ج25 - كتاب الخلع والمباراة
قال في القاموس (1) : الخلع ـ كالمنع ـ : النزع إلا أن
في الخلع مهلة ـ إلى أن قال : ـ وبالضم طلاق المرأة ببذل منها أو من غيرها
كالمخالعة والتخالع. ونحوه قال الجوهري في الصحاح. (2)
وقال الفيومي في المصباح المنير (3) : خلعت النعل
وغيره خلعا نزعته ، وخالعت المرأة زوجها مخالعة إذا افتدت منه وطلقها على الفدية ،
فخلعها هو خلعا والاسم الخلع بالضم ، وهو استعارة من خلع اللباس لأن كل واحد منهما
خالع الآخر ، فإذا فعلا ذلك فكأن كل واحد نزع لباسه عنه.
ومقتضى كلامهم أنه يطلق لغة على المعنى الشرعي.
قال في شرح النافع : والظاهر أن هذا المعنى كان معروفا
قبل ورود
__________________
(1) القاموس المحيط ج 3 ص 18.
(2) الصحاح ج 3 ص 1205.
(3) المصباح المنير ص 243 وفيه «لان كل واحد منهما لباس للآخر».
الشرع ، ومقتضى كلام الفيومي في
المصباح أن الخلع بالمعنى الشرعي مأخوذ من الخلع بالفتح بمعنى النزع من حيث إن كلا
منهما لباس للآخر كما أشار إليه الآية «هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ
لَهُنَّ»
(1) وكأنه بمفارقة
أحدهما الآخر على هذه الكيفية نزع لباسه.
والمبارأة بالهمزة وقد تخفف ألفا : المفارقة. قال في
القاموس (2) : بارأه : فارقه
، والمرأة صالحها على الفراق.
وقال الجوهري (3) : تقول : بارأت شريكي إذا فارقته ، وبارأ
الرجل امرأته والمراد هنا إبانتها بعوض مقصود لازم للزوج ، ويفترقان باختصاص الخلع
بكراهتها له خاصة ، والمبارأة باشتراكهما في الكراهة وفي أمور أخر يأتي ذكرها إن
شاء الله تعالى.
قال في المسالك : واعلم أن الفرقة الحاصلة على العوض
تارة تكون بلفظ الخلع والمبارأة فيلحقها حكمهما ، وتارة تكون بلفظ الطلاق ، فيكون
طلاقا بعوض ليس بخلع ، لكن جرت العادة بالبحث عنه في كتاب الخلع ، لمناسبة له في
كونه إبانة بعوض ، لكنه يخالفه في بعض الأحكام ، فإنه طلاق محض يلحقه أحكام الطلاق
بأسرها ، ويزيد عليه العوض ، وله أحكام تخصه زيادة على أصل الطلاق سيأتي إن شاء
الله تعالى بيانها ، انتهى.
ثم إن الظاهر من كلام جل الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ أن
الخلع ليس بواجب ، وظاهر الشيخ في النهاية وجوبه متى قالت تلك الأقوال ، قال في
الكتاب المذكور : إنما يجب الخلع إذا قالت المرأة لزوجها : إني لا أطيع لك
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 187.
(2) القاموس المحيط ج 1 ص 8.
(3) الصحاح ج 1 ص 36.
أمرا ولا أقيم لك حدا ولا أغتسل لك من
جنابة ولأوطئن فراشك من تكرهه إن لم تطلقني ، فمتى سمع منها هذا القول وعلم من
حالها عصيانه في شيء من ذلك لم تنطق به وجب عليه خلعها. وتبعه أبو الصلاح وابن
البراج في الكامل وابن زهرة.
كذا نقله عنهم في المختلف ـ ثم قال : ـ لنا الأصل براءة
الذمة من وجوب الخلع ـ ثم قال : ـ احتج بأن النهي عن المنكر واجب ، وإنما يتم بهذا
الخلع فيجب ـ ثم قال : ـ والجواب المنع من المقدمة الثانية ، والظاهر أن مراد
الشيخ بذلك شدة الاستحباب.
أقول : بل الظاهر أن مراد الشيخ بالوجوب هنا إنما هو
المعنى اللغوي ، أعني الثبوت بمعنى أن ثبوت الخلع ومشروعيته متوقفة على ذلك ،
وروايات المسألة على كثرتها إنما تضمنت أنه لا يحل له خلعها حتى تقول ذلك ، بمعنى
أنه لا يشرع ولا يثبت إلا بعد هذه الأقوال. وليس في شيء منها ما يدل على الوجوب
كما توهموه ، والجميع ظاهر فيما قلناه من الحمل المذكور. وكيف كان فالكلام هنا يقع
في مقصدين :
الأول : في الخلع
والأصل فيه الآية الشريفة وهي قوله عزوجل «فَإِنْ
خِفْتُمْ أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ
بِهِ». (1)
وروى شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (2) في سبب نزل
هذه الآية أنها نزلت في بنت عبد الله بن ابي ، وكانت زوجة ثابت بن قيس ، وكان
يحبها وهي تبغضه ، فأتت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : يا رسول
الله لا أنا ولا ثابت ، ولا يجمع رأسي ولا رأسه شيء ، والله ما أعيب عليه في دين
ولا خلق ولكن أكره الكفر بعد الإسلام ما أطيعه بغضا ، إني رفعت جانب الخبإ فرأيته
أقبل في عدة ، فإذا هو أشدهم سوادا
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 229.
(2) مسالك الافهام ج 2 ص 58 وقد نقله المصنف بالمعنى. وراجع
سنن البيهقي ح 7 ص 313.
وأحقرهم قامة وأقبحهم وجها ، فنزلت
الآية «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ» الآية ، وكان
قد أصدقها حديقة ، فقال ثابت : يا رسول الله تريد الحديقة؟ فقال رسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما تقولين؟
قالت : نعم وأزيده ، فقال : لا ، حديقته فقط ، فاختلعت منه. ورواه الطبرسي في كتاب
مجمع البيان (1) ملخصا.
والظاهر أن الخبر المذكور من طريق العامة فإني لم أقف
عليه في كتب أخبارنا ، وهو مروي في كتبهم بطرق متعددة ومتون مختلفة.
إذا تقرر ذلك فاعلم أن البحث في الخلع وتحقيق الكلام فيه
يقع في الصيغة والفدية والشرائط والأحكام ، فهنا مقامات أربعة :
الأول في الصيغة :
والكلام يقع فيها في مواضع : أحدها : لا يخفى أنه
حيث كان الخلع من العقود المفيدة لابانة الزوجية بعوض مخصوص فلا بد له من صيغة
دالة عليه كغيره من نظائره ، وقد ذكروا أنه يقع ذلك بلفظ «خلعتك وخالعتك على كذا ،
وأنت أو فلانة مختلعة على كذا» مع أنه قد تقدم في الطلاق أن بعضهم يمنع من وقوعه
بلفظ «أنت مطلقة» معللا بأنه بعيد عن شبه الإنشاء ، وحكموا بانعقاد بعضها بالجملة
الاسمية كانعقاد الضمان بقوله «أنا ضامن» والهبة بقوله «هذا لك» قاصدا به الهبة.
قال السيد السند في شرح النافع ـ بعد نقل ذلك عنهم ،
ونعم ما قال ـ : وليس في هذه الأحكام أصل يتعين الرجوع إليه ولا مستند صالح يعول
عليه.
أقول : وقد تقدمه في هذا الكلام جده ـ قدسسره ـ في المسالك
حيث قال : واللفظ الصريح فيه قوله «خلعتك وخالعتك على كذا أو أنت أو فلانة مختلعة
__________________
(1) مجمع البيان ج 2 ص 329.
على كذا».
أما الأولان فواقعان بصيغة الماضي التي هي صريحة في
الإنشاء على ما تقرر وتكرر.
وأما الأخيران فلأنهما وإن لم يكونا باللفظ الماضي
لكنهما يفيدان الإنشاء بل هما أصرح فيه من الماضي المفتقر في دلالته على الإنشاء
إلى النقل إليه.
ولكن مثل هذا لم يلتزمه الأصحاب في جميع العقود اللازمة
، بل أمرهم فيه مضطرب من غير قاعدة يرجع إليها ، ولا دلالة عليه من النصوص توجبها
، وقد تقدم في النكاح والطلاق ما يخالف هذا ، وأنه لا يقع بقوله «أنت مطلقة» ونحوه
، واعتمدوا في التزامه على خبر لا يوجب ذلك الحصر كما بيناه ، ولو جوزوا في جميع
الأبواب الألفاظ المفيدة للمطلوب صريحا من غير حصر كان أولى ، انتهى وهو جيد ، وإن
خالفه فيما مضى من الأبواب السابقة ، ووافق الجماعة فيما ذهبوا إليه من هذه
المواضع التي اعترضها هنا كما يخفى على من راجع الكتاب المذكور.
وبه يظهر قوة ما ذهبنا إليه في كتاب البيع وغيره من
الكتب السابقة من عدم الانحصار في لفظ خاص ولا صيغة خاصة ، بل كل ما أفاد المطلوب
فإنه كاف في هذا المقام ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يزيده تأييدا ويوضحه تأكيدا
، في حديث جميل من حكاية خلع ذلك الرجل لابنته من زوجها.
وعلى هذا فكما يقع الخلع بالألفاظ المتقدمة كذا يقع
بقوله «أنت طالق على كذا».
وقد صرح بذلك جملة من الأصحاب أيضا ، منهم الشيخ في
المبسوط حيث قال على ما نقل عنه : فأما إذا كان الخلع بصريح الطلاق كان طلاقا بلا
خلاف ومنهم العلامة حيث قال في الإرشاد : الصيغة وهي : خلعتك على كذا أو أنت أو
فلانة مختلعة على كذا أو أنت طالق على كذا. ونحوه قال في القواعد والتحرير.
وفيه دلالة على أن الطلاق بعوض من أقسام الخلع تترتب
عليه أحكامه ،
وسيأتي تحقيق المسألة في محلها.
وحيث قد عرفت مما تقدم في صدر الكلام أن الخلع من قبيل
المعاوضات فلا بد فيه من القبول من المرأة إن لم يسبق سؤالها ذلك ، ويعتبر
تعاقبهما بحيث يكون أحدهما جوابا عن الآخر ، فإن تقدم التماسها بقولها : طلقني
بألف مثلا اعتبر كونه جوابا على الفور بحيث لا يتخلله زمان يوجب عدم ارتباط الجواب
بالسؤال ، وإن تقدم لفظه فقال : خالعتك على كذا اعتبر قبولها عقيب كلامه كذلك ،
ولو قال : خلعتك على كذا ولم يتعقبه قبولها على الفور فقد صرحوا بأن الأظهر بطلان
الطلاق ، لأن الطلاق بالعوض لم يقع لانتفاء شرطه ، والطلاق المجرد غير مقصود بل
ولا مدلول عليه باللفظ ، لأن الكلام لا يتم إلا بآخره ، كذا أفاده السيد السند ـ قدسسره ـ في شرح
النافع.
والظاهر أنه على هذا النهج كلام غيره من الأصحاب ، ولم
أقف في النصوص على ما يدل عليه ، ولا يهدي بوجه من الوجوه إليه ، وغاية ما يستفاد
منها أنه إذا قالت المرأة تلك الأقوال الدالة على البغض والكراهة لزوجها حل له أن
يخلعها.
نعم في بعضها ما ربما يشير إلى ما ذكره من سؤالها ذلك.
وأما وجوب القبول منها بعد تقدم كلامه وقوله : خلعتك على كذا وكون ذلك على الفور
وإلا بطل ، فلم أقف فيه على نص.
وما ذكرنا من البغض الذي يشير إلى سؤالها هو ما رواه في
الكافي (1) عن محمد بن
مسلم في الحسن أو الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المختلعة
التي تقول لزوجها : اخلعني وأنا أعطيك ما أخذت منك ، فقال : لا يحل له أن يأخذ
منها شيئا حتى تقول : والله لا أبر لك قسما ولا أطيع لك أمرا ولآذنن في بيتك بغير
إذنك ولأوطئن فراشك غيرك ، فإذا فعلت ذلك من غير أن يعلمها حل له ما أخذ منها»
الحديث.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 140 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 488 ب 1 ح 4 وفيه
اختلاف يسير.
وعن أبي الصباح الكناني (1) عن أبى عبد
الله عليهالسلام قال : «إذا
خلع الرجل امرأته فهي واحدة بائن وهو خاطب من الخطاب ، ولا يحل له أن يخلعها حتى
تكون هي التي تطلب ذلك منه من غير أن يضربها ، وحتى تقول : لا أبر لك قسما ولا
أغتسل لك عن جنابة ولأدخلن بيتك من تكره ولأوطئن فراشك ولا أقيم حدود الله فيك ، فإذا
كان هذا منها فقد طاب له ما أخذ منها».
والرواية الأولى غير ظاهرة الدلالة ، لأن الظاهر أن
الكلام الأول إنما هو من السائل ، وكلام الامام عليهالسلام خال من ذلك.
نعم الرواية الثالثة ظاهرة في طلبها ذلك منه ، لكن لا
دلالة فيها على أزيد من توقف المنع على طلبها ذلك مع قولها لتلك الأقوال القبيحة ،
ولا دلالة فيها على وقوع الخلع على أثر هذا القول ، بحيث لا يفصل بينهما بزمان ،
بل الظاهر إنما هو خلاف ذلك ، بمعنى أن صحة الخلع متوقف على طلبها ذلك وقولها تلك
الأقوال ، وحينئذ فيحل خلعها سواء كان في ذلك المجلس أو غيره وفي ذلك اليوم أو
بعده ، هذا ظاهر الخبر المذكور.
وكذا ظاهر الخبر الأول لو فرضنا ذلك الكلام الأول من
كلامه عليهالسلام فإنه يرجع إلى
هذا الخبر ، ولم أقف على غيرهما مما يتعلق بهذا الكلام الذي ذكره وظاهر كلامه أنهم
بنوا الأمر فيما ذكروه على ما صرحوا به من أن الخلع من قبيل المعاوضات. إلى آخر ما
تقدم ، وهو من التعليلات الاعتبارية التي لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.
الثاني : اختلف
الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ في صيغة الخلع إذا وقعت بلفظ الخلع من الصيغ
المتقدمة ونحوها هل يجب اتباعها بلفظ الطلاق ، أم تكفي وحدها؟ قولان.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 140 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 488 ب 1 ح 6 وفيه
اختلاف يسير.
وإلى الثاني ذهب المرتضى ـ رضياللهعنه ـ في المسائل
الناصرية فقال : إن الخلع إذا تجرد عن لفظ الطلاق بانت به المرأة وجرى مجرى الطلاق
، ونحوه قال ابن الجنيد ، حيث صرح بأنه ليس عليه أن يقول : قد طلقتك إذا قال : قد
خالعتك. وإلى هذا القول مال العلامة في المختلف والتحرير والشهيد في شرح الإرشاد ،
ونقله في المختلف عن ظاهر الشيخ المفيد والصدوق وابن أبي عقيل وسلار وابن حمزة ،
واعتمده السيد السند في شرح النافع وقبله جده ، والظاهر أنه المشهور ، وإلى الأول
ذهب الشيخ في كتابي الأخبار ، وتبعه ابن البراج في المهذب وابن إدريس ، وهو الظاهر
من كلام أبي الصلاح ، واختاره الشهيد في اللمعة.
وظاهر المحقق في كتابيه التوقف في المسألة ، حيث إنه قال
في الشرائع وهل تقع مجردة؟ المروي نعم ، وقال الشيخ : لا تقع حتى تتبع بالطلاق.
ونحوه في المختصر حيث قال : وهل يقع بمجرده ، قال علم الهدى : نعم ، وقال الشيخ :
لا ، حتى يتبع بالطلاق ، انتهى.
وأنت خبير بأن اقتصاره على مجرد نقل القولين كما في
المختصر أو نسبة أحدهما إلى الرواية كما في الشرائع ظاهر فيما قلناه.
والأصل في هذا الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة عنهم عليهمالسلام في هذا المقام
فالواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة ، ثم الكلام فيها بما وفق الله
سبحانه لفهمه منها ببركة أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام.
فمن الأخبار الدالة على القول الثاني ما رواه الصدوق (1) في الصحيح عن
حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «عدة
المختلعة عدة المطلقة ، وخلعها طلاقها ، وهي تجزي من غير أن يسمى طلاقا». (2).
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 338 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 491 ب 3 ح 4.
(2) أقول : ما دلت عليه هذه الرواية من اشتراط كون الخلع عند
السلطان مذهب ابن الجنيد ، والمشهور بين أصحابنا خلافه ، والرواية المذكورة حملها
العلامة ـ رحمهالله عليه ـ في المختلف على الاستحباب ، وهو
جيد (منه ـ رحمهالله ـ).
وما رواه الشيخ (1) عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «لا
يكون الخلع حتى تقول : لا أطبع لك أمرا ولا أبر لك قسما ولا أقيم لك حدا فخذ مني
وطلقني فإذا قالت ذلك فقد حل له أن يخلعها بما تراضيا به من قليل أو كثير ، ولا
يكون ذلك إلا عند سلطان ، فإذا فعلت ذلك فهي أملك بنفسها من غير أن يسمى طلاقا».
وعن سليمان بن خالد (2) في الصحيح قال : «قلت : أرأيت إن هو
طلقها بعد ما خلعها ، أيجوز عليها؟ قال : قال : ولم يطلقها وقد كفاه الخلع؟ ولو
كان الأمر إلينا لم نجز طلاقها».
وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع (3) في الصحيح قال
: «سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن المرأة
تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع هل تبين منه بذلك؟ أو
هي امرأته ما لم يتبعها بالطلاق؟ فقال : تبين منه ، وإن شاءت أن يرد إليها ما أخذ
منها وتكون امرأته فعلت ، فقلت : إنه قد روي أنه لا تبين منه حتى يتبعها بطلاق ،
قال : ليس ذلك إذا خلعا ، فقلت : تبين منه؟ قال : نعم».
وما رواه في الكافي (4) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع في
الصحيح قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن المرأة
تباري زوجها أو تختلع منه بشاهدين على طهر من غير جماع ، هل تبين منه؟ فقال : أما
إذا كان على ما ذكرت فنعم ، قال : قلت : قد روي لنا أنها من لا تبين منه يتبعها
بالطلاق ، قال : فليس تلك إذا خلعا فقلت : تبين منه؟ قال : نعم».
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 98 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 493 ب 3 ح 10 وص
495 ب 4 ح 5 وفيهما «تراضيا عليه».
(2) التهذيب ج 8 ص 99 ح 12 ، الوسائل ج 15 ص 492 ب 3 ح 8
وفيهما «قال يطلقها» و «لم نجز طلاقا».
(3) التهذيب ج 8 ص 98 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 492 ب 3 ح 9
وفيهما اختلاف يسير.
(4) الكافي ج 6 ص 143 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 492 ب 3 ح 9 وفيهما
اختلاف يسير.
وأما ما يدل على القول الأول فمنها ما رواه في الكافي (1) عن موسى بن
بكر عن العبد الصالح عليهالسلام قال : «قال
علي عليهالسلام : المختلعة
يتبعها بالطلاق ما دامت في العدة».
قيل (2) المراد بالعدة هنا عدة الطهر ، أي لو
حاضت بعد الخلع قبل الطلاق لم يجز بل ينتظر الطهر.
وما رواه الشيخ في التهذيب (3) عن موسى بن
بكر عن أبي الحسن الأول عليهالسلام قال : «المختلعة
يتبعها الطلاق ما دامت في عدتها».
هذا ما حضرني من أخبار المسألة المذكورة.
قال ثقة الإسلام في الكافي (4) : حميد بن
زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن جعفر بن سماعة أن جميلا شهد بعض أصحابنا وقد
أراد أن يخلع ابنته من بعض أصحابنا ، فقال جميل : ما تقول؟ رضيت بهذا الذي أخذت
وتركتها؟ فقال : نعم ، فقال لهم جميل : قوموا ، فقالوا : يا أبا علي ليس تريد
يتبعها بالطلاق؟ فقال : لا ، قال : وكان جعفر بن سماعة يقول : يتبعها الطلاق ما
دامت في العدة ، ويحتج برواية موسى بن بكر عن العبد الصالح. نقل الرواية كما
قدمناه.
وقال الشيخ في التهذيبين (5) : الذي أعتمده
في هذا الباب وافتي به أن المختلعة لا بد فيها من أن تتبع بالطلاق ، وهو مذهب جعفر
بن سماعة والحسن بن سماعة وعلي
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 141 ذيل ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 490 ب 3 ح 1 وفيهما
«يتبعها الطلاق».
(2) القائل هو صاحب الوسائل ـ رحمهالله.
(3) التهذيب ج 8 ص 97 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 492 ب 3 ح 5 وفيه «ما
دامت في عدة».
(4) الكافي ج 6 ص 141 ح 9 وفيه اختلاف يسير.
(5) التهذيب ج 8 ص 97.
ابن رباط وابن حذيفة من المتقدمين ،
ومذهب علي بن الحسين من المتأخرين (1) ـ إلى أن قال : ـ واستدل من ذهب إليه
من أصحابنا المتقدمين بقول أبي عبد الله عليهالسلام : لو كان
الأمر إلينا لم نجز إلا طلاق السنة.
واستدل الحسن بن سماعة وغيره بأن قالوا : أنه قد تقرر
أنه لا يقع الطلاق بشرط ، والخلع من شرطه ، وأن يقول الرجل : إن رجعت فيما بذلت
فأنا أملك ببضعك ، وهذا شرط ، فينبغي أن لا يقع به فرقة.
واستدل أيضا ابن سماعة بما رواه عن الحسن بن أيوب عن ابن
بكير عن عبيد بن زرارة (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «ما
سمعت مني يشبه قول الناس فيه التقية ، وما سمعت منى لا يشبه قول الناس فلا تقية
فيه».
ثم حمل ما خالف ذلك مما يدل على أنه لا يحتاج إلى أن
يتبع بطلاق على التقية لموافقتها لمذاهب العامة.
قال السيد السند ـ قدسسره ـ في شرح
النافع بعد أن نقل عن الشيخ العمل برواية موسى بن بكر المتقدمة ، وأنه أجاب عن
الأخبار المتقدمة بالحمل على التقية لأنها موافقة لمذهب العامة ما لفظه : وهذا
الحمل إنما يتم مع تعارض الروايات وتكافئها من حيث السند ، والأمر هنا ليس كذلك ،
فإن الأخبار المتقدمة مع صحتها وسلامة أسانيدها مستفيضة جدا ، وما احتج به الشيخ
رواية واحدة ورواها موسى بن بكر ، وهو واقفي غير موثق ، فكيف يعمل بروايته ويتركها
الأخبار الصحيحة الدالة على خلافه؟
__________________
(1) وقال بعد قوله من المتأخرين : وأما الباقون من فقهاء
أصحابنا المتقدمين فلست أعرف لهم فتيا في العمل به ، ولم ينقل عنهم أكثر من
الروايات التي ذكرناها وأمثالها ، ويجوز أن يكونوا رووها على الوجه الذي نذكر فيما
بعد ، وان كان فتياهم وعملهم على ما قلناه ، انتهى (منه ـ قدسسره ـ).
(2) التهذيب ج 8 ص 98 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 492 ب 3 ح 7 وفيه «ما
سمعته منى».
ما هذا إلا عجب من الشيخ (1) ، ومع ذلك
فهذه الرواية متروكة الظاهر لتضمنها أن المختلعة يتبعها بالطلاق ما دامت في العدة
، والشيخ لا يقول بذلك ، بل يعتبر وقوع الطلاق بعد تلك الصيغة بغير فصل ، فما تدل
عليه الرواية لا يقول به ، وما يقول به لا تدل عليه الرواية ، انتهى.
أقول : أما ما اعترض به من الوجه الأول فهو غير موجه كما
أسلفنا لك تحقيقه في غير موضع مما تقدم من الشيخ وأمثاله من المتقدمين الذين لا
أثر لهذا الاصطلاح عندهم ، وأن جميع الأخبار المروية في الأصول المعتمدة كلها
صحيحة إلا ما استثني مما نبهوا عليه ، وصحة الأخبار عندهم ليست بالأسانيد كما عليه
اصطلاح المتأخرين ، وإنما هو بالمتون ، وما دلت عليه الأخبار بموافقته للكتاب
والسنة وروايته في الأصول المعتمدة ونحو ذلك ، ولا ريب أنه على هذا التقدير من
الحكم بصحة جميع هذه الروايات ، فإنه مع اختلافها يجب الجمع بينها ، ومن القواعد
المقررة عن أصحاب العصمة عليهمالسلام وإن ألغوها
وضربوا عنها صحفا في جميع المواضع عرض الأخبار عند الاختلاف على مذهب العامة ،
والأخذ بخلافه ، وقد استفاضت بذلك الأخبار ، ويؤكدها الحديث المنقول هنا في كلام
الشيخ ، وهو خبر عبيد ابن زرارة ، وتلك الأخبار الكثيرة الموافقة لمذهب العامة ،
وحينئذ فيجب حملها على التقية ، عملا بالقاعدة المذكورة ، وكثرتها وصحة أسانيدها
لا ينافي حملها على التقية إن لم يؤكد.
وبالجملة فإن كلام هذا الفاضل إنما يتمشى ويتم بناء على
هذا الاصطلاح المحدث الذي بنوا عليه ، وأما على مذهب المتقدمين فلا ، كما هو ظاهر
لكل ناظر ، وبذلك يظهر لك أن تعجبه من الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ مقلوب عليه.
نعم ما ذكره من الوجه الثاني متجه ، إلا أن الظاهر من
كلام صاحب
__________________
(1) أقول : وأعجب من ذلك ما يوجب ذلك وهل هو الا رد لاخبارهم عليهمالسلام المستفيضة بذلك ، نعوذ بالله من زلات
الاقدام وهفوات الأقلام. (منه ـ قدسسره ـ).
الكافي ونقله ذلك أيضا عن جعفر بن
سماعة أن الطلاق الذي يوجبونه بعد الخلع لا يشترطون فيه ما ذكره الشيخ وأتباعه من
إلحاقه بالصيغة ، بل يكتفي بوقوعه في العدة أي وقت كان ، وهذا إشكال آخر في
المسألة أيضا ، وظاهر كلام الشيخين المتقدمين أن هذا الاختلاف الذي دلت عليه هذه
الأخبار كان موجودا بين أصحاب الأئمة عليهمالسلام ، وأن بعضهم
مثل جميل كان يقول بعدم وجوبه. والاكتفاء بمجرد صيغة الخلع ، وتلك الجماعة الذين
ذكرهم الشيخ يقولون بوجوب ذلك.
وبالجملة فالظاهر أنه إن ثبت أن مذهب العامة الاقتصار
على صيغة الخلع كما ادعاه الشيخ وابن سماعة فحمل تلك الأخبار على التقية غير بعيد
، إلا أن الظاهر من صحيحة سليمان بن خالد (1) المتقدمة إنما هو العكس ، فإنه عليهالسلام بعد أن أفتى
بالاكتفاء بمجرد الخلع وأنه لا ضرورة إلى الأتباع بالطلاق قال «ولو كان الأمر
إلينا لم نجز طلاقها». فإنه ظاهر كما ترى في أن الاتباع بالطلاق إنما أجازوه تقية
، ولو كان الأمر رجع إليهم لم يجيزوا الطلاق هنا ، بل اكتفوا بالخلع ، وكيف كان
فالمسألة عندي لا تخلو من شوب الاشكال ، وللتوقف فيها مجال ، والله العالم بحقيقة
الحال.
ثم إنه لا يخفى أن ما اشتملت عليه حديث جميل المتقدمة
نقله عن الكافي من الاكتفاء في وقوع الخلع بالسؤال من الزوج بقوله «رضيت بهذا الذي
أخذت وتركتها؟ فقال : نعم» أظهر ظاهر في دفع ما ذكره أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ
في هذا المقام من الشروط في الصيغة ، ووجوب سؤال المرأة أولا الخلع أو قبولها بعده
، ونحو ذلك ، وأن دائرة الأمر في هذا العقد وغيره أوسع من ذلك مضافا إلى إطلاق
الأخبار الواردة في المسألة حيث لا إشعار في شيء منها بما
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 99 ح 12 ، الوسائل ج 15 ص 492 ب 3 ح 8.
ذكروه. (1)
وبذلك يظهر لك ما في قولهم إن حقيقة الخلع هو قول الزوج
ذلك مع سؤال المرأة أو قبولها ، لأن السبب لا يتم إلا بهما فيكون مركبا منهما.
قالوا : ويمكن أن يكون سؤالها شرطا في صحته ، فإن فيه أن
غاية ما يفهم من أخبار المسألة أنه لا بد من تحقق ذلك من المرأة ، وأما أنه يجب
حال الصيغة وقول الزوج خلعتك على كذا مقدما أو مؤخرا بحيث تكون الصيغة الموجبة
للخلع مركبة منهما أو أنه شرط في الصحة فلا دليل عليه بوجه كما أسلفنا ذكره في
الموضع الأول.
الثالث : أنه على
تقدير الاجتزاء بلفظ الخلع من غير اتباع له بالطلاق هل يكون ذلك فسخا أو طلاقا؟
المرتضى ـ رحمة الله عليه ـ والأكثر على الثاني ، والشيخ على الأول.
والأظهر ما ذهب إليه الأكثر للنصوص الصريحة فيه كقوله عليهالسلام في صحيحة
الحلبي (2) المتقدمة «وخلعها
طلاقها». وقول أبي عبد الله عليهالسلام في صحيحة
الحلبي أو.
__________________
(1) بل الظاهر منها انما هو حصول ذلك مجردا من مثل هذا الكلام
، مثل صحيحة الحلبي أو حسنته عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : «المختلعة لا يحل خلعها حتى تقول
لزوجها : والله لا أبر لك قسما ولا أطيع لك أمرا ـ الى أن قال : ـ فإذا قالت
المرأة ذلك حل له ما أخذ منها ، فكانت هذه على تطليقتين باقيتين ، وكان الخلع
تطليقة ، وقد يكون الكلام من عندها». وظاهرها أنه بمجرد هذا القول الموجب للكراهة
وبذل ما اتفق عليه يحل ذلك له ، ويحصل الخلع بمجرد ذلك من غير صيغة في البين أزيد
مما وقع ، وعلى هذا النهج ما في أمثال هذه الرواية من روايات المسألة كما لا يخفى
على المتأمل فيها ، ولا ينافي ذلك قوله في صدر الرواية «المختلعة لا يحل خلعها حتى
تقول. إلخ» إذ لا اشعار فيه بالصيغة الخاصة ، بل المراد منه الحكم انما هو أن
المرأة التي تريد فراقها بائنا وهي المسماة شرعا بالمختلعة لا يحل فراقها على هذا
النحو المخصوص الا بعد القول المذكور.
(منه ـ قدسسره ـ).
(2) الوسائل ج 15 ص 491 ب 3 ح 4.
حسنته (1) «فإذا قالت
المرأة ذلك لزوجها حل له ما أخذ منها ، وكانت عنده على تطليقتين باقيتين ، وكان
الخلع تطليقة». وقوله عليهالسلام في صحيحة محمد
بن مسلم أو حسنته (2) «فإذا فعلت ذلك
من غير أن يعلمها حل له ما أخذ منها وكانت تطليقة بغير طلاق يتبعها ، وكانت بائنا
بذلك» الخبر.
وفي خبر أبي الصباح الكناني (3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «إذا خلع الرجل
امرأته فهي واحدة بائن ، وهو خاطب من الخطاب».
وفي رواية أبي بصير (4) عنه عليهالسلام «فإذا قالت
المرأة لزوجها ذلك حل خلعها وحل لزوجها ما أخذ منها ، وكانت عنده على تطليقتين
باقيتين ، وكان الخلع تطليقة». إلى غير ذلك من الأخبار ، وهي كما ترى صريحة في
المراد عارية عن وصمة الإيراد.
احتج في المختلف للشيخ وأتباعه بأنها فرقة عريت عن صريح
الطلاق ونيته فكانت فسخا كسائر الفسوخ ، ثم أجاب عنه بأن لا استبعاد في مساواته
للطلاق ، وقد دل الحديث عليه فيجب المصير إليه ، انتهى.
وبالجملة فإنه لا ريب في ضعف القول المذكور بعد ما عرفت
من تكاثر الأخبار بالقول الآخر ، ويتفرع على القولين عد الخلع في الطلقات المحرمة
وعدمه ، فعلى القول بأنه فسخ لا يعد منها أو يجوز تجديد النكاح والخلع من غير حصر
ولا احتياج إلى محلل في الثلاث ، وعلى القول بأنه طلاق تترتب عليه أحكام الطلاق ،
وهذا هو المستفاد من الأخبار المتقدمة الدالة على كونها عنده بعد الخلع على
تطليقتين باقيتين ، وأن الخلع تطليقة.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 139 ح 1 وفيه اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص
491 ب 3 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 140 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 491 ب 3 ح 3 وفيهما
اختلاف يسير.
(3) الكافي ج 6 ص 140 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 488 ب 1 ح 6 وفيهما
اختلاف يسير.
(4) الكافي ج 6 ص 141 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 96 ح 5 ، الوسائل ج
15 ص 489 ب 1 ح 7.
الرابع : اعلم أنه قد تكرر في كلام الأصحاب ـ رضوان الله
عليهم ـ ذكر طلاق الفدية والطلاق بعوض ، وأنه تقع به البينونة كما تقع بالخلع ،
ولم أقف في الأخبار على أثر لهذا الفرد ، والموجود فيها إنما هو الخلع والمبارأة.
إلا أن ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف إلا من شيخنا
الشهيد الثاني أنه هذا الفرد الذي ذكروه لا يخرج عن الخلع أو المبارأة ، فهو أمر
كلي شامل لكل منهما ، فهو أعم من كل منهما ، وليس بخارج عنهما ، بل هو منحصر فيهما
لا وجود له في مادة غيرهما لاشتراطه بالكراهة المشترطة فيهما ، فإن كانت من الزوجة
خاصة فهو خلع ، وإن كانت منهما معا فهو مباراة ، ولما كان أعم من كل منهما فهو لا
ينصرف إلى واحد منهما إلا بالنية والقصد واجتماع شرائط ذلك المقصود ، فحيث يطلق
فإن قصد به الخلع واجتمعت شرائطه وقع خلعا ، وإن قصد به المبارأة واجتمعت شرائطها
وقع مباراة ، ومع الإطلاق يقع البينونة به ويجوز انصرافه إلى ما اجتمع شرائطه
منهما ، ولو انتفت شروط كل منهما كما لو انتفت الكراهة بالكلية فهل يقع باطلا من
أصله أو صحيحا رجعيا؟ قولان ، يأتي الكلام فيهما إن شاء الله تعالى.
ولم نقف على خلاف لما ذكرناه في كلام الأصحاب إلا لشيخنا
المتقدم ذكره ، فإنه ذهب إلى أن الطلاق بعوض ـ وهو طلاق الفدية ـ خارج عن الخلع
والمبارأة لاشتراطهما بالكراهة وعدم اشتراطه بها ، فعنده تحصل البينونة وإن لم يكن
ثمة كراهة. ولم يسبق إليه غيره سابق ولا لحقه فيه لاحق من أصحابنا ـ رضوان الله
عليهم ـ وادعى دلالة الأخبار عليه ، مع أنها في الدلالة على خلافه أوضح ، ويأتي
على قوله المذكور أن الطلاق بعوض من غير كراهة بالكلية تقع به البينونة وقد صرح
بما ذكرناه عنه في غير موضع من شرحه المسالك.
وفي شرح اللمعة قال ـ قدسسره ـ في شرح قول المصنف في الشرائع «ويقع الطلاق من الفدية بائنا وإن انفرد عن لفظة الخلع» ما صورته : إذا وقع الطلاق مع الفدية به سواء كان بلفظ الخلع وقلنا إنه طلاق أن أتبع به أو بلفظ الطلاق وجعله بعوض فإنه يقع بائنا لا رجعيا للنصوص الدالة عليه ، وقد تقدم بعضها ـ إلى أن قال : ـ واعلم أنه مع اشتراك الخلع والطلاق بعوض في هذا الحكم يفترقان بأن الخلع مختص بحال كراهة الزوجة له خاصة كما انفردت المبارأة بكون الكراهة منهما ، واشتراط كون العوض بقدر ما وصل إليها ، بخلاف الطلاق بالعوض فإنه لا يشترط فيه شيء من ذلك ، وقال أيضا في شرح قول المصنف في الشرائع «فلو خالعها والأخلاق ملتئمة لم يصح الخلع ولا يملك الفدية به. ولو طلقها والحال هذه بعوض لم يملك العوض وصح الطلاق وله الرجعة» ما لفظه : أما بطلان الخلع فلما تقدم من اشتراط صحته بكراهتها له ، فبدون الكراهة يقع باطلا لفقد شرطه. وأما الطلاق بعوض فمقتضى كلام المصنف والجماعة كونه كذلك لاشتراكهما في المعنى ـ إلى أن قال : ـ وهذا إن كان إجماعا فهو الحجة ، وإلا فلا يخلو من إشكال ، لأن النصوص إنما دلت على توقف الخلع على الكراهة ، فظاهر حال الطلاق بعوض أنه مغاير له وإن شاركه في بعض الأحكام ، انتهى.
وقال في مبحث المبارأة في شرح قول المصنف «ولو اقتصر على
قوله أنت طالق بكذا صح وكان مباراة ، إذ هي عبارة عن الطلاق بعوض مع منافاة بين
الزوجين» فقال ـ قدسسره ـ بعد كلام في
المقام : وظاهر كلامهم انحصاره يعني الطلاق بعوض فيهما يعني الخلع والمبارأة ،
واعتبار مراعاة الحال فيه ، وعندي فيه نظر ، وقد تقدم الكلام على مثله في الخلع ،
ولو قيل بصحته مطلقا حيث لا يقصد به أحدهما كان وجها لعموم الأدلة على جواز الطلاق
مطلقا وعدم وجود ما ينافي ذلك في خصوص البائن ، انتهى.
وقال في الروضة : ولو أتى بالطلاق مع العوض فقال أنت
طالق على كذا مع سؤالها أو قبولها بعده كذلك أغنى عن لفظ الخلع وأفاد فائدته ولم
يفتقر إلى ما يفتقر إليه الخلع من كراهتها له خاصة ، لأنه طلاق بعوض لا خلع ،
انتهى.
أقول ـ وبالله تعالى التفهم لنيل كل مقصود ومأمول ـ : إن
ما ذكره ـ قدسسره ـ في هذا
المقام منظور فيه من وجوه :
الأول : قوله عزوجل «وَلا
يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّا أَنْ يَخافا
أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا
جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ». (1)
والتقريب في الآية المذكورة أنها صريحة الدلالة واضحة
المقالة في عدم حل أخذه الفدية من المرأة إلا مع خوف عدم إقامة حدود الله سبحانه ،
بأن يظهر لزوجها ما يدل على البغض والكراهة والنفرة منه ، وأنه إن لم يطلقها
ارتكبت في حقه تلك الأفعال المحرمة كما سيأتي ذكرها في الأخبار الآتية إن شاء الله
تعالى ، وقضية ذلك أنه لا يجوز للزوج أخذ الفدية في الطلاق بعوض كالخلع إلا مع
الكراهة ، ومع عدمها فلا يحل شيء من ذلك ، ولا يقع الطلاق بائنا كما سيأتي
التصريح به في النصوص أيضا.
ولو قيل بأن الآية مفسرة في الأخبار بالخلع وأنه السبب
في نزولها فلا تتناول الطلاق بعوض.
قلنا : قد عرفت فيما تقدم أن الرواية الدالة على سبب
النزول إنما هي من طريق العامة ، فلا تقوم حجة ، ومع تسليم ورودها من طرقنا لا تدل
على الاختصاص إذ العبرة بعموم اللفظ ، وإن كان الخلع أحد من أفرادها ، ولا ريب في
دخول المبارأة تحت الآية المذكورة ، بل ظهور الآية فيها أقوى لما تضمنه من إسناد
عدم إقامة الحدود إليهما معا ، وذلك إنما هو من شروط المبارأة ، ومن ثم حملها
المحقق الأردبيلي في آيات الأحكام على المبارأة خاصة ، وهو وإن كان له وجه إلا أن
كلام جملة المفسرين وتؤيده الأخبار على العدم.
وبالجملة فالنظر في الآية إلى عموم اللفظ ، والاستدلال
إنما وقع من هذه
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 229.
الجهة وهي مما لا ريب فيه ولا إشكال
يعتريه ، والتخصيص يحتاج إلى دليل وليس فليس.
الثاني : الأخبار الدالة على أنه لا يحل للزوج أن يأخذ
من الزوجة شيئا إلا أن تتعدى عليه بذلك الكلام القبيح الدال على كراهتها له ،
وأنها لا تبين منه إلا إذا كان أخذ الفدية على هذا الوجه.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إذا
قالت المرأة لزوجها جملة «لا أطيع لك أمرا» مفسرة أو غير مفسرة حل له ما أخذ منها
، وليس له عليها رجعة». دلت الرواية بمفهوم الشرط الذي هو حجة عند المحققين ،
وعليه دلت الأخبار على أنه مع عدم القول المذكور الدال على الكراهة لا يحل له أخذ
شيء منها ، وله الرجعة عليها ، وهو المطلوب.
الثالث : عدم الدليل على ما ذكره ، وهو دليل العدم كما
تقرر في كلامهم لأن الأصل في الطلاق أن يكون رجعيا إلا ما قام الدليل فيه على
البينونة به ، ولا دليل هنا على ثبوت البينونة بهذا الطلاق المجرد عن الكراهة وإن
بذلت له مالا بل إما أن يقع باطلا من أصله كما هو أحد القولين أو رجعيا كما هو
القول الآخر ، والأخبار الدالة على البينونة في هذا المقام منحصرة في الخلع
والمبارأة ولم يصرح في شيء منها بطلاق الفدية ولا طلاق العوض الذي هو محل البحث
كما توهمه من دلالة الأخبار على هذا الفرد ، فإنه لا وجود لهذه التسمية في الأخبار
بالكلية.
نعم لما كان المعتبر في الخلع والمبارأة بعد اجتماع شرائط
كل منهما ما يدل من الألفاظ على المعنى الذي يدل عليه أحد ذينك اللفظين من غير
اختصاص بهما جوزنا لفظ الطلاق في كل منهما ، فكما يقع الخلع بقوله خلعتك على كذا
كذلك بقوله طلقتك على كذا ، وهكذا في المبارأة ، وقد مر إلى ذلك الإشارة بما
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 141 ح 6 ، الفقيه ج 3 ص 339 ح 4 ، التهذيب ج
8 ص 97 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 487 ب 1 ح 1.
الرابع : عبارات الأصحاب في هذا الباب ، فإنها متفقة
النظام واضحة الانسجام على تخصيص البينونة (1) وحل الفدية بالكراهة ، وأنه مع عدمها
فلا تحل الفدية ولا تبين منه.
ومنها عبارة المحقق في الشرائع المتقدمة قريبا ، ونحوها
عبارة العلامة في القواعد حيث قال : ولو خالعها والأخلاق ملتئمة لم يصح الخلع ولم
يملك الفدية ولو طلقها حينئذ بعوض لم يملكه ، ووقع رجعيا. ونحوه في التحرير
والإرشاد والتلخيص.
وقال في كتاب نهج الحق وكشف الصدق : ذهبت الإمامية إلى
أنه إذا كانت الأخلاق ملتئمة بين الزوجين والحال عامرة ، فبذلت له شيئا على طلاقها
لم يحل له أخذه ، وخالف أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، وقد خالفوا قول الله
تعالى «وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ
شَيْئاً إِلّا أَنْ يَخافا أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ» وقد قال تعالى «فَإِنْ
خِفْتُمْ أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ
بِهِ»
انتهى.
وقد صرح ابن إدريس في تفسيره المنتخب من تفسير الشيخ ـ طاب
ثراهما ـ بعدم جواز أخذ الفدية بدون خوف عدم إقامة الحدود مطلقا.
وقال في كتاب الحاوي : واعلم أن المدار في جواز الفراق
بالفدية على كراهة الزوجة منفردة أو مجامعة ، فإن انفردت بها جازت الزيادة على
المهر ، وصح ـ على قول ـ تجرد صيغة الخلع عن الطلاق ، وسمي خلعا وإن يتلفظ به ،
__________________
(1) بمعنى أن الطلاق من حيث هو لا يوجب البينونة إلا بانضمام
أمر من خارج ، والا فإنه متى طلق فله الرجوع ما لم تخرج من العدة لأنها تلك المدة
باقية على حكم الزوجية ، وهذه قاعدة مسلمة متفق عليها نصا وفتوى. (منه ـ قدسسره ـ).
وإن كانت من الزوجين لم يجز الزيادة
وتعينت صيغة المبارأة ، وسمي مباراة وإن لم يتلفظ بها أو طلق بزائد على المهر وقعت
البينونة ولم تلزم الزيادة ، فإن انفرد بها الزوج أو كانت الأخلاق ملتئمة حرمت
الفدية وكان الطلاق رجعيا ، انتهى.
وقال الشيخ جمال الدين الشيخ أحمد بن عبد الله بن المتوج
البحراني ـ عطر الله مرقده (1) ـ في كتاب
آيات أحكام القرآن : وأما الطلاق بفدية وهو أن تقول الزوجة للزوج : طلقني على كذا
، فيقول هو على الفور : فلانة على كذا طالق ، وهذا إن وقع في حال الكراهة منها
فلفظة لفظ طلاق الفدية ومعناه خلع يحل له أخذ ما بذلته من غير حد ، وإن وقع في حال
يكون الكراهة منهما فلفظة لفظ طلاق الفدية معناه المبارأة ، فلا يحل له أن يتجاوز
في الفدية قدر ما وصل إليها ، انتهى. وهذه العبارة كما ترى صريحة فيما قدمناه من
أن طلاق الفدية لا تخرج عن الخلع والمبارأة بل هو أعم من كل منهما ، ولا وجود له
في غيرهما.
وقال الشهيد في شرح اللمعة : ولا يصلح إلا مع كراهتها ،
ولو لم تكره بطل البذل ووقع الطلاق رجعيا ، انتهى.
وبالجملة فإن كل من تعرض للمسألة فإنه لم يذكره إلا على
هذا الوجه الذي ذكرناه.
الخامس : اتفاق الأصحاب ظاهرا على أن الطلاق بعوض تتعلق
به أحكام الخلع ، وقد اعترف ـ قدسسره ـ بذلك فيما
قدمناه من عبارته المذكورة في مبحث المبارأة من قوله «وظاهر كلامهم انحصاره يعني
الطلاق بعوض فيهما يعني الخلع والمبارأة ، واعتبار مراعاة الحال فيه».
وحينئذ فإما أن يكون لدليل أو نص يدل على مساواة الطلاق
بعوض الخلع في جميع أحكامه ولكونه فردا من أفراده مندرجا إعداده ، فيكون خلعا
بعينه ،
__________________
(1) وكان هذا الشيخ ـ قدسسره ـ من أفاضل تلامذة فخر المحققين ابن
العلامة ، وقبره الان موجود في جزيرة البحرين. (منه ـ قدسسره ـ).
والأول منتف ، فإنا بعد التتبع التام
للأخبار لم نقف فيها على الطلاق بعوض وطلاق الفدية والتسمية بهذا الاسم بالكلية
فضلا عن الدلالة على أن حكمه حكم الخلع أو أنه أمر خارج عنه مشارك له ، وإنما وقعت
هذه التسمية في كلام الأصحاب خاصة ، وحينئذ فيتعين الثاني ، ووقوع هذه التسمية من
الأصحاب وقعت تفريعا على أنه لا يتعين في الخلع الاقتصار على هذه المادة ، بل كلما
أفاد مفادها من لفظ الطلاق وغيره يقع الخلع به بعد استجماع شرائطه كما تقدم
تحقيقه.
السادس : تصريح جملة من الأصحاب بعد طلاق الفدية من الخلع
كالشيخ في المبسوط ، حيث قسم الخلع إلى واقع بصريح الطلاق وإلى واقع بغيره ، وجعل
الأول طلاقا وخلعا ، وجعل الخلاف في الثاني هل هو طلاق أم فسخ؟ قال : وأما إذا كان
الخلع بصريح الطلاق كان طلاقا بلا خلاف.
وقال العلامة في الإرشاد : والصيغة وهي : خلعتك على كذا
وأنت أو فلانة مختلعة على كذا وأنت طالق على كذا ، ونحوه في القواعد والتحرير.
وقال سبطه السيد السند في شرح النافع : إن الطلاق بعوض
من أقسام الخلع كما صرح به المتقدمون والمتأخرون من الأصحاب ـ ثم قال ولنعم ما قال
: ـ وما ذكره جدي في الروضة والمسالك من أن الطلاق بعوض لا يعتبر فيه كراهة الزوجة
بخلاف الخلع ـ غير جيد لأنه مخالف لمقتضى الأدلة وفتوى الأصحاب ، فإنا لا نعلم له
في ذلك موافقا ، انتهى.
السابع : ما ذكره في المسالك في شرح قول المصنف «ويقع
الطلاق مع الفدية بائنا. إلخ» من قوله «فإنه يقع بائنا لا رجعيا للنصوص الدالة
عليه». فإن فيه أنه إن أراد بالنصوص هي نصوص الخلع كما يشير إليه قوله «وقد تقدم
بعضها» فهو جيد ، ولا دلالة فيه على ما يدعيه ، فإن دخول الطلاق بالفدية تحت الخلع
وإجزاء أحكام الخلع عليه مع استجماع شرائطه إنما هو لكونه خلعا لا لكونه طلاقا
بالفدية ، فإنا لا نشترط في الخلع الإتيان بهذه الصيغة بخصوصها بل كلما
جرى مجراها ، ومن جملته لفظ الطلاق.
وإن أراد بالنصوص المذكورة ما صرح به في بحث المبارأة من
قوله «لعموم الأدلة على جواز الطلاق مطلقا» فهو محل بحث ونظر ، إذ لا يخفى على
الحاذق اللبيب والموفق المصيب أن غاية ما تدل عليه أخبار الطلاق هو جوازه وصحته في
الجملة.
وأما أنه كالخلع والمبارأة في كونه بائنا ويملك الزوج
فيه الفدية فلا دلالة لها بوجه إن لم تكن بالدلالة على خلافه أنسب وإلى ما ذكرناه
أقرب ، لأن الطلاق من حيث هو لا يقتضي البينونة بمجرده ، بل مقتضاه هو جواز الرجوع
ما لم تخرج من العدة ، لامتداد حكم الزوجية وبقائه إلى ذلك الوقت ، والبينونة
ونحوها إنما عرض له بأسباب زائدة على مجرد الطلاق.
وبالجملة فإن كلامه ـ قدسسره ـ في هذا
المقام من أفحش الأوهام ، والعجب من جملة ممن عاصرناهم من علماء العراق حيث
اعترفوا بما ذكره ـ قدسسره ـ في هذه
المسألة فجروا على منواله وحكموا بصحة أقواله ، وطلقوا النساء وأبانوهن من أزواجهن
، وحللوا الفدية من غير كراهة في البين ، والله الهادي لمن يشاء.
بقي الكلام في أنه لو خلا ـ الطلاق بعوض ـ عن الكراهة ،
فعلى المشهور من عدم حصول البينونة به كما ادعاه شيخنا المتقدم ذكره ، فهل يكون
صحيحا رجعيا أو باطلا من أصله؟ قولان ، الظاهر أن المشهور الأول ، وبه صرح جملة
ممن قدمنا كلامه كالمحقق والعلامة في جملة من كتبه ، والشيخ منتجب الدين في كتاب
الحاوي.
وبالثاني صرح السيد السند في شرح النافع وعلله بأن الطلاق الرجعي غير مقصود ولا مدلول عليه باللفظ ، إنما المقصود من لفظ الطلاق البائن ، لأن الكلام إنما يتم بآخره ، والغرض إنما تعلق بذلك الطلاق الخاص ، ولم يتم ، فلا يتجه صحة طلاق آخر. وبالجملة فما وقع غير مقصود ، وما قصد غير صحيح ولا واقع والعقود بالقصود. وتبعه في هذا القول جملة ممن تأخر عنه ، منهم صاحب الكفاية وشيخنا الشيخ سليمان البحراني وتلميذه الوالد ـ قدس الله روحهما.
والمسألة عندي موضع توقف وإشكال لعدم النص الذي به يتضح
الحال ، وما احتج به السيد المذكور من الدليل ، وتبعه عليه هؤلاء الأجلاء ، فهو
وإن كان مما يتسارع إلى الفهم قبوله ، إلا أنك قد عرفت في غير موضع مما تقدم ما في
بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات العقلية ، ولا سيما وقد ورد في جملة
من النصوص ما يهدم هذه القاعدة ، ويزلزل ما يترتب عليها من الفائدة ، فإن السيد ـ قدسسره ـ وجده قبله
وتبعهما جماعة ممن تأخر عنهما قد صرحوا بأن العقد المشتمل على شرط فاسد باطل من
أصله ، وعللوه بهذا التعليل من أن أصل العقد العاري عن الشرط غير مقصود ، والقصد
إنما توجه للمجموع ، وهو غير صحيح ، فما كان مقصودا غير صحيح ، وما كان صحيحا غير
مقصود ، والعقود بالقصود فيلزم بطلان العقد مع أنا رأينا جملة من النصوص الصحيحة
الصريحة قد صرحت بصحة العقد وبطلان الشرط ، فكيف يمكن اتخاذ ما ذكروه قاعدة كلية
والحال كما ترى ، والله العالم.
تذنيب
هل يجب في الكراهة المشترطة في صحة الخلع أن تكون ذاتية؟ أم يصح وإن كانت عارضية؟ المفهوم من كلام الأصحاب كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى الثاني ، والمستفاد من كلام من عاصرناه من مشايخنا في بلاد البحرين هو الأول ، وقد حظرناه في غير موضع ، وقد كانوا لا يوقعون الخلع إلا بعد تحقيق الحال ومزيد الفحص والسؤال في ثبوت الكراهة الذاتية وعدم الكراهة العارضية ، والسعي في قطع الأسباب الموجبة لكراهة التي تدعيها المرأة ليعلم كونها ذاتية غير عارضية فإذا تحققوا ذلك وعلموا أنه لا يمكن رفعها بوجه من الوجوه أوقعوا الخلع بها ، ومن الظاهر أنهم إنما أخذوا ذلك من مشايخهم وأساتيدهم لحضورهم مجالسهم وحلق درسهم وسماعهم ذلك منهم مدة ملازمتهم لهم وتلمذهم عليهم.
والذي وقفت عليه بعد الفحص والتتبع لكلام الأصحاب ـ رضوان
الله عليهم ـ خلاف ذلك ، فإن كلامهم ظاهر في كونها أعم من العارضية والذاتية ،
ولكنهم لم يصرحوا بذلك في باب وإن أشار إليه بعضهم إشارة ، إلا أنهم أوضحوا ذلك في
باب الشقاق بين الزوجين في تحقيق معنى الإكراه على الفدية. وها أنا أسوق لك ما
حضرني من عبائرهم وكلامهم في هذا المقام ليظهر لك صحة المناقضة لما نقلناه عن
أولئك الأعلام.
قال المحقق ـ رحمهالله ـ في كتابه
الشرائع : ولو منعها شيئا من حقوقها أو أغارها فبذلت له بدلا لخلعها صح ، وليس ذلك
إكراها.
قال شيخنا في المسالك ـ بعد نقل هذه العبارة ـ ما لفظه :
المراد بالحق الذي منعها إياه فبذلت له الفدية لأجله الحق الواجب لها من القسمة
والنفقة ونحوهما ، وإنما لم يكن ذلك إكراها وإن كان محرما لأنه أمر منفك عن طلب
الخلع ولا يستلزمه ، بل قد يجامع إرادة المقام معها ، وإنما الباعث على تركه حقها
ضعف دينه وحرصه وميله إلى غيرها ونحو ذلك مما لا يستلزم إرادة فراقها ولا يدل عليه
بوجه ، ونبه بقوله «أغارها» أي تزوج عليها ، على أنه لا فرق في ذلك بين ترك الحقوق
الواجبة وغيرها ، لأن إغارتها غير محرمة ، وترك شيء من حقوقها الواجبة محرم ،
وكلاهما لا يقتضيان الإكراه.
أما غير الحق الواجب كالتزويج عليها وترك بعض المستحبات كالجماع في غير الوقت الواجب والتسوية بينها وبين ضراتها في الإنفاق ونحوه فظاهر ، حتى لو قصد بذلك فراقها لتفتدي لنفسها لم يكن إكراها عليه لأن ذلك أمر سائغ. واقترانه بإرادة فراقها لا يقتضي الإكراه.
وأما تركه الحق الواجب فلما ذكرناه من أنه بمجرده لا يدل
على الإكراه بوجه ، وكذا لو قصد بترك حقها ذلك ولم يظهره لها ، أما لو أظهر لها أن
تركه لأجل البذل كان ذلك إكراها ، وأظهر منه ما لو أكرهها على نفس البذل.
وما ذكره المصنف قول الشيخ في المبسوط : ووافقها عليه
العلامة في الإرشاد ، وفي التحرير نسب القول إلى الشيخ ساكتا عليه مؤذنا بتردده
فيه أو ضعفه ، وفي القواعد قيد حقوقها بالمستحبة ، ومفهومه أنه لو منع الواجبة كان
إكراها ـ وهذا القول نقله الشيخ في المبسوط أولا عن بعض العامة ، ثم قال : ـ الذي
يقتضيه مذهبنا أنه ليس بإكراه وهو المعتمد. انتهى كلام شيخنا المذكور وهو كما ترى
مع كلام المصنف صريح الدلالة في أنه يكفي في صحة الخلع الكراهة الحاصلة من مضارة
الزوج بمنع النفقة أو القسمة أو حصول التزويج عليها أو نحو ذلك من موجبات النفور
والكراهة العارضة.
وظاهره في المسالك أنه لا نزاع ولا خلاف في صحة الخلع في
هذا المقام وإنما الإشكال من جهة أن ذلك يستلزم الإكراه على الفدية أم لا؟ والذي
اختاره ـ قدسسره ـ واعتمده أنه
ما لم يظهر أن ترك الحقوق لأجل الفدية فليس ذلك إكراها ، وحينئذ فيصح الخلع كما هو
صريح عبارة المصنف.
وقال أيضا في المسالك ـ في باب الخلع عند قول المصنف «ولو
أكرهها على الفدية فعل حراما» ـ ما صورته : ولا يتحقق الإكراه بتفسيره في حقوقها
الواجبة لها من القسم والنفقة ، فافتدت منه لذلك على الأقوى ، إلا أن يظهر أن ذلك
طلبا لبذلها ، فيكون إكراها لصدق تعريفه عليه. ثم أحال ذلك على ما تقدم في باب
الشقاق ، وهو ما قدمنا نقله عنه ، وأشار بقوله «على الأقوى» إلى الرد على ما يفهم
من ظاهر عبارة القواعد ، وهو الذي نقله الشيخ في المبسوط عن بعض العامة.
وقال في شرح اللمعة في بحث النشوز : وليس له منع بعض حقوقها لتبذل له مالا ليخلعها ، فإن فعل فبذلت أثم وصح قبوله ، ولم يكن إكراها.
وقال العلامة في التحرير : ولو منعها بعض حقوقها أو
أغارها فبذلت له مالا صح وليس إكراها. قاله الشيخ.
وقال في القواعد : ولو منعها شيئا من حقوقها المستحبة أو
أغارها فبذلت له مالا للخلع صح ، ولم يكن إكراها ، ومفهومه كما صرح به في المسالك
أنه إذا منع الواجبة كان إكراها مبطلا للخلع.
وقال الشيخ أمين الإسلام الطبرسي ـ رحمهالله ـ في كتاب
مجمع البيان (1) : والخلع
بالفدية على ثلاثة أوجه :
(أحدها) أن تكون المرأة عجوزا أو ذميمة فيضار بها الزوج
لتفتدي نفسها منه ، فهذا لا يحل له الفداء لقوله تعالى «وَإِنْ
أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً» (2) الآية.
(الثاني) أن يرى الرجل امرأته على فاحشة ، فيضار بها
لتفتدي فهذا جائز وهو معنى قوله تعالى «وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا
بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ». (3)
(الثالث) أن يخافا ألا يقيما حدود الله ، لسوء خلق أو
قلة نفقة من غير ظلم أو نحو ذلك فيجوز لهما جميعا الفدية على ما مر تفصيله ،
انتهى.
والوجه الأول في كلامه هو الإكراه على الفدية وهو المحرم
، والثاني ما استثني من قاعدة الخلع وهو جواز الإكراه على الفدية ، والثالث هو
موضوع المسألة.
وظاهر قوله «أو قلة نفقة من غير ظلم» يعطي أنه لو كان
قلة النفقة بقصد الإضرار بها والظلم لها كان الخلع باطلا ، وكان ذلك من قبيل
الإكراه على الفدية وهو مطابق لظاهر عبارة القواعد كما عرفت ، وسوء الخلق المانع
من إقامة الحدود كما يحتمل أن يكون من المرأة كذلك يحتمل أن يكون من الرجل
__________________
(1) مجمع البيان ج 2 ص 330.
(2 و 3) سورة النساء ـ آية 20 و 19.
بقرينة عطف قلة النفقة عليه ، وهو
أظهر ، ومعناه أن الكراهة الحاصلة لها لسوء خلق الزوج أو لفقد النفقة أو نحو ذلك.
وقال العلامة في الإرشاد : ولو أغارها أو منعها بعض
حقوقها فبذلت مالا للخلع حل وليس بإكراه.
هذا ما حضرني من عبائر الأصحاب في المقام ، وكلها متفقة
النظام على صحة الخلع الناشئ عن الكراهة العارضة من غير نقل خلاف ولا توقف من أحد
في المسألة وهو مؤذن بالاتفاق على الحكم المذكور ، وكونه مسلما بينهم غير منكور.
وأما الآية الواردة في الخلع وهي قوله «فَإِنْ
خِفْتُمْ أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ
بِهِ»
(1) وكذا الأخبار
الواردة في الباب ، فغاية ما يستفاد منها أنه لا بد من بلوغ الكراهة إلى حد يخاف
فيه عدم إقامة حدود الله تعالى في حقه بأن تسمعه تلك الألفاظ المذكورة في الأخبار
، وهذا لا يترتب على الكراهة الذاتية بخصوصها كما ربما توهمه من خص الكراهة بها بل
يجوز ترتبه على الكراهة العارضة لبعض الأسباب أو بالنسبة إلى بعض الأشخاص ، ولا
سيما في مقام الإغارة بالتزويج ، فإنه ربما حمل ذلك المرأة على قتل زوجها فضلا عن
أن تقصده بأنواع الأذى كما نقل عن كثير من النساء ، على أنه لم يشترط أحد فيما
أعلم ممن تقدم أو تأخر البلوغ إلى هذا الحد المستفاد من هذه الأخبار وتوقف الخلع
على كلامها بشيء من هذه العبارات كما عرفت من كلامهم الذي أسلفنا نقله عن جماعة
منهم.
وبالجملة فحيث كان ظاهر كلمة الأصحاب على الاكتفاء
بالكراهة العارضة وظواهر الأخبار لا تنافيه إن لم تكن مؤيدة له لدلالتها بإطلاقها
على ذلك ، فالقول بخلاف ذلك قول بغير دليل ، ومشي على غير سبيل.
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 229.
نعم قد تقدم في الحديث العامي المروي في سبب النزول ما
ربما يوهم ذلك إلا أنه لا دلالة فيه على الاختصاص بذلك الفرد وأنه لا يصح في غيره
، والله سبحانه العالم.
فروع
الأول : قالوا : لو طلبت منه طلاقا بعوض فخلعها مجردا عن
لفظ الطلاق لم يقع على القولين ، ولو طلبت خلعا بعوض فطلق به لم يلزم البذل على
القول بوقوع الخلع بمجرده فسخا ويلزم على القول بأنه طلاق أو أنه يفتقر إلى
الطلاق.
وعلل الأول بأن لم يأت بما طلبت فلا يستحق ما بذلت لأجله
لأنها طلبت الطلاق ، وهو أمر يقع به البينونة وترفع به الزوجية إجماعا ويقع به
نقصان الطلاق فيكون جزء من المحرم ، بخلاف الخلع لما قد عرفت من الخلاف فيه ، فإنا
إذا قلنا إنه فسخ فكونه خلاف ما طلبته واضح ، وإن جعلناه طلاقا فهو طلاق مختلف فيه
، وما طلبته لا خلاف فيه ، فظهر أنه خلاف مطلوبها على القولين.
وعلل الثاني وهو ما لو طلبت منه خلعا بعوض فطلق به ،
بأنا إن جعلنا الخلع فسخا فطلق لم يلزم البذل لأنه لم يأت بما طلبت ويقع الطلاق
رجعيا إذ لا مانع من صحته كذلك فإنه غير مشروط بالعوض ولا بالتماسها أو رضاها ،
وإن جعلنا الخلع طلاقا أو مفتقرا إلى الطلاق وأتبعه به لزم البذل لإتيانه بما
التمسته وزيادة كما علم من السابقة.
أقول : حيث إن ما ذكروه غير منصوص ولا مبرهن عليه بالأدلة الواضحة فللمناقشة فيه مجال واسع ، إذ لا يخفى على من أعطى التأمل حقه في الأحكام الشرعية الدائرة مدار الأدلة القطعية أنه لما كان المفهوم من نصوص هذا الباب هو أن مرجع الفراق مع البذل المشترط بالكراهة إلى وقوع صيغته بلفظ الخلع خاصة أو لفظ الطلاق خاصة أو هما معا ، وأنه مع الوقوع بأحد هذه الصيغ يقع بائنا ويملك الزوج الفدية إلى غير ذلك من أحكام الخلع ، وإنما ذهب إليه الشيخ من كونه متى وقع بلفظ الخلع خاصة فهو فسخ قول مطرح بالنصوص ، فهو في حكم العدم ، فللقائل أن يقول إنه إذا كان الحكم الشرعي تساوي الصيغ الثلاث في الأحكام وانتظامها في ذلك على أحسن نظام فلا فرق حينئذ بين أن يطلب منه طلاقا بعوض فيخلعها أو خلعا فيطلقها بالعوض ، لأن مرجع الجميع شرعا إلى أمر واحد ، وليس بينهما فرق إلا باختلاف الألفاظ ، وإلا فالمرجع شرعا إلى أمر واحد كما عرفت ، واختلاف الألفاظ لا يترتب عليه أثر شرعا.
وبالجملة فإنه قد أتى بما طلبته ، في كل من الصورتين ،
لأن المراد هو الفراق البائن الذي به تحل الفدية وهو الذي طلبته وإن عبرت بتلك
العبارة وهو قد أتى به ، وإن عبر بعبارة أخرى ترجع إلى تلك العبارة شرعا.
وأما الخلاف والوفاق في تلك الألفاظ فلا دخل له بعد ثبوت
الحكم شرعا للجميع وترتب الحكم الشرعي على كل منهما كما هو المعتمد عندهم ، وعليه
دلت نصوص المسألة ، وإن لم يكن ما ذكرناه هو المتعين لما عرفت فلا أقل أن يكون
مساويا في الاحتمال لما ذكروه ، وبه لا يتم ما اعتمدوه ، والله العالم.
الثاني : قالوا : لو ابتدأ فقال أنت طالق بألف أو عليك
ألف صح الطلاق رجعيا ولم يلزمها الألف ولو تبرعت بعد ذلك بضمانها لأنه ضمان ما لم
يجب ، ولو دفعتها إليه كانت هبة مستأنفة ، ولا تصير المطلقة بدفعها بائنة.
قال في المسالك بعد نقل ذلك : يعتبر في صيغة الخلع وقوعها على وجه المعاوضة بينه وبين الزوجة ويتحقق ذلك بأحد أمرين : تقدم سؤالها ذلك بعوض معين كقولها طلقني بألف أو اخلعني بألف فيجيبها على ذلك ، ويكفي في ظهور المعاوضة حينئذ إتيانه بالطلاق أو الخلع مقرونا بذلك العوض ، ومجردا عنه مع نيته ، كقوله أنت طالق بألف أو عليها أو على العوض المذكور أو خلعتك عليها أو بها ، أو أنت طالقة أو مختلعة مجردا ناويا به كونه بذلك العوض لظهور المعاوضة فيه مع تقدم ذكره من جانب الزوجة كما لو قال بعني كذا بكذا فقال بعتك.
والثاني : ابتداؤه به مصرحا بذكر العوض كقوله أنت طالق
بألف أو خلعتك بألف أو عليها ونحو ذلك مع قبولها بعد بغير فصل يعتد به كغيره من
المعاوضات ، فلو تخلف الأمران معا بأن ابتدأت السؤال بغير عوض كقولها طلقني
فأجابها كذلك ، أو أجابها بعوض ولم تجدد القبول في محله ، أو ابتدأ بذكر العوض
صريحا ولم يحصل منها القبول كذلك ، أو أتى بلفظ لا يدل على العوض مع عدم تقدم
سؤالها به ، وإن قبلت لم يلزم العوض ، بل إن كان قد أتى بلفظ الطلاق وقع رجعيا ،
وإن أتى بالخلع بطل ، ثم أطال الكلام في المقام.
أقول : لا يخفى على من تأمل أخبار هذا الباب بالتأمل
الصائب ونظر فيها بالذهن الثاقب أنه لا دلالة فيها على ما ادعوه من هذا التقرير
الذي قرره ، وغاية ما يستفاد منها هو أنه متى حصلت المنازعة والمجادلة بين الزوجين
وإظهار النفور منها والتراضي على بذل معين بأي نحو كانت تلك الألفاظ الجارية
بينهما من لفظ الخلع أو الطلاق أو غيرهما فإنه بعد تراضيهما على فدية مخصوصة تنخلع
منه بمجرد تلك الألفاظ الجارية بينهما ، ويكون ذلك بحضور العدلين ، وكونها طاهرا ،
ونحو ذلك مما يشترط في الصحة.
وأما وجوب سؤالها أولا أو قبولها ثانيا وكون ذلك فوريا ونحو ذلك مما ذكروه فلا دليل عليه إلا مجرد دعواهم ذلك في المعاوضات وأن الخلع من جملتها ، مع أنا لا نسلم لهم هذه الدعوى ، فإنك قد عرفت في كتاب البيع أنه لا يشترط في صحته ووقوعه أزيد من تراضي البائع والمشتري على نحو مخصوص بما يتعلق بكل من المبيع والثمن ، فإنه يلزم البيع بمجرد ذلك ، وما اشترطوه من الإيجاب والقبول على الوجوه التي قرروها والاعتبارات التي اعتبروها فإنه لا دليل على شيء منها ، وحديث جميل المتقدم أظهر ظاهر فيما ذكرناه في الخلع ، وعليه تنتظم أخبار الباب كملا ، ولا سيما الأخبار الكثيرة الدالة على أنه إذا قالت تلك الأقوال المحرمة حل له ما أخذ منها وكانت عنده على تطليقتين باقيتين ، فإن ظاهرها أنه بمجرد هذه الأقوال الموجبة للكراهة وأخذ ما بذلته له تنخلع منه بالشروط الأخر المعلومة من الأخبار الأخر من حضور الشاهدين ونحوه ، وليس هنا صيغة ولا عقد أزيد من هذه الألفاظ الجارية بينهما التي استقر رضاهما عليها ونحو ذلك في البيع وغيره من المعاوضات كما تقدم تحقيقه في محله.
ومن أوضح الأخبار الدالة على ما قلناه ما رواه الثقة
الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (1) عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن سنان
ـ يعني عبد الله ـ عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «الخلع
لا يكون إلا أن تقول ـ إلى أن قال : ـ فإذا قالت ذلك فقد حل له أن يأخذ منها جميع
ما أعطاها وكل ما قدر عليه مما تعطيه من مالها ، فإن تراضيا على ذلك على طهر بشهود
فقد بانت منه بواحدة وهو خاطب من الخطاب فإن شاءت زوجته نفسها» الحديث.
وهو صريح كما ترى في ترتب ذلك على مجرد حصول التراضي
بينهما على ما وقع ، وأنها تختلع منه بمجرد ذلك ، ولا لفظ هنا ولا صيغة في البين
أزيد مما استقر عليه رضاهما من الفدية بعد تحقق الكراهة بتلك الأقوال ، ولا ينافي
ذلك ما في بعض أخبار المسألة من قوله عليهالسلام «ولا يحل له أن
يخلعها حتى تكون هي التي تطلب ذلك منه من غير أن يضر بها ، وحتى تقول ما أبر لك
قسما ولا أغتسل لك من جنابة. إلخ» فإنه لا دلالة في هذا الخبر على أزيد من اشتراط
طلبها الخلع وأن تكون هي المريدة له وأن تقول مع ذلك تلك الأقوال المحرمة ، بمعنى
أن الخلع لا يقع حتى يكون الداعي إليه من جهتها ، وأما أنه يشترط ذلك في صيغة
الخلع ولا تصح إلا به متقدما أو متأخرا فلا دلالة عليه ، وسبيله سبيل
__________________
(1) تفسير القمي ج 1 ص 75 ، الوسائل ج 15 ص 499 ب 7 ح 4.
الأقوال المذكورة في اشتراطها في صحة
الخلع ، إذ ليس المراد إلا توقف صحة الخلع على صدور هذه الأقوال في الجملة وإن لم
يكن في مجلس الخلع ، وبذلك يظهر أن جميع ما أطال به ـ قدسسره ـ هنا وكذا
غيره من الأصحاب مما لا يرجع إلى طائل ولا يعود إلى حاصل ، والله العالم.
الثالث : قال المحقق في الشرائع : إذا قالت طلقني بألف
كان الجواب على الفور ، فإن تأخر لم يستحق عوضا بل كان رجعيا.
وقال الشارح في المسالك : قد تقرر أن الخلع يشبه عقود
المعاوضات أو هو من جملتها لاشتماله على افتداء البضع بعوض مخصوص وهو يقتضي لفظا
دالا على إرادتها بذل ما تجعله عوضا ، ولفظا منه يدل على إبانتها بذلك ، وكان ذلك
كالإيجاب والقبول في العقود اللازمة ولو من طرف واحد ، فإن ذلك لازم من طرفه الى
أن ترجع في البذل ، فلا بد من وقوعهما متعاقبين بحيث يدل على أن أحدهما جواب للآخر
والتزامه به ، فإن تقدم التماسها فقالت طلقني بألف مثلا اعتبر كون جوابه لها على
الفور بحيث لا يتخللهما زمان طويل ، ولا كلام أجنبي يوجب رفع ارتباط أحدهما بالآخر
، فإن تقدم لفظه فقال خالعتك على ألف مثلا اعتبر التزامها بالألف وقبولها لها عقيب
كلامه كذلك ، ومتى حصل التراخي بينهما طويلا على الوجه الذي بيناه لم يستحق عوضا
ووقع الطلاق رجعيا يعني كونه صحيحا خاليا عن العوض. إلى آخر كلامه زيد في إكرامه ،
وعلى هذا النهج كلام غيره في المقام.
وقد عرفت ما فيه (1) مما يكشف عن ضعف باطنه وخافية ،
وإنما ذكرناها
__________________
(1) أقول : وبيان ذلك أنه قد علل الحكم المذكور بأن الخلع يشبه
عقود المعاوضات ففيه أن تشبيه شيء بشيء لا يقتضي أن يكون من جميع الجهات كما هو
ظاهر قوله «وهي تقتضي لفظا دالا على إرادتها. إلخ» ومع تسليمه لا يدل على وجوب
كونهما متعاقبين كما ذكره بل يكفي في الجملة ، فلا بد في إثبات وجوب التعاقب على
الوجه المذكور من دليل ، وليس فليس. (منه ـ قدسسره ـ).
بطوله لتطلع على العلة فيما ذكروه ،
وأن منشأ الحكم بما ذكروه إنما هو هذه الوجوه الاعتبارية والتخريجات الفكرية التي
لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، سيما مع ظهور الأدلة في خلافها ، فإن إطلاق
أخبار الباب أظهر ظاهر في استحقاق الفدية والبينونة بعد حصول الكراهة ، وبذل
المرأة لما بذلته ، سواء قالت اخلعني أو طلقني على كذا أو لم تقل ، وسواء قال هو
خلعتك على كذا أو طلقتك على كذا أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة على هذا المعنى ، بل
ولو لم يقل شيئا كما سمعته من كلام جميل في حديثه (1) ، وقوله للزوج
«ما تقول رضيت بهذا الذي أخذت وتركتها؟ فقال : نعم ، فقال لهم جميل : قوموا».
فإنه جعل جواب الرجل عما سأله وقبوله لما ذكره هو الخلع
كما هو ظاهر ، والرجل المذكور من أجلاء فقهاء الأصحاب المعاصرين للأئمة الأطياب ،
وهو ظاهر في أنه لم يفهم من الأئمة صلوات الله عليهم في هذه المسألة أزيد من هذا ،
فلو كان لهذه الشروط التي قرروها والاعتبارات التي اعتبروها أصل في الحكم لما
أهملها وحكم بخلافها ، ولهذا لما سئل عن الاتباع بالطلاق الذي هو أحد القولين في
المسألة وعليه دل بعض الأخبار نفاه عملا بتلك الأخبار الدالة على نفيه.
وبالجملة فإن جميع ما ذكروه في هذه الفروع إنما جروا فيه
على هذه التعليلات الاعتبارية التي لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية سيما مع ظهور
الأخبار في عدمها كما أوضحناه ، والله العالم بحقائق أحكامه ونوابه القائمون
بمعالم حلاله وحرامه.
المقام الثاني في الفدية :
ومنه مسائل : الأولى : قد صرح
الأصحاب بأن كلما يصح أن يكون مهرا يصح أن يكون فدية في الخلع ، وأنه لا تقدير له
في جانب الكثرة ، وقد تقدم في بحث المهر أن كلما يملكه المسلم من عين أو دين أو
منفعة يصح كونه مهرا إذا
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 141 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 490 ب 3 ح 1.
كان متمولا ، وحينئذ فيصح أن يكون
فدية في الخلع ولا تتقدر الفدية في جانب الكثرة بما وصل إليها من المهر وغيره ،
بخلاف عوض المبارأة فإنه لا يجوز أن يتجاوز به ما وصل إليها.
أقول : الظاهر أن المراد من قولهم «كلما صح أن يكون مهرا
صح أن يكون فدية» إنما هو بيان أنه يجب أن يكون شيئا متمولا في الجملة عينا كان أو
دينا أو منفعة ، قليلا كان أو كثيرا ، وأنه لا حد له بوجه من الوجوه ولا تقييد فيه
بمادة من المواد بخلاف عوض المبارأة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ومن الأخبار المتعلقة بهذا المقام قوله عليهالسلام في موثقة سماعة
(1) «فإذا هي
اختلعت فهي بائن ، وله أن يأخذ من مالها ما قدر عليه ، وليس له أن يأخذ من
المبارأة كل الذي أعطاه». دلت هذه الرواية على الفرق بين المختلعة والمبارأة بما
قدمنا ذكره ، وأنه لا يتقدر ما أخذه من فدية الخلع بقدر ، ولا يحد بحد.
وفي رواية زرارة (2) «فإذا قالت ذلك
فقد حل له أن يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير».
وروى زرارة (3) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «المبارأة
يؤخذ منها دون الصداق والمختلعة يؤخذ منها ما شاء أو ما تراضيا عليه من صداق أو
أكثر ، وإنما صارت المبارأة يؤخذ منها دون المهر والمختلعة يؤخذ منها ما شاء لأن
المختلعة تعتدي في الكلام وتتكلم بما لا يحل لها» وفي جملة من أخبار الباب «حل له
ما أخذ منها» ، وبالجملة فإن الحكم مما لا إشكال فيه بعد ما عرفت.
الثانية : قالوا : لا بد
في الفدية من العلم به بالمشاهدة أو الوصف الرافع
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 140 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 95 ح 2 ، الوسائل ج
15 ص 494 ب 4 ح 4.
(2) التهذيب ج 8 ص 98 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 495 ب 4 ح 5.
(3) الكافي ج 6 ص 142 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 101 ح 19 ، الوسائل
ج 15 ص 493 ب 4 ح 1.
للجهالة ، وظاهرهم أنه يكفي العلم
الجهلي بذلك بحيث يرتفع معظم الغرر ولا يجب الاستقصاء ، فإن كان حاضرا فلا بد من
التعيين بالإشارة كهذا الثوب وهذا العبد وهذه الصبرة من الحنطة أو الوصف والقدر
الذي يحصل به التعيين ، سواء كان عينا شخصية أو كلية.
وإن كان غائبا قال في الشرائع «لا بد من ذكر جنسه ووصفه
وقدره» مع أنه اكتفى في الحاضر بالمشاهدة وإن لم يعلم مقداره أو وزنه أو كليه أو
زرعه فقال بعد الكلام المذكور «ويكفي في الحاضر المشاهدة» وهذا هو المطابق لما
تقدم ذكره في المهر ، وهم قد خرجوا على مجرى ما تقدم في باب المهر ، وعلى هذا فلو
بذلت له ما في ذمته من المهر جاز وإن لم تعلم قدره ، لأن ذلك متعين في نفسه وإن لم
يكن معلوما لها ، ويأتي على ما ذكره المحقق في الشرائع من أن الغائب لا بد من ذكر
جنسه ووصفه وقدره عدم الصحة ، لأن هذا من قبيل الغائب الذي لا يصح الخلع إلا بعد
معرفة مقداره ، وبهذا صرح في المسالك ، وبالأول صرح سبطه في شرح النافع ، ويتفرع
على أصل المسألة واعتبار هذا الشرط ما لو خلعها على ألف وأطلق ولم يذكر المراد من
تلك الألف جنسا ولا وصفا ولا قصدا ولا نية فإنه لا يصح الخلع لعدم التعيين المانع
من حملها على بعض دون بعض ـ والجهالة.
ولو اتفقا على قصد معين بأن قصدت ألف درهم وقصد هو كذلك
قال في المسالك : صح ولزمهما ما قصداه ، وإن لم يجز ذلك في غيره من المعاوضات
كالبيع لأن المقصود أن يكون العوض معلوما عند المتعاقدين ، فإذا توافقا على شيء
بالنية كان كما لو توافقا بالنطق.
هذا هو الذي اختاره المصنف والعلامة ، وقبلهما الشيخ في
المبسوط وهو الذي يقتضيه قوله «ولا قصد فسد الخلع» لأن مفهومه صحته مع قصده ،
وسيأتي في مسائل النزاع ما ينبه عليه أيضا.
ثم قال : ويحتمل فساد الخلع بإهمال ذكر الجنس الوصف وإن كان قصداه كما لا يصح ذلك في غيره من عقود المعاوضات ، وعلى المشهور فلو قالت بذلت مالي في ذمتك أو ما عندي أو ما أعطيتني من الأسباب ونحو ذلك مع علمها بقدره ووصفه صح ، ولو وقع البيع على مثل ذلك لم يصح ، بل لا بد فيه من التلفظ بما يعتبر تعيينه من الجنس والوصف والقدر ، وهذا من الأمور المحتملة في هذا الباب من الغرر دون غيره من المعاوضات المحضة ، انتهى.
واعترضه سبطه هنا في شرح النافع فقال : وما ذكره من عدم
صحة البيع على مثل ذلك غير واضح ، والمتجه الصحة في الموضعين.
أقول : لا يخفى أن روايات هذا الباب ومنها ما تقدم قريبا
في سابق هذه المسألة مطلقة بالنسبة إلى الفدية لا تعرض في شيء منها بتصريح ولا
إشارة إلى ما ذكروه من اشتراط ما يشترط في البيع والمعاوضات في الخلع ، وغاية ما
يفهم منها أن كلما تراضيا عليه من المال ونحوه صح به الخلع معلوما كان في نفسه أو
مجهولا. نعم لا بد من أن يكون متفقا عليه بينهما معلوما لكل منهما ليقع الرضا به
وأن لا يكون مما يتعقبه الخلاف والنزاع ، ففي بعض أخبار المسألة زيادة على ما تقدم
«حل له أن يأخذ منها ما وجد» وفي آخر «فقد طاب له ما أخذ منها» وفي ثالث «حل له أن
يأخذ منها جميع ما أعطاها ، وكلما قدر عليه مما تعطيه من مالها» الحديث.
والجميع كما ترى ظاهر فيما قلناه واضح فيما ادعيناه ،
فعلى هذا لا إشكال في صحة الخلع على الأشياء المشاهدة المشار إليها كهذا العبد
وهذا الثوب وهذه الصبرة من الحنطة أو الشعير ونحو ذلك مما لم يعلم قدره بالجملة ،
وكذا يجوز على ما في الذمة من مهر وغيره إذا تراضيا به معلوما كان مقداره أو
مجهولا.
إلحاق
لو بذلت له مائة درهم أو مائة دينار ولم تكن حاضرة مشارا
إليها انصرف ذلك إلى الرائج من نقد تلك البلد في ذلك الوقت إن اتحد ، وإن تعدد فإن
كان
ثمة نقد غالب حمل عليه ، لأن
المعاملات تنزل على النقد الغالب ، والخلع مما يرجع إلى المال كسائر المعاملات ،
ولا فرق في الغالب بين كونه ناقص الوزن عن الدراهم الشرعية أو زائدة ، ولا بين
كونه مغشوشا أو خالصا ، ولو تعدد ولم يكن فيها غالب وجب التعيين وبطل الإطلاق
كغيره من المعاوضات لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، ولو كان هناك نقد غالب أو نقد
متحد فعينا غيره وتراضيا عليه صح ، لأن المرجع في ذلك إليهما كما لو بذلت غير
النقد ، كذا صرح به في المسالك ، وهو جيد لأن المرجع في البذل إلى ما تراضيا عليه ،
وأن يكون معلوما على وجه لا يتطرق إليه النزاع بعد ذلك ، ولا يتحقق فيه الاختلاف
بينهما.
الثالثة : لو وقع الخلع
على ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير وعلم الزوج بذلك فالظاهر أنه لا خلاف في
بطلان الخلع ، لأن من شرط الفدية أن يكون مالا مملوكا للمرأة ، قالوا : لأنه عوض
عن حق البضع فلا بد من صلاحيته للمعاوضة والأظهر الاستدلال بما تقدم في الأخبار من
كونه من مالها كما تكاثرت الدلالة عليه ، وما عللوه به يكون وجها للنص.
إنما الخلاف في وقوعه طلاقا رجعيا وبه قال الشيخ في
المبسوط لاشتماله على أمرين الطلاق والعوض ، فإذا بطل أحدهما بقي الآخر كما لو لو
اختل أحد الشرائط.
وفصل المحقق (1) فقال : إن ما ذكره الشيخ حق إن اتبع
بالطلاق ، وإلا كان البطلان أحق ، انتهى.
وتوضيحه على ما ذكره في المسالك : إنه مع الاقتصار على
الخلع وعدمه الاتباع بالطلاق لا يتحقق صحة الطلاق مع فساد العوض لأن الخلع الذي
يقوم
__________________
(1) أقول : وبما ذكره المحقق ـ قدسسره ـ هنا من التفصيل صرح العلامة ـ قدسسره ـ في القواعد ، والظاهر أنه المشهور
بين المتأخرين. (منه ـ قدسسره ـ).
مقام الطلاق أو هو الطلاق ليس إلا
اللفظ الدال على الإبانة بالعوض ، فبدونه لا يكون خلعا ، فلا يتحقق رفع الزوجية
بائنا ولا رجعيا ، وإنما يتم إذا أتبعه بالطلاق ليكونا أمرين متغايرين لا يلزم من
فساد أحدهما فساد الآخر ، فيفسد حينئذ الخلع لفوات العوض ويبقى الطلاق المتعقب له
رجعيا لبطلان العوض الموجب لكونه بائنا ، قال : وهذا أقوى.
أقول : وفيه أن ما اختاره هنا من صحة الطلاق رجعيا ينافي
ما صرح به في غير موضع مما تقدم من أن العقد المشتمل على شرط فاسد يجب أن يكون
باطلا ، لأن الواقع غير مقصود ، والعقود بالقصود ، وما قصد غير واقع ، فإنه آت في
هذا المقام ، إذ القصد هنا إنما توجه إلى الخلع بهذا البذل والبينونة به ولم يتعلق
بمجرد الطلاق الرجعي ، فالطلاق الرجعي غير مقصود ، والمقصود وهو البائن غير صحيح
ولا واقع لعدم البذل ، فإن وجوده هنا كعدمه. ومن هنا ينقدح قول ثالث وهو البطلان
مطلقا. هذا إذا كان عالما كما تقدمت الإشارة إليه.
أما لو كان جاهلا بعدم ماليته كما لو ظنه خلا فبان خمرا
، أو ظنه عبدا فظهر حرا ، فظاهر الأصحاب كما صرح به المحقق في الشرائع والعلامة في
القواعد هو صحة الخلع وكان له بقدر الخمر خلا كما لو أمهرها ذلك فظهر كونه كذلك.
وعلله في المسالك قال : لأن تراضيهما على المقدار من
الجزئي المعين الذي يظنان كونه متمولا يقتضي الرضا بالكلي المنطبق عليه ، لأن
الجزئي مستلزم له فالرضا به يستلزم الرضا بالكلي ، فإذا فات الجزئي لمانع عدم
صلاحيته للملك بقي الكلي ولأنه أقرب إلى المعقود عليه.
ثم قال : ولم ينقلوا هنا قولا في فساده ولا في وجوب
قيمته عند مستحليه كما ذكروه في المهر مع أن الاحتمال قائم فيه.
أما (الأول) فلفقد شرط صحته وهو كونه مملوكا والجهل به لا يقتضي الصحة ، كما لو تبين فقد شرط في بعض أركان العقد.
وأما (الثاني) فلأن قيمة الشيء أقرب إليه عند تعذره ،
ولأن المقصود من العين ماليته ، فمع تعذرها يصار إلى القيمة لأنه لا مثل له في شرع
الإسلام ، فكان كتعذر المثل في المثلي حيث يجب ، فإنه ينتقل إلى قيمته ، ولو ظهر
مستحقا لغيره فالحكم فيه مع العلم والجهل كما فصل ، انتهى.
أقول : والمسألة من أصلها غير خالية من شوب الاشكال لعدم
النص الواضح في هذا المجال ، وبناء الأحكام الشرعية على هذه التعليلات العقلية وإن
اشتهر بينهم ، إلا أنه محض مجازفة في أحكامه سبحانه التي استفاضت الآيات والروايات
بالعلم فيها من الكتاب العزيز أو السنة المطهرة سيما مع تعارض التعليلات المذكورة
وقد تقدم في بحث المهور نقل الخلاف في صحة العقد على هذه الأشياء وبطلانه وأنه على
تقدير القول بالصحة فما الواجب عوض هذه الأشياء؟ على أقوال ثلاثة وليس لهم في هذه
المقالة إلا مجرد العلل الاعتبارية ، فكل من ذهب منهم إلى قول علله بوجه اعتباري
كما هنا ، والحكم عندي في الجميع مرجوع إلى صاحب الأمر صلوات الله عليه وعلى آبائه
الطاهرين ، وإنما نقلت مثل ذلك هنا وفي غير هذه المواضع للوقوف على مذاهب الأصحاب
واحتجاجاتهم في هذه الأبواب.
الرابعة : لا خلاف في
صحة بذل الفدية من المرأة فإنه مورد الآية والأخبار ومثلها وكيلها الباذل لذلك من
مالها لرجوع ذلك بالأخرة إليها ، ولدخوله تحت الآية ، أعني قوله «فَلا
جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» (1) وبذل وكيلها من مالها بإذنها في معنى
بذلها.
وألحق في المسالك بالوكيل الضامن له بإذنها من ماله
ليرجع به عليها ، قال بعد ذكر الوكيل : وكذا بذله ممن يضمن في ذمته بإذنها ، فيقول
للزوج طلق زوجتك على مائة وعلي ضمانها ، والفرق بينه وبين الوكيل أن الوكيل يبذله
من مالها بإذنها ، وهذا يبذل من ماله بإذنها ليرجع عليها بما يبذله بعد ذلك ، فهو
في
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 228.
معنى الوكيل الذي يدفع العوض عن
الموكل من ماله ليرجع إليه ، فدفعه له بمنزلة إقراضه لها ، وإن كان بصورة الضمان ،
انتهى.
أقول : ويعتريني في هذه الصورة المذكورة إشكال من
استفاضة الأخبار بكون البذل من مالها ، ففي موثقة سماعة المتقدمة «ويأخذ من مالها
ما قدر عليه» وفي صحيحة عبد الله بن سنان المنقولة في تفسير الثقة الجليل علي بن
إبراهيم «فقد حل له أن يأخذ منها جميع ما أعطاها ، وكلما قدر عليه مما تعطيه من
مالها» الحديث.
وفي جملة من الأخبار «حل له ما أخذ منها» ونحو ذلك مما
يدل صريحا على أن المأخوذ من مال الزوجة ، والقول بذلك في الوكيل إنما هو من حيث
كون المدفوع من مالها بإذنها وإن اختلف الدافع.
أما في صورة الدفع من ماله وإن كان بقصد الرجوع عليها
فإنه لا يدخل تحت هذه الأخبار إلا بنوع تكلف واعتبار ، والأصل بقاء الزوجية
والعصمة فيها ومن الجائز أن يكون لمالها خصوصية في ذلك دون مال غيرها وإن رجع به
عليها.
وبالجملة فالقول بذلك غير خال من وصمة الاشكال لخروجه
عما صرحت به نصوص المسألة ، وكيف كان فالصورتان الأولتان مما لا خلاف فيهما ولا
إشكال.
إنما الخلاف في صحته من المتبرع بالبذل من ماله ، بأن
يقول للزوج : طلق امرأتك بمائه من مالي بحيث يكون عوضا للخلع ، والأشهر الأظهر
العدم ، لأن الأصل بقاء النكاح حتى يعلم المزيل شرعا وليس فليس.
وأنت خبير بأنه لا فرق بين هذه الصورة والصورة الملحقة
سابقا إلا في الرجوع بعد الدفع كما في الاولى وعدمه كما في الثانية ، وإلا فالبذل
في كلتا الصورتين إنما هو من مال الباذل.
ورد هذه الصورة ـ بأصالة بقاء النكاح حتى يعلم المزيل ولم يعلم كون الدفع من مال الباذل مع عدم الرجوع به مزيلا للنكاح ، لعدم وجود ذلك في أدلة المسألة ـ جار أيضا في الصورة الملحقة ، فإن أصالة النكاح ثابتة ، والدفع من مال أجنبي غير رافع للنكاح وإن كان بنية الرجوع ، لما عرفت من اختصاص النصوص بكون المدفوع من مالها.
ومما يؤيد ما ذكرناه من عدم صحة هاتين الصورتين الأخبار
الدالة على جواز رجوعها فيما بذلته ، وأن للزوج الرجوع فيها ، فإن ظاهرها اختصاص
الرجوع بما بذلته ، وهي في هاتين الصورتين لم تبذل شيئا ، وإنما بذله ذلك الأجنبي
، غاية الأمر أن في إحداهما على وجه الرجوع وأنه يكون قرضا عليها ، وهذا لا يصدق
به الرجوع فيما بذلته إلا بنوع من التأويل والتكلف البعيد.
ويؤيد ما ذكرناه أيضا ظاهر الآية ـ أعني قوله «فَلا
جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» ـ وهي في هاتين
الصورتين لم تفتد بشيء ، وإنما فداها الأجنبي وبموجب ظاهر الآية لا تحل الفدية
للزوج لبقائه تحت الجناح بحيث إنها لم تفتد ، والجناح إنما ارتفعت عما افتدت به
دون ما فداها الغير إلا بارتكاب التأويلات البعيدة والتكلفات الغير السديدة.
وبالجملة فالحكم المذكور غير خال عندي من الاشكال ، وذكر
جملة من الأصحاب أن المخالف في هذه المسألة من أصحابنا غير معلوم على التعيين ،
إلا أنه مذهب جمهور الجمهور ، وربما علل بأن البذل افتداء ، وهو جائز من الأجنبي
كما تقع الجعالة منه على الفعل لغيره وإن كان طلاقا.
ورد بأن البذل المتنازع في صحة ما اقتضى جعل الطلاق معه
خلعا لتترتب عليه أحكامه المخصوصة لا مجرد بذل المال في مقابلة الفعل على وجه
الجعالة ، كأن يقول : طلق زوجتك وعلي ألف من مالي مثلا ، فإن الفرض هنا صحة وقوع
الطلاق ، ولا مانع من صحته ولا من صحة الجعالة عليه ، لكن لا يشترط هنا في إجابته
المقارنة لسؤاله ولا الفورية ، ويكون الطلاق رجعيا من هذه الجهة ، انتهى وهو جيد.
وكيف كان فضعف القول المذكور أظهر من أن يخفى.
قيل : ولو قلنا بصحة الخلع الواقع مع بذل الأجنبي فهل
للأجنبي أن يرجع
بالبذل ما دامت في العدة؟ يحتمل ذلك
كما في بذل الزوجة ، ويحتمل قويا عدم جواز الرجوع هنا مطلقا ، اقتصارا فيما خالف
الأصل على موضع اليقين وهو رجوع الزوجة فيما بذلته خاصة.
أقول : وحيث علم أن أصل القول المذكور لا وجه له ولا
دليل عليه ، فالتفريع عليه مما لا وجه له ولا سبيل إليه.
وفي هذا المقام جملة من الفروع ذكرها الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ أعرضنا عن ذكرها لعدم النصوص الدالة عليها وعدم الاعتماد عندنا على هذه التعليلات الاعتبارية ، فذكرها مجرد تطويل بغير طائل فليرجع إليها من أحب الوقوف عليها في مطولات الأصحاب ، والله العالم (1).
المقام الثالث في الشرائط :
وهي إما أن تتعلق بالخالع أو المختلعة أو تكون خارجة
عنهما ، فهنا مواضع ثلاثة :
الأول : ما يتعلق
بالخالع ، ويشترط فيه البلوغ وكما العقل والاختيار والقصد ، والوجه في ذلك أن
الخلع طلاق كما تقدمت الإشارة إليه ، فيشترط في الخالع ما يشترط في المطلق ، وقد
تقدم تحقيق القول في هذه الشروط في كتاب الطلاق فلا وجه لإعادة الكلام فيها.
قالوا : ولو خالع ولي الطفل ، فإن جعلنا الخلع طلاقا أو
مفتقرا إلى أن يتبع بالطلاق لم يصح مطلقا لما تقدم من أنه ليس للولي أن يطلق عن
الصبي وإن وجد مصلحة ، وإن جعلناه فسخا كما هو القول الآخر صح ، وروعي في صحته
المصلحة ، لأنه حينئذ بمنزلة المعاوضة عنه وهي جائزة مع المصلحة ، فلا فرق حينئذ
بين خلعه بمهر المثل أو أقل ، لأن المصلحة هي المسوغة للفعل.
الثاني : ما يتعلق
بالمختلعة ، ويشترط فيها مع الدخول بها أن تكون في
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 143 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 497 ب 6 ح 3.
طهر لم يقربها فيه إذا كان زوجها
حاضرا وكان مثلها تحيض ، وأن تكون الكراهة منها خاصة.
أما (الأول) فلما تقدم تحقيقه في كتاب الطلاق ، لأن
الخلع طلاق كما عرفت ، وقد تقدم اشتراط ذلك فيه موضحا فيشترط هنا أيضا ، ويرجع في
توضيحه إلى ما تقدم ، قالوا : ويشترط فيه ذلك وإن قلنا بكونه فسخا لدلالة الأخبار
على أنه لا يكون خلع إلا على طهر.
أقول : والتحقيق أن ذكر هذا القول ـ أعني القول بكون
الخلع فسخا ـ لا وجه له في هذه المواضع ولا التفريع عليه لما تقدم من بيان ضعفه ،
وظهور الأخبار الصحاح الصراح في رده وتصريح الأخبار هنا باشتراط كون الخلع على طهر
إنما خرج بناء على تلك الأخبار الدالة على كونه طلاقا لا فسخا.
ومن الأخبار الدالة على اشتراط كونه على طهر ما رواه الكليني
(1) في الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «لا
طلاق ولا خلع ولا مباراة ولا خيار إلا على طهر من غير جماع».
وما رواه الكليني (2) أيضا في الصحيح عن محمد بن إسماعيل
قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن المرأة
تبارئ زوجها أو تختلع منه بشاهدين على طهر من غير جماع ، هل تبين منه؟ فقال : إذا
كان ذلك على ما ذكرت فنعم».
وما رواه في التهذيب (3) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع في
الصحيح قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن المرأة
تبارئ زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع ، هل تبين منه بذلك؟
أو هي امرأته ما لم يتبعها بالطلاق. فقال : تبين منه» الحديث. وقد تقدم في الأخبار
الدالة على أن الخلع لا يتبع بالطلاق وما رواه
في الكافي (4) عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح
قال : «سألت
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 143 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 497 ب 6 ح 3.
(2) الكافي ج 6 ص 143 ح 7.
(3) التهذيب ج 8 ص 98 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 492 ب 3 ح 9.
(4) الكافي ج 6 ص 143 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 496 ب 6 ح 1.
أبا عبد الله عليهالسلام : هل يكون خلع
أو مباراة إلا بطهر؟ فقال : لا يكون إلا بطهر».
وما رواه في التهذيب (1) عن محمد بن مسلم وأبي بصير في الموثق
«قالا : قال أبو عبد الله عليهالسلام : لا اختلاع
إلا على طهر من غير جماع».
وعن زرارة ومحمد بن مسلم (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «الخلع
تطليقة بائنة وليس فيه رجعة ، قال زرارة : لا يكون إلا على مثل موضع الطلاق ، إما
طاهرا وإما حاملا بشهود».
وعن ابن رئاب (3) قال : «سمعت حمران يروي عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : لا يكون
خلع ولا تخيير ولا مباراة إلا على طهر من المرأة من غير جماع» الحديث ، وسيأتي
تمامه قريبا إن شاء الله تعالى.
وأما (الثاني) وهو كون الكراهة منها خاصة فلما استفاض في
الأخبار من أنها لا تختلع حتى تقول تلك الأقوال المحرمة الدالة على كمال كراهتها
ونفرتها من زوجها.
ومنها زيادة على ما تقدم ما رواه في الكافي والفقيه (4) في الصحيح عن
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المختلعة
لا يحل خلعها حتى تقول لزوجها : والله لا أبر لك قسما ولا أطيع لك أمرا ولا أغتسل
لك من جنابة ، ولأوطئن فراشك من تكرهه ولآذنن عليك بغير إذنك ، وقد كان الناس
يرخصون فيما دون هذا ، فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حل له ما أخذ منها ، وكانت
عنده على تطليقتين باقيتين ، وكان الخلع تطليقة ، وقال : يكون الكلام من عندها».
__________________
(1 و 2 و 3) التهذيب ج 8 ص 100 ح 15 و 17 و 13، الوسائل ج 15 ص
497 ب 6 ح 5 و 6 و 4.
(4) الكافي ج 6 ص 139 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 338 ح 2 ، التهذيب ج
8 ص 95 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 487 ب 1 ح 3 وما في الفقيه والوسائل اختلاف يسير.
وما رواه في الكافي (1) عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن
المختلعة فقال : لا يحل لزوجها أن يختلعها حتى تقول : لا أبر لك قسما ولا أقيم
حدود الله فيك ولا أغتسل لك من جنابة ولأوطئن فراشك ولأدخلن بيتك من تكره من غير
أن تعلم هذا ولا يتكلمونهم ، وتكون هي التي تقول ذلك ، فإذا هي اختلعت فهي بائن
وله أن يأخذ من مالها ما قدر عليه» الحديث.
وما رواه في الكافي (2) عن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المختلعة
التي تقول زوجها : اخلعني وأنا أعطيك ما أخذت منك ، فقال :
لا يحل له أن يأخذ منها شيئا حتى تقول : والله لا أبر لك
قسما ولا أطيع لك أمرا ولآذنن في بيتك بغير إذنك ولأوطئن فراشك غيرك ، فإذا فعلت
ذلك من غير أن يعلمها حل له ما أخذ منها ، وكانت تطليقة بغير طلاق يتبعها ، وكانت
بائنا بذلك ، وكان خاطبا من الخطاب».
إلى غير ذلك من الأخبار الجارية على هذا المنوال في
اشتراط مشروعية الخلع بأمثال هذه الأقوال ، وهو في غاية الاشكال والإعضال.
وبظاهر هذه الأخبار وما دلت عليه من هذا الاشتراط أفتى
الشيخ وغيره من المتقدمين حتى قال ابن إدريس في كتابه : إن إجماع أصحابنا منعقد
على أنه لا يجوز الخلع إلا بعد أن يسمع منها ما لا يحل ذكره من قولها : لا أغتسل
لك من جنابة ولا أقيم لك حدودا ولأوطئن فراشك من تكرهه ، ويعلم ذلك فعلا ، انتهى.
ويشكل ذلك بما لو لم تنته الكراهة إلى هذا المقدار ،
فإنه بموجب هذه
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 140 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 95 ح 2 ، الوسائل ج
15 ص 488 ب 1 ح 5.
(2) الكافي ج 6 ص 140 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 95 ح 3 ، وفيه
اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 488 ب 1 ح 4.
الأخبار لا يجوز خلعها ، بل أن الذي
شاهدناه من مشايخنا (1) بل هو ظاهر
متأخري أصحابنا هو الاكتفاء بما هو دون هذه المرتبة. (2)
ويشكل أيضا بما لو لم تقل أمثال هذه الأقوال ، فإن
النصوص على كثرتها متفقة على أنه لا يحل أخذ شيء منها ، ولا يصلح خلعها حتى تقول
ذلك ، حتى أنها دلت على أنه لا بد أن تكون تلك الأقوال منها دون أن يعلمها غيرها ،
والمفهوم من كلام متأخري الأصحاب عدم اشتراط ذلك لأنهم جعلوا مناط الخلع حصول
الكراهة منها ، ولم يشترط أحد منهم الإتيان بهذه الأقوال بالفعل ، بل كلما دل على
الكراهة من لفظ أو فعل أو نحو ذلك فهو كاف في صحة الخلع وترتيب أحكامه عليه.
ولم أقف على من تنبيه لهذين الإشكالين في المقام إلا
السيد السند في شرح النافع ، فإنه تنبه للإشكال الأول منهما ، فقال بعد نقل كلام
ابن إدريس المذكور : وعلى هذا فيشكل وقوع الخلع في كثير الموارد إذا لم يعلم وصول
الكراهة من الزوجة إلى هذا الحد. انتهى ، وقد غفل عن الإشكال الثاني مع أنه أشد
وأعضل ، فإن كثيرا من النساء وإن كرهن كراهة تامة إلا أنهن لا يهتدين إلى هذه
الأقوال ولا أمثالها ، والنصوص كما ترى ظاهرة في اشتراطها وكذا ظاهر كلام ابن
إدريس.
__________________
(1) حيث انهم قد صرحوا بأنه لو منعها شيئا من حقوقها الواجبة
كالقسمة والنفقة فبذلت له مالا ليخلع صح خلعها ، وان فعل محرما الا أنه منفك عن
الخلع ، وكذا لو أغارها وتزوج عليها فبذلت له مالا للخلع منه فإنه يصح خلعها ، ومن
المعلوم أن الكراهة الحاصلة بهذه الأمور لا تبلغ الى تلك المرتبة المذكورة في
الاخبار كما هو ظاهر. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) قال بعض مشايخنا ـ رضوان الله عليهم ـ : أى كان عمل فقهاء
الصحابة والتابعين الرخصة في الخلع أو في الأخذ منها زائدا على ما أعطيت بأقل من
هذا النشوز وهذه الأقوال ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
وبالجملة فالمسألة عندي غير خالية من شوب الاشكال ، وحيث
قد عرفت أن الخلع طلاق كما دلت عليه النصوص المتقدمة وإن لم يتبع بالطلاق ،
فاللازم من ذلك هو لحوق أحكام الطلاق له ، وقد تقدم في كتاب الطلاق جواز طلاق
الحامل في الدم إن قلنا بأنها تحيض ، وكذا طلاق التي لم يدخل بها وإن كانت في
الحيض وكذا اليائسة وإن وطأها في طهر المخلعة ، وحينئذ يصح خلع هؤلاء الثلاث في
المواضع الثلاثة كما يصح طلاقهن ، ونقل عن بعض أصحابنا أنه حكم بعدم جواز خلع
الحامل إن قلنا إنها تحيض إلا في طهر آخر غير طهر المواقعة بخلاف الطلاق.
قال في شرح النافع بعد نقل هذا القول : وهو مجهول القائل
والمأخذ ، أقول : وضعفه ظاهر مما قدمناه.
الثالث : ما هو خارج
عن الأولين ، ومنه الاشهاد ، فيتبعه في صحة الخلع حضور شاهدين عدلين ، وقد تقدم في
الأخبار قريبا ما يدل عليه.
ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ (1) عن علي بن
رئاب قال : «سمعت حمران يروي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لا يكون
خلع ولا تخيير ولا مباراة إلا على طهر من غير جماع وبشاهدين يعرفان الرجل ويريان
المرأة ويحضران التخيير وإقرار المرأة على أنها على طهر من غير جماع يوم خيرها ،
قال : فقال محمد بن مسلم : أصلحك الله ما إقرار المرأة ها هنا؟ قال : قال : يشهد
الشاهدان عليها بذلك للرجل حذرا أن تأتي بعد فتدعي أنه خيرها ، وهي طامث فيشهدان
عليها بما سمعا منها وإنما يقع عليها الطلاق إذا اختارت نفسها قبل أن تقوم. وأما
الخلع والمبارأة فإنه يلزمها إذا أشهدت على نفسها بالرضا فيما بينها وبين زوجها
بما يفترقان عليه في ذلك المجلس ، فإذا افترقا على شيء ورضيا به كان ذلك جائزا
عليهما ، وكانت تطليقة بائنة لا رجعة له عليها سمي طلاقا أو لم يسم ، ولا ميراث
بينهما في
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 99 ح 13 ، الوسائل ج 15 ص 497 ب 6 ح 4 وفيه
اختلاف يسير.
العدة ، قال : والطلاق والتخيير من
قبل الرجل ، والخلع والمبارأة يكون من قبل المرأة».
أقول : ما دل عليه هذا الخبر من اشتراط معرفة الشاهدين
للرجل والمرأة بمعنى العلم بهما لم أقف على من صرح به إلا السيد السند في شرح
النافع ، وقد تقدم الكلام معه في هذه المسألة في الركن الرابع في الاشهاد من كتاب
الطلاق ، وظاهر الخبر المذكور مؤيد لما قدمنا ذكره من عدم اشتراط صيغة خاصة للخلع
أو المبارأة ، بل كلما دل على الرضا بهما من الألفاظ الجارية بينهما فهو كاف في
صحة الخلع وترتب أحكامه عليه ، فإنه ينادي بظاهره أنهما إذا تراضيا على شيء
وافترقا عليه من ذلك المجلس وكان ذلك التراضي بحضور الشاهدين مع استكمال باقي
الشرائط فإنه يكون خلعا ، وهذا نحو ما وقع في خبر جميل المتقدم ذكره.
ومنه ما ذكروه من أنه يشترط تجريده من الشرط ، والمراد الشرط
الذي لا يقتضيه العقد ، أما لو اقتضاه كما لو اشترط الرجوع إن رجعت في البذل فإنه
لا بأس به ، بل اشتراطه في التحقيق كلا اشتراط. فإن هذا الحكم ثابت له اشتراط أو
لم يشترط.
أما ما لا يقتضيه العقد فظاهر السيد السند في شرح النافع
(1) نقل الاتفاق
على عدم جواز اشتراطه ، قال : ويدل عليه أصالة عدم البينونة مع الخلع المعلق على
الشرط السالمة عما يخرج عنه.
أقول : لا يخفى ما في هذا التعليل العليل من الوهن سيما
مع معارضته بعموم ما دل على مشروعية الخلع الشامل لما كان مشروطا أو غير مشروط ،
والكلام في هذه المسألة يجري على ما تقدم في كتاب الطلاق من أنه يشترط تجريد
الطلاق
__________________
(1) قال ـ قدسسره ـ : وأما أنه يعتبر فيه تجرده من الشرط
الذي لا يقتضيه العقد فمقطوع به في كلام الأصحاب ، وظاهرهم أنه موضع وفاق ، انتهى.
(منه ـ قدسسره ـ).
من الشرط ، وظاهرهم الاتفاق على الحكم
المذكور في الموضعين ، وهو الحجة عندهم ، وإلا فما ذكر من التعليلات في كل من
الموضعين عليلة لا يصلح لتأسيس حكم شرعي.
وظاهر جملة من الأصحاب ومنهم شيخنا في المسالك التوقف في
الحكم المذكور في الطلاق ، وقد تقدم البحث فيه مستوفى ، وهو الظاهر منه أيضا في هذه
المسألة حيث قال : الكلام في اشتراط تجريده عن الشرط كالكلام في الطلاق من أنه
مذهب الأصحاب ، ودليله غير صالح ، وعموم الأدلة الدالة على مشروعيته يتناول
المشروط وورود النص بجواز تعليق الظهار على الشرط يؤنس بكونه غير مناف للصحة في
الجملة ، إلا أن الخلاف هنا غير متحقق ، فإن تم فهو الدليل ، انتهى.
أقول : ويؤيد الصحة مع الشرط عموم الأدلة الدالة على
وجوب الوفاء بالشرط (1)
«وأن المؤمنين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو حلل
حراما». وبالجملة فالمسألة محل توقف ، والاحتياط يقتضي الوقوف على القول المشهور ،
والله العالم.
ومن الشروط المقتضية لبطلان العقد عند الأصحاب وهي التي
ليست من مقتضيات العقد ما لو قال : خالعتك إن شئت ، فإنه لا يصح وإن شاءت لأنه شرط
ليس من مقتضى العقد ، وكذا لو قال : إن ضمنت لي ألفا أو إن أعطيتني أو نحو ذلك ،
وكذا : متى أو مهما أو أي وقت أو أي حين ، قالوا : وضابطه أن يكون أمرا متوقعا بعد
الصيغة علقت عليه يمكن وجوده وعدمه ، والله العالم.
المقام الرابع في الأحكام :
وفيه مسائل : الاولى : قالوا : لو
أكرهها على الفدية فعل حراما ، ولو طلق به صح الطلاق ولم تسلم له الفدية وكان له
الرجعة.
أقول : هذا الكلام يتضمن حكمين : (أولهما) أنه بإكراهه
لها على الفدية
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 467 ح 80 ، الوسائل ج 12 ص 353 ب 6 ح 5
وفيهما اختلاف يسير.
فعل محرما ولا يملك الفدية ، والوجه
فيه ظاهر لقيام الأدلة العقلية والنقلية بأنه «لا يحل مال امرئ إلا بإذنه». ويتحقق
الإكراه عليها بتوعده إياها بما لا تحتمله أو لا يليق بحالها من ضرب وشتم ونحوهما
، لا بالتقصير في حقوقها الواجبة من النفقة والقسم فتعتدي منه لذلك فإنه لا يعد
إكراها ، لأنه ربما يكون الحامل عليه ضعف دينه وحرصه على المال. نعم لو ظهر لها
أنه إنما فعل ذلك لتفتدي منه فهو إكراه لصدق تعريفه عليه ، وقد تقدم في بحث الشقاق
من كتاب النكاح ما يشير إليه.
و (ثانيهما) أنه حيث يتحقق الإكراه على البذل فإن كان
الواقع طلاقا كما ذكروه ويكون من قبيل الطلاق بعوض صح الطلاق خاصة وفسد البذل لعدم
صحة كونه عوضا وكان له الرجعة كما في سائر أفراد الطلاق ، ويحتمل بطلان الطلاق
لعدم توجه القصد إليه إلا بالفدية وهي باطلة ، فما قصد غير صحيح ، وما هو صحيح لم
يتوجه إليه قصد ، وقد تقرر أن العقود بالقصود.
وإن كان الواقع خلعا وإن لم يتعرض له في العبارة
المتقدمة كان باطلا ، وإن قلنا إنه طلاق فلا يكون رجعيا لأن ماهيته لا تتحقق بدون
صحة البذل عند الأصحاب.
الثانية : قد صرحوا ـ رضوان
الله عليهم ـ بأنه لو خلعها والأخلاق ملتئمة لم يصح الخلع ولم يملك الفدية ، ولو
طلقها والحال هذه بعوض صح الطلاق ، ولا يملك العوض وله الرجعة.
أقول : أما عدم صحة الخلع في هذه الحال فظاهر ، لأن من
شروطها وقوع الكراهة ، والفرض أنه لا كراهة كما هو المراد من التئام الأخلاق ،
وإذا لم يصح الخلع لم يملك الفدية ، ثم إنه لا يخفى أن التعبير بالتئام الأخلاق
هنا عن عدم الكراهة الموجبة لصحة الخلع إنما خرج مخرج الغالب ، وذلك فإن الكراهة
أمر نفسي يمكن مجامعتها لالتئام الأخلاق ، فيمكن أن تكرهه وتحسن السلوك
معه امتثالا للأوامر الشرعية ،
والقيام بما هو الواجب عليها من حقوقه ، ولكن لما كان ذلك على خلاف الغالب
والطريقة الجارية بين الناس لم يلتفت إليه الأصحاب وبنوا الأمر على الغالب ، وفي
كلام العقلاء والظاهر أنه في بعض الأخبار «ما أضمر أحدكم شيئا إلا أظهره الله
تعالى على صفحات وجهه وفلتأت لسانه».
وفي المقام حكاية يناسب ذكرها وهو أن رجلا مرض مرضا
شديدا ، وكان له زوجة تقوم عليه وتخدمه خدمة فائقة لم ير مثلها في الأزواج ، فلما
من الله عليه بالصحة قال لزوجته : إن لك علي حقا من أعظم الحقوق أحب أن أكافيك به
واجازيك عليه ، وهو أنك قد خدمتني سيما في هذا المرض خدمة زائدة ، فاطلبي ما
تريدين ، فإنه لا بد لي من مكافاتك ، فقالت له : إله عن هذا ، فإني لا أطلب شيئا ،
فألح عليها وأكد تمام التأكيد بحيث إنها لم تجد دفعا له ، فقالت إن كان ولا بد
فإني أطلب الطلاق منك ، فتعجب الرجل غاية العجب ، وقال : إنك بهذه المحبة التي
تظهر منك بهذه الخدمة العظيمة في الصحة والمرض كيف تطلبين الطلاق؟ فقالت : اعلم
إني منذ تزوجت بك فإني كارهة لك تمام الكراهة وإنما كانت هذه الخدمة مني امتثالا لأمر
الله سبحانه في القيام بما أوجبه علي من حقوقك ، والظاهر أن الرجل أجابها إلى
الطلاق بعد ذلك.
ثم إن ما ذكروه من قولهم «ولو طلق صح الطلاق. إلخ» فالمراد أنه لو لم يقع بلفظ الخلع وإنما وقع بلفظ الطلاق بعوض فإن الطلاق يكون صحيحا ، ولكنه يصير رجعيا لا بائنا ، ولم تسلم له الفدية لما عرفت من الأخبار المتكاثرة المتقدمة من أن الفدية لا تحل إلا بتلك الأقوال المنكرة التي هي كناية عن مزيد الكراهة ، والمفروض هنا أن الأخلاق ملتئمة ، هذا هو المشهور ، وقيل : بالبطلان ، وقد تقدم الكلام في ذلك في آخر الموضع الرابع من المقام الأول في الصيغة ، ويأتي على ما ذهب إليه شيخنا الشهيد الثاني كما قدمنا البحث فيه معه في الموضع المذكور أنه يقع الطلاق هنا موقع الخلع ويترتب عليه ما يترتب على البينونة واستحقاق البذل ونحو ذلك ، وقد عرفت ما فيه.
الثالثة : قد صرحوا ـ رضوان
الله عليهم ـ بأنه يجوز عضلها إذا أتت بالفاحشة لتفتدي نفسها ، وقيل : بأنه منسوخ
والأكثر على العدم.
أقول : الأصل في هذا الحكم قوله عزوجل «وَلا
تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ
بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» (1) والعضل لغة
المنع والتضييق ، والمراد هنا التضييق بالمنع من التزويج وسوء العشرة معها لتفتدى
منه.
قال في المسالك : واختلف في الفاحشة المستثناة بسببها ،
فقيل : هو الزنا ، وقيل : ما يوجب الحد مطلقا ، وقيل : كل معصية ، وكون الحكم على
خلاف الأصل ينبغي معه الاقتصار على محل الوفاق ، وهو الأول لأنه ثابت على جميع
الأقوال ، انتهى.
أقول : أما الفاحشة الموجبة لإخراج الزوجة المذكورة في
قوله عزوجل «لا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ
بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» (2) فقد تقدم (3) ذكر الخلاف
فيها ، والأخبار المتعلقة بها وأكثر الأخبار على أن المراد منها إيذاء أهلها وسوء
خلقها معهم ، وفي رواية الزنا ، وفي ثالثة أنها السحق لا الزنا وأما الفاحشة في
هذه الآية فلم أقف على اختلاف الأقوال فيها إلا فيما ذكره هنا ومن المحتمل قريبا
أنه بنى على تلك الأقوال التي تقدمت في تلك الآية.
وأما ما يتعلق بهذه الآية من الأخبار فلم أقف فيه إلا
على ما ذكره أمين الإسلام الطبرسي ـ طيب الله مرقده ـ في كتاب مجمع البيان (4) حيث قال :
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 19.
(2) سورة الطلاق ـ آية 1.
(3) تقدم ذلك في المسألة الاولى من المقام الثاني في اللواحق
وهو آخر كتاب الطلاق. (منه ـ قدسسره ـ). والصحيح هو المقام الثامن راجع ص
523 من هذا الجزء.
(4) مجمع البيان ج 3 ص 24.
«إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ
مُبَيِّنَةٍ» أي ظاهرة : وقيل : فيه قولان (أحدهما)
يعني إلا أن يزنين ، عن الحسن وأبي قلابة والسندي وقالوا : إذا اطلع منها على زينة
فله أخذ الفدية. (والآخر) أن الفاحشة النشوز ، عن ابن عباس ، والأولى حمل الآية
على كل معصية ، وهو المروي عن أبي جعفر عليهالسلام واختاره
الطبري ، انتهى.
وليس في المقام غير هذه الرواية فيتعين الحمل عليها ،
إلا أنه من المحتمل قريبا تفسير الفاحشة هنا أيضا بما دلت عليه تلك الأخبار
المتقدمة من تلك الأقوال القبيحة التي إذا قالتها المرأة حل له ما أخذه منها وحل
له خلعها ، ولكن هذا في الحقيقة يرجع إلى ما دل عليه الخبر المتقدم من أنها كل
معصية ، فإنه أحد أفراد المعاصي فلا يكون خارجا عنه.
وبما ذكرنا يظهر لك ما في كلامه ـ قدسسره ـ من الإشكال
، فإن العمل في تفسير الآية وبناء الأحكام الشرعية على ذلك إنما هو على الأدلة
الشرعية والحجج الواضحة الجلية ، لا على مجرد الأقوال ، ليرجح منها ما هو المتفق
عليه من تلك الأقوال وإن عرت عن الاستدلال.
وأما ما ذكر من القول بأنها منسوخة فهو قول ذكره الشيخ
في المبسوط وتبعه فيه بعض من تأخر عنه ، والظاهر أنه من أقوال العامة كما نبه عليه
شيخنا في المسالك. (1)
قالوا : إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى «الزّانِيَةُ
وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» (2) وإنه كان قبل نزول الحدود للرجل أن
يعضل الزانية لتفتدي
__________________
(1) قال ـ قدسسره ـ ونعم ما قال : واعلم أن القول الذي حكاه
المصنف من كون الاية منسوخة تبع فيه الشيخ في المبسوط ، وهو قول بعض العامة ، وأما
أصحابنا فلا يعرف ذلك لهم ولم ينقله أحد من الأصحاب عنهم ، ولكن الشيخ في المبسوط
يحكى أقوالهم ويختار منها ما ترجح عنده ، وقد نقل القول بكونها منسوخة بقوله :
وقيل وهو ضعيف المستند. انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) سورة النور ـ آية 2.
نفسها ، فلما نزلت الحدود حرم أخذ
المال بالإكراه.
وأنت خبير بأنه لا وجود لهذه الأخبار المبني عليها هذا
القول في شيء من أصولنا ، والموجود في أخبارنا في تفسير هذه الآية أن الفاحشة
فيها إنما هي بمعنى كل معصية كما عرفت لا بخصوص الزنا ، وبالجملة فالقول المذكور
غير ملتفت إليه ولا معول عليه.
الرابعة : لا ريب في
أنه متى صح الخلع واجتمعت شرائطه كانت فرقة بائنة لا رجعة للزوج فيها إلا أن ترجع
هي فيما بذلت إذا كان رجوعها في العدة ، فإنه مع رجوعها يكون الطلاق حينئذ رجعيا ،
فإن شاء الرجل أن يرجع رجع.
فأما ما يدل على البينونة بذلك على الوجه المذكور فجملة
من الأخبار ، منها قوله عليهالسلام
في صحيحة محمد بن مسلم (1) «المختلعة التي
تقول لزوجها : اخلعني ـ إلى أن قال عليهالسلام : ـ فإذا فعلت
ذلك من غير أن يعلمها حل له ما أخذ منها وكانت تطليقة بغير طلاق يتبعها ، وكانت
بائنة بذلك ، وكان خطابا من الخطاب».
وفي رواية أبي الصباح الكناني (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «إذا
خلع الرجل امرأته فهي واحدة بائنة ، وهو خاطب من الخطاب».
وفي صحيحة محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر عليهالسلام «حل له ما أخذ
منها وليس له عليها رجعة».
وأما ما يدل على كونه رجعيا متى رجعت هي في العدة فمنه صحيحة
محمد ابن إسماعيل (4) بن بزيع عن
الرضا عليهالسلام قال فيها «تختلع
منها بشهادة شاهدين
__________________
(1 و 2) الكافي ج 6 ص 140 ح 3 و 4، التهذيب ج 8 ص 95 ح 3 و 4،
الوسائل ج 15 ص 488 ب 1 ح 4 و 6.
(3) الكافي ج 6 ص 141 ح 8 ، التهذيب ج 8 ص 97 ح 7 ، الفقيه ج 3
ص 339 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 496 ب 5 ح 3.
(4) التهذيب ج 8 ص 98 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 492 ب 3 ضمن ح 9
وفيهما اختلاف يسير.
على طهر من غير جماع ، وهل تبين منه
بذلك أو هي امرأته ما لم يتبعها بالطلاق؟ فقال : تبين منه ، وإن شاءت أن يرد إليها
ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت» الحديث.
وموثقة الفضل أبي العباس (1) عن أبي عبد
الله ، عليهالسلام قال : «المختلعة
إن رجعت في شيء من الصلح يقول : لأرجعن في بضعك».
وفي صحيحة عبد الله بن سنان (2) المروية في
تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي. رحمهالله ـ عن أبي عبد
الله عليهالسلام وقد تقدم
صدرها (3) قال فيها «وإن
تراضيا على ذلك على طهر بشهود فقد بانت منه بواحدة وهو خاطب من الخطاب ، فإن شاءت
زوجته نفسها ، وإن شاءت لم تفعل ، فإن تزوجها فهي عنده على ثنتين باقيتين ، وينبغي
له أن يشترط عليها كما يشترط صاحب المبارأة : إن ارتجعت في شيء مما أعطيتني فأنا
أملك ببضعك ، وقال : لا خلع ولا مباراة ولا تخيير إلا على طهر من غير جماع بشهادة
شاهدين عدلين ، والمختلعة إذا تزوجت زوجا آخر ثم طلقها يحل للأول أن يتزوجها ، ولا
رجعة للزوج على المختلعة ، ولا على المبادلة إلا أن يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ
منها».
وفي هذه الرواية الأخيرة وكذا صحيحة ابن بزيع ما يدل على
الأمرين على البينونة بالخلع وكونه رجعيا بعد رجوعها.
إذا تقرر ذلك فاعلم أن المشهور أن للمرأة الرجوع ما دامت
في العدة فإذا رجعت كان للزوج الرجوع في نكاحها إن شاء ، صرح به الشيخ وغيره.
قال في النهاية : وتكون تطليقة بائنة لا يملك رجعتها ،
اللهم إلا أن ترجع المرأة فيما بذلته من مالها ، فإن رجعت في شيء من ذلك كان له
الرجوع أيضا في
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 100 ح 16 ، الوسائل ج 15 ص 499 ب 7 ح 3.
(2) تفسير القمي ج 1 ص 75 ، الوسائل ج 15 ص 499 ب 7 ح 4.
(3) أقول : تقدم ذلك في الفرع الثاني من الفروع الملحقة
بالمقام الأول في الصيغة. (منه ـ قدسسره ـ). راجع ص 584 من هذا الجزء.
بضعها ما لم تخرج من العدة ، فإن خرجت
من العدة ثم رجعت في شيء مما بذلته لم يلتفت إليها ولم يكن له عليها أيضا رجعة ،
وإن أراد مراجعتها قبل انقضاء عدتها إذا لم ترجع هي فيما بذلت أو بعد انقضائها كان
ذلك بعقد مستأنف ومهر جديد.
وهذا الكلام دال بإطلاقه على جواز رجوعها في البذل سواء
اشترطت ذلك في العقد أم لا ، وسواء اختار الرجل ذلك أم لا ، وظاهر ابن حمزة أنه مع
الإطلاق وعدم اشتراط رجوعها ورجوعه فلا بد من تراضيهما معا بالرجوع واتفاقهما عليه
، فلو لم يرض الزوج بالرجوع لم يكن لها الرجوع ، بناء على أن الخلع عقد معاوضة ،
فيعتبر في صحته تراضيهما ، ومع التقييد فالحكم كما ذكره الشيخ إذا كان في العدة.
قال ابن حمزة على ما نقله عنه في المختلف : يجوز أن
يطلقا الخلع وأن تقيد المرأة بالرجوع فيما افتدت به ، والرجل الرجوع في بضعها ،
فإن أطلقا لم يكن لأحدهما الرجوع بحال إلا برضا الآخر ، وإن قيدا لم يخل إما
لزمتها العدة أو لم تلزم ، فإن لزمتها جاز الرجوع ما لم تخرج من العدة ، فإن خرجت
منها أو لم تلزم العدة لم يكن لهما الرجوع بحال إلا بعقد جديد ومهر مستأنف.
واختار هذا القول السيد السند في شرح النافع ، وقبله جده في المسالك ومراده بمن لم تلزمها العدة ما لو كانت صغيرة أو يائسة أو غير مدخول بها ومن تمت عدتها ، وفي معناها العدة البائنة كعدة المطلقة الثالثة ، وظاهره أنه مع التقييد ، فجواز رجوعها لازم لجواز رجوعه ، فلو لم يمكنه الرجوع لكون العدة بائنة كأن تكون الطلقة ثالثة أو كانت غير مدخول بها ونحوهما مما تقدم فإنه لا يجوز لها الرجوع ، وظاهر الأخبار المتقدمة ، فإنها ظاهرة كالصريحة في إمكان رجوعه لقوله في صحيحة ابن بزيع «وتكون امرأته» وقوله في موثقة الفضل «لأرجعن في بضعك» ونحوهما الرواية الثالثة إذ لا يصدق شيء من ذلك فيما إذا كانت العدة بائنة ، كما أنه لا يصدق بعد خروج العدة ، إلا أنه لا إشعار في شيء منها بصورة التقييد كما ذكروه ، بل ظاهرها أعم من ذلك كما هو ظاهر عبارة الشيخ في النهاية.
وكيف كان فالظاهر من الأخبار المتقدمة هو اتفاقهما
وتراضيهما على الرجوع شرط أحدهما أم لم يشترط ، وإن كان الأولى الاشتراط كما دل
عليه الخبر الثالث.
ويظهر الخلاف من كلامي الشيخ وابن حمزة في أنه مع
الإطلاق لو رجعت المرأة في بذلها ولم يرض الرجل بذلك فإنه لا يصح رجوعها على قول
ابن حمزة المتقدم ، لأنه اشترط في جواز رجوعها تراضيهما معا عليه ، بناء على أنه
عقد معاوضة ، فيعتبر في فسخه رضاهما. وأما على قول الشيخ ، فإنه يصح لأن غاية ما
دلت عليه الأخبار هو جواز رجوعه بعد رجوعها ، فالشرط إمكان رجوعه في صحة رجوعها ،
وإن لم يعتبر رضاه.
وبالجملة فالأولى الوقوف على ظاهر الأخبار المذكورة كما
أشرنا إليه.
بقي الكلام هنا في مواضع : الأول : أنك قد عرفت أنه
برجوع المرأة في البذل تصير العدة رجعية بعد أن كانت بائنة قبل ذلك ، وحينئذ فهل
تترتب عليها أحكام العدة الرجعية مطلقا كوجوب النفقة والسكنى وتحديد عدة الوفاة لو
مات في هذه العدة ونحو ذلك أم لا؟ إشكال ينشأ من أن كونها عدة رجعية يقتضي ذلك إذ
لا معنى للعدة الرجعية إلا ما يجوز للزوج الرجوع فيها ، وهو يقتضي بقاء الزوجية
الموجبة للأحكام المذكورة ، ومن أنها ابتدأت على البينونة وسقوط هذه الأحكام ،
فعودها بعد ذلك يحتاج إلى دليل ، والأصل يقتضي استصحاب الحكم السابق ، ولا يلزم من
جواز رجوعه على هذا الوجه كونها رجعية مطلقا لجواز أن يراد بالرجعية ما يجوز للزوج
الرجوع فيها مطلقا كما هو الظاهر ، وأما قبل رجوعها فلا شبهة في انتفاء أحكام
الرجعية عنها.
أقول : لا ريب أن الأنسب بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية ـ وإن لم يوجد نص في خصوص هذه المسألة بالكلية ـ هو الوجه الأول من الاحتمالين المذكورين ، فتجب هذه الأشياء المعدودة ونحوها ومنه ما لو مات الرجل والمرأة في تلك الحال ، والظاهر أنه لا خلاف في ثبوت التوارث من الطرفين.
ومما يؤيد ذلك قوله عليهالسلام
في صحيحة ابن بزيع المتقدمة (1) «وإن شاءت أن
يرد عليها ما أخذ منها وتكون امرأته. إلخ». فإنه ظاهر في أنها برجوعها في البذل
تكون امرأته ، بمعنى ملك رجعتها ، كما أن المطلقة في العدة الرجعية كذلك (2) وقضية ذلك
ترتب الأحكام المذكورة على رجوعها ، وجميع ما علل به الوجه الثاني معلول.
أما قوله «إنها ابتدأت على البينونة. إلخ» ففيه أن العدة
وإن كانت ابتداؤها على البينونة وسقوط تلك الأحكام إلا أنه برجوعها في البذل قد
تغير الحكم من البينونة إلى الرجعية ، فبتبدل الحكم المذكور تبدلت الأحكام
المترتبة على كل منهما ، وبذلك يظهر ما في قوله الأصل يقتضي استصحاب الحكم السابق
وأي أصل هنا مع تبدل الحكم الأول إلى نقيضه لأنها أولا كانت عدة بائنة والآن صارت
عدة رجعية ، ومقتضي الأصل استصحاب أحكام العدة الرجعية. (3)
قوله «ولا يلزم من جواز رجوعه على هذا الوجه. إلخ» مردود
، بأنه أي مانع يمنع من أن الشارع يحكم بالبينونة وما يترتب عليها قبل رجوع المرأة
في البذل ، ثم يحكم بالرجعة وما يترتب عليها بعد الرجوع فيه ، وجواز أن يراد
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 98 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 492 ب 3 ضمن ح 9.
(2) لا بمعنى أنها تصير امرأته حقيقة ، لأنها لا تكون كذلك الا
بعد رجوعه فيها إذا رجعت في البذل. (منه ـ قدسسره ـ).
(3) أقول : ومن الاخبار الظاهرة فيما قلناه قول أبى جعفر عليهالسلام في موثقة زرارة لما سأله عن الرجل يطلق المرأة هل يتوارثان؟ فقال : «ترثه ويرثها ما دام له عليها رجعة». ونحوها غيرها ، وهي ظاهرة بل صريحة في دوران الإرث مدار ثبوت الرجعة كما لا يخفى. (منه ـ قدسسره ـ).
بالرجعية ما يجوز للزوج الرجوع فيها
مطلقا بمعنى رجعت أو لم ترجع خلاف للظاهر لأنك قد عرفت أن هذه العدة قد اتصفت
بالبينونة والرجعية باعتبارين ، فبالنظر إلى عدم رجوع الزوجة بالبذل فهي بائنة لا
يجوز للزوج الرجوع فيها كما صرحت به الأخبار ، وباعتبار رجوعها فيه قد انقلب الحكم
وتغير إلى نقيضه من الرجعية ، ويترتب على كل منهما أحكامه الشرعية ، وظاهره في
المسالك الميل إلى الوجه الثاني ، وفيه ما عرفت.
الثاني : هل يجوز للرجل أن يتزوج أخت الزوجة التي خلعتها؟
وكذا هل يجوز أن يتزوج برابعة أم لا؟ وجهان بل قولان ، أظهرهما الأول لتحقق
البينونة التي من فروعها ذلك.
وعليه يدل بالنسبة إلى تزويج الأخت ما رواه ثقة الإسلام (1) في الصحيح عن
أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل اختلعت منه امرأته أيحل له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟
قال : نعم قد برئت عصمتها ، وليس له عليها رجعة».
وعلل القول بالمنع بأنه عقد متزلزل في حكم الرجعي ،
ولأنه على تقدير تقدم ذلك ثم رجوعها يصير جامعا بين الأختين وأزيد من العدد
الشرعي.
وضعف التعليل الأول أظهر من أن يخفى إذ لا تزلزل مع ثبوت
البينونة به وكونه يصير رجعيا بعد رجوعها لا يوجب منع إجراء أحكام البينونة عليه
قبل الرجوع ، ولا يوصف بالتزلزل في تلك الحال الاولى.
وأما الثاني فهو مبني على تجويز الرجوع لها ، وسيأتي ما
فيه ، ثم إنه على تقدير ما اخترناه من جواز التزويج فهل للزوجة الرجوع في البذل
بعد تزويجه بأختها أو أخذ الرابعة ، أم لا؟ وجهان ، أقربهما الثاني لما تقدم من أن
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 144 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 504 ب 12 ح 1.
وما قيل من أنه يمكن إزالته بتطليق الأخت والرابعة بائنة
فله الرجوع حينئذ لزوال المانع مردود ، بأن ظاهر الأخبار الدالة على الانقلاب
رجعيا بعد رجوعها أنها بمجرد رجوعها في البذل صارت امرأته من غير توقف على أمر آخر
وهذا لا تصير امرأته بمجرد ذلك ، كما لا تصير ذات الطلقة الثالثة والغير المدخول
بها امرأته بمجرد الرجعة ، فإذا لم تصر امرأته بمجرد رجوعها في البذل امتنع رجوعه
، وقد عرفت أنه متى امتنع رجوعه فيها امتنع رجوعها في البذل.
الثالث : هل يجوز لها الرجوع في بعض ما بذلته؟ وجهان ،
اختار ثانيهما السيد السند في شرح النافع حيث قال : والأظهر أنه ليس للمرأة الرجوع
في بعض ما بذلته.
وقال في المسالك : لو رجعت في البعض خاصة هل يصح الرجوع
ويترتب عليه صحة رجوعه؟ لم أقف فيه على شيء يعتد به ، وفيه أوجه كل منها محتمل : (أحدها)
جواز الرجوع ، ويترتب عليه رجوعه. أما الأول فلما اتفق عليه الأصحاب من أن البذل
غير لازم من جهتها ، فكما يصح لها الرجوع في الجميع يصح في البعض لأن الحق لها ،
فلها إسقاط الجميع فإن عدم الرجوع في قوة الإسقاط ، إذ لا يلزم منه رجوع العوض
الآخر بل جوازه ، وأما الثاني فلأنه مترتب على رجوعها ، وقد حصل.
وفي رواية أبي العباس (1) ما يرشد
إليهما ، لأنه قال «المختلعة إن رجعت في شيء من الصلح يقول : لأرجعن في بضعك». وهو
صريح في الاكتفاء بالبعض وترتب رجوعه عليه.
و (الثاني) المنع فيهما. أما الأول فلأن جوازه يقتضي
صيرورة الطلاق رجعيا
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 100 ح 16 ، الوسائل ج 15 ص 499 ب 7 ح 3.
وإنما تصير رجعيا إذا لم يشتمل على
عوض ، والعوض باق في الجملة ، إذ لا فرق فيه بين القليل والكثير ، ومن ثم لو جعل
ابتداء ذلك القدر الباقي بل أقل منه كفي في البينونة ، فالجمع بين كون الطلاق
رجعيا وبقاء العوض في مقابله متنافيان.
وفي صحيحة ابن بزيع (1) ما يرشد إليه ، لأنه قال «وإن شاءت
أن يرد إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت». وهي العمدة في الباب لصحتها ،
وظاهرها اعتبار رد الجميع لأن ما من صيغ العموم فلا يترتب عليه الحكم بالعوض.
و (ثالثها) جواز رجوعها دونه. أما الأول فلما تقرر من أن
البذل من جهتها جائز فيتخير في الرجوع. وأما الثاني فلأن بقاء شيء من العوض مانع
من رجوعه وهو حاصل هنا ، وأضعفها الأخير لما يظهر من تلازم الأمرين حيث لا يكون المانع
من قبله وهو هنا ليس كذلك ، ولأن هذا لو صح لزم الإضرار به بأن ترجع في أكثر البذل
، وتبقى شيئا يسيرا لتمنعه من الرجوع ، وهو منفي ، ولا وسيلة له إلى إسقاطه بخلاف
ما تقدم ، والوسط لا يخلو من قوة ، انتهى.
أقول : لا يخفى أن المسألة المذكورة محل توقف وإشكال.
أما بالنظر إلى التعليلات العقلية فلما عرفت من تصادمها وتقابلهما مع ما عرفت من
أنها وإن خلت من ذلك لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.
وأما بالنظر إلى الروايات فلتعارضها أيضا بحسب الظاهر ،
فإن ظاهر صحيحة ابن بزيع كما ذكره تخصيص الحكم بالرجوع في الجميع فلا يكفي الرجوع
في البعض ، ومثلها قوله عليهالسلام في آخر صحيحة عبد
الله بن سنان (2) المتقدم نقلها
عن تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم «إلا أن يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها».
وظاهر رواية أبي العباس كما ذكره صحة الرجوع منها ومنه برجوعها في البعض لقوله «إن
رجعت في شيء من الصلح ـ يعني البذل ـ يقول : لأرجعن» والظاهر
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 98 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 492 ب 3 ضمن ح 9.
(2) تفسير القمي ج 1 ص 75 ، الوسائل ج 15 ص 499 ب 7 ح 4.
أن شيخنا المذكور وسبطه إنما اختارا
ما دلت عليه صحيحة ابن بزيع من حيث صحة الرواية المذكورة وضعف الأخرى.
وفيه أن ما دلت عليه رواية أبي العباس قد ورد في صحيحة
عبد الله بن سنان المذكورة لقوله عليهالسلام فيها «وينبغي
له أن يشترط عليها كما يشترطه صاحب المبارأة : وإن ارتجعت في شيء مما أعطيتني
فأنا أملك ببعضك» ومثل هذه العبارة في كثير من أخبار المبارأة ، ومنها الصحيح
وغيره ، وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ، وبذلك يظهر لك الاشكال.
ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بحمل «من» في هذه الأخبار
على البيانية دون التبعيضية ، والظاهر أنه هو الذي فهمه الأصحاب من هذه الأخبار
حيث إن جميع ما دل على رجوع المرأة في البذل في باب المبارأة إنما عبر عنه بهذه
العبارة ، مع اتفاقهم على تخصيص الحكم بالرجوع في الكل ، ولم يذكر أحد منهم ـ لا
في الخلع ولا في المبارأة ـ الرجوع في البعض ، وإنما وقع الكلام فيه من شيخنا
المذكور ومن تأخر عنه كما أشار إليه بقوله «لم أقف فيه على شيء يعتد به» ويبعد
أشد البعد اتفاقهم على الحكم المذكور مع كون ظاهر الأخبار كلها على خلافه لو حملت «من»
على التبعيضية إلا أنه يحتمل أن يقال إن ما دل على الرجوع في الجميع لا دلالة فيه
على الحصر في هذا الفرد ، بل من الجائز كونه أحد الفردين وما دلت عليه الأخبار
الأخر من الجواز بالرجوع في البعض هو الفرد الآخر ، إلا أن فيه ما عرفت ، والله
العالم.
فوائد:
الأولى : إذا أراد الرجل إعادة الزوجة ولم ترجع في البذل ، فإنه لا يكون إلا بعقد جديد ومهر مستأنف لأنها بالخلع صارت بائنة أجنبية وبطريق أولى لو خرجت من العدة.
الثانية : لا إشكال في أنه لا توارث بين المختلعين لما
عرفت من البينونة بالخلع ، والخروج عن الزوجية بالكلية ، وانقطاع العصمة بينهما ،
ويدل عليه قوله في رواية ابن رئاب المتقدمة (1) «ولا ميراث
بينهما في العدة». ولا ريب في ثبوت التوارث بعد رجوعها ورجوعه ، لأنه برجوعه فيها
بعد رجوعها صارت زوجة.
وإنما محل الاشكال فيما لو رجعت هي ولم يرجع هو ، ويأتي
على ما قدمنا ذكره في الموضع الأول من المقام الرابع ثبوت التوارث ونحوه من تلك
الأحكام المذكورة ثمة ، لأنها برجوعها في العدة تصير العدة رجعية ، يملك الزوج
الرجوع فيها ، ومن شأن العدة الرجعية ترتب تلك الأحكام عليها.
الثالثة : لو خالعها وشرط الرجوع لم يصح ، لأن مقتضى
الخلع البينونة ، فيكون هذا الشرط منافيا لمقتضى العقد ، فيبطل ويترتب عليه بطلان
الخلع ، والظاهر أن ترتب بطلان الخلع عليه مبني على القاعدة المشهورة من أنه إذا
فسد الشرط الذي تضمنه ذلك العقد لزم منه بطلان تلك العقد ، حيث إنه لم يتوجه القصد
إلى ذلك العقد إلا بهذا الشرط والحال أنه فاسد ، فما تعلق به القصد غير صحيح ، وما
هو صحيح ـ وهو العقد بدون الشرط المذكور ـ لم يتعلق به القصد.
وقد عرفت ما في هذه القاعدة من المناقشة في غير موضع مما
تقدم ، وقضية ذلك صحة الخلع وإن بطل الشرط المذكور ، ونحو ذلك يأتي في الطلاق بعوض
، فإنه كالخلع يكون بائنا ، والشرط المذكور مناف لمقتضاه.
الرابعة : لو اتفقا على قدر البذل كمائة مثلا واختلفا في
الجنس. فادعت الزوجة أنه مائة درهم وادعى الزوج أنه مائة دينار. والمشهور وبه صرح
الشيخ وغيره أن القول قول المرأة لأنها منكرة لما يدعيه ، والأصل عدم استحقاقه
إياه ، قالوا : نعم ، لو أخذه على وجه المقاصة اتجه جوازه.
__________________
(1) قد تقدمت في الموضع الثالث من المقام الثالث في الشرائط. (منه
ـ قدسسره ـ). راجع التهذيب ج 8 ص 99 ح 13 ،
الوسائل ج 15 ص 497 ب 6 ح 4.
واعترضهم في المسالك فقال : ويشكل هذا القول من رأس ،
لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه ، والآخر ينكر ما يدعيه ، وهذه قاعدة التخالف في
نظائره من عوض البيع والإجارة وغيرهما ، وإنما يتجه تقديم قول أحدهما إذا اتفق
قولهما على قدر وادعى الآخر الزيادة عليه وأنكرها الآخر ، فيكون منكر الزيادة
منكرا لكل وجه ، ومدعيها مدعيا ، بخلاف صورة النزاع لأن دعوى الذهب لا يجامع دعوى
الفضة ، والإنكار من كل منهما لما يدعيه الآخر متحقق ، فلو قيل بأنهما يتحالفان ويسقط
ما يدعيانه بالفسخ أو الانفساخ فيثبت مهر المثل إلا أن يزيد عما يدعيه الزوج كان
حسنا ، ولا يتجه هنا بطلان الخلع لاتفاقهما على صحته ، أو إنما يرجع اختلافهما إلى
ما يثبت من العوض ، ويحتمل أن يثبت مع تحالفهما مهر المثل مطلقا لتساقط الدعويين
بالتحالف ، انتهى.
أقول : ما ذكره ـ قدسسره ـ من رجوع حكم المسألة إلى التحالف جيد ، وإنما يبقى الكلام في أنه بعد التحالف ، وسقوط كل مما يدعيانه ، فإن الظاهر هو بطلان الخلع بالمرة لخلو الخلع من العوض لأنه منحصر في أحد هذين المذكورين ، وقد تساقطا معا بالتحالف ، ومهر المثل غير مذكور في صيغة الخلع ولا مقصود ولا مراد بالكلية ، فبأي وجه يثبت هنا؟ وتقديره والرجوع إليه بعد التحالف لا معنى له ، لأنه ليس من قبيل المهر الذي يجب تقديره مع خلو عقد النكاح عنه ، وإنما هو عوض يجب ذكره في عقد الخلع ، ويكون ركنا من أركانه ، وهو هنا منحصر في أحد هذين المذكورين ، لأنه لا بد بحسب الواقع أن يكون أحدهما صادقا والآخر كاذبا ، لكن لما اشتبه ذلك وكان اللازم شرعا هو التحالف الموجب لسقوطهما معا لزم منه خلو الخلع من العوض ، وهو موجب لبطلانه ظاهرا وإن كان صحيحا في الواقع تتعلق به أحكامه بالنسبة إليهما المعلومية ذلك عندهما كما في نظائره من العقود الصحيحة في الواقع الفاسدة بحسب الظاهر ، ويؤيده ما تقدم في كتاب البيع من أنه بالتحالف يبطل البيع ونحوه من العقود التي يكون الحكم فيها ذلك.
وأما قوله «ولا يتجه هنا بطلان الخلع لاتفاقهما على صحته»
ففيه أن البيع كذلك أيضا ، مع أنهم صرحوا بالبطلان بعد التحالف ، وذلك أنه إذا قال
البائع بعتك بهذا العبد أو بهذا الدينار ، وقال المشتري بل بهذه الجارية أو بهذه
الدراهم ، فإنهما قد اتفقا على وقوع البيع ، مع أنه بعد التحالف الذي هو الحكم في
هذه الصورة يحكم ببطلان البيع ، وإن اختلفوا في أن البطلان هل هو من الأصل فينزل
البيع بمنزلة العدم؟ أو من حين التحالف أو الفسخ كما نقله شيخنا في المسالك في
كتاب البيع (1)؟
وبالجملة فإن العقد الذي يجري فيه التحالف لا إشكال في
صحته بحسب الواقع ونفس الأمر لاشتماله على شرائط الصحة ، لكن باعتبار هذا الاختلاف
بين المتعاقدين الموجب للتحالف الذي يتساقط به الدعويان ويلزم منه الخلو من العوض
يجب الحكم بالبطلان في ظاهر الأمر ، وإلا لزم الترجيح بغير مرجح. وبالجملة فإني لا
أعرف لما ذكره وجه صحة يعتمد عليه لما عرفت ، والله العالم.
الخامسة : قال في المختلف : لو خالع المريض لم ترثه
الزوجة في العدة ،
__________________
(1) قال في المسالك في كتاب البيع : إذا وقع الفسخ بالتحالف
فهل يبطل العقد من أصله ، وينزل البيع بمنزلة المعدوم؟ أم من حين التحالف والفسخ؟
وجهان ، اختار أولهما العلامة في التذكرة ، محتجا عليه بأن اليمين قد أسقطت الدعوى
من رأس ، فكأنه لم يبع ، كما لو ادعى على الغير يبيع أو شراء فأنكر وحلف فان
الدعوى تسقط ويكون الملك باقيا على حاله ولم يحكم بثبوت عقد حتى يحكم بانفساخه ،
ويشكل باتفاقهما على وقوع عقد ناقل للملك ، أما في الثمن الموصوف فظاهر ، وأما في
العين الذي أوجب التحالف لاختلافه فالمبيع أيضا متفق على انتقاله من البائع إلى
المشترى ، وانما الاختلاف في انتقال الثمن المعين ، فيمكن أن يتوجه ذلك في الثمن
دون الثمن في الموضعين.
واختار
ثانيهما في القواعد ، وتبعه في الدروس ، والتحقيق ما أشرنا إليه من أن البيع لا
يبطل الا من حينه ، وأما الثمن فيبقى على حكم الملك بالحلف كما مثل به في التذكرة
، فالإطلاق في الموضعين غير جيد ، انتهى. وهو ظاهر فيما قلناه (منه ـ قدسسره ـ).
سواء قلنا إنه طلاق أو مفتقر إليه
لانتفاء التهمة.
قال ابن إدريس : وإلى هذا القول ذهب شيخنا أبو جعفر في
استبصاره قال «ولنا في ذلك نظر» وهو يدل على تردده ، لنا ما تقدم من انتفاء سبب
التوارث وهي التهمة.
وما رواه محمد بن القاسم الهاشمي (1) عن الصادق عليهالسلام قال : «سمعته
يقول : لا ترث المختلعة والمبارأة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئا إذا كان ذلك
منهن في مرض الزوج وإن مات في مرضه لأن العصمة قد انقطعت منهن ومنه». انتهى.
أقول : ما ذكره العلامة ـ قدسسره ـ من نفي
التوارث لانتفاء سببه وهو التهمة جار على مذهبه في المسألة كما تقدم ذكره ، وهو
المختار كما تقدم ذكره.
وأما على القول المشهور من أن مطلقه المريض ترثه في مرضه
وإن خرجت من العدة بالمرة ما لم تتزوج أو يبرأ أو تمضي سنة ، سواء كان السبب
الداعي إلى الطلاق من جهته أو من جهتها ، فإنها ترثه في هذه الصورة ، وهو مردود
بالأخبار المتقدمة التي من جملتها هذا الخبر ، ومن هنا تنظر ابن إدريس هنا.
السادسة : نقل في المختلف عن الصدوق في المقنع أنه قال
في المختلعة : ولا تخرج من بيتها حتى تنقضي عدتها ، وإذا طلقها فليس لها متعة ولا
نفقة ولا سكنى.
ثم اعترضه فقال : والجمع بين الكلامين مشكل ، والوجه أن
لها الخروج لأنه طلاق بائن ، انتهى.
ومما يدل أنه لا سكنى لها ولا نفقة ما رواه في من لا
يحضره الفقيه (2) عن رفاعة بن
موسى في الصحيح «أنه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن المختلعة ،
إلها سكنى ونفقة؟ فقال : لا سكنى لها ولا نفقة».
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 100 ح 14 ، الوسائل ج 17 ص 535 ب 15 ح 1.
(2) الفقيه ج 3 ص 339 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 504 ب 13 ح 1.
وما رواه في الكافي (1) عن رفاعة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المختلعة
لا سكنى لها ولا نفقة».
وإذا ثبت أن لا سكنى لها على الزوج بل لها أن تسكن حيث
شاءت ، فكيف يوجب عليها أن لا تخرج من بيتها الذي هو عبارة عن بيت زوجها كما تقدم؟
إلا أنه قد ورد ما ينافي هذه الأخبار مما يدل على كلام الصدوق ـ رحمة الله عليه.
ومنه ما رواه في الكافي (2) عن داود بن
سرحان عن أبي عبد الله عليهالسلام في المختلعة
قال : «عدتها عدة المطلقة ، وتعتد في بيتها ، والمختلعة ، بمنزلة المبارأة».
وعن زرارة (3) قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن عدة
المختلعة ، قال : عدة المختلعة عدة المطلقة ولتعتد في بيتها ، والمبارأة بمنزلة
المختلعة».
وما رواه الشيخ (4) في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «عدة
المبارأة والمختلعة والمخيرة عدة المطلقة ، ويعتددن في بيوت أزواجهن».
وهي كما ترى صريحة فيما ذكره الصدوق ، إلا أن الجمع بين
الأمرين كما عرفت لا يخلو من الاشكال ، والروايات الأول أوفق بأصول المذهب ، لأنها
بائن بالاتفاق نصا وفتوى ، فلا سكنى لها ولا نفقة لها.
واحتمل شيخنا المجلسي ـ رحمهالله عليه ـ في
حواشيه على كتب الأخبار حمل الروايات الأخيرة على الاستحباب ، قال : وإن كان القول
بظاهرها لا يخلو من قوة.
وفيه ما عرفت من أن هذه الأخبار مع معارضتها بالأخبار
الأول مخالفة لأصول المذهب.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 144 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 505 ب 13 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 144 ح 6 ، التهذيب ج 8 ص 136 ح 72 ، الوسائل
ج 15 ص 502 ب 10 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 144 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 136 ح 71 ، الوسائل
ج 15 ص 503 ب 10 ح 4 وما في المصادر اختلاف يسير.
(4) التهذيب ج 8 ص 136 ح 74 ، الوسائل ج 15 ص 503 ب 10 ح 5.
وظاهر المحدث الكاشاني الميل إلى حمل هذه الأخبار الأخيرة على التقية بقرينة الخبر الأخير ، وعدة المخيرة فيه ، مع أنه لا تخيير عندنا ، وهو وإن كان لا يخلو من قرب إلا أن الاشكال باق في المقام ، ولا يحضرني الآن مذهب العامة ، فلعله كما دلت عليه هذه الأخبار ، والله العالم.
المقصد الثاني
وأصلها المفارقة ، وهي هنا عبارة عن الطلاق بعوض مع
كراهة كل من الزوجين الآخر ، ولها أحكام تخصها ، وأحكام تشارك الخلع فيها ، وأنا
أذكر أولا ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بها ثم أردفها إن شاء الله بما يتعلق
بها من الأبحاث في المقام.
الأول : ما رواه ثقة الإسلام (1) في الموثق عن
سماعة قال : «سألته عن المبارأة كيف هي؟ فقال : تكون للمرأة شيء على زوجها من
صداق أو من غيره ويكون قد أعطاها بعضه فيكره كلا منهما صاحبه ، فتقول المرأة
لزوجها ما أخذت منك فهو لي وما بقي عليك فهو لك ، وأبارئك ، فيقول الرجل لها : فإن
رجعت في شيء مما تركت فأنا أحق ببضعك». ورواه الشيخ في التهذيب عن سماعة عن أبي
عبد الله عليهالسلام وأبي الحسن عليهالسلام مثله.
الثاني : عن محمد بن مسلم (2) في الصحيح قال
: «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة قالت
لزوجها : لك كذا وكذا وخل سبيلي ، فقال. هذه المبارأة».
الثالث : عن أبي بصير (3) في الصحيح عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المبارأة
تقول
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 142 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 101 ح 21 ، الوسائل
ج 15 ص 500 ب 8 ح 3.
(2) الكافي ج 6 ص 142 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 494 ب 4 ح 3.
(3) الكافي ج 6 ص 143 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 100 ح 18 ، الوسائل
ج 15 ص 500 ب 8 ح 4.
المرأة لزوجها : لك ما عليك واتركني
أو تجعل له من قبلها شيئا فيتركها ، إلا أنه يقول : فإن ارتجعت في شيء فأنا أملك
، ولا يحل لزوجها أن يأخذ منها إلا المهر فما دونه».
الرابع : عن عبد الله بن سنان (1) في الموثق عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المبارأة
تقول لزوجها : لك ما عليك وبارئني فيتركها ، قال : قلت : فيقول لها : إن ارتجعت في
شيء فأنا أملك ببضعك؟ قال : نعم».
الخامس : ما رواه في من لا يحضره الفقيه (2) في الصحيح عن
حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المبارأة
أن تقول لزوجها : لك ما عليك واتركني فيتركها ، إلا أنه يقول : إن ارتجعت في شيء
منه فأنا أملك ببضعك». ثم قال في الفقيه «وروي أنه لا ينبغي له أن يأخذ منها أكثر
من مهرها ، بل يأخذ منها دون مهرها».
السادس : وما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن أبي الصباح
الكناني قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : إن بارأت
امرأة زوجها فهي واحدة وهو خاطب من الخطاب».
السابع ، ما رواه في التهذيب (4) عن إسماعيل
الجعفي عن أحدهما عليهماالسلام قال : «المبارأة
تطليقة بائن وليس فيها رجعة».
الثامن : عن زرارة ومحمد بن مسلم (5) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «المبارأة
تطليقة بائن وليس في شيء من ذلك رجعة».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 143 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 501 ب 8 ح 5.
(2) الفقيه ج 3 ص 336 ح 1 و 2 ، الوسائل ج 15 ص 500 ب 8 ح 1 و
2 وفيهما اختلاف يسير.
(3) الكافي ج 6 ص 142 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 101 ح 2 ، الوسائل ج
15 ص 501 ب 9 ح 1.
(4) التهذيب ج 8 ص 102 ح 22 ، الوسائل ج 15 ص 501 ب 9 ح 2.
(5) التهذيب ج 8 ص 102 ح 23 ، الوسائل ج 15 ص 498 ب 6 ح 6.
التاسع : عن زرارة ومحمد بن مسلم (1) عن أحدهما عليهماالسلام قال : «لا
مباراة إلا على طهر من غير جماع بشهود».
العاشر : عن حمران (2) قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يحدث يقول :
المبارأة تبين من ساعتها من غير طلاق ولا ميراث بينهما ، لأن العصمة منهما قد بانت
ساعة كان ذلك منها ومن الزوج».
الحادي عشر : عن جميل بن دراج (3) في الموثق عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المبارأة
تكون من غير أن يتبعها الطلاق».
الثاني عشر : ما رواه في الكافي (4) عن زرارة في
الصحيح أن الحسن عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «المبارأة
يؤخذ منها دون الصداق والمختلعة يؤخذ منها ما شاءت أو ما تراضيا عليه من صداق أو
أكثر ، وإنما صارت المبارأة يؤخذ منها دون الصداق ، والمختلعة يؤخذ منها ما شاء ،
لأن المختلعة تعتدي في الكلام وتتكلم بما لا يحل لها».
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام هنا يقع في مواضع :
الأول : لا خلاف في
أن المبارأة مشروطة بكراهة كل من الزوجين الآخر ، وهذا الشرط مقطوع به في كلامهم ،
وعليه يدل الخبر الأول ، وكذا ظاهر الآية ـ أعني قوله عزوجل «وَلا
يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّا أَنْ يَخافا
أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ» (5) ـ فإن مورد
الآية الخلع والمبارأة ، وقد أسند خوف
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 102 ح 26 ، الوسائل ج 15 ص 498 ب 6 ح 7.
(2) التهذيب ج 8 ص 102 ح 24 ، الوسائل ج 15 ص 501 ب 9 ح 3
وفيهما «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يتحدث قال :».
(3) التهذيب ج 8 ص 102 ح 25 ، الوسائل ج 15 ص 501 ب 9 ح 4.
(4) الكافي ج 6 ص 142 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 101 ح 19 ، الوسائل
ج 15 ص 493 ب 4 ح 1.
(5) سورة البقرة ـ آية 229.
عدم إقامة الحدود الذي هو كناية عن
الكراهة إلى كل منهما في حق الآخر.
وهذا من جملة المواضع التي يفارق فيها المبارأة الخلع ،
حيث إنه يشترط هنا الكراهة من الطرفين وفي الخلع من طرف المرأة خاصة.
الثاني : المشهور بل
ادعي عليه الإجماع كما صرح به المحقق في الشرائع والعلامة في جملة من كتبه وجوب
اتباع المبارأة بلفظ الطلاق ، وأنه لا يعتد بها بدونه ، مع أن المحقق في النافع
وهو متأخر عن الشرائع نسب القول بذلك إلى الأكثر ، وفيه إيذان بعدم تحقق الإجماع
المدعى ، وأنه لا دليل على ذلك إلا مجرد الشهرة.
والشيخ ـ رحمة الله عليه ـ قال في التهذيب بعد أن أورد
الروايات الدالة على عدم الاتباع بالطلاق ومنها الخبر العاشر والحادي عشر قال :
قال محمد بن الحسن : الذي أعمل عليه في المبارأة ما قدمنا ذكره في المختلعة ، وهو
أنه لا يقع بها فرقة ما لم يتبعها بطلاق ، وهو مذهب جميع أصحابنا المحققين من تقدم
منهم ومن تأخر ، وليس ذلك منافيا لهذا الخبر الذي ذكرناه ـ وعنى به رواية جميل ـ لأن
قوله «المبارأة تكون من غير أن يتبعها بالطلاق». لا يفيد أنه تقع الفرقة بينهما
بذلك ـ إلى أن قال : ـ ولو كان صريحا بالفرقة لكنا نحمله على ضرب من التقية كما
قدمنا في باب الخلع.
وقال في الاستبصار : وهذه الأخبار أوردناها على ما رويت
، وليس العمل على ظاهرها لأن المبارأة ليس يقع بها فرقة من غير طلاق ، وإنما تؤثر
في ضرب من الطلاق في أن يقع بائنا لا يملك معه الرجعة ، وهو مذهب جميع فقهاء
أصحابنا المتقدمين منهم والمتأخرين لا نعلم خلافا بينهم في ذلك ، والوجه فيها أن
نحملها على التقية لأنها موافقة لمذهب العامة ، ولسنا نعمل به ، انتهى.
ويشكل أولا بعدم الدليل على ما ذكره من الأخبار المذكورة ، وهي أخبار المسألة كملا ، بل هي في خلافه ما بين صريح الدلالة وظاهرها ، فمن الأول الخبر العاشر والحادي عشر ، ومن الثاني الخبر الأول والثاني والثالث والرابع والخامس ، فإنما اشتملت عليه من أنها تقول كذا ، ويقول الزوج كذا هو صيغة المبارأة التي يترتب عليها حكمها مع استكمال باقي الشرائط من الطهارة والاشهاد ، وكونها في طهر لم يقربها فيه وهم ـ رضوان الله عليهم ـ قد صرحوا بأن صيغة المبارأة بأن يقول : بارأتك على كذا فأنت طالق.
وقال السيد السند في شرح النافع ـ بعد نقل هذه الصيغة في
كلام المصنف ـ ما لفظه : الكلام في صيغة المبارأة كما في الخلع من افتقارها إلى
اللفظ الدال عليه من قبل الزوج ، والاستدعاء أو القبول من جهة المرأة.
مع أن ظاهر هذه الأخبار كما ترى أن هذه صيغة المبارأة
التي يترتب عليها أحكامها ، لأن هذا الأخبار قد تضمنت أن المبارأة التي تترتب
عليها الأحكام عبارة عن هذا القول منها ومنه ، وليس في شيء منها تعرض للفظ الطلاق
ولا لاستدعاء المرأة أو قبولها ، كما ذكره السيد السند وغيره ، وعلى هذا النحو
باقي أخبار المسألة من قولهم عليهمالسلام «المبارأة
تطليقة بائن ليس فيها رجعة» ونحو ذلك فإنه قد رتب الحكم فيها على المبارأة الصادقة
لما ذكرناه من الأقوال التي اشتملت عليها تلك الأخبار ونحوها.
وبالجملة فإنه لا يشم لهذا الطلاق رائحة من أخبار
المسألة فضلا عن الدلالة عليه ، بل هي في عدمه أظهر من أن ينكر.
وثانيا ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك من أن
المبارأة لا يستعملها العامة ، ولا يعتبرون فيها ما يعتبره أصحابنا بل يجعلونها من
جملة كنايات الخلع أو الطلاق ، وحينئذ فكيف يتم حمل ما ورد من أحكامها على التقية
، وأنت قد عرفت فيما تقدم من أخبار الخلع أن بعضها دال على الاتباع بالطلاق كما
يدعونه ، إلا أن الأكثر الأصح منها على العدم ، وأما في هذا الباب فلا دلالة في شيء
من أخباره كما عرفت على ما ذكروه.
وبالجملة فإنه لم يبق في معارضة هذه إلا ما يدعونه من الإجماع وقد عرفت ما فيه من الجدال والنزاع ، ويظهر من شيخنا الشهيد الثاني المناقشة في هذا الإجماع (1) وعدم تسليمه في أمثال هذه المقامات وهو كذلك ، وهذا الموضع أيضا أحد مظاهر الفرق بين الخلع والمبارأة بالنظر إلى أنه في الخلع قد وقع الخلاف في وجوب الاتباع بالطلاق وعدمه ، وفي المبارأة قد وقع الإجماع على وجوب الاتباع ، وكل من قال في الخلع بالعدم أوجبه في المبارأة ، وفيه ما عرفت مما أوضحنا تحقيقه.
الثالث : اختلف
الأصحاب فيما يؤخذ من فدية المبارأة بعد الاتفاق على أنه لا يجوز له الزيادة على
ما أعطاها ، فالمشهور أنه يجوز له المهر فما دونه.
وذهب جمع من الأصحاب إلى أنه لا يؤخذ إلا دون ما دفع
إليهما ، ونقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه في الرسالة ، قال : قال الشيخ
علي بن بابويه في رسالته في المبارأة : وله أن يأخذ منها دون الصداق الذي أعطاها ،
وليس له أن يأخذ الكل.
وممن صرح بجواز أخذ المهر كملا الشيخ المفيد وابن إدريس
، وهو المشهور بين المتأخرين.
وقال الصدوق في المقنع : ولا ينبغي له أن يأخذ منها أكثر
من مهرها بل يأخذ منها دون مهرها. وهو الظاهر من كلام الشيخ في النهاية وابن أبي
عقيل وابن حمزة ، وهذا القول إنما تعرض فيه للأكثر والأقل خاصة ، وأما جميع ما
أعطاه من غير زيادة ولا نقصان فهو مجمل فيه.
والذي يدل على القول المشهور الخبر الثالث ، وهو صحيح
صريح في ذلك ، وما ذكره السيد السند في شرح النافع ـ من أنه ضعيف لاشتراك أبي بصير
ـ مردود
__________________
(1) حيث قال ـ بعد نقله عن المصنف في النافع والعلامة في كتبه
دعوى الإجماع وأنه في المختصر نسبه الى قول مشهور ـ ما صورته : وهو المناسب لتحقيق
المصنف فإنه لا يعتد بالإجماع بمثل هذه الشهرة كما نبه عليه في المعتبر ونهى عن
الاغترار بذلك انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
بأن الراوي عن أبي بصير هنا عبد الله
بن مسكان وهو من قرائن ليث المرادي الثقة الجليل.
ويدل على ما ذهب اليه الشيخ علي بن بابويه الخبر الثاني
عشر وهو صحيح أو كالصحيح ، لأن حسنه إنما هو بإبراهيم بن هاشم ، وما قدح به في
الخبر المذكور في المسالك ـ من أنه مقطوع ـ مردود بأنه وإن كان كذلك في التهذيب
ومنه نقل ، إلا أنه في الكافي كما نقلناه متصل لا قطع فيه.
ومن هنا يظهر لك أن ما رجحه في المسالك من العمل بصحيحة
أبي بصير بناء على رد هذه الرواية بالقطع ليس في محله ، وما رجحه سبطه من العمل
بهذه الرواية بناء على نقله لها من الكافي ، وهي حسنة عنده كالصحيح بناء على طعنه
في صحيحة أبي بصير باشتراك الراوي ليس في محله أيضا ، لما ذكرناه من القرينة على
أنه ليث المرادي الثقة الجليل ، ولهذا وصفها في المسالك بالصحة ، وبذلك يظهر لك
تصادم الخبرين المذكورين مع صحتهما معا في البين ، وأنه لا وجه لترجيح أحدهما على
الآخر من حيث السند.
ويمكن الجمع بينهما بحمل رواية الأقل من المهر على
الأفضل ، وإن جاز له أخذ الجميع ، وهذا الموضع أحد مظاهر الفرق بين الخلع
والمبارأة كالموضع الأول.
الرابع : قال المحقق
في الشرائع ـ بعد ذكر الصيغة وأنها عبارة عن أن يقول بارأتك على كذا فأنت طالق ـ :
ولو اقتصر على قوله أنت طالق بكذا صح ، وكان مباراة ، إذ هي عبارة عن الطلاق بعوض
مع منافرة بين الزوجين.
أقول : قد عرفت مما قدمنا في كتاب الخلع أن الفرقة
الحاصلة بالخلع أو المبارأة لا تنحصر في لفظ الخلع أو المبارأة ، بل كلما أفاد هذا
المعنى من الألفاظ متى استكمل باقي الشروط فإنه يترتب عليه حكم تلك الفرقة الخاصة
، ومن ذلك قوله أنت طالق بكذا فإن استكمل شرائط الخلع كان خلعا ، وإن استكمل شرائط
المبارأة كان مباراة.
وبالجملة فإن الطلاق بعوض وإن لم يرد بخصوصه في الأخبار إلا أنه لا يخرج عن أحدهما حسبما قدمنا تحقيقه في الموضع الرابع من المقام الأول في صيغة الخلع.
وما ذكره في المسالك هنا بناء على ما ذهب إليه من وجوده
في مادة غيرهما حيث قال : ولو قيل بصحته مطلقا حيث لا يقصد به أحدهما كان وجها
لعموم الأدلة قد قدمنا ما فيه مما يكشف عن بطلان باطنه وخافية.
الخامس : الظاهر أنه
لا خلاف في أن جميع ما ذكر من الشروط المعتبرة في صحة الطلاق فإنها تعتبر في المبارأة
أيضا ، وكذا ما يترتب على الخلع من البينونة بعد استكمال الشرائط فإنها تترتب على
المبارأة كذلك ، وكذا ما تقدم من أنه ليس للزوج الرجوع إلا أن ترجع هي في البذل.
ومما يدل على البينونة بذلك الخبر السابع والثامن
والعاشر ، وعلى الاشتراط بشروط الطلاق قول زرارة في الخبر الثامن وقوله عليهالسلام في الخبر
التاسع ، وعلى رجوعه برجوعها الاشتراط المذكور في جملة منها.
بقي أن ظاهر هذه الأخبار إنما هو الرجوع في شيء مما
أعطاها ، وهو ظاهر في الترتب على الرجوع في البعض ، وقد تقدم الكلام فيه ، وبينا
أن الظاهر حمل «من» هنا على البيانية لا التبعيضية ، ولم أقف على من تعرض للكلام
في ذلك إلا شيخنا في المسالك ، فقال هنا ـ زيادة على ما تقدم في الخلع ـ : وفي هذه
الأخبار التي ذكرناها سابقا في المبارأة ما يدل على جواز رجوعه في الطلاق متى رجعت
في شيء من البذل وإن لم يكن جميعه ، وقد تقدم ما فيه في الخلع ، انتهى.
أقول : مقتضى الوقوف على ظاهره هذه الأخبار المتفقة على هذه العبارات هو تخصيص الرجوع برجوعها في البعض خاصة ، إذ ليس سواها في الباب ، ولا قائل به ، بل ظاهرهم التخصيص بالجميع ، ولا مخرج عن هذا الإشكال إلا بما ذكرنا من حمل «من» على البيانية ، والظاهر أنه هو الذي فهمه الأصحاب ـ رحمة الله عليهم ـ من هذه العبارة ، والله العالم بحقائق أحكامه.