ج4 - الأغسال المسنونة

المطلب الثاني

في الأغسال المسنونة

روى الشيخ في التهذيب في الموثق عن سماعة (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن غسل الجمعة؟ فقال واجب في السفر والحضر إلا انه رخص للنساء في السفر لقلة الماء ، وقال غسل الجنابة واجب وغسل الحائض إذا طهرت واجب وغسل الاستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين وللفجر غسل فان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة ، وغسل

__________________

(3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة.

النفساء واجب وغسل المولود واجب وغسل الميت واجب وغسل من غسل ميتا واجب وغسل المحرم واجب وغسل يوم عرفة واجب وغسل الزيارة واجب إلا من علة وغسل دخول البيت واجب وغسل دخول الحرم يستحب ان لا يدخله إلا بغسل وغسل المباهلة واجب وغسل الاستسقاء واجب وغسل أول ليلة من شهر رمضان يستحب وغسل ليلة احدى وعشرين سنة وغسل ليلة ثلاث وعشرين سنة لا تتركها لانه يرجى في إحداهما ليلة القدر وغسل يوم الفطر وغسل يوم الأضحى سنة لا أحب تركها وغسل الاستخارة مستحب». ورواه الصدوق بإسناده عن سماعة بن مهران نحوه (1) إلا انه قال : «وغسل دخول الحرم واجب يستحب ان لا يدخله إلا بغسل». ورواه الكليني أيضا (2) إلا انه أسقط غسل من مس ميتا وغسل المحرم وغسل يوم عرفة وغسل دخول الحرم وغسل المباهلة. وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) قال : «الغسل في سبعة عشر موطنا : ليلة سبع عشرة من شهر رمضان وهي ليلة التقى الجمعان ، وليلة تسع عشرة وفيها يكتب الوفد وفد السنة ، وليلة احدى وعشرين وهي الليلة التي أصيب فيها أوصياء الأنبياء وفيها رفع عيسى بن مريم وقبض موسى ، وليلة ثلاث وعشرين يرجى فيها ليلة القدر ، ويومي العيدين وإذا دخلت الحرمين ويوم تحرم ويوم الزيارة ويوم تدخل البيت ويوم التروية ويوم عرفة وإذا غسلت ميتا وكفنته أو مسسته بعد ما يبرد ويوم الجمعة ، وغسل الجنابة فريضة. وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاغتسل». وروى ثقة الإسلام في الصحيح عن معاوية بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «سمعته يقول الغسل من الجنابة ويوم الجمعة والعيدين وحين تحرم وحين تدخل مكة والمدينة ويوم عرفة ويوم تزور البيت وحين تدخل الكعبة وفي ليلة تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين من شهر رمضان ومن غسل ميتا». وروى في التهذيب عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه‌السلام) (5) قال : «الغسل

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة.


من الجنابة وغسل الجمعة والعيدين ويوم عرفة وثلاث ليال في شهر رمضان وحين تدخل الحرم وإذا أردت دخول البيت الحرام وإذا أردت دخول مسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومن غسل الميت». وفي الفقه الرضوي (1) «والغسل ثلاثة وعشرون : من الجنابة والإحرام وغسل الميت ومن غسل الميت وغسل الجمعة وغسل دخول المدينة وغسل دخول الحرم وغسل دخول مكة وغسل زيارة البيت ويوم عرفة ، وخمس ليال من شهر رمضان : أول ليلة منه وليلة سبع عشرة وليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ، ودخول البيت والعيدين وليلة النصف من شعبان وغسل الزيارات وغسل الاستخارة وغسل طلب الحوائج من الله تعالى وغسل يوم غدير خم ، الفرض من ذلك غسل الجنابة والواجب غسل الميت وغسل الإحرام والباقي سنة ، وقد روي ان الغسل أربعة عشر وجها : ثلاث منها واجب مفروض متى ما نسيه ثم ذكره بعد الوقت اغتسل فان لم يجد الماء تيمم ثم ان وجدت الماء فعليك الإعادة ، وأحد عشر غسلا سنة : غسل العيدين والجمعة وغسل الإحرام ويوم عرفة ودخول مكة ودخول المدينة وزيارة البيت وثلاث ليال في شهر رمضان : ليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ، ومتى ما نسي بعضها أو اضطر أو به علة تمنعه من الغسل فلا اعادة عليه. وادنى ما يكفيك ويجزيك من الماء ما تبل به جسدك مثل الدهن. وروي انه يستحب غسل ليلة احدى وعشرين لأنها الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم ودفن أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام) وهي عندهم ليلة القدر ، وليلة ثلاث وعشرين هي التي ترجى فيها وكان أبو عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا صام الرجل ثلاثة وعشرين من شهر رمضان جاز له ان يذهب ويجي‌ء في أسفاره ، وليلة تسع عشرة من شهر رمضان هي التي ضرب فيها جدنا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ويستحب فيها الغسل». انتهى كلامه.

أقول : والكلام في هذه الاخبار يقع في مواضع (الأول) ـ لا ريب ان

__________________

(1) ص 4.


الواجب من الأغسال على الأشهر الأظهر انما هي الستة التي تقدم البحث عنها واما ما عداها فهو مستحب ، وحينئذ فما دل عليه جملة من هذه الاخبار من الوجوب فيما وقع الاتفاق من الأصحاب على استحبابه فهو محمول عندهم على تأكد الاستحباب ، والتعبير بذلك مجاز شائع في الاخبار ، وقد وقع في موثقة سماعة التعبير في بعض بالوجوب وفي بعض بالسنة وفي بعض بالاستحباب والمرجع أمر واحد ، الا ان الظاهر ان الوجه في في تغيير التعبير هو آكدية بعض على بعض فما عبر فيه بالوجوب فهو الآكد ودونه السنة ودونه الاستحباب. وقد تطلق السنة في مقابلة الفرض وهو ما كان دليل وجوبه الكتاب فيراد بها حينئذ ما كان وجوبه بالسنة. وما دل عليه أكثر هذه الاخبار من عدم عد غسل الحيض والاستحاضة والنفاس فلعله محمول على ذكر الأغسال بالنسبة إلى الرجال.

(الثاني) ـ قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم : «وإذا غسلت ميتا وكفنته أو مسسته». وكذا قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار : «ومن غسل الميت». يحتمل حمله على غسل المس فيكون بعد التغسيل والتكفين في الرواية الأولى أو بعد التغسيل كما في الرواية الثانية ، ويحتمل حمله على استحباب الغسل لأجل تغسيل الميت بتقدير الإرادة فيكون قبل التغسيل ، قال شيخنا المجلسي في البحار بعد ذكر الرواية الاولى من كتاب الخصال ـ وفيها عطف التكفين على التغسيل بأو لا بالواو كما في هذه الرواية ـ ما لفظه : «وقوله (عليه‌السلام) «أو كفنته» قيل المراد ارادة التكفين اي يستحب إيقاع غسل المس قبل التكفين ، وقيل باستحباب الغسل لتغسيل الميت وتكفينه قبلهما وان لم يمسه» وقال بعد نقل خبر فيه هكذا «وغسل من مس الميت بعد ما يبرد وغسل من غسل الميت» ما صورته : «وغسل من غسل الميت تخصيص بعد التعميم ان حملناه على الغسل بعده ، ويحتمل ان يكون المراد استحباب الغسل لتغسيل الميت قبله كما عرفت بل هو الظاهر للمقابلة» انتهى. وهو مشعر بتقويته


للقول باستحباب الغسل للتغسيل ، وقد تقدم شطر من الكلام في ذلك في مستحبات التغسيل

(الثالث) ـ الظاهر من غسل الزيارة في هذه الروايات زيارة البيت كما صرح به (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار وفي عبارة كتاب الفقه ، وظاهر الأصحاب تعميمه لما يشمل غسل زيارة النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) وظني انه لا حاجة الى ذلك لان هذه الأخبار لم تستوف الأغسال المستحبة كملا كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى مع وجود روايات على حدة بأغسال زياراتهم كما اشتملت عليه اخبار زياراتهم.

(الرابع) ـ لا يخفى ان هذه الأخبار لم تستكمل الأغسال المسنونة وانما اشتملت على ما هو المهم منها ، وتفصيل القول في هذا المقام بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الاعلام ان يقال ان ما اشتملت عليه هذه الاخبار من الأغسال هو آكدها وأفضلها وإلا فهي كثيرة زائدة على هذه الأعداد المذكورة في هذه الاخبار ، ولنفصلها في المقام واحدا واحدا فنقول :

اما الأغسال المتعلقة بالحج فمنها ـ غسل الإحرام وأوجبه ابن ابي عقيل ونقله المرتضى عن كثير من الأصحاب ، والمشهور الاستحباب حتى قال المفيد على ما نقل عنه في المختلف غسل الإحرام للحج سنة ايضا بلا خلاف وكذا غسل إحرام العمرة. وقال في التهذيب انه سنة بغير خلاف. واستدل في المدارك على الاستحباب بما رواه معاوية ابن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق أو الى وقت من هذه المواقيت وأنت تريد الإحرام ان شاء الله تعالى فانتف إبطيك وقلم أظفارك واطل عانتك وخذ من شاربك ، الى ان قال استك واغتسل والبس ثوبيك». قال : والظاهر ان الغسل للاستحباب كما تشعر به الأوامر المتقدمة عليه فإنها للندب بغير خلاف. أقول : فيه ان الاستدلال بذلك لا يخلو من اشكال فإن مجرد عده في قرن المستحبات لا يوجب كونه كذلك لخروج ما عداه بدليل من خارج فيبقى

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الإحرام.


ما لم يدل عليه دليل على أصل مقتضى الأمر وهو الوجوب ، نعم هو ظاهر في التأييد كما لا يخفى. قال في المعتبر : «ولعل القائل بالوجوب استند الى ما رواه محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال «الغسل في سبعة عشر موطنا ، الفرض ثلاثة : الجنابة وغسل من غسل ميتا والغسل للإحرام». ومحمد بن عيسى ضعيف وما يرويه عن يونس لا يعمل به ابن الوليد كما ذكره ابن بابويه مع انه مرسل فيسقط الاحتجاج به» انتهى. وفيه نظر فان ضعف الخبر عنده لا يوجب ضعفه عند من تقدمه ، وما نقله عن ابن الوليد قد رده جملة من أفاضل محدثي متأخري المتأخرين وهو الظاهر ، ونظير هذا الخبر ما تقدم في عبارة الفقه الرضوي حيث قال (2) «والغسل ثلاثة وعشرون ، ثم عدها كما قدمناه الى ان قال : والفرض من ذلك غسل الجنابة والواجب غسل الميت وغسل الإحرام والباقي سنة». وهذان الخبران ظاهران في الوجوب كما ترى ، والتأويل وان أمكن ولو على بعد إلا انه فرع وجود المعارض وليس إلا الرواية المتقدمة وقد عرفت ما فيها ، واما ما في موثقة سماعة (3) من قوله : «وغسل المحرم واجب». فلا دلالة فيه كما سيأتي تحقيقه في غسل الجمعة ، وبالجملة فالقول بالوجوب لا يخلو من قوة والاحتياط يقتضي المحافظة عليه.

ومنها ـ الغسل لدخول الحرم والغسل لدخول مكة والغسل لدخول المسجد والغسل لدخول البيت وهو غسل الزيارة وغسل يوم عرفة ويوم التروية ، وسيأتي الكلام في هذه الأغسال في كتاب الحج ان شاء الله تعالى ونقل الأخبار المتعلقة بها ، فهذه سبعة من الأغسال المستحبة.

ومنها ـ غسل دخول المدينة كما دل عليه صحيح معاوية بن عمار وصحيح محمد بن مسلم المتقدمان (4) وغسل دخول مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كما تضمنته رواية

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الجنابة.

(2) ص 4.

(3) ص 179.

(4) ص 180.


محمد بن مسلم المتقدمة وغسل زيارته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والظاهر التداخل والاكتفاء بغسل دخول المدينة ما لم يحدث مع احتمال الاجتزاء وان أحدث كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ، وهذه ثلاثة أغسال للمدينة مضافا الى ما قدمناه في مكة فتكون عشرة.

ومنها ـ غسل يومي العيدين ويدل عليه ـ زيادة على ما تقدم في موثقة سماعة من انه سنة وصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة معاوية بن عمار وكتاب الفقه ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (1) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الغسل في يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال سنة وليس بفريضة». وعن علي بن أبي حمزة (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن غسل العيدين أواجب هو؟ فقال هو سنة. قلت : فالجمعة؟ قال : هو سنة». قال في الذكرى : «الظاهر ان غسل العيدين ممتد بامتداد اليوم عملا بإطلاق اللفظ ويتخرج من تعليل الجمعة أنه إلى الصلاة أو الى الزوال الذي هو وقت صلاة العيد وهو ظاهر الأصحاب» أقول : لا يخفى ضعف هذا التخريج إلا انه يمكن ان يؤيد ما نسبه الى ظاهر الأصحاب بما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى ان يغتسل يوم العيد حتى يصلي؟ قال ان كان في وقت فعليه ان يغتسل ويعيد الصلاة وان مضى الوقت فقد جازت صلاته». أقول : ويستفاد من هذا الخبر ان الغسل انما هو للصلاة لا لليوم كما اشتهر بينهم وان وقته يمتد بامتداد وقتها فيكون الحكم فيه كغسل الجمعة ، إلا ان في امتداد وقت صلاة العيد الى الزوال ما سيأتي التنبيه عليه ان شاء الله تعالى في باب صلاة العيد. ومن هذا الخبر ايضا يستفاد استحباب الإعادة بنسيان الغسل كما ذكره الشيخ حيث حمل الخبر على ذلك. ووقت هذا الغسل بعد الفجر لما رواه عبد الله بن جعفر

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب الأغسال المسنونة.


الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته هل يجزئه ان يغتسل قبل طلوع الفجر هل يجزئه ذلك من غسل العيدين؟ قال ان اغتسل يوم الفطر والأضحى قبل الفجر لم يجزئه وان اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه».

ومنها ـ أغسال شهر رمضان ، والمشهور في الأخبار وكلام الأصحاب هو الغسل في الليالي الثلاث المشهورة ، روى في الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) قال : «الغسل في ثلاث ليال من شهر رمضان : في تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين. قال والغسل في أول الليل وهو يجزئ الى آخره». وعن سليمان بن خالد في الصحيح (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) كم اغتسل في شهر رمضان ليلة؟ قال ليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين.». ويستحب في ليلة ثلاث وعشرين مرتين في أول الليل وآخره ، رواه الشيخ عن بريد (4) قال : «رأيته اغتسل في ليلة ثلاث وعشرين مرتين مرة من أول الليل ومرة من آخر الليل». ورواه ابن طاوس في كتاب الإقبال بإسناده إلى بريد بن معاوية مثله (5) «وفيه ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان». ونحوهما رواية محمد بن مسلم وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمتان في الباب (6) وهو محمول على الأغسال المؤكدة ودونه في الفضل غسل أول ليلة من شهر رمضان كما تقدم في موثقة سماعة ، وليلة سبع عشرة منه كما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم ، وقد جمع غسل هذه الخمس الليالي في كتاب الفقه كما تقدم في عبارته من قوله : «وخمس ليال من شهر رمضان. الى آخره».

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب الأغسال المسنونة.

(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب الأغسال المسنونة.

(4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب الأغسال المسنونة.

(6) ص 180.


ودون هذه الأغسال الخمسة في الفضل أغسال أخر ذكرها السيد العابد الزاهد المجاهد رضي الدين بن طاوس في الإقبال ، قال : روى ابن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان بإسناده الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «يستحب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف منه». قال وقد ذكره جماعة من أصحابنا الماضين. أقول : قد ذكر الغسل في ليلة النصف من شهر رمضان جملة من المتأخرين تبعا لما وجدوه في كلام من تقدمهم ولم يقفوا على نص فيه ، قال في المعتبر بعد ان نقل القول بذلك ونسبه الى الثلاثة : «ولعله لشرف تلك الليلة واقترانها بالطهر حسن» ثم قال السيد (رضي‌الله‌عنه) على اثر الكلام المتقدم : وقد روي ان الغسل أول الليل. وروي بين العشاءين وروينا ذلك عن الأئمة الطاهرين (عليهم‌السلام) (2). ورأيت في كتاب اعتقد انه تأليف أبي محمد جعفر بن أحمد القمي عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «من اغتسل أول ليلة من شهر رمضان في نهر جار ويصب على رأسه ثلاثين كفا من الماء طهر الى شهر رمضان من قابل». قال ومن الكتاب المشار اليه عن الصادق (عليه‌السلام) (4) «من أحب ان لا تكون به الحكة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان فلا تكون به الحكة إلى شهر رمضان من قابل». قال ومن كتاب الأغسال لأحمد بن محمد بن عياش الجوهري بإسناده عن علي (عليه‌السلام) (5) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا دخل العشر من شهر رمضان شمر وشد المئزر وبرز من بيته واعتكف وأحيا الليل كله وكان يغتسل كل ليلة منه بين العشاءين». قال وروينا بإسنادنا إلى سعد بن عبد الله عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (6) قال «من اغتسل أول يوم من السنة في ماء جار وصب على رأسه ثلاثين غرفة كان دواء السنة ، وان أول كل سنة أول يوم من شهر رمضان». قال ومن كتاب جعفر بن سليمان عن الصادق (عليه‌السلام) (7) قال :

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة.


«من ضرب وجهه بكف من ماء ورد أمن ذلك اليوم من الذلة والفقر ، ومن وضع على رأسه ماء ورد أمن تلك السنة من البرسام.». قال وروينا عن الشيخ المفيد في المقنعة في رواية عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «انه يستحب الغسل ليلة النصف من شهر رمضان». قال وروينا بإسنادنا الى محمد بن ابي عمير من كتاب علي بن عبد الواحد النهدي عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يغتسل في شهر رمضان في العشر الأواخر في كل ليلة». قال وروى علي بن عبد الواحد في كتابه بإسناده إلى عيسى بن راشد عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن الغسل في شهر رمضان؟ فقال كان ابي يغتسل في ليلة تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين». قال ومن الكتاب المذكور بإسناده عن ابن ابي يعفور عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن الغسل في شهر رمضان؟ فقال اغتسل ليلة تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين».

أقول : وقد ظهر من مجموع هذه الاخبار بضم بعضها إلى بعض ان الأغسال في شهر رمضان في الليلة الاولى وليلة النصف وليلة سبع عشرة وليلة تسع عشرة والعشرة الأخيرة وان ترتبت في الفضل كما أشرنا إليه آنفا ، فهذه أربعة عشر غسلا في شهر رمضان. واما ما ذكره بعض الأصحاب من الاستحباب في فرادى شهر رمضان فلم أقف فيه على نص زيادة على ما أوردته إلا ان ابن طاوس قال في سياق اعمال الليلة الثالثة وفيها يستحب الغسل على مقتضى الرواية التي تضمنت ان كل ليلة مفردة من جميع الشهر يستحب فيها الغسل فإنه يؤذن بوصول الرواية إليه بذلك.

ومنها ـ غسل الزيارة للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقد تقدم ولزيارة أمير المؤمنين والحسين والرضا (عليهم‌السلام) والاخبار به في زياراتهم كثيرة وظاهر الأصحاب

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة.


طرده في زيارة جميع الأئمة (عليهم‌السلام) قال شيخنا صاحب رياض المسائل : «لم نقف عليه عموما نعم ورد بخصوص بعض المواد كزيارة علي والحسين والرضا (عليهم‌السلام) أحاديث كثيرة وعسى الله تعالى ان يمن بدليل على التعميم أو التنصيص في زيارة كل واحد من الأئمة ان شاء الله تعالى» أقول : ومما يدل على التعميم ما رواه الشيخ في التهذيب عن العلاء بن سيابة عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «في قوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (2) قال الغسل عند لقاء كل امام». وهو دال بعمومه على استحباب الغسل للدخول عليهم احياء وأمواتا. وعلى التخصيص ما رواه ابن قولويه في كامل الزيارة في زيارة الكاظم والجواد (عليهما‌السلام) عن محمد بن عيسى بن عبيد عمن ذكره عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (3) وفيه قال : «إذا أردت زيارة موسى بن جعفر ومحمد بن علي (عليهما‌السلام) فاغتسل وتنظف والبس ثوبيك الطاهرين. الحديث». وما رواه أيضا في الكتاب المذكور في زيارة أبي الحسن وابي محمد (عليهما‌السلام) (4) قال : «روي عن بعضهم (عليهم‌السلام) انه قال إذا أردت زيارة قبر ابي الحسن علي بن محمد وابي محمد الحسن بن علي (عليهما‌السلام) تقول بعد الغسل ان وصلت الى قبريهما وإلا أومأت بالسلام من عند الباب الذي على الشارع. الحديث». وأمثال ذلك يقف عليه المتتبع ولكنه لعدم الشهرة لم يصل الى نظر شيخنا المشار اليه (قدس‌سره).

ومنها ـ غسل المولود حين الولادة لما تقدم في موثقة سماعة (5) من قوله : «وغسل المولود واجب». وذهب شذوذ من أصحابنا إلى القول بالوجوب لظاهر الخبر المذكور ، والمشهور الاستحباب وحمل الوجوب على مزيد التأكيد كما في غيره (فان

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب المزار.

(2) سورة الأعراف. الآية 31.

(3) ص 301.

(4) ص 313.

(5) ص 179.


قيل) : ان الخبر المذكور لا معارض له يوجب تأويله وإخراج اللفظ عن ظاهره (قلت) : الذي حققناه في غير موضع من زبرنا ان لفظ الوجوب عند أهل الأصول وان كان حقيقة فيما لا يجوز تركه إلا انه في الأخبار ليس كذلك فإنه كما ورد استعماله في هذا المعنى ورد ايضا استعماله في تأكيد الاستحباب وبالمعنى اللغوي مما لا يحصى كثرة ، فهذا اللفظ عندنا من الألفاظ المشتركة لا يحمل على معنى من هذه المعاني إلا مع القرينة ، وحينئذ فلا ينهض الخبر المذكور حجة في الوجوب سيما مع تكرر التعبير بالوجوب في هذه الرواية في جملة من الأغسال التي لا خلاف في استحبابها ، وحينئذ فالاستحباب هو الأظهر. ولا بد فيه من النية ، وقصد القربة كما في العبادات ، وليس المراد به غسل النجاسة كما توهمه بعض الأصحاب. واستدل صاحب الوسائل على هذا الغسل ايضا بما رواه الصدوق في العلل بسنده فيه عن ابي بصير عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (1) قال : «اغسلوا صبيانكم من الغمر فان الشيطان يشم الغمرة فيفزع الصبي في رقاده ويتأذى به الكاتبان». وهذا من جملة غفلاته فان الغمر هنا بمعنى دسومة اللحم ومورد الخبر انما هو استحباب غسل الدسومة عن الصبي إذا أكل شيئا فيه دسومة وكذا الرجل أيضا بقرينة قوله : «يتأذى به الكاتبان» واين هذا من غسل المولود؟

ومنها ـ غسل المباهلة كما تضمنته موثقة سماعة أيضا ، والظاهر من كلام الأصحاب ان المراد هو الغسل يوم المباهلة وهو اليوم الرابع والعشرون من ذي الحجة أو الخامس والعشرون منه على الخلاف ، ورأيت في بعض الحواشي المنسوبة إلى المولى محمد تقي المجلسي مكتوبا على الحديث المشار اليه ما صورته : «ليس المراد بالمباهلة اليوم المشهور وهو الرابع والعشرون أو الخامس والعشرون من ذي الحجة حيث بأهل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مع نصارى نجران بل المراد به الاغتسال لإيقاع المباهلة مع الخصوم في كل حين كما في الاستخارة ، وقد وردت به رواية صحيحة في الكافي وكان ذلك

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الأغسال المسنونة.


مشتهرا بين القدماء على ما لا يخفى» انتهى. أقول : وما ذكره وان كان خلاف ما هو المفهوم من كلام الأصحاب كما أشرنا اليه إلا ان الخبر ـ كما عرفت ـ مجمل لا تخصيص فيه باليوم كما ذكروه بل ظاهره انما هو ما ذكره الفاضل المشار اليه ، وما ذكروه يحتاج الى تقدير في اللفظ والأصل عدمه ، وفهم الأصحاب منه ذلك ليس بحجة. واما الحديث الذي أشار إليه بأنه في الكافي وانه مشتمل على الغسل فهو ما رواه فيه (1) عن ابي مسروق عن الصادق (عليه‌السلام) ثم ساق الخبر الى ان قال : «فقال لي إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة. قلت وكيف اصنع؟ قال أصلح نفسك ثلاثا ، وأظنه قال وصم واغتسل وابرز أنت وهو الى الجبان فشبك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه. الحديث».

ويظهر ذلك ايضا من كلام الشيخ المفيد الآتي نقله ان شاء الله تعالى في المقام. وكيف كان فالأحوط العمل بما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم).

ومنها ـ غسل الاستسقاء كما تضمنته الموثقة المشار إليها.

ومنها ـ غسل ليلة الفطر لما رواه في الكافي عن الحسن بن راشد (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان الناس يقولون ان المغفرة تنزل على من صام شهر رمضان ليلة القدر؟ فقال يا حسن ان القاريجار (3) انما يعطى أجرته عند فراغه وذلك ليلة العيد. قلت فما ينبغي لنا ان نعمل فيها؟ فقال إذا غربت الشمس فاغتسل. الحديث».

ومنها ـ غسل التوبة لما رواه في الكافي عن مسعدة بن زياد (4) قال : «كنت عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال له رجل اني ادخل كنيفا ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربما أطلت الجلوس استماعا مني لهن؟ فقال (عليه‌السلام)

__________________

(1) الأصول ج 2 ص 513.

(2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب الأغسال المسنونة.

(3) معرب (كارگر) وهو العامل.

(4) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب الأغسال المسنونة.


لا تفعل. فقال الرجل والله ما اتيتهن وانما هو سماع أسمعه بأذني؟ فقال بالله أنت ما سمعت الله يقول (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (1) فقال الرجل بلى والله كأني لم اسمع بهذه الآية من عربي ولا عجمي لا جرم اني لا أعود ان شاء الله تعالى واني استغفر الله تعالى. فقال له قم فاغتسل وصل ما بدا لك فإنك كنت مقيما على أمر عظيم ما كان اسوأ حالك لو متّ على ذلك ، احمد الله واسأله التوبة من كل ما يكره فإنه لا يكره إلا كل قبيح والقبيح دعه لأهله فإن لكل أهلا». ونقل في الذكرى عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) انه قيده بالتوبة عن الكبائر. أقول : لعله (قدس‌سره) وقف في ذلك على حديث آخر زيادة على هذا الخبر.

وظاهر كلام صاحب المعتبر الاعتماد في هذا الحكم على فتوى الأصحاب دون الخبر المذكور لضعفه عنده ، قال بعد ذكر هذه الرواية نقلا عن التهذيب ـ انه قال : «روي عن الصادق (عليه‌السلام) انه قال لمن ذكر انه يسمع الغناء من جوار يتغنين : قم فاغتسل وصل ما بدا لك واستغفر الله تعالى واسأله التوبة». ـ ما صورته : وهذه مرسلة وهي متناولة صورة معينة فلا تتناول غيرها. والعمدة فتوى الأصحاب منضما الى ان الغسل خير فيكون مرادا ، ولانه تفأل بغسل الذنب والخروج من دنسه. انتهى. والعجب من صاحب المدارك هنا حيث تبعه على هذا الاستدلال واعتضد بما ذكره في هذا المجال من هذا الكلام المزيف الظاهر الاختلال.

وفيه (أولا) ـ ما عرفت من ان الخبر المذكور وان رواه الشيخ كما ذكره إلا انه رواه في الكافي كما نقلناه عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد ، وهو ـ كما ترى ـ في أعلى مراتب الصحة ، اما علي بن إبراهيم فحاله في الوثاقة ظاهرة ، واما هارون بن مسلم فقال النجاشي انه ثقة وجه ، واما مسعدة بن زياد فقال فيه ايضا انه ثقة عين ، وحينئذ فالرواية في أعلى مراتب الصحة.

__________________

(1) سورة بني إسرائيل. الآية 36.


و (ثانيا) ـ ان ما ذكره ـ من أنها متناولة صورة معينة فلا تتناول غيرها ـ مردود بأنه لا يخفى ان مورد الرواية وان كان استماع الغناء إلا ان استدلال الإمام بالآية وسياق الرواية مشعران بالعموم لكل معصية حصل الإصرار عليها ، على انه لو تم ما ذكره من قصر الأحكام على موضع السؤال في الاخبار لضاق المجال في استنباط الأحكام ولزم خلو أكثرها من الدليل ، وظاهر الأصحاب هو التعدية الى ما عدا موضع السؤال من باب تنقيح المناط القطعي ما لم يعلم الاختصاص بموضع السؤال وهو المستند في أكثر الأحكام في كل مقام ، ومن أجل ما ذكرناه حكم الأصحاب هنا بالعموم في هذا الخبر ولم يخالف فيه إلا هو ومن تبعه.

و (ثالثا) ـ ان ما ذكره من ان العمدة فتوى الأصحاب ففيه ان فتوى الأصحاب متى كان لا عن دليل فالمتابعة فيه سيما من مثله من المحققين غير جائز ولا واضح السبيل ، فإنه مأخوذ على الفقيه ان لا يفتي ولا يعتمد إلا على الدليل الشرعي والبرهان القطعي في وجوب أو استحباب أو غيرهما لا على الفتاوى العارية عن الدليل كما عليه العلماء جيلا بعد جيل ، ومن الظاهر ان فتوى الأصحاب بهذا الحكم انما هو عن هذه الرواية المذكورة ، وضعفها عنده لا يوجب ضعفها عندهم لأنهم لا يرون العمل بهذا الاصطلاح المحدث ، وحينئذ فالعمل بفتواهم عمل بالرواية البتة ، فالتستر بالعمل بفتواهم كما ذكره مع صراحة الرواية لا معنى له بالكلية.

و (رابعا) ـ ان ما ذكره من ان الغسل خير. إلخ فيه انه لا ريب ايضا انه قد ورد (1) «ان الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر». إلا انه لو صلى المكلف نافلة في وقت مخصوص أو مكان مخصوص أو على هيئة مخصوصة معتقدا شرعية تلك الخصوصيات واستحبابها من غير دليل في المقام فإنه تشريع محرم وعبادته باطلة بل موجبة للعقاب فضلا عن عدم الثواب ، ومن ثم خرجت الاخبار ناعية على المخالفين

__________________

(1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 10 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.


بدعية صلاة الضحى (1) باعتبار اعتقاد الاستحباب في هذا الوقت من غير نص ولا دليل على ذلك ، وكذلك جملة من الأذكار التي تعملها الصوفية وان كان أصل الصلاة وأصل الذكر مستحبا ، والحكم في هذا الغسل كذلك مع عدم قيام الدليل على استحبابه ومشروعيته. وبالجملة فإن ما ذكره (قدس‌سره) كلام شعري مزيف لا ينبغي ان يعمل عليه وان تابعه في المدارك عليه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الأصحاب قد صرحوا بأن التوبة التي يستحب معها الغسل أعم من ان تكون توبة عن فسق أو عن كفر وان كان ارتدادا. وعلله في المنتهى بان الكفر أعظم من الفسق وقد ثبت استحباب الغسل للفاسق فالكافر اولى ، ولان تعليله (عليه‌السلام) امره بالاغتسال يدل عليه من حيث المفهوم ، ولأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر قيس بن عاصم لما أسلم بالاغتسال بماء وسدر (2) وأنت خبير بما في هذه الأدلة من الوهن ، والتعليلان الأولان لا يخرجان عن القياس ، والثالث موقوف على ثبوت الرواية والظاهر انها ليست من طرقنا ، ومع هذا فقد أجيب عنها بأنه يجوز ان يكون امره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالغسل انما هو لحدث الجنابة في حال الكفر إذ قل ما يخلو الإنسان منه. والجواب الحق منع ثبوت الخبر لما قدمناه في بحث غسل الجنابة من ان الكافر غير مخاطب بالفروع حال كفره وان كان خلاف المشهور عندهم. وظاهر الأكثر انه للتوبة عن الذنب مطلقا وقيده الشيخ المفيد بالكبائر وظاهر الخبر يساعده وقول المحقق الثاني في شرح القواعد ـ ان ظاهر الخبر يدفع التقييد بالكبيرة ـ غير ظاهر ، فان ظاهر الخبر ان الرجل كان مصرا على الذنب وان كان صغيرة و «لا صغيرة مع الإصرار» (3). ويشهد به قوله (عليه‌السلام) : «كنت مقيما على أمر عظيم ما كان

__________________

(1) رواها في الوسائل في الباب 31 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.

(2) رواه أحمد في المسند ج 5 ص 61 وابن حجر في مجمع الزوائد ج 7 ص 404.

(3) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب جهاد النفس.


اسوأ حالك لو متّ على ذلك».

ومنها ـ غسل من قتل وزغا لما رواه في الكافي عن عبد الله بن طلحة (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الوزغ؟ فقال هو رجس وهو مسخ كله فإذا قتلته فاغتسل». ورواه الصفار في بصائر الدرجات (2) وروى الصدوق مرسلا (3) قال : «روي ان من قتل وزغا فعليه الغسل». وظاهره الوجوب إلا انه محمول على الاستحباب عند الأصحاب ، قال في الفقيه : «وقال بعض مشايخنا ان العلة في ذلك انه يخرج من ذنوبه فيغتسل منها» أقول : يعني انه كما كانت التوبة سببا للخروج من الذنوب كذلك قتل الوزغ سبب للخروج منها فيغتسل من قتله كما يغتسل للتوبة.

ثم انه لا يخفى ان حديث عبد الله بن طلحة المذكور مقتطع من حديث طويل نقله في الكافي (4) في ذكر أحوال بني أمية قال في تتمة الخبر المذكور : «وقال (عليه‌السلام) ان ابي كان قاعدا في الحجر ومعه رجل يحدثه فإذا هو بوزغ يولول بلسانه فقال ابي للرجل أتدري ما يقول هذا الوزغ؟ قال لا علم لي بما يقول. قال فإنه يقول والله لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لأشتمن عليا (عليه‌السلام) حتى يقوم من ههنا ، قال : وقال ابي ليس يموت من بني أمية ميت إلا مسخ وزغا ، قال وقال ان عبد الملك بن مروان لما نزل به الموت مسخ وزغا فذهب من بين يدي من كان عنده وكان عنده ولده فلما ان فقدوه عظم ذلك عليهم فلم يدروا كيف يصنعون ثم اجتمع أمرهم على ان يأخذوا جذعا فيضعوه كهيئة الرجل قال ففعلوا ذلك والبسوا الجذع درع حديد ثم لفوه في الأكفان فلم يطلع عليه أحد من الناس إلا انا وولده». أقول : ومما أوردناه من تتمة الخبر يعلم ما تضمنه صدره من ان الوزغ رجس وهو مسخ كله وما ذكره ذلك البعض الذي نقل عنه الصدوق من العلة المذكورة في الغسل من قتله. وروى في الكافي عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله (5) قال :

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الأغسال المسنونة.

(4) الروضة طبع سنة 1377 ص 332.

(5) رواه في الوافي ج 2 ص 54.


«سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من حجرته ومروان وأبوه يستمعان الى حديثه فقال له الوزغ ابن الوزغ ، قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فمن يومئذ يرون ان الوزغ يستمع الحديث». وروى فيه عن زرارة (1) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول لما ولد مروان عرضوا به لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يدعو له فارسلوا به الى عائشة فلما قربته منه قال أخرجوا عني الوزغ ابن الوزغ ، قال زرارة ولا أعلم إلا انه قال ولعنه». أقول : نقل بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) ورود مثل هذه الاخبار من طرق العامة أيضا كما في كتاب حياة الحيوان (2) وفي مستدرك الحاكم (3) عن عبد الرحمن بن عوف انه قال : «كان لا يولد لأحد مولود إلا اتي به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيدعو له فادخل عليه مروان بن الحكم فقال هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون».

__________________

(1) رواه في الوافي ج 2 ص 54.

(2) رواه في مادة «وزغ» عن المستدرك.

(3) ج 4 ص 479 ثم قال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. وفي الفائق للزمخشري ج 3 ص 159 طبعة مصر ونهاية ابن الأثير ج 4 ص 221 طبعة مصر وتاج العروس ج 6 ص 35 ولسان العرب ج 8 ص 524 مادة «وزغ» «ان الحكم بن ابى العاص كان يحكى مشية النبي «ص» استهزاء به فالتفت اليه رسول الله «ص» وقال : اللهم اجعل به وزغا. فرجف مكانه فلم تفارقه الرجفة والرعشة». وفي الإصابة ترجمة الحكم «انه كان يغمز النبي «ص» بإصبعه مستهزئا به فالتفت اليه وقال : اللهم اجعله وزغا. فرجف مكانه». وفي تهذيب الأسماء للنووي ج 2 ص 87 «كان الحكم يفشي سر رسول الله «ص» فطرده إلى الطائف». وفي أنساب الاشراف للبلاذري ج 5 ص 125 «اطلع الحكم بن ابى العاص على بعض حجرات نساء النبي فخرج إليه النبي «ص» بعنزة وقال من عذيري من هذه الوزغة؟ وكان يفشي أحاديثه فلعنه وسيره إلى الطائف». وفي ص 126 «استأذن الحكم على رسول الله «ص» فقال أئذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين وقليل ما هم».


وقال في المعتبر بعد نقل مرسلة الصدوق دليلا على الحكم المذكور والتعليل الذي نقله عن بعض مشايخه ما صورته : «وعندي ان ما ذكره ابن بابويه ليس حجة وما ذكره المعلل ليس طائلا لانه لو صحت علته لما اختص الوزغة» انتهى. وفيه ان المعتمد في الاستدلال انما هو الرواية المسندة في الكافي وان كانت هذه المرسلة أيضا صالحة للدلالة لان إرسال الصدوق لا يقصر عن مثل ابن ابي عمير وغيره ممن عملوا على مراسيلهم ، وما ذكره من المناقشة في التعليل المذكور ففيه ان العلل الشرعية ليس سبيلها سبيل العلل العقلية التي يجب دوران المعلول مدارها وجودا وعدما ليرد ما ذكره بل الغرض منها أمور أخر ، والمراد من العلة هنا هو بيان نكتة مناسبة كما في جملة منها في غير هذا الموضع.

ومنها ـ السعي إلى رؤية مصلوب ليراه عامدا وقيده بعضهم بكونه بعد ثلاثة أيام ، والأصل في ذلك ما رواه في الفقيه مرسلا (1) قال : «وروي ان من قصد الى مصلوب فنظر اليه وجب عليه الغسل عقوبة». ونقل عن ابي الصلاح انه حكم بوجوب هذا الغسل نظرا الى ظاهر لفظ الوجوب هنا ، وظاهر الخبر المذكور ان مجرد السعي غير كاف بل لا بد من الرؤية مع ذلك ، وقيده جملة من الأصحاب بكونه بعد الثلاثة من صلبه أو موته ، والخبر ـ كما ترى ـ مطلق ، قالوا ولا فرق بين المصلوب الشرعي وغيره ولا بين كونه على الهيئة المعتبرة شرعا وعدمه ، كل ذلك لإطلاق الدليل ، وهو كذلك وأول وقته الرؤية.

والمحقق في المعتبر ومثله في المدارك ردا روايتي غسل المولود وغسل رؤية المصلوب بضعفهما سندا عن إثبات الوجوب وأثبتا بهما الاستحباب.

وفيه ان الاستحباب حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل وإلا كان قولا على الله تعالى بغير دليل وهو منهي عنه آية ورواية ، فإن كانت الروايات الضعيفة باصطلاحهم

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الأغسال المسنونة.


أدلة شرعية ثبت بها ما دلت عليه من وجوب أو استحباب وإلا فلا يثبت بها حكم شرعي مطلقا.

والقول بأن أدلة الاستحباب مما يتسامح فيها ضعيف ، وبذلك صرح في المدارك ايضا حيث قال في أول الكتاب في شرح قول المصنف بعد عد أسباب الوضوء الموجبة له : «والندب ما عداه» فذكر في هذا المقام جملة الوضوءات المستحبة المستفادة من الاخبار وطعن في جملة منها بان في كثير منها قصورا من حيث السند ، قال : «وما قيل من ان أدلة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها فمنظور فيه لان الاستحباب حكم شرعي فيتوقف على الدليل الشرعي كسائر الأحكام» هذا كلامه ثمة وان خالفه في جملة من المواضع كهذا الموضع وغيره وكل ذلك ناشى‌ء من ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح.

أقول : لا يخفى انه قد وقع لنا تحقيق نفيس في هذه المسألة لا يحسن ان يخلو عنه كتابنا هذا ، وهو انه قد صرح جملة من الأصحاب في الاعتذار عن جواز العمل بالأخبار الضعيفة في السنن بان العمل في الحقيقة ليس بذلك الخبر الضعيف وانما هو بالأخبار الكثيرة التي فيها الصحيح وغيره الدالة على ان من بلغه شي‌ء من الثواب على عمل فعمله ابتغاء ذلك الثواب كان له وان لم يكن كما بلغه ، ومن الاخبار الواردة بذلك ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن هشام بن سالم عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «من سمع شيئا من الثواب على شي‌ء من العمل فصنعه كان له وان لم يكن على ما بلغه». وفي بعضها (2) «من بلغه شي‌ء من الثواب على شي‌ء من الخير فعمله كان له أجر ذلك وان كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يقله». الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة المذكورة في مظانها.

وقد اعترضهم في هذا المقام بعض فضلاء متأخري المتأخرين فقال بعد ذكر جملة

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات.


من تلك الاخبار والاستدلال بها على جواز العمل بالخبر الضعيف ـ ما صورته : «قد اعتمد هذا الاستدلال الشهيد الثاني وجماعة من المعاصرين ، وعندي فيه نظر إذ الأحاديث المذكورة انما تضمنت ترتب الثواب على العمل وذلك لا يقتضي طلب الشارع له لا وجوبا ولا استحبابا ، ولو اقتضى ذلك لاستندوا في وجوب ما تضمن الحديث الضعيف وجوبه الى هذه الاخبار كاستنادهم إليها في استحباب ما تضمن الخبر الضعيف استحبابه ، وإذا كان الحال كذلك فلقائل أن يقول لا بد من شرعية ذلك العمل وخيريته بطريق صحيح ودليل مسلم صريح جمعا بين هذه الاخبار وبين ما دل على اشتراط العدالة في الراوي ، وأيضا الآية الدالة على رد خبر الفاسق وهي قوله تعالى : «... إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...» (1) أخص من هذه الاخبار إذ الآية مقتضية لرد خبر الفاسق سواء كان مما يتعلق بالسنن أو غيره وهذه الاخبار تقتضي ترتب الثواب على العمل الوارد بطريق عن المعصوم (عليه‌السلام) سواء كان المخبر عدلا أو غير عدل طابق الواقع أم لا ، ولا ريب ان الأول أخص من الثاني فيجب تخصيص هذه الاخبار بالآية جريا على القاعدة من العمل بالخاص في مورده وبالعام فيما عدا مورد الخاص ، فيجب العمل بمقتضى الآية وهو رد خبر الفاسق سواء كان على عمل يتضمن الثواب أو غيره ويكون معنى قوله (عليه‌السلام) : «وان لم يكن كما بلغه»

ونحوه إشارة الى ان خبر العدل قد يكذب إذ الكذب والخطأ جائزان على غير المعصوم والخبر الصحيح ليس بمعلوم الصدق. انتهى كلامه. وأورد عليه بعض مشايخنا المعاصرين حيث أورد أولا جملة الأخبار الدالة على ان من بلغه شي‌ء من الثواب على عمل فعمله كان له ذلك وان لم يكن كما بلغه ، ثم أورد اعتراض هذا الفاضل ثم قال : وأنت خبير بما فيه (اما الأول) ـ فقد ظهر بما حررناه ضعفه ، على ان الحكم بترتب الثواب على عمل يساوق رجحانه جزما إذ لا ثواب على

__________________

(1) سورة الحجرات. الآية 6.


غير الواجب والمستحب كما لا يخفى. (واما الثاني) فمرجعه بعد التحرير الى ان الثواب كما يكون للمستحب كذلك يكون للواجب فلم خصوا الحكم بالمستحب؟ كذا قرر السؤال بعض مشايخنا المعاصرين. وجوابه ان غرضهم (قدس الله أرواحهم) ان تلك الأحاديث انما تثبت ترتب الثواب على فعل ورد فيه خبر يدل على ترتب الثواب لا انه يعاقب على تركه وان صرح به في الخبر الضعيف ، لقصوره في حد ذاته عن إثبات ذلك الحكم وتلك الأحاديث لا تدل عليه ، فالحكم الثابت لنا من هذا الخبر بانضمام تلك الاخبار ليس إلا الحكم الاستحبابي. أقول : قد يقال ان اللازم مما حررناه كون الحكم الثابت بانضمام تلك الاخبار هو مطلق الرجحان الشامل للوجوب والندب لا الحكم الاستحبابي بخصوصه. إذ كما ان قيد العقاب على تركه مما لا تدل عليه تلك الاخبار فكذلك جواز تركه لا الى بدل لا تدل عليه ايضا ولا سيما مع تصريح الخبر الضعيف بضده اعني العقاب على تركه ، نعم قد يخص الحكم الاستحبابي باعتبار ضميمة أصالة عدم الوجوب وأصالة براءة الذمة منه ، فتأمل. ولو لم يحرر السؤال الثاني على الوجه الذي قررناه كان بطلانه أظهر وفساده أبين كما لا يخفى. و (اما السؤال الثالث) ـ ففيه (أولا) ـ ان التحقيق ان بين تلك الروايات وبين ما دل على عدم العمل بقول الفاسق من الآية المذكورة ونحوها عموما من وجه ، فلو قرر السؤال ـ على حد ما حرره بعض المحققين ـ هكذا : لما كان بينهما عموم من وجه كما أشرنا إليه فلا ترجيح لتخصيص الثاني بالأول بل ربما رجح العكس لقطعية سنده وتأيده بالأصل إذ الأصل عدم التكليف وبراءة الذمة ، كان أقرب الى الاعتبار والاتجاه ، مع ما فيه من النظر والكلام إذ يمكن ان يقال ان الآية الكريمة انما تدل على عدم العمل بقول الفاسق بدون التثبت ، والعمل به فيما نحن فيه بعد ورود الروايات المعتبرة المستفيضة ليس عملا بلا تثبت كما ظنه السائل فلم تتخصص الآية الكريمة بالأخبار بل بسبب ورودها خرجت تلك الأخبار الضعيفة عن عنوان الحكم المثبت في الآية الكريمة ، فتأمل. انتهى كلامه.


أقول : لا يخفى ما في جواب شيخنا المشار اليه من التكلف والشطط والخروج عن حاق كلام ذلك الفاضل الموجب للوقوع في مهاوي الغلط ، وعندي ان جميع ما أطال به هو ومن أشار اليه انما هو تطويل بغير طائل وخروج عن صريح مقتضى كلام ذلك الفاضل ، وذلك فان ذلك الفاضل ادعى ان غاية ما تضمنته تلك الاخبار هو ترتب الثواب على العمل ومجرد هذا لا يستلزم أمر الشارع وطلبه لذلك العمل ، فلا بد ان يكون هناك دليل أخر على طلب الفعل والأمر به ليترتب عليه الثواب بهذه الاخبار وان لم يكن موافقا للواقع ونفس الأمر ، وهذا الكلام جيد وجيه لا مجال لإنكاره ، وحينئذ فقول المجيب ـ ان ترتب الثواب على عمل يساوق رجحانه. إلخ ـ كلام شعري لا معنى له عند التأمل الصادق ، فان العبادات توقيفية من الشارع واجبة كانت أو مستحبة فلا بد لها من دليل صريح ونص صحيح يدل على مشروعيتها ، وهذه الاخبار لا دلالة فيها على الثبوت والأمر بذلك وانما غايتها ما ذكرناه. واما قول ذلك الفاضل : ولو اقتضي ذلك لاستندوا. إلخ فمعناه ـ كما هو ظاهر سياق كلامه ـ انه لو اقتضى ترتب الثواب في هذه الاخبار طلب الشارع لذلك الفعل وجوبا أو استحبابا لكان الواجب عليهم الاستناد الى هذه الاخبار في وجوب ما تضمن الخبر الضعيف وجوبه كما جروا عليه بالنسبة الى ما تضمن الخبر الضعيف استحبابه مع انهم لم يجروا هذا الكلام في الواجب. وحاصل الكلام الإلزام لهم بأنه لا يخلو اما ان يقولوا ان ترتب الثواب في هذه الاخبار يقتضي الطلب والأمر بالفعل أم لا ، فعلى الأول يلزمهم ذلك في جانب الوجوب كما التزموه في جانب الاستحباب مع انهم لا يلتزمونه ، وعلى الثاني فلا بد من دليل آخر يقتضي ذلك ويدل عليه ، والى هذا أشار تفريعا على هذا الكلام بقوله : فلقائل أن يقول. إلخ ، وبذلك يتبين لك ما في تطويل شيخنا المشار اليه ومن نقل عنه واعتمد عليه من الخروج عن كلام هذا الفاضل الى مقام آخر لا تعلق له بما ذكره وهو تطويل بغير طائل. واما دعوى ذلك الفاضل ان الآية أخص مطلقا فصحيح لا ان بينها وبين تلك الأخبار عموما من وجه ، فان


الأخبار دلت على ترتب الثواب على العمل الوارد بطريق عن المعصوم (عليه‌السلام) سواء كان المخبر عدلا أم لا طابق خبره الواقع أم لا من الواجبات كان أم من المستحبات ومورد الآية رد خبر الفاسق تعلق بالسنن أو بغيرها ، ولا ريب ان هذا العموم أخص من ذلك العموم مطلقا لا من وجه ، ومن العجب قول المجيب بناء على زعمه العموم والخصوص من وجه وتقريبه السؤال بما ذكره : «وحينئذ فالجواب ان يقال ان الآية الكريمة انما تدل. إلخ» فإن فيه خروجا عن كلام ذلك الفاضل لان هذه الاخبار لا تدل عنده على مشروعية العمل وانما تدل على مجرد ترتب الثواب بعد ثبوت المشروعية بدليل آخر ، فكيف يحصل التثبت بها في العمل وهل هذا إلا أول المسألة ومحل النزاع؟

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الظاهر ان الكلام في هذه المسألة سؤالا وجوابا ونقضا وإبراما انما ابتنى على هذا الاصطلاح المحدث الذي جعلوا فيه بعض الاخبار ـ وان كانت مروية في الأصول المعتمدة المعتضدة بالقرائن المتعددة ـ ضعيفة ورموا بها من البين ، وصاروا مع الحاجة إليها لضيق الخناق في هذا الاصطلاح يتسترون تارة بأنها مجبورة بالشهرة وتارة بما ذكروه في هذه المسألة من ان العمل في الحقيقة انما هو بهذه الاخبار وأمثال ذلك مما أوضحناه ، وإلا فمتى قلنا بصحة الأخبار المروية في أصولنا المعتبرة وانها معتبرة معتمدة في ثبوت الأحكام كما عليه متقدمو علمائنا الاعلام وجم غفير من متأخريهم فإنه لا مجال لهذا البحث بالكلية ، إذ العامل انما عمل على ذلك الخبر لكونه معتبرا معتمدا ، وهذا هو الأنسب بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية ، فإن الاستحباب والكراهة أحكام شرعية كالوجوب والتحريم لا تثبت إلا بالدليل الواضح والمنار اللائح ، ومتى كان الحديث الضعيف ليس بدليل شرعي كما زعموه فلا يثبت به الاستحباب لا في محل النزاع ولا غيره ، والتستر بان ثبوت الاستحباب انما حصل بانضمام هذه الأخبار كما ادعوه يؤدي الى ثبوت الاستحباب بمجرد رؤية حديث يدل على ترتب الثواب على عمل ولو في ظهر كتاب أو في ورقة ملقاة أو بخبر عامي لصدق البلوغ بكل


من هذه الأمور كما دلت عليه تلك الأخبار ، والتزام ذلك لا يخلو من مجازفة. هذا. وقد نقل بعض مشايخنا عن بعض الأصحاب نظم اخبار المخالفين في هذا السلك فجوز الرجوع إليها في المندوبات ، ثم قال (قدس‌سره) : «ولا ريب ان الأخبار المذكورة تشملهم إلا انه قد ورد النهي في كثير من الاخبار عن الرجوع إليهم والعمل بأخبارهم ، وحينئذ فيشكل الحكم بالرجوع إليها لا سيما إذا كان ما ورد في أخبارهم هيئة مخترعة وصورة مبتدعة لم يعهد مثلها في الأخبار» انتهى. وهو مؤيد لما ذكرناه. وبالجملة فالقدر المعلوم المقطوع به من هذه الأخبار هو مجرد ترتب الثواب على عمل قد ثبت مشروعيته ووردت النصوص به سواء كان الخبر الوارد به مطابقا للواقع أم لا. والله سبحانه أعلم بحقائق أحكامه.

ومنها ـ الغسل عند صلاة الحاجة وصلاة الاستخارة ، قيل وليس المراد أي صلاة أوقعها المكلف لأحد هذين الأمرين بل المراد بذلك صلاة مخصوصة ورد النص باستحباب الغسل قبلها أو بعدها وهي مذكورة في مظانها.

والذي وقفت عليه من الاخبار بذلك ما رواه في الكافي عن عبد الرحيم القصير (1) قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقلت جعلت فداك اني اخترعت دعاء ، فقال دعني من اختراعك إذا نزل بك أمر فافزع الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وصل ركعتين تهديهما الى رسول الله. قلت كيف اصنع؟ قال تغتسل وتصلي ركعتين ، ثم ساق الخبر مشتملا على كيفية العمل الى ان قال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فانا الضامن على الله تعالى ان لا يبرح حتى تقضى حاجته». وعن مقاتل بن مقاتل (2) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) جعلت فداك علمني دعاء لقضاء الحوائج ، فقال إذا كانت لك حاجة الى الله تعالى مهمة فاغتسل والبس أنظف ثيابك وشم شيئا من الطيب ثم ابرز تحت السماء فصل ركعتين. الحديث». وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «في الأمر يطلبه الطالب من ربه؟ قال تصدق

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب الصلوات المندوبة.


في يومك على ستين مسكينا على كل مسكين صاع بصاع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإذا كان الليل اغتسلت في الثلث الباقي ولبست ادنى ما يلبس من تعول من الثياب ، الى ان قال ثم إذا وضعت رأسك للسجدة الثانية استخرت الله تعالى مائة مرة تقول اللهم إني أستخيرك ، ثم تدعو الله تعالى بما شئت. الحديث». وروى الصدوق في الفقيه عن مرازم عن العبد الصالح موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا فدحك أمر عظيم فتصدق في نهارك على ستين مسكينا على كل مسكين نصف صاع بصاع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من تمر أو بر أو شعير فإذا كان الليل اغتسلت في ثلث الليل الأخير ثم لبست ادنى ما يلبس من تعول من الثياب إلا ان عليك في تلك الثياب إزار ثم تصلي ركعتين ، الى ان قال فإذا وضعت جبينك في السجدة الثانية استخرت الله مائة مرة تقول : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، ثم تدعو الله تعالى بما شئت. الحديث». وما رواه في الكافي عن جميل بن دراج (2) قال : «كنت عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) فدخلت عليه امرأة وذكرت انها تركت ابنها وقد قالت بالملحفة على وجهه ميتا ، فقال لها لعله لم يمت فقومي فاذهبي إلى بيتك فاغتسلي وصلي ركعتين وادعي وقولي : يا من وهبه لي ولم يك شيئا جدد هبته لي ، ثم حركيه ولا تخبري بذلك أحدا. قال ففعلت فحركته فإذا هو قد بكى». وما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب عن صفوان بن يحيى ومحمد بن سهل عن أشياخهما عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «إذا حضرت لك حاجة مهمة الى الله عزوجل فصم ثلاثة أيام متوالية الأربعاء والخميس والجمعة ، فإذا كان يوم الجمعة ان شاء الله تعالى فاغتسل والبس ثوبا جديدا ثم اصعد إلى أعلى بيت في دارك وصل ركعتين وارفع يديك الى السماء ثم قل. الحديث».

أقول : المستفاد من الاخبار الكثيرة الواردة في صلاة الحوائج انهم (عليهم

__________________

(1 و 3) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب الصلوات المندوبة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الصلوات المندوبة.


السلام) ربما أمروا بالصلاة والدعاء خاصة وربما أمروا مع ذلك بالغسل في أوقات مخصوصة وربما أمروا بالصوم ايضا ، والمفهوم من ذلك هو استحباب هذه الأشياء لكل حاجة أراد المكلف طلبها الى الله عزوجل. وتتفاوت هذه الأعمال قلة وكثرة بتفاوت الحوائج بضروريتها وعدمها وشدة الحاجة إليها وعدمها فما ذكره بعضهم ـ من اختصاص الاغتسال بصلاة مخصوصة كما تقدمت الإشارة إليه ـ الظاهر انه لا وجه له ، ويؤيد ما ذكرناه قوله (عليه‌السلام) في عبارة كتاب الفقه المتقدمة (1) : «وغسل طلب الحوائج من الله تعالى». واما ما ورد بالنسبة إلى صلاة الاستخارة فما تقدم في موثقة سماعة (2) من قوله (عليه‌السلام) : «وغسل الاستخارة مستحب». وجملة من الأصحاب قد استدلوا على استحباب الغسل لصلاة الاستخارة بصحيحة زرارة المتقدمة لقوله في آخرها : «ثم إذا وضعت رأسك للسجدة الثانية استخرت الله تعالى مائة مرة». ونحوها رواية مرازم. وأنت خبير بان سياق الروايتين المذكورتين انما هو في طلب الحاجة والصلاة انما هي لها. والمراد بالاستخارة في آخر الروايتين المذكورتين انما هو طلب ان يجعل الله تعالى له الخيرة في هذا الأمر الذي يطلبه وان يختاره له فإنه أحد معاني الاستخارة لا بمعنى المشاورة كما هو المتبادر من لفظ الاستخارة ، وظاهر كلامهم ان الغسل لصلاة الاستخارة وظاهر موثقة سماعة ان الغسل للاستخارة وان كانت بغير صلاة والمتبادر من الاستخارة انما هو معنى المشاورة ، ولكن لم أقف في اخبار الاستخارة على ما يدل على وجوب الغسل في شي‌ء من إفرادها ، وحينئذ فيمكن ان يقال باستحباب الغسل للاستخارة مطلقا بهذا الخبر أو يخص بصلاة الاستخارة كما هو المشهور فيقال باستحباب الغسل للصلاة المروية في الاستخارة بهذا الخبر ، وكيف كان فالظاهر ان الاستدلال لذلك بصحيحة زرارة المشار إليها ونحوها رواية مرازم ليس في محله لما عرفت.

ومنها ـ غسل يوم الغدير ، قال في التهذيب : «والغسل في هذا اليوم مستحب

__________________

(1) ص 181.

(2) ص 179.


مندوب اليه وعليه إجماع الفرقة» أقول : ويدل عليه قوله (عليه‌السلام) في عبارة كتاب الفقه المتقدمة (1) : «وغسل يوم غدير خم». وما نقله ابن طاوس في الإقبال قال من كتاب محمد بن علي الطرازي قال روينا بإسنادنا الى عبد الله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم عن ابي الحسن المثنى عن الصادق (عليه‌السلام) (2) في حديث طويل ذكر فيه فضل يوم الغدير ، الى ان قال : «فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره. الحديث». وما رواه الشيخ عن علي بن الحسين العبدي (3) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا ، الى ان قال ومن صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل ان تزول مقدار نصف ساعة. الحديث».

ومنها ـ غسل ليلة النصف من شعبان ، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «صوموا شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه. الحديث». وما رواه في المصباح عن سالم مولى أبي حذيفة عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (5) قال : «من تطهر ليلة النصف من شعبان فأحسن الطهر ، وساق الحديث الى قوله : قضى الله تعالى له ثلاث حوائج. ثم ان سأل الله ان يراني في ليلته رآني». أقول : الظاهر ان هذا الخبر من طريق الجمهور ذكره الشيخ هنا تأكيدا.

ومنها ـ غسل ليلة النصف من رجب ويوم المبعث وهو اليوم السابع والعشرون منه ، وقد ذكرهما الشيخ في المصباح والجمل والمبسوط ، وقال الشهيد في الذكرى انه لم يصل إلينا خبر فيهما. وقال المحقق في المعتبر : ربما كان لشرف الوقتين والغسل مستحب

__________________

(1) ص 181.

(2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 20 من الأغسال المسنونة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الصلوات المندوبة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب الأغسال المسنونة.

(5) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الصلوات المندوبة.


مطلقا ولا بأس بالمتابعة فيه. أقول : ما ذكره في المعتبر محل تأمل فإن استحباب الغسل مطلقا لا دليل عليه بل هو عبادة موقوفة على التشريع وورود الأمر بها من الشارع ، والعجب منه في قوله : «ولا بأس بالمتابعة فيه» مع خروجه عما عليه الأصحاب في جملة من المواضع التي قامت فيها الأدلة على ما ذهبوا اليه بزعم انها ضعيفة السند فكيف يوافقهم هنا من غير دليل؟ أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار مما يتعلق بهذا المقام ما في الإقبال قال وجدت في كتب العبادات عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) انه قال : «من أدركه شهر رجب فاغتسل في اوله ووسطه وآخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه».

ومنها ـ الغسل لقضاء صلاة الكسوف مع تركها عمدا واحتراق القرص ، صرح به الشيخ وابن إدريس وابن البراج وأكثر الأصحاب ، وذهب المرتضى في المسائل المصرية الثالثة وأبو الصلاح وسلار الى وجوبه في الصورة المذكورة ، وعن الشيخ في النهاية القول بالوجوب ايضا ، وعن المفيد والمرتضى في المصباح القول بالاستحباب والاقتصار على تركها متعمدا من غير اشتراط لاستيعاب الاحتراق ، قال في المختلف : «وللشيخ قولان كالمذهبين ففي النهاية والجمل والخلاف يجب القضاء مع الغسل وفي موضع من الخلاف انه مستحب ، ولم يتعرض في المبسوط لوجوبه بل قال يقضيها مع الغسل وكذلك قال ابن بابويه ، ولم يتعرض ابن ابي عقيل لهذا الغسل بوجوب ولا استحباب» انتهى. أقول : لا يخفى ان الشيخ في المبسوط صرح بالاستحباب في ضمن تعداد الأغسال المستحبة قال : «وغسل قاضي صلاة الكسوف إذا احترق القرص كله وتركها متعمدا» ولكن العلامة غفل عنه وقت التصنيف ولم يراجعه ، هذا ما حضرني من الأقوال في المسألة.

واما الأخبار المتعلقة بالمسألة المذكورة فقال في المدارك : «والذي وقفت عليه

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الأغسال المسنونة.


من الاخبار في هذه المسألة روايتان ، روى إحداهما حريز عمن أخبره عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصل فليغتسل من غد وليقض الصلاة ، وان لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل». والثانية رواها محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) وهي طويلة قال في آخرها : «وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاغتسل». وليس في هذه الرواية إشعار بكون الغسل للقضاء بل المستفاد من ظاهرها ان الغسل للأداء ، والرواية الأولى قاصرة من حيث السند وخالية من قيد الاستيعاب ولكن سيجي‌ء ان شاء الله ان القضاء انما يثبت مع ذلك ، والأحوط الغسل للقضاء مع تعمد الترك أخذا بظاهر الرواية المتقدمة وان ضعف سندها ، اما الغسل للأداء مع استيعاب الاحتراق فلا ريب في استحبابه والاولى ان لا يترك بحال لصحة مستنده وتضمنه الأمر بالغسل مع انتفاء ما يقتضي الحمل على الاستحباب» انتهى. وهو ظاهر في عدم وقوفه على دليل يقتضي الدلالة على القول المشهور ، وقد تبعه في ذلك الفاضل الخراساني في الذخيرة فأورد الروايتين المذكورتين لكنه لم يطعن في الأولى بضعف السند بل زيف لها وجوها تجبر ضعفها واختار العمل بظاهرها إلا انه حمل الأمر فيها على الاستحباب كما سيأتي ان شاء الله تعالى نقل كلامه في المقام ، واما الرواية الثانية فإنه اعترف ايضا بما ذكره في المدارك من ان ظاهرها وجوب الغسل في الأداء مع الاحتراق إلا انه عدل عنه ، قال : لانه غير معمول عليه بين الأصحاب فينبغي حمله على الاستحباب. والمحقق الخوانساري في شرح الدروس قد نقل زيادة على الروايتين المذكورتين ما رواه في الفقيه مرسلا عن الباقر (عليه‌السلام) (3) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) الغسل في سبعة عشر موضعا الى ان قال في آخرها : وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاستيقظت ولم تصل

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب الأغسال المسنونة.

(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة.


فعليك ان تغتسل وتقضي الصلاة.». ثم أطال الكلام في المقام بما لا يخلو من التردد وعدم الانسجام.

أقول : والذي يظهر لي من النظر في روايات المسألة والتأمل فيها ان صحيحة محمد بن مسلم التي قدمنا ذكرها في صدر المطلب برواية الشيخ في التهذيب (1) هي بعينها ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا عن الباقر (عليه‌السلام) (2) من قوله : «الغسل في سبعة عشر موضعا. الى آخره». والصدوق وان رواها في الفقيه مرسلة إلا انه رواها في الخصال مسندة عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن محمد عن الباقر (عليه‌السلام) (3) قال : «الغسل في سبعة عشر موضعا ، ثم ساق الخبر الى ان قال : وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاستيقظت ولم تصل فعليك ان تغتسل وتقضي الصلاة». وهي ـ كما ترى ـ صحيحة صريحة في القول المشهور ولكنه في المدارك وكذا في الذخيرة لما لم يقفا إلا على ذينك الخبرين المجملين توقفا فيما ذكراه ، ومن الظاهر الذي لا يكاد يختلجه الشك ان هذه الرواية هي الرواية التي نقلها الشيخ في التهذيب لكنه أسقط منها هذه العبارة سهوا وزاد عوضها قوله «فاغتسل» والرواية كما ذكرناه من الزيادة موجودة في كتب الصدوق : الفقيه والخصال والهداية ، والظاهر ان هذه الزيادة سقطت من قلم الشيخ كما لا يخفى على من له انس بطريقته سيما في التهذيب وما وقع له فيه من التحريف والتصحيف والزيادة والنقصان في الأسانيد والمتون بحيث انه قلما يخلو حديث من ذلك في متنه أو سنده كما هو ظاهر للممارس ، وبذلك يظهر ضعف الاستناد الى روايته في المسألة وضعف ما استنبطه في المدارك منها بناء على نقله لها مع صحة سندها من الغسل للأداء.

بقي الكلام في مرسلة حريز من حيث انها مطلقة في الكسوف من غير تقييد بالاحتراق ، ولكن الظاهر تقييدها بصحيحة محمد بن مسلم التي ذكرناها واعتمدناها وبه

__________________

(1) ص 180.

(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة.


تجتمع الأخبار في الدلالة على القول المشهور. ومما يؤيد ما ذكرناه من حمل الرواية المذكورة على الاحتراق قوله (عليه‌السلام) في آخرها : «وان لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل». فإنه لو حمل على ظاهره للزم منه وجوب القضاء في صورة عدم العلم مطلقا احترق أو لم يحترق مع ان الأخبار وكلام الأصحاب على تخصيص ذلك بصورة الاحتراق واما مع عدم الاحتراق فلا قضاء. واما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ حيث قال يعد ذكر مرسلة حريز : «فان قلت : ظاهر هذه الرواية وهو القضاء في صورة عدم العلم مطلقا غير معمول عليه بين أكثر الأصحاب وتنفيه الأخبار المعتمدة الآتية في محله فينبغي ان يخص بصورة احتراق الجميع ، قلت : الذي يستفاد من الروايات عدم وجوب القضاء إلا في الصورة المذكورة لا عدم الاستحباب ، نعم لو ثبت الإجماع على عدم الاستحباب تعين المصير الى تخصيص الخبر بصورة احتراق الجميع لكن الإجماع غير ثابت ولا ادعاه أحد» انتهى ـ ففيه ان الاستحباب ايضا حكم شرعي يتوقف على الدليل والحال انه لم يقل به هنا أحد ولم يدل عليه دليل ، فحمل الرواية عليه مع إمكان حملها وتقييدها بصورة الاحتراق ـ كما هو القاعدة المطردة من حمل المطلق على المقيد ـ ترجيح من غير مرجح بل الترجيح في جانب ما ذكرناه لما عرفت.

إلا انه يبقى الكلام في ان ظاهر الاخبار المذكورة هو الوجوب كما هو قول جماعة من فضلاء الأصحاب على ما قدمناه ولا اعرف عنه صارفا إلا مجرد مناقشات لا يخفى وهنا على المصنف ، قال في المختلف بعد نقل الخلاف في المسألة : «والحق الاستحباب ، لنا ـ الأصل براءة الذمة وقوله (عليه‌السلام) (1) : «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته». وكما لا يجب في الأداء الغسل بل هو مستحب فكذلك القضاء ، ولحديث سعد عن الصادق (عليه‌السلام) وقد تقدم» انتهى. أقول : اما ما ذكره من الأصل فإنه يجب الخروج عنه بالدليل وهو واضح فيما ذكرناه من الاخبار لقوله (عليه‌السلام) في مرسلة

__________________

(1) المروي في الوسائل في الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات.


حريز «فليغتسل». وهو أمر والأصل فيه الوجوب ، وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم التي في كتب الصدوق «فعليك ان تغتسل». وظهوره في الوجوب لا ينكر ، وقوله (عليه‌السلام) فيها برواية الشيخ «فاغتسل» والأمر فيه كما في الأول واما ما ذكره من حديث «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته» فإنما هو بمعنى الكيفية التي عليها الصلاة مما هو داخل في حقيقتها لا باعتبار ما كان خارجا عنها ، واما حديث سعد المشار اليه ـ وهو ما قدمه من حديث سعد بن ابي خلف عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «ان الأغسال أربعة عشر واحد فريضة والباقي سنة». ـ ففيه ان لفظ السنة لا ظهور له في الاستحباب لاستعماله فيما وجب بالسنة كما لا يخفى على من له أنس بالاخبار ، على انه متى أريد به هنا الاستحباب فلا بد من تقييده البتة لظهور وجوب جملة من الأغسال اتفاقا ، والحق ان المراد بالسنة ما هو أعم من المعنيين المذكورين وان منع استعماله كذلك أصحاب الأصول لتصريحهم بعدم جواز استعمال اللفظ في معنييه اشتراكا أو حقيقة ومجازا الا ان ما منعوه موجود في الاخبار كثيرا كهذا الموضع وغيره. واما ما تمسك به الفاضل الخراساني في الذخيرة من عدم دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب فقد عرفت فساده فيما تقدم.

واما ما ذكره جملة من الأصحاب في هذا المقام ـ من ان ظاهر اخبار المسألة الاختصاص بالقمر حتى لجأ بعضهم في الاستدلال على الشمس الى عدم القائل بالفصل فينسحب الحكم فيها ـ ففيه ان ذلك وان لم يذكر في هذه الأخبار المشهورة لكنه مذكور في الفقه الرضوي الذي قد عرفت وستعرف انه معتمد المتقدمين حيث قال (عليه‌السلام) (2) : «وان انكشفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك ان تصليها إذا علمت ، فان تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصل وان لم يحترق القرص فاقضها

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الجنابة.

(2) ص 12.


ولا تغتسل». وسيأتي مزيد كلام في هذه العبارة ان شاء الله تعالى في كتاب الصلاة. والله العالم.

ومنها ـ الغسل لأخذ التربة ، روى ذلك في البحار (1) عن مؤلف كتاب المزار الكبير بإسناده عن جابر الجعفي قال : «دخلت على مولانا ابي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه‌السلام) فشكوت اليه علتين متضادتين إذا داويت إحداهما انتقضت الأخرى وكان بي وجع الظهر ووجع الجوف فقال لي عليك بتربة الحسين بن علي (عليهما‌السلام) فقلت كثيرا ما استعملها ولا تنجع في؟ قال جابر فتبينت في وجه سيدي ومولاي الغضب فقلت يا مولاي أعوذ بالله من سخطك ، فقام فدخل الدار وهو مغضب فاتى بوزن حبة في كفه فناولني إياها ثم قال لي استعمل هذه يا جابر فاستعملتها فعوفيت لوقتي ، فقلت يا مولاي ما هذه التي استعملتها فعوفيت لوقتي؟ قال هذه التي ذكرت انها لم تنجع فيك شيئا. فقلت والله يا مولاي ما كذبت فيها ولكن قلت لعل عندك علما فأتعلمه منك يكون أحب الي مما طلعت عليه الشمس ، فقال لي إذا أردت أن تأخذ من التربة فتعمد لها آخر الليل واغتسل لها بماء القراح والبس أطهر أطهارك وتطيب بسعد وادخل فقف عند الرأس فصل اربع ركعات تقرأ ، ثم ساق الخبر في بيان الصلاة وكيفيتها والاذن في أخذ التربة الى ان قال : وتأخذ بثلاث أصابع ثلاث مرات وتدعها في خرقة نظيفة أو قارورة من زجاج وتختمها بخاتم عقيق عليه «(ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلّا بِاللهِ) استغفر الله» فإذا علم الله تعالى منك صدق النية لم يصعد معك في الثلاث قبضات إلا سبعة مثاقيل وترفعها لكل علة فإنها تكون مثل ما رأيت».

ومنها ـ الغسل يوم النيروز لما رواه الشيخ في المصباح عن المعلى بن خنيس عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك. الحديث».

__________________

(1) ج 22 ص 147.

(2) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الأغسال المسنونة.


تتمة

قال الفاضل ابن فهد في المهذب : «تنبيه : يوم النيروز يوم جليل القدر وتعيينه من السنة غامض مع ان معرفته أمر مهم من حيث انه تتعلق به عبادة مطلوبة للشارع والامتثال موقوف على معرفته ، ولم يتعرض لتفسيره أحد من علمائنا سوى ما قاله الفاضل محمد ابن إدريس ، وحكايته : والذي حققه بعض محصلي أهل الحساب وعلماء الهيئة وأهل هذه الصنعة في كتاب له ان يوم النيروز يوم العاشر من أيار. وقال الشهيد وفسر بأول سنة الفرس أو حلول الشمس برج الحمل أو عاشر أيار. فالثالث إشارة إلى قول ابن إدريس والأول إشارة الى ما هو مشهور عند فقهاء العجم في بلدهم فإنهم يجعلونه عند نزول الشمس الجدي وهو قريب مما قاله صاحب الأنواء ، وحكايته : اليوم السابع عشر من كانون الأول هو صوم اليهود وفيه ترجع الشمس مصعدة الى الشمال ويأخذ النهار من الليل ثلاث عشرة ساعة وهو مقدار ما يأخذ في كل يوم وتنزل الشمس برج الجدي قبله بيومين ، وبعض العلماء جعله رأس السنة وهو النيروز ، فجعله حكاية عن بعض العلماء وقال بعد ذلك : اليوم التاسع من شباط وهو يوم النيروز ويستحب فيه الغسل وصلاة أربع ركعات لما رواه المعلى بن خنيس عن الصادق (عليه‌السلام) ثم ذكر الخبر فاختار التفسير الأخير وجزم به. والأقرب من هذه التفاسير انه نزول الشمس برج الحمل لوجوه : (الأول) ـ انه اعرف بين الناس وأظهر في استعمالهم ، وانصراف الخطاب المطلق الشامل لكل مكلف الى معلوم في العرف وظاهر في الاستعمال اولى من انصرافه الى ما كان على الضد من ذلك ، ولانه المعلوم من عادة الشرع وحكمته ، ألا ترى كيف علق أوقات الصلوات بسير الشمس الظاهر وصوم رمضان برؤية الهلال وكذا أشهر الحج؟ وهي أمور ظاهرة يعرفها عامة الناس بل الحيوانات. فان قلت : استعماله في نزول الشمس برج الحمل غير ظاهر الاستعمال في بلاد العجم حتى انهم لا يعرفونه


وينكرونه على معتقده فلم خصصت ترجيح العرف الظاهر في بعض البلاد دون بعض؟ وأيضا فإن ما ذكرته حادث ويسمى النيروز السلطاني والأول أقدم حتى قيل انه منذ زمان نوح (عليه‌السلام) ، فالجواب عن الأول ان العرف إذا تعدد انصرف الى العرف الشرعي فان لم يكن فإلى أقرب البلاد واللغات الى الشرع فينصرف إلى لغة العرب وبلادها لأنها أقرب الى الشرع ، وعن الثاني بأن التفسيرين معا متقدمان على الإسلام (الثاني) ـ انه مناسب لما ذكره صاحب الأنواء من ان الشمس خلقت في الشرطين وهما أول الحمل ، فيناسب ذلك إعظام هذا اليوم الذي عادت فيه الى مبدإ كونها (الثالث) ـ انه مناسب لما ذكره السيد رضي الدين بن طاوس (قدس‌سره) ان ابتداء العالم وخلق الدنيا كان في شهر نيسان ولا شك ان نيسان يدخل والشمس في الحمل ، وإذا كان ابتداء العالم في هذا اليوم يناسب ان يكون يوم عيد وسرور ، ولهذا ورد استحباب التطيب فيه بأطيب الطيب ولبس أنظف الثياب ومقابلته بالدعاء والشكر والتأهب لذلك بالغسل وتكميله بالصوم والصلاة المرسومة له حيث كان فيه ابتداء النعمة الكبرى وهي الإخراج من حيز العدم الى الوجود ثم تعريض الخلق لثوابه الدائم ولهذا أمرنا بتعظيم يوم المبعث والغدير حيث كان فيهما ابتداء منصب النبوة والإمامة وكذا المولدين. (فان قلت) : نسبته الى الفرس تؤيد الأول فإنهم واضعوه والثاني وضعه قوم مخصوصون ولم يوافقهم الباقون (قلنا) : يكفي في نسبته إليهم ان يقول به طائفة منهم وان قصروا في العدد عمن لم يقل به ، ألا ترى الى قوله تعالى : «وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ...» (1) وليس القائل بذلك كل اليهود ولا كل النصارى ، ومثل قوله : «وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ...» (2) وليس الإشارة الى أهل الكتاب بأجمعهم بل الى عبد الله بن سلام وأصحابه (زيادة) ـ ومما ورد في فضله ويعضد ما قلناه ما حدثني المولى السيد المرتضى

__________________

(1) سورة التوبة. الآية 30.

(2) سورة الرعد. الآية 36.


العلامة بهاء الدين علي بن عبد الحميد النسابة دامت فضائله رواه بإسناده إلى المعلى بن خنيس عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «ان يوم النيروز هو اليوم الذي أخذ فيه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) العهد بغدير خم فأقروا له بالولاية فطوبى لمن ثبت عليها والويل لمن نكثها ، وهو اليوم الذي وجه فيه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليا (عليه‌السلام) الى وادي الجن فأخذ عليهم العهود والمواثيق ، وهو اليوم الذي ظفر فيه بأهل النهروان وقتل ذا الثدية ، وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الأمر ويظفره الله تعالى بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة ، وما من يوم نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج لانه من أيامنا حفظه الفرس وضيعتموه ، ثم ان نبيا من أنبياء بني إسرائيل سأل ربه ان يحيى القوم «الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ» (2) فأماتهم الله تعالى فأوحى الله تعالى اليه ان صب عليهم الماء في مضاجعهم فصب عليهم الماء في هذا اليوم فعاشوا وهم ثلاثون ألفا فصار صب الماء في يوم النيروز سنة ماضية لا يعرف سببها إلا الراسخون في العلم ، وهو أول يوم من سنة الفرس ، قال المعلى : واملى علي ذلك فكتبته من إملائه». وعن المعلى ايضا (3) قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) في صبيحة يوم النيروز فقال يا معلى أتعرف هذا اليوم؟ قال : قلت لا ولكنه يوم تعظمه العجم وتتبارك فيه ، قال كلا والبيت العتيق الذي ببطن مكة ما هذا اليوم إلا لأمر قديم أفسره لك حتى تعلمه. قلت تعلمي هذا من عندك أحب الى من ان تعيش أترابي ويهلك الله عدوكم ، قال يا معلى يوم النيروز هو اليوم الذي أخذ الله تعالى فيه ميثاق العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وان يدينوا برسله وحججه وأوليائه ، وهو أول يوم طلعت فيه الشمس وهبت فيه الرياح اللواقح وخلقت فيه زهرة الأرض ، وهو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح (عليه‌السلام) على الجودي

__________________

(1 و 3) رواه في الوسائل في الباب 48 من أبواب الصلوات المندوبة.

(2) سورة البقرة. الآية 244.


وهو اليوم الذي أحيا الله تعالى فيه القوم «الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ» (1) وهو اليوم الذي هبط فيه جبرئيل (عليه‌السلام) على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو اليوم الذي كسر فيه إبراهيم (عليه‌السلام) أصنام قومه ، وهو اليوم الذي حمل فيه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمير المؤمنين (عليه‌السلام) على منكبه حتى رمى أصنام قريش من فوق البيت الحرام وهشمها. الخبر بطوله». والشاهد في هذين الحديثين من وجوه : (الأول) ـ قوله (عليه‌السلام) «هو اليوم الذي أخذ الله تعالى فيه العهد بغدير خم» وهذا تأريخ وكان ذلك سنة عشر من الهجرة وحسب فوافق نزول الشمس الحمل في التاسع عشر من ذي الحجة على حساب التقويم ولم يكن الهلال رؤي في مكة ليلة الثلاثين فكان الثامن عشر على الرؤية (الثاني) ـ كون صب الماء في ذلك اليوم سنة شائعة ، والظاهر ان مثل هذه السنة العامة الشاملة لعامة المكلفين انما يكون صب الماء في وقت لا ينفر منه الطبع ويأباه ولا يتصور ذلك مع كون الشمس في الجدي لأنه في غاية القر في غالب البلاد الإسلامية (الثالث) ـ قوله (عليه‌السلام) في الحديث الثاني : «وهو أول يوم طلعت فيه الشمس» وهو مناسب لما قيل ان الشمس خلقت في الشرطين (الرابع) ـ قوله : «وخلقت فيه زهرة الأرض» وهذا انما يكون في الحمل دون الجدي وهو ظاهر» انتهى ما ذكره في المهذب.

ولا يخفى ما فيه على الفطن النبيه فإن إثبات الأحكام الشرعية بأمثال هذه الوجوه التخريجية الوهمية لا يخلو من مجازفة سيما مع ما فيها من الاختلال الذي لا يخفى على من خاض بحار الاستدلال وليس في التعرض لنقضها كثير فائدة مع ظهور الحال فيما ذكرناه ولا اعرف لذلك دليلا شرعيا ولا مستندا مرعيا غير مجرد اتفاق الناس على ذلك ، وقد أطال شيخنا المجلسي في البحار في بيان ما في جملة هذه الأقوال من الاختلال واعترض

__________________

(1) سورة البقرة. الآية 244.


كلام المهذب ايضا بوجوه ليس هذا موضع ذكرها. والعلم عند الله سبحانه.

ومنها ـ غسل الجمعة ، وقد اختلف فيه الأصحاب (رضوان الله عليهم) فالمشهور استحبابه ، وقال الصدوق في الفقيه : غسل يوم الجمعة واجب على الرجال والنساء في السفر والحضر ، ثم قال وغسل يوم الجمعة سنة واجبة. وقال في الكافي : باب وجوب الغسل يوم الجمعة ، ثم أورد الأخبار المتضمنة للوجوب ، وبذلك نسب إليهما القول بالوجوب وفيه ما سيأتي بيانه في المقام ان شاء الله تعالى ، والى هذا القول مال شيخنا البهائي في الحبل المتين ونقل القول بالوجوب ايضا عن والد الصدوق ، والى هذا القول ذهب شيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني وأيده ونصره وصنف فيه رسالة.

ومنشأ هذا الخلاف اختلاف الاخبار ظاهرا ، وها نحن نبدأ أولا بذكر أخبار المسألة كملا كما هي قاعدتنا في الكتاب ثم نعطف الكلام ان شاء الله تعالى على تحقيق القول فيما يستفاد منها وما تجتمع عليه بوجه لا يزاحمه الاشكال ولا يتطرق اليه ان شاء الله تعالى الاختلال.

فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن محمد بن عبد الله بن المغيرة عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الغسل يوم الجمعة فقال واجب على كل ذكر وأنثى من عبد أو حر». ورواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن المغيرة عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) مثله (2) وما رواه ثقة الإسلام عن منصور بن حازم في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «الغسل يوم الجمعة على الرجال والنساء في الحضر وعلى الرجال في السفر». ورواه في موضع آخر كذلك (4) وزاد عليه «وليس على النساء في السفر». وقال (5) : وفي رواية أخرى «ورخص للنساء في السفر لقلة الماء». وعن زرارة في الصحيح عن الباقر (عليه‌السلام) (6)

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.

(6) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الأغسال المسنونة.


في حديث قال : «الغسل واجب يوم الجمعة». ورواه الصدوق في الخصال في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (1) قال : «الغسل في يوم الجمعة واجب. الى تمام الخبر». وروى الصدوق في العلل في الصحيح عن محمد بن احمد بن يحيى رفعه (2) قال : «غسل الجمعة واجب على الرجال والنساء في السفر والحضر إلا انه رخص للنساء في السفر لقلة الماء». وما رواه الكليني عن حريز في الحسن أو الصحيح عن بعض أصحابنا عن الباقر (عليه‌السلام) (3) قال : «لا بد من الغسل يوم الجمعة في السفر والحضر ومن نسي فليعد من الغد» قال «وروي فيه رخصة للعليل». وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (4) قال : «اغتسل يوم الجمعة إلا ان تكون مريضا أو تخاف على نفسك». وعن علي بن يقطين في الصحيح (5) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن النساء أعليهن غسل الجمعة؟ قال نعم». وما رواه الشيخ والصدوق عن سماعة بن مهران في الموثق (6) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن غسل الجمعة فقال واجب في السفر والحضر إلا انه رخص للنساء في السفر لقلة الماء». وهذه الاخبار هي أدلة القول بالوجوب كما ينادي به ظاهرها ، ومنها ـ ما رواه الشيخ عن علي بن يقطين في الصحيح (7) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الغسل في يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال سنة وليس بفريضة». وعن زرارة في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (8) قال : «سألته عن غسل يوم الجمعة؟ قال هو سنة في السفر والحضر إلا ان يخاف المسافر على نفسه القر». وعن علي (9) ـ والظاهر انه ابن

__________________

(1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 3 من أبواب الأغسال المسنونة.

(2 و 4 و 5 و 7 و 8 و 9) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة.

(6) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة.


أبي حمزة ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن غسل العيدين أواجب هو؟ قال هو سنة. قلت فالجمعة؟ قال هو سنة». وروى المفيد (رحمه‌الله) في المقنعة مرسلا (1) قال : «روي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) انه قال : غسل الجمعة والفطر سنة في السفر والحضر».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان من ذهب من أصحابنا إلى الوجوب أخذ بظاهر الأخبار الأولة وأجاب عن الاخبار الأخيرة بحمل السنة فيها على ما ثبت وجوبه بالسنة ، قال شيخنا البهائي في الحبل المتين حيث اختار هذا القول : «وأنت خبير بان الجمع بينها بحمل السنة على ما ثبت وجوبه بالسنة والفريضة على ما ثبت وجوبه بالكتاب غير بعيد ، وهو اصطلاح الصدوق في الفقيه كما يشعر به قوله : «الغسل كله سنة ما خلا غسل الجنابة» وهذا الذي اصطلح عليه ليس من مخترعاته بل ورد في كثير من الاخبار عن أئمتنا (عليهم‌السلام) كما رواه في التهذيب عن الرضا (عليه‌السلام) (2) بطرق عديدة «ان الغسل من الجنابة فريضة وغسل الميت سنة». قال الشيخ يريد ان فرضه عرف من جهة السنة لأن القرآن لا يدل على فرض غسل الميت ، وكما رواه عن سعد بن ابي خلف (3) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : الغسل في أربعة عشر موطنا واحد فريضة والباقي سنة». قال العلامة في المختلف : المراد بالسنة ما ثبت من جهة السنة لا من طريق القرآن. ولا حاصل ان إطلاق السنة على ذلك المعنى غير عزيز وحمل السنة عليه ليس بأبعد من حمل الوجوب في قوله (عليه‌السلام) : «الغسل واجب يوم الجمعة». وقوله (عليه‌السلام) «انه واجب على كل ذكر وأنثى من عبد أو حر». على المبالغة في الاستحباب ، ومنع كون الوجوب حقيقة شرعية في المعنى المصطلح عليه بين الفقهاء يأتي مثله في السنة ، وبهذا يظهر ان قول الصدوقين غير بعيد عن الصواب» انتهى. واما من ذهب الى القول

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم.

(3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الجنابة.


بالاستحباب كما هو المشهور عملا بظاهر الأخبار الأخيرة من حمل السنة على معنى المستحب فإنه حمل الوجوب في الاخبار التي استند إليها الخصم على المعنى اللغوي أو تأكد الاستحباب لعدم ثبوت كون الوجوب عندهم (عليهم‌السلام) حقيقة في المعنى الاصطلاحي ، قال المحقق الشيخ حسن (قدس‌سره) في المنتقى ـ بعد ان نقل عن الشيخ حمل لفظ الوجوب في الاخبار على تأكد الاستحباب ـ ما صورته : «وكثيرا ما يذكر الشيخ هذا الكلام في تضاعيف ما يستعمل فيه هذا اللفظ وهو مطابق لمقتضى أصل الوضع وان كان المتبادر في العرف الآن خلافه ، فان العرف المقدم على اللغة هو الموجود في زمن الخطاب باللفظ ولا دليل على ان المعنى العرفي لهذا اللفظ كان متحققا في ذلك الوقت فيحمل على المعنى اللغوي. ويبقى الكلام في الخبر المتضمن للأمر بالاغتسال يوم الجمعة ولو قلنا بان الأمر في مثله يفيد الوجوب لاقتضت رعاية الجمع بينه وبين ما تضمن كون الغسل سنة ان يحمل على الندب» انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما ذكره شيخنا البهائي في الحبل المتين من استعمال السنة فيما ثبت وجوبه بالسنة أكثر كثير في الاخبار ، ومنه ـ زيادة على ما ذكره من الخبرين ـ ما ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «ان الله عزوجل فرض الركوع والسجود والقراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد صلاته ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته». ورواية الحسين بن النضر الأرمني الواردة في اجتماع الميت مع الجنب في السفر (2) وفيها قال : «يغتسل الجنب ويترك الميت لان هذا فريضة وهذا سنة». ورواية التفليسي الواردة في ذلك ايضا (3) حيث قال فيها «إذا اجتمعت سنة وفريضة بدئ بالفرض». ومرسلة محمد بن عيسى الواردة في ذلك ايضا (4) وفيها «لان الغسل من الجنابة فريضة وغسل الميت سنة». وكذا ما ذكره المحقق المشار اليه من ان الوجوب

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب القراءة.

(2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم.


في عرفهم (عليهم‌السلام) كما استفاضت به أخبارهم أعم من هذا المعنى الاصطلاحي فإنه حق لا ريب فيه. وقد تقدم في الاخبار المذكورة في صدر المطلب عد جملة من تلك الأغسال المتفق على استحبابها بلفظ الوجوب ، وبالجملة فإن المتدرب في الاخبار لا يخفى عليه صحة الأمرين المذكورين. والحق الحقيق بالاتباع ـ كما حققناه في جملة من المواضع ـ ان هذين اللفظين من الألفاظ المتشابهة في الاخبار ولا يجوز الحمل على أحد المعنيين فيها إلا مع القرينة ، ومدعى دلالة لفظ الوجوب في أخبارهم (عليهم‌السلام) على الوجوب بهذا المعنى الاصطلاحي وهكذا لفظ السنة بمعنى المستحب خاصة مكابر مباهت ، وبذلك يظهر سقوط استدلال كل من هذين القائلين بهذه الاخبار في البين بل الواجب على من يدعي الوجوب تحصيل دليل آخر غير هذه الاخبار المتقدمة وكذا من يدعي الاستحباب تحصيل دليل آخر غير ما ذكر.

وأنت خبير بان مع إلقاء هذين الدليلين من البين فإن الذي يظهر من الاخبار هو الاستحباب وذلك من وجوه :

(الأول) ـ أصالة البراءة من الوجوب حتى يقوم دليل يوجب الخروج عنها وليس فليس ، وهو أقوى دليل في المقام إذ الاخبار الواردة التي استند إليها الخصم لا دلالة فيها على ما ادعاه ، لما عرفت من ان الوجوب في كلامهم (عليهم‌السلام) أعم من هذا المعنى المصطلح عليه وهو الذي لا يجوز تركه فلا تنهض حجة في الخروج عن هذا الأصل.

(الثاني) ـ رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة فإنه لا مجال لحمل السنة فيها على ما ثبت وجوبه بالسنة كما ادعاه الخصم ، لأن أصل السؤال تردد بين كونه واجبا أو سنة والسنة متى قوبلت بالواجب تعين حملها على معنى المستحب وانما يحصل الشك فيما إذا قوبلت بالفرض أو أطلقت ، وأصل السؤال وان كان عن غسل العيدين لكن قضية العطف إجراؤه في المعطوف عليه ايضا.

(الثالث) ـ صحيحة علي بن يقطين المتقدمة أيضا حيث عد غسل الجمعة فيها


في قرن غسل الضحى والفطر فأجاب (عليه‌السلام) عن الجميع بأنه سنة ، ومن المتفق عليه عند الخصم ان غسل العيدين مستحب فيكون غسل الجمعة أيضا كذلك والا لزم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه أو المشترك في معنييه وهم لا يقولون به.

(الرابع) ـ ما نقله شيخنا المجلسي في البحار عن كتاب جمال الأسبوع لابن طاوس في حديث رواه فيه بسنده عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) «انه قال لعلي (عليه‌السلام) في وصيته يا علي على الناس في كل يوم من سبعة أيام الغسل فاغتسل في كل جمعة ، ولو أنك تشترى الماء بقوت يومك وتطويه فإنه ليس شي‌ء من التطوع بأعظم منه». وهو صريح الدلالة كما ترى

(الخامس) ـ رواية الحسين بن خالد الصيرفي (2) قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) كيف صار غسل الجمعة واجبا؟ فقال ان الله تبارك وتعالى أتم صلاة ، الفريضة بصلاة النافلة وأتم صيام الفريضة بصيام النافلة وأتم وضوء الفريضة بغسل الجمعة ما كان في ذلك من سهو أو تقصير أو نسيان». والتقريب فيها ظاهر من النظائر المذكورة ، وحينئذ فالوجوب في صدر الرواية مراد به المعنى اللغوي.

ويؤيد ذلك عده في قرن المستحبات في جملة من الأخبار كقول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة هشام بن الحكم (3) : «ليتزين أحدكم يوم الجمعة يغتسل ويتطيب ويسرح لحيته ويلبس أنظف ثيابه». وكقول الباقر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (4) «لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة وشم الطيب والبس صالح ثيابك. الحديث». وقول الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (5) «وعليكم بالسنن يوم الجمعة وهي سبعة : إتيان النساء وغسل الرأس واللحية بالخطمي وأخذ الشارب وتقليم الأظافير وتغيير

__________________

(1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 3 من أبواب الأغسال المسنونة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.

(3 و 4) المروية في الوسائل في الباب 47 من أبواب صلاة الجمعة.

(5) ص 11.


الثياب ومس الطيب ، فمن أتى بواحدة من هذه السنن ثابت عنهن وهي الغسل ، وأفضل أوقاته قبل الزوال ولا تدع في سفر ولا حضر ، وان كنت مسافرا وتخوفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسل يوم الخميس فان فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة ، وانما سن الغسل يوم الجمعة تتميما لما يلحق الطهور في سائر الأيام من النقصان». انتهى كلامه. وفي قوله (عليه‌السلام) : «وانما سن الغسل. إلخ» إشارة الى ما تضمنته رواية الحسين بن خالد المذكورة. ويؤيده أيضا الرخصة في تركه للنساء في السفر كما تقدم في صحيحة منصور بن حازم ، إذ لا شي‌ء من الأغسال بل الأفعال الواجبة كذلك بل ورد جواز تركها له في الحضر كما رواه الصدوق في الخصال عن جابر الجعفي عن الباقر (عليه‌السلام) (1) قال : «ليس على المرأة غسل الجمعة في السفر ويجوز لها تركه في الحضر». وهو أظهر ظاهر في الاستحباب.

هذا وعندي في اسناد القول بالوجوب الى الصدوق في الفقيه بمجرد الكلام المتقدم نظر : (أما أولا) ـ فلما علم من عادة المتقدمين ـ كما صرح به ايضا غير واحد من أصحابنا المتأخرين ـ أنهم يعبرون غالبا بمتون الأخبار ، والوجوب في الاخبار كما يحتمل المعنى المشهور كذلك يحتمل المعنى اللغوي أو تأكيد الاستحباب فعين ما يقال في الاخبار يقال في كلامهم ، ولم يثبت كون الواجب عندهم حقيقة في المعنى المصطلح حتى يجب حمل كلامهم عليه ، وعلى هذا يحمل ايضا كلام ثقة الإسلام في الكافي حيث عنون الباب بلفظ الوجوب.

(واما ثانيا) ـ فلما ذكره في الفقيه (2) في الباب المذكور من قوله : «وروي ان الله تعالى أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة وأتم صيام الفريضة بصيام النافلة وأتم الوضوء بغسل يوم الجمعة». وهو مضمون رواية الحسين بن خالد المتقدمة الظاهرة كما عرفت في

__________________

(1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 3 من أبواب الأغسال المسنونة.

(2) ج 1 ص 62 وفي الوسائل في الباب 6 من الأغسال المسنونة.


الاستحباب ، وما وقع له في هذا المقام وقع مثله في الفقه الرضوي أيضا حيث قال : (عليه‌السلام) أولا : «واعلم ان غسل الجمعة سنة واجبة لا تدعه في السفر ولا في الحضر» ثم قال (عليه‌السلام) في الكلام المتقدم نقله قريبا «وانما سن الغسل يوم الجمعة تتميما لما يلحق الطهور في سائر الأيام من النقصان».

واما ما ذكره شيخنا المشار اليه آنفا ـ من حمل اخبار الاستحباب على التقية لأنه مذهب أكثر الجمهور ـ (1) ففيه ان الحمل على التقية فرع تعارض الاخبار صريحا والاخبار هنا ـ كما عرفت مما حققناه في الاخبار التي هي مناط الاستدلال من الطرفين ـ متشابهة لما ذكره من معنى الوجوب والسنة وانه لا يمكن الحمل على معنى مخصوص بل الأخبار المذكورة قابلة للانطباق على كل من القولين ، ولو كان الوجوب ظاهرا في المعنى المصطلح والسنة ظاهرة في معنى الاستحباب لأمكن الحمل على التقية لظهور التقابل بين المعنيين وعدم إمكان حمل أحدهما على الآخر لكن الأمر ليس كذلك لما عرفت ، فالواجب حينئذ ـ كما قدمنا ذكره ـ هو إغماض النظر عن هذه الاخبار وعدم الاستدلال بها في البين والنظر في تحصيل دليل آخر ، وقد عرفت بما ذكرناه من الوجوه المتقدمة ان الظاهر هو الاستحباب ، وحينئذ فيجب حمل تلك الاخبار المتشابهة عليه وكذا حمل ما ورد بالأمر بالغسل. ويؤيده زيادة على ما قدمناه شهرة القول به بل ادعى الإجماع عليه في الخلاف ، وقد عرفت ان الخلاف في هذه المسألة غير واضح لما قدمنا ذكره.

وكيف كان فإنه وان كان الظاهر هو الاستحباب إلا ان الاحتياط في الدين والخروج من العهدة بيقين الموجب الدخول في زمرة المتقين يقتضي المحافظة على الإتيان به وعدم التهاون به ، لما في جملة من الاخبار من مزيد التأكيد فيه على وجه يكاد ان يلحقه بالواجبات كما في جملة من السنن المؤكدة ، فمنها ـ ما يدل على إعادة الصلاة في

__________________

(1) كما في بدائع الصنائع ج 1 ص 269 والمغني ج 2 ص 345.


الوقت بتركه كما ورد في موثقة عمار (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتى صلى؟ قال : ان كان في وقت فعليه ان يغتسل ويعيد الصلاة وان مضى الوقت فقد جازت صلاته». وروى الشيخ في الموثق عن سهل بن اليسع (2) «انه سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل يدع غسل الجمعة ناسيا أو غير ذلك؟ قال ان كان ناسيا فقد تمت صلاته وان كان متعمدا فالغسل أحب الي وان هو فعل فليستغفر الله ولا يعد». وروى أبو بصير (3) «انه سأل الصادق (عليه‌السلام) عن الرجل يدع غسل يوم الجمعة ناسيا أو متعمدا؟ فقال ان كان ناسيا فقد تمت صلاته وان كان متعمدا فليستغفر الله تعالى ولا يعد». وظواهر هذه الاخبار ـ كما ترى ـ دالة على ان تركه يوجب نقصا وخللا في الصلاة ولو في نقصان ثوابها ونقصا في الدين والأمر بالاستغفار الذي لا يترتب إلا على الذنب ، فالاحتياط في الدين يقتضي المحافظة على الإتيان به ، هذا مع ما فيه من مزيد الطهارة كما رواه في الكافي والتهذيب عن الأصبغ (4) قال : «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا أراد ان يوبخ الرجل يقول والله لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة فإنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأخرى». وروى الشيخ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «من اغتسل يوم الجمعة فقال : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني من المتطهرين ، كان له طهرا من الجمعة إلى الجمعة».

تنبيهات

(الأول) ـ قد صرح الأصحاب بأن وقت الغسل المذكور ما بين الفجر الى الزوال وانه كلما قرب الى الزوال كان أفضل ، وعن الشيخ في الخلاف الى ان يصلي الجمعة

__________________

(1 و 3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الأغسال المسنونة.

(2 و 4) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الأغسال المسنونة.

(5) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب الأغسال المسنونة.


أقول : اما ان وقته من طلوع الفجر فيدل عليه ان الغسل وقع مضافا الى اليوم ولا ريب ان مبدأ اليوم هو طلوع الفجر شرعا ولغة وعرفا فلا يجزئ قبله ، وما رواه في الكافي عن زرارة والفضيل في الحسن (1) قالا : «قلنا له أيجزئ إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ فقال : نعم». ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز ابن عبد الله عن الفضيل وزرارة عن الباقر (عليه‌السلام) مثله (2) وحينئذ فيندفع عنه غشاوة الإضمار وان كان إضمار مثل هذين المعتمدين غير ضائر لأنه من المعلوم انهما وأمثالهما لا يعتمدون على غير الامام (عليه‌السلام) وفي الفقه الرضوي «ويجزيك إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر وكلما قرب من الزوال فهو أفضل». وفي رواية زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة. الحديث». والظاهر ان الحكم إجماعي.

واما ان آخر وقته الزوال فقال في المعتبر ان عليه إجماع الناس ، وهو يؤذن بدعوى الاتفاق عليه من الخاصة والعامة ، ويدل عليهحسنة زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (4) قال : «لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة ، وقد تقدم الى ان قال : وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال فإذا زالت فقم وعليك السكينة والوقار. الحديث». وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه الرضوي «وأفضل أوقاته قبل الزوال». ويؤيده أيضا ما رواه الشيخ عن محمد بن عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) (5) قال : «كانت الأنصار تعمل في نواضحها وأموالها فإذا كان يوم الجمعة جاؤا فتأذى الناس بأرواح آباطهم وأجسادهم فأمرهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالغسل يوم الجمعة فجرت بذلك

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب الأغسال المسنونة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب الأغسال المسنونة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب صلاة الجمعة.

(5) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.


السنة». ورواه في الفقيه أيضا في باب غسل يوم الجمعة ، ويدل عليه ايضا ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار؟ قال يقضيه في آخر النهار فان لم يجد فليقضه يوم السبت». والمتبادر من القضاء هو فعل الشي‌ء الموقت خارج وقته ، واحتمال مجرد الفعل وان أمكن إلا ان الظاهر بعده إذ الظاهر ان لفظ القضاء في الموضعين بمعنى واحد ، واللازم من هذا الاحتمال جعل الأول بمعنى مجرد الفعل والثاني مع التخصيص بخارج الوقت ولا يخلو من منافرة ، وبهذا الخبر استدل في المعتبر على ذلك بعد عبارته المتقدمة وهو مبني على ما ذكرناه ، وبذلك يظهر ان ما ذكره بعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ من انه لو لا الإجماع على الحكم لأمكن القول بامتداده الى الليل لإطلاق اليوم في الروايات وجواز حمل الأمر في رواية زرارة على الفضلية ـ بعيد عن ظاهر هذه الأخبار فإنها بضم بعضها الى بعض ظاهرة الدلالة على الامتداد الى الزوال خاصة وبها تقيد اخبار اليوم التي ادعى إطلاقها ، نعم روى شيخنا المجلسي في البحار عن قرب الاسناد انه روى فيه عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن الرضا (عليه‌السلام) (2) قال : «كان ابي يغتسل الجمعة عند الرواح». وهو ظاهر في اغتساله آخر النهار لانه معنى الرواح لغة ، وقال شيخنا المشار اليه بعد نقل الخبر المذكور : «الرواح العشي أو من الزوال الى الليل ذكره الفيروزآبادي» ولم يتعرض للجواب عن الخبر المذكور بشي‌ء وهو مشكل.

واما ما نقل عن الشيخ من ان غايته صلاة الجمعة فاستحسنه في المدارك قال : «وقال الشيخ في الخلاف يمتد الى ان تصلى الجمعة. وهو حسن تمسكا بمقتضى الإطلاق ، والتفاتا الى ان ذلك محصل للغرض المطلوب من الغسل ، وحملا للأمر بإيقاعه قبل الزوال في الرواية السابقة على تأكد الاستحباب» انتهى.

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.


أقول : فيه (أولا) ـ ان مقتضى الإطلاق المذكور الامتداد الى آخر النهار لا الى هذا الحد بخصوصه ، وهو لا يقول به.

و (ثانيا) ـ ان هذا الإطلاق يجب تقييده بما ذكرنا من الاخبار ولا سيما حسنة زرارة المذكورة الدالة صريحا على الأمر بإيقاعه قبل الزوال ، وتأويل الرواية المذكورة سيما مع وجود المعاضد لها بما ذكره فرع وجود المعارض وليس إلا إطلاق تلك الأخبار ، وقضية حمل المطلق على المقيد توجب الوقوف على ظاهر الحسنة المذكورة ، على انك قد عرفت ان العمل بذلك الإطلاق لا قائل به ، والقول به في هذه الصورة المخصوصة تخصيص بلا مخصص.

و (ثالثا) ـ ان صريح الحسنة المشار إليها كون الغاية الزوال ، وحينئذ فالقول بان غايته الصلاة ان أريد به وقتها فهو أول الزوال كما دلت عليه صحاح الاخبار وصراحها فيجب ان يكون الغسل قبله ، وان أريد به وقوعها بالفعل فإنه يلزم على هذا انه لو لم تصل الجمعة لم يكن غسل ، وهو مما لا يقول به أحد مع ظهور الاخبار في خلافه ، وبه يظهر ان الواجب حمل كلام الشيخ على ما يوافق المشهور بجعل صلاة الجمعة كناية عن وقتها وهو الزوال.

واما انه كلما قرب من الزوال كان أفضل فقد اعترف جملة من أفاضل متأخري المتأخرين بعدم الوقوف على مستنده ، وهو كذلك فاني لم أقف عليه إلا في كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه كما أسلفنا نقله في عبارته ، وهذا من جملة خصوصيات الكتاب المذكور ، والمتقدمون قد ذكروا هذا الحكم والظاهر ان المستند فيه هو الكتاب المذكور ولكن خفي ذلك على المتأخرين لعدم وصول الكتاب إليهم ، وبعبارة الكتاب المتقدمة عبر الصدوق في الفقيه ، والظاهر ان أباه في الرسالة كذلك ايضا وان لم تحضرني الآن عبارته. والله العالم.

(الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب انه لو فاته الغسل قبل الزوال قضاه بعد


الزوال أو في يوم السبت عمدا كان أو نسيانا لعذر أو لا لعذر ، وظاهر الصدوق في الفقيه اشتراطه بالنسيان أو العذر قال : «ومن نسي الغسل أو فاته لعلة فليغتسل بعد العصر أو يوم السبت» ويدل على ما ذكره مرسلة حريز عن بعض أصحابنا عن الباقر (عليه‌السلام) (1) قال : «لا بد من غسل يوم الجمعة في السفر والحضر فمن نسي فليعد من الغد». ويدل على القول المشهور موثقة سماعة عن الصادق (عليه‌السلام) (2) «في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار؟ قال يقضيه في آخر النهار فان لم يجد فليقضه يوم السبت». وموثقة ابن بكير عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة؟ قال يغتسل ما بينه وبين الليل فان فاته اغتسل يوم السبت». وفي الفقه الرضوي (4) «وان نسيت الغسل ثم ذكرت وقت العصر أو من الغد فاغتسل ثم قال (عليه‌السلام) بعد كلام في البين : وأفضل أوقاته قبل الزوال ، الى ان قال : وان فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة». وظاهره ـ كما ترى ـ جواز القضاء في أيام الأسبوع ، فإن المراد بالجمعة هنا الأسبوع كما وقع الإطلاق بذلك في جملة من الاخبار ، ولم أقف على من قال بذلك ولا على خبر غيره يدل عليه ، وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور.

واما ما رواه ذريح عن الصادق (عليه‌السلام) (5) «في الرجل هل يقضي غسل الجمعة؟ قال لا». فان الظاهر حمله على نفي الوجوب جمعا ، قال في المدارك : بعد ذكر موثقتي سماعة وابن بكير دليلا للقول المشهور : «ومقتضى الروايات استحباب قضائه من وقت فوات الأداء الى آخر السبت فلا وجه لإخلال المصنف بذلك. ويمكن المناقشة في هذا الحكم بضعف مستنده وبأنه معارض بما رواه في التهذيب عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن معاوية بن حكيم عن عبد الله بن المغيرة عن ذريح عن

__________________

(1 و 2 و 3 و 5) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة.

(4) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.


ابي عبد الله (عليه‌السلام) ثم أورد الرواية المذكورة قال : ومقتضاه عدم مشروعية القضاء وهو أوضح سندا من الخبرين السابقين الا ان عمل الأصحاب عليهما» انتهى. أقول : اما ما ذكره من ان مقتضى الروايات استحباب قضائه من وقت فوات الأداء الى آخر السبت فإنه يعطي بظاهره ان الاخبار دلت على القضاء ليلة السبت ايضا مع انه ليس كذلك ، فان المستفاد من صريحها تخصيص القضاء بما بعد الزوال الى آخر النهار ويوم السبت ، وحينئذ فما يشعر به كلامه من ادعاء القضاء ليلة السبت محل نظر ، وقد صرح بذلك جملة من الأصحاب فاعترفوا بعدم وجود النص على القضاء فيها ، قال شيخنا المجلسي في البحار : «وظاهر الأكثر استحباب القضاء ليلة السبت ايضا والاخبار خالية عنه وان أمكن ان يراد بيوم السبت ما يشمل الليل لكن لا يمكن الاستدلال به ، والأولوية ممنوعة لاحتمال اشتراط المماثلة» انتهى. والى ذلك أشار أيضا في الذخيرة فقال : «وهل يلحق بما ذكر ليلة السبت؟ قيل نعم وهو خروج عن النصوص» واما ما ذكره من قوله : «ويمكن المناقشة. إلخ» ففيه ايضا ان الظاهر ان هذا من جملة المناقشات الواهية (أما أولا) ـ فلان معاوية بن حكيم الذي في سند هذا الخبر وان وثقة النجاشي إلا ان الكشي قد صرح بكونه فطحيا في موضعين أحدهما في ترجمته وثانيهما في ترجمة محمد بن الوليد عده مع جماعة من الفطحية وان وصفهم بالعدالة فحديثه لا يخرج عن الموثق الذي لا يزال يعده في الضعيف ، وترجيحه على عبد الله بن بكير والحسن بن علي بن فضال الذين قد ورد في حقهما من المدح ما هو مذكور في محله مما لا يخفى ما فيه ، وفي سند هذا الخبر ايضا ذريح المحاربي وهو ليس بموثق والأخبار متعارضة في مدحه وذمه كما لا يخفى على من لاحظ كتب الرجال وان كان لمدحه نوع رجحان ، وبالجملة فإن ترجيحها على ما ذكره من الأخبار فضلا عما نقلناه ممنوع أتم المنع. و (ثانيا) ـ ان كافة الأصحاب من أصحاب هذا الاصطلاح وغيرهم قد أعرضوا عن هذه الرواية كما اعترف به وهو أظهر ظاهر في سقوطها وان سلمنا صحة سندها واعتباره


كما ادعاه ، وهو دليل على ضعف اصطلاحه الذي لا يزال يحامي دونه. وبالجملة فالأظهر كما عرفت هو حمل الخبر المذكور على ما قدمناه ذكره ، وربما حمل على عدم العذر بناء على ما ذكره الصدوق من تخصيص القضاء بصورة النسيان والعذر فمع عدمهما لا قضاء. وهو جيد لو ثبت ما ادعاه وإلا فالحمل عليه بعيد. والله العالم.

(الثالث) ـ لا خلاف بين الأصحاب في جواز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء يوم الجمعة ، والأصل فيه ما رواه الشيخ عن محمد بن الحسين عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «قال لأصحابه إنكم تأتون غدا منزلا ليس فيه ماء فاغتسلوا اليوم لغد ، فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة». وما رواه ايضا عن الحسين بن موسى بن جعفر عن امه وأم أحمد بن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (2) قالتا : «كنا مع ابي الحسن (عليه‌السلام) بالبادية ونحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس : اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة فإن الماء غدا بها قليل ، فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة». وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه «وان كنت مسافرا وتخوفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسلت يوم الخميس. الحديث». وجوز الشيخ وجماعة : منهم ـ الشهيد الثاني التقديم مع خوف الفوات مطلقا ومورد الخبرين التقديم لخوف إعواز الماء خاصة لا التعذر مطلقا ، قال في المدارك : «والظاهر ان ليلة الجمعة كيوم الخميس فلا يجوز تقديمه فيها إلا إذا خاف عوز الماء وبه قطع في الخلاف مدعيا عليه الإجماع» أقول : وهذا من قبيل ما تقدم له من قوله بالقضاء ليلة السبت مع عدم الدليل عليه بل ظهور الدليل في عدمه ، وليت شعري من اين حصلت له هذه الظاهرية مع اختصاص موارد النصوص بيوم الخميس والتعدي عنه يحتاج الى دليل؟ ولو تمكن من قدمه يوم الخميس من الماء يوم الجمعة فقد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ الصدوق باستحباب الإعادة ، ولم أقف فيه على نص ولعل المستند فيه عموم الأدلة ، ويمكن ان يقال ان جواز التقديم على خلاف الأصل فيقتصر فيه على

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الأغسال المسنونة.


مورده من عدم الماء ومع وجود الماء يرجع الى أصل الحكم في المسألة وعموم الأدلة الدالة على استحباب الغسل يوم الجمعة أو وجوبه.

فائدة

قال الصدوق في الفقيه : «ويجزئ الغسل للجمعة كما يكون للزواج والوضوء فيه قبل الغسل» أقول : قد اختلفت نسخ الكتاب في ضبط هذه الكلمة أعني قوله «للزواج» ففي بعضها بالزاي المعجمة والجيم ويؤيده ما حكاه الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني قال : قال بعض الاعلام سمعت الشيخ العالم الصالح الشيخ علي بن سليمان البحراني انه كانت عند شيخنا العلامة البهائي نسخة قديمة مصححة وفيها «للزواج» بالزاي والجيم وهو الذي ضبطه الفاضل المحدث الكاشاني في المحجة البيضاء ، ويؤيد ذلك ايضا ما ذكره المحقق العماد مير محمد باقر الداماد في تعليقاته على الكتاب ، قال : الصواب ضبط هذه اللفظة بالزاي قبل الواو والجيم بعد الالف وهو الذي سمعناه من الشيوخ ورأيناه في النسخ. انتهى. وظاهر هذا الكلام إنكار ما عدا هذه النسخة. وفي بعض النسخ بالراء والحاء المهملتين ، وارتضاه بعض المحققين وقال ان هذه هي النسخة المعتبرة ، قال لان الرواح على ما في القاموس من الزوال الى الليل أو الى العشي ، فمراده حينئذ ان الغسل يجزئ للجمعة من طلوع الفجر كما يجزئ من الزوال. قيل وفيه رد على مالك حيث ذهب الى انه لا يعتد بالغسل إلا ان يتصل بالرواح إلى صلاة الجمعة مستدلا بقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «من جاء بالجمعة فليغتسل» (1). ولا يخفى انه ليس فيه دلالة على اتصال الغسل بصلاة الجمعة. قيل وحينئذ فاللام بناء على هذه النسخة لام التوقيت

__________________

(1) كما في المدونة لمالك ج 1 ص 136 وفتح الباري لابن حجر ج 3 ص 243. وروى الحديث صاحب الوسائل في الباب 6 من الأغسال المسنونة وو البخاري باب فضل الغسل يوم الجمعة والنسائي ج 1 ص 204 ومسلم ج 1 ص 313 وابن ماجة ج 1 ص 338 والترمذي في السنن على شرحه لابن العربي ج 2 ص 278 على اختلاف بسيط في لفظ الحديث.


والمقارنة كما يقال كتبته لخمس خلون لا لأم العاقبة كما ظن. وكيف كان فإنه لا يخفى ما في توجيه هذه النسخة من البعد بل السخافة وركاكة النظم والأسلوب ، واما على تقدير النسخة الأولى فقيل ان المعنى ان غسل الجمعة يجزئ عن غسل الجنابة وهو الذي جزم به المحدث الكاشاني في المحجة البيضاء حيث قال : اما قوله : «ويجزئ الغسل للجمعة كما يكون للزواج» فمعناه انه يجزئ لهما غسل واحد ، وهذا حق فان الصحيح تداخل بعضها بعضا إذا اجتمعت أسبابها كالوضوء ، ويدل على ذلك الروايات الصحيحة عن أهل البيت (عليهم‌السلام) انتهى وقيل ان المعنى ان الغسل من الجنابة كما يكون للجنابة على قصد رفع الحدث ونية الوجوب أو مطلقا يكون بعينه مجزئا عن الغسل للجمعة ومسقطا للجنابة على أسبغ الوجوه ، لما روي صحيحا عن الصادق (عليه‌السلام) (1) انه قال : «إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك عنها غسل واحد». ولا ينعكس اي لا يكون الغسل للجمعة بما هو غسل للجمعة مجزئا عن الغسل للجنابة ومسقطا للتكليف به على قصد نية الوجوب وقصد رفع الحدث أو استباحة العبادة المشروطة به. والى هذا ذهب بعض المحققين في تعليقاته على الكتاب. ولا يخفى بعده. أقول : هذا كله بناء على قطع جملة قوله : «والوضوء فيه قبل الغسل» عن هذا الكلام وجعلها جملة مستأنفة في بيان وجوب الوضوء مع غسل الجمعة كما هو المشهور من وجوب الوضوء في جميع الأغسال ما عدا غسل الجنابة ، واما مع ارتباط هذه الجملة بهذا الكلام كما فهمه المحقق خليفة سلطان في حواشيه على الكتاب فالوجه فيه ما ذكره (قدس‌سره) حيث قال : كذا في أكثر النسخ والظاهر ان المراد انه يجزئ الغسل للجمعة بكيفية غسل الجنابة فالمراد بالزواج الجنابة والغرض من التشبيه بيان كيفية غسل الجمعة واعماله بأنه مثل الجنابة إلا ان فيه الوضوء قبل الغسل. وقيل ان المراد انه يجزئ نية غسل الجنابة عن غسل الجمعة ويترتب أثره عليه. وفي بعض النسخ بالراء المهملة والحاء والمراد منه ما بعد الزوال مقابل الصباح ، وغاية توجيهه ان يكون المراد انه يجزئ الغسل في يوم

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 43 من أبواب الجنابة.


السبت للجمعة كما يكون في رواح يوم الجمعة للجمعة. انتهى. أقول : وأقرب هذه الوجوه المذكورة عندي ما ذكره هذا المحقق من ان الغرض من هذا الكلام بيان كيفية غسل الجمعة وانه مثل غسل الجنابة إلا ان فيه الوضوء قبل الغسل ، وما عداه من الوجوه فإنه يحتاج الى مزيد تكلف وان كان بعضها أقل من بعض. هذا ، وقد روى الحميري في قرب الاسناد عن احمد بن محمد عن البزنطي عن الرضا (عليه‌السلام) (1) قال : «كان ابي يغتسل يوم الجمعة عند الرواح». وفي القاموس «الرواح العشي أو من الزوال الى الليل» ولعل المراد من الخبر المذكور انما هو الرواح إلى صلاة الجمعة ولعله يكون قبيل الزوال فيكون فيه دلالة على ما تقدم من ان أفضله ما قرب من الزوال. والله العالم.

ختام يحصل به الإكمال لابحاث هذا المطلب والإتمام ، وفيه مسائل :

(الأولى) ـ المشهور بين الأصحاب وجوب الوضوء في جميع هذه الأغسال ما عدا غسل الجنابة متى ما أراد الدخول في مشروط بالطهارة كالصلاة ونحوها ، وقد تقدم البحث في هذه المسألة مستوفى في المقصد الخامس من مقاصد فصل غسل الجنابة (2).

(الثانية) ـ اختلف الأصحاب في التداخل وعدمه بين هذه الأغسال وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة مستوفى في بحث نية الوضوء (3).

(الثالثة) ـ قد قسم الأصحاب ما ذكروه من الأغسال في هذا المقام الى ما يكون للزمان وما يكون للفعل وما يكون للمكان إلا انهم لم يستوفوا الأغسال التي ذكرناها ، والذي يكون للزمان مما ذكرناه أغسال شهر رمضان وهي أربعة عشر غسلا وغسل يوم الجمعة وغسل ليلة الفطر وغسل يومه وغسل عيد الأضحى وغسل ليلة النصف من شعبان ويوم النيروز ويوم الغدير ويوم المباهلة بناء على المشهور وثلاثة أغسال في رجب كما تقدم وغسل يوم عرفة ويوم التروية ، فهذه سبعة وعشرون غسلا للزمان ،

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 6 و 11 من أبواب الأغسال المسنونة.

(2) ج 3 ص 118.

(3) ج 2 ص 196.


وقد تقدم في غسل العيدين ان ظاهر موثقة عمار الساباطي ان الغسل انما هو للصلاة ، فعلى هذا يكون هذا الغسل من الأغسال للفعل. واما الغسل للفعل فغسل الإحرام وغسل الزيارة بجميع أنواع الزيارات التي روي فيها الغسل من زيارة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو أحد الأئمة (عليهم‌السلام) وغسل قضاء صلاة الكسوف وغسل التوبة وغسل صلاة الحاجة وصلاة الاستخارة وغسل السعي إلى رؤية المصلوب وغسل قتل الوزغ وغسل أخذ التربة وغسل المولود وغسل الاستسقاء ، فهذه أحد عشر غسلا للفعل. واما الغسل للمكان فالغسل لدخول الحرم والغسل لدخول مكة ولدخول المسجد ولدخول البيت ودخول المدينة ودخول مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فهذه ستة أغسال للمكان ، يكون مجموع هذه الأغسال أربعة وأربعين غسلا. وزاد في الدروس الغسل يوم دحو الأرض ، وقال في الذكرى : وذكر الأصحاب لدحو الأرض الخامس والعشرين من ذي القعدة. انتهى. وهو مؤذن بعدم النص عليه ، قال الفاضل الخوانساري في شرح الدروس بعد نقل ذلك عن الذكرى «ولا بأس به» أقول : بل البأس أظهر ظاهر فإنها عادة تتوقف مشروعيتها على دليل من الشارع إلا ان يجعل مجرد ذكر الأصحاب دليلا شرعيا ، ولا أراه يلتزمه. وذكر ايضا يوم المبعث وهو اليوم السابع والعشرون من رجب وذكره غيره ايضا ، وقد اعترف جملة من الأصحاب بعدم الوقوف فيه على نص ، وقال في الذكرى : وليلة نصف رجب والمبعث مشهوران ولم يصل إلينا نص فيهما. وقال في المعتبر بعد نقله عنهم الغسل ليلة النصف من رجب ويوم المبعث : وربما كان لشرف الوقتين والغسل مستحب مطلقا فلا بأس بالمتابعة فيه. انتهى. وفيه انا لم نقف على ما ادعاه من استحباب الغسل مطلقا ليتم له التقريب في هذا المقام وأمثاله ، نعم ذلك في الوضوء خاصة ، والذي وصل إلينا من الأغسال في رجب ما قدمناه وان ضعف سنده باصطلاحهم وليلة النصف من جملته. وذكر في الدروس يوم مولد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأمر فيه كما في هذه المذكورات من عدم الوقوف على مستنده. وذكر


ايضا الطواف ورمي الجمار ، والأمر فيه كذلك فاني لم أقف له على مستند إلا انه قد ورد في رواية علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (1) قال : «قال لي ان اغتسلت بمكة ثم نمت قبل ان تطوف فأعد غسلك». وربما أشعر بكون الغسل للطواف إلا انه يمكن حمله على طواف الزيارة فإنه بالدخول للطواف تحصل زيارة البيت ، وقد ورد استحباب الغسل لزيارة البيت كما تقدم والغسل لدخول المسجد ، والظاهر ان غسل دخول المسجد هو غسل زيارة البيت ، واما غسل دخول البيت فهو زائد عليهما. وقال ابن الجنيد يستحب لكل مشهد أو مكان شريف أو يوم وليلة شريفة وعند ظهور الآثار في السماء وعند كل فعل يتقرب فيه الى الله تعالى ويلجأ فيه اليه. وقال المفيد في الغرية يستحب الغسل لرمي الجمار ، والعلامة للإفاقة من الجنون لما قيل انه يمني ، قال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : والحكم لا نعرفه والتعليل لا نثبته ، نعم روى العامة (2) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يغمى عليه في مرض موته فيغتسل». فيكون الجنون بطريق اولى ، وظاهر ضعف هذا التمسك ، ولو صح الأول كان غسلا وينوي به رفع الجنابة وخصوصا عنده لاشتراطه في نية الطهارة كما ينوي في غسل واجدي المني على الفراش المشترك. انتهى. وذهب في التهذيب الى استحباب الغسل لمن مس ميتا بعد الغسل لخبر عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (3) واستحب فيه الغسل لمن مات جنبا مقدما على غسل الميت لخبر العيص عن الصادق (عليه‌السلام) (4) واستحبه ابن زهرة لصلاة الشكر ، والمفيد في الإشراف لمن أهرق عليه ماء غالب النجاسة ، والشيخ الحر في الوسائل

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 6 من أبواب مقدمات الطواف.

(2) رواه ابن تيمية في منتقى الاخبار على هامش نيل الأوطار ج 1 ص 212.

(3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب غسل مس الميت.

(4) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب غسل الميت.


لطيب المرأة لغير زوجها مستندا الى ما رواه الكليني عن سعد بن عمر الجلاب (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) أيما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حق لم تقبل منها صلاة حتى يرضى عنها ، وأيما امرأة تطيبت لغير زوجها لم يقبل الله منها صلاة حتى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها». أقول : الظاهر ان المراد بالاغتسال في الخبر انما هو غسل الطيب وإزالته عن بدنها بان تبالغ فيه كما تبالغ في غسلها من جنابتها بإيصال الماء الى جميع بدنها وشعرها. والله العالم.

(الرابعة) ـ قال في الذكرى : وروى بكير بن أعين عنه (عليه‌السلام) قضاء غسل ليالي الافراد بعد الفجر لمن فاته ليلا. وقال في الدروس ويقضى غسل ليالي الافراد الثلاث بعد الفجر لرواية بكير عن الصادق (عليه‌السلام). والظاهر انه أشار بالرواية المذكورة الى ما رواه الشيخ في التهذيب عنه (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) في أي الليالي اغتسل في شهر رمضان؟ قال في تسع عشرة وفي احدى وعشرين وفي ثلاث وعشرين ، والغسل في أول الليل. قلت فان نام بعد الغسل؟ قال هو مثل غسل يوم الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك». وأنت خبير بان هذا الخبر لا دلالة فيه على ما ذكره بوجه فان معناه الظاهر لكل ناظر انما هو ان الغسل من أول الليل يجزئ الى آخره وان نام بعده كما ان غسل الجمعة مجزئ متى اغتسل بعد الفجر وان نام أو أحدث بعد ذلك ، ولم نقف على رواية في الباب غير هذه ، فما ذكره من دعوى قضاء غسل هذه الليالي لا اعرف له وجها ، على ان ما قدمنا نقله من الرواية التي أشار إليها (عليه‌السلام) في كتاب الفقه ظاهرة في عدم القضاء ، حيث قال (3) : «وروي ان الغسل أربعة عشر وجها ، الى ان قال : وأحد عشر سنة ، ثم عدها وعد منها ليلة تسع عشرة وليلة احدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ، ثم قال : ومتى ما نسي بعضها أو

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 80 من أبواب مقدمات النكاح.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 و 11 من أبواب الأغسال المسنونة.

(3) ص 4.


اضطر أو به علة تمنعه من الغسل فلا اعادة عليه». وروى في قرب الاسناد الخبر المذكور عن محمد بن الوليد عن ابن بكير (1) : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الغسل في شهر رمضان ، الى ان قال والغسل أول الليل. قلت فان نام بعد الغسل؟ قال فقال أليس هو مثل غسل يوم الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر كفاك؟». وهو ظاهر في المعنى الذي ذكرناه.

(الخامسة) ـ قال في الذكرى : كل غسل لزمان فهو ظرفه ولمكان أو فعل فقبله إلا غسل التوبة والمطلوب ، وفي التقديم لخائف الإعواز والقضاء لمن فاته نظر ، ولعلهما أقرب ، وقد نبه عليه في غسل الإحرام وفي رواية بكير السالفة ، وذكر المفيد قضاء غسل عرفة. انتهى. أقول : اما ما ذكره من ان الغسل الزماني ظرفه ذلك الزمان فلا اشكال فيه ، وعلى هذا فمتى اتى به فيه فقد خلت العهدة من الخطاب باستحبابه وان أحدث أو نام بعده ، وقد تقدم في رواية بكير ما يدل على ذلك بالتقريب الذي أشرنا اليه ، ومثلها أيضا صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) انه قال : «الغسل في ثلاث ليال من شهر رمضان : في تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين ، وقال والغسل في أول الليل وهو يجزئ الى آخره». وهو في معنى رواية بكير المتقدمة بالنسبة إلى الليالي الثلاث المذكورة ، وحاصلها انه متى اغتسل في أول الليل فإنه مجزئ في أداء سنة الغسل في هذه الليلة إلى آخرها وان نام أو أحدث بعد ذلك. واما ما ذكره من ان الغسل للمكان والفعل قبله إلا ما استثناه فهو جيد أيضا ، لأن المقصود من الغسل هو الإتيان بالأفعال المذكورة أو دخول تلك الأمكنة الراجع إلى الأفعال في الحقيقة بطهارة الغسل وان يكون متطهرا لمزيد احترامها وفضلها ، ومقتضاه حينئذ انه لو أحدث أو نام بعد الغسل وقبل تلك الغاية فإنه يستحب له الإعادة

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 1 و 11 من أبواب الأغسال المسنونة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب الأغسال المسنونة.


وبذلك صرح شيخنا المشار إليه في الذكرى ايضا فقال : الأقرب إعادة غسل الفعل بتخلل الحدث ، وقد ذكر في دخول مكة وفي النوم في الإحرام ، ولو أحدث في الأثناء فالإعادة أولى. انتهى. واما ما أشار به الى ما ورد في دخول مكة فالظاهر انه ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح (1) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام فيتوضأ قبل ان يدخل أيجزيه ذلك أو يعيد؟ قال لا يجزيه لانه إنما دخل بوضوء». ونحوها غيرها مما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ونحو ذلك ما ورد في غسل الإحرام وانتقاضه بالنوم كما أشار إليه من صحيحة النضر بن سويد عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل ان يحرم؟ قال عليه اعادة الغسل». واما ما روي في جملة من الاخبار من ان من اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل (3). وكذا ما ورد من ان غسل يومه يجزيه لليلته وغسل ليلته يجزيه ليومه (4). فالظاهر تقييده بعدم تخلل الحدث لما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (5) قال : «سألته عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد؟ قال يجزيه ان لم يحدث فإن أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله». وروى في الكافي عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) مثله (6) إلا انه قال : «يغتسل الرجل بالليل ويزور بالليل الى ان قال في آخر الخبر : فليعد غسله بالليل». وبما ذكرناه من اعادة الغسل بتخلل الحدث مطلقا صرح الشهيدان إلا أنهما جعلا ما عدا النوم ملحقا به مع دلالة روايتي إسحاق بن عمار على مطلق الحدث كما ترى ، والمشهور في كلام الأصحاب الاكتفاء بالغسل الأول وان أحدث بعده ، وسيأتي في كتاب الحج ان شاء الله تعالى

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب مقدمات الطواف.

(2) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الإحرام.

(3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الإحرام.

(5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب زيارة البيت.


ما يفي بتحقيق المقام. واما ما استثناه في الكلام المتقدم بالنسبة إلى تقديم الغسل من غسل التوبة والمصلوب فالظاهر ان الوجه فيه هو ان ما عدا موضع الاستثناء قد جعل في الاخبار غاية للغسل بمعنى انه يستحب ان يوقعه عن غسل فهو يقتضي تقديم الغسل البتة ، ولهذا تستحب الإعادة لو أحدث قبل إيقاعه كما تقدم ، واما موضع الاستثناء فالظاهر منها انه سبب في الغسل وقضية السببية تأخير الغسل عنه ، إلا انه يدخل في ذلك ايضا قتل الوزغ فإنه سبب في استحباب الغسل فكان الواجب ذكره.

بقي هنا شي‌ء وهو ان استثناء غسل التوبة من الضابطة المذكورة مبني على كون التوبة سببا في الغسل لوجوب الفورية فيها ، ومن المحتمل قريبا ان الغسل انما هو لصلاة التوبة كما هو ظاهر الخبر المتقدم ، وعلى هذا فيكون الغسل متقدما وداخلا في الضابطة المذكورة ، ويأتي مثله أيضا في غسل الكسوف فإنه يحتمل ان يكون لقضاء صلاة الكسوف فيدخل في الضابطة المذكورة ، ويحتمل ان يكون لتركه الصلاة وهو الأقرب الى ظاهر النص ، وعلى هذا فيحتاج الى الاستثناء كهذه المستثنيات ، ومقتضى ذلك اما ذكره مع غسل التوبة في الاستثناء أو عدم استثناء غسل التوبة من الضابطة ، فإن الحال في المقامين واحد كما شرحناه. واما ما قربه من التقديم لخائف الإعواز والقضاء لمن فاته فالظاهر بعده لان الغسل عبادة شرعية يتوقف فعله على ما رسمه صاحب الشريعة من الزمان والمكان ونحوهما من الخصوصيات ووروده في موضع لا يستلزم اطراده ، والذي ورد في الأخبار قضاء غسل الجمعة وجواز تقديمه لخوف الإعواز وغسل الإحرام ، وما عداهما فلم نقف له على مستند ، وما أشار إليه من خبر بكير بالنسبة إلى قضاء غسل فرادى شهر رمضان الثلاث فقد عرفت ما فيه. والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *