ج1 - المقدمة الحادية عشرة في جملة من القواعد الشرعية والضوابط المرعية

المقدمة الحادية عشرة

في جملة من القواعد الشرعية والضوابط المرعية

التي تبتني عليها جملة من الأحكام الفقهية ، مما يستفاد من الكتاب العزيز والسنة النبوية على الصادع بها أشرف سلام وتحية ، وهي المشار إليها في كلامهم (عليهم‌السلام) بالأصول على ما نقله ابن إدريس في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي مما رواه عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله : (عليه‌السلام) : قال : «انما علينا ان نلقي إليكم الأصول وعليكم ان تفرعوا» (1). وروى عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) بلا واسطة : قال : «علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع» (2).

ولا يخفى ما في الخبرين المذكورين من حيث تقديم الظرف المؤذن بحصر ذلك فيهم ، من الدلالة على بطلان الأصول الخارجة من غيرهم ، بمعنى حصر إلقاء الأصول فيهم (عليهم‌السلام) فكأنه قال : تأصيل الأصول الشرعية للاحكام علينا لا عليكم

__________________

(1 و 2) ورواه صاحب الوسائل في آخر باب ـ 6 ـ من أبواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به من كتاب القضاء.


وإنما عليكم التفريع عليها ، فكل أصل لم يوجد له مستند ولا دليل من كلامهم (عليهم‌السلام) فهو بمقتضى الخبرين المذكورين مما لا يجوز الاعتماد عليه ولا الركون اليه.

فلنورد ههنا جملة مما جرى في الخاطر الفاتر ، ونذيل ما يحتاج الى البحث والتحقيق بما هو جدير به وحقيق على جهة الإيجاز والاختصار من غير تطويل ولا إكثار ، وان سمحت الأقضية والأقدار بالتوفيق ونامت عيون الدهر الغدار عن التعويق ، ابرزنا لهذه الأصول رسالة شافية وأودعناها ابحاثا بحقها وافية.

فمن تلك الأصول ـ طهارة كل ما لم تعلم نجاسته حتى تعلم النجاسة.

ويدل على ذلك قول الصادق (عليه‌السلام) في موثقة عمار : «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر ، فإذا علمت فقد قذر» (1). وقول أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فيما رواه في الفقيه (2) : «لا أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم اعلم». ويدل على ذلك أخبار عديدة في جزئيات المسائل ، وأصل الحكم المذكور مما لا خلاف فيه ولا شبهة تعتريه وانما الخلاف في مواضع :

(الأول) ـ في عموم هذا الحكم للجهل بالحكم الشرعي وعدمه ، وتوضيح ذلك انه لا خلاف في العمل بهذا الحكم على عمومه بالنسبة إلى الجهل بملاقاة النجاسة وان كان مع ظن الملاقاة ، بمعنى انه لو شك أو ظن الملاقاة فالواجب البناء على أصالة الطهارة حتى تعلم النجاسة ، وكذا لا خلاف في ذلك بالنسبة إلى الشك أو الظن بنجاسة شي‌ء له أفراد متعددة غير محصورة ، بعضها معلوم الطهارة وبعضها معلوم النجاسة وقد اشتبه بعضها ببعض ، كالبول الذي منه طاهر ومنه نجس والدم ونحوهما ، فالجهل هنا ليس

__________________

(1) تقدم الكلام في هذه الموثقة في التعليقة (1) في الصحيفة (42).

(2) في باب (ما ينجس الثوب والبدن) من الجزء الأول ، ورواه صاحب الوسائل في باب ـ 37 ـ من أبواب النجاسات والأواني والجلود من كتاب الطهارة.


في الحكم الشرعي ، إذ هو معلوم في تلك الافراد في حد ذاتها ، وإنما الجهل في موضوعه ومتعلقة وهو ذلك الفرد المشكوك في اندراجه تحت أحد الطرفين. أما بالنسبة إلى الجهل بالحكم الشرعي ـ كالجهل بحكم نطفة الغنم هل هي نجسة أو طاهرة؟ ـ فهل يحكم بطهارتها بالخبر المذكور (1) أم لا؟ قولان ، وبالثاني صرح المحدث الأمين الأسترآبادي في كتاب الفوائد المدنية ، وبالأول صرح جملة من متأخري المتأخرين.

وأنت خبير بان القدر المتيقن فهمه من الخبر المذكور (2) هو ما وقع الاتفاق عليه ، إذ الظاهر ـ والله سبحانه وقائله أعلم ـ ان المراد من هذا الخبر وأمثاله إنما هو دفع الوساوس الشيطانية والشكوك النفسانية بالنسبة إلى الجهل بملاقاة النجاسة ، وبيان سعة الحنيفية السمحة السهلة بالنسبة إلى اشتباه بعض الافراد الغير المحصورة ببعض ، فيحكم بطهارة الجميع حتى يعلم الفرد النجس بعينه ، واما اجراء ذلك في الجهل بالحكم الشرعي فلا يخلو من الاشكال المانع من الجرأة على الحكم به في هذا المجال.

وما ذكره بعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ من ان الجهل بوصول النجاسة يستلزم الجهل بالحكم الشرعي ، قال : «فان المسلم إذا أعار ثوبه الذمي وهو يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ثم رده عليه ، فهو جاهل بان مثل هذا الثوب الذي هو مظنة النجاسة هل هو مما يجب التنزه عنه في الصلاة وغيرها مما يشترط فيه الطهارة أو لا؟ فهو جاهل بالحكم الشرعي مع انه (عليه‌السلام) قرر في الجواب قاعدة كلية بأنه ما لم تعلم نجاسته فهو طاهر» ـ مردود بان الجهل بالحكم الشرعي في المثال المذكور ونحوه تابع للجهل بوصول النجاسة ، ولما دل الخبر المذكور (3). وغيره على البناء على أصالة الطهارة وعدم الالتفات الى احتمال ملاقاة النجاسة أو ظنها بإعارة الثوب مثلا. علم منه قطعا جواز الصلاة فيه تحقيقا للتبعية ، ومحل الاشكال والنزاع إنما هو الدلالة على الحكم الشرعي ابتداء كما لا يخفى.

__________________

(1 و 2 و 3) وهو موثق عمار المتقدم في الصحيفة 134 السطر 8.


(الثاني) ـ ان ظاهر الخبر المذكور (1) انه لا تثبت النجاسة للأشياء ولا تتصف بها الا بالنظر الى علم المكلف ، لقوله (عليه‌السلام) : «فإذا علمت فقد قذر» (2). بمعنى انه ليس التنجيس عبارة عما لاقته عين النجاسة واقعا خاصة بل ما كان كذلك وعلم به المكلف ، وكذلك ثبوت النجاسة لشي‌ء إنما هو عبارة عن حكم الشارع بأنه نجس وعلم المكلف بذلك ، وهو خلاف ما عليه جمهور أصحابنا (رضوان الله عليهم) فإنهم حكموا بان النجس إنما هو عبارة عما لاقته النجاسة واقعا وان لم يعلم به المكلف ، وفرعوا عليه بطلان صلاة المصلي في النجاسة جاهلا وان سقط الخطاب عنه ظاهرا كما نقله عنهم شيخنا الشهيد الثاني في شرح الألفية.

وأنت خبير بما فيه من العسر والحرج ومخالفة ظواهر الأخبار الواردة عن العترة الأبرار.

(أما أولا) ـ فلأن المعهود من الشارع عدم إناطة الأحكام بالواقع ونفس الأمر ، لاستلزامه التكليف بما لا يطاق ، وحينئذ فالمكلف إذا صلى في ثوب طاهر في علمه. والطاهر شرعا إنما هو ما لم يعلم المكلف بنجاسته لا ما علم بعدمها ، فما الموجب لبطلان صلاته بعد امتثاله للأمر الذي هو مناط الصحة ومعيارها؟

و (اما ثانيا) ـ فلما أورده شيخنا الشهيد الثاني عليهم في الكتاب المشار اليه حيث قال بعد نقل ذلك عنهم : «ولا يخفى ما فيه من البلوى ، فان ذلك يكاد يوجب فساد جميع العبادات المشروطة بالطهارة ، لكثرة النجاسات في نفس الأمر وان لم يحكم الشارع ظاهرا بفسادها ، فعلى هذا لا يستحق عليها ثواب الصلاة وان استحق أجر الذاكر المطيع بحركاته وسكناته ان لم يتفضل الله تعالى بجوده». انتهى.

و (اما ثالثا) ـ فلمخالفته ظواهر الأخبار ومنها الخبر المذكور (3).

__________________

(1) وهو موثق عمار المتقدم في الصحيفة 134 السطر 8.

(2) وهو موثق عمار المتقدم في الصحيفة 134 السطر 8.

(3) وهو موثق عمار المتقدم في الصحيفة 134 السطر 8.


و (منها) ـ رواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلي؟ قال : لا يؤذنه حتى ينصرف».

ورواية عبد الله بن بكير المروية في كتاب قرب الاسناد (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أعار رجلا ثوبا يصلي فيه وهو لا يصلي فيه؟ قال : لا يعلمه. قلت : فإن أعلمه؟ قال : يعيد».

وحينئذ فلو كان الأمر كما يدعونه من كون وصف النجاسة انما هو باعتبار الواقع ونفس الأمر ، وان صلاة المصلي ـ والحال كذلك ـ باطلة واقعا. فكيف يحسن من الامام (عليه‌السلام) المنع من الإيذان والاخبار بالنجاسة في الصلاة كما في خبر محمد بن مسلم أو قبلها كما في خبر ابن بكير؟ وهل هو بناء على ما ذكروا إلا من قبيل التقرير له على تلك الصلاة الباطلة والمعاونة على الباطل؟ ولا ريب في بطلانه. وسيأتي مزيد تحقيق لهذه المسألة في محلها (3) ان شاء الله تعالى.

(الثالث) ـ انه لا خلاف في انه مع الحكم بأصالة الطهارة فلا يجوز الخروج عنها إلا بالعلم بالنجاسة ، لكن العلم المذكور هل هو عبارة عن القطع واليقين. أو عبارة عما هو أعم من اليقين والظن مطلقا فيشملهما معا. أو اليقين والظن المستند الى سبب شرعي؟ أقوال ، أولها منقول عن ابن البراج وثانيها عن ابي الصلاح ،

__________________

(1) المروية في الوسائل في باب ـ 40 ـ و ـ 47 ـ من أبواب النجاسات والأواني والجلود من كتاب الطهارة.

(2) في الصحيفة 103 السطر 11 من المطبوع بالنجف سنة 1369 ، وفي الوسائل في باب ـ 47 ـ من أبواب النجاسات والأواني والجلود من كتاب الطهارة ، إلا ان الرواية فيهما هكذا : سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى فيه. إلخ.

(3) وقد أوردناها في المسألة السابعة من المطلب الرابع في أحكام الوضوء (منه رحمه‌الله).


وثالثها عن العلامة في المنتهى والتذكرة.

احتج الأول بأن الطهارة معلومة بالأصل ، وشهادة الشاهدين لا تفيد إلا الظن فلا يترك لأجله المعلوم.

واحتج الثاني بأن الشرعيات كلها ظنية ، فإن العمل بالمرجوح مع قيام الراجح باطل.

ومن هذين الاحتجاجين يعلم وجه القول الثالث.

ويرد على الأول (أولا) ـ ان اشتراط اليقين ان كان مخصوصا بحكم النجاسة دون ما عداها من حكم الطهارة والحلية والحرمة فهو تحكم محض ، وان كان الحكم في الجميع واحدا فيقين الطهارة ليس إلا عبارة عن عدم العلم بملاقاة النجاسة. وهو أعم من العلم بالعدم. ومثله يقين الحلية.

و (ثانيا) ـ انه قد ورد في الأخبار ـ كما ستأتيك ان شاء الله تعالى (1) ـ ان مما ينتقل به عن يقين الحلية شهادة الشاهدين بالحرمة ، وان العلم المعتبر ثمة يحصل بذلك. ومن الظاهر البين ان الحكم في الجميع من باب واحد.

و (ثالثا) ـ ان الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في انه لو كان الماء مبيعا فادعى المشتري فيه العيب بكونه نجسا وأقام شاهدين عدلين بذلك ، فإنه يتسلط على الرد ، وما ذاك إلا لثبوت النجاسة والحكم بها.

ويتوجه على الثاني ان المفهوم من الاخبار انه لا ينتقل عن يقين الطهارة ويقين الحلية إلا بيقين مثله. وان مجرد الظن لا يوجب الخروج عن ذلك.

ومما هو صريح في المقام ما ورد في حسنة الحلبي (2) من انه «إذا احتلم الرجل

__________________

(1) في الصحيفة 140 السطر 15.

(2) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) المروية في الوسائل في باب ـ 16 ـ من أبواب النجاسات والأواني والجلود من كتاب الطهارة.


فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه ، وان ظن أنه أصابه مني ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء». والنضح هنا للاستحباب بلا خلاف.

وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت فان ظننت أنه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيته فيه بعد الصلاة؟ قال : تغسله ولا تعيد. قال : قلت : ولم ذاك؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت ، فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبدا». الى غير ذلك من الأخبار.

والتحقيق عندي في هذا المقام ـ بما لا يحوم حوله للناظر المنصف نقض ولا إبرام ـ هو ما أوضحناه في جملة من كتبنا ، وملخصه ان كلا من الطهارة والنجاسة والحلية والحرمة ونحوها أحكام شرعية متلقاة من الشارع يجب الوقوف فيها على الأسباب التي عينها لها وناطها بها ، وليست أمورا عقلية تناط بمجرد الظن العقلي ، وحينئذ فكلما وجد سبب من تلك الأسباب وعلم به المكلف رتب عليه مسببه من الحكم بأحد تلك الأحكام وكما ان من جملة الأسباب المتلقاة من الشارع مشاهدة ملاقاة النجاسة فيحكم بالنجاسة عندها ، كذلك من جملتها اخبار المالك بنجاسة ثوبه وشهادة العدلين بنجاسة شي‌ء ، وكذا يأتي أيضا في ثبوت الطهارة والحلية والحرمة بالنسبة إلى الأسباب التي عينت لها ، وليس ثبوت النجاسة لشي‌ء واتصافه بها عبارة عن مجرد ملاقاة عين النجاسة له في الواقع ونفس الأمر خاصة ، حتى انه يقال بالنسبة إلى الجاهل بالملاقاة : ان هذا نجس في الواقع وطاهر بحسب

__________________

(1) رواها الشيخ في التهذيب مضمرة في باب (تطهير البدن والثياب من النجاسات) من كتاب الطهارة ، ورواها صاحب الوسائل عنه كذلك في باب ـ 7 و 37 و 41 و 42 و 44 ـ من أبواب النجاسات والأواني والجلود من كتاب الطهارة بنحو التقطيع ، ورواها الصدوق في العلل في باب (علة غسل المني إذا أصاب الثوب) في الصحيفة 127 مسندة عن ابى جعفر (عليه‌السلام).


الظاهر ، بل هو نجس بالنسبة إلى العالم بالملاقاة أو أحد الأسباب المذكورة وطاهر بالنسبة إلى الغير العالم بشي‌ء من ذلك ، فان الشارع ـ كما عرفت آنفا (1) ـ لم يجعل الحكم بذلك منوطا بالواقع ، وغاية ما يلزم اتصاف شي‌ء بالطهارة والنجاسة باعتبار شخصين ، ولا ريب فيه ، فان ذلك جار في الحل والحرمة بالنسبة الى من علم بعدم تذكية اللحم الموضوع في أسواق المسلمين ومن لم يعلم ، وحينئذ فلا يقال : ان اخبار العدلين أو المالك لا يفيد إلا الظن ، لاحتمال ان لا يكون كذلك واقعا ، كيف؟ وهما من جملة الأسباب التي رتب الشارع الحكم عليها بالنجاسة.

وبالجملة فحيث حكم الشارع بقبول شهادة العدلين واخبار المالك في أمثال ذلك فقد حكم بثبوت الحكم بهما ، فيصير الحكم حينئذ معلوما من الشارع ، ولا معنى للنجس ونحوه ـ كما عرفت (2) ـ إلا ذلك ، وان فرض عدم الملاقاة في الواقع فان الشارع لم يلتفت اليه ، ألا ترى انه قد وردت الأخبار بان الأشياء كلها على يقين الطهارة ويقين الحلية حتى يعلم النجس والحرام بعينه ، مع ان هذا اليقين ـ كما عرفت (3) ـ ليس إلا عبارة عن عدم علم المكلف بالنجاسة والحرمة ، وعدم العلم لا يدل على العدم كما لا يخفى.

ومنها ـ حلية ما لم تعلم حرمته

. ويدل عليه من الأخبار صحيحة عبد الله بن سنان (4) قال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : «كل شي‌ء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه».

__________________

(1) في الموضع الثاني المتقدم في الصحيفة 136.

(2) في الموضع الثاني المتقدم في الصحيفة 136.

(3) في الصحيفة 138 السطر 9.

(4) المروية في الوسائل في باب ـ 4 ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة. وفي باب (حكم السمن والجبن وغيرهما إذا علم انه خلطه حرام) من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة.


وصحيحة ضريس (1) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن السمن والجبن نجده في أرض المشركين والروم أنأكله؟ فقال : ما علمت أنه خلطه الحرام فلا تأكل ، وما لم تعلم فكله حتى تعلم انه حرام».

وموثقة مسعدة بن صدقة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، ومملوك عندك وهو حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا ، وامرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة».

ورواية عبد الله بن سليمان (3) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الجبن فقال : لقد سألتني عن طعام يعجبني ، الى ان قال : قلت : ما تقول في الجبن؟

فقال : سأخبرك عن الجبن وغيره : كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه». الى غير ذلك من الأخبار (4).

وظاهر هذه الأخبار بل صريح جملة منها اختصاص الحكم المذكور بما فيه افراد بعضها معلوم الحل وبعضها معلوم الحرمة ولم يميز الشارع بينها بعلامة ، واشتبه بعضها ببعض

__________________

(1) المروية في الوسائل في باب (حكم السمن والجبن وغيرهما إذا علم انه خلطه حرام) من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة.

(2) المروية في الوسائل في باب ـ 4 ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(3) المروية في الوسائل في باب ـ 61 ـ من أبواب الأطعمة المباحة من كتاب الأطعمة والأشربة.

(4) و (منها) ـ رواية أبي الجارود المروية في كتاب المحاسن قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الجبن فقلت له أخبرني من رأى انه يجعل فيه الميتة؟ فقال أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض ، فما علمت أنه ميتة فلا تأكله ، وما لم تعلم فاشتر وبع وكل. الحديث». (منه رحمة الله عليه).


مع كونها غير محصورة ، فالجميع حلال حتى يعرف الحرام بعينه على الخصوص ، فمورد الحكم حينئذ هو موضوع الحكم الشرعي دون الحكم الشرعي نفسه ، وبهذا التخصيص جزم المحدث الأمين الأسترآبادي.

وظاهر جمع ـ ممن قدمنا نقل الخلاف عنهم (1) في القاعدة المتقدمة ـ اجراء ذلك أيضا في نفس الحكم الشرعي ، ومقتضى ذلك انه لو وجد حيوان مجهول مغاير للأنواع المعلوم حلها وحرمتها من الحيوانات ، فإنه يحكم بحله بناء على عموم القاعدة المذكورة ، وكذا بطهارته بناء على عموم القاعدة المتقدمة ، إلا ان شيخنا الشهيد الثاني في تمهيد القواعد صرح في مثل ذلك بالطهارة والتحريم محتجا بالأصل فيهما ، قال : «اما أصالة الطهارة فظاهر ، واما أصالة التحريم فلأن المحرم غير منحصر ، لكثرته على وجه لا ينضبط» وفيه ما لا يخفى.

وأنت خبير بان مقتضى العمل باخبار التثليث ـ التي تقدمت الإشارة إليها في بحث البراءة الأصلية (2) ـ التوقف في مثل ذلك ، إذ شمول هذه الاخبار التي ذكرناها لمثل ذلك مما يكاد يقطع بعدمه ، فإنها متشاركة الدلالة ـ تصريحا في بعض وتلويحا في آخر ـ على ان موردها إنما هو موضوع الحكم الشرعي والافراد المعلومة الحكم مع اشتباهها. والله ورسوله وأولياؤه (عليهم‌السلام) أعلم بحقائق الأحكام.

ومنها ـ عدم نقض اليقين بالشك ، والمراد بالشك ما هو أعم من الظن كما سلف في القاعدة المتقدمة (3) من دلالة حسنة الحلبي وصحيحة زرارة على ذلك.

والأخبار الدالة على هذه القاعدة الشريفة مستفيضة ، ومنها الروايتان المشار إليهما.

__________________

(1) في الموضع الأول في الصحيفة 134 السطر 13.

(2) في الصحيفة 46 السطر 8.

(3) في الصحيفة 138 السطر 17 و 19 والصحيفة 139 السطر 3.


و (منها) ـ صحيحة زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له الرجل ينام وهو على وضوء ، أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن ، فإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء قلت : فان حرك الى جنبه شي‌ء وهو لا يعلم به؟ قال : لا ، حتى يستيقن انه قد نام حتى يجي‌ء من ذلك أمر بين ، والا فهو على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين ابدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر».

وصحيحة أخرى له ايضا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) قال : «قلت له من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال يركع ركعتين ، الى ان قال : ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكن ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات».

والعمل بهذه القاعدة الشريفة بالنسبة إلى الشك في حصول الرافع وعدمه مما لا خلاف فيه ولا شك يعتريه.

إنما الخلاف في شمولها للشك في فردية بعض الأشياء لذلك الرافع ، كما لو حصل الشك في فردية الخارج من غير الموضع الطبيعي للناقض. بمعنى انه هل يكون من جملة نواقض الوضوء أم لا؟ فهل يدخل تحت هذه القاعدة أم لا؟ ومرجعه الى جريانها في نفس أحكامه تعالى واختصاصها بموضوعاتها خاصة.

__________________

(1) رواها الشيخ في التهذيب مضمرة في باب (الأحداث الموجبة للطهارة) من كتاب الطهارة ورواها صاحب الوسائل عنه في باب ـ 1 ـ من أبواب نواقض الوضوء من كتاب الطهارة كذلك.

(2) المروية في الوسائل بنحو التقطيع في باب ـ 10 و 11 ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة من كتاب الصلاة.


الذي اختاره ـ المحدث الأمين الأسترآبادي (قدس‌سره) ـ الثاني ، واليه يميل كلام بعض فضلاء متأخري المتأخرين (1) ، حيث قال (قدس‌سره) بعد إيراد صحيحة زرارة المتقدمة (2) الواردة في النوم : «الشك في رفع اليقين على أقسام : (الأول) ـ إذا ثبت ان الشي‌ء الفلاني رافع لحكم لكن وقع الشك في وجود الرافع (الثاني) ـ ان الشي‌ء الفلاني رافع للحكم لكن معناه مجمل ، فوقع الشك في كون بعض الأشياء هل هو فرد له أم لا؟ (الثالث) ـ ان معناه معلوم ليس بمجمل لكن وقع الشك في اتصاف بعض الأشياء به وكونه فردا له لعارض ، كتوقفه على اعتبار متعذر أو غير ذلك (الرابع) ـ وقع الشك في كون الشي‌ء الفلاني هل هو رافع للحكم المذكور أم لا؟ والخبر المذكور إنما يدل على النهي عن النقض بالشك ، وإنما يعقل ذلك في الصورة الاولى من تلك الصور الأربع دون غيرها من الصور ، لأن في غيرها من الصور لو نقض الحكم بوجود الأمر الذي شك في كونه رافعا لم يكن النقض بالشك ، بل إنما حصل النقض باليقين بوجود ما يشك في كونه رافعا ، وباليقين بوجود ما يشك في استمرار الحكم معه لا بالشك ، فان الشك في تلك الصور كان حاصلا من قبل ولم يكن بسببه نقض ، وإنما حصل النقض حين اليقين بوجود ما يشك في كونه رافعا للحكم بسببه ، لأن الشي‌ء إنما يستند إلى العلة التامة أو الجزء الأخير منها ، فلا يكون في تلك الصور نقض للحكم اليقيني بالشك ، وإنما يكون ذلك في صورة خاصة غيرها ، فلا عموم في الخبر. ومما يؤيد ذلك ان السابق على هذا الكلام في الرواية ـ والذي جعل هذا الكلام دليلا عليه ـ من قبيل الصورة الأولى ، فيمكن حمل المفرد المعرف باللام عليه. إذ لا عموم له بحسب الوضع بل هو موضوع للعهد كما صرح به بعض المحققين من علماء العربية ، وانما دلالته على العموم بسبب أن الإجمال

__________________

(1) هو الفاضل الخراساني في الذخيرة شرح الإرشاد في مبحث الماء المضاف (منه رحمه‌الله).

(2) في الصحيفة 143 السطر 1.


في مثل هذا الموضع ينافي الحكمة ، وتخصيصه بالبعض ترجيح من غير مرجح ، وظاهر ان الفساد المذكور إنما يكون حيث ينتفي ما يصلح بسببه الحمل على العهد ، وسبق الكلام في بعض أنواع الماهية سبب ظاهر لصحة الحمل على العهد من غير لزوم فساد. نعم يتجه ثبوت العموم في جميع افراد النوع المعهود. وليس هذا من قبيل تخصيص العام ببنائه على سبب خاص كما لا يخفى» انتهى كلامه زيد إكرامه.

(أقول) : ويمكن تطرق المناقشة الى هذا الكلام ، بان يقال : انه لا يخفى ـ على المتأمل بعين التحقيق والاعتبار فيما أوردناه من الأخبار ـ ان عدم نقض اليقين بالشك قاعدة كلية وضابطة جلية لا اختصاص لها بمادة دون مادة ولا فرد دون فرد ، وهو الذي اتفقت عليه كلمة الأصحاب كما لا يخفى على من تتبع كلماتهم في هذا الباب. والوجه فيه ان لأمي اليقين والشك فيها لام التحلية ، وهي وان كانت لا تفيد العموم بحسب الوضع بناء على ما صرح به جمع من علماء الأصول وان أشعر كلام البعض بخلافه ، لكنهم اتفقوا انها في المقامات الخطابية للعموم ، إذ هو الأوفق بمقتضى الحكمة.

وأما ما ذكره (قدس‌سره) بالنسبة إلى الرواية التي أوردها (1). ـ من ان اللام ثمة إنما تحمل على العموم مع عدم القرينة ، وقرينة العهدية حاصلة بالنسبة إلى الفرد المسؤول عنه.

ففيه (أولا) ـ ان ظاهر قوله (عليه‌السلام) في تلك الرواية : «ولا تنقض اليقين بالشك» إنما هو العموم ، فإنه (عليه‌السلام) استدل ـ على ان الوضوء اليقيني لا ينتقض بحدث النوم ـ بقوله : «لا ، حتى يستيقن انه قد نام ، الى قوله : وإلا فهو على يقين من وضوئه» ثم أردفه بتلك القاعدة تأكيدا للاستدلال وإيذانا بعموم

__________________

(1) المذكورة في الصحيفة 143 السطر 1.


الحكم في جميع الأحوال ، ولو كان مراده بها إنما هو عدم نقض الوضوء بالنوم على تلك الحال لكان اعادة للأول بعينه ، وهو خارج عن قانون الاستدلال.

و (ثانيا) ـ ما ذكرنا من دلالة غير هذه الرواية صريحا على كون ذلك قاعدة كلية كصحيحة زرارة الأخيرة (1) فإنها ـ كما ترى ـ صريحة الدلالة واضحة المقالة على المراد غير قابلة للتأويل والإيراد ، وحينئذ فللقائل أن يقول : ان الشك الذي لا ينتقض به اليقين أعم من أن يكون شكا في وجود الناقض أو شكا بأحد المعاني الثلاثة الأخيرة فإنها ترجع بالأخرة إلى الشك في وجود الناقض ، إذ متى شك في كون هذا الفرد من افراد ذلك الكلي المتيقن نقضه ، فقد شك في وجود الكلي في ضمنه. وقوله ـ : «ان الناقض في هذه الصور إنما هو اليقين» ـ ممنوع ، بل الشك الحاصل في ضمن اليقين بوجود ذلك الفرد المشكوك في فرديته أو المشكوك في اتصافه بالعنوان أو في رفعه.

وقوله ـ : «ان الشك في تلك الصور كان حاصلا من قبل» ـ ان أراد به حصوله واقعا فممنوع ولكن لا يترتب عليه حكم ، وان أراد بحسب الوجود فممنوع ، إذ هو لا يحصل إلا في ضمن وجود ما يشك في كونه فردا للناقض أو نحو ذلك من الأقسام الباقية. هذا ما يقتضيه النظر في المقام إلا أن المسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط مما ينبغي المحافظة عليه على كل حال.

ومنها ـ ان كل ذي عمل مؤتمن في عمله ما لم يظهر خلافه ويدل على ذلك جملة من الأخبار المتفرقة في جزئيات المسائل.

ففي صحيحة الفضلاء (2) «أنهم سألوا أبا جعفر (عليه‌السلام) عن شراء اللحم من الأسواق ولا يدرون ما صنع القصابون. قال : كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه» ،.

__________________

(1) المتقدمة في الصحيفة 143 السطر 7.

(2) المروية في الوسائل في باب ـ 29 ـ من أبواب الذبائح من كتاب الصيد والذبائح.


وفي رواية سماعة (1) قال : «سألته عن أكل الجبن وتقليد السيف وفيه الكيمخت والغراء؟ فقال : لا بأس ما لم تعلم أنه ميتة».

وفي صحيحة إبراهيم بن ابي محمود (2) انه قال للرضا (عليه‌السلام) : «الخياط والقصار يكون يهوديا أو نصرانيا ، وأنت تعلم انه يبول ولا يتوضأ ، ما تقول في عمله؟ قال : لا بأس».

ورواية ميسر (3) قال : «قلت لأبي عبد الله : آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فأصلي فيه فإذا هو يابس؟ فقال : أعد صلاتك ، اما انك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء».

وربما توهم من هذا الخبر الدلالة على خلاف المراد. وليس بذلك. وذلك لان ظاهره ان امره (عليه‌السلام) بإعادة الصلاة إنما هو لوجود عين النجاسة لا لكون الجارية إزالتها عن الثوب ، حتى لو فرض أنها إزالتها عن الثوب ولم يجدها فيه كان يجب عليه غسل الثوب واعادة الصلاة.

ومن ذلك ايضا الحديث الدال على ان الحجام مؤتمن في تطهير موضع الحجامة (4) الى غير ذلك من الاخبار التي يقف عليها المتتبع.

وقد نقل ـ المحدث الأمين الأسترآبادي في كتاب الفوائد المدنية والمحدث

__________________

(1) وهي مضمرته التي رواها صاحب الوسائل في باب ـ 39 ـ من أبواب الذبائح من كتاب الصيد والذبائح.

(2) المروية في الوافي في باب (التطهير من مس الحيوانات) من أبواب الطهارة عن الخبث من كتاب الطهارة.

(3) المروية في الوسائل في باب ـ 18 ـ من أبواب النجاسات والأواني والجلود من كتاب الطهارة.

(4) وهو حديث عبد الأعلى عن ابى عبد الله المروي في الوسائل في باب ـ 56 ـ من أبواب النجاسات والأواني والجلود من كتاب الطهارة.


السيد نعمة الله (قدس‌سرهما) عن جملة ممن عاصراهم ـ انهم كانوا لأجل هذه الشبهة يهبون ثيابهم للقصارين أو يبيعونها عليهم ، ثم يشترونها منهم ، مستندين الى ان الثوب متيقن النجاسة ولا يرتفع حكم يقين النجاسة إلا بيقين الطهارة أو ما قام مقامه من شهادة العدلين أو إخبار ذي اليد. وفيه ـ زيادة على ما تقدم ـ انه لا ريب ان الحكم المذكور مما تعم به البلوى ، فلو كان مضيقا كما زعموا لظهر فيه اثر عنهم (عليهم‌السلام) وقد ذكر غير واحد من محققي أصحابنا النافين للبراءة الأصلية انها في مثل هذا الموضع مما يعتمد عليها في الاستدلال ، وقد تقدمت الإشارة إليه أيضا آنفا (1) بل الظاهر من أخبارهم (عليهم‌السلام) ما يدل على التوسعة كما عرفت.

ومنها ـ الحكم بطهارة ما اشتبه بنجس وحلية ما اشتبه بمحرم مع عدم الحصر والتمييز ، ونجاسة الجميع أو حرمته إذا كان في محصور. وهذا هو المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم).

وقيل بإجراء حكم الصورة الاولى في الثانية ، واليه يشير كلام السيد السند في كتاب المدارك بالنسبة إلى النجاسة والطهارة ، صرح بذلك في مسألة الإناءين ومسألة طهارة ما يسجد عليه كما سيأتي كل منهما في محله ان شاء الله تعالى. ولا يخفى ان ذلك لازم له في مسألة الحلال والحرام المشتبه أحدهما بالآخر وان لم نقف له على كلام فيه الا ان المسألتين من باب واحد.

وكذا كلام المحدث الكاشاني بالنسبة إلى الحل والحرمة ، حيث قال في كتاب المفاتيح بأنه إذا اختلط الحلال بالحرام فهو له حلال حتى يعرف الحرام بعينه. ولم يفرق بين المحصور وغيره.

ويرد على الأول منهما انه وان كان ما صرحنا به من القاعدة المذكورة لم يرد

__________________

(1) أشار الى ذلك في الصحيفة 46 السطر 4.


بها الأخبار على الوجه المدعى ، الا ان المستفاد منها ـ على وجه لا يزاحمه الريب في خصوصيات المسائل التي تصلح للجزئية والاندراج تحت كل من كليتي المحصور وغير المحصور ـ ان الحكم فيها كذلك ، ولا يخفى ان القواعد الكلية كما تكون بورود الحكم كليا وباشتمال القضية على سؤر الكلية ، كذلك تحصل بتتبع الجزئيات كما في القواعد النحوية ، بل في بعض الاخبار الواردة في هذا المقام تصريح بكلية الحكم ايضا ، ولنشر هنا الى بعض الاخبار إجمالا ، لأن التفصيل في ذلك والأبحاث المتعلقة بما هنالك قد وكلناها الى مواضعها الآتية إن شاء الله تعالى.

فمما يدل على حكم المحصور وانه يحكم بنجاسة الجميع موثقة عمار (1) الواردة في الإناءين النجس أحدهما مع اشتباهه بالآخر ، فإنها دلت على وجوب اجتنابهما.

وحسنة صفوان (2) في الثوبين النجس أحدهما مع اشتباهه بالآخر ، حيث أمر (عليه‌السلام) بالصلاة في كل منهما على حدة.

والاخبار الدالة على غسل الثوب النجس بعضه مع اشتباهه بالباقي (3).

ومما يدل على حكم غير المحصور ـ وانه يحكم بالطهارة في الجميع ـ ما قدمنا في القاعدة الاولى من موثقة عمار (4) الدالة على ان كل شي‌ء طاهر حتى يعلم أنه

__________________

(1) المروية في الوسائل في باب ـ 8 ـ من أبواب الماء المطلق ، وفي باب ـ 4 ـ من أبواب التيمم ، وفي باب ـ 64 ـ من أبواب النجاسات والأواني والجلود من كتاب الطهارة.

(2) المروية في الوسائل في باب ـ 64 ـ من أبواب النجاسات والأواني والجلود من كتاب الطهارة.

(3) المروية في الوسائل في باب ـ 7 ـ من أبواب النجاسات والجلود من كتاب الطهارة.

(4) في الصحيفة 134 السطر 8. وقد تقدم الكلام في هذه الموثقة في التعليقة (1) في الصحيفة 42 ويأتي منه (قده) التصريح بما ذكرناه هناك في التنبيه الثاني من تنبيهات المسألة الثانية من البحث الأول من أحكام النجاسات.


قذر كما قدمنا تحقيقه وأوسعنا مضيقة ، وهي متضمنة للحكم المذكور بوجه كلي كما أشرنا اليه.

ويرد ايضا عليه وعلى القائل الآخر الأخبار الدالة على حكم اللحم المختلط ذكية بميتته وانه يباع ممن يستحل الميتة كحسنتي الحلبي (1).

ويدل عليه خصوص صحيحة ضريس الكناسي المتقدمة في القاعدة الثانية (2) وكذا رواية عبد الله بن سليمان المذكورة ثمة (3). والاولى منهما متضمنة لحكم المحصور وغير المحصور على وجه كلي ونمط جلي ، وهي صريحة الدلالة في الرد على هذين الفاضلين. والثانية قد تضمنت حكم غير المحصور بوجه كلي أيضا.

ويؤيده (4) بالنسبة إلى المحصور الذي هو محل النزاع ما روي عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه «ما اجتمع الحرام والحلال إلا غلب الحرام الحلال» (5). وما ذكره جملة من أصحابنا من ان اجتناب الحرام واجب ، ولا يتم هنا إلا باجتناب الجميع. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ومنها ـ الشك في شي‌ء بعد الخروج عنه ، لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (6) : «إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء». وقوله

__________________

(1) المرويتين في الوسائل في باب ـ 35 ـ من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة.

(2) في الصحيفة 141 السطر 1.

(3) في الصحيفة 141 السطر 9.

(4) انما جعلنا هذا الخبر مع صراحته في المدعى من المؤيدات لعدم الوقوف على سنده من كتب أصولنا ، وإنما وقفت عليه في عوالي اللئالي (منه رحمه‌الله).

(5) رواه المجلسي في البحار في باب ـ 33 ـ من كتاب العلم في الصحيفة (272) رقم 6 من المطبوع بمطبعة الحيدري بطهران.

(6) المروية في الوسائل في باب ـ 23 ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة من كتاب الصلاة.


(عليه‌السلام) في موثقة محمد بن مسلم (1) : «كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو». وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير (2) : «كل شي‌ء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه».

وفي هذه القاعدة الشريفة أبحاث منيفة تأتي ان شاء الله تعالى في أحكام الوضوء.

ومنها ـ رفع الحرج. لقوله سبحانه (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (3) (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (4).

ويدل عليه من الاخبار حسنة عبد الأعلى (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء؟ فقال : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزوجل قال الله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (6) امسح عليه».

وفي رواية أبي بصير (7) : «في الجنب يدخل يده في التور أو الركوة؟ قال : ان كانت يده قذرة فليهرقه ، وان كان لم يصبها قذر فليغتسل منه ، هذا مما قال الله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)» (8). وفي صحيحة الفضيل (9)

__________________

(1) المروية في الوسائل في باب ـ 23 ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة من كتاب الصلاة.

(2) المروية في الوافي في باب (الشك في اجزاء الصلاة) من أبواب الفصل الخامس من كتاب الصلاة.

(3) سورة الحج آية 78.

(4) سورة البقرة. آية 182.

(5) المروية في الوسائل في باب ـ 39 ـ من أبواب الوضوء من كتاب الطهارة.

(6) سورة الحج آية 78.

(7) المروية في الوسائل في باب ـ 8 ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(8) سورة الحج آية 78.

(9) المروية في الوسائل في باب ـ 9 ـ من أبواب الماء المضاف والمستعمل من كتاب الطهارة.


«في الجنب يغتسل فينضح الماء من الأرض في الإناء؟ فقال؟ لا بأس ، هذا مما قال الله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)» (1).

ومنها ـ العذر فيما غلب الله عليه ، لحسنة حفص بن البختري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سمعته يقول في المغمى عليه : ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر».

وبمضمونها في حكم المغمى عليه أخبار عديدة (3) وفي بعضها «كل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر». وزاد في بعض الاخبار المروية في ذلك ايضا من كتاب قرب الاسناد وبصائر الدرجات : «وهذا من الأبواب التي يفتح الله منها الف باب». وفي رواية مرازم في المريض الذي لا يقدر على الصلاة (4) «كل ما غلب الله عليه فالله اولى بالعذر».

ومنها ـ الترجيح بالمرجحات المنصوصة عند اختلاف الأخبار. وقد تقدم الكلام عليها مفصلا (5).

ومنها ـ الاحتياط في مواضعه على التفصيل المتقدم (6).

ومنها ـ معذورية الجاهل على الوجه المتقدم تفصيله (7).

__________________

(1) سورة الحج. آية 78.

(2 و 3) رواها في الوسائل في باب ـ 3 ـ من أبواب قضاء الصلاة من كتاب الصلاة.

(4) المروية في الوافي في باب (صلاة المريض والهرم) من أبواب الفصل الخامس من كتاب الصلاة.

(5) في المقدمة السادسة في الصحيفة 87.

(6) في المقدمة الرابعة في الصحيفة 65.

(7) في المقدمة الخامسة في الصحيفة 77.


ومنها ـ العمومات القطعية المقررة عن صاحب الشريعة ، مثل قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1) واخبار «لا ضرر ولا ضرار» (2).

ومنع ـ المحدث الأمين الأسترآبادي في كتاب الفوائد المدنية ـ من الاستدلال بأمثال ذلك ، لظنية الدلالة ، والنهي عن اتباع الظن. وهو مع تسليمه إنما يتم فيما لم تكن دلالته محكمة. وأما ما كان كذلك فلا مانع من الاستدلال به. على انه قد استدل في كتابه المذكور بأمثال ذلك في غير موضع كما لا يخفى على من راجعه.

ومنها «المؤمنون عند شروطهم إلا ما خالف كتاب الله.» (3) وفي بعضها «الا ما أحل حراما أو حرم حلالا». واخبار «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» (4). «وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام». (5) «والبينة على المدعي واليمين على المنكر». (6) إلا ما استثنى مما سيأتي تحقيقه في محله ان شاء الله تعالى.

ومنها ـ في البيض المجهول ان يؤكل منه ما اختلف طرفاه دون ما استويا ، لصحيحة زرارة وغيرها (7).

وفي الطير ما دف دون ما صف ، وما كان دفيفه أكثر ، ولو اتي به مذبوحا

__________________

(1) سورة المائدة. آية 2.

(2) المروية في الوسائل في باب ـ 5 ـ من كتاب الشفعة وفي باب ـ 12 ـ من كتاب احياء الموات.

(3) المروية في الوسائل في باب ـ 6 و 1 و 3 ـ من أبواب الخيار من كتاب التجارة.

(4) المروية في الوسائل في باب ـ 6 و 1 و 3 ـ من أبواب الخيار من كتاب التجارة.

(5) المروية في الوسائل في باب ـ 6 و 1 و 3 ـ من أبواب الخيار من كتاب التجارة.

(6) المروية في الوسائل في باب ـ 3 ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى من كتاب القضاء.

(7) المروية في الوسائل في باب ـ 19 ـ من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة.


فيؤكل ما كان له قانصة دون ما لم يكن كذلك ، لرواية ابن ابي يعفور وغيرها (1).

وفي السمك يؤكل ما كان له فلس دون ما ليس كذلك (2) كما استفاضت به الاخبار (3).

ومنها ـ رفع الخطأ والنسيان وما استكره عليه وما لا يطاق وما لا يعلم وما اضطر اليه والحسد والطيرة والوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة ، لما رواه الصدوق في الفقيه (4) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام).

والرفع في هذا الموضع أعم من أن يكون برفع الإثم والمؤاخذة كما في بعض الأفراد المعدودة ، أو رفع الفعل وانتفاء التكليف به كما في البعض الآخر.

ومنها ـ العمل بالتقية إذا ألجأت الضرورة إليها. والاخبار بذلك أكثر

__________________

(1) المروية في الوسائل في باب ـ 17 و 18 ـ من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة.

(2) ومن لطيف الحكايات في هذا المقام ما رواه الكشي في كتاب الرجال بسنده عن حريز قال : «دخلت على ابى حنيفة وعنده كتب كادت تحول بيننا وبينه ، فقال لي : هذه الكتب كلها في الطلاق. قال : قلت : نحن نجمع هذا كله في حرف. قال : ما هو؟ قلت : قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ). وساق الخبر ، الى ان قال : فقال لي : لاسئلك عن مسألة لا يكون عندك فيها شي‌ء ، فما تقول في جمل اخرج من البحر؟ قلت : ان شاء فليكن جملا وان شاء فليكن بقرة ، ان كانت عليه فلوس أكلناه والا فلا. الحديث» (منه رحمه‌الله).

(3) المروية في الوسائل في باب ـ 8 ـ من أبواب الأطعمة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة.

(4) في باب (من ترك الوضوء أو بعضه أو شك فيه) من الجزء الأول ، وقد تقدم في التعليقة 1 في الصحيفة 44 والتعليقة 2 في الصحيفة 81 ما يتعلق بالحديث المذكور.


وأشهر من أن يتعرض لنقلها (1) بل ربما كان ذلك من ضروريات المذهب. وفي هذه القاعدة تفصيل حسن سيأتي الكلام عليه ان شاء الله تعالى في أحكام الوضوء.

ومنها ـ العمل بالبراءة الأصلية في الأحكام التي تعم بها البلوى كما تقدمت الإشارة الى ذلك (2).

والوجه فيه ما ذكره بعض مشايخنا المحدثين من ان المحدث الماهر ـ إذا تتبع الأخبار الواردة حق التتبع في مسألة لو كان فيها حكم مخالف للأصل لاشتهر لعموم البلوى بها ، ولم يظفر بذلك الحكم ـ يحصل له الجزم أو الظن المتاخم للعلم بعدم الحكم ، لان جما غفيرا من أصحابهم (عليهم‌السلام) ـ ومنهم : الأربعة آلاف رجل الذين من أصحاب الصادق (عليه‌السلام) وتلامذته ـ كانوا ملازمين لهم في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة ، وكان همتهم وهمة الأئمة (عليهم‌السلام) إظهار الدين وترويج الشريعة ، وكانوا لحرصهم على ذلك يكتبون كل ما يسمعونه خوفا من عروض النسيان له ، وكان الأئمة (عليهم‌السلام) يحثونهم على ذلك ، وليس الغرض منه إلا العمل به بعدهم. ففي مثل ذلك يجوز التمسك بالبراءة الأصلية ، إذ لو كان ثمة دليل ـ والحال كذلك ـ لظهر.

وما اعترض به بعض متأخري المتأخرين ـ من ان ذلك لا يخلو من نوع اشكال لتطرق الضياع والتلف إلى جملة من الأصول ـ فالظاهر سقوطه ، لان الظاهر ان التلف إنما عرض لتلك الأصول أخيرا بالاستغناء عنها بهذه الكتب المتداولة ، لكونها أحسن منها ترتيبا وأظهر تبويبا ، وإلا فقد بقي من تلك الأصول إلى عصر السيد رضي الدين ابن طاوس (رضي‌الله‌عنه) جملة وافرة ، وقد نقل منها في مصنفاته كما نبه عليه ، وكذا

__________________

(1) رواها صاحب الوسائل في باب ـ 24 و 25 ـ من أبواب الأمر والنهى من كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وما يلحق به.

(2) في الصحيفة 46 السطر 4.


ابن إدريس كما ذكره في مستطرفات السرائر ، وعد من هذا القبيل وجوب القصد إلى السورة ، ووجوب قصد الخروج بالتسليم ، ونجاسة أرض الحمام ، ونجاسة الغسالة.

ومنها ـ البناء في شك الأخيرتين من الرباعية على الأكثر ما لم يكن مبطلا.

وتدل عليه موثقة عمار الساباطي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن شي‌ء من السهو في الصلاة. فقال : ألا أعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء؟ قلت : بلى. قال : إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلمت فقم فصل ما ظننت انك نقصت. الحديث».

وفي موثقة إسحاق بن عمار (2) انه قال : «قال لي أبو الحسن (عليه‌السلام) : إذا شككت فابن على اليقين. قال : قلت : هذا أصل؟ قال : نعم».

وأكثر الأصحاب فهموا من هذا الخبر ان المراد به البناء على الأقل ، فيكون ذلك قاعدة مخالفة لتلك القاعدة ، وقد تكلفوا للجمع بينهما بالتخيير.

والأظهر عندي ـ كما سيأتي تحقيقه في محله ان شاء الله تعالى ـ اما حمل اليقين في الخبر المذكور على البناء على الأكثر على ان يكون المراد به يقين البراءة ، إذ به يحصل يقين البراءة على الاحتمالين دون البناء على ما تيقن فعله وهو الأقل ، لوجوب الإعادة مع ظهور التمام للزيادة ، واما حمله على التقية ، لكون ذلك مذهب جمهور الجمهور (3) مع اعتضاد القاعدة الأولى بالأخبار المستفيضة الصحيحة الصريحة في جزئيات الشكوك.

ومنها ـ الإبهام لما أبهم الله والسكوت عما سكت الله. ويدل عليه ما رواه في كتاب عوالي اللئالي عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول : أبهموا ما أبهم الله» (4).

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في باب ـ 8 ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة من كتاب الصلاة.

(3) كما يظهر من المغني لابن قدامة ج 2 ص 15. ومن المحلى لابن حزم ج 4 ص 170.

(4) ورواه المجلسي في البحار في باب ـ 33 ـ من أبواب كتاب العلم.


وما رواه الشيخ المفيد (رحمه‌الله) في كتاب المجالس بسنده عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ان الله تعالى حد لكم حدودا فلا تعتدوها ، وفرض عليكم فرائض فلا تضيعوها ، وسن لكم سننا فاتبعوها ، وحرم عليكم حرمات فلا تنتهكوها ، وعفى لكم عن أشياء رحمة منه من غير نسيان فلا تتكلفوها» (1).

وما رواه في الفقيه من خطبة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وقد مر في آخر بحث البراءة الأصلية (2).

ومنها ـ ثبوت العيب بما زاد أو نقص عن أصل الخلقة.

ويدل عليه ما رواه في الكافي (3) عن السياري قال : «سأل ابن ابي ليلى محمد ابن مسلم فقال له : أي شي‌ء تروون عن ابي جعفر (عليه‌السلام) في المرأة لا يكون على ركبها شعر ، أيكون ذلك عيبا؟ فقال له محمد : اما هذا نصا فلا أعرفه ، لكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : «كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب». فقال له ابن ابي ليلى : حسبك».

ومنها ـ ان كل شي‌ء يجتر فسؤره حلال ولعابه حلال. للخبر عنه (صلى الله

__________________

(1) ورواه المجلسي في البحار في باب ـ 22 ـ من كتاب العلم برقم 11 في الصحيفة 263 من الجزء الثاني من المطبوع بمطبعة الحيدرى بطهران.

(2) في الصحيفة 50 السطر 17.

(3) في باب ـ 95 ـ من كتاب المعيشة. ورواه صاحب الوسائل في باب ـ 1 ـ من أبواب أحكام العيوب من كتاب التجارة.


عليه وآله) رواه الصدوق (رحمه‌الله) في الفقيه مرسلا (1) ورواه في التهذيب ايضا (2) عن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عن آبائه عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

ومنها ـ قبول قول من لا منازع له ، كما لو ادعى مالا ولا منازع له فيه. وقبول قول المرأة لو ادعت الحيض أو الخروج من العدة أو عدم الزوج أو موته.

وهذه القاعدة وان لم ترد الاخبار بها بالعنوان المذكور الا ان اتفاقها فيما وقفنا عليه من جزئيات هذه القاعدة مما يؤذن بكلية الحكم المذكور ، كما هو المفهوم ايضا من كلام الأصحاب ، ومما يوضح ذلك ان الاخبار ـ الواردة في إثبات الدعاوي بالبينة واليمين ـ لا عموم فيها على وجه يشمل مثل هذه المسألة ، إذ موردها إنما هو النزاع بين الخصمين وحصول مدع ومنكر في البين ، كما لا يخفى على من أحاط بها خبرا.

ومما حضرني من الأخبار في بعض جزئيات هذه القاعدة رواية منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قلت له : عشرة كانوا جلوسا وفي وسطهم كيس فيه الف درهم ، فسأل بعضهم بعضا ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم : لا. وقال واحد منهم : هو لي. فلمن هو؟ قال : للذي ادعاه».

وحسنة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «العدة والحيض للنساء إذا ادعت صدقت».

__________________

(1) في باب (المياه وطهرها ونجاستها) من الجزء الأول.

(2) في باب (المياه وأحكامها) من كتاب الطهارة في الصحيفة 64 ، ورواه صاحب الوسائل في باب ـ 5 ـ من أبواب الأسئار من كتاب الطهارة.

(3) المروية في الوسائل في باب ـ 17 ـ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى من كتاب القضاء.

(4) المروية في الوسائل في باب ـ 47 ـ من أبواب الحيض من كتاب الطهارة ، وفي باب ـ 24 ـ من أبواب العدد من كتاب الطلاق.


ورواية ميسر (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ألقى المرأة في الفلاة التي ليس فيها أحد ، فأقول لها : ألك زوج؟ فتقول : لا. فأتزوجها؟ قال : نعم هي المصدقة على نفسها».

وفي رواية أبان بن تغلب الواردة في مثل ذلك (2) قال (عليه‌السلام) : «ليس هذا عليك ، إنما عليك ان تصدقها في نفسها». ولا يخفى عليك ما في عموم الجواب من الدلالة على قبول قولها فيما يتعلق بها نفسها.

واستشكل صاحب الكفاية في قبول قولها في موت الزوج. وجمع من المعاصرين في قبول قولها بعدم الزوج بعد معلوميته سابقا. وهو ضعيف. والاخبار ترده. ومنها : الخبر المذكور ، ومنها أيضا : صحيحة حماد ورواية أحمد بن محمد بن ابي نصر (3) نعم ربما ظهر من بعض الاخبار التقييد بكونها غير متهمة ، إلا ان الأظهر حمله على الاستحباب

__________________

(1) المروية في الوسائل في باب ـ 25 ـ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد من كتاب النكاح ، وفي باب ـ 10 ـ من أبواب المتعة من كتاب النكاح.

(2) المروية في الوسائل في باب ـ 10 ـ من أبواب المتعة من كتاب النكاح.

(3) وهو ما رواه حماد في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل طلق امرأته ثلاثا فبانت منه فأراد مراجعتها ، فقال لها : انى أريد مراجعتك فتزوجي زوجا غيري فقالت له : انى قد تزوجت زوجا غيرك وحللت لك نفسي. أيصدق قولها ويراجعها وكيف يصنع؟ قال : إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها». ورواية أحمد بن محمد ابن ابى نصر عن الرضا (عليه‌السلام) قال : «قلت له : الرجل يتزوج المرأة فيقع في قلبه ان لها زوجا؟ قال : ما عليه ، أرأيت لو سألها البينة كانت تجد من يشهد ان ليس لها زوج». ولا يخفى عليك ما في الثانية من الصراحة في المراد. والظاهر ان المراد بكونها ثقة في الرواية الأولى أي مما يوثق بأخبارها وتسكن النفس الى كلامها ، وهي التي ربما عبر عنها بالمأمونة ، لا الوثاقة بمعنى العدالة. ومع ذلك فالظاهر حملها على الاستحباب ، لاستفاضة الأخبار بأنها مصدقة على نفسها ، ومنها : الرواية المنقولة في المتن (منه رحمه‌الله).


والأحوطية جمعا بين الأخبار ، لتصريح جملة منها بقبول قولها في مقام التهمة أيضا. والله العالم.

تتمة مهمة

قد اشتهر في كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) قواعد أخر بنوا عليها الأحكام. مع كون جملة منها مما يخالف ما هو الوارد عنهم (عليهم‌السلام) ، وجملة أخرى مما لم يوجد له مستند في المقام.

فمنها ـ قولهم : انه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. مع انه قد استفاضت النصوص عنهم (عليهم‌السلام) في مواضع ـ منها : في تفسير قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (1) ـ بما يدفع هذه القاعدة ، حيث قالوا (صلوات الله عليهم) : «ان الله قد فرض عليكم السؤال ولم يفرض علينا الجواب ، بل ذلك إلينا ، ان شئنا أجبنا وان شئنا أمسكنا» (2). نعم هذه القاعدة إنما تتجه على مذهب العامة ، لعدم التقية في اخبارهم ، وقد تبعهم من أصحابنا من تبعهم فيها غفلة.

(ولو قيل) : انه مع عدم جوابهم (عليهم‌السلام) يلزم الحرج.

(قلنا) : انما يلزم ذلك لو لم يكن ثمة مخرج آخر ، كيف؟ وقد تقرر عنهم (عليهم‌السلام) قاعدة جلية في أمثال ذلك. وهو سلوك جادة الاحتياط ، كما أسلفنا بيانه وأوضحنا برهانه (3).

ونقل شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح عن شيخه العلامة الشيخ

__________________

(1) سورة النحل. آية 46. سورة الأنبياء. آية 8.

(2) روى صاحب الوسائل شطرا من الاخبار المتضمنة لهذا المعنى في باب ـ 7 ـ من أبواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به من كتاب القضاء.

(3) في المقدمة الرابعة في ضمن التحقيق الواقع في الصحيفة 68.


سليمان البحراني (قدس‌سرهما) انه كان يقول : «لو ورد علينا في مثل هذه المسألة ألف حديث لما عملنا به ، لانه معارض لما قام عليه الدليل العقلي والنقلي من عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة».

وهو ـ كما ترى ـ اجتهاد صرف وتعصب بحت ، فان الدليل النقلي ـ المطابق للدليل العقلي الذي هو عبارة عما دل من الاخبار على وجوب بذل العلم ، كقوله (عليه‌السلام) : «ان الله لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهدا ببذل العلم» (1). وما اشتهر من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار». الى غير ذلك ـ مخصوص بما رواه ثقة الإسلام في الكافي (2) بسنده الى عبد الله بن سليمان قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول ، وعنده رجل من أهل البصرة ـ يقال له عثمان الأعمى ـ وهو يقول : ان الحسن البصري يزعم ان الذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم أهل النار. فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : فهلك اذن مؤمن آل فرعون ، ما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحا ، فليذهب الحسن يمينا وشمالا فوالله ما يوجد العلم إلا ههنا». ونحوه روى في كتاب بصائر الدرجات ولعل الحسن البصري ـ حيث انه من جملة النصاب ورؤوس ذوي الأذناب ـ كان يعرض بهم (عليهم‌السلام) في عدم جوابهم عن بعض الأسئلة كما تدل عليه الاخبار السابقة (3).

وفي هذين الخبرين دلالة على جواز تأخير البيان مع التقية حتى بالنسبة إلى غيرهم ايضا ، وحينئذ فتلك القاعدة وما يطابقها من الأخبار مخصصة بما ذكرناه من الأخبار.

وكأن شيخنا العلامة المشار اليه قصر النظر على عموم الأخبار المتقدمة من حيث

__________________

(1) تقدم الكلام في هذا الحديث في التعليقة 3 في الصحيفة 81.

(2) في باب النوادر من كتاب فضل العلم وهو الحديث 15 منه.

(3) المشار إليها في الصحيفة 160 السطر 6.


دلالتها على عدم وجوب الجواب عليهم (عليهم‌السلام) سواء كان لتقية أم لا ، وبذلك تحصل المنافاة للقاعدة المذكورة (1).

وبما ذكرنا لك من الخبرين المذكورين (2) تنكشف عن تلك الأخبار غشاوة العموم وتختص بمقام التقية كما لا يخفى.

ومنها ـ حمل اللفظ الوارد في أخبارهم (عليهم‌السلام) على الحقيقة الشرعية ان ثبتت وإلا المعنى العرفي الخاص ، ومع عدمه فالمعنى اللغوي وإلا العرفي العام (3) وقد عرفت ما فيه في المقدمة الثامنة.

ومنها ـ قولهم : عدم وجود المدرك للحكم الشرعي مدرك شرعي ، وبعبارة أخرى ، عدم وجود الدليل دليل على العدم. وقد عرفت ما فيه في المقدمة الثالثة في مسألة البراءة الأصلية (4).

__________________

(1) بمعنى انه (ره) فهم من الاخبار الدالة على عدم وجوب الجواب عليهم (عليهم‌السلام) عدم الجواب مطلقا لتقية كان أولا. وبذلك تحصل المنافاة بين تلك الاخبار وبين هذه القاعدة ، فلذا رد تلك الاخبار ولم يعمل بها في مقابلة القاعدة المذكورة ، ولو انه يخصصها بمقام التقية ، بمعنى ان عدم وجوب التعرض عليهم إنما هو من حيث التقية واما مع عدمها فيجب عليهم الجواب ، لظهر وجه الجمع بينها وبين القاعدة المذكورة بتخصيص المنع عن جواز تأخير الجواب عن وقت الحاجة بغير وقت التقية. وكذلك الأخبار ـ التي استند إليها في تأييد القاعدة المذكورة ، من وجوب بذل العلم وعدم جواز كتمانه ـ مخصوصة بغير مقام التقية كما دريته من الخبرين المنقولين. وبالجملة فمن المعلوم ان شرعية التقية مما ينتج جواز تأخير الجواب لهم (عليهم‌السلام) ولغيرهم وبذلك يرتفع الاشكال. ولكن الظاهر انه لم يخطر ذلك لشيخنا المشار اليه بالبال (منه رحمه‌الله).

(2) في الصحيفة 161 السطر 8 و 13.

(3) تعرض له في الصحيفة 121 السطر 3.

(4) تعرض له في الوجه الثاني من وجوه دفع البراءة في الشبهة التحريمية في الصحيفة 45 السطر 3.


ومنها ـ قولهم : الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما. وقد تقدم ما فيه في المقدمة السادسة (1).

ومنها ـ انه إذا تعارضت الاخبار في وجوب فعل واستحبابه أو تحريم شي‌ء وكراهته ، يرجحون جانب الاستحباب أو الكراهة بالبراءة الأصلية. وفيه ما تقدم في المقدمة الرابعة (2).

ومنها ـ ما صار اليه جمع من متأخري المتأخرين من حمل أوامر السنة ونواهيها على الاستحباب والكراهة ما لم تقم قرينة الوجوب أو التحريم (3) وقد عرفت ما فيه في المقدمة السابعة.

ومنها ـ ما صاروا إليه أيضا من انه متى ورد الحكم في خبر ضعيف باصطلاحهم المتأخر ، حملوه على الاستحباب أو الكراهة تفاديا من طرحه. وفيه ان ضعف السند ليس من القرائن الموجبة للحمل على المجاز.

ومنها ـ قولهم : انه إذا تعلق الطلب بالماهية الكلية يتحقق الامتثال بفرد منها لأن الأصل عدم تعلق الطلب بقيد زائد. وفيه ما افاده بعض مشايخنا المحدثين من ان بعض الماهيات الكلية تحتها افراد تصلح عند العقلاء لان يتعلق غرض ببعضها دون بعض ، كحج البيت وغسل الوجه في الوضوء ومسح مخرج الغائط بالأحجار ويستهجن عندهم الاقدام على فرد من إفرادها من غير سؤال. وهذا نوع من الإجمال منشأه نفس المعنى لا اللفظ.

ومنها ـ انهم جعلوا من جملة وجوه الجمع بين الأخبار بل أظهرها حمل الأمر

__________________

(1) في الصحيفة 89 سطر 13.

(2) في الصحيفة 69 السطر 16.

(3) تعرض له في الصحيفة 115 السطر 7.


على الاستحباب والنهي على الكراهة. وقد عرفت ما فيه في الموضع السادس (1) من الأبحاث المتعلقة باخبار التعارض من المقدمة السادسة.

ومنها ـ قولهم : انه لا يشترط في صدق المشتق بقاء مأخذ الاشتقاق. وقد عرفت ما فيه في المقدمة التاسعة (2).

ومنها ـ ما ذهب اليه جمع من ان كل عقد اشتمل على شرط فاسد فإنه يبطل به أصل العقد ، لان المقصود بالعقد هو المجموع. وأصل العقد مجردا عن الشرط غير مقصود فيكون باطلا ، لان العقود تابعة للقصود ، فما كان مقصودا غير صحيح وما كان صحيحا غير مقصود. وذهب جمع الى بطلان الشرط خاصة.

والأخبار فيها ما يدل على الثاني وفيها ما يدل على الأول ، فالواجب حينئذ هو الوقوف على الدليل ـ كيف كان ـ ان وجد ، وإلا فالاحتياط.

ومما يدل على الثاني صحيحتا محمد بن قيس المتضمنة إحداهما (3) اشتراط المرأة في عقد النكاح ان بيدها الجماع والطلاق. والأخرى (4) اشتراط أن يجي‌ء الزوج بالصداق إلى أجل مسمى ، وإلا فليس له عليها سبيل. وقد حكم (عليه‌السلام) فيهما بصحة العقد وأبطل الشرط.

ومرسلة جميل بن دراج (5) «في الرجل يشتري الجارية ويشترط لأهلها ان لا يبيع ولا يهب ولا يورث؟ قال (عليه‌السلام) : يفي بذلك إذا شرط لهم إلا الميراث».

__________________

(1) في الصحيفة 108 السطر 20.

(2) في الصحيفة 121.

(3) المروية في الوسائل في باب ـ 29 ـ من أبواب المهور من كتاب النكاح.

(4) المروية في الوسائل في باب ـ 10 ـ من أبواب المهور من كتاب النكاح.

(5) المروية في الوسائل في باب ـ 15 ـ من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة.


وحسنة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) الواردة في بريرة وانها كانت مملوكة لقوم فباعوها على عائشة واشترطوا ان لهم ولاءها ، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «الولاء لمن أعتق» (2).

وبذلك يظهر لك ما في كلام السيد السند صاحب المدارك (قدس‌سره) في شرح المختصر في مسألة ما لو شرط في عقد النكاح ما يخالف المشروع ، حيث اختار العمل بالقاعدة المتقدم نقلها (3) للعلة التي تقدم ذكرها (4) وقال ـ بعد نقل صحيحتي محمد بن قيس المشار إليهما (5) وكلام في المقام ـ ما صورته : «لكن مرجع الروايتين إلى رواية واحدة وهو خبر محمد بن قيس. وفي صلاحيته بمجرده لإثبات الحكم نظر ، ولو ثبت العمل به لوجب قصر الحكم بالصحة على مورد الرواية ، والحكم في غيره بالبطلان ، لما ذكر من الدليل» انتهى. فان فيه ـ كما عرفت ـ ان الحكم بالصحة ليس مقصورا على صحيحتي محمد بن قيس (6) اللتين قد تمحل بإرجاعهما الى خبر واحد. بل غيرهما من الأخبار ايضا دال عليه كما دريت.

ومما يدل على الأول مرسلة مروان بن مسلم عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله

__________________

(1) المروية في الوسائل في باب ـ 37 ـ من أبواب كتاب العتق.

(2) ومن ذلك ما رواه الكليني عن الوشاء عن الرضا (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول : لو ان رجلا تزوج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفا وجعل لأبيها عشرة آلاف ، كان المهر جائزا والذي جعله لأبيها فاسدا». قال السيد السند في شرح المختصر بعد ذكر هذا الخبر : ويستفاد من هذه الرواية عدم فساد العقد باشتماله على هذا الشرط الفاسد. انتهى وفيه رد على ما ذكره في الموضع المشار إليه في الأصل ومؤيد لما قلناه (منه رحمه‌الله).

(3) وهي قاعدة فساد أصل العقد بفساد الشرط.

(4) في الصحيفة 164 السطر 6.

(5) في الصحيفة 164 السطر 11.

(6) في الصحيفة 164 السطر 11.


(عليه‌السلام) (1) قال : «قلت : ما تقول في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال : فقال : ولى الأمر من ليس أهله وخالف السنة ولم يجز النكاح». ولا تخلو من إجمال في الدلالة كما سيأتي التنبيه عليه في محله ان شاء الله تعالى.

ومنها ـ ما ذهب إليه جملة منهم من أن الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده الخاص. وقد مرت الإشارة الى ما فيه في المقدمة الثالثة (2) ومثله القول في مقدمة الواجب (3) الى غير ذلك من القواعد التي تضمنها كتاب القواعد لشيخنا الشهيد وكتاب تمهيد القواعد لشيخنا الشهيد الثاني (عطر الله مرقديهما) وما ذكرناه من القسمين انما هو أنموذج يتذكر به اللبيب ويحذو حذوه الموفق المصيب ، ولئلا يجمد على مجرد التقليد لظاهر المشهورات وان زخرف بضم الإجماع في العبارات ، وإلا فالقواعد من الجانبين أكثر من ان يأتي عليها قلم الإحصاء في البين.

__________________

(1) رواها صاحب الوافي في باب (الشرط في النكاح وما يجوز منه وما لا يجوز) من الجزء الثاني عشر.

(2) في الصحيفة 59 السطر 16.

(3) ومما يدخل في حيز هذا الباب ما ذكره جملة منهم من التوقف في الحكم ولفتوى على وجود القائل وان وجد النص الدال على ذلك. وفيه ما أورده بعض مشايخنا المحدثين من أنه (أولا) يلزم التسلسل. و (ثانيا) انه يكون قول المعصوم أقل درجة من قول سائر المجتهدين.

و (أقول) : لا يخفى على من تأمل كلام المتأخرين انتشار أقوالهم في المسائل الشرعية مع ان كلام المتقدمين سيما على عصر الشيخ أقل قليل في الفتاوى ، حيث انه لم تعرف لهم كتب فتاوى يعمل عليها ويستند إليها ، وفتاوى الشيخ ومن عاصره لم تبلغ في الكثرة والانتشار الى ما صاروا إليه في هذه الأعصار ، فقد خالفوا قاعدتهم من حيث لا يشعرون (منه رحمه‌الله).

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *