوله : وفي هذا الخبر إشارة إلى انه لو أخبر المستحل
بالذكاة. إلخ. فإنه كما عرفت مبني على الاستحباب من حيث التهمة والاحتياط لا من
حيث عدم قبول قول ذي اليد ، على انه يمكن ان يستثني مقام التهمة من قبول قول ذي
اليد مطلقا كما في هذا الموضع وله نظائر في الأحكام.
قال السيد السند (قدسسره) في المدارك :
وذكر جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان المبطل للصلاة في الجلد علم كونه ميتة
أو في يد كافر أو الشك في تذكيته لأصالة عدم التذكية ، وقد بينا في ما سبق ان
أصالة عدم التذكية لا تفيد القطع بالعدم لان ما ثبت جاز ان يدوم وجاز ان لا يدوم
فلا بد لدوامه من دليل سوى دليل الثبوت وبالجملة فالفارق بين الجلد والدم
المشتبهين استصحاب عدم التذكية في الجلد دون الدم ومع انتفاء حجيته يجب القطع
بالطهارة فيهما معا لأصالة عدم التكليف باجتنابهما وعدم نجاسة الملاقي لهما.
انتهى.
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 50 من النجاسات.
قوله : «وبالجملة فالفارق. إلخ» إشارة الى ما تقدم منه (قدسسره) في بحث
النجاسات والطهارات من انه إذا اشتبه الجلد واحتمل كونه منتزعا من ميتة أو مذكى
وكذا الدم المشتبه بالطاهر والنجس فالفرق بينهما على مذهب الأصحاب باعتبار استصحاب
عدم التذكية في الجلد فيكون نجسا بخلاف الدم ومتى قلنا ببطلان الاستصحاب فلا فرق
بينهما ، ثم استدل على ذلك بأصالة عدم التكليف باجتنابهما وعدم نجاسة الملاقي لهما
وأنت خبير بان هذا الاستدلال بالنسبة إلى الجلد لا يخلو من مصادرة لان هذا أول
البحث وعين الدعوى ومطرح النزاع حيث ان الخصم يحكم بوجوب الاجتناب ونجاسة الملاقي
لحكمه بكونه ميتة. والحق في الجواب انما هو ما أشرنا إليه آنفا من الاخبار الدالة
على القاعدة الكلية المتفق عليها وهو «ان كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى
تعرف الحرام بعينه» (1). و «كل شيء
طاهر حتى تعلم انه قذر فإذا علمت فقد قذر» (2). و «لا أبالي أبول أصابني أو ماء إذا
لم اعلم» (3). ونحو ذلك ،
ولا ريب ان الجلد هنا داخل تحت عموم هذه الكلية فيجب الحكم بطهارته وجواز ملاقاته
برطوبة ، وهكذا يقال في الدم مع الاشتباه ، ويدل على خصوص ذلك رواية السكوني
المتقدمة في الموضع المتقدم من كتاب الطهارة.
فائدتان
(الأولى) ـ قال السيد السند (عطر الله مرقده) في المدارك
: واعلم ان مقتضى كلام المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى وغيرهما اختصاص
المنع بميتة ذي النفس ، وهو كذلك للأصل وانتفاء ما يدل على عموم المنع.
أقول : الظاهر ان هذا الأصل هنا عبارة عن أصالة الإباحة
التي هي البراءة الأصلية والخلاف فيها مشهور كما تقدم ذكره في مقدمات الكتاب ، الا
ان السيد المذكور ممن يرى العمل بها كما هو المشهور بين الأصوليين ولذا تراه دائما
يعتمد عليها ويطرح
__________________
(1 و 2) ص 53.
(3) الوسائل الباب 37 من النجاسات.
الأخبار الضعيفة باصطلاحه في مقابلتها
، واما على ما اخترناه وحققناه في مقدمات الكتاب وعليه جل المحدثين وجملة من
الأصوليين أيضا فإنه لا يجوز العمل عليها كما تقدم محققا مشروحا.
واما ما ذكره من انتفاء ما يدل على عموم المنع فهو وان
كان كذلك لكن يمكن الاستناد في ذلك الى إطلاق الأخبار فإنه أعم من ميتة ذي النفس
وغيرها.
والى ذلك جنح شيخنا البهائي (قدسسره) في كتاب
الحبل المتين ونقله عن والده حيث قال : لا يخفى ان المنع من الصلاة في جلد الميتة
يشمل بإطلاقه ميتة ذي النفس وغيره سواء كان مأكول اللحم أو لا ، وفي كلام بعض
علمائنا جواز الصلاة في ميتة غير ذي النفس من مأكول اللحم كالسمك الطافي مثلا.
والمنع من الصلاة في ذلك متجه لصدق الميتة عليه وكونه طاهرا لا يستلزم جواز الصلاة
فيه ، وكان والدي (قدسسره) يميل الى هذا
القول ولا بأس به. انتهى.
وفيه ان ما ذكره من صدق الإطلاق وان كان متجها إلا ان
الإطلاق انما يحمل على الافراد الشائعة المتكثرة المتكررة فإنها هي التي ينساق
إليها الذهن من الإطلاق دون الفروض النادرة كما عرفت في غير موضع وبه صرح الأصحاب
في غير مقام.
(فان قلت) ان مقتضى ما ذكرتم في رد الاعتماد على الأصل
المذكور هو المنع من الصلاة في جلود السمك ونحوها ومقتضى ما ذكرتم في رد ما ذكره
شيخنا البهائي هو الجواز فما المعمول عليه عندكم؟
(قلت) الظاهر هو الجواز لكن لا للأصل المذكور بل
للعمومات الدالة على شرطية الستر بأي ساتر كان والأمر بالصلاة في أي لباس كان خرج
ما خرج بدليل وبقي ما بقي ولا دليل هنا على المنع من الصلاة في ذلك ، فما ذكره
شيخنا البهائي (قدسسره) من الاستناد
في المنع إلى إطلاق الميتة قد عرفت ما فيه.
واما قوله أخيرا «وكونه طاهرا لا يستلزم جواز الصلاة فيه»
فمردود بان مقتضى
العمومات المذكورة ذلك حتى يقوم دليل
على الاستثناء هنا كما قام الدليل على فضلات الحيوان الغير المأكول اللحم على
القول بالتحريم ، إذ لا ريب ان هذه الجلود طاهرة في حال حياة حيوانها والموت لا
ينجسها لعدم النفس فتجوز الصلاة فيها كسائر الملابس الطاهرة.
وممن اختاره الجواز في المسألة المذكورة شيخنا الشهيد
الثاني في شرح الرسالة مستندا الى ما ذكرنا من الطهارة حال الحياة وان الموت غير
منجس ، وأيده أيضا بأن المصنف وأكثر الأصحاب جوزوا الصلاة في جلد الخز وان كان غير
مذكى مع كون لحمه غير مأكول فجوازها في جلد السمك أولى. إذا عرفت ذلك فاعلم ان
المحقق الشيخ علي في شرحه على الألفية حكى عن المصنف في الذكرى انه نقل عن المعتبر
دعوى إجماع الأصحاب على جواز الصلاة في جلد السمك وان كان ميتة وفي شرح القواعد
نقل ذلك عن المعتبر بغير واسطة الذكرى ، وهو عجيب غريب حيث انه لا اثر لذلك في
الكتابين قال شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في شرح
الرسالة بعد نقل ذلك عنه ونسبته الى الوهم : ان المصنف لم ينقل ذلك عن المعتبر ولا
هو موجود في المعتبر وانما الذي نقله عن المعتبر والموجود فيه الإجماع على جواز
الصلاة في وبر الخز وان كانت ميتة لأنه طاهر في حال الحياة ولم ينجس بالموت ولكن
عبارة الذكرى توهم كون البحث عن السمك وعند الاعتبار ومراجعة المعتبر ينجلي لك
الحال واما جلد السمك فلم يذكراه في الكتابين. انتهى.
(الثانية) ـ قال في المدارك في هذا المقام : ولا فرق في
الثوب بين كونه ساترا للعورة أم لا بل الظاهر تحريم استصحاب غير الملبوس ايضا لقوله
(عليهالسلام) (1) «لا تصل في شيء
منه ولا شسع».
أقول : في إطلاق الثوب على ما يؤخذ من الجلود تجوز
وتسامح كما لا يخفى إذ
__________________
(1) ص 50.
الظاهر انه انما يطلق على ما يتخذ من
القطن أو الكتان أو الإبريسم ونحوها لا الجلود وان قطعت كتقطيع الثياب. واما ما
ذكره من تحريم استصحاب غير الملبوس فلا يخلو من اشكال لأن الظاهر من النهي عن
الصلاة في شيء انما هو باعتبار كونه لباسا تحقيقا للظرفية المستفادة من لفظة «في»
لا مستصحبا ولا محمولا ، فالنهي عن الصلاة في الذهب وفي الحرير ونحوهما انما هو
باعتبار اللبس لا باعتبار مجرد الاستصحاب والحمل.
(المقام الثاني) ـ في جلد ما لا يؤكل لحمه وان دبغ وصوفه
وشعره ووبره وريشه ، ويحرم الصلاة فيه بالإجماع كما نقله جمع من الأصحاب عدا ما
استثنى مما يأتي ذكره في المقام ان شاء الله تعالى.
والأصل في ذلك الأخبار المتكاثرة : منها ـ ما رواه في
الكافي في الموثق عن ابن بكير (1) قال : «سأل زرارة أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة في
الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فاخرج كتابا زعم انه إملاء رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان الصلاة في
وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وألبانه وكل شيء منه
فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى تصلى في غيره مما أحل الله اكله ، ثم قال يا زرارة
هذا عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فاحفظ ذلك يا
زرارة وان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء
منه جائزة إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح ، وان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله
وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسدة ذكاه الذبح أو لم يذكه».
وصحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص (2) قال : «سألت
أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) عن الصلاة في
جلود السباع فقال لا تصل فيها».
وموثقة سماعة (3) قال : «سألته عن لحوم السباع وجلودها
قال اما لحوم السباع من الطير والدواب فانا نكره واما الجلود فاركبوا عليها ولا
تلبسوا منها شيئا تصلون فيه».
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من لباس المصلي.
(2) الوسائل الباب 6 من لباس المصلي.
(3) الوسائل الباب 5 من لباس المصلى.
وروى الصدوق في كتاب العلل عن محمد بن إسماعيل البرمكي
رفعه الى ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا
تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه.».
وروى فيه ايضا عن الحسن بن علي الوشاء رفعه (2) قال : «كان
أبو عبد الله (عليهالسلام) يكره الصلاة
في وبر كل شيء لا يؤكل لحمه».
ورواه الشيخ في التهذيب ايضا ورواية إبراهيم بن محمد
الهمداني (3) قال : «كتبت
اليه يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة؟ فكتب لا
تجوز الصلاة فيه».
ورواية علي بن أبي حمزة (4) قال : «سألت
أبا عبد الله وأبا الحسن (عليهماالسلام) عن لباس
الفراء والصلاة فيها فقال لا تصل فيها إلا فيما كان منه ذكيا. قال قلت أو ليس
الذكي ما ذكي بالحديد؟ فقال بلى إذا كان مما يؤكل لحمه. قلت وما يؤكل لحمه من غير
الغنم؟ قال لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم وليس هو مما نهى عنه رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) إذ نهى عن كل
ذي ناب ومخلب».
وصحيحة ابي علي بن راشد (5) قال : «قلت
لأبي جعفر (عليهالسلام) ما تقول في
الفراء أي شيء يصلى فيه؟ فقال اي الفراء؟ قلت الفنك والسنجاب والسمور.
قال فصل في الفنك والسنجاب فاما السمور فلا تصل فيه. قلت
فالثعالب يصلى فيها؟ قال لا ولكن تلبس بعد الصلاة. قلت أصلي في الثوب الذي يليه؟
قال لا».
ورواية مقاتل بن مقاتل (6) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن الصلاة في
السمور والسنجاب والثعلب فقال لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب فإنه دابة لا تأكل
اللحم».
وفي كتاب الفقه الرضوي (7) «لا بأس
بالصلاة في شعر ووبر كل ما أكل لحمه والصوف منه ولا يجوز الصلاة في سنجاب وسمور
وفنك فإذا أردت الصلاة فانزع عنك
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 2 من لباس المصلي.
(5 و 6) المروية في الوسائل في الباب 3 من لباس المصلي.
(7) ص 16.
وقد اروى فيه رخصة ، وإياك ان تصلي في
الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب ، وصل في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب.
ولا تصل في جلد الميتة على كل حال». انتهى. الى غير ذلك من الأخبار الآتية ان شاء
الله تعالى.
وتفصيل الكلام في هذا المقام يقع في مسائل
(الأولى) ـ ينبغي ان يعلم ان المستفاد من لفظة «في»
الواقعة في هذه الأخبار ان المنع مختص بالملابس وما يتلطخ به اللباس من اللبن
والبول والشعرات الملقاة على اللباس وسائر فضلات ما لا يؤكل لحمه ، وحينئذ فلا
يدخل في ذلك المحمول فلو صلى الإنسان مستصحبا لعظم الفيل من مشط وغيره مما يحمل
فلا بأس بالصلاة فيه ، وبما ذكرناه ايضا صرح المحدث المحسن الكاشاني في الوافي ،
وكلمات الأصحاب في هذا المقام لا تخلو من الاختلاف والاضطراب كما تقدم في كتاب
الطهارة وربما يأتي نحوه أيضا.
(المسألة الثانية) ـ لا خلاف بين الأصحاب في جواز الصلاة
في وبر الخز الخالص من مخالطة وبر الأرانب والثعالب ونحوهما مما لا تصح الصلاة فيه
، نقل الإجماع على ذلك جماعة : منهم ـ المحقق والعلامة وابن زهرة والشهيد وغيرهم ،
انما الخلاف في جلده فالمشهور في كلام المتأخرين ان حكم الجلد حكم الوبر ، وذهب
ابن إدريس إلى العدم ونفى عنه الخلاف وتبعه العلامة في المنتهى على ما نقله في
الذخيرة.
ومما يدل على الوبر الأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما رواه
الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) رجل وانا
عنده عن جلود الخز فقال ليس بها بأس. فقال الرجل جعلت فداك انها في بلادي وانما هي
كلاب تخرج من الماء؟ فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا خرجت من
الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل لا فقال لا بأس». وهذا الخبر بالتأييد أنسب
من الاستدلال إذ ليس فيه تصريح بالصلاة.
__________________
(1) الوسائل الباب 10 من لباس المصلى.
وما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن سليمان بن جعفر
الجعفري (1) قال : «رأيت
أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) يصلي في جبة
خز».
وما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن مهزيار (2) قال : «رأيت
أبا جعفر (عليهالسلام) يصلي الفريضة
وغيرها في جبة خز طاروني ، وكساني جبة خز وذكر انه لبسها على بدنه وصلى فيها
وأمرني بالصلاة فيها».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (3) قال : «سألته
عن لبس الخز فقال لا بأس به ان علي بن الحسين (عليهالسلام) كان يلبس
الكساء الخز في الشتاء فإذا جاء الصيف باعه وتصدق بثمنه وكان يقول اني لأستحيي من
ربي ان آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه».
وما رواه الشيخ في الموثق عن معمر بن خلاد (4) قال : «سألت
أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) عن الصلاة في
الخز فقال صل فيه».
وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن زرارة (5) قال : «خرج
أبو جعفر (عليهالسلام) يصلي على بعض
أطفاله وعليه جبة خز صفراء ومطرف خز اصفر».
وعن ابن ابي يعفور (6) قال : «كنت عند ابي عبد الله (عليهالسلام) إذ دخل عليه
رجل من الخزازين فقال له جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال لا بأس
بالصلاة فيه. فقال له الرجل جعلت فداك انه ميت وهو علاجي وانا أعرفه؟ فقال له أبو
عبد الله (عليهالسلام) انا أعرف به
منك. فقال له الرجل انه علاجي وليس أحد أعرف به مني؟ فتبسم أبو عبد الله (عليهالسلام) ثم قال له أتقول
انه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فإذا فقدت الماء ماتت؟ فقال الرجل
صدقت جعلت فداك هكذا هو. فقال له أبو عبد الله (عليهالسلام) فإنك تقول
انه دابة تمشي على اربع وليس
__________________
(1 و 2 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 8 من لباس المصلي.
(3) رواه في الوسائل في الباب 10 من لباس المصلي.
هو على حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه
من الماء؟ فقال الرجل اي والله هكذا أقول فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) فان الله
تعالى أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها».
ومما يدل على ان الجلد كالوبر في هذا الحكم ما رواه
الكليني والشيخ في الصحيح عن سعد بن سعد (1) قال : «سألت الرضا (عليهالسلام) عن جلود الخز
فقال هو ذا نحن نلبس. فقلت ذاك الوبر جعلت فداك فقال إذا حل وبره حل جلده». واستدل
على ذلك أيضا بالأصل مضافا الى الرواية المذكورة.
ويؤيده إطلاق الخز في موثقة معمر بن خلاد فإنه شامل
للجلد والوبر ، ونحوه ما رواه الصدوق عن يحيى بن عمران (2) انه قال : «كتبت
الى ابى جعفر الثاني (عليهالسلام) في السنجاب
والفنك والخز وقلت جعلت فداك أحب ان لا تجيبني بالتقية في ذلك فكتب الي بخطه : صل
فيها».
ويؤيده أيضا إطلاق صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وأمثالها
مما دل على جواز اللبس فإنه شامل لحال الصلاة وغيرها ، وعدم الاستفصال في مقام
الاحتمال يدل على العموم كما ذكروه في غير مقام.
وظاهر الفاضل الخراساني هنا الطعن في الصحيحة المذكورة
بأنها لا تصلح للاستدلال بها وانما تصلح للتأييد إذ ليس فيها تصريح بالصلاة. وفيه
ان ظاهر تعليق حل الجلد على حل الوبر الشامل بإطلاقه للصلاة مع حل الصلاة في الوبر
إجماعا نصا وفتوى هو حل الصلاة في الجلد ايضا ومن أجل ذلك استدل الأصحاب بالخبر
المذكور إلا انه نقل شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار (3) عن كتاب العلل
لمحمد بن علي بن إبراهيم انه قال فيه : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله)
__________________
(1) الوسائل الباب 10 من لباس المصلي.
(2) الوسائل الباب 3 من لباس المصلى.
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 101.
لا يصلى في ثوب مما لا يؤكل لحمه ولا
يشرب لبنه ، فهذه جملة كافية من قول رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ولا يصلى في
الخز ، والعلة في ان لا يصلى في الخز ان الخز من كلاب الماء وهي مسوخ إلا ان يصفي
وينقى ، الى ان قال : وعلة ان لا يصلى في السنجاب والسمور والفنك قول رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المتقدم». ثم
قال شيخنا المشار اليه بعد نقل الخبر : لعل مراده عدم جواز الصلاة في جلد الخز
بقرينة الاستثناء وقد تقدم القول في الجميع.
أقول : وفي الاعتماد على مثل هذا الخبر اشكال مضافا الى
عدم ثبوت الاعتماد على الكتاب المذكور وان مصنفه في عداد معتمدي العلماء غير
مشهور.
حجة القول الثاني العمومات الدالة على المنع من كل شيء
من ما لا يؤكل لحمه خرج الوبر بالنص والإجماع وبقي الجلد تحت عموم المنع. والجواب
عنه ما عرفت من دلالة صحيحة سعد ابن سعد المذكورة على ذلك بالتقريب الذي ذكرناه مع
تأيدها بالأخبار المذكورة. إلا ان المسألة بعد لا تخلو من شوب الاشكال سيما مع ما
عرفت من كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم.
بقي الكلام في ما لو خالط وبر الخز وبر غيره مما لا يجوز
الصلاة فيه والمشهور كما عرفت المنع من الصلاة فيه.
ويدل عليه ما رواه في الكافي عن العدة عن احمد بن محمد
رفعه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) «في الخز
الخالص انه لا بأس به فاما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا
تصل فيه». وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه الرضوي «وصل في الخز إذا لم يكن مغشوشا
بوبر الأرانب».
وروى الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن أيوب بن نوح
رفعه (2) قال «قال أبو
عبد الله (عليهالسلام) الصلاة في
الخز الخالص ليس به بأس واما الذي يخلط فيه الأرانب أو غيرها مما يشبه هذا فلا تصل
فيه».
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 9 من لباس المصلي.
وقد ورد ما يدل على خلاف ما دلت عليه هذه الاخبار وهو ما
رواه الشيخ في التهذيب عن داود الصرمي عن بشر بن يسار (1) قال : «سألته
عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب فكتب يجوز ذلك». ورواه الشيخ في موضع آخر
وكذلك الصدوق في الفقيه عن داود الصرمي (2) قال : «سأل رجل أبا الحسن الثالث.
الحديث». ونسبه الشيخ في التهذيبين الى الشذوذ واختلاف اللفظ في السائل والمسؤول
ثم حمله على التقية. وما ذكره من الحمل على التقية جيد.
وقال المحقق في المعتبر : اما المغشوش بوبر الأرانب
والثعالب ففيه روايتان إحداهما رواية محمد بن يعقوب ثم ساق مرفوعة أحمد ورواية
أيوب بن نوح ، والثانية رواية داود الصرمي ثم ذكرها ، ثم قال والوجه ترجيح
الروايتين الأوليين وان كانتا مقطوعتين لاشتهار العمل بهما بين الأصحاب ودعوى
أكثرهم الإجماع على مضمونهما. انتهى. أقول : ويزيدهما تأييدا عبارة كتاب الفقه
الرضوي المذكورة ، وبه يظهر قوة القول المشهور وان الأظهر حمل الرواية المنافية
على التقية.
وقال الصدوق في الفقيه : هذه رخصة الآخذ بها مأجور
ورادها مأثوم والأصل ما ذكره أبي في رسالته الي : وصل في الخز ما لم يكن مغشوشا
بوبر الأرانب. أقول : بل الأقرب حملها على التقية كما ذكرنا وسيأتي في المقام ما
يوضحه.
إلا انه روى الطبرسي في كتاب الاحتجاج مما كتبه محمد بن
عبد الله بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدسة (3) : روى عن صاحب العسكر (عليهالسلام) انه سئل عن
الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقع : يجوز. وروى عنه ايضا انه لا يجوز فأي
الأمرين نعمل به؟ فأجاب (عليهالسلام) انما حرم في
هذه الأوبار والجلود فأما الأوبار وحدها فحلال «وفي نسخة فكلها حلال». وقد سئل بعض
العلماء عن معنى
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 9 من لباس المصلي.
(3) الوسائل الباب 10 من لباس المصلى.
قول الصادق (عليهالسلام): لا يصلى في
الثعلب ولا الثوب الذي يليه فقال انما عنى الجلود دون غيره.
قال شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب
البحار بعد نقل الخبر المذكور : ما ذكر في الخبر من الفرق بين الجلد والوبر خلاف
ما يعهد في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وذكروا اتفاق الأصحاب على عدم جواز
الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه وشعره ووبره عدا ما استثنى مما سيذكر. انتهى. أقول
: بل خلاف ما دلت عليه الأخبار ايضا كما تقدم شطر منها في أول هذا المقام.
وبالجملة فإن الرواية المذكورة غريبة مرجوعة إلى قائلها عجل الله فرجه.
فائدة
اعلم انه قد اختلف كلام العلماء في الخز فقال الشيخ
الزاهد العابد الشيخ فخر الدين بن طريح النجفي (قدسسره) في كتاب مجمع
البحرين : الخز بتشديد الزاي دابة من دواب الماء تمشي على اربع تشبه الثعلب ترعى
في البر وتنزل البحر لها وبر يعمل منه الثياب تعيش في الماء ولا تعيش في خارجه
وليس على حد الحيتان وذكاتها إخراجها من الماء حية ، قيل وقد كانت في أول الإسلام
إلى وسطه كثيرة جدا. انتهى. وقال المحقق في المعتبر : والخز دابة بحرية ذات اربع
تصاد من الماء وتموت بفقده ، قال أبو عبد الله (عليهالسلام) «ان الله
أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها» كذا روى محمد بن سليمان
الديلمي عن قريب عن ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1). وعندي في هذه
الرواية توقف لضعف محمد بن سليمان ومخالفتها لما اتفقوا عليه من انه لا يؤكل من
حيوان البحر إلا السمك ولا من السمك إلا ما له فلس وحدثني جماعة من التجار انها
القندس ولم أتحققه وقال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل ما ذكره المحقق من التوقف
: قلت مضمونها مشهور بين الأصحاب فلا يضر ضعف
__________________
(1) ص 61.
الطريق ، والحكم بحله جاز ان يستند
الى حل استعماله في الصلاة وان لم يذك كما أحل الحيتان بخروجها من الماء حية فهو
تشبيه للحل بالحل لا في جنس الحلال ، ثم قال قلت لعله ما يسمى في زماننا بمصر وبر
السمك وهو مشهور هناك ، ومن الناس من يزعم انه كلب الماء وعلى هذا يشكل ذكاته بدون
الذبح لان الظاهر انه ذو نفس سائلة. والله اعلم. انتهى
أقول : والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بذلك زيادة
على ما تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ورواية ابن ابي يعفور المتقدمين ما
رواه في التهذيب في باب المطاعم والمشارب عن محمد بن احمد عن احمد بن حمزة القمي
عن محمد بن خلف عن محمد بن سنان عن عبد الله ابن سنان عن ابي يعفور (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أكل لحم
الخز قال كلب الماء ان كان له ناب فلا تقربه وإلا فاقربه». وقال أحمد حدثني محمد
بن علي القرشي عن الحسن بن احمد عن ابن بكير عن حمران بن أعين (2) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن الخز فقال
سبع يرعى في البر ويأوي الماء».
وروى في التهذيب ايضا عن محمد بن احمد عن احمد بن حمزة
عن زكريا بن آدم (3) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) فقلت ان أصحابنا
يصطادون الخز فآكل من لحمه قال فقال ان كان له ناب فلا تأكله ثم مكث ساعة فلما
هممت بالقيام قال اما أنت فإني أكره لك اكله فلا تأكله».
ويستفاد من مجموع أخبار المسألة بضم بعضها الى بعض أمور
: (الأول) ـ ان الخز دابة تمشي على اربع وانه كلب الماء كما نقل في الذكرى عن بعض
الناس ، وقد وقع التصريح بكونه كلب الماء في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وهو وان
كان في كلام السائل إلا ان الامام (عليهالسلام) أقرّه عليه ،
وفي رواية ابن ابي يعفور الثانية وقريب منها رواية حمران الدالة على انه سبع.
(الثاني) ـ ان منه ما له ناب ومنه ما لا ناب له وان
الثاني يحل أكل لحمه كما صرحت
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 39 من الأطعمة المحرمة.
به رواية ابن ابي يعفور الثانية
ورواية زكريا بن آدم دون الأول وهو ظاهر رواية ابن ابي يعفور الاولى ، وحينئذ فلا
يلتفت الى استبعاد صاحب المعتبر ولا الى جواب صاحب الذكرى لاختصاص ما ذكراه
بالبحري المحض كالسمك وهذا ليس كذلك كما عرفت وما اشتمل عليه خبر حمران من انه سبع
يحمل على ذي الناب منه.
(الثالث) ـ انه بري بحري يرعى في البر ويأوي إلى البحر
كما ذكره في كتاب مجمع البحرين وعليه دلت رواية حمران بن أعين ، وانه لو أخذ ومنع
من البحر مات وان ذكاته موته في البر كما صرحت به رواية ابن ابي يعفور الاولى وهو
ظاهر صحيحة عبد الرحمن وحكمه في ذلك حكم الحيتان ، ومن هنا ينقدح الإشكال الذي
أشار إليه في الذكرى إذ الظاهر من كونه كلب الماء وانه على اربع قوائم يرعى في
البر وانه سبع وذو ناب انه ذو نفس سائلة وان ذكاته انما هي بالذبح مع انه (عليهالسلام) جعل حكمه حكم
الحيتان في كون ذكاته بالموت خارج الماء ، وحينئذ فيجب القول باستثنائه من القاعدة
المذكورة كما انه يجب استثناؤه من قاعدة تخصيص حل ما كان في البحر بما كان له فلس
من السمك ، فان هذه الاخبار دلت على خروجه من القاعدتين المذكورتين بالنسبة الى ما
لا ناب له منهما ، وقد حكم (عليهالسلام) بالحل
والذكاة كذلك في رواية عبد الله ابن ابي يعفور الاولى وبالثاني في صحيحة عبد
الرحمن حيث ان ظاهرها نفى البأس عن الصلاة في جلده ، وبذلك يظهر ضعف ما نقله في
المعتبر عن جماعة من التجار وكذلك ما ذكره في الذكرى مما يسمى في زمانه بوبر السمك
، ومن المحتمل قريبا حدوث هذه الأسماء لهذه الأشياء.
قال شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب
البحار بعد كلام في المقام : إذا عرفت هذا فاعلم ان في جواز الصلاة في الجلد
المشهور في هذا الزمان بالخز وشعره ووبره اشكالا للشك في انه هل هو الخز المحكوم
عليه بالجواز في عصر الأئمة (عليهمالسلام) أم لا بل
الظاهر انه غيره لانه يظهر من الاخبار انه مثل السمك يموت بخروجه من
الماء وذكاته إخراجه منه ، والمعروف
بين التجار ان الخز المعروف الآن دابة تعيش في البر ولا تموت بالخروج من الماء ،
الا ان يقال انهما صنفان بري وبحري وكلاهما يجوز الصلاة فيه وهو بعيد. ويشكل
التمسك بعدم النقل واتصال العرف من زماننا الى زمانهم (عليهمالسلام) إذ اتصال
العرف غير معلوم إذ وقع الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا السالفين ايضا ، وكون
أصل عدم النقل في مثل ذلك حجة في محل المنع ، فالاحتياط في عدم الصلاة فيه. انتهى.
وهو جيد إلا ان قوله «مثل السمك يموت بخروجه من الماء» ليس كذلك إذ الظاهر منها
انه يرعى في البر وانه لا يموت بمجرد الخروج كالسمك وانما يموت بحبسه عن الماء
وعدم رجوعه اليه كما قدمنا ذكره. والله العالم.
(المسألة الثالثة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في جواز الصلاة في جلد السنجاب ووبره ، فذهب الشيخ في المبسوط وكتاب الصلاة من
النهاية وأكثر المتأخرين إلى الجواز حتى قال في المبسوط : اما السنجاب والحواصل
فلا خلاف في انه يجوز الصلاة فيهما. ونسبه في المنتهى الى الأكثر. وذهب الشيخ في
الخلاف وفي كتاب الأطعمة والأشربة من النهاية إلى المنع واختاره ابن البراج وابن
إدريس وهو ظاهر ابن الجنيد والمرتضى وابي الصلاح بل ظاهر ابن زهرة نقل الإجماع
عليه واختاره في المختلف ونسبه الشهيد الثاني إلى الأكثر. وذهب ابن حمزة إلى
الكراهة. وقال الصدوق في الفقيه وقال ابي في رسالته الي : لا بأس بالصلاة في شعر
ووبر كل ما أكل لحمه وان كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك وأردت الصلاة فيه
فانزعه وقد روى فيه رخصة. انتهى.
ومنشأ الخلاف في المقام اختلاف اخبارهم (عليهمالسلام) واختلاف
الانظار في الجمع بينها والافهام :
ومما يدل على القول بالجواز ما تقدم في المسألة السابقة
من رواية علي بن أبي حمزة وصحيحة ابي علي بن راشد ورواية مقاتل بن مقاتل.
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه؟ قال لا بأس بالصلاة فيه».
وعن الوليد بن ابان (2) قال : «قلت للرضا (عليهالسلام) أصلي في
الفنك والسنجاب؟ قال نعم. فقلت نصلي في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال لا تصل فيها».
وعن بشر بن يسار (3) قال : «سألته عن الصلاة في الفنك
والفراء والسنجاب والسمور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أصلي
فيها لغير تقية؟ قال فقال صل في السنجاب والحواصل الخوارزمية ولا تصل في الثعالب
ولا السمور».
وروى الصدوق بسنده عن يحيى بن عمران (4) انه قال : «كتبت
الى ابي جعفر الثاني (عليهالسلام) في السنجاب
والفنك والخز وقلت جعلت فداك أحب ان لا تجيبني بالتقية في ذلك فكتب بخطه الي صل
فيها».
وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن
عن جده علي ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) (5) قال : «سألته
عن لبس السمور والسنجاب والفنك فقال لا يلبس ولا يصلى فيه إلا ان يكون ذكيا».
ويؤيد ذلك إطلاق الاخبار الدالة على جواز لبسه وهي
كثيرة.
واما ما يدل على المنع فجملة أخرى من الاخبار الدالة على
المنع من الصلاة في ما لا يؤكل لحمه وعلى الخصوص ما تقدم من موثقة عبد الله بن
بكير المشتملة على المنع من السنجاب خصوصا ومن جميع ما لا يؤكل لحمه على أبلغ وجه
، وكلامه (عليهالسلام)
__________________
(1 و 5) الوسائل الباب 4 من لباس المصلي.
(2) الوسائل الباب 3 و 7 من لباس المصلي.
(3) الوسائل الباب 3 من لباس المصلى. وفي بعض النسخ «بشير بن
يسار» وفي بعضها «بشير بن بشار».
(4) الوسائل الباب 3 من لباس المصلى. وفي الفقيه المطبوع «يحيى
بن ابى عمران».
في كتاب الفقه الرضوي وهو عين ما نقله
الصدوق عن رسالة أبيه إليه بتغيير ما.
والمحقق في المعتبر حيث اختار القول بالجواز كما هو
المشهور أجاب عن خبر ابن بكير بان خبر ابي على بن راشد خاص والخاص مقدم على العام
، وبان ابن بكير مطعون فيه وليس كذلك أبو علي بن راشد. ورد الأول بأن رواية ابن
بكير وان كانت عامة إلا ان ابتناءها على السبب الخاص وهو السنجاب وما ذكر معه
يجعلها كالنص في المسؤول عنه. والثاني بأن ابن بكير وان كان فطحيا لكنه من الشهرة
والجلالة بمكان حتى قال الكشي انه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وأقروا
له بالفقه واما أبو علي بن راشد فلم يذكره النجاشي ولا الشيخ في الفهرست نعم ذكره
في كتاب الرجال ووثقه وترجيحه على ابن بكير محل نظر.
أقول : والحق هو حصول التعارض بين الأدلة المذكورة فلا
بد من الجمع بينها ، ويمكن الجمع بأحد وجهين : اما حمل الأخبار الدالة على الجواز
على التقية لموافقته أقوال العامة (1) واما حمل خبر المنع على الكراهة.
ورجح الثاني بكثرة الأدلة الدالة على الجواز كما تقدم ومطابقة الأصل وان الحمل على
التقية لا يخلو من اشكال ، فإن مذهب العامة جواز الصلاة في جلود ما لا يؤكل لحمه
مطلقا والروايات الدالة على الجواز قد اشتملت على الجواز في السنجاب مع نفي ذلك عن
غيره من السمور والثعالب وأمثالهما. ومن هذا الكلام يظهر قوة القول بالكراهة كما
تقدم نقله عن ابن حمزة ، وهو ظاهر الصدوق في كتاب المجالس حيث قال : ولا بأس
بالصلاة في شعر ووبر كل ما أكل لحمه ، وما لا يؤكل لحمه فلا يجوز الصلاة في شعره
ووبره إلا ما خصته الرخصة وهي الصلاة في السنجاب والسمور والفنك والخز ، والاولى
ان لا يصلى فيها ومن صلى فيها جازت صلاته. وقال في المقنع : لا بأس بالصلاة في
السنجاب والسمور والفنك لما روى في ذلك من الرخص. والى ذلك يشير كلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي المتقدم
__________________
(1) حياة الحيوان ج 2 ص 41 والمغني ج 8 ص 592.
حيث انه بعد ان منع من الصلاة في
السنجاب والفنك والسمور قال : «واروي فيه رخصة» ونحو ذلك عبارة الشيخ في الخلاف
وسلار على ما نقله في المختلف فإنهما بعد ان ذكرا المنع مما لا يؤكل لحمه قالا
ورويت رخصة في الصلاة في السنجاب والفنك والسمور. وظاهرهم جواز الصلاة في هذه
الثلاثة على كراهة جمعا بين أخبار المسألة.
وقد روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب مسائل
الرجال لمولانا الهادي (عليهالسلام) لمحمد بن علي
بن عيسى من طريق احمد بن محمد بن عياش الجوهري وعبد الله بن جعفر الحميري عن محمد
بن احمد بن محمد بن زياد وموسى بن محمد عن محمد بن علي بن عيسى (1) قال : «كتبت
الى الشيخ أعزه الله وأيده أسأله عن الصلاة في الوبر أي أصنافه أصلح؟ فأجاب لا أحب
الصلاة في شيء منه. قال فرددت الجواب انا مع قوم في تقية وبلادنا بلاد لا يمكن
أحدا أن يسافر فيها بلا وبر ولا يأمن على نفسه ان هو نزع وبره وليس يمكن الناس
كلهم ما يمكن الأئمة (عليهمالسلام) فما الذي ترى
ان نعمل به في هذا الباب؟ قال فرجع الجواب الى : تلبس الفنك والسمور».
أقول : ومن هذه الرواية يمكن استنباط وجه جمع بين أخبار
المسألة بإبقاء ما دل على المنع من الصلاة في غير المأكول على عمومه وحمل الرخصة الواردة
في الثلاثة المتقدمة على أولوية هذه الثلاثة في مقام الضرورة والتقية ، وبه يندفع
الاشكال المتقدم عن الحمل على التقية من حيث تضمن الأخبار للجواز في هذه الثلاثة
مع المنع عن غيرها فإنه لا منافاة فيه من حيث الضرورة إلى لبس ما كان كذلك واندفاع
التقية بأحد هذه الثلاثة. بقي الكلام في وجه الخصوصية لاختيار هذه الثلاثة وهو
موكول إليهم (عليهمالسلام).
ومما يعضد الحمل على التقية ما قدمناه في مقدمات الكتاب
من ان الحمل على ذلك لا يختص بوجود قائل من العامة بل انهم (عليهمالسلام) يقصدون إيقاع
الاختلاف بين الشيعة لينزلوا من نظر العامة ويكذبوهم في النقل عن أئمتهم (عليهمالسلام) ولا يعبأوا
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من لباس المصلى.
بمذهبهم كما قدمنا تحقيقه ، وأنت إذا
تأملت في اخبار هذه المسألة وجدتها كذلك ، فإنهم (عليهمالسلام) تارة يفتون
الشيعة بالحق وهو المنع من الصلاة في ما لا يؤكل لحمه بأتم تأكيد كما اشتملت عليه
موثقة ابن بكير ونحوها وان لم يكن مثلها في التأكيد ، وتارة يفتونهم بجواز الصلاة
في الجميع كصحيحة علي بن يقطين ، وتارة يخصصون الجواز بأفراد مخصوصة ، فمنها ـ ما
اشتمل على استثناء السنجاب خاصة كرواية مقاتل بن مقاتل ، ومنها ـ ما أضيف إليه
فيها الفنك كرواية ابي علي بن راشد ورواية الوليد بن أبان ، ومنها ـ ما أضيف إليه
الحواصل الخوارزمية خاصة كرواية بشر بن يسار ، ومنها ـ ما دل على الجواز في الجميع
إلا الثعالب كصحيحة الريان بن الصلت (1) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) عن لبس
الفراء والسمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها والمناطق والكيمخت والمحشو بالقز
والخفاف من أصناف الجلود؟ فقال لا بأس بهذا كله إلا الثعالب». فانظر الى هذا
الاختلاف العظيم فهل له وجه غير ما ذكرناه؟
ويؤيد ذلك ايضا ما قدمناه في غير مقام من ان حمل النهي
الذي هو حقيقة في التحريم على الكراهة في تلك الأخبار الدالة على النهي مجاز لا
يصار اليه إلا مع القرينة ، واختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز لجواز الجمع بوجه
آخر وان اشتهر بينهم الجمع بين الأخبار بذلك ، على انه لو سلم فلا يجري في موثقة
ابن بكير التي هي عمدة أخبار المسألة لوقوع النهي فيها على أبلغ وجه كما لا يخفى.
وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال والاحتياط في أمثال ذلك مما لا ينبغي
تركه.
هذا ، وقد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه
انما تجوز الصلاة فيه بناء على القول بالجواز مع تذكيته لانه ذو نفس سائلة قطعا ،
قال في الذكرى : قد اشتهر بين التجار والمسافرين انه غير مذكى ولا عبرة بذلك حملا
لتصرف المسلمين على
__________________
(1) الوسائل الباب 5 من لباس المصلى.
ما هو الأغلب ، وأيده بعضهم بان متعلق
الشهادة إذا كان غير محصور فلا يسمع نعم لو علم بذلك حرم.
فائدة
روى في التهذيب (1) عن أبي حمزة الثمالي قال : «سأل أبو
خالد الكابلي علي بن الحسين (عليهالسلام) عن أكل لحم
السنجاب والفنك والصلاة فيهما؟ قال أبو خالد ان السنجاب يأوي الأشجار قال فقال له
ان كان له سبلة كسبلة السنور والفأرة فلا يؤكل لحمه ولا تجوز الصلاة فيه ، ثم قال
اما انا فلا آكله ولا احرمه». وفي اللغة السبلة بالتحريك الشارب (2) ومفهوم هذا
الخبر ان ما ليس له سبلة فهو حلال اكله وتجوز الصلاة فيه ، ويؤيده قوله : «اما انا
فلا آكله ولا احرمه» بحمل كلامه على ما ليس له سبلة بمعنى انه حلال على كراهية
وتجوز الصلاة فيه. والحديث غريب والحكم به مشكل إذ لا أعرف قائلا به بل الظاهر
الاتفاق على تحريمه مطلقا وان استثنى جواز الصلاة في جلده ووبره على القول بذلك.
والسنجاب ـ على ما ذكره في كتاب مجمع البحرين ـ حيوان
على حد اليربوع أكبر من الفأرة شعره في غاية النعومة يتخذ من جلده الفراء يلبسه
المتنعمون وهو شديد الختل إن أبصر الإنسان صعد الشجرة العالية وهو كثير في بلاد
الصقالبة وأحسن جلوده الأزرق الأملس. وقال في كتاب المصباح المنير : السمور كتنور
دابة معروفة يتخذ من جلدها فراء مثمنة تكون في بلاد الترك تشبه النمس ومنه اسود
لامع وأشقر ، وحكي لي بعض الناس ان
__________________
(1) ج 2 ص 295 وفي الوسائل الباب 41 من الأطعمة المحرمة. وفي
ما وقفنا عليه من نسخ الحدائق المطبوعة والمخطوطة (الكافي) بدل (التهذيب) ولم نجده
في الكافي في مظانه وصاحب الوسائل لم يروه الا عن التهذيب كما في الوافي ج 11 ص
15.
(2) في مجمع البحرين مادة (سبل) : وفي حديث السنجاب إذا كان له
سنبلة كسنبلة السنور والفأرة.
أهل تلك الناحية يصيدون الصغار منها
فيخصون الذكر ويتركونه يرعى فإذا كان أيام الثلج خرجوا للصيد فما كان مخصيا استلقى
على قفاه فأدركوه وقد سمن وحسن شعره. وقال في كتاب المجمع : الفنك كعسل دويبة برية
غير مأكولة اللحم يؤخذ منها الفرو يقال ان فروها أطيب من جميع أنواع الفراء يجلب
كثيرا من بلاد الصقالبة وهو أبرد من السمور واعدل وأحر من السنجاب صالح لجميع
الأمزجة المعتدلة. وقال في كتاب حياة الحيوان الحواصل جمع حوصل وهو طير كبير له
حوصلة عظيمة يتخذ منها الفرو ، قيل وهذا الطائر يكون بمصر كثيرا.
(المسألة الرابعة) ـ قد اختلف الاخبار في الثعالب
والأرانب ، وقد تقدم في موثقة ابن بكير المنع من الثعالب بخصوصه مع المنع من كل ما
لا يؤكل لحمه ، وصحيحة ابي علي بن راشد وفيها نهى عن الثعالب وعن الثوب الذي يليه
، ورواية مقاتل بن مقاتل وفيها أيضا النهي عن الثعالب ، وعبارة الفقه الرضوي فيها «إياك
ان تصلي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب» وهذه الروايات كلها قد تقدمت في
صدر المقام ومنها ـ أيضا رواية الوليد بن ابان وفيها النهي عن الثعالب وان كانت
ذكية ، ورواية بشر بن يسار وفيها «لا تصل في الثعالب» وقد تقدمتا في المسألة
الثانية.
ويدل على المنع أيضا صحيحة محمد بن مسلم (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن جلود
الثعالب أيصلى فيها؟ قال ما أحب ان أصلي فيها». ورواية جعفر بن محمد بن ابي زيد (2) قال : «سئل
الرضا (عليهالسلام) عن جلود
الثعالب الذكية؟ قال لا تصل فيها».
ويدل على ذلك ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى
(عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الرجل يلبس فراء الثعالب والسنانير؟ قال لا بأس ولا يصلي فيه».
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 7 من لباس المصلي.
(3) مستدرك الوسائل الباب 7 من لباس المصلى.
ويدل على ذلك أيضا صحيحة علي بن
مهزيار (1) «عن رجل سأل
الماضي (عليهالسلام) عن الصلاة في
جلود الثعالب فنهى عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي يليها فلم أدر أي الثوبين الذي
يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد؟ فوقع بخطه (عليهالسلام) الثوب الذي
يلصق بالجلد. قال وذكر أبو الحسن (عليهالسلام) انه سأله عن
هذه المسألة فقال لا تصل في الثوب الذي فوقه ولا في الثوب الذي تحته». هذا بالنسبة
إلى الثعالب.
واما بالنسبة إلى الأرانب فمما يدل على ذلك صحيحة علي بن
مهزيار (2) قال : «كتب
إليه إبراهيم بن عقبة : عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في
وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيها».
ورواية أحمد بن إسحاق الأبهري (3) قال : «كتبت
اليه : جعلت فداك عندنا جوراب. الحديث المتقدم».
ورواية سفيان بن السمط (4) قال : «قرأت
في كتاب محمد بن إبراهيم الى ابي الحسن (عليهالسلام) يسأله عن
الفنك يصلى فيه؟ قال لا بأس. وكتب يسأله عن جلود الأرانب فقال مكروه».
ورواية محمد بن إبراهيم (5) قال : «كتبت
إليه أسأله عن الصلاة في جلود الأرانب فكتب مكروهة».
ويعضد ذلك ما دل على المنع من الصلاة في ما لا يؤكل لحمه
مطلقا وما دل على النهي عن وبر الخز إذا كان مغشوشا بوبر الأرانب والثعالب وقد
تقدم الجميع ، هذا ما وقفت عليه من الاخبار الدالة على المنع.
وبإزائها من الأخبار ما يدل على الجواز ، ومن ذلك صحيحة
الحلبي المتقدمة في سابق هذه المسألة ، وصحيحة علي بن يقطين (6) قال : «سألت
أبا الحسن (عليه
__________________
(1 و 2 و 3 و 5) الوسائل الباب 7 من لباس المصلي.
(4) الوسائل الباب 4 من لباس المصلي.
(6) الوسائل الباب 5 من لباس المصلى.
السلام) عن لباس الفراء والسمور
والفنك والثعالب وجميع الجلود؟ قال لا بأس بذلك».
وصحيحة جميل عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن الصلاة في جلود الثعالب فقال إذا كانت ذكية فلا بأس».
وصحيحة محمد بن عبد الجبار (2) قال : «كتبت
الى ابي محمد (عليهالسلام) اسأله هل
يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب؟
فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض وان كان الوبر ذكيا حلت
الصلاة فيه ان شاء الله».
ورواية الحسين بن شهاب (3) قال : «سألته
عن جلود الثعالب إذا كانت ذكية أيصلى فيها؟ قال نعم».
ورواية عبد الرحمن بن الحجاج (4) قال : «سألته
عن اللحاف من الثعالب أو الجرز منه أيصلى فيها أم لا؟ قال إذا كان ذكيا فلا بأس به».
قال في الوافي : هكذا في نسخ التهذيب التي رأيناها ، قيل الجرز بكسر الجيم وتقديم
المهملة على المعجمة من لباس النساء وفي الاستبصار «أو الخوارزمية» وكأنها الصحيح
فيكون المراد بها الحواصل. انتهى ، وما استصحه هو الصحيح لما علم من حال الشيخ في
التهذيب وما وقع له فيه من التحريف والتصحيف مما لا يعد ولا يحصى.
إذا عرفت ذلك فالظاهر من تتبع كلام الأصحاب انه لا قائل
بهذه الأخبار الأخيرة إلا ما يظهر من المحقق في المعتبر ونحوه السيد السند في
المدارك ، قال في المعتبر واعلم ان المشهور في فتوى الأصحاب المنع في ما عدا
السنجاب ووبر الخز والعمل به احتياط في الدين ، ثم قال بعد ان أورد روايتي الحلبي
وعلي بن يقطين المتقدمتين : وطريق هذين الخبرين أقوى من تلك الطرق ولو عمل بهما
عامل جاز وعلى الأول عمل الظاهرين من الأصحاب منضما الى الاحتياط للعبادة. وقال في
المدارك ـ بعد ذكر
__________________
(1 و 2 و 4) الوسائل الباب 7 من لباس المصلي.
(3) الوسائل الباب 7 من لباس المصلي.
المسألة والاستدلال على الجواز بصحيحتي
علي بن يقطين والحلبي وصحيحة جميل ونقل كلام المحقق في المعتبر ما صورته :
والمسألة قوية الإشكال من حيث صحة اخبار الجواز واستفاضتها واشتهار القول بالمنع
بين الأصحاب بل إجماعهم عليه بحسب الظاهر وان كان ما ذكره في المعتبر لا يخلو من
قرب. انتهى.
أقول : لما كان نظر المتصلبين من أصحاب هذا الاصطلاح
الذي هو الى الفساد أقرب منه الى الصلاح انما هو الى الأسانيد من غير تأمل في متون
الاخبار وكونها موافقة للقواعد الشرعية أم لا وموافقة لفتاوى الأصحاب أم لا ونحو
ذلك من العلل المتطرقة إليها وقعوا في ما وقعوا فيه من هذه الإشكالات والترددات ،
والمسألة بحمد الله سبحانه واضحة السبيل مكشوفة الدليل ، فان مقتضى القاعدة
المنصوصة عن أصحاب العصمة (عليهمالسلام) بعرض الاخبار
عند الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافه هو العمل باخبار المنع المؤيدة باتفاق
الأصحاب عليها سلفا وخلفا ، وهاتان الروايتان أعني صحيحتي ابن يقطين والحلبي قد
دلتا على جواز الصلاة في جميع الجلود مما لا يؤكل لحمه لا بخصوص الأشياء المعدودة
فيهما لقوله في إحداهما «وجميع الجلود» وفي الأخرى «وأشباهه» وهذا عين ما اتفقت
عليه العامة (1) وخلاف ما
اتفقت عليه الإمامية فأي أمر أظهر في الحمل على التقية من ذلك؟ ولكنهم حيث الغوا
القواعد المروية عن أئمتهم (عليهمالسلام) واعتمدوا على
افكارهم وأنظارهم بل اخترعوا لهم في مقابلتها قواعد لم يرد بها نص ولا اثر عنهم (عليهمالسلام) وقعوا في ما
وقعوا فيه من أمثال هذا الكلام المنحل الزمام والمختل النظام. والى ما ذكرنا يشير
كلام شيخنا في الذكرى حيث قال بعد نقل كلام المعتبر المتقدم الدال على اختياره
الجواز : قلت هذان الخبران مصرحان بالتقية لقوله في الأول «وأشباهه» وفي الثاني «وجميع
الجلود» وهذا العموم لا يقوله الأصحاب (رضوان الله عليهم). وبالجملة فإن الحكم
بالنظر الى ما ذكرناه
__________________
(1) المغني ج 1 ص 68.
من التقريب ظاهر لا اشكال فيه ولا
شبهة تعتريه.
(المسألة الخامسة) ـ ظاهر الشيخ في المبسوط جواز الصلاة
في الحواصل حيث قال في ما تقدم من عبارته المذكورة في صدر المسألة : واما السنجاب
والحواصل فلا خلاف في انه يجوز الصلاة فيهما. وقيدها ابن حمزة وبعضهم بالخوارزمية
، وقد تقدم في رواية بشر بن يسار ما يدل على الجواز في الحواصل الخوارزمية. ومنع
من ذلك الشيخ في النهاية وهو ظاهر الأكثر حيث لم يتعرضوا له. قال في الدروس وفي
الحواصل الخوارزمية رواية بالجواز متروكة. وهو إشارة إلى رواية بشر المذكورة. وروى
في كتاب البحار (1) عن كتاب
الخرائج في حديث يتضمن خروج التوقيع من الناحية المقدسة بعد السؤال عما يحل ان
يصلى فيه من الوبر ، وفيه «وان لم يكن لك ما تصلي فيه فالحواصل جائز لك ان تصلي
فيه». وظاهره الجواز مع الضرورة. والقول بالجواز لا يخلو من قرب والاحتياط ظاهر.
واما الفنك ونحوه مما عدا الخز والسنجاب والحواصل فلم أقف على قائل بجواز الصلاة
فيه إلا ما يظهر من عبارتي الصدوق في المجالس والمقنع المتقدمتين بالنسبة إلى
الفنك وان اختلفت فيه الاخبار كما عرفت مما تقدم.
(المسألة السادسة) ـ اختلف الأصحاب في التكة والقلنسوة
المعمولتين من وبر غير المأكول ، فقال الشيخ في النهاية : لا تجوز الصلاة في
القلنسوة والتكة إذا عملا من وبر الأرانب ويكره إذا عملا من حرير محض. واختاره ابن
إدريس والعلامة في المختلف والشهيد في الذكرى. وتردد في الدروس ثم قال ان الأشبه
المنع والظاهر انه المشهور. وقال في المبسوط يكره الصلاة في القلنسوة والتكة إذا
عملا من وبر ما لا يؤكل لحمه وكذا إذا كانا من حرير محض.
أقول : ويدل على الأول ما تقدم قريبا من صحيحة علي بن
مهزيار (2) قال : «كتب
إليه إبراهيم بن عقبة عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب. الحديث».
__________________
(1) ج 18 الصلاة ص 98.
(2) الوسائل الباب 7 من لباس المصلى.
ونحوها رواية أحمد بن إسحاق الأبهري ،
ويعضدهما رواية إبراهيم بن محمد الهمداني (1) قال : «كتبت اليه : يسقط على ثوبي
الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيه». ويؤكد
ذلك ما دل على النهي عن الصلاة في ذلك خصوصا وعموما.
ونقل في المختلف عن الشيخ الاستدلال على الجواز ـ كما
ذهب إليه في المبسوط ـ بأنه قد ثبت للتكة والقلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز
الصلاة فيهما وان كانا نجسين أو من حرير محض فكذا يجوز لو كانا من وبر الأرانب
وغيرها. ثم أجاب عنه بالفرق بين الأمرين واحاله على ما بينه في ما مضى.
أقول : والأظهر الاستدلال للشيخ على هذا القول بصحيحة
محمد بن عبد الجبار المتقدمة قريبا وقوله فيها بعد السؤال عن تكة تعمل من وبر
الأرانب «وان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه».
وأجاب الشهيد في الذكرى عن هذه الرواية (أولا) بأنها
مكاتبة. و (ثانيا) بأنها تضمنت قلنسوة عليها وبر فلا يلزم منه جوازها من الوبر.
ونحوه المحقق في المعتبر ايضا.
وأنت خبير بما فيه فان المكاتبة لا تقصر عن المشافهة متى
كان المخبر عن كل من الأمرين ممن يوثق به ويعتمد عليه. واما قوله ـ وقبله المحقق
كما أشرنا إليه ـ بأنها إنما تضمنت قلنسوة عليها وبر. إلخ فعجيب غاية العجب فإن
الرواية وان تضمنت ذلك لكنها ايضا تضمنت التكة المعمولة من الوبر والجواب وقع عن
الأمرين.
وبالجملة فتعارض الأخبار المذكورة ظاهر لا ينكر والأظهر
عندي في الجمع هو حمل خبر الجواز على التقية لاستفاضة الأخبار بالمنع عموما وخصوصا
عما لا يؤكل لحمه ، والجمع بالحمل على الكراهة ـ كما عليه من ذهب الى الجواز كما
يظهر من المدارك ومثله المحقق في المعتبر ـ قد عرفت ما فيه في غير مقام مما تقدم.
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من لباس المصلى.
ثم انه لا يخفى عليك ما في مدافعة ما اختاره المحقق من
القول بالجواز هنا لما اختاره في مسألة وبر الخز المغشوش بوبر الأرانب من المنع
للروايتين المتقدمتين وقد تقدم نقل كلامه ، فإنه ان كان الوبر المذكور مما لا تجوز
الصلاة فيه فلا فرق بين كونه مغشوشا به غيره وبين كونه منفردا يصنع منه قلنسوة أو
تكة بل الثاني أولى بالمنع وإلا فلا وجه لقوله بالجواز هنا ، وكذلك يرد على صاحب
المدارك ايضا حيث انه في تلك المسألة نقل كلام المحقق وجمد عليه وهو مؤذن
باختياره. والجواب ـ بأن صحيحة محمد بن عبد الجبار قد دلت على الجواز هنا وروايتا
احمد وأيوب بن نوح دلتا على المنع في تلك المسألة فوجب القول بكل منهما في ما دل
عليه ـ مردود بان هذه الروايات أيضا متعارضة متصادمة إذ المدار على جواز الصلاة في
الوبر وعدمه منسوجا كان أو غير منسوج ، إذ لا يعقل لنسجه خصوصية تخرجه عما كان
عليه أولا من حل أو حرمة ، فالقول بكل من الروايتين قول بالمتناقضين بل لا بد من
الترجيح فيهما أو الجمع بينهما ، وقضية الترجيح العمل بالصحيحة المذكورة فيمتنع
قولهما بالمنع في الوبر المخلوط والحال كما عرفت. وبالجملة فالتعارض والتدافع بين
قوليهما ظاهر كما لا يخفى.
ثم انه لا يخفى انه قد وقع لصاحب المدارك سهو في هذا
المقام حيث انه بعد ان نقل عن النهاية أولا القول بالمنع نقل عن النهاية أيضا
القول بالجواز على كراهة ، وهذا القول انما هو في المبسوط لا النهاية كما جرى به
قلمه هنا.
(المسألة السابعة) ـ قد تقدم في صحيحة ابي علي بن راشد
النهي عن الصلاة في الثعالب وفي الثوب الذي يليه ، وتقدم أيضا في صحيحة علي بن
مهزيار النهي عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي يليها ثم فسره (عليهالسلام) بالثوب الذي
يلصق بالجلد ونقل في بقية الرواية ما يدل على الثوب الذي فوقه والثوب الذي تحته ،
وتقدم أيضا في عبارة كتاب الفقه «وإياك ان تصلي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد
ثعالب». وبذلك صرح الشيخ (قدسسره) في النهاية
فقال : لا تجوز الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الثعالب
والأرانب ولا الذي فوقه على ما وردت
به الرواية وقال في المبسوط : لا تجوز الصلاة في الثوب الذي يكون تحت الثعالب ولا
الذي فوقه على ما وردت به الرواية. كذا نقله عنه في المختلف. وقال الصدوق : وإياك
ان تصلي في الثعلب ولا في الثوب الذي يليه من تحته وفوقه.
واستشكل جملة من الأصحاب حمل النهي في الاخبار المذكورة
على التحريم إلا ان يقال بنجاسة هذه الأشياء وملاقاتها بالرطوبة ، قال الشيخ في
المبسوط على اثر العبارة المتقدمة : وعندي ان هذه الرواية محمولة على الكراهة أو
على انه إذا كان أحدهما رطبا لان ما هو نجس إذا كان يابسا لا تتعدى منه النجاسة
إلى غيره. والعجب ان العلامة في المختلف نقل عنه العبارة المتقدمة خاصة وهو مما
يؤذن بقوله بالتحريم مطلقا كما أطلقه في النهاية مع ان بقية كلامه في المبسوط يؤذن
بالتأويل في تلك الرواية. وبما ذكره من التفصيل في المبسوط صرح المحقق في المعتبر
وزاد : والخبر بالمنع مقطوع السند شاذ فيسقط اعتباره. وبنحو ذلك ايضا صرح العلامة
في المختلف فقال : وعندي ان هذه الرواية محمولة على الكراهة أو على انه إذا كان
أحدهما رطبا لان ما هو نجس إذا كان يابسا لا تتعدى منه النجاسة إلى غيره ، ثم نقل
عن ابن إدريس انه قال : لا بأس بالصلاة في الثوب الذي تحته أو فوقه وبر الأرانب أو
الثعالب ، ثم استقر به وقال : لنا ـ انه صلى على الوجه المأمور به شرعا فيخرج عن
العهدة ، ولأن المقتضي للصحة موجود والمعارض لا يصلح للمانعية إذ المعارض هنا ليس
إلا مماسة الوبر وليس هذا من الموانع إذ النجس العيني إذا ماس غيره وهما يابسان لم
تتعد النجاسة إلى الغير فكيف بهذا الوبر الذي ليس بنجس؟ ثم نقل عن الشيخ (قدسسره) انه احتج بأن
الصلاة في الذمة بيقين ولا تبرأ إلا بمثله ولا يقين للبراءة مع الصلاة في الثوب
الملاصق للوبر ، وبما رواه علي بن مهزيار عن رجل ثم أورد الرواية إلى آخرها كما
قدمناه ، وقال : والجواب عن الأول انه قد حصل اليقين بالبراءة حيث قد وقع الفعل
على الوجه المأمور به شرعا. وعن الثاني ان الرجل مجهول فجاز
ان يكون غير عدل مع إمكان حمل النهي
على الكراهة كما حمله الشيخ (قدسسره) في المبسوط.
أقول : لا يبعد عندي ان النهى في الاخبار المذكورة عن
الصلاة في الثوب الذي تحت الجلد وفوقه انما هو باعتبار ما يسقط عليه من الوبر
ويتناثر عليه في وقت لبسه له تحت الوبر كان أو فوقه ، وحينئذ فيكون فيه دلالة على
عدم جواز الصلاة في الثوب الذي عليه شعر أو وبر ما لا يؤكل لحمه وسيأتي الكلام فيه
ان شاء الله تعالى ، وإلا فالقول بالمنع من حيث النجاسة لا وجه له بالكلية لما ثبت
من صحة التذكية لهذه الحيوانات خلافا للشيخ في السباع ، وانه مع اليبوسة لا تتعدى
النجاسة لو ثبتت النجاسة ، وهذا كله ظاهر بل الظاهر انه لا وجه للمنع إلا ما ذكرناه.
وان ثبت انه لا يتناثر من الوبر شيء ولا يسقط منه شيء على الثياب فلا مناص من
جعل النهي تعبدا شرعيا أو محمولا على الكراهة ويؤيده ما ورد في رواية أبي بصير (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة في
الفراء فقال كان علي بن الحسين (عليهالسلام) رجلا صردا لا
تدفئه فراء الحجاز لان دباغها بالقرظ وكان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو
فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه والقى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فقال ان
أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون ان دباغه ذكاته». فإنه لا ريب ان
نزع الفراء هنا محمول على الاستحباب لأصالة الطهارة كما تقدم تحقيقه وكذا الثوب
الذي يليه بالطريق الأولى.
(المسألة الثامنة) ـ قطع الشهيدان وجماعة : منهم ـ صاحب
المدارك ومن تبعه باختصاص المنع بالملابس فلو لم يكن كذلك كالشعرات الملقاة على
الثوب لم يمنع عن الصلاة فيه ، وذهب الأكثر إلى عموم المنع كما نقله شيخنا المجلسي
في كتاب البحار.
أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك ما
تقدم في موثقة ابن
__________________
(1) الوسائل الباب 61 من لباس المصلى.
بكير (1) من قوله (عليهالسلام): «وكل شيء
حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وألبانه وكل شيء منه فاسدة.
الحديث». فإنها شاملة للشعر الملقى على الثوب ، ورواية إبراهيم بن محمد الهمداني
المتقدمة في صدر هذا المقام ، وهي صريحة في عدم جواز الصلاة في الشعر والوبر
الملقى على الثوب ، وصحيحة محمد بن عبد الجبار المتقدمة في روايات المسألة الثالثة
(2) وهي صريحة في
جواز الصلاة فيه إذا كان ذكيا.
والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في الروض ان
مستنده في ما ذهب اليه من الجواز في هذه المسألة هو الجمع بين الروايات المذكورة ،
حيث انه بعد ذكر الأخبار المذكورة قال : وطريق الجمع حمل روايات المنع على الثوب
المعمول من ذلك والجواز على ما طرح على الثوب من الوبر ، ثم قال وممن صرح بالجواز
الشيخ والشهيد في الذكرى وهو ظاهر المعتبر ، وجمع الشيخ بينها بحمل الجواز على ما
يعمل منها مما لا تتم الصلاة فيه وحده كالتكة والقلنسوة كما وقع التصريح به في
مكاتبة العسكري (عليهالسلام) (3) انتهى.
أقول : فيه انك قد عرفت في ما قدمناه ان الأظهر حمل
الجواز في صحيحة محمد ابن عبد الجبار على التقية ، على انه كيف يتم له الجمع بذلك
وصحيحة محمد بن عبد الجبار المذكورة قد تضمنت جواز الصلاة في التكة المعمولة من
وبر الأرانب ورواية إبراهيم بن محمد الهمداني المصرحة بالمنع تضمنت الشعر والوبر
الذي يسقط على الثوب ، فكيف يتم له الجمع بما ذكره واخبار المسألة كما ترى؟ ما هذه
إلا غفلة بعيدة من مثل شيخنا المذكور منحه الله بالرفعة والحبور. واما ما نقله عن
الشيخ من الجمع بين الاخبار المذكورة بحمل الجواز على ما يعمل منها مما لا تتم
الصلاة فيه وحده والمنع في غيره فهو وان تم له بالنسبة الى هذه الروايات إلا انه
يضعف بما دلت عليه روايتا علي بن مهزيار واحمد بن إسحاق الأبهري من المنع عن
الصلاة في الجوارب والتكك المعمولة من وبر الأرانب. وبالجملة
__________________
(1) ص 58.
(2) تقدمت في المسألة الرابعة ص 76.
(3) ص 76.
فإنه لا مخلص من هذه الإشكالات وكثرة
هذه الاحتمالات إلا بحمل الروايات المذكورة على التقية كما ذكرناه. والله العالم.
(المسألة التاسعة) ـ الأظهر عندي عدم دخول فضلات الإنسان
من شعره وريقه وعرقه ونحوها في حكم فضلات غير مأكول اللحم وان صدق عليه انه غير
مأكول اللحم ، وكذا فضلة غير ذي النفس السائلة فإنها غير داخلة ايضا.
وبيان ذلك اما بالنسبة إلى فضلات الإنسان (فلو لا) ـ لا
يخفى ان المتبادر من غير مأكول اللحم في تلك الاخبار المقابل ـ في كثير منها
كموثقة ابن بكير وغيرها ـ بمأكول اللحم انما هو ما كان من سائر الحيوانات ذي النفس
السائلة التي وقع ذكر جملة منها بالتفصيل في تلك الاخبار من الخز والسنجاب والفنك
ونحوها مما تقدم ، وبعض الاخبار قد اشتمل على هذا العنوان وبعضها قد اشتمل على
حيوانات معدودة وبعضها قد اشتمل على الأمرين ، وحينئذ فيحمل مطلقها على مقيدها
ومجملها على مفصلها ، وبالجملة فإن الإنسان وان صدق عليه هذا العنوان لكن مرمى هذه
العبارة في الاخبار والمتبادر منها بتقريب ما ذكرنا انما هو ما عداه من تلك
الحيوانات التي جرت العادة باتخاذ الجلود منها والاشعار والأوبار والانتفاع بها في
سائر وجوه المنافع.
و (ثانيا) ـ ما رواه علي بن الريان في الصحيح (1) قال : «كتبت
الى ابي الحسن (عليهالسلام) اسأله هل
يجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان وأظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من قبل
ان ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقع يجوز». وصحيحته الأخرى (2) قال : «سألت
أبا الحسن الثالث (عليهالسلام) عن الرجل
يأخذ من شعره وأظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من غير ان ينفضه من ثوبه؟ قال لا بأس». والأولى
شاملة لشعر الإنسان نفسه وأظفاره أو شعر غيره وأظفاره والثانية في شعر نفسه فقط ،
ومنه يفهم غيرهما من الفضلات إذ العلة واحدة. ويعضد ذلك ما رواه في كتاب قرب
الاسناد
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 18 من لباس المصلي.
عن الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه
(عليهماالسلام) (1) «ان عليا (عليهالسلام) سئل عن
البزاق يصيب الثوب قال لا بأس به». وإطلاق نفي البأس شامل لما نحن فيه.
و (ثالثا) ـ استلزام ذلك المنع من ثوب يعرق فيه الإنسان
نفسه لنفسه وغيره أو ثوب يمخط فيه أو يبصق فيه ، والمنع من المصافحة والمعانقة في
البلاد الحارة مع العرق فيهما أو أحدهما ، واللوازم كلها باطلة منفية بالآية
والرواية للزوم الحرج والعسر (2).
واما بالنسبة الى ما لا نفس له فلما تقدم من عدم تبادر
ذلك من العنوان المذكور وعدم عد شيء مما لا نفس له في عداد تلك الافراد ، وأصالة
العدم حتى يقوم الدليل الواضح البيان ، ولأن إطلاق الألفاظ في الأحكام الشرعية
انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة دون الفروض النادرة ، ولانه لو تم ذلك
الزم الحكم بالمنع من الصلاة في الثوب والبدن الذي عليه فضلة الذباب ولزوم الحرج
به ظاهر. ويعضد ذلك بابين وجه جواز الصلاة في الحرير الممزوج اتفاقا وما لا تتم
الصلاة فيه وان كان خالصا على المشهور مع انه من فضلة ما لا يؤكل لحمه. وبذلك يظهر
لك جواز الصلاة في الثوب الذي يسقط عليه العسل أو الشمع المتخذ منه وما يوضع منه
تحت فص الخاتم ونحو ذلك. والله العالم.
تلخيص
قد ظهر مما قدمنا من الأبحاث وما سيأتي في المقام الثالث
ان شاء الله تعالى ان ما دلت عليه موثقة ابن بكير المتقدمة (3) من عموم
التحريم في فضلة ما لا يؤكل لحمه لا بد فيه من ارتكاب التخصيص والتفصيل ، فان منه
ما يجب إخراجه من هذه القاعدة كفضلات الإنسان وفضلات غير ذي النفس السائلة ، ومنه
ما يجب استثناؤه للاخبار وإجماع الأصحاب كالحرير المنسوج بغيره ونحوه مما سيأتي
والخز ، ومنه ما يجب إبقاؤه
__________________
(1) الوسائل الباب 17 من النجاسات.
(2) ج 1 ص 155.
(3) ص 58.
تحت القاعدة المذكورة ، وحمل الأخبار
الدالة على الجواز فيه على التقية وان قيل بمضمون هذه الاخبار وحمل اخبار المنع
على الكراهة إلا انك قد عرفت ما فيه ، واما ما لم ترد الاخبار بالمعارضة فيه من
الافراد فيجب إبقاؤه على ما دلت عليه الموثقة المذكورة لصراحتها في ذلك وعدم وجود
المعارض.
(المسألة العاشرة) ـ قال العلامة في المنتهى : لو شك في
كون الصوف أو الشعر أو الوبر من غير مأكول اللحم لم تجز صلاته لانه مشروط بستر
العورة مما يؤكل لحمه والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط.
أقول : الظاهر ان هذه شبهة عرضت في هذا المقام وإلا
فالظاهر من الاخبار وكلام الأصحاب ان الشرط في الصلاة ستر العورة مطلقا إلا انه قد
دلت جملة من النصوص على النهي عن الصلاة في أشياء وهي المعدودة في هذه المقامات
وان لم يستر بها العورة ومنها ما يتخذ مما لا يؤكل لحمه كما عرفت من اخبار هذا
المقام ، والمنع عن ذلك موقوف على معلومية كونه مما لا يؤكل لحمه فما لم يعلم كونه
كذلك فليس بداخل تحت تلك الاخبار فيبقى على أصل الصحة ، وتعضده الأخبار الصحيحة
الصريحة في «ان كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه» (1). والمراد
بالحل ما هو أعم من حل الأكل وهو حل الانتفاع. نعم ما ذكره هو الأحوط كما لا يخفى.
(المسألة الحادية عشرة) ـ قال في التذكرة : لو مزج صوف
ما لا يؤكل لحمه وما يؤكل لحمه ونسج منهما ثوب لم تصح الصلاة فيه تغليبا للحرمة
على اشكال ينشأ من اباحة المنسوج من الكتان والحرير ومن كونه غير متخذ من مأكول
اللحم ، وكذا لو أخذ قطعا وخيطت ولم يبلغ كل واحد منها ما يستر العورة.
أقول : الذي ينبغي ان يعلم في هذا المقام هو انه قد دلت
الاخبار على النهي عن الصلاة في ما لا يؤكل لحمه وعن الصلاة في الحرير ، ومقتضى
هذا النهي هو العموم
__________________
(1) ص 53.
لكون كل منهما خالصا أو ممزوجا ، نعم
قام الدليل بالنسبة إلى الحرير وانه متى مزج بغيره مما يجوز الصلاة فيه ونسج معه
فكان ثوبا واحدا على جواز الصلاة فيه فوجب استثناؤه من روايات المنع مطلقا وبقي
غيره على حكم العموم ، وإلحاق أحدهما بالآخر محض قياس لا يوافق أصول المذهب فلا
اشكال بحمد الله المتعال. ويعضد ذلك ما تقدم في وبر الخز المغشوش بوبر الأرانب أو
الثعالب فإن الأظهر الأشهر رواية وفتوى هو المنع من الصلاة فيه منسوجا أو ملقى على
الثوب.
(المقام الثالث) ـ في الحرير ولا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في تحريم لبس الحرير المحض للرجال وبطلان الصلاة فيه ، قال في المعتبر
: اما تحريم لبسه للرجال فعليه علماء الإسلام واما بطلان الصلاة فيه فهو مذهب علمائنا
ووافقنا بعض الحنابلة (1).
أقول : اما ما يدل على تحريم لبسه للرجال فأخبار مستفيضة
من طرق الخاصة والعامة ، فما ورد من طرق الأصحاب ما رواه الصدوق في الفقيه (2) عن ابي
الجارود عن ابي جعفر (عليهالسلام) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) قال لعلي (عليهالسلام) اني أحب لك
ما أحب لنفسي واكره لك ما أكره لنفسي ، فلا تتختم بخاتم ذهب فإنه زينتك في الآخرة
، ولا تلبس القرمز فإنه من أردية إبليس ، ولا تركب بميثرة حمراء فإنها من مراكب
إبليس ، ولا تلبس الحرير فيحرق الله جلدك يوم تلقاه». قال في الوافي : القرمز
بالكسر صبغ أرمني يكون من عصارة دود يكون في آجامهم ، ولعل معنى الحديث الرداء
المصبغ به من أردية إبليس ، وقد مضى نفى البأس عنه في كتاب الصلاة وجمع في الفقيه
بين الخبرين بأن المنهي عنه ما كان من إبريسم محض. وميثرة الفرس بتقديم المثناة
التحتانية على المثلثة لبدته. ويأتي تمام توضيحه في باب آلات الدواب. انتهى.
__________________
(1) المغني ج 1 ص 588.
(2) ج 1 ص 164 وفي الوسائل الباب 30 من لباس المصلى.
وما رواه الكليني في الموثق عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر
(عليهالسلام) (1) قال : «لا
يصلح لباس الحرير والديباج فاما بيعهما فلا بأس».
وعن ابي داود يوسف بن إبراهيم (2) قال : «دخلت
على ابي عبد الله (عليهالسلام) وعلي قباء خز
وبطانته خز وطيلسان خز مرتفع فقلت ان علي ثوبا اكره لبسه فقال وما هو؟ قلت طيلساني
هذا. قال وما بال الطيلسان؟ قلت هو خز. قال وما بال الخز؟ قلت سداه إبريسم. قال
وما بال الإبريسم؟ قال لا يكره ان يكون سدى الثوب إبريسم ولا زره ولا علمه وانما
يكره المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء».
وما رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن يوسف بن
محمد بن إبراهيم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «لا بأس
بالثوب ان يكون سداه وزره وعلمه حريرا وانما كره الحرير المبهم للرجال».
وما رواه في الكافي في الموثق عن ابن بكير عن بعض
أصحابنا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «لا
يلبس الرجل الحرير والديباج إلا في الحرب». قال في الوافي الديباج يقال للحرير
المنقوش فارسي معرب وكأن الحرير يطلق على ما لا نقش له ويقابل بالديباج. أقول : في
كتاب مجمع البحرين ـ بعد ان ذكر ان الديباج ثوب سداه ولحمته إبريسم ـ وفي الخبر «لا
تلبسوا الحرير والديباج». يريد به الإستبرق وهو الديباج الغليظ. ويمكن الجمع بين
الكلامين بان اللفظ الذي وصفه به هنا باعتبار النقش كما ذكره في الوافي فلا
منافاة.
وعن ليث المرادي (5) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ان رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) كسى سامة بن
زيد حلة حرير فخرج فيها فقال مهلا يا أسامة إنما
__________________
(1) الوسائل الباب 11 من لباس المصلي.
(2) الوسائل الباب 10 و 16 من لباس المصلي.
(3) الوسائل الباب 13 من لباس المصلي.
(4) الوسائل الباب 12 من لباس المصلي.
(5) الوسائل الباب 16 من لباس المصلى.
يلبسها من لا خلاق له فاقسمها بين
نسائك».
وعن سماعة في الموثق (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن لباس الحرير
والديباج؟ فقال اما في الحرب فلا بأس به وان كان فيه تماثيل». الى غير ذلك من
الاخبار.
ومما يدل على تحريم الصلاة فيه للرجال ما تقدم قريبا (2) في صحيحة محمد
بن عبد الجبار من قوله (عليهالسلام) «لا تحل
الصلاة في حرير محض».
وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن عبد الجبار
ايضا (3) قال : «كتبت
الى ابي محمد (عليهالسلام) هل يصلى في
قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض».
وعن إسماعيل بن سعد الأحوص (4) قال : «سألت
أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) هل يصلى
الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال لا».
وما رواه الشيخ في التهذيب عن إسماعيل بن سعد الأحوص (5) قال : «سألته
عن الثوب الإبريسم هل يصلي فيه الرجال؟ قال لا».
وعن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (6) قال : «كل ما
لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف
والزنار يكون في السراويل ويصلى فيه».
واما ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح (7) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن الصلاة في
ثوب ديباج ، فقال ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس». فقد أجاب عنه الشيخ (قدسسره) بالحمل على
حال الحرب لما ورد من جواز لبسه حينئذ
__________________
(1) الوسائل الباب 12 من لباس المصلى.
(2) ص 76.
(3 و 6) الوسائل الباب 14 من لباس المصلي.
(4 و 7) الوسائل الباب 11 من لباس المصلى.
(5) التهذيب ج 1 ص 195 وفي الوسائل أشار إليه في الباب 11 من
لباس المصلي.
أو على ما إذا كان سداه أو لحمته غزلا
أو كتانا. والأقرب عندي حمله على التقية.
ومن الاخبار المتعلقة بالمسألة ما رواه في الكافي عن
سفيان بن السمط (1) قال : «قرأت
في كتاب محمد بن إبراهيم الى ابي الحسن (عليهالسلام) يسأله عن ثوب
حشوه قز يصلى فيه؟ فكتب لا بأس به». وروى في التهذيب عن الحسين بن سعيد (2) قال : «قرأت
في كتاب محمد بن إبراهيم الى ابي الحسن الرضا (عليهالسلام) يسأله عن
الصلاة في ثوب حشوه قز ، فكتب اليه وقرأته : لا بأس بالصلاة فيه». وروى في الفقيه
والتهذيب (3) قال : «كتب
إبراهيم بن مهزيار الى ابي محمد الحسن (عليهالسلام) في الرجل
يجعل في جبته بدل القطن قزا هل يصلي فيه؟ فكتب نعم لا بأس به».
وروى في الكافي في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر (4) قال : «سأل
الحسن بن قياما أبا الحسن (عليهالسلام) عن الثوب
الملحم بالقز والقطن والقز أكثر من النصف أيصلى فيه؟ قال لا بأس وقد كان لأبي
الحسن (عليهالسلام) منه جبات». أقول
: قال في المصباح المنير : القز معرب قال الليث هو ما يعمل منه الإبريسم ولهذا قال
بعضهم القز والإبريسم مثل الحنطة والدقيق. وقال في الوافي : القز بالفتح والتشديد
نوع من الحرير فارسي معرب.
وروى في كتاب الاحتجاج مما كتبه الحميري إلى الناحية
المقدسة (5) «انا نجد
بأصبهان ثيابا عتابية على عمل الوشي من قز وإبريسم هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟
فأجاب (عليهالسلام) لا تجوز
الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان». أقول : في القاموس الوشي نقش الثوب
ويكون من كل لون ، وشى الثوب كوعى وشيا وشية حسنة نمنمه ونقشه وحسنه. وفي كتاب
المصباح وشيت الثوب وشيا من باب وعد رقمته ونقشته فهو موشى والأصل على مفعول ،
والوشي نوع من الثياب الموشية تسمية بالمصدر.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (6) «لا تصل في
ديباج ولا في حرير ولا في
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 47 من لباس المصلي.
(4 و 5) الوسائل الباب 13 من لباس المصلي.
(6) ص 16.
وشي ولا في ثوب من إبريسم محض ولا في
تكة إبريسم وإذا كان الثوب سداه إبريسم ولحمته قطن أو كتان أو صوف فلا بأس بالصلاة
فيها». انتهى.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في المسألة وما دلت عليه
هذه الاخبار يقع في مواضع
(الأول) قد عرفت إجماع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على
بطلان الصلاة في الحرير المحض ، ولا فرق في ظاهر الأصحاب بين ما كان ساترا للعورة
ولا غيره ، ونسبه المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى الى الشيخين والمرتضى
واتباعهم. واستدل على البطلان مطلقا بأن الصلاة فيه منهي عنها والنهي في العبادة
يستلزم الفساد لاستحالة كون الفعل الواحد مأمورا به منهيا عنه فمتى كان منهيا عنه
لا يكون مأمورا به وهو معنى الفساد أقول : الأظهر في تعليل الفساد في هذا المقام
انما هو من حيث استلزام مخالفة النهي عدم الامتثال لأوامر الشارع ولا ريب ان مبنى
الصحة والبطلان انما هو على الامتثال وعدمه واما ما دلت عليه صحيحة محمد بن
إسماعيل المتقدمة من صحة الصلاة في ثوب الديباج ما لم يكن فيه تماثيل فقد تقدم
الجواب عنه.
(الثاني) ـ الظاهر انه لا خلاف بينهم في ان البطلان انما
هو مع الاختيار وإلا فلو اضطر الى لبسه لبرد أو حر أو نحوهما فلا بأس ، ونقل
الإجماع عليه جمع من الأصحاب وكذا في حال الحرب وان لم يكن ضرورة ، نقل عليه
الإجماع الشهيد في الذكرى ، ويدل على الأول مضافا الى الإجماع المنقول جملة من
عمومات الاخبار مثل قولهم (عليهمالسلام) (1) : «ليس شيء
مما حرم الله تعالى إلا وقد أحله لمن اضطر اليه». وقولهم (عليهمالسلام) (2) «كل ما غلب
الله عليه فالله اولى بالعذر». وقوله (صلىاللهعليهوآله) (3) «رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون». ونحو ذلك. واما على الثاني فما
تقدم من موثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا وموثقة سماعة (4)
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من القيام.
(2) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
(3) الوسائل الباب 30 من الخلل في الصلاة.
(4) ص 88 و 89.
ومثلهما ما رواه في الكافي عن إسماعيل
بن الفضل عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا
يصلح للرجل ان يلبس الحرير إلا في الحرب». وما رواه عبد الله بن جعفر في قرب
الاسناد بسنده عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (2) «ان عليا (عليهالسلام) كان لا يرى
بلبس الحرير والديباج في الحرب إذا لم يكن فيه التماثيل بأسا». وما يظهر من
المنافاة بين هذا الخبر وخبر سماعة المتقدم ـ من حيث نفى البأس وان كان فيه تماثيل
في خبر سماعة واشتراط نفي البأس في هذا الخبر بما إذا لم يكن فيه تماثيل ـ فيمكن
الجواب عنه بان نفى البأس في خبر سماعة محمول على نفي البأس عن التحريم خاصة وان
بقيت الكراهة وهذا الخبر على نفي البأس عنهما أو بحمل ذلك الخبر على عدم الصلاة
فيه وحمل هذا على الصلاة فيه.
واستثنى بعض الأصحاب لبسه للقمل قال في المعتبر : ويجوز
لبسه للقمل لما روى (3) «ان عبد الرحمن
بن عوف والزبير شكوا الى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) القمل فرخص
لهما في قميص الحرير». وقال الراوندي في الرائع : لم يرخص لبس الحرير لأحد إلا
لعبد الرحمن بن عوف فإنه كان قملا ، والمشهور ان الترخيص لعبد الرحمن والزبير
ويعلم من الترخيص لهما بطريق القمل جوازه لغيرهما بفحوى اللفظ. ويقوى عندي عدم
التعدية. انتهى. وقال الصدوق في الفقيه «ولم يطلق النبي (صلىاللهعليهوآله) لبس الحرير
لأحد من الرجال إلا لعبد الرحمن بن عوف وذلك انه كان رجلا قملا» وتوهم صاحب
الذخيرة ان هذه العبارة من تتمة خبر ابي الجارود المتقدم فذكرها في الذخيرة في ذيل
الخبر المذكور وهو سهو محض بل الظاهر انها من كلام الصدوق الذي يداخل به الاخبار
فيقع فيه الاشتباه ولهذا لم يذكرها المحدثان في الوافي والوسائل ، ويدل عليه ايضا
ان الصدوق نقل خبر ابي الجارود في كتاب العلل عاريا من ذلك. أقول : الظاهر ان هذه
الرواية المشار إليها وان اشتهر نقلها حتى في كلام الصدوق انما وردت من طرق
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 12 من لباس المصلي.
(3) المغني ج 1 ص 589.
العامة لعدم وجودها في أخبارنا كما لا
يخفى على من تتبعها من مظانها ولا سيما كتاب البحار الجامع لشوارد الاخبار وحينئذ
فيضعف الاعتماد عليها.
(الثالث) ـ الظاهر انه لا خلاف أيضا في ان المعتبر في
التحريم كون الثوب حريرا محضا كما دلت عليه صحيحتا محمد بن عبد الجبار واليه أشار
بالمبهم في رواية يوسف بن محمد بن إبراهيم ، وعلى هذه الروايات يحمل ما أطلق من
الاخبار وظاهر الأصحاب انه يحصل الحل بالامتزاج وان كان الخليط أقل بل ولو لم يكن
إلا العشر كما نص عليه في المعتبر إلا ان يكون مستهلكا بحيث يصدق على الثوب انه
حرير محض ، والى ذلك يشير قوله في صحيحة البزنطي : «والقز أكثر من النصف» المؤذن
بغلبة القز على القطن الذي فيه ، وأظهر من ذلك موثقة إسماعيل بن الفضل عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (1) «في الثوب يكون
فيه الحرير؟ فقال ان كان فيه خلط فلا بأس». وحينئذ فما ذكر في خبر الاحتجاج ونحوه
من السدي أو اللحمة يمكن حمله على التمثيل كما يستفاد من ذكر المزج بالقطن والكتان
فإنه لا ينحصر ذلك فيهما إجماعا بل كل ما تجوز الصلاة فيه من صوف ووبر ونحوهما مما
يخرج به عن كونه حريرا محضا كما تشعر به عبارة كتاب الفقه.
ولو خيط الحرير بغيره من قطن ونحوه وان كثر لم يخرج عن
التحريم ، وكذا لو جعل الثوب ملفقا من قطع حرير وغيره مما تجوز الصلاة فيه فإنه لا
يخرج بذلك عما هو عليه من التحريم ، واولى من ذلك ما لو كانت بطانته أو ظهارته
حريرا.
بقي الكلام في المحشو بالحرير فهل يكون كذلك في المنع أم
تجوز الصلاة فيه؟ والى الثاني مال الشهيد في الذكرى ويظهر من شيخنا المجلسي في
البحار الميل إليه أيضا. وبالأول قطع الفاضلان في المعتبر والمنتهى وهو الظاهر من
الصدوق. ويدل على ما ذكره في الذكر الروايات الثلاث المتقدمة ، وحمل الصدوق في
الفقيه القز هنا على قز الماعز والظاهر ان مراده شعره ، ولا يخفى ما فيه. وفي
المعتبر نقل رواية الحسين بن سعيد التي
__________________
(1) الوسائل الباب 13 من لباس المصلي.
هي إحدى الثلاث المتقدمة وردها بالضعف
لاستناد الراوي الى ما وجده في كتاب لم يسمعه من محدث ثم نقل تأويل الصدوق
المذكور. وفي المنتهى نقلها ايضا وأجاب عنها بما ذكره الصدوق ولم يطعن بالضعف لما
فيه من الضعف كما لا يخفى. والكل بمحل من التمحل كما لا يخفى على المصنف. قال في
الذكرى ـ بعد ذكر الكلام في المسألة ونقل تأويل الصدوق وجواب صاحب المعتبر ـ ما
لفظه : قلت يضعف الأول بأنه خلاف الحقيقة الظاهرة ، والثاني بان إخبار الراوي
بصيغة الجزم والمكاتبة المجزوم بها في قوة المشافهة ، مع ان الخاص مقدم على العام
فلو قيل بالعمل برواية الحسين لم يكن بعيدا. ويؤيده ما ذكره الصدوق في الفقيه انه
كتب إبراهيم بن مهزيار الى ابي محمد (عليهالسلام) ثم ساق الخبر
كما تقدم ثم قال أورده الصدوق بصيغة الجزم ايضا. انتهى. وهو جيد. وعلى هذا فيكون
هذا الفرد مستثنى من كلية المنع من الصلاة في الحرير للأخبار المذكورة ، إلا ان
ظاهر عبارتي المعتبر والمنتهى ـ حيث لم يسندا الخلاف إلا الى الشافعي وكذا ظاهر
عبارة الذكرى حيث قال فلو قيل. إلخ ـ كون الحكم بالمنع إجماعيا وقوفا على عموم
اخبار المنع من الصلاة في الحرير فيشكل الخروج عنه ، إلا ان إلغاء هذه الاخبار مع
تأيدها بمطابقة القاعدة في تقديم الخاص على العام وتخصيصه به أشكل. وبالجملة
فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال لما عرفت ولما سيأتي في المقام ايضا ان شاء الله
تعالى.
(الرابع) ـ الظاهر انه لا خلاف في جواز لبس الحرير في
غير الصلاة للنساء نقل الإجماع على ذلك الفاضلان والشهيدان وغيرهم ، وانما وقع
الخلاف في الصلاة لهن فيه فذهب الأكثر إلى الجواز ونقل عن الصدوق المنع ، قال في
الفقيه ، وقد وردت الاخبار بالنهي عن لبس الديباج والحرير والإبريسم المحض والصلاة
فيه للرجال ووردت الرخصة في لبس ذلك للنساء ولم ترد بجواز صلاتهن فيه ، فالنهي عن
الصلاة في الإبريسم المحض على العموم للرجال والنساء حتى يخصهن خبر بالإطلاق لهن
في الصلاة فيه كما خصهن بلبسه. انتهى. وفي هذا الكلام عندي نظر لم أقف على من تعرض
له وذلك من
وجهين (أحدهما) ـ ان ظاهر كلامه انه
انما استند في منع صلاة النساء في الحرير الى ان الرخصة إنما وردت لهن في لبسه ولم
ترد بجواز صلاتهن فيه. ويرد عليه انه يكفي في صحة صلاتهن فيه العمومات الآمرة
باللباس وستر العورة مطلقا خرج ما خرج بدليل وبقي ما بقي ، وحينئذ فيجوز لهن
الصلاة فيه حتى يقوم دليل على المنع. و (ثانيهما) ان ما يؤذن به كلامه ـ من ان
الاخبار الواردة بالنهي عن الصلاة في الحرير المحض شاملة بإطلاقها أو عمومها
للرجال والنساء ـ محل منع ، فإن أكثر الاخبار انما اشتملت على السؤال عن الرجل
فموردها الرجال خاصة ، وصحيحتا محمد بن عبد الجبار المتقدمتان وان دلتا بإطلاقهما
على المنع من الصلاة في الحرير المحض إلا أنهما مبنيتان على سبب خاص وهو القلنسوة
التي هي من لباس الرجال خاصة فيضعف الاستناد إليهما في ذلك بحمل إطلاقهما على ما
يشمل النساء.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان ظواهر الاخبار في المسألة لا تخلو
من اختلاف ، ومنها موثقة ابن بكير عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «النساء
تلبس الحرير والديباج إلا في الإحرام». وقضية الاستثناء جواز لبسهن له في الصلاة.
وقد تقدم في صدر المقام قوله (عليهالسلام) في رواية أبي
داود يوسف بن إبراهيم (2) «وانما يكره
المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء». إلا انه غير صريح في جواز الصلاة ،
ونحوها رواية ليث المرادي في أمر الرسول (صلىاللهعليهوآله) لأسامة بقسمة
حلة الحرير بين نسائه.
ومنها ـ موثقة سماعة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «لا
ينبغي للمرأة ان تلبس الحرير المحض وهي محرمة فاما في الحر والبرد فلا بأس». وفيها
اشعار ما بعدم لبسه في الصلاة.
وما رواه في الخصال بسنده عن جابر الجعفي (4) قال سمعت أبا
جعفر (عليه
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 16 من لباس المصلي.
السلام) يقول : «ليس على النساء أذان
، الى ان قال ويجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير صلاة وإحرام وحرم ذلك على
الرجال إلا في الجهاد ، ويجوز ان تتختم بالذهب وتصلي فيه وحرم ذلك على الرجال إلا
في الجهاد».
والخبر ظاهر في ما ذهب اليه الصدوق. ورواية زرارة عن ابي
جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «سمعته
ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط ، الى ان قال وانما
يكره الحرير المحض للرجال والنساء».
وهذه الرواية ان حملت على مجرد اللبس فهي معارضة
بالأخبار المستفيضة والإجماع المدعى في جواز لبس النساء له في غير الصلاة فلا يتم
تحريم لبسه عليهن كما في الرجال ، والأظهر حمل إطلاقها على الصلاة وحينئذ فتكون
دالة على ما دلت عليه رواية جابر من التحريم في الصلاة فتكون مؤيدة لقول الصدوق
ايضا ، فلو استدل الصدوق على ما ذهب اليه بهذه الروايات لكان وجها لا ما ذكره من
التعليل العليل كما عرفت.
ومما يدل على ما ذهب اليه الصدوق ايضا ما يأتي في كتاب
الحج ان شاء الله من تصريح الأصحاب والاخبار بأنه لا يجوز الإحرام إلا في ما تجوز
الصلاة فيه مع تصريح جملة من الاخبار المعتمدة بأنه لا يجوز للمرأة الإحرام في
الحرير وان اختلف الأصحاب والاخبار في ذلك ايضا ولكن الترجيح للروايات الدالة على
المنع كما يأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى ، وبه يظهر قوة قول الصدوق (قدسسره) هنا ، وغاية
ما يفهم من موثقة ابن بكير المتقدمة هو الدلالة بالمفهوم وهو ضعيف في مقابلة ما
قلنا من الاخبار في الموضعين.
واما حمل بعض مشايخنا لما دل من الاخبار هنا على مذهب
الصدوق على الكراهة فلا اعرف له وجها مع عدم المعارض لها صريحا بل يؤيدها ما ذكرنا
مما يأتي في كتاب الحج ان شاء الله تعالى.
__________________
(1) الوسائل الباب 13 من لباس المصلى.
(الخامس) ـ اختلف الأصحاب في الصلاة في ما لا تتم فيه
الصلاة منفردا من الحرير بمعنى ما لا يكون ساترا للعورة كالقلنسوة والتكة ونحوهما
، فالمشهور الجواز ونقل عن الشيخ المفيد والصدوق وابن الجنيد المنع ، والى هذا
القول مال جملة من أفاضل متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد السند في المدارك وشيخنا
المجلسي في كتاب البحار والفاضل الخراساني في الذخيرة والمحدث الكاشاني في
المفاتيح وقواه العلامة في المختلف وجعله الأقرب في المنتهى بعد الاستشكال في
المسألة ، وبالغ الصدوق في الفقيه فقال : لا يجوز الصلاة في تكة رأسها من إبريسم.
ويدل على القول الأول رواية الحلبي المتقدمة في صدر هذا
المقام (1) وعلى القول
الثاني صحيحتا محمد بن عبد الجبار المتقدمتان (2) ويؤيدهما عموم الأخبار المانعة من
الصلاة في الحرير المحض وجمع الأصحاب بين الاخبار بحمل الصحيحتين المذكورتين على
الاستحباب. وفيه (أولا) ان الجمع فرع التعارض كما صرحوا به في غير مقام والرواية
المذكورة لضعفها لا تبلغ قوة في معارضة الصحيحتين المذكورتين سيما مع تأيدهما بما
ذكرناه و (ثانيا) ما عرفت في هذا الجمع في غير مقام. و (ثالثا) انه كما يمكن الجمع
بما ذكروه يمكن الجمع ايضا بحمل الرواية المذكورة على التقية فإن المنقول عن أبي
حنيفة والشافعي واحمد في إحدى الروايتين جواز الصلاة في الحرير المحض (3) وبالجملة فقوة
القول الثاني ظاهرة وحمل الرواية المذكورة على التقية متعين.
بقي الكلام في مطلق الحرير مثل ما يخلط به الثوب أو يزر
به أو يجعل علما فيه أو يكف به بان يجعل في رؤوس الأكمام والذيل وحول الزيق والجيب
، وظاهر كلام الصدوق كما تقدم المنع من جميع ذلك حيث منع من تكة رأسها من إبريسم ،
واما كلام أكثر الأصحاب فهو صريح في الجواز :
فاما بالنسبة الى ما يكف به فاستدل عليه الفاضلان بما
رواه العامة عن عمر (4)
__________________
(1 و 2) ص 89.
(3) المغني ج 1 ص 587 و 588.
(4) المغني ج 1 ص 588.
«ان النبي (صلىاللهعليهوآله) نهى عن
الحرير إلا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع». ومن طريق الأصحاب بما رواه جراح
المدائني عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) «انه كان يكره
ان يلبس القميص المكفوف بالديباج».
وأنت خبير بان الاستدلال بهذه الرواية مبني على كون
الكراهة في أخبارهم (عليهمالسلام) بهذا المعنى
المصطلح عليه ، وهو ليس بظاهر فان استعمالها في التحريم أكثر كثير فيها ، والحق
كما حققناه في ما تقدم ان هذا اللفظ من الألفاظ المتشابهة التي لا تحمل على أحد
المعنيين إلا مع القرينة ، على ان الرواية المذكورة معارضة بما دل على تحريم لبس
الحرير مطلقا وعدم جواز الصلاة في حرير محض.
واما بالنسبة الى ما عدا ذلك فتدل عليه رواية يوسف بن
إبراهيم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «لا بأس
بالثوب ان يكون سداه وزره وعلمه حريرا وانما كره الحرير المبهم للرجال». وهي كما
ترى دالة على استثناء الزر والعلم ـ كسبب ـ ما يجعل في الثوب علامة كطراز وغيره نص
عليه في المصباح المنير. ويعضد ذلك ما تقدم من الاخبار الدالة على جواز الصلاة في
الثوب الذي حشوه قز.
والاحتياط في الاجتناب في الجميع لما يظهر من الصحيحتين
المتقدمتين من النهى عن الصلاة في الحرير المحض وعمومهما شامل لهذه الأشياء
المذكورة. وكون ذلك جوابا عن شيء مخصوص لا يوجب التخصيص لما تقرر من ان خصوص
السؤال لا يوجب تخصيص عموم الجواب بل الجواب باق على عمومه. مع احتمال حمل الأخبار
المذكورة كملا على التقية ، ويؤيده ما ورد في موثقة عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الثوب الذي يكون علمه ديباجا قال لا يصلى فيه». وهي ظاهرة في معارضة الرواية
المذكورة بالنسبة إلى العلم ، وحملها في الذكرى على الكراهة. وفيه ما عرفت في
__________________
(1 و 3) الوسائل الباب 11 من لباس المصلي.
(2) الوسائل الباب 13 من لباس المصلي.
غير مقام ، على انه لا يخفى ان غاية
ما تدل عليه الرواية الاولى هو نفي البأس عن الثوب الذي يكون سداه وزره وعلمه
حريرا وهو مطلق فيمكن حمله على غير الصلاة ، ومورد الموثقة المذكورة النهي عن
الصلاة في الثوب الذي يكون علمه ديباجا ، فيمكن الجمع بين الخبرين بتخصيص إطلاق
الأول بالموثقة المذكورة ويكون المعنى فيه انه لا بأس في ما عدا الصلاة فلا
منافاة. وبالجملة فالمسألة عندي محل توقف واشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.
(السادس) المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز
افتراش الحرير والقيام عليه ، وتردد فيه في المعتبر ونسب الجواز إلى الرواية
إيذانا بالتوقف ، وأشار بالرواية الى ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح عن علي
بن جعفر (1) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن الفراش
الحرير ومثله من الديباج والمصلى الحرير هل يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة
عليه؟ قال يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه». قال في المعتبر بعد ذكر الرواية ،
ومنشأ التردد عموم التحريم على الرجال. ورده في الذكرى بان الخاص مقدم على العام
مع اشتهار الرواية. وقال في المدارك بعد نقل ذلك عن المعتبر : وهو ضعيف لأن النهي
انما تعلق بلبسه ومنع اللبس لا يقتضي منع الافتراش لافتراقهما في المعنى. ثم قال
وفي حكم الافتراش التوسد عليه والالتحاف به اما التدثر به فالأظهر تحريمه لصدق اسم
اللبس عليه. انتهى. وقال في المختلف بعد ذكر الحكم المذكور : ومنع بعض المتأخرين
من ذلك لعموم المنع من لبس الحرير. وليس بمعتمد لان منع اللبس لا يقتضي منع
الافتراش لافتراقهما في المعنى. انتهى. أقول لا يبعد ان يكون كلام المختلف إشارة
إلى منع صاحب المعتبر وان كان على جهة التردد حيث لم ينقل في ما وصل إلينا عن
غيره. وبالجملة فالقول بما هو المشهور هو المعتمد للصحيحة المذكورة إلا انه قال (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (2) ـ في تتمة
العبارة المتقدم نقلها
__________________
(1) الوسائل الباب 15 من لباس المصلى.
(2) ص 16.
عنه في عداد الروايات المتقدمة في أول
هذا المقام ـ ما صورته : «ولا تصل على شيء من هذه الأشياء إلا ما يصلح لبسه». وظاهره
تحريم افتراش هذه الأشياء حال الصلاة والقيام عليها وكذا غيرها من جلد الميتة
والذهب المعدود ايضا بعد الأشياء المذكورة في عبارته والأحوط المنع وان كان الجواز
أظهر لما عرفت ، واما ما رجحه في المدارك من تحريم التدثر به لما ذكره من صدق
اللبس عليه فلا يخلو من بعد فان دعوى صدق اللبس عرفا على التدثر غير خال من النظر
ولهذا ان جده (قدسسره) جعل التدثر
كالافتراش في الجواز.
(السابع) ـ هل يحرم على الولي تمكين الصبي من لبس الحرير؟
المشهور العدم وبه صرح الفاضلان في المعتبر والمنتهى ، قال في المعتبر يحرم على
الولي تمكين الصغير من لبس الحرير لقوله (صلىاللهعليهوآله) (1) : «حرام على
ذكور أمتي» وقال جابر : «كنا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري» (2) والأشبه عندي
الكراهة لأن الصبي ليس بمكلف فلا يتناوله الخبر ، وما فعله جابر وغيره يحمل على
التنزه والمبالغة في التورع. انتهى. وبنحوه صرح في المنتهى ومثلهما الشهيد في
الذكرى بعد التردد ، ونقل في الذخيرة قولا بالتحريم استنادا الى ما تقدم. والظاهر
ان الرواية الاولى لا دلالة فيها كما أشار إليه المحقق والثانية عامية ، وقضية
الأصل العدم حتى يقوم الدليل.
(الثامن) ـ قد صرح غير واحد منهم بأنه لو لم يجد المصلي
إلا الحرير ولا ضرر في التعري صلى عاريا عندنا لان وجوده كعدمه مع تحقق النهي عنه
، وجوزه العامة بل أوجبوه (3) لأن ذلك من
الضرورات. قالوا ولو وجد النجس والحرير واضطر إلى أحدهما لبرد ونحوه فالأقرب لبس
النجس لأن مانعه عرضي. أقول : ويؤيده الأخبار الدالة على جواز الصلاة في الثوب
النجس إذا لم يجد غيره وان لم يكن مضطرا الى لبسه وانه لا يصلي عاريا والحال كذلك (4).
__________________
(1 و 2) المغني ج 1 ص 591.
(3) المغني ج 1 ص 595.
(4) ج 5 ص 351.
(المقام الرابع) ـ في الذهب ، اما تحريم لبس الذهب على
الرجال فلا خلاف فيه بين الأصحاب ، وانما الخلاف في بطلان الصلاة في ما لا تتم
الصلاة فيه كالخاتم ونحوه. فذهب الأكثر إلى البطلان وظاهر المحقق في المعتبر العدم
حيث قال : لو صلى وفي يده خاتم من ذهب ففي فساد الصلاة تردد أقربه انها لا تبطل
لما قلناه في الخاتم المغصوب ، ومنشأ التردد رواية موسى بن أكيل النميري عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «جعل
الله الذهب حلية أهل الجنة فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه». انتهى وأشار بقوله «لما
قلناه في الخاتم المغصوب» الى ما قدمه في مسألة الصلاة في الخاتم المغصوب من ان
النهي عنه ليس عن فعل من أفعال الصلاة ولا عن شرط من شروطها.
أقول : ومما وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام زيادة
على الرواية التي نقلها ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الموثق عن عمار الساباطي
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) «في الرجل يصلي
وعليه خاتم حديد؟ قال لا ولا يتختم به الرجل لانه من لباس أهل النار. وقال لا يلبس
الرجل الذهب ولا يصلي فيه لانه من لباس أهل الجنة».
وما رواه في كتاب الخصال بسنده عن جابر الجعفي عن ابي
جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «يجوز
للمرأة لبس الديباج ، الى ان قال ويجوز ان تتختم بالذهب وتصلي فيه وحرم ذلك على
الرجال».
وما رواه في التهذيب عن عمار الساباطي في الموثق عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «لا
يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه لانه من لباس أهل الجنة». وقال في كتاب الفقه
الرضوي (5) «لا تصل في
ديباج ولا في حرير». وقد تقدمت هذه العبارة ، الى ان قال بعدها : ولا تصل في جلد
الميتة على كل حال ولا في
__________________
(1 و 4) الوسائل الباب 30 من لباس المصلي.
(2) الوسائل الباب 32 و 30 من لباس المصلي.
(3) الوسائل الباب 16 من لباس المصلي.
(5) ص 16.
خاتم ذهب ولا تشرب في آنية الذهب والفضة
ولا تصل على شيء من هذه الأشياء. الى آخر ما تقدم قريبا.
وأنت خبير بأن الأخبار المذكورة قد اتفقت على النهي عن
الصلاة في الخاتم من الذهب والنهي عن العبادة موجب لبطلانها بلا خلاف ولا اشكال ،
وبه يظهر ضعف ما ذهب اليه المحقق (قدسسره) قال في
الذكرى : ورابعها الذهب والصلاة فيه حرام على الرجال فلو موه به ثوبا وصلى فيه بطل
بل لو لبس خاتما منه وصلى فيه بطلت صلاته. قال الفاضل لقول الصادق (عليهالسلام) «جعل الله
الذهب حلية لأهل الجنة فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه» رواه موسى بن أكيل
النميري عنه (عليهالسلام) (1). وفعل المنهي
عنه مفسد للعبادة. وقوي في المعتبر عدم الابطال بلبس خاتم من ذهب لإجرائه مجرى
خاتم مغصوب والنهي ليس عن فعل من أفعال الصلاة ولا عن شرط من شروطها. انتهى. وربما
يوهم كلامه هنا من حيث اقتصاره على نقل قولي الفاضلين في الخاتم التوقف إلا ان
كلامه في الدروس والبيان ظاهر في اختيار المشهور حيث حكم بالبطلان في الخاتم ولو
مموها. أقول : والحكم بالبطلان من هذه الاخبار أظهر من ان ينكر. وظاهره في كتبه
الثلاثة جعل المموه بالذهب من خاتم وغيره كالذهب لصدق الصلاة في الذهب. وهو جيد
ونقل عن ابي الصلاح ما يؤذن بالكراهة في الذهب. وهو ضعيف.
وكيف كان فينبغي ان يستثني من ذلك ما إذا دعت الضرورة
إلى شد الأسنان به لما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) (2) في حديث «ان
أسنانه استرخت فشدها بالذهب».
وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق عن
الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الثنية تنفصم أيصلح ان تشبك
__________________
(1) ص 101.
(2 و 3) الوسائل الباب 31 من لباس المصلي.
بالذهب وان سقطت يجعل مكانها ثنية شاة؟
قال نعم ان شاء فليضع مكانها ثنية شاة بعد ان تكون ذكية».
وعن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن الرجل تنفصم سنه أيصلح له ان يشدها بالذهب؟ وان سقطت أيصلح ان يجعل مكانها سن
شاة؟ قال نعم ان شاء ليشدها بعد ان تكون ذكية».
أقول : ظاهر اشتراط الذكاة في السن التي يضعها انه لا
يجوز وضع سن الميتة بل لا بد من تذكيتها بالذبح مع ان السن مما لا تحله الحياة فلا
مانع من وضعه فإنه طاهر إجماعا كما تقدم تحقيقه في محله من كتاب الطهارة.
ويدل على ذلك زيادة على ما عرفت ما رواه في كتاب مكارم
الأخلاق أيضا عن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سأله
ابي وانا حاضر عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن انسان ميت فيجعله مكانه؟ قال لا بأس».
ولعل اشتراط الذكاة في السن في الخبرين المذكورين من جهة
ما يصاحبها غالبا من اللحم عند قلعها من موضعها وإلا فالاشتراط مشكل. والله
العالم.
(المقام الخامس) ـ في المغصوب ، ظاهر كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) الاتفاق على تحريم الصلاة في الثوب المغصوب ، ونسبه في المنتهى الى
علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وصرح بذلك في النهاية فقال : لا تصح الصلاة في
الثوب المغصوب مع العلم بالغصبية عند علمائنا اجمع. وإطلاق أكثر غباراتهم شامل لما
هو أعم من ان يكون ساترا للعورة أو غير ساتر ، بل صرح بذلك العلامة في جملة من
كتبه والشهيد في البيان حيث قال فيه : ولا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب ولو خيطا
فتبطل مع علمه بالغصب هذا مع ان صريح كلام الفضل بن شاذان من قدماء أصحابنا (رضوان
الله عليهم) وخواص أصحاب الرضا (عليهالسلام) هو الجواز
كما نقله في الكافي في كتاب الطلاق
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 31 من لباس المصلي.
حيث قال ـ في مقام الرد على المخالفين
في جواب من قاس صحة الطلاق في الحيض بصحة العدة مع خروج المعتدة من بيت زوجها ـ ما
هذا لفظه : وانما قياس الخروج والإخراج كرجل دخل دار قوم بغير إذنهم فصلى فيها فهو
عاص في دخوله الدار وصلاته جائزة لأن ذلك ليس من شرائط الصلاة لأنه منهي عن ذلك
صلى أم لم يصل ، وكذلك لو ان رجلا غصب من رجل ثوبا أو أخذه فلبسه بغير اذنه فصلى
فيه لكانت صلاته جائزة وكان عاصيا في لبسه ذلك الثوب لان ذلك ليس من شرائط الفرض
لان ذلك انى على حدة والفرض جائز معه ، وكل ما لم يجب إلا مع الفرض ومن أجل ذلك
الفرض فان ذلك من شرائطه لا يجوز الفرض إلا بذلك على ما بيناه. وليكن القوم لا
يعرفون ولا يميزون ويريدون ان يلبسوا الحق بالباطل. الى آخر ما ذكره (قدسسره). ومرجعه إلى
انه حيث لم يشترط الإباحة في المكان واللباس بالنسبة إلى الصلاة كما ورد اشتراطها
بستر العورة والقبلة وطهارة الساتر ونحوها فلا يكون الإخلال بها مضرا بالصلاة
وموجبا لبطلانها ، فتجوز الصلاة حينئذ في المكان والثوب المغصوبين غاية الأمر انه
منهي عن التصرف في المغصوب صلى فيه أو لم يصل ، وغاية ما يوجبه هذا النهي هو الإثم
في التصرف بأي نحو كان. وهو كلام متين ومن ثم مال اليه المحدث الكاشاني في
المفاتيح.
قال شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب
البحار بعد نقل الكلام بطوله ما صورته : فظهر ان القول بالصحة كان بين الشيعة بل
كان أشهر عندهم في تلك الأعصار. انتهى. أقول : ويؤيده ايضا ان صاحب الكافي قد نقل
ذلك ولم ينكره ولم يطعن عليه في شيء منه.
إذا عرفت ذلك فاعلم انه لا بد من نقل حجة القوم في هذا
المقام وبيان ما يتوجه عليها من نقض وإبرام فنقول وبالله سبحانه الاعتصام من زيغ
الافهام وطغيان الأقلام :
قال السيد السند (قدسسره) في كتاب
المدارك بعد نقل كلام الأصحاب
(رضوان الله عليهم) وحكمهم بالبطلان
في المسألة : واحتجوا عليه بان الحركات الواقعة في الصلاة منهي عنها لأنها تصرف في
المغصوب والنهي عن الحركة نهى عن القيام والقعود والسجود وهو جزء الصلاة فتفسد لأن
النهي في العبادة يقتضي الفساد فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها وبأنه مأمور بإبانة
المغصوب عنه ورده الى مالكه فإذا افتقر الى فعل كثير كان مضادا للصلاة والأمر
بالشيء يقتضي النهي عن ضده فيفسد. ويتوجه على الأول ان النهي انما يتوجه الى
التصرف في المغصوب الذي هو لبسه ابتداء واستدامة وهو أمر خارج عن الحركات من حيث
هي حركات اعني القيام والعقود والسجود فلا يكون النهي متناولا لجزء الصلاة ولا
لشرطها ومع ارتفاع النهي ينتفي البطلان. وعلى الثاني ما بيناه مرارا من ان الأمر
بالشيء انما يقتضي النهي عن ضده العام الذي هو نفس الترك أو الكف لا الأضداد
الخاصة الوجودية. والمعتمد ما اختاره المصنف في المعتبر من بطلان الصلاة ان كان
الثوب ساترا للعورة لتوجه النهي إلى شرط العبادة فيفسد ويبطل المشروط لفواته ،
وكذا إذا قام فوقه أو سجد عليه لان جزء الصلاة يكون منهيا عنه وهو القيام والقعود
حيث انه نفس الكون المنهي عنه ، اما لو لم يكن كذلك لم تبطل لتوجه النهي إلى أمر
خارج عن العبادة. أقول : لا يخفى انه قد كفانا المؤنة في رد الدليل المشهور بما
ذكره.
بقي الكلام في ما استدل به واعتمده من كلام المحقق في
المعتبر وظن انه جيد ومعتبر ، وينبغي ان يعلم أولا ان عبارة المعتبر هنا لا تخلو
من قصور والسيد في ما نقله عنه قد أصلحه وزاد في العبارة ما يندفع به عنه الإيراد
وان كان ما أصلحه به ايضا لا يوصل الى مطلوب ولا مراد كما سيظهر لك ان شاء الله
تعالى بوجه لا يتطرق اليه الفساد ، وذلك فإن أصل عبارة المعتبر هكذا : ثم اعلم اني
لم أقف على نص عن أهل البيت (عليهمالسلام) بإبطال
الصلاة وانما هو شيء ذهب اليه المشايخ الثلاثة منا واتباعهم والأقرب انه ان كان
ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة لأن
جزء الصلاة يكون منهيا عنه وتبطل
الصلاة بفواته اما لو لم يكن كذلك لم تبطل وكان كلبس خاتم مغصوب ، انتهى. وظاهره ـ
كما ترى ـ تعليل البطلان في المواضع الثلاثة بكون كل منها جزءا من الصلاة وهو منهي
عنه ، مع ان ستر العورة ليس جزء من الصلاة وانما هو من شروط صحتها ، والسيد كأنه
تفطن لذلك فعدل عن تعليله وعلله بأنه شرط لها ولكنه بالنهي عنه يفسد ويبطل المشروط
لفوات شرطه. وفيه انا لا نسلم فساد الشرط وبطلانه إلا إذا كان عبادة وإلا فغايته
حصول الإثم خاصة ، وما نحن فيه كذلك فان ستر العورة ليس عبادة بل هو كإزالة
النجاسة فإنها شرط في صحة الصلاة مع انه لا يقدح في الصلاة إزالتها بماء مغصوب أو
آلة مغصوبة ونحو ذلك ، وحينئذ فتصح الصلاة في الساتر وان كان مغصوبا وان اثم من
حيث الغصب.
واما ما علل به البطلان لو قام أو قعد فوقه أو سجد عليه
ـ من ان جزء الصلاة يكون منهيا عنه وهو القيام والقعود والسجود في الصورة المذكورة
والنهي عن العبادة موجب لبطلانها وببطلان الجزء يبطل الكل ـ فالجواب عنه انه ان
أريد به النهي عنه من حيث عدم جواز الصلاة فيه فما ذكره من البطلان مسلم لكن الحال
ليست كذلك لانه لم يرد نهي بهذا المعنى في المقام وإلا لسقط البحث من أصله ، وان
أريد النهي عنه من حيث الغصب وقبح التصرف في مال الغير بدون اذنه فما ذكره من
البطلان المترتب على ذلك ممنوع لان القدر المقطوع به من بطلان العبادة بتوجه النهي
إليها انما هو إذا توجه إليها من حيث كونها عبادة لأن التعليق على الوصف مشعر
بالعلية لا من جهة أخرى كما نحن فيه ، والنهي هنا انما توجه الى القيام على هذا
الثوب المغصوب من حيث تحريم التصرف في المغصوب من دون اذن المالك لا من حيث عدم
جواز الصلاة عليه. ولزوم اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد مع اختلاف الحيثيتين
غير ضائر إذ وجه المحالية بتكليف ما لا يطاق المترتب على ذلك انما يلزم مع اتحاد
الجهة كما لا يخفى. ولم اطلع على من تفطن لهذه الدقيقة في المقام من علمائنا
الاعلام وبها تنحل جميع الشبه التي طال فيها
الكلام واتسعت فيها دائرة الخصام وكثر
فيها النقض والإبرام ، فإن ذلك مبني على شبهة النهي وانه متوجه إلى العبادة وهو
موجب لبطلانها ، وهو على إطلاقه ممنوع كما عرفت فان ذلك مخصوص بما يتوجه إليها من
حيث كونها عبادة مثل النهي عن السجود على ما لا يصح السجود عليه مما منع الشارع من
السجود عليه ، واما النهي عن السجود على المغصوب فإنما هو من حيث كونه تصرفا في مال
الغير بغير اذنه. وبذلك يظهر لك انه لا فرق بين استعمال المغصوب في هذه الأشياء
الثلاثة التي عدها في المعتبر وتبعه من تبعه كالسيد المذكور وجده قبله وغيرهما ولا
بين لبس المغصوب مطلقا لجريان ما ذكرناه في الموضعين والظاهر ان منشأ قولهم
بالبطلان في الثلاثة المعدودة هو انه متى لم يكن أحد الثلاثة فإن النهي انما توجه
الى ذلك اللباس والحركة فيه قياما وقعودا وركوعا وسجودا من حيث كونه تصرفا في مال
الغير يغير اذنه وهذا أمر خارج عن الصلاة لا انه نهى عن ذلك من حيث كونها حركات في
الصلاة ، بخلاف ما إذا كان أحد الثلاثة لعين ما تقدم نقله عن المدارك ، وقد عرفت
ما فيه. ويمكن ان يكون للزوم اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد وهو محال لو قيل
بصحة الصلاة في هذه المواضع الثلاثة. وفيه ما عرفت من انه لا مانع منه مع اختلاف
الجهتين ولزوم المحال انما يحصل مع اتحادهما كما لا يخفى.
وقد تلخص من هذا البحث ان المشهور هو بطلان الصلاة في
المغصوب مطلقا كما تقدم وعلى مذهب المحقق ومن تبعه كالشهيدين في الذكرى والروض
والسيد تخصيص البطلان بما إذا كان المغصوب ساترا للعورة أو مكانا للقيام عليه أو
مسجدا وإلا فهي صحيحة عندهم فالقدر المجمع عليه بينهم هو هذا ، وقد عرفت ما في
الجميع وبه يظهر قوة ما قدمناه عن الفضل بن شاذان (قدسسره).
قال شيخنا المجلسي (قدسسره) في تتمة
الكلام الذي قدمنا نقله ذيل كلام الفضل بن شاذان : وكلام الفضل يرجع الى ما ذكره
محققو أصحابنا من ان التكليف الإيجابي ليس متعلقا بهذا الفرد الشخصي بل متعلق
بطبيعة كلية شاملة لهذا الفرد وغيره
وكذا التكليف التحريمي متعلق بطبيعة
الغصب لا بخصوص هذا الفرد ، والنسبة بين الطبيعتين عموم من وجه فطلب الفعل والترك
غير متعلق بأمر واحد في الحقيقة حتى يلزم التكليف بما لا يطاق وانما جمع المكلف
بينهما في فرد واحد باختياره ، فهو ممتثل للتكليف الإيجابي باعتبار ان هذا فرد
الطبيعة المطلوبة وامتثال الطبيعة انما يحصل بالإتيان بفرد من إفرادها ، وهو مستحق
للعقاب ايضا باعتبار كون هذا الفرد فرد الطبيعة المنهية. وقيل هذا القول غير صحيح
على أصول أصحابنا لأن تعلق التكليف بالطبيعة مسلم لكن لا نزاع عندنا في ان الطبيعة
المطلوبة يجب ان تكون حسنة ومصلحة راجحة متأكدة يصح للحكيم ارادتها وقد ثبت ذلك في
محله ، وغير خفي أن الطبيعة لا تتصف بهذه الصفات إلا من حيث التحصل الخارجي
باعتبار أنحاء وجوداته الشخصية ، وحينئذ نقول الفرد المحرم لا يخلو اما ان يكون
حسنا ومصلحة متأكدة مرادة للشارع أم لا ، وعلى الأول لا يصح النهى عنه ، وعلى
الثاني لم يكن القدر المشترك بينه وبين باقي الأفراد مطلوبا للشارع بل المطلوب
الطبيعة المقيدة بقيد يختص به ما عدا ذلك الفرد فلا يحصل الامتثال بذلك الفرد
لخروجه من افراد المأمور به. أقول : ويمكن المناقشة فيه بوجوه لو تعرضنا لها
لخرجنا عما هو مقصودنا في هذا الكتاب. وبالجملة الحكم بالبطلان أحوط واولى وان كان
إثباته في غاية الإشكال. انتهى كلام شيخنا المشار إليه.
أقول : لا يخفى ان القائل بما نقله هنا هو الفاضل
الخراساني في الذخيرة حيث انه من القائلين بالقول المشهور من بطلان الصلاة في
المغصوب مطلقا ، وشيخنا المذكور لم يتعرض لبيان المناقشة في كلامه بل اعتذر بما
ذكره. ويمكن الجواب عما ذكره في خلاصة كلامه ونتيجة بحثه بقوله : «وحينئذ نقول
الفرد المحرم لا يخلو اما ان يكون حسنا. إلخ» بأن يقال هنا فرد آخر غير ما ذكره من
الفردين بان يكون حسنا من وجه وقبيحا من وجه ، وذلك بان يكون حسنا من حيث توقف
العبادة عليه وان كان قبيحا من حيث التصرف في مال الغير بغير اذنه ، فهو ذو جهتين
حسن من إحداهما قبيح من الأخرى فهو
داخل تحت كل من الطبيعتين باعتبار هاتين
الجهتين والنهي انما صح عنه من الجهة الأخرى لا من الجهة الأولى التي هي جهة الحسن
، فلا يلزم ما ذكره وأطال به من اللازم على كل من الفردين اللذين ذكرهما إذ
التقسيم غير منحصر فيهما مع وجود هذا الفرد الذي ذكرناه واما ما ذكره في الاعتراض
على كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض حيث أجاب في الروض عن حجة القول المشهور
المتقدمة بنحو ما أجاب به سبطه في المدارك فقال في الذخيرة بعد نقل ذلك عنه : وفيه
نظر لأن الإنسان إذا كان متلبسا باللباس المغصوب في حال الركوع مثلا فلا خفاء في
ان الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرمة لكونها محركة للشيء المغصوب فيكون
تصرفا في مال الغير بغير اذنه محرما فلا يصح التعبد به مع انه جزء من الصلاة ،
واعتبار الجهتين غير نافع في صحة تعلق الوجوب والحرمة إلا مع اختلاف المتعلق لا
مطلقا. انتهى. وفيه انه لا ريب ان التصرف في المغصوب وما يترتب عليه من التحريم
والعقاب قد حصل بنفس اللبس فالتحريم ثابت له ابتداء واستدامة صلى فيه أو لم يصل
تحرك فيه أو لم يتحرك ، ولا يعقل لهذه الحركة الركوعية أو السجودية خصوصية في هذا
المقام ليترتب عليها شيء من الأحكام ، فلا معنى لتفريعه على الحركة الركوعية
بقوله «فيكون تصرفا في مال الغير فلا يصح التعبد به» إذ هو متصرف فيه حال قيامه
وقعوده بل جميع أحواله ، وبذلك يظهر انه لا معنى لقوله : «فلا يصح التعبد به» إذ
هذا التفريع فرع صحة ما زعمه من الاختصاص بالحركة الركوعية ونحوها إذ التصرف
والتحريم كما عرفت قد حصل بمجرد اللبس واستدامته صلى فيه أو لم يصل ، غاية الأمر
انه قد قارن التصرف المحرم هذه الحركات والسكنات في الصلاة والنهي عن المقارن لا
يوجب التعدي الى ما قارنه ، وحينئذ فلا يكون النهي متناولا لجزء من الصلاة ولا
شرطها ، ومع تسليم ما ذكره فالجواب عنه ما تقدم. وقوله في الإشارة إلى الجواب عن
ذلك «واعتبار الجهتين غير نافع. إلخ» ممنوع فإن العلة التي عللوا بها ذلك انما تتم
في ما إذا كان تعلق الأمر والنهي من جهة واحدة كما لا يخفى.
وبالجملة فإنه يكفينا التمسك بامتثال الأمر المتفق على
كونه يقتضي الاجزاء ، وذلك فإنه إذا قال الشارع «صل بعد الطهارة مستقبل القبلة
مستترا بثوب طاهر» مثلا فامتثل المكلف ذلك فلا ريب في صحة صلاته لما ذكرناه ،
والحكم ببطلان عبادته لو كان المكان أو الثوب مغصوبا يحتاج الى دليل حيث ان
العبادة صحة وبطلانا وزيادة ونقصانا وكمية وكيفية توقيفية والشارع لم يذكر في ما
اشترطه من شروط الصلاة إباحة مكانه ولا ثوبه ، والدليل عندنا منحصر في الكتاب
والسنة دون هذه التخريجات الفكرية التي يزعمونها أدلة عقلية مع اختلاف العقول فيها
نقضا وإبراما كما في هذه المسألة وغيرها وقد حققنا في مقدمات الكتاب عدم جواز
الاعتماد على الأدلة العقلية بل عدم وجودها بالكلية.
إلا انه قد ورد هنا بعض الاخبار مما يتسارع الى الفهم
منها الدلالة على القول المشهور مثل ما رواه شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب
البحار (1) عن كتاب تحف
العقول للحسن بن علي بن شعبة وكتاب بشارة المصطفى للطبري عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) في وصيته
لكميل «يا كميل انظر في ما تصلي وعلى ما تصلي ان لم يكن من وجهه وحله فلا قبول». وقريب
منه ما رواه الصدوق مرسلا والكليني مسندا عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «لو ان
الناس أخذوا ما أمرهم الله به فأنفقوه في ما نهاهم عنه ما قبله منهم ولو أخذوا ما
نهاهم الله عنه فأنفقوه في ما أمرهم الله به ما قبله منهم حتى يأخذوه من حق
وينفقوه في حق». وما ربما يقال ـ من ان عدم القبول انما هو بمعنى عدم ترتب الثواب
ولا ينافي الصحة ـ فقد أبطلناه في جملة من زيرنا ولا سيما كتاب الدرر النجفية إلا
ان باب التأويل فيهما غير منغلق.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط
فيها مطلوب لا ينبغي تركه على كل حال فان كلام الفضل لا يخلو من قوة كما عرفت في
هذا المجال. والله العالم.
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 2 من مكان المصلي.
فروع
(الأول) ـ قال في المنتهى : لا فرق بين ان يكون الثوب
المغصوب ساترا أو غير ساتر بان يكون فوق الساتر أو تحته على اشكال. أقول : الظاهر
ان وجه الاشكال عنده هو ما تقدم في كلام المحقق في المعتبر من تخصيصه التحريم
بالساتر أو ما يقوم عليه أو يسجد عليه والجواز في ما عدا ذلك ، وهو في هذا الكتاب
يحذو حذو المعتبر غالبا وفي هذا المقام توقف. وقد مضى تحقيق الكلام في المقام.
(الثاني) ـ قال في المنتهى ايضا : قيل تبطل الصلاة في
الخاتم المغصوب وشبهه كالسوار والقلنسوة والعمامة. وفيه تردد أقربه البطلان. أقول
: ومنشأ هذا التردد ايضا هو كلام المحقق في المعتبر حيث انه جزم بالصحة في الخاتم
المغصوب ونحوه مما لا يستر العورة والعلامة هنا قد رجح القول المشهور.
(الثالث) ـ لو جهل أصل الغصب فالظاهر انه لا خلاف بينهم
في الصحة لعدم توجه النهي ولزوم تكليف ما لا يطاق.
(الرابع) ـ لو علم بالغصب وجهل الحكم اعني تحريم الصلاة
في المغصوب فالمشهور الحاقة بالعالم في عدم المعذورية ، وعلله في الذكرى بأنه جمع
بين الجهل والتقصير في التعلم. ولا يخفى ما فيه ، ولهذا مال في المدارك إلى الحاقه
بسابقه حيث قال بعد ان ذكر ان جاهل الغصب لا تبطل صلاته لارتفاع النهى : ولا يبعد
اشتراط العلم بالحكم ايضا لامتناع تكليف الغافل فلا يتوجه إليه النهي المقتضي
للفساد. وهو جيد إلا انه لم يقف عليه في غير هذا الموضع وغير هذا المقام من سائر
الأحكام بل وافق الأصحاب في غير هذين المقامين في عدم معذورية جاهل الحكم كما ستقف
عليه ان شاء الله تعالى. وقد تقدم في مقدمات الكتاب البحث في المسألة ورجحنا
معذورية جاهل الحكم مطلقا على تفصيل تقدم بيانه.
(الخامس) ـ قال في المنتهى : لو علم بالغصب في أثناء
الصلاة نزعه ثم ان كان عليه غيره أتم الصلاة لأنه دخل دخولا مشروعا ، ولو لم يكن
عليه غيره أبطل الصلاة وستر عورته ثم استأنف. انتهى. وهو جيد إلا ان إطلاقه
الإبطال في ما لو لم يكن عليه غيره غير خال من نظر ، لانه لو لم يكن عليه غيره
وأمكن تناول ما يستر به العورة من غير استلزام مبطل تناوله وستر عورته وتمم صلاته
ولا يحتاج الى استئناف.
(السادس) ـ لو علم بالغصب ونسي فإن كان ناسيا للحكم اعني
تحريم الصلاة في المغصوب مع تذكره الغصب فظاهر الأصحاب عدم المعذورية ، وعلله في
الذكرى باستناده الى تقصيره في التحفظ ، وان كان ناسيا للغصب فظاهر المنتهى
المعذورية حيث قال : لو تقدمه علم بالغصبية ثم نسي حال الصلاة فصلى فيه صحت صلاته لقوله
(صلىاللهعليهوآله) (1) «رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان». والقياس على النجاسة باطل. انتهى ونقله في المختلف والذكرى عن
ابن إدريس. وظاهر كلام ابن إدريس في السرائر وجود قائل بوجوب الإعادة مطلقا.
واختار في المختلف الإعادة في الوقت لا في خارجه ، قال : والوجه عندي الإعادة في
الوقت لا خارجه (اما الأول) فلأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة
التكليف. و (اما الثاني) فلان القضاء فرض ثان يفتقر الى دليل مغاير لدليل التكليف
المبتدأ. انتهى. وهو جيد واليه يميل كلام شيخنا في الذكرى واما القول بعدم وجوب
الإعادة مطلقا ففيه ان ما استدلوا عليه به من الخبر المذكور لا يفي بالدلالة
لاحتمال ان يكون المراد رفع المؤاخذة لا صحة الفعل.
ولصاحب الذخيرة هنا كلام لا يخلو من سهو وخلل لا بأس
بنقله وبيان ما فيه قال (قدسسره) في الكتاب
المذكور : والناسي للحكم كجاهل الحكم ، ولو نسي الغصبية ففيه أوجه : (الأول)
الإعادة في الوقت والقضاء خارجه ولا اعلم به قائلا. و (الثاني) الإعادة في الوقت
دون القضاء وفي كلام ابن إدريس دلالة على انه قول
__________________
(1) الوسائل الباب 30 من الخلل في الصلاة.
لبعض الأصحاب واختاره المصنف. و (الثالث)
عدم الإعادة مطلقا واختاره ابن إدريس وهو أقرب ، لنا ـ ان النهي غير متعلق به في
صورة النسيان فيبقى إطلاق التكليف بالصلاة سالما عن المعارض ، ووجوب التحفظ بحيث
لا يعرض له النسيان غير ثابت. واما الاستدلال بقوله (صلىاللهعليهوآله) «رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان» ، وذكر الحديث ثم رده بنحو ما ذكرناه. ثم قال : احتج القائلون
بوجوب الإعادة دون القضاء بأن الناسي مفرط لقدرته على التكرار الموجب للتذكار فإذا
أخل به كان مفرطا ، ولانه لما علم كان حكمه المنع من الصلاة والأصل بقاء ذلك عملا
بالاستصحاب. واما عدم وجوب القضاء فلانه تكليف جديد ولم يثبت. والجواب منع وجوب
التكرار ومنع كونه موجبا للتذكار. إلخ.
وفيه (أولا) ان كلام ابن إدريس في السرائر ظاهر في وجود القول بوجوب الإعادة مطلقا لا التفصيل كما لا يخفى على من راجعه. و (ثانيا) ان من ذهب الى التفصيل ووجوب الإعادة في الوقت كالعلامة في المختلف والشهيد في الذكرى انما علل ذلك بأنه متى ذكر في الوقت دخل تحت عهدة الخطاب لانه لم يأت بالمأمور به على وجهه والوقت باق فيبقى تحت عهدة الخطاب حتى يأتي به كما عرفت من كلام المختلف ومثله الشهيد في الذكرى ، حيث قال : ويمكن القول بالإعادة في الوقت لقيام السبب وعدم تيقن الخروج من العهدة. لا انهم عللوه بما زعمه من ان الناسي مفرط. الى آخر كلامه. وبذلك يظهر لك ضعف ما اختاره من عدم وجوب الإعادة في الوقت لاعتماده في ذلك على رد دليل القائلين بالإعادة بزعمه وإلا فهو قد صرح بعدم دلالة الحديث الذي اعتمده في المنتهى والسرائر. قوله : لنا ـ ان النهي غير متعلق به في صورة النسيان (قلنا) نعم هذا الكلام تام لو استمر النسيان الى ان خرج الوقت اما لو ذكر في الوقت فما ذكره ممنوع لظهور ان ما اتى به ليس كما أمر به الشارع فهو باق تحت عهدة الخطاب لبقاء الوقت وتوجه الخطاب وهو السبب في التكليف بالعبادة. وبالجملة فالظاهر ان كلامه هنا ناشىء عن عدم المراجعة لكلام القائلين بالتفصيل وما ذكروه من التعليل.
(السابع) ـ لو اذن المالك للغاصب وغيره جازت الصلاة لكل من دخل تحت الاذن بلا اشكال ، بل الظاهر عدم تحقق الغصبية في حال الصلاة مع تعلق الاذن بالغاصب لان الاستيلاء في تلك الحال لا عدوان فيه : ولو اذن مطلقا فالظاهر ـ كما استظهره جملة من الأصحاب ـ عدم دخول الغاصب في ذلك لقيام العادة بحقد المغصوب منه على الغاصب وميله عليه وطلب التشفي منه والغلبة عليه والانتقام منه ، والقلوب ـ كما قال سيد الأنبياء (صلىاللهعليهوآله) ـ مجبولة على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها (1) فيكون هذا الظاهر بحسب العادة بمنزلة المخصص لذلك الإطلاق ، ولو فرض انتفاء ذلك بالقرائن وجب العمل بمقتضى الإطلاق.