ج13 - كفارة الإفطار
المطلب الرابع
وفيه مسائل :
الأولى ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه
تجب الكفارة في صوم شهر رمضان وقضائه بعد الزوال والنذر المعين وصوم الاعتكاف إذا
وجب ، وما عدا ذلك مثل صوم الكفارات والنذر الغير المعين والصوم المندوب فلا تجب
الكفارة فيه بالإفساد.
والحكم الثاني اتفاقي كما يظهر من المنتهى ، وقد نص
العلامة وغيره على جواز الإفطار قبل الزوال وبعده ، وربما قيل بتحريم الإفساد في
كل واجب لعموم النهى عن إبطال العمل (2) وهو ضعيف.
وانما الخلاف في الأول حيث ان المنقول عن ابن أبى عقيل
انه قال : من جامع أو أكل أو شرب في قضاء شهر رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أثم
وعليه القضاء ولا كفارة. وظاهر هذا الإطلاق عدم وجوب الكفارة في قضاء شهر رمضان
قبل الزوال وبعده وكذا في النذر مطلقا كان أو معينا ، ونقل الشهيد في الدروس عنه
انه لا كفارة في غير رمضان ثم قال : وهو شاذ.
وبه يظهر ان ما ذكره في المدارك في مسألة وجوب الكفارة
في النذر
__________________
(2) في قوله تعالى في سورة محمد الآية 36 (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ).
المعين ـ حيث قال : واما وجوب الكفارة
فلا خلاف فيه بين الأصحاب وإنما الخلاف في قدرها ـ غفلة عن الاطلاع على القول
المذكور.
أقول : اما وجوب الكفارة في صوم شهر رمضان فهو من ما وقع
عليه الاتفاق نصا وفتوى وان وقع الخلاف في بعض الجزئيات وإلا فاصل الحكم لا خلاف
فيه ، وقد تقدم من الأخبار في تضاعيف المباحث السابقة وسيأتي في اللاحقة أيضا ما
يدل عليه.
ويدل على ذلك من الأخبار زيادة على ما تقدم ويأتي ما
رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) «في رجل أفطر
في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر؟ قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين
أو يطعم ستين مسكينا فان لم يقدر تصدق بما يطيق».
وما رواه الكليني عن جميل بن دراج بإسنادين أحدهما حسن
على المشهور صحيح على الأصح عن ابى عبد الله عليهالسلام (2) «انه سئل عن
رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فقال ان رجلا أتى النبي صلىاللهعليهوآله فقال هلكت يا
رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال وما لك؟
فقال النار يا رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال وما لك؟
قال وقعت على أهلي. قال تصدق واستغفر. فقال الرجل فوالذي عظم حقك ما تركت في البيت
شيئا لا قليلا ولا كثيرا. قال فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعا يكون
عشرة أصوع بصاعنا فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله خذ هذا التمر فتصدق
به فقال يا رسول الله صلىاللهعليهوآله على من أتصدق
به وقد أخبرتك انه ليس في بيتي قليل ولا كثير؟ قال فخذه وأطعمه عيالك واستغفر الله».
الى غير ذلك من الأخبار التي لا حاجة الى التطويل بنقلها بعد ما عرفت.
واما وجوب الكفارة في صوم النذر فيدل عليه روايات : منها
ـ ما رواه
__________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم. ورواه الشيخ بسند
آخر أيضا.
(2) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم. ويرويه الشيخ عنه
ايضا.
الشيخ في الصحيح عن على بن مهزيار (1) قال : «كتب
بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من
الكفارة؟ فكتب عليهالسلام وقرأته : لا
تتركه إلا من علة وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك ، فان كنت
أفطرت فيه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم على سبعة مساكين نسأل الله التوفيق لما
يحب ويرضى».
هذا على ما هو المشهور المنصور بالأدلة الواضحة ، وقد
عرفت من ما تقدم نقله عن ابن ابى عقيل انه لا كفارة عنده إلا في شهر رمضان وهو
ضعيف مردود بالأخبار المتكاثرة. واما كونها كفارة يمين أو كفارة شهر رمضان فسيأتي
الكلام فيه محررا في كتاب النذر ان شاء الله تعالى.
واما في صيام الاعتكاف فهو المشهور ايضا وظاهر كلام ابن
ابى عقيل المتقدم السقوط هنا.
ويدل على المشهور أخبار عديدة : منها ـ ما رواه الكليني
والشيخ عنه في الموثق عن سماعة (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن معتكف واقع
أهله؟ قال : هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان».
وعن زرارة (3) قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن المعتكف
يجامع أهله؟ فقال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر».
وعن عبد الأعلى بن أعين (4) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل وطأ
امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان؟ قال عليه الكفارة. قال : قلت فإن وطأها نهارا؟
قال عليه كفارتان».
قيل : ولعل حجة ابن ابى عقيل ما رواه حماد في الحسن عن
أبى عبد الله عليهالسلام (5)
__________________
(1) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم.
(2 و 3) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف ورواهما في الفقيه ج 2 ص
122 و 123 أيضا.
(4) الوسائل الباب 6 من الاعتكاف عن التهذيب والفقيه.
(5) الوسائل الباب 5 من الاعتكاف ، وحماد يرويه عن الحلبي.
قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا كان العشر
الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبة من شعر وشمر المئزر وطوى فراشه. فقال بعضهم
: واعتزل النساء. فقال أبو عبد الله عليهالسلام اما اعتزال
النساء فلا». وحملها الشيخ على ان المراد محادثتهن ومجالستهن دون الجماع لا غير.
وهو جيد.
واما قضاء شهر رمضان فقد عرفت الخلاف فيه أيضا.
ويدل على القول المشهور بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان ما
رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه عن بريد العجلي عن أبى جعفر عليهالسلام (1) «في رجل أتى
أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان؟ قال ان كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شيء
عليه إلا يوما مكان يوم ، وان كان أتى أهله بعد زوال الشمس فان عليه أن يتصدق على
عشرة مساكين فان لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع».
قال في الفقيه (2) : وروى أنه ان أفطر قبل الزوال فلا
شيء عليه وان أفطر بعد الزوال فعليه الكفارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر
رمضان.
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن هشام بن سالم (3) قال : «قلت لأبي
عبد الله عليهالسلام رجل وقع على
أهله وهو يقضى شهر رمضان؟ فقال ان كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شيء عليه
يصوم يوما بدل يوم ، وان فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين فان لم
يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك».
وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (4) قال : «سألت
أبا جعفر عليهالسلام عن رجل صام
قضاء من شهر رمضان فاتى النساء؟ قال عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في شهر
رمضان لان ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان».
وما رواه عن حفص بن سوقة عن من ذكره عن أبى عبد الله عليهالسلام (5) «في
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 29 من أحكام شهر رمضان.
(5) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم.
الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في
قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل؟ فقال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع
في شهر رمضان».
وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) «إذا قضيت صوم
شهر رمضان أو النذر كنت بالخيار في الإفطار إلى زوال الشمس فإن أفطرت بعد الزوال
فعليك كفارة مثل من أفطر يوما من شهر رمضان. وقد روى ان عليه إذا أفطر بعد الزوال
إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من طعام فان لم يقدر عليه صام يوما بدل يوم وصام
ثلاثة أيام كفارة لما فعل». وبهذه العبارة عبر ابنا بابويه في الرسالة والمقنع كما
نقله في المختلف.
وهل الحكم مختص بقضاء شهر رمضان عن نفسه أو يشمل ما كان
عن غيره؟ إشكال ينشأ من إطلاق الأخبار فيمكن القول بالعموم ومن ان المتبادر منها
ما كان عن نفسه فيختص به. ولم أقف على من تعرض للتنبيه على ذلك من الأصحاب.
احتج ابن ابى عقيل على ما نقل عنه بما رواه الشيخ في
الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله عليهالسلام (2) «في الرجل يكون
عليه أيام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال : هو
بالخيار الى أن تزول الشمس فإذا زالت الشمس فان كان نوى الصوم فليصم وان كان نوى
الإفطار فليفطر. سئل فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟
قال لا. سئل فإن نوى الصوم ثم أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال : قد أساء وليس عليه شيء
إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه».
وأجاب عنه في المدارك بضعف السند باشتماله على جماعة من
الفطحية. وفيه ما عرفت مرارا من ان هذا الجواب لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا
أثر لهذا الاصطلاح عندهم ولا على من يعمل بالأخبار الموثقة من أصحاب هذا الاصطلاح.
__________________
(1) ص 26.
(2) الوسائل الباب 2 من وجوب الصوم ونيته والباب 29 من أحكام
شهر رمضان.
وأجاب عنه الشيخ في الاستبصار بان الوجه في قوله : «ليس
عليه شيء» ان نحمله على انه ليس عليه شيء من العقاب لأن من أفطر في هذا اليوم لا
يستحق العقاب وان أفطر بعد الزوال وان لزمته الكفارة حسب ما قدمناه. ولا يخفى ما
فيه من البعد سيما مع اعترافه بجواز الإفطار بعد الزوال فيبعد مجامعة الكفارة له.
وأجاب عنه المحدث الكاشاني في الوافي بأنه خبر شاذ لا
يصلح لمعارضة تلك الأخبار المتفق عليها.
والأظهر عندي حمل الخبر المذكور على التقية لما صرح به
العلامة (قدسسره) في المنتهى
من اطباق الجمهور على سقوط الكفارة في ما عدا رمضان إلا قتادة (1).
قال (قدسسره) : فرق
علماؤنا بين الإفطار في قضاء رمضان أول النهار وبعد الزوال فأوجبوا الكفارة في
الثاني دون الأول ، والجمهور لم يفرقوا بينهما بل قالوا بسقوط الكفارة في البابين
إلا قتادة فإنه أوجبها فيهما معا ، وابن ابى عقيل من علمائنا اختار مذهب الجمهور
في سقوط الكفارة. انتهى.
أقول : ومقتضى إطلاق عبارة ابن ابى عقيل التي قدمناها ـ وكذا
نقل الشهيد في الدروس عنه انه لا كفارة في غير رمضان ـ هو موافقة الجمهور في سقوط
الكفارات من جميع افراد الصوم عدا شهر رمضان كما حكاه في المنتهى عنهم ، حيث قال :
وأطبق الجمهور كافة على سقوط الكفارة في ما عدا رمضان.
واما ما جنح اليه صاحب الذخيرة ـ من اختيار مذهب ابن ابى
عقيل عملا بموثقة عمار وحمل الروايات الأربع المتقدمة الدالة على وجوب الكفارة على
الاستحباب ـ فهو من جملة تشكيكاته التي لا ينبغي أن يصغى إليها ولا يعرج عليها بعد
ما عرفت.
وتنقيح الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور الأول ـ لا
يخفى ان كلمة
__________________
(1) المغني ج 3 ص 125 والمجموع ج 6 ص 345.
الأصحاب القائلين بوجوب الكفارة متفقة
على التحديد بالزوال كما تقدم ، وهو صريح رواية بريد العجلي ورواية كتاب الفقه
الرضوي ، وإجمال روايتي زرارة وحفص بن سوقة المتقدمتين محمول على ذلك. واما ما دل
عليه صحيح هشام بن سالم من التحديد بصلاة العصر فيجب تأويله بما يرجع به الى تلك
الاخبار وإلا فطرحه أو حمله على التقية ، لأن الأخبار قد تكاثرت ـ كما ستأتي في
المقام ان شاء الله تعالى ـ بان الزوال هو الحد في جواز الإفطار وعدمه فيجب أن
يكون هو الحد في وجوب الكفارة وعدمه.
وقال الشيخ في الاستبصار بعد ذكر خبري بريد وهشام انه لا
تنافي بين الخبرين لأنه إذا كان وقت الصلاتين عند الزوال إلا ان الظهر قبل العصر
على ما بيناه في ما تقدم جاز ان يعبر عن ما قبل الزوال بأنه قبل العصر لقرب ما بين
الوقتين ويعبر عن ما بعد الزوال بأنه بعد العصر لمثل ذلك. ورده جملة من متأخري
المتأخرين بالبعد وهو وان كان كذلك إلا انه أولى من الطرح رأسا فإن العمل عليه بعد
ما عرفت غير ممكن.
ثم ان الشيخ أيضا جوز حمل خبر العصر على الوجوب وخبر
الزوال على الاستحباب ، وهو غير جيد وان استقربه في الذخيرة لاستفاضة الأخبار
بالتحديد بالزوال في تحريم الإفطار وهو وقت تعلق الكفارة البتة ، ولا معنى لكونه
يحرم عليه الإفطار بعد الزوال ولا تجب عليه الكفارة إلا بعد العصر كما هو ظاهر لكل
ذي فهم.
وليس ببعيد تطرق التحريف الى هذا الخبر من قلم الشيخ
بتبديل الظهر بالعصر كما لا يخفى على من له انس بطريقته وما وقع له في الاخبار
متونا وإسنادا من التبديل والتحريف والزيادة والنقصان.
وبالجملة فالعمل على القول المشهور المؤيد بالأخبار
المذكورة.
الثاني ـ اختلف أصحابنا (رضوان الله عليهم) في كفارة
قضاء شهر رمضان فالمشهور بينهم أنها إطعام عشرة مساكين فان لم يتمكن صام ثلاثة
أيام ، ونقل في
المختلف عن ابني بابويه في الرسالة
والمقنع ان عليه مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان ، وقد روى ان عليه إذا
أفطر. إلى آخر ما تقدم من عبارة كتاب الفقه الرضوي والظاهر انه اقتطع من العبارة
موضع الحاجة ولم ينقل عبارة الرسالة من أولها. ونقل في المختلف عن ابن إدريس انه
قال بالقول المشهور وقال في موضع آخر انها كفارة يمين ونقله أيضا عن ابن البراج ،
وعن ابى الصلاح انها صيام ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين.
ويدل على القول المشهور ما تقدم من رواية بريد العجلي
وصحيحة هشام (1) وعلى قول ابني
بابويه موثقة زرارة ورواية حفص بن سوقة (2) وان كان معتمدهما إنما هو على كتاب
الفقه الذي نقلا عبارته كما هي قاعدتهم في غير مقام من ما أوضحنا بيانه. واما
القولان الآخران فلم أقف لهما على دليل.
بقي الكلام في الجمع بين الاخبار المذكورة والشيخ بعد
ذكر خبر زرارة حمله على الشذوذ أولا ثم على من أفطر مستخفا بالفرض متهاونا به
فيغلظ عليه ويعاقب بذلك. ورده جملة من متأخري المتأخرين بالبعد وهو كذلك. واما
الخبر الثاني فذكره في موضع آخر ولم يتعرض له. وجملة من متأخري المتأخرين حملوهما
على الاستحباب ، وفيه ما عرفت في غير مقام. والمسألة عندي محل توقف والاحتياط لا
يخفى.
الثالث ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز
الإفطار قبل الزوال حتى ان المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى لم ينقلا في ذلك
خلافا ، ونقل في المختلف عن ابى الصلاح ان كلامه يشعر بتحريمه. وقال ابن ابى عقيل
: ومن أصبح صائما لقضاء ما كان عليه من رمضان وقد نوى الصوم من الليل فأراد أن
يفطر في بعض النهار لم يكن له ذلك. وهو ظاهر في ما نقل عن ابى الصلاح أيضا.
ويدل على القول المشهور وهو المختار جملة من الأخبار :
ومنها ـ رواية بريد العجلي المتقدمة (3).
__________________
(1 و 2 و 3) ص 212.
ومنها ـ صحيحة جميل بن دراج عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) «انه قال في
الذي يقضى شهر رمضان انه بالخيار الى زوال الشمس وان كان تطوعا فإنه إلى الليل
بالخيار».
وموثقة أبي بصير (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة
تقضى شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار؟ فقال : لا ينبغي له أن يكرهها بعد
الزوال».
أقول : ولفظ «لا ينبغي» وان استعمل في الاخبار بمعنى
الكراهة تارة والتحريم أخرى إلا انه هنا بالمعنى الثاني للأخبار المتقدمة.
ورواية سماعة بن مهران عن ابى عبد الله عليهالسلام (3) «في قوله :
الصائم بالخيار الى زوال الشمس قال : ذلك في الفريضة فاما النافلة فله أن يفطر أي
ساعة شاء الى غروب الشمس».
وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام (4) قال : «صوم
النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر
الى زوال الشمس فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر».
ورواية إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام (5) قال : «الذي
يقضى شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه وبين أن تزول الشمس وفي التطوع ما
بينه وبين أن تغيب الشمس».
ولعل حجة المانعين ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد
الرحمن بن الحجاج (6) قال : «سألته
عن الرجل يقضى رمضان إله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال : إذا
كان نوى ذلك من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر ويتم صومه. الحديث».
وأجيب عنه بالحمل على الاستحباب ، وهو غير بعيد لورود
مثل ذلك في الصوم المستحب والواجب اولى.
وقد تقدم في رواية معمر بن خلاد عن ابى الحسن عليهالسلام) (7) قال : «كنت
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 4 من وجوب الصوم
ونيته.
جالسا عنده آخر يوم من شعبان فلم أره
صائما قلت جعلت فداك صمت اليوم؟ فقال لي ولم. الى أن قال : فقلت أفطر الآن؟ فقال :
لا. فقلت : وكذلك في النوافل ليس لي ان أفطر بعد الظهر؟ قال نعم».
المسألة الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
كفارة شهر رمضان فالمشهور التخيير بين الأنواع الثلاثة : عتق رقبة أو صيام شهرين
متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ، ذهب اليه الشيخان والمرتضى وابن الجنيد وأبو
الصلاح وسلار وابن البراج وابن إدريس وغيرهم ، واختاره السيد السند في المدارك.
وقال ابن ابى عقيل على ما نقله عنه في المختلف : الكفارة عتق رقبة فان لم يجد
فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا. قال : وهذا يدل على
الترتيب. وقال الشيخ في الخلاف ان فيه روايتين الترتيب والتخيير. ولم يرجح
إحداهما. وفي المبسوط اختار التخيير ثم قال : وقد روى انها مرتبة. وذهب الصدوق في
من لا يحضره الفقيه الى التفصيل وهو وجوب الثلاث ان أفطر على محرم ووجوب الواحدة
في الإفطار على محلل ، وهو قول الشيخ في كتابي الأخبار ، واختاره العلامة في
القواعد والإرشاد وابنه فخر المحققين في الإيضاح ونقله عن ابن حمزة أيضا.
ويدل على القول الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد
الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام. وقد تقدم في
المسألة الأولى (1).
وما رواه في التهذيب عن ابى بصير (2) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل وضع
يده على شيء من جسد امرأته فأدفق؟ فقال : كفارته ان يصوم شهرين متتابعين أو يطعم
ستين مسكينا أو يعتق رقبة».
وروى في الوسائل نقلا من نوادر احمد بن محمد بن عيسى عن
عثمان بن
__________________
(1) ص 210.
(2) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم.
عيسى عن سماعة (1) قال : «سألته
عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا؟ قال : عليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا
أو صوم شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم ومن اين له مثل ذلك اليوم؟». قال : ورواه
الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى.
ويدل على ذلك أيضا ما تقدم (2) في المسألة
الأولى من حسنة جميل بن دراج الدالة على أمر النبي صلىاللهعليهوآله ـ لذلك الرجل
الذي شكى إليه انه أتى أهله في شهر رمضان ـ بالصدقة.
ونحوها صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد
الله عليهالسلام (3) قال : «سألته
عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال : عليه خمسة عشر صاعا لكل مسكين مد».
والتقريب في هذين الخبرين دلالتهما على الاجتزاء بالصدقة
مطلقا ولو كانت الكفارة مرتبة كما يدعى لكان مقام البيان يقتضي ذكرهما وان
الصيرورة إلى الصدقة لتعذرهما.
وفي كتاب الفقه الرضوي (4) : ومن جامع في
شهر رمضان أو أفطر فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا
لكل مسكين مد من طعام ، وعليه قضاء ذلك اليوم وانى له بمثله؟.
احتج القائلون بالترتيب بما رواه الصدوق في الفقيه عن
عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري عن ابى جعفر عليهالسلام (5) «ان رجلا أتى
النبي صلىاللهعليهوآله فقال : هلكت
وأهلكت. فقال : وما أهلكك؟ قال : أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم فقال النبي صلىاللهعليهوآله : أعتق رقبة.
قال : لا أجد؟ قال : فصم شهرين متتابعين. قال : لا أطيق؟ قال : تصدق على ستين
مسكينا. قال : لا أجد؟ فاتى النبي صلىاللهعليهوآله بعذق
__________________
(1 و 3 و 5) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم.
(2) ص 210.
(4) ص 25.
في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : خذها فتصدق
بها فقال والذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا. فقال : خذه
فكله أنت وأهلك فإنه كفارة لك».
وأجاب عنه في المدارك أولا ـ بالطعن في السند بجهالة
الراوي فلا يعارض الأخبار السليمة.
وثانيا ـ بأن أمر النبي صلىاللهعليهوآله بالشيء بعد
الشيء ليس صريحا في الترتيب ولو كان كذلك لوجب تنزيله على الاستحباب فتكون جامعين
بين العمل بالروايتين وليس كذلك لو أوجبنا الترتيب بل يلزم منه سقوط خبر التخيير.
أقول : وهذا الجواب من حيث عدم الصراحة في الدلالة على
القول المذكور جيد إلا انه قد روى على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى عليهالسلام (1) قال : «سألته
عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ما عليه؟ قال : عليه القضاء وعتق رقبة فان لم
يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا فان لم يجد فليستغفر
الله».
وهذا الخبر كما ترى صحيح صريح في القول المذكور ، وصاحب
الوسائل بعد نقله حمله على الاستحباب والأفضلية ، وقد عرفت ما في هذا الحمل من
الاشكال كما أوضحناه في غير موضع من ما تقدم.
والأظهر عندي حمل هذه الرواية لصراحتها على التقية التي
هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، ولو كانت الرواية الأولى صريحة في
القول المذكور لوجب حملها على ذلك أيضا بأن تكون التقية في النقل فإن العامة قد
رووا الحديث المذكور كذلك (2) فيكون حكاية
لما رووه ، إلا ان الخبر غير صريح كما عرفت.
ووجه الحمل على التقية ما نقله في المنتهى من أن الترتيب
مذهب أبي حنيفة
__________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم.
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 221.
والثوري والشافعي والأوزاعي (1) قال : وبه قال
ابن ابى عقيل من علمائنا.
قال في المنتهى : احتج الجمهور بما رواه أبو هريرة (2) «ان رسول الله صلىاللهعليهوآله قال للواقع
على أهله : هل تجد رقبة تعتقها؟ قال لا. قال : هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟
قال لا. قال : فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟». فدل على انها للترتيب.
ثم أجاب (قدسسره) عنها بأن
أمره بشيء بعد آخر لا يدل على الترتيب إذ ليس بصريح فيه. الى آخر ما قدمناه من
الجواب المنقول عن المدارك.
وبذلك يظهر لك ان الأظهر في الجمع بين هذه الأخبار هو
حمل ما دل على الترتيب على التقية كما ذكرنا.
احتج من ذهب الى التفصيل بما رواه الصدوق في الفقيه عن
عبد السلام بن صالح الهروي (3) قال «قلت
للرضا عليهالسلام يا ابن رسول
الله صلىاللهعليهوآله قد روى عن
آبائك في من جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات ، وروى عنهم أيضا كفارة
واحدة ، فبأي الحديثين نأخذ؟ قال بهما جميعا : متى جامع الرجل حراما أو أفطر على
حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات : عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين
مسكينا وقضاء ذلك اليوم ، وان كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة
وقضاء ذلك اليوم ، وان كان ناسيا فلا شيء عليه».
وربما طعن بعضهم في سند الرواية وهو عندنا غير معول عليه
، مع انه بناء على اصطلاحهم يمكن الجواب عنه بان عبد الواحد بن محمد بن عبدوس من
مشايخ الصدوق وقد أكثر الرواية عنه في كتبه ، وعلى بن محمد بن قتيبة من مشايخ
الكشي وقد أكثر النقل عنه في كتابه ، فهما من مشايخ الإجازة المتفق بينهم على عدم
احتياجهم الى التوثيق ، واما حمدان بن سليمان فهو ثقة في كتب الرجال لا خلاف
__________________
(1 و 2) المغني ج 3 ص 127 و 128.
(3) الوسائل الباب 10 من ما يمسك عنه الصائم.
فيه ، واما عبد السلام بن صالح فقد
وثقه النجاشي وقال انه صحيح الحديث ، واما ما ذكره الشيخ في كتاب الرجال من انه
عامي فالظاهر انه وهم منه (قدسسره) وقد أورد
الكشي روايات تدل على انه من فضلاء الشيعة الإمامية وهو المختار عند جملة من أصحاب
هذا الاصطلاح ، فلا طعن في الرواية عند التحقيق.
على انه من ما يعضد هذه الرواية ما صرح به في الفقيه حيث
قال : واما الخبر الذي روى ـ في من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ان عليه ثلاث
كفارات ـ فإني افتى به في من أفطر بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه لوجود ذلك
في روايات ابى الحسين الأسدي (رضياللهعنه) في ما ورد
عليه من الشيخ ابى جعفر محمد بن عثمان العمرى. انتهى. والظاهر كما استظهره جملة من
أصحابنا اتصال ذلك بصاحب الأمر عليهالسلام فإن الأسدي
كان من الوكلاء الذين ترد عليهم التوقيعات كما ذكره الشيخ في كتاب الغيبة والميرزا
محمد في كتاب الرجال ، وحينئذ فهذا الكلام في قوة خبر مرسل.
وبالجملة فالحق انه لا مجال للتوقف في ما دلت عليه هذه
الرواية من التفصيل وبها يخصص إطلاق الأخبار المتقدمة.
واما ما ذكره في المعتبر ـ حيث قال بعد أن أورد رواية
عبد السلام : ان هذه الرواية لم بظهر العمل بها بين الأصحاب ظهورا يوجب العمل بها
وربما حملناها على الاستحباب ليكون آكد في الزجر ـ فلا يخفى ما فيه.
وعلى ما ذكرنا من التفصيل وان الإفطار على محرم موجب
للجمع يجب ان يحمل ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (1) قال : «سألته
عن رجل أتى أهله في رمضان متعمدا؟ قال عليه عتق رقبة وإطعام ستين مسكينا وصيام
شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم ، واين له مثل ذلك اليوم؟».
والشيخ (رضياللهعنه) قد أولها
بوجهين : أحدهما ما ذكرناه وثانيهما حمل
__________________
(1) الوسائل الباب 10 من ما يمسك عنه الصائم.
الواو على التخيير دون الجمع كما في
قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ
وَرُباعَ) (1) أقول :
والظاهر ان الأول أظهر.
وينبغي التنبيه هنا على أمور :
الأول ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الذي
يعطى لكل فقير مد ، ونقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف الإطعام لكل مسكين مدان.
ويدل على المشهور جملة من الاخبار : منها ـ صحيحة عبد
الرحمن بن ابى عبد الله المتقدمة في هذه المسألة (2).
وموثقة سماعة (3) قال : «سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟
قال : عليه إطعام ستين مسكينا مد لكل مسكين».
وصحيحة عيص بن القاسم (4) قال : «سألته
عن من لم يصم الثلاثة الأيام وهو يشتد عليه الصيام هل فيه فداء؟ قال : مد من طعام
في كل يوم».
احتج الشيخ على ما نقله في المختلف بأنه أحوط ، وبان
المدين بدل عن اليوم في كفارة صيد الإحرام. ثم أجاب في المختلف عن الأول بأنه
معارض بالبراءة ، وعن الثاني بأنه معارض بما تقدم من الأخبار من ان المد بدل عن
اليوم.
الثاني ـ قد تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله
ان الواجب في الإطعام خمسة عشر صاعا لكل مسكين مد ومثلها حديث الأنصاري المتقدم ،
وهو المعمول عليه بين الأصحاب لأن الصاع أربعة أمداد وقسمة الخمسة عشر لكل مسكين
مد يقتضي بسطها على ستين مسكينا وهو المأمور به في الأخبار المستفيضة.
إلا انه قد تقدم في صحيحة جميل بن دراج المتقدمة في
المسألة الأولى (5) في حكاية
الرجل المجامع الذي أتى النبي صلىاللهعليهوآله قال : «فدخل
رجل من الناس بمكتل
__________________
(1) سورة النساء الآية 4.
(2) ص 219.
(3) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم.
(4) التهذيب ج 4 ص 313 عن الكليني وفي الوسائل الباب 11 من
الصوم المندوب.
(5) ص 210.
من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع
بصاعنا».
ومثله ما رواه في الفقيه عن إدريس بن هلال عن ابى عبد
الله عليهالسلام (1) «انه سئل عن
رجل أتى أهله في شهر رمضان؟ قال : عليه عشرون صاعا من تمر فبذلك أمر النبي صلىاللهعليهوآله الرجل الذي
أتاه فسأله عن ذلك».
وما رواه في الفقيه أيضا عن محمد بن النعمان عن ابى عبد
الله عليهالسلام (2) «انه سئل عن
رجل أفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال : كفارته جريبان من طعام وهو عشرون صاعا».
وما رواه في الكافي في الموثق عن عبد الرحمن بن ابى عبد
الله البصري عن ابى عبد الله عليهالسلام (3) قال : «سألته
عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال : يتصدق بعشرين صاعا ويقضى مكانه».
ولا ريب في منافاة هذه الاخبار للخبرين المتقدمين اللذين
عليهما عمل الأصحاب والعلامة في المنتهى نقل من هذه الأخبار خبر جميل بن دراج وخبر
محمد بن النعمان ، وحمل الأول على انه فقير فإذا كفر بعشرة أصوع خرج عن العهدة
لأنه فقير غير متمكن من الصيام وإلا أمره عليهالسلام به.
وظاهره ان صاحب هذه القضية التي في رواية جميل غير الذي
في رواية الأنصاري ، والذي يظهر من الفقيه انها قضية واحدة حيث انه ـ بعد نقل
رواية الأنصاري المشتملة على ان المكتل فيه خمسة عشر صاعا (4) قال : وفي
رواية جميل ابن دراج عن ابى عبد الله عليهالسلام (5) ان المكتل
الذي أتى به النبي صلىاللهعليهوآله كان فيه عشرون
صاعا من تمر. وعلى هذا يعظم الاشكال.
وحمل الثاني على صغر الصاع. وأنت خبير بما فيه من البعد
سيما مع اعتضاد هذا الخبر بخبر إدريس وموثقة عبد الرحمن.
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم.
(4) ص 219 و 220.
(5) 210.
وكيف كان فالظاهر انه لا خروج عن ما عليه الأصحاب
لاعتضاده بالأخبار الدالة على التصدق على ستين مسكينا وان الصدقة بمد وان الصاع
أربعة أمداد.
إلا انه يبقى الإشكال في الجواب عن هذه الاخبار ويمكن
حملها على التقية وان لم يعلم به قائل من العامة كما قدمناه في مقدمات الكتاب.
ويحتمل ولعله الأقرب الحمل على اختلاف الصاع وان الخمسة عشر صارت في وقته عليهالسلام بعشرين صاعا
باعتبار اختلاف الأوقات زيادة ونقيصة.
الثالث ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو عجز
عن الخصال الثلاث ، فقيل انه يصوم ثمانية عشر يوما وهو منقول عن الشيخ المفيد
والمرتضى وابن إدريس ، وقيل انه يتصدق بما يطيق وهو منقول عن الصدوق في المقنع
وابن الجنيد.
وقال في المنتهى : ولو عجز عن الأصناف الثلاثة صام
ثمانية عشر يوما فان لم يقدر تصدق بما وجد أو صام ما استطاع فان لم يتمكن استغفر
الله تعالى ولا شيء عليه ذهب إليه علماؤنا. ثم نقل اختلاف الجمهور وبحث معهم في
المسألة (1) وفي المختلف
استقرب التخيير بين صوم ثمانية عشر يوما والتصدق بما يطيق.
ويدل على الأول ما رواه الشيخ عن ابى بصير وسماعة بن
مهران (2) قالا : «سألنا
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يكون
عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على
الصدقة؟ قال : فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام».
وما رواه الشيخ عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام (3) قال : سألته
عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين. الى آخر الحديث المتقدم.
ويدل على الثاني صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في
المسألة الأولى حيث
__________________
(1) المنتهى ج 2 ص 575 والمغني ج 3 ص 132.
(2) التهذيب ج 4 ص 207 و 208.
(3) الوسائل الباب 9 من بقية الصوم الواجب.
قال عليهالسلام بعد التخيير
بين الخصال الثلاث : «فان لم يقدر تصدق بما يطيق».
وصحيحته الأخرى الحسنة على المشهور عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) : «في رجل وقع
على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدق به على ستين مسكينا؟ قال : يتصدق بقدر ما
يطبق».
والجمع بين الاخبار بالتخيير كما رجحه في المختلف متعين
وبه جمع الشهيد في الدروس وبه قطع شيخنا الشهيد الثاني.
وجملة من المتصلبين في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد
أقرب من الصلاح كصاحب المدارك وصاحب الذخيرة اطرحوا الروايتين الدالتين على صوم
الثمانية عشر لضعف السند واختاروا ما دلت عليه اخبار التصدق بما يطيق محتجين بان
الجمع بين الأخبار إنما يكون بعد التكافؤ في السند.
وظاهر عبائر جملة من الأصحاب ان هذا الحكم اعنى الانتقال
الى صوم ثمانية عشر يوما حكم من وجب عليه شهران متتابعان مطلقا بكفارة أو نذر أو
ما في معناه وما لو وجبا في كفارة تعيينا أو تخييرا. وفي استفادة هذا التعميم من
الخبرين المذكورين إشكال فإن ظاهرهما إنما هو الكفارة المشتملة على الخصال الثلاث.
ثم انهم قد اختلفوا في اشتراط التتابع وعدمه في صوم
الثمانية عشر (2).
الرابع ـ الظاهر انه لا خلاف في أن من عجز عن الصوم أصلا
فإنه يجزئه الاستغفار والتوبة وهو كفارته ، وهو مقطوع به في كلام الأصحاب.
ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ عن
ابى بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام (3) قال : «كل من
عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق
__________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم.
(2) ورد في هامش الطبعة القديمة : هذه العبارة هكذا وقعت في
النسخ ويحتمل سقوط تتمة الكلام إذ من البعيد في عادة المصنف الاكتفاء بذكر الخلاف
فقط. والله العالم.
(3) الوسائل الباب 6 من الكفارات.
أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير
ذلك من ما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار».
وعن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام (1) قال : «سألته
عن شيء من كفارة اليمين. الى أن قال : قلت فان عجز عن ذلك؟ قال : فليستغفر الله».
وقد تقدم (2) في حديث المجامع الذي اتى النبي صلىاللهعليهوآله ما يدل على
ذلك أيضا.
بقي الكلام في ما لو قدر على التكفير بعد الاستغفار
وظاهر النصوص المذكورة عدم الوجوب حيث أن بعضها صريح في ان الاستغفار كفارة له ،
وقال في الدروس : ولو قدر بعد الاستغفار فإشكال إذ لا تجب الكفارة على الفور. وفيه
ما عرفت.
الخامس ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) اشتراط
الايمان في الرقبة في هذا الموضع وغيره من افراد الكفارات التي يجب فيها عتق رقبة
، ونقل في المختلف عن السيد المرتضى وابن إدريس التصريح بالأيمان في خصوص هذا
الموضع.
والآية أعني قوله عزوجل (فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (3) وان كان
موردها قتل الخطأ إلا انهم حملوا عليها سائر الكفارات حملا للمطلق على المقيد وان
اختلف السبب ، ولما في رواية سيف بن عميرة «أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟
قال : لا» (4).
وقيل بعدم اشتراطه إلا في قتل الخطأ الذي هو مورد الآية
، وهو منقول عن ابن الجنيد والشيخ في المبسوط والخلاف.
ويدل على خصوص ما نحن فيه ما رواه الشيخ في التهذيب في
الصحيح عن احمد بن محمد بن ابى نصر البزنطي الذي نقل في شأنه انه ممن أجمعت
العصابة على تصحيح
__________________
(1) الوسائل الباب 12 من الكفارات.
(2) ص 210.
(3) سورة النساء الآية 95.
(4) الوسائل الباب 17 من العتق.
ما يصح عنه عن المشرقي عن ابى الحسن عليهالسلام (1) قال : «سألته
عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة؟ فكتب عليهالسلام : من أفطر
يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدل يوم».
والقول الثاني ـ في غير كفارة شهر رمضان لما عرفت من
الخبر ـ لا يخلو من قوة. وسيجيء تحقيق المسألة في محلها ان شاء الله تعالى.
السادس ـ الظاهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
الاتفاق على انه لا تجزئ القيمة في شيء من خصال الكفارة لاشتغال الذمة بها ،
والانتقال إلى القيمة يحتاج الى دليل وليس فليس
السابع ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو
تبرع أحد بالكفارة عن الحي ، فقيل انه يجزئ ذلك عنه صوما كان أو غيره وهو قول
الشيخ في المبسوط واختاره العلامة في المختلف ، وقيل انه يجزئ ما عدا الصوم واما
الصوم فإنه يراعى فيه الوفاة وهو مذهب المحقق في الشرائع ، وقيل بالمنع مطلقا
واختاره جماعة من الأصحاب : منهم ـ السيد السند في المدارك ، وهو الأقرب لعدم النص
الدال عليه وتعلق التكليف بالحي وتوجه الخطاب اليه فلا يحصل الامتثال بفعل غيره.
احتج العلامة في المختلف على ما ذهب اليه من القول الأول
بأنه دين يقضى عن المديون فوجب ان تبرأ ذمته كما لو كان لأجنبي بل هنا أولى لأن حق
الله تعالى مبنى على التخفيف.
وهو من حيث الاعتبار جيد إلا ان الظاهر ان التكفير من
جملة العبادات التي من شأنها عدم قبول النيابة عن الحي إلا ما استثنى.
وبالجملة فالأحكام الشرعية يجب أن تكون دائرة مدار
النصوص الظاهرة
__________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم.
والأدلة الباهرة وما ذكره من التعليل
يصلح توجيها للنص لو وجد لا أن يكون دليلا مستقلا.
واما ما يظهر من الوسائل من الاجزاء ـ حيث ذكر في باب (1) ان من أفطر
يوما من شهر رمضان عمدا وجب عليه مع القضاء كفارة مخيرة. الى ان قال : وان تبرع
أحد بالتكفير عنه أجزأه. ثم أورد في الباب خبر المجامع الذي أتى النبي صلىاللهعليهوآله المشتمل على
انه صلىاللهعليهوآله أتى بمكتل فيه
خمسة عشر صاعا في أحد الخبرين (2) أو عشرون كما في الخبر الآخر (3) فأعطاه ذلك
الرجل وقال له تصدق به ـ
ففيه ان محل الخلاف في المسألة من تبرع بالكفارة صدقة
كان أو غيرها عن الحي لا من أعطاه شيئا وملكه إياه وامره بالتصدق عنه كما هو مورد
الخبرين وهذا من جملة غفلاته (طاب ثراه).
واما التبرع عن الميت فالمشهور جوازه وهو ظاهر الأخبار
الكثيرة المتقدمة في كتاب الصلاة (4) المتضمنة لانتفاعه بما يلحقه من
الطاعات :
كرواية حماد بن عثمان (5) قال : «قال
أبو عبد الله عليهالسلام ان الصلاة
والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت حتى ان الميت يكون في ضيق
فيوسع عليه ويقال هذا بعمل ابنك فلان وبعمل أخيك فلان ، أخوه في الدين».
ورواية محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليهالسلام (6) قال : «يقضى
عن الميت الصوم والحج والعتق وفعله الحسن». الى غير ذلك من الاخبار المتقدمة.
المسألة الثالثة ـ الظاهر انه لا خلاف نصا وفتوى في أن
الكفارة تتكرر بتكرر الموجب إذا كان في يومين.
إنما الخلاف في تكررها بتكرر الموجب في اليوم الوحد فقال
الشيخ في
__________________
(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم.
(2) ص 219.
(3) ص 210.
(4) ج 11 ص 32.
(5) الوسائل الباب 2 من قضاء الصلوات.
(6) الوسائل الباب 2 من قضاء الصلوات.
المبسوط انه ليس لأصحابنا فيه نص
والذي يقتضيه مذهبنا انه لا تتكرر الكفارة ، واختاره ابن حمزة وجماعة : منهم ـ المحقق
في كتبه الثلاثة ، وقال المرتضى بتكررها بتكرر الوطء ، وقال ابن الجنيد ان كفر عن
الأول كفر ثانيا وإلا كفر كفارة واحدة عنهما. وقال العلامة في المختلف الأقرب عندي
انه ان تغاير جنس المفطر تعددت الكفارة وإلا فلا. ورجح المحقق الشيخ على في حاشية
الشرائع تكرر الكفارة بتكرر السبب مطلقا.
وقال في المسالك بعد نقل عبارة المصنف : لا ريب في
تكررها مع اختلاف الأيام مطلقا واما في اليوم الواحد فالأصح تكررها بتكرر الجماع.
ومع تخلل التكفير ومع اختلاف نوع الموجب ، اما مع اتفاقه فقال في الدروس لا تتكرر
قطعا وفي المهذب إجماعا ، واختار المحقق الشيخ على تكررها مطلقا وهو الأصح ان لم
يكن قد سبق الإجماع على خلافه. والأكل والشرب مختلفان ويتعددان بتعدد الازدراد
والجماع بالعود بعد النزع. انتهى.
أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه
المسألة ما رواه الصدوق (قدس) في كتاب عيون اخبار الرضا وكتاب الخصال بسنده الى
الفتح ابن يزيد الجرجاني (1) «انه كتب الى
أبى الحسن عليهالسلام يسأله عن رجل
واقع امرأة في شهر رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرات؟ قال : عليه عشر كفارات
لكل مرة كفارة فإن أكل أو شرب فكفارة يوم واحد».
ونقل العلامة في المختلف عن ابن ابى عقيل قال : ذكر أبو
الحسن ذكريا بن يحيى صاحب كتاب شمس المذهب عنهم (عليهمالسلام) (2) ان الرجل إذا
جامع في شهر رمضان عامدا فعليه القضاء والكفارة فإن عاود إلى المجامعة في يومه ذلك
مرة أخرى فعليه في كل مرة كفارة.
وقال في المختلف في أثناء البحث في هذه المسألة : ويؤيده
ما روى عن
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 11 من ما يمسك عنه الصائم.
الرضا عليهالسلام ان الكفارة
تتكرر بتكرر الوطء. ويمكن أن يكون هذا إشارة إلى الرواية التي قدمناها أو الى
رواية أخرى غيرها.
وبالجملة فإن الظاهر عندي هو الوقوف على ما دلت عليه
رواية الفتح المذكورة إذ لا معارض لها في المسألة ولم يتعرض أحد من أصحابنا لنقلها
وهي ظاهرة في ما نقل عن السيد المرتضى (رضياللهعنه).
وما ذكره أصحاب هذه الأقوال من التعليلات لما ذهبوا اليه
لا يمكن الرجوع اليه ولا التعويل عليه ولو لا وجود ما ذكرناه لكانت المسألة محل
توقف واشكال لعدم النص الذي هو العمدة في الاستدلال.
وقد أطال العلامة في المختلف في الاستدلال على ما ذهب
اليه بما لا مزيد فائدة في التعرض الى نقله والكلام عليه بعد ما عرفت.
بقي الإشكال في ان ظاهر هذين الخبرين ان الواجب بالتعدد
في الجماع كفارة واحدة وان كان الجماع لأجنبية مع انه قد تقدم في سابق هذه المسألة
ان الأصح في هذه الصورة ثلاث كفارات للتوقيع المتقدم ورواية الهروي ، والتنافي
ظاهر.
ولا يحضرني الآن وجه جمع بين هذه الأخبار إلا أن يخص كل
من هذه الأخبار المتنافية بمورده ، فتحمل أخبار التعدد إذا جامع حراما على الجماع
مرة واحدة وهذان الخبران على تعدد الجماع كما هو موردهما فإنه ليس عليه إلا كفارة
واحدة ، ولعله لمناسبة التخفيف عنه لانه متى جامع عشر مرات حراما وقلنا بان الواجب
في الحرام ثلاث كفارات كان الواجب ثلاثين كفارة وهو في غاية العسر والحرج ، فلعله
لذلك لم يجب عليه إلا كفارة واحدة. والله العالم بحقائق الأمور.
المسألة الرابعة ـ لو فعل ما تجب به الكفارة ثم سقط فرض
الصوم بسفر أو حيض أو شبهه فهل تسقط الكفارة أم لا؟ قولان ثانيهما للشيخ في الخلاف
وأكثر الأصحاب وادعى عليه في الخلاف إجماع الفرقة.
واستدل عليه بأنه أفسد صوما واجبا من رمضان فاستقرت عليه
الكفارة
كما لو لم يطرأ العذر. وبأنه أوجد
المقتضى وهو الهنك والإفساد بالسبب الموجب للكفارة فثبت الأثر ، والمعارض وهو
العذر المسقط لفرض الصوم لا يصلح للمانعية عملا بالأصل. والقول الأول حكاه المحقق
وغيره واختاره العلامة في جملة من كتبه.
واستدل عليه بان هذا اليوم غير واجب صومه عليه في علم الله
تعالى وقد انكشف لنا ذلك بتجدد العذر فلا تجب فيه الكفارة كما لو انكشف أنه من
شوال بالبينة.
أقول : يمكن تطرق الطعن الى هذا الاستدلال بأن الأحكام
الشرعية والتكاليف الواردة من الشارع إنما بنيت على الظاهر لا على نفس الأمر
والواقع ، فان الحلال والحرام والطاهر والنجس ليس إلا عبارة عن ما كان كذلك في نظر
المكلف لا عن ما كان واقعا لقولهم (عليهمالسلام) (1) : «كل شيء
فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه». وقولهم (2) «كل شيء طاهر
حتى تعلم انه قذر». ونحو ذلك. وبه يظهر قوة ما ذكره الشيخ (قدسسره).
واما القياس على انكشاف كونه من شوال فهو قياس مع الفارق
لأنه بعد انكشاف كونه من شوال لا يصدق عليه انه أفطر يوما من شهر رمضان فلا تجب
عليه كفارة ، واما في ما نحن فيه فلا خلاف في انه أفطر يوما من شهر رمضان لغير عذر
وان طرأ العذر بعد ذلك فتتناوله الأخبار الدالة على وجوب الكفارة على من كان كذلك.
وبالجملة فإن الأخبار الدالة على وجوب الكفارة على من
أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا شاملة بإطلاقها لهذه الصورة وتجدد العذر لا يصلح
لاسقاطها
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من ما يكتسب به والباب 64 من الأطعمة
المحرمة والباب 61 من الأطعمة المباحة باختلاف في اللفظ.
(2) الوسائل الباب 37 من النجاسات واللفظ «كل شيء نظيف ...».
بعد ثبوتها ، وقول ذلك القائل ـ انه
غير واجب صومه في علم الله تعالى ـ مدفوع بان الوجوب ليس مبنيا على علم الله تعالى
الذي هو عبارة عن الواقع ونفس الأمر كما عرفت.
وذكر العلامة ومن تأخر عنه ان مبنى المسألة على قاعدة
أصولية وهي ان المكلف إذا علم فوات شرط الفعل هل يجوز أن يكلف به أم يمتنع؟ فعلى
الأول تجب الكفارة وعلى الثاني تسقط.
قال في المدارك بعد نقل ذلك : وعندي في هذا البناء نظر
إذ لا منافاة بين الحكم بامتناع التكليف بالفعل مع علم الآمر بانتفاء الشرط كما هو
الظاهر وبين الحكم بثبوت الكفارة هنا لتحقق الإفطار في صوم واجب بحسب الظاهر كما
هو واضح.
ومرجعه الى عدم اندراج ما نحن فيه تحت القاعدة المذكورة
لجواز ان يكون وجوب الكفارة مبنيا على وجوب الصيام بحسب الظاهر وان قلنا انه يمتنع
التكليف في الصورة المذكورة.
وفرق بعضهم بين ما لو كان المسقط باختياره كالسفر غير
الضروري أو بغير اختياره كالحيض والسفر الضروري فأسقط الكفارة بالثاني دون الأول.
قال في المدارك : ويظهر من العلامة في مطولاته الثلاثة
والشارح (قدسسره) ان سقوط الكفارة
في هذه الصورة ـ يعني صورة ظهور كونه من شوال ـ لا خلاف فيه ، فإنهما استدلا على
سقوط الكفارة مع سقوط الفرض بسقوطها إذا انكشف كون ذلك اليوم من شوال بالبينة ،
ومقتضى ذلك كون السقوط هنا مسلما عند الجميع. انتهى.
واعترضه بعض مشايخنا المتأخرين بأن هذا غير ظاهر بل
الظاهر خلافه فان الشهيد الثاني نقل في سقوط الكفارة بالسفر أقوالا ثلاثة : الأول
ـ سقوط الكفارة بالسفر مطلقا إذا كان موجبا للقصر لتبين عدم وجوب الصوم ، الثاني ـ
عدم السقوط بذلك مطلقا لصدق فعل موجب الكفارة في صوم واجب ، الثالث ـ
الفرق بين السفر الضروري وغيره ، فظهر
ان محل الخلاف أعم من ما ذكره السيد (قدسسره). انتهى.
أقول : الظاهر ان ما نقله شيخنا المذكور عن الشهيد
الثاني مأخوذ من كتاب تمهيد القواعد فإنه غير موجود في كتاب المسالك ولا في كتاب
الروضة.
وكيف كان فالظاهر انه لو كان المكلف إنما فعل ذلك لأجل إسقاط
الكفارة بعد أن وجبت عليه فإنه لا يدخل في محل الخلاف وإلا لزم إسقاط الكفارة عن
كل مفطر باختياره ثم السفر لإسقاط الكفارة.
ويدل على ذلك صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم الحسنة على
المشهور المتقدمة في كتاب الزكاة في حديث طويل (1) قالا : «قال أبو عبد الله عليهالسلام أيما رجل كان
له مال وحال عليه الحول فإنه يزكيه. قلت فان وهبه قبل حله بشهر أو بيوم؟ قال ليس
عليه شيء أبدا. قال وقال زرارة عنه : انه قال انما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر
رمضان يوما في إقامته ثم خرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة
التي وجبت عليه. وقال انه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ولكنه لو
كان وهبا قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شيء بمنزلة من خرج ثم أفطر».
المسألة الخامسة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من
غير خلاف يعرف بان من أكره زوجته على الجماع في نهار شهر رمضان وهما صائمان فإن
عليه كفارتين ولا كفارة عليها ، ونقل المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى
الإجماع على ذلك.
والمستند فيه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن
المفضل بن عمر عن أبى عبد الله عليهالسلام (2) «في رجل أتى
امرأته وهو صائم وهي صائمة؟ فقال : ان كان استكرهها فعليه كفارتان ، وان كانت
طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة ، وان
__________________
(1) الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب والفضة.
(2) الوسائل الباب 12 من ما يمسك عنه الصائم.
كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف
الحد ، وان كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطا وضربت خمسة وعشرين سوطا».
ورواها الصدوق في الفقيه عن المفضل أيضا (1) وقال بعد
نقلها : قال مصنف هذا الكتاب (قدسسره) لم أجد ذلك
في شيء من الأصول وانما تفرد بروايته على بن إبراهيم بن هاشم.
وروى هذه الرواية أيضا الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (2).
قال المحقق في المعتبر بعد نقل الرواية المذكورة :
وإبراهيم بن إسحاق هذا ضعيف متهم والمفضل بن عمر ضعيف جدا كما ذكره النجاشي. وقال
ابن بابويه : لم يرو هذه الرواية غير المفضل. فإذا الرواية في غاية الضعف لكن
علماءنا ادعوا على ذلك إجماع الإمامية ومع ظهور القول بها ونسبة الفتوى إلى الأئمة
(عليهمالسلام) يجب العمل
بها ، ويعلم نسبة الفتوى إلى الأئمة (عليهمالسلام) باشتهارها
بين ناقلي مذهبهم كما يعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل اتباع مذهبهم وان استندت في
الأصل إلى الآحاد من الضعفاء والمجاهيل. انتهى.
قال في المدارك بعد نقل هذا الكلام : وهو جيد لو علم
استناد الفتوى بذلك إلى الأئمة (عليهمالسلام) كما علم بعض
أقوال أرباب المذاهب بنقل اتباعهم لكنه غير معلوم وإنما يتفق حصول هذا العلم في
آحاد المسائل كما يعلم بالوجدان. انتهى.
وعلى منواله نسج صاحب الذخيرة فقال بعد نقل كلام المحقق
المذكور : وفي ثبوت ما نقل إسناده إلى الأئمة (عليهمالسلام) تأمل ، وثبوت
الإسناد في خصوص بعض المسائل بنقل الأصحاب من ما لا ريب فيه لكن في كون هذه
المسألة من ذلك القبيل توقفا.
أقول : لا يخفى ان مراد المحقق (قدسسره) من هذا
الكلام هو ان الأصحاب قد ادعوا الإجماع على هذا الحكم ، ومن الظاهر ان شهرة الفتوى
بينهم بهذا
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 12 من ما يمسك عنه الصائم.
الحكم وعدم ظهور المخالف فيه موجب للعلم بكون ذلك مذهب الأئمة (عليهمالسلام) الذي يفتون به ، لانه متى علم ان
اعتماد الشيعة في الأحكام إنما هو على ما ورد عنهم (عليهمالسلام) ـ وانهم لا يفتون في الأحكام بآرائهم
ولا يستندون في شيء منها الى عقولهم ولا يعتمدون على أحد غير أئمتهم (عليهمالسلام) وانهم في العدالة والتقوى على حد
يمنعهم من الافتراء والكذب على أئمتهم (عليهمالسلام) ـ فاللازم من ذلك هو حصول العلم
العادي البتة بكون هذا الحكم الذي أجمعوا عليه مذهب أئمتهم (عليهمالسلام) وان الفتوى المستندة إليهم به صحيحة
وان كان نقلتها من المجاهيل والضعفاء كما يحصل العلم العادي من مقلدي أبي حنيفة
واتباعه بكون ما يتعاطونه وينقلونه بينهم هو مذهب أبي حنيفة وهكذا. ولكن هذا
الكلام لما كان فيه نوع طعن على هذا الاصطلاح المحدث الذي اعتمده السيد السند
وأمثاله من المتصلبين فيه أنكر (قدسسره) ومن تبعه استناد الفتوى بذلك إلى
الأئمة (عليهمالسلام).
ونقل عن ظاهر ابن ابى عقيل انه أوجب على الزوج مع
الإكراه كفارة واحدة كما في حال المطاوعة.
قال في المدارك : وهو غير بعيد خصوصا على ما ذهب إليه
الأكثر من عدم فساد صوم المرأة بذلك فينتفي المقتضي للتكفير.
أقول : لا يخفى ان نفيه البعد عن هذا القول مبنى على
إطراحه الخبر المتقدم لضعفه باصطلاحه الذي يعتمده.
واما اعتضاده بما ذهب إليه الأكثر ـ من عدم فساد صوم
المرأة بذلك ـ ففيه انه لا منافاة بين تعدد الكفارة على الزوج متى أكرهها وبين
الحكم بصحة صومها لأن تحمله كفارتها إنما ترتب على إكراهها على هذا الفعل لا على
بطلان صومها.
ونظيره ما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج من انه
متى جامع زوجته وهما محرمان بالحج فان طاوعته لزمها ما لزمه من فساد الحج ووجوب
إتمامه والحج من قابل والبدنة ، وان أكرهها فان حجها صحيح مع تعدد الكفارة عليه.
وقد صرح هو نفسه ثمة بذلك فقال بعد قول المصنف ـ ولو
أكرهها كان حجها ماضيا ـ ما لفظه : لا ريب في صحة حج المرأة مع الإكراه للأصل ولان
المكره أعذر من الجاهل ، ويدل على تعدد الكفارة عليه مع الإكراه قوله عليهالسلام في رواية على
بن أبي حمزة (1) «ان كان
استكرهها فعليه بدنتان». انتهى.
أقول : ومثل رواية على بن أبي حمزة صحيحة معاوية بن عمار
عن ابى عبد الله عليهالسلام (2) في حديث قال
فيه : «ان كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه وان كان استكرهها
فعليه بدنتان».
وبذلك يظهر لك ان تعدد الكفارة على المكره لا يترتب على
فساد حج المرأة أو صومها حتى انه يجعل حكم الأصحاب هنا بصحة صوم المرأة مستندا
للكفارة الواحدة.
فوائد
الاولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا فرق
في الزوجة بين الدائمة والمستمتع بها عملا بإطلاق النص ، وهو كذلك.
الثانية ـ الحق الشيخ بالمكرهة النائمة ، قال في المعتبر
: ونحن نساعده على المكرهة وقوفا على ما ادعاه من إجماع الإمامية ، أما النائمة
فلا لأن في الإكراه نوعا من تهجم ليس موجودا في النائمة ، ولأن ذلك ثبت على خلاف
الأصل فلا يلزم من ثبوت الحكم هناك لوجود الدلالة ثبوته هنا مع عدمها. انتهى. وهو
جيد.
الثالثة ـ لو أكره أجنبية فهل يتحمل عنها أم لا؟ قولان
قرب الأول منهما العلامة في القواعد ، واختار الثاني منهما العلامة في المنتهى
وابن إدريس والمحقق.
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من كفارات الاستمتاع.
(2) الوسائل الباب 7 من كفارات الاستمتاع.
واختاره في المدارك لاختصاص النص الوارد بالتحمل بالوطء
المحلل فينتفي في غيره بل في غير الزوجة.
واستند القائل الأول الى ان الزنى أغلظ حكما فيكون أولى
بالمؤاخذة والتكفير نوع منها.
ورد بأن الكفارة لتكفير الذنب ورفع عقابها فربما لا
تناسب الذنب الشديد لعدم تأثيرها في تخفيفه لشدته كما في تكرر قتل الصيد عمدا فإنه
لا كفارة فيه مع ثبوت الكفارة في الخطأ.
ووجه الشيخ فخر الدين في الإيضاح تقريب أبيه (قدسسرهما) في القواعد
بعموم النص وغير الرواية (1) فبدل لفظ «امرأته»
في الخبر «بامرأة» بحذف الضمير وكأنه (سهو منه) (قدسسره) لأن الموجود
في كتب الأخبار (2) وكذا في كتب
الفروع إثبات الضمير كما نقلناه.
الرابعة ـ قالوا : لو وطأ المجنون زوجته وهي صائمة فإن
طاوعته لزمتها الكفارة وان أكرهها سقطت الكفارة عنهما ، اما عنه فلعدم التكليف
واما عنها فللاكراه.
ولو اكره المسافر زوجته قيل وجبت الكفارة عليه هنا عنها
لا عنه ، واحتمل العلامة في القواعد السقوط مطلقا لكونه مباحا له غير مفطر لها.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وربما لاح من هذا
التعليل اباحة الإكراه على هذا الوجه ، وكأن وجهه انتفاء المقتضى للتحريم وهو فساد
الصوم إذ المفروض ان صومها لا يفسد بذلك. أقول : قد عرفت ما فيه.
ثم قال : والأصح التحريم لأصالة عدم جواز إجبار المسلم
على غير الحق الواجب عليه.
__________________
(1) وهي رواية سليمان بن خالد الواردة في الوسائل الباب 4 من
كفارات الاستمتاع.
(2) الفروع ج 1 ص 268 والوافي باب (غشيان النساء للمحرم) من
كتاب الحج والوسائل الباب 4 من كفارات الاستمتاع.
المسألة السادسة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بان من أفطر عامدا في شهر رمضان فان كان مستحلا غير معتقد لتحريم ذلك الفعل فهو
مرتد ان كان ممن بلغه أحكام الإسلام وقواعد الحلال والحرام ، وان لم يكن كذلك بل
كان معترفا بتحريمه فإنه يعزر فان عاد عزر فان عاد قتل في الثالثة على المشهور أو
عزر فان عاد قتل في الرابعة على القول الآخر.
ومستند الأول ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن بريد
العجلي (1) قال : «سئل
أبو جعفر عليهالسلام عن رجل شهد
عليه شهود أنه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيام؟ قال : يسئل هل عليك في إفطارك في شهر
رمضان اثم؟ فان قال لا فان على الامام ان يقتله وان قال نعم فان على الامام أن
ينهكه ضربا».
وان ادعى الشبهة قبل منه ، وعلى ذلك تحمل رواية زرارة
وابى بصير (2) قالا : «سألنا
أبا جعفر عليهالسلام عن رجل أتى
أهله في شهر رمضان أو أتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له؟ قال : ليس
عليه شيء».
ومستند الثاني ما رواه الشيخ والصدوق عن سماعة في الموثق
(3) قال : «سألته
عن رجل أخذ في شهر رمضان وقد أفطر ثلاث مرات وقد رفع الى الامام ثلاث مرات؟ قال :
فليقتل في الثالثة».
وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في
الصحيح عن يونس بن عبد الرحمن عن ابى الحسن الماضي عليهالسلام (4) قال : «أصحاب
الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة».
ومستند الثالث ما رواه الشيخ (قدسسره) عنهم (عليهمالسلام)
__________________
(1 و 3) الوسائل الباب 2 من أحكام شهر رمضان.
(2) الوسائل الباب 9 من ما يمسك عنه الصائم.
(4) الوسائل الباب 5 من مقدمات الحدود.
مرسلا (1) ان أصحاب
الكبائر يقتلون في الرابعة.
وسيأتي ان شاء الله تعالى في المقصد الثاني تتمة الكلام في ما يتعلق بالكفارات.
__________________
(1) لم أقف في كتب الحديث على هذا المرسل في مظانه. نعم في
التهذيب ج 10 ص 62 قال في ضمن كلام له : لأنا قد بينا ان أصحاب الكبائر يقتلون في
الثالثة أو الرابعة. ثم ذكر حديث يونس. ويمكن أن يكون الترديد بلحاظ ما ورد في
الزنى من قتله في الرابعة كما تقدم ذلك فيه ص 37. وقال في الاستبصار ج 4 ص 225
فإنه إذا صار كذلك ثلاث دفعات قتل في الرابعة. ويمكن أن يكون نظر الفقهاء الى
كلامه المذكور.