ج15 - تروك الإحرام-الصيد

المقصد الرابع

في تروك الإحرام وهي محرمات ومكروهات

وتحقيق الكلام فيه يقتضي بسطه في فصلين :

الفصل الأول ـ في التروك المحرمة ، وهي أصناف :

الأول ـ صيد البر ، ويحرم اصطيادا وأكلا واشارة ودلالة وإغلاقا وذبحا.

وههنا بحوث الأول ـ لا يخفى ان هذا الحكم مجمع عليه حتى قال في المنتهى : انه قول كل من يحفظ عنه العلم.

والأصل فيه الكتاب العزيز ، والسنة المطهرة ، قال الله (عزوجل) : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» (1) وقال (عزوجل) «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» (2).

واما السنة المطهرة فمستفيضة ، ومنها ـ وما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم ، ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده ، ولا تشر اليه فيستحل من أجلك ، فإن فيه فداء لمن تعمده».

وفي الصحيح عن منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «المحرم لا يدل على الصيد ، فان دل عليه فقتل فعليه الفداء».

وما رواه الشيخ في الصحيح ـ والكليني في الصحيح أو الحسن ـ عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «لا تأكل

__________________

(1) سورة المائدة ، الآية 95.

(2) سورة المائدة ، الآية 96.

(3) الفروع ج 4 ص 381 ، والوسائل الباب 1 من تروك الإحرام.

(4) الوسائل الباب 1 من تروك الإحرام ، والباب 17 من كفارات الصيد.

(5) الوسائل الباب 31 من كفارات الصيد.


من الصيد وأنت حرام وان كان اصابه محل ، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد ، فان عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد».

وما رواه في الكافي أيضا عن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ما وطأته أو وطأه بعيرك وأنت محرم فعليك فدلوه. وقال : اعلم انه ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت جاهل به وأنت محرم في حجك ولا في عمرتك إلا الصيد فان عليك فيه الفداء بجهالة كان أو بعمد».

وفي الصحيح عن احمد بن محمد البزنطي عن ابى الحسن الرضا (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة قال : عليه كفارة. قلت : فإن أصابه خطأ؟ قال : وأي شي‌ء الخطأ عندك؟ قلت : يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى. قال : نعم هذا الخطأ ، وعليه الكفارة. قلت : فإنه أخذا طائرا متعمدا فذبحه وهو محرم؟ قال : عليه الكفارة. قلت : ألست قلت : ان الخطأ والجهالة والعمد ليسوا بسواء ، فبأي شي‌ء يفضل المتعمد الجاهل والخاطئ؟ قال : انه اثم ولعب بدينه».

وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «إذا أحرمت فاتق قتل الدواب

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 382 و 383 ، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 381 ، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد.

(3) الفروع ج 4 ص 363 ، والتهذيب ج 5 ص 365 ، والوسائل الباب 81 من تروك الإحرام ، والوافي باب (قتل الدواب للمحرم).


كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة ، فأما الفأرة فإنها توهي السقاء وتحرق على أهل البيت ، واما العقرب فإن نبي الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مد يده الى الحجر فلسعته عقرب ، فقال : لعنك الله ، لا برا تدعين ولا فاجرا. والحية إذا أرادتك فاقتلها ، فان لم تردك فلا تردها والكلب العقور والسبع إذا أراداك فاقتلهما ، فان لم يريداك فلا تردهما. والأسود الغدر فاقتله على كل حال. وارم الغراب والحدأة رميا عن ظهر بعيرك».

وما رواه في الصحيح عن حريز عن من أخبره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «كل ما خاف المحرم على نفسه من السباع والحياة وغيرها فليقتله ، وان لم يردك فلا ترده».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن عمر بن يزيد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «واجتنب في إحرامك صيد البر كله ، ولا تأكل من ما صاده غيرك ، ولا تشر اليه فيصيده».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

وتنقيح البحث في المقام يتم برسم مسائل الأولى ـ اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في المعنى المراد من الصيد في هذا المقام ، فظاهر كلام جملة : منهم ـ المحقق في الشرائع ، والعلامة في الإرشاد : انه الحيوان الممتنع ، وهو أعم من ان يكون محللا أو محرما. وفي النافع : انه الحيوان المحلل الممتنع. ومثله الشهيد في الدروس ، إلا

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 363 ، والتهذيب ج 5 ص 365 و 465 ، والوسائل الباب 81 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 1 من تروك الإحرام.


انه استثنى افرادا من المحرم فألحقها به ، حيث قال : الأول ـ الصيد وهو الحيوان المحلل ، إلا ان يكون أسدا أو ثعلبا أو أرنبا أو ضبا أو قنفذا أو يربوعا ، الممتنع بالأصالة ، البري. ونقل في المدارك عن جملة من الأصحاب أنهم ألحقوا الستة المذكورة بالمحلل. وعن آخرين أنهم ألحقوا الزنبور والأسد والعظاية. ونقل عن ابى الصلاح انه حرم قتل جميع الحيوان إلا إذا خاف منه أو كان حية أو عقربا أو فأرة أو غرابا. والظاهر ان مراده بالحيوان : الممتنع لا مطلق الحيوان ، للنص (1) والإجماع على جواز ذبح غيره. وعلى هذا يرجع كلامه الى ما تقدم نقله عن المحقق في الشرائع من العموم للمحلل والمحرم. وفي المسالك والروضة : انه الحيوان المحلل الممتنع بالأصالة. ثم قال : ومن المحرم الثعلب والأرنب والضب واليربوع والقنفذ والقمل. وهو يرجع الى ما ذكره الشهيد في الدروس. وفي التذكرة : انه الحيوان الممتنع. وقيل ما جمع ثلاثة أشياء : ان يكون مباحا وحشيا ممتنعا. وفي المنتهى : انه الحيوان الممتنع. وقيل يشترط ان يكون حلالا.

ولا يخفى ان الظاهر من الاخبار هو تحريم الصيد أعم من ان يكون محللا أو محرما ، ولا سيما رواية عمر بن يزيد وهي الأخيرة من قوله (عليه‌السلام): «واجتنب في إحرامك صيد البر كله». ويدل عليه أيضا إطلاق قوله تعالى «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» (2) وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار : «إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة». وفي رواية

__________________

(1) الوسائل الباب 82 من تروك الإحرام ، والباب 40 من كفارات الصيد.

(2) سورة المائدة ، الآية 95.


حريز (1) : «كل ما خاف المحرم على نفسه من السباع والحياة وغيرها فليقتله ، وان لم يردك فلا ترده». ولا ينافي ذلك عدم ترتب الكفارة على قتل بعض أنواع غير المأكول ، إذ ليس من لوازم التحريم ترتب الكفارة ، كما لا يخفى.

الثانية ـ الظاهر ان من قيد بالممتنع مقتصرا عليه فمراده الممتنع أصالة ، كما صرح به في الدروس ، وإلا لدخل فيه ما توحش وامتنع من الحيوانات الأهلية ، وخرج عنه ما تأهل من الحيوانات الوحشية الممتنعة ، كالظبي ونحوه ، مع ان الظاهر انه لا خلاف في جواز قتل الأول وعدم جواز قتل الثاني.

واعلم ان الدلالة أعم من الإشارة ، لأن الإشارة لا تكون إلا باجزاء الجسد ، والدلالة كما تكون بذلك تكون بالقول والكتابة.

ولا فرق في تحريم الدلالة على المحرم بين كون المدلول محرما أو محلا ، ولا بين الدلالة الخفية والواضحة.

قيل : ولو فعل المحرم عند رؤية الصيد فعلا أوجب لغيره انه فطن للصيد ، مثل ان يتشوق اليه أو يضحك ، ففي التحريم وجهان ، من الشك في تسميته دلالة ، ومن كونه في معناها.

وقال بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الدلالة إنما تحرم لمن يريد الصيد إذا كان جاهلا بالمدلول عليه ، فلو لم يكن مريدا للصيد أو كان عالما به ولم تفده الدلالة زيادة انبعاث فلا حكم لها ، بل الظاهر ان مثل ذلك لا يسمى دلالة.

الثالثة ـ ينبغي ان يعلم ان الجراد في معنى الصيد البري فيحرم

__________________

(1) الوسائل الباب 81 من تروك الإحرام.


قتله ، ويضمنه المحرم في الحل والحرم ، وان كان أصله من البحر ، لانه يتولد منه أولا ثم يتوالد في البر. وذكر في التذكرة انه قول علمائنا وأكثر العامة (1).

ويدل على تحريمه على المحرم روايات عديدة : منها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «مر علي (صلوات الله عليه) على قوم يأكلون جرادا وهم محرمون ، فقال : سبحان الله وأنتم محرمون؟ فقالوا : إنما هو من صيد البحر. فقال لهم : ارموه في الماء اذن».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : الجراد من البحر ، وكل شي‌ء أصله من البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله ، فان قتله فعليه الفداء ، كما قال الله تعالى» (4).

__________________

(1) المجموع للنووي الشافعي شرح المهذب ج 7 ص 298 الطبعة الثانية ، والمغني لابن قدامة الحنبلي ج 3 ص 519 ، والبحر الرائق لابن نجيم الحنفي ج 3 ص 35.

(2) الفروع ج 4 ص 393 ، والتهذيب ج 5 ص 363 ، والفقيه ج 2 ص 235 ، والوسائل الباب 7 من تروك الإحرام.

(3) التهذيب ج 5 ص 468 ، والوسائل الباب 6 من تروك الإحرام ، والباب 37 من كفارات الصيد.

(4) في سورة المائدة ، الآية 95 (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ). الآية.


وعن معاوية في الصحيح ايضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «ليس للمحرم ان يأكل جرادا ، ولا يقتله. قال : قلت : ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم؟ قال : تمرة خير من جرادة. وهو من البحر ، وكل شي‌ء أصله من البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله ، فان قتله متعمدا فعليه الفداء ، كما قال الله تعالى» (2).

وعن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «على المحرم ان يتنكب الجراد إذا كان على طريقه ، فان لم يجد بدا فقتل فلا بأس».

وعن ابي بصير في الموثق (4) قال : «سألته عن الجراد يدخل متاع القوم فيدوسونه من غير تعمد لقتله ، أو يمرون به في الطريق فيطأونه. قال : ان وجدت معدلا فاعدل عنه ، فان قتلته غير متعمد فلا بأس».

وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الجراد يكون على ظهر الطريق والقوم محرمون ، فكيف يصنعون؟ قال : يتنكبونه ما استطاعوا. قلت : فان قتلوا منه شيئا ، ما عليهم؟ قال : لا شي‌ء عليهم». وإطلاق الخبر مقيد بسابقه.

__________________

(1) الوسائل الباب 37 من كفارات الصيد.

(2) في سورة المائدة ، الآية 95 (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ). الآية.

(3) الوسائل الباب 38 من كفارات الصيد.

(4) الوسائل الباب 7 من تروك الإحرام.

(5) التهذيب ج 5 ص 364 ، والوسائل الباب 38 من كفارات الصيد.


وعن معاوية بن عمار في الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) انه قال : «اعلم ان ما وطأت من الدبا أو أوطأته بعيرك فعليك فداؤه».

الرابعة ـ لا خلاف في جواز صيد البحر ، نصا وفتوى ، وجواز اكله ، وسقوط الفدية فيه.

والأصل فيه قوله (عزوجل) (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ) (2).

وما رواه ثقة الإسلام في الحسن عن حريز عن من أخبره ـ ورواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) وفي الفقيه مرسلا ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «لا بأس بأن يصيد المحرم السمك ، ويأكل مالحه وطريه ، ويتزود ، قال الله (عزوجل) (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ) (4) قال : هو مالحه الذي يأكلون. وفصل ما بينهما : كل طير يكون في الآجام يبيض في البر ويفرخ في البر فهو من صيد البر ، وما كان من صيد البر يكون في البر ويبيض في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر».

أقول : ومن هذه الرواية يعلم حكم الطيور التي تعيش في البر والبحر ، فإنه يكون المدار على إلحاقها بأحد الصنفين على البيض في ذلك المكان ، فان باضت في البحر وفرخت فيه فهي من الطيور البحرية ، وان باضت وفرخت في البر فهي من الطيور البرية. والظاهر انه

__________________

(1) الوسائل الباب 37 و 53 من كفارات الصيد.

(2 و 4) سورة المائدة ، الآية 96.

(3) الفروع ج 4 ص 392 ، والتهذيب ج 5 ص 365 ، والفقيه ج 2 ص 236 ، والوسائل الباب 6 من تروك الإحرام.


لا خلاف فيه أيضا.

الخامسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو ذبح المحرم الصيد كان ميتة حراما على المحل والمحرم ، بل قال في المنتهى : انه قول علمائنا اجمع.

واستدل عليه برواية الشيخ عن وهب عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (1) قال : «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال والحرام وهو كالميتة ، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة ، حلال ذبحه أو حرام».

وعن إسحاق في الموثق عن جعفر (عليه‌السلام) (2) : «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول : إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم ، وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم».

أقول : ويدل عليه ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي أحمد ـ يعني : محمد بن ابي عمير ـ عن من ذكره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قلت له : المحرم يصيب الصيد فيفديه ، أيطعمه أو يطرحه؟ قال : إذا يكون عليه فداء آخر. قلت : فما يصنع به؟ قال : يدفنه».

قال الشيخ بعد ذكر هذا الخبر : فلو لا انه جرى مجرى الميتة لما أمر بدفنه بل أمره بأن يطعم المحلين ولم يوجب فداء آخر.

وذهب الصدوق في من لا يحضره الفقيه (4) الى ان مذبوح المحرم

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 10 من تروك الإحرام.

(3) الوسائل الباب 10 من تروك الإحرام ، والباب 55 من كفارات الصيد.

(4) ج 2 ص 235.


في غير الحرم لا يحرم على المحل ، قال : ولا بأس ان يأكل المحل ما صاده المحرم وعلى المحرم فداؤه. ونقل في الدروس القول بذلك عن ابن الجنيد ايضا ، ونقل العلامة في المختلف هذا القول ايضا عن الشيخ المفيد والسيد المرتضى (رحمهما‌الله) حيث قالا : لا بأس ان يأكل المحل ما صاده المحرم ، وعلى المحرم فداؤه. وكذا نقله عن ابن الجنيد ايضا.

واليه مال في المدارك ، للأخبار الكثيرة الصحيحة الدالة عليه :

ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أصاب صيدا وهو محرم ، أيأكل منه الحلال؟ فقال : لا بأس إنما الفداء على المحرم».

وصحيحة حريز (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرم أصاب صيدا ، أيأكل منه المحل؟ قال : ليس على المحل شي‌ء إنما الفداء على المحرم».

وصحيحة منصور بن حازم (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل أصاب صيدا وهو محرم ، آكل منه وانا حلال؟ قال : انا كنت فاعلا. قلت له : فرجل أصاب مالا حراما؟ فقال : ليس هذا مثل هذا يرحمك الله».

وحسنة الحلبي (4) قال : «المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ، ويتصدق بالصيد على مسكين».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 3 من تروك الإحرام.

(3) التهذيب ج 5 ص 375 ، والوسائل الباب 3 من تروك الإحرام.

(4) الوسائل الباب 10 من تروك الإحرام.


وحسنة معاوية بن عمار (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم وهو محرم فإنه ينبغي له ان يدفنه ولا يأكله أحد ، وإذا أصابه في الحل فان الحلال يأكله ، وعليه هو الفداء».

والشيخ (رحمه‌الله تعالى) بعد ذكر الروايتين الأخيرتين تأولهما بالحمل على ما إذا أدرك الصيد وبه رمق ، بان يحتاج الى الذبح ، فإنه يجوز للمحل والحال هذه ان يذبحه ويأكله. ولا يخفى ما فيه من البعد عن ظواهر الاخبار. ثم قال : ويجوز ايضا ان يكون المراد إذا قتله برميه إياه ولم يكن ذبحه ، فإنه إذا كان الأمر على ذلك جاز اكله للمحل دون المحرم ، والاخبار الأولة تناولت من ذبح وهو محرم ، وليس الذبح من قبيل الرمي في شي‌ء. وهذا التفصيل ظاهر شيخنا المفيد في المقنعة ، إلا ان ظاهر نقل العلامة عنه المتقدم ذكره يعطي العموم

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

واما من يقتصر في العمل بالروايات على الصحيح كالسيد السند في المدارك فإنه يتحتم عنده العمل بالقول الثاني ، لصحة أخباره ، كما أشار إليه في المدارك ، ولكن من عداه من أصحاب هذا الاصطلاح إنما جروا على ما جرى عليه المتقدمون من القول المشهور ، والاستدلال بالروايتين المتقدمتين.

السادسة ـ قد استفاضت الروايات ـ مضافا الى اتفاق الأصحاب ـ بتحريم ما ذبحه المحل في الحرم ، وانه في حكم الميتة لا يحل لمحل ولا محرم ، ومنها ـ ما تقدم في روايتي وهب وإسحاق المتقدمتين.

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 382 ، والوسائل الباب 3 من تروك الإحرام.


ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (2) قال : من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله (عزوجل) وما دخل في الحرم من الوحش والطير كان آمنا من ان يهاج أو يؤذي حتى يخرج من الحرم».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (3) «انه سأل أحدهما (عليهما‌السلام) عن الظبي يدخل الحرم. فقال : لا يؤخذ ولا يمس ، لان الله (تعالى) يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)» (4).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن فرخين مسرولين ذبحتهما وانا بمكة محل. فقال لي : لم ذبحتهما؟ فقلت : جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما ، فظننت أني بالكوفة ولم اذكر اني بالحرم ، فذبحتهما. فقال : تصدق بثمنهما. فقلت : فكم ثمنهما؟ فقال : درهم ، وهو خير منهما».

وما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6)

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 163 ، والوسائل الباب 88 من تروك الإحرام ، والباب 13 من كفارات الصيد.

(2 و 4) سورة آل عمران ، الآية 96.

(3) الوسائل الباب 88 من تروك الإحرام.

(5) التهذيب ج 5 ص 346 ، والفروع ج 4 ص 237 ، والوسائل الباب 10 من كفارات الصيد.

(6) الوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.


«انه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به الى الحرم وهو حي. فقال : إذا أدخله إلى الحرم فقد حرم عليه اكله وإمساكه ، فلا تشترين في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل ثم جي‌ء به الى الحرم مذبوحا ، فلا بأس به للحلال».

وما رواه الصدوق عن حفص بن البختري في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «في من أصاب طيرا في الحرم. قال : ان كان مستوي الجناح فليخل عنه ، وان كان غير مستو نتفه وأطعمه وأسقاه ، فإذا استوى جناحاه خلى عنه».

وما رواه الشيخ عن منصور بن حازم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) : «في حمام ذبح في الحل. قال : لا يأكله محرم ، وإذا ادخل مكة أكله المحل بمكة ، وإذا ادخل الحرم حيا ثم ذبح في الحرم فلا يأكله ، لأنه ذبح بعد ما دخل مأمنه».

وما رواه الصدوق عن شهاب بن عبد ربه في الصحيح (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني أتسحّر بفراخ اوتى بها من غير مكة فتذبح في الحرم فأتسحر بها؟ فقال : بئس السحور سحورك ، اما علمت ان ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه؟».

وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (4)

قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن طائر أهلي أدخل

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 12 من كفارات الصيد.

(2) الوسائل الباب 5 من تروك الإحرام.

(4) الوسائل الباب 12 و 36 من كفارات الصيد.


الحرم حيا. فقال : لا يمس ، لان الله (تعالى) يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)» (1).

وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم. فقال : لا يمس ، لان الله (عزوجل) يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)» (3).

وعن زرارة في الصحيح (4) «ان الحكم سأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل اهدى له في الحرم حمامة مقصوصة. فقال : انتفها وأحسن علفها ، حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

ولو ذبحه المحل في الحل جاز اكله للمحل في الحرم. ويدل عليه ـ زيادة على ما تقدم في صحيحة عن الحلبي وصحيحة منصور بن حازم ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «لا تشترين في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل ثم جي‌ء به الى الحرم مذبوحا فلا بأس به للحلال».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن ابي يعفور (6) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الصيد يصاد في الحل ويذبح في الحل ويدخل

__________________

(1 و 3) سورة آل عمران ، الآية 96.

(2) الفقيه ج 2 ص 170 ، والوسائل الباب 12 و 36 من كفارات الصيد. وهو نفس الحديث الذي تقدم نقله عن الشيخ والصدوق إلا ان لفظ الصدوق يختلف قليلا عن لفظ الشيخ.

(4) الوسائل الباب 12 من كفارات الصيد.

(5 و 6) الوسائل الباب 5 من تروك الإحرام.


الحرم ويؤكل؟ قال : نعم لا بأس به».

وفي الصحيح الى الحكم بن عتيبة (1) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : ما تقول في حمام أهلي ذبح في الحل وادخل الحرم؟ فقال :

لا بأس بأكله لمن كان محلا ، فان كان محرما فلا. وقال : فإن ادخل الحرم فذبح فيه فإنه ذبح بعد ما دخل مأمنه».

واما ما رواه الشيخ عن منصور في الصحيح (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اهدي لنا طير مذبوح فأكله أهلنا؟ فقال : لا يرى به أهل مكة بأسا (3) قلت : فأي شي‌ء تقول أنت؟ قال : عليهم ثمنه».

قال الشيخ : ليس في هذا الخبر ان الطير ذبح في الحل أو الحرم ، فيحمل على ان ذبحه كان في الحرم لئلا ينافي ما سبق وما يأتي من الاخبار.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) جيد ، فإنه لا يخفى ان مقتضى القواعد الكلية والضوابط الجلية هو حل الطير في هذه الصورة ، لأن كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه (4). وهذا منه. وحيث حكم (عليه‌السلام) في الخبر بوجوب الثمن فهو

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 5 من تروك الإحرام ، والباب 10 من كفارات الصيد عن الفقيه ، والباب 14 من كفارات الصيد عن الكافي.

(3) المبسوط للسرخسي ج 4 ص 99 باب (جزاء الصيد).

(4) الوسائل الباب 4 من ما يكتسب به ، والباب 64 من الأطعمة المحرمة ، والباب 61 من الأطعمة المباحة.


البتة إنما يكون عن قرينة مقامية اقتضت الدلالة على ذبحه في الحرم وان خفيت علينا الآن.

السابعة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في جواز صيد البحر وحله ، وقد تقدم الكلام فيه. ومثله الدجاج الحبشي ، قال في المسالك : قيل انه طائر أغبر اللون في قدر الدجاج الأهلي أصله من البحر. انتهى وفي بعض الحواشي : انه طير اسود مشهور في المغرب بالدجاج الحبشي ، كان بحريا في الأصل فصار بريا.

ومن ما يدل على جواز اكله ـ مضافا الى اتفاق الأصحاب على ذلك ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن دجاج الحبش. فقال : ليس من الصيد انما الطير ما طار بين السماء والأرض ، وصف».

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الدجاج الحبشي. فقال : ليس من الصيد ، انما الصيد ما كان بين السماء والأرض. قال : وقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ما كان من الطير لا يصف فلك ان تخرجه من الحرم ، وما صف منها فليس لك ان تخرجه».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «كل ما لم يصف من الطير فهو بمنزلة الدجاج».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 40 من كفارات الصيد.

(2) الوسائل الباب 41 من كفارات الصيد.


(عليه‌السلام) (1) قال : «ما كان يصف من الطير فليس لك ان تخرجه. قال : وسألته عن دجاج الحبش. قال : ليس من الصيد إنما الصيد ما طار بين السماء والأرض».

وعن عمران الحلبي في الصحيح أو الحسن (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : (ما يكره من الطير؟ فقال : ما صف على رأسك».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عندي (3) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر عن الدجاج الحبشي يخرج به من الحرم. فقال : نعم ، لأنها لا تستقل بالطيران». قال (4) : وفي خبر آخر : انها تدف دفيفا.

__________________

(1) الفروع ج 1 ص 229 الطبع القديم ، وج 4 ص 232 الطبع الحديث ، والوافي باب (حكم صيد الحرم) والوسائل الباب 41 و 40 من كفارات الصيد. وقد أورد المصنف (قدس‌سره) الحديث ناقصا كما ورد في الطبع القديم من الفروع.

(2) الوسائل الباب 41 من كفارات الصيد.

(3) روى الكليني هذا الحديث في الفروع ج 4 ص 232 عن جميل ابن محمد بن مسلم ، ورواه الصدوق في الفقيه ج 2 ص 172 عن جميل ومحمد ابن مسلم ، وقد أوردهما في الوافي باب (حكم صيد الحرم) وجمع بين السندين بلفظ واحد. وأوردهما في الوسائل في الباب 40 من كفارات الصيد. وقد أورد المصنف (قدس‌سره) اللفظ كما ورد في الوافي والفقيه.

(4) هذا كلام الصدوق في الفقيه ج 2 ص 172 ، وأورده في الوافي باب (حكم صيد الحرم) وفي الوسائل الباب 40 من كفارات الصيد.


وروى عن الحسن الصيقل (1) : «انه سأله عن دجاج مكة وطيرها فقال : ما لم يصف فكله ، وما كان يصف فخل سبيله».

أقول : ومثل ذلك النعم ولو توحشت ، ويدل على ذلك ـ مضافا الى اتفاق علماء الأمصار على ذلك ، كما نقله في المنتهى ـ روايات :

منها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عندي عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «المحرم يذبح البقر والإبل والغنم ، وكل ما لم يصف من الطير ، وما أحل للحلال ان يذبحه في الحرم ، وهو محرم في الحل والحرم».

قال في الوافي : قوله : «وهو محرم» متعلق بقوله : «يذبح» وكذا قوله : «في الحل والحرم» يعني : انه يذبح المذكورات حال كونه محرما في الحل والحرم.

ورواية عبد الله بن سنان (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال : نعم. قلت : ويحتش لدابته وبعيره؟ قال : نعم ، ويقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم ، فإذا دخل الحرم فلا».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «المحرم يذبح ما حل للحلال في الحرم ان يذبحه

__________________

(1) هذا الحديث رواه الصدوق في الفقيه ج 2 ص 172 ، وأورده في الوافي باب (حكم صيد الحرم) وفي الوسائل الباب 40 من كفارات الصيد.

(2 و 4) الوسائل الباب 82 من تروك الإحرام.

(3) الوسائل الباب 85 من تروك الإحرام.


هو في الحل والحرم جميعا».

وأنت خبير بان هذه الاخبار قد اشتركت في الدلالة على اباحة الدجاج ونحوه ـ من ما لا يطير أو يطير ولا يصف ـ للمحرم ولو في الحرم وجواز إخراجه من الحرم. والأول لا اشكال فيه ، وانما الإشكال في الثاني وهو ما يطير ولا يصف وإنما يدف دفيفا ، أو يكون دفيفه أكثر من صفيفه ، والمراد به ما حل اكله. وهو ظاهر في ان ما حل اكله من الطير ليس من الصيد المحرم على المحرم. مع انك قد عرفت من ما تقدم في تفسير الصيد هو التخصيص بالمحلل أو ما يشمله ويشمل المحرم. مع ما ورد في حمام الحرم من الاتفاق على تحريمه ، وتحريم إخراجه من مكة ، ووجوب إعادته لو أخرجه (1) والاشكال ظاهر على كلا التقديرين. ولم أر من تنبه لذلك ولا نبه عليه. والله العالم.

الثامنة ـ قال الشيخ في المبسوط : الوحشي غير المأكول أقسام : الأول ـ لاجزاء فيه بالاتفاق ، كالحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة والكلب والذئب. والثاني ـ يجب فيه الجزاء عند من خالفنا ، ولا نص فيه لأصحابنا ، والاولى ان نقول : لاجزاء فيه ، لانه لا دليل عليه ، والأصل براءة الذمة ، كالمتولد بين ما يجب فيه الجزاء وما لا يجب ، كالسمع المتولد بين الضبع والذئب (2) والمتولد بين الحمار الوحشي والأهلي. والثالث ـ مختلف فيه وهو الجوارح من الطير ، كالبازي والصقر والشاهين والعقاب ونحو ذلك ، والسباع من البهائم كالأسد

__________________

(1) الوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.

(2) في لسان العرب مادة (سمع) : (السمع) هو ما تولد من الذئب والضبع. وفي تاج العروس : (السمع) : سبع مركب ولد الذئب والضبع.


والنمر والفهد وغير ذلك (1) فلا يجب الجزاء عندنا في شي‌ء منه. وقد روى ان في الأسد خاصة كبشا (2). وفي الخلاف : إذا قتل السبع لزمه كبش على ما رواه بعض أصحابنا (3).

وقال في المختلف بعد نقله : ولا شي‌ء في الذئب وغيره من السباع سواء صال أو لم يصل ، ولا في السمع. اما المتولد بين الوحشي والانسي فالأقرب عندي فيه اعتبار الاسم ، لنا : انه قد ورد النص على الجزاء عن أشياء مسماة بأسمائها ، فيثبت في كل ما صدق عليه ذلك الاسم واما الأسد فالأقوى عندي انه لا شي‌ء فيه سواء أراده أو لم يرده ، وبه قال ابن إدريس. وقال علي بن بابويه : وان كان الصيد أسدا ذبحت كبشا. وأوجب ابن حمزة فيه الكبش ، لنا : الأصل براءة الذمة. ولأنه أكثر ضررا من الحية والفأرة والعقرب ، وقد جاز قتلها فجواز قتله اولى. وما رواه حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «كل ما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحياة وغيرها فليقتله ، وان لم يردك فلا ترده». احتج الموجبون بما رواه أبو سعيد المكاري (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل قتل أسدا في الحرم؟ قال : عليه كبش يذبحه». والجواب سند حديثنا أوضح وأصح. ونحمل هذا على الاستحباب. انتهى.

__________________

(1) المبسوط للسرخسي ج 4 ص 90 باب (جزاء الصيد) والمهذب للشيرازي الشافعي ج 2 ص 211 ، وطرح التثريب لعبد الرحيم العراقي الشافعي ج 5 ص 95 وما بعدها.

(2 و 3 و 5) الوسائل الباب 39 من كفارات الصيد.

(4) الوسائل الباب 81 من تروك الإحرام.


أقول : قد صرح غير واحد من أصحابنا بأنه لا كفارة في قتل السباع ماشية كانت أو طائرة ، إلا الأسد. والظاهر انه لا خلاف في ما عدا الأسد. فقول الشيخ في ما تقدم من عبارته : «الثالث مختلف فيه. الى آخره» لعله إشارة إلى خلاف العامة (1) ويشير اليه قوله : «ولا يجب الجزاء عندنا في شي‌ء منه» ولا يخفى ان وجوب الكفارة متوقف على الدليل ، وليس فليس. نعم يبقى الكلام في ان عدم وجوب الكفارة لا يستلزم جواز القتل أو الصيد ، فيمكن القول بالتحريم ـ كما ذهب إليه الحلي في ما قدمنا نقله عنه ـ وان لم تترتب عليه كفارة ، وتؤيده الروايات التي أشرنا إليها آنفا. واما الأسد فقد ورد فيه ما تقدم من رواية أبي سعيد. إلا انها خاصة بالحرم. ومعارضة العلامة لها بصحيحة حريز المذكورة لا وجه له ، لأنها وان كانت شاملة بإطلاقها للأسد إلا انها اشتملت على التفصيل بين ما إذا اراده وخاف على نفسه فإنه يقتله ، ومتى لم يرده فلا يعرض له. ورواية أبي سعيد وان كانت مطلقة إلا ان كل من قال بها فإنه يخصها بما إذا لم يرده ، كما لا يخفى على من راجع كلامهم. وهو المفهوم من الاخبار ايضا ، كما سيأتي ان شاء الله تعالى. وحينئذ فلا منافاة بين الخبرين بل هما متفقان على معنى واحد.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) : ولا بأس للمحرم ان يقتل

__________________

(1) المبسوط للسرخسي ج 4 ص 90 باب (جزاء الصيد) والمهذب للشيرازي الشافعي ج 2 ص 211 ، وطرح التثريب لعبد الرحيم العراقي الشافعي ج 5 ص 95 وما بعدها.

(2) ص 29.


الحية والعقرب والفأرة. ولا بأس برمي الحدأة. وان كان الصيد أسدا ذبحت كبشا. انتهى.

أقول : ومن هذه العبارة أخذ علي بن الحسين عبارته التي تقدم نقلها عنه ، وهي مطلقة منطبقة على ما ادعاه الأصحاب ، ولعلها المستند لهم في ما أطلقوه.

والذي وقفت عليه ـ من ما يدل على جواز قتل شي‌ء من هذه المذكورات ـ ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة حريز المتقدمتين في صدر المقصد ، وفي الأولى : الأمر باتقاء الدواب كلها إلا الأفعى ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ، والسبع إذا أرادك ، والأسود الغدر ، وهو قسم من الحياة خبيث ، وانه يرمي الغراب والحدأة عن ظهر البعير. وفي الثانية : جواز قتل كل ما خاف الإنسان من السباع والحياة ، والنهي عنه إذا لم يرده.

وما رواه الكليني في الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «يقتل في الحرم والإحرام : الأفعى ، والأسود الغدر وكل حية سوء ، والعقرب ، والفأرة وهي الفويسقة ، ويرجم الغراب والحدأة رجما».

وما رواه الكليني في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (2) قال : «يقتل المحرم كل ما خشيه على نفسه».

__________________

(1) الوسائل الباب 81 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 81 من تروك الإحرام. والراوي هو عبد الرحمن العزرمي.


وفي حسنة الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «يقتل المحرم : الأسود الغدر ، والأفعى ، والعقرب ، والفأرة. ويقذف الغراب».

وفي رواية محمد بن الفضيل عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن المحرم وما يقتل من الدواب. فقال : يقتل الأسود ، والأفعى ، والفأرة ، والعقرب ، وكل حية ، وان أرادك السبع فاقتله وان لم يدرك فلا تقتله. والكلب العقور إذا أرادك فاقتله ، ولا بأس للمحرم ان يرمي الحدأة».

وفي رواية غياث بن إبراهيم عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (3) قال : «يقتل المحرم : الزنبور ، والنسر ، والأسود الغدر ، والذئب ، وما خاف ان يعدو عليه. وقال : الكلب العقور هو الذئب».

وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن محرم قتل زنبورا. قال : ان كان خطأ فليس عليه شي‌ء. قلت : لا بل معتمدا؟ قال :

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 366 ، والوسائل الباب 81 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 81 من تروك الإحرام.

(3) الوسائل الباب 81 من تروك الإحرام. وما أورده (قدس‌سره) من رواية الحديث عن ابى عبد الله عن أبيه (ع) يوافق ما أورده في الوافي باب (قتل الدواب للمحرم). وفي الفروع ج 4 ص 363 و 364 ، والوسائل هكذا. غياث بن إبراهيم عن أبيه عن ابي عبد الله (ع).

(4) الفروع ج 4 ص 364 ، والتهذيب ج 5 ص 365 ، والوسائل الباب 81 من تروك الإحرام ، والباب 8 من كفارات الصيد.


يطعم شيئا من طعام» وزاد في الكافي : «قلت : انه أرادني؟ قال : كل شي‌ء أرادك فاقتله».

وفي صحيحة أخرى له ايضا عنه (عليه‌السلام) (1) : «في محرم قتل عظاية؟ قال : كف من طعام». والعظاية بالمهملة ثم بالمعجمة : من كبار الوزغ.

أقول : ويستفاد من هذه الروايات أمور : أحدها ـ جواز قتل المؤذيات ، من الأفعى ، والحية ، والعقرب ، والفأرة ، والذئب ، والكلب العقور وان لم يرده ولم يؤذه. وبذلك صرح الشيخ على ما نقله عنه في المنتهى ، فقال : وله ان يقتل جمع المؤذيات ، كالذئب ، والكلب العقور ، والفأرة ، والحياة ، وما أشبه ذلك. ولا جزاء فيه.

وثانيها ـ انه يجوز له ان يقتل كل ما خاف منه على نفسه من غير جزاء ولا فدية.

وثالثها ـ انه يجوز له قتل الزنبور متى عدا عليه ، أو كان ذلك خطأ. وعليه يحمل إطلاق صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، وإلا ففيه الفداء : شي‌ء من الطعام.

ورابعها ـ ان أكثر الروايات تضمن رمي الغراب والحدأة مطلقا ، وفي صحيحة معاوية بن عمار الاولى : التقييد بقوله : «عن ظهر بعيرك» وبه قيد الحكم بعض الأصحاب. والظاهر العموم ، إذ لا دلالة للخبر المذكور على التخصيص. وظاهر إطلاق الاخبار المذكورة أيضا جواز الرمي وان ادى الى القتل. والمنقول عن الشيخ في المبسوط جواز قتلهما مطلقا. وقيل بالعدم. ونقل عن المحقق الشيخ علي : انه ينبغي

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من كفارات الصيد.


تقييد الغراب الذي يجوز رميه بالمحرم الذي هو من الفواسق الخمس دون المحلل ، لانه محترم لا يعد من الفواسق الخمس. وفيه انه تقييد للنصوص من غير دليل ، لأنها وردت بالغراب مطلقا ، وإخراج بعض افراده يتوقف على الدليل

التاسعة ـ اختلف الأصحاب في قتل البرغوث ، فذهب جمع ـ منهم : المحقق والعلامة في الإرشاد ـ إلى الجواز ، وذهب الشيخ وجماعة ـ منهم : العلامة في جملة من كتبه ـ الى التحريم.

ومستند القول الأول مضافا الى الأصل رواية زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «سألته عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا رآه. قال : نعم».

ومستند القول الثاني ما تقدم (2) من قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار. «إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة».

وفي صحيحة زرارة (3) «أنه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم هل يحك رأسه ، ويغتسل بالماء؟ فقال : يحك رأسه ما لم يعتمد قتل دابة».

أقول : صورة رواية زرارة على ما نقله المحدث الكاشاني في الوافي : «والبرغوث إذا اراده» وفي المدارك ومثله في الذخيرة نقلا الرواية بما قدمناه ، وعلى تقدير ما نقلناه عن الوافي فإنه لا دليل في الرواية على القول المدعى ، إذ لا خلاف نصا وفتوى في جواز قتل ما اراده

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 364 ، والوسائل الباب 79 من تروك الإحرام.

(2) ص 136 و 137.

(3) الفروع ج 4 ص 366 ، والفقيه ج 2 ص 230 ، والوسائل الباب 73 من تروك الإحرام.


من الحيوانات ، كما عرفت من الروايات المتقدمة. والظاهر ان محل الخلاف في المسألة إنما هو في ما إذا لم يرده ولم يقصده بالأذى كما لا يخفى ، ولا دلالة في الرواية على الجواز في الصورة المذكورة. وكذا صحيحة معاوية بن عمار فإنه يجب تخصيص إطلاقها بما ذكرناه كما يدل عليه ما تقدم من صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (1) وغيرها فالقول بالتحريم مطلقا لا وجه له. واما صحيحة زرارة فالظاهر منها إنما هو القمل ، كما احتج به الأصحاب على ذلك.

العاشرة ـ قد صرح جملة من الأصحاب ـ أولهم الشيخ ـ بأنه يجوز إخراج القماري والدباسي من مكة على كراهة ، لا قتلهما ، ولا أكلهما.

أقول : اما تحريم القتل والأكل فلا ريب فيه ، لعموم الأدلة المتقدمة الدالة على تحريم قتل الصيد واكله (2) ولا سيما في الحرم.

واما جواز إخراجه فقد نسبه المحقق في الشرائع إلى الرواية ، مؤذنا بتوقفه فيه ، مع انا لم نقف على رواية تدل على جواز الإخراج بل الروايات مستفيضة بالتحريم عموما في مطلق الطير ، وخصوصا في الحمام الشامل لهذين الفردين.

نعم ورد في رواية العيص بن القاسم (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن شراء القماري يخرج من مكة والمدينة. فقال : ما أحب ان يخرج منهما شي‌ء».

وهي مع اختصاصها بالقماري لا دلالة فيها صريحا على الجواز ، فان لفظ : «لا أحب» وان كان بحسب العرف الآن بمعنى الكراهة

__________________

(1) ص 156.

(2) ص 135.

(3) الوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.


إلا ان استعماله في الاخبار بمعنى التحريم كثير ، وهو الأنسب بالحمل على باقي روايات المسألة الآتية.

لا يقال : ان الحمل على التحريم يوجب القول بتحريم الإخراج من المدينة أيضا مع انه لا قائل به.

قلنا : هذا إنما يتجه على القول بالمنع من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، وهو وان كان المشهور بينهم إلا ان المفهوم من الاخبار جوازه ، كما نبهنا عليه في محل أليق.

ونقل عن ابن إدريس القول بالمنع من ذلك ، وقربه العلامة في المختلف ، ونقل ايضا عن ابنه فخر الدين ، واليه ذهب السيد السند في المدارك.

وهو المعتمد ، للأخبار الكثيرة الدالة على عدم جواز إخراج الصيد من مكة طيرا كان أو غيره :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (1) قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها. قال : عليه ان يردها ، فان ماتت فعليه ثمنها يتصدق به».

وعن يونس بن يعقوب في الموثق (2) قال : «أرسلت الى ابي الحسن

__________________

(1) الوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.

(2) هذا الحديث بهذا اللفظ رواه الكليني في الفروع ج 4 ص 235 ، والصدوق في الفقيه ج 2 ص 168 ، واما الشيخ فرواه في التهذيب ج 5 ص 349 ، بلفظ أوجز ، ونقلهما في الوسائل الباب 14 من كفارات الصيد رقم 9 و 4.


(عليه‌السلام) ان اخالي اشترى حماما من المدينة فذهبنا بها الى مكة ، فاعتمرنا وأقمنا إلى الحج ، ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة فعلينا في ذلك شي‌ء؟ فقال للرسول : اني أظنهن كن فرهة. قل له : يذبح مكان كل طير شاة».

قال في الوافي (1) : «كن فرهة» اى بالغة حد الفراهة ، وهي الحذاقة يعني بها : استقلالهن بالطيران.

أقول : لعل الأظهر حمله على «فره» بالكسر ، يعني : أشر وبطر كما قيل في قراءة : «فرهين» من قوله (عزوجل) (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) (2) فإنه مشتق من «فره» بالكسر بمعنى : اشر وبطر. والظاهر هنا حمل الخبر عليه ، بمعنى ان قصدهم من استصحاب الحمام الأشر والبطر واللهو واللعب.

وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (3) : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اخرج طيرا من مكة إلى الكوفة. قال : يرده إلى مكة».

وما رواه الشيخ عن يعقوب بن يزيد عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا أدخلت الطير المدينة فجائز لك ان تخجه منها ما أدخلت ، وإذا أدخلت مكة فليس لك ان تخرجه».

__________________

(1) باب (حكم صيد الحرم).

(2) سورة الشعراء ، الآية 149.

(3) الفقيه ج 2 ص 171 ، والوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.

(4) الوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.


وما رواه الكليني في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل خرج بطير من مكة إلى الكوفة. قال : يرده إلى مكة». وعن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) مثله (2) وزاد : «فان مات تصدق بثمنه».

ويدل على خصوص القماري ما رواه في الكافي (3) عن مثنى قال : «خرجنا إلى مكة فاصطاد النساء قمرية من قماري أمج حيث بلغنا البريد ، فنتفت النساء جناحها ثم دخلوا بها مكة ، فدخل أبو بصير علي ابي عبد الله (عليه‌السلام) فأخبره ، فقال : تنظرون امرأة لا بأس بها فتعطونها الطير تعلفه وتمسكه ، حتى إذا استوى جناحاه خلته».

ويؤيد ذلك جملة من الاخبار الدالة على ان من أصاب طيرا في الحرم ، فان كان مستوي الجناحين خلى عنه ، وإلا نتفه وأطعمه وسقاه فإذا استوى جناحاه خلى عنه ، وان كان مسافرا أودعه عند أمين ودفع اليه ما يحتاج اليه من الطعام ، حتى يستوي جناحاه فيخلي عنه (4) والروايات الدالة على انه لا يجوز التعرض لما في الحرم (5) لقوله (عزوجل) : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (6).

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 234 ، والوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.

(2) الوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.

(3) ج 4 ص 237 ، والوافي باب (حكم صيد الحرم) ، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد.

(4) الوسائل الباب 12 من كفارات الصيد.

(5) الوسائل الباب 88 من تروك الإحرام ، والباب 12 و 13 و 36 من كفارات الصيد.

(6) سورة آل عمران ، الآية 96.


الحادية عشرة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في انه متى اضطر المحرم إلى أكل الصيد اكله وفداه ، قال العلامة في المنتهى : ويباح أكل الصيد للمحرم في حال الضرورة ، يأكل منه بقدر ما يأكل من الميتة من ما يمسك به الرمق ويحفظ به الحياة لا غير ، ولا يجوز له الشبع ولا التجاوز عن ذلك ، ولا نعلم فيه خلافا.

ويدل عليه جملة من العمومات الدالة على وجوب دفع الضرر عن النفس من الكتاب (1) والسنة (2) وتحليل المحرمات في مقام الضرورة (3) وخصوص جملة من الروايات الآتية الدالة على انه يأكل الصيد ويفدي (4).

__________________

(1) كقوله تعالى في سورة البقرة ، الآية 191 «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» وقوله تعالى في سورة آل عمران ، الآية 27 «وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْ‌ءٍ إِلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً».

(2) كالاحاديث الواردة في وجوب التيمم عند خوف الضرر من استعمال الماء ، والأحاديث الواردة في وجوب الإفطار عند خوف الضرر من الصوم والأحاديث الواردة في وجوب التقية عند خوف الضرر من العدو. ارجع الى باب 2 و 5 من التيمم ، والباب 18 و 20 ممن يصح منه الصوم من كتاب الصوم ، والباب 24 و 25 و 27 من الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(3) كقوله تعالى في سورة الانعام ، الآية 119 «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» وكقوله تعالى في سورة البقرة ، الآية 173 : «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» وكما في الوسائل في الباب 1 من القيام في الصلاة رقم 6 و 7 ، والباب 7 من القيام في الصلاة رقم 1.

(4) الوسائل الباب 43 من كفارات الصيد.


إنما الخلاف في ما إذا كان عنده ميتة وصيد ، فمن أيهما يجوز الأكل؟

قال الشيخ : يأكل الصيد ويفديه ، ولا يأكل الميتة ، فان لم يتمكن من الفداء جاز له ان يأكل الميتة. وكذا قال ابن البراج.

وقال الشيخ المفيد : من اضطر الى صيد وميتة فليأكل الصيد ويفديه ، ولا يأكل الميتة. وأطلق. وكذا قال السيد المرتضى في الجمل والانتصار ، وسلار.

وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه : وإذا اضطر المحرم الى صيد وميتة فإنه يأكل الصيد ويفدي ، وان أكل الميتة فلا بأس. إلا ان أبا الحسن الثاني (عليه‌السلام) : قال : «يذبح الصيد ويأكله ويفدي أحب الي من الميتة» (1). وقال في المقنع (2) : فإذا اضطر المحرم إلى أكل صيد وميتة فإنه يأكل الصيد ويفدي. وقد روى في حديث آخر : انه يأكل الميتة ،. لأنها قد أحلت له ولم يحل له الصيد وقال ابن الجنيد : وإذا اضطر المحرم المطيق للفداء إلى الميتة والصيد أكل الصيد وفداه ، وان كان في الوقت من لا يطيق الجزاء أكل الميتة التي كان مباحا أكلها بالذكاة. فان لم يكن كذلك أكل الصيد.

وقال ابن إدريس : اختلف أصحابنا في ذلك ، واختلفت الاخبار ، فبعض قال : يأكل الميتة. وبعض قال : يأكل الصيد ويفديه. وكل منهما أطلق مقالته. وبعض قال : لا يخلو الصيد ، اما ان يكون حيا أو لا ، فان كان حيا فلا يجوز له ذبحه

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 235 ، والوسائل الباب 43 من كفارات الصيد.

(2) المختلف ج 2 ص 109. وليس في المقنع المطبوع ص 21 قوله : «وقد روى ...» وكذا في مستدرك الوسائل الباب 30 من كفارات الصيد.


بل يأكل الميتة ، لأنه إذا ذبحه صار ميتة بغير خلاف ، فاما ان كان مذبوحا ، فلا يخلو ذابحه ، اما ان يكون محرما أو محلا ، فان كان محرما فلا فرق بينه وبين الميتة ، وان كان ذابحه محلا ، فان ذبحه في الحرم فهو ميتة أيضا ، وان ذبحه في الحل ، فان كان المحرم المضطر قادرا على الفداء أكل الصيد ولم يأكل الميتة ، وان كان غير قادر على فدائه أكل الميتة. قال : وهذا الذي يقوى في نفسي ، لأن الأدلة تعضده وأصول المذهب تؤيده ، وهو الذي اختاره شيخنا في استبصاره. وذكر في نهايته أنه يأكل الصيد ويفديه ولا يأكل الميتة. ثم رجع (1) عن ما قواه وقال : والأقوى عندي أنه يأكل الميتة على كل حال ، لانه مضطر إليها ولا عليه في أكلها كفارة ، ولحم الصيد ممنوع منه لأجل الإحرام على كل حال ، لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة.

أقول : وظاهره هو أكل الميتة إلا في تلك الصورة الخاصة ، وهو ما إذا ذبحه المحل في الحل وكان المضطر إلى أكله قادرا على الفداء. ثم ان ما يدل عليه كلامه ـ من كون مذبوح المحرم ميتة مطلقا ـ منظور فيه بما عرفت في المسألة السادسة من القول بحله على المحل في الصورة المذكورة ، ودلالة جملة من الاخبار الصحاح على ذلك. وحينئذ ففي شموله لمحل البحث تأمل.

ثم انه لا يخفى ان الأصل في اختلاف هذه الأقوال هو اختلاف الأخبار الواردة في المسألة :

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن بكير وزرارة

__________________

(1) يعني : ابن إدريس.


عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «في رجل اضطر إلى ميتة وصيد وهو محرم؟ قال : يأكل الصيد ويفدي».

وعن الحلبي في الصحيح عندي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن المحرم يضطر فيجد الميتة والصيد ، أيهما يأكل؟ قال : يأكل من الصيد ، أليس هو بالخيار ان يأكل من ماله؟ قلت : بلى. قال : إنما عليه الفداء فليأكل وليفده».

وعن يونس بن يعقوب في الموثق (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المضطر إلى الميتة وهو يجد الصيد. قال : يأكل الصيد. قلت : ان الله قد أحل له الميتة إذا اضطر إليها ولم يحل له الصيد؟ قال : تأكل من مالك أحب إليك أو ميتة؟ قلت : من مالي قال : هو مالك لان عليك فداءه. قلت : فان لم يكن عندي مال؟ قال : تقضيه إذا رجعت الى مالك».

وما رواه الشيخ عن منصور بن حازم (4) قال : «سألته عن محرم اضطر إلى أكل الصيد والميتة. قال : أيهما أحب إليك ان تأكل؟ قلت : الميتة ، لأن الصيد محرم على المحرم. فقال : أيهما أحب إليك

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 383 ، والوسائل الباب 43 من كفارات الصيد والوافي باب (المحرم يضطر الى الصيد والميتة).

(2 و 3) الفروع ج 1 ص 270 الطبع القديم وج 4 ص 383 الطبع الحديث ، والوسائل الباب 43 من كفارات الصيد ، والوافي باب (المحرم يضطر الى الصيد والميتة).

(4) التهذيب ج 5 ص 368 ، والاستبصار ج 2 ص 209 ، والوسائل الباب 43 من كفارات الصيد.


ان تأكل من مالك أو الميتة؟ قلت : آكل من مالي. قال : فكل الصيد وافده».

وما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن المحرم إذا اضطر إلى أكل صيد وميتة ، وقلت : ان الله (عزوجل) حرم الصيد وأحل الميتة. قال : يأكل ويفديه ، فإنما يأكل ماله».

وعن أبي أيوب في الصحيح (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اضطر وهو محرم الى صيد وميتة ، من أيهما يأكل؟ قال : يأكل من الصيد. قلت : فان الله قد حرمه عليه وأحل له الميتة؟ قال : يأكل ويفدي ، فإنما يأكل من ماله».

وعن منصور بن حازم في الموثق (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : محرم اضطر الى صيد والى ميتة ، من أيهما يأكل؟ قال : يأكل من الصيد. قلت : أليس قد أحل الله الميتة لمن اضطر إليها؟ قال : بلى ولكن يفدي ، ألا ترى انه انما يأكل من ماله ، فيأكل الصيد وعليه فداؤه». قال (4) : وقد روى انه يأكل من الميتة ، لأنها أحلت له ولم يحل له الصيد.

أقول : وهذه الروايات مع صحة أسانيد أكثرها صريحة في مذهب الشيخ المفيد (قدس الله سره) ومن تبعه.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (5) : «ان عليا (صلوات الله عليه وعلى أولاده) كان

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 43 من كفارات الصيد.


يقول : إذا اضطر المحرم الى الصيد والى الميتة فليأكل الميتة التي أحل الله له».

وعن عبد الغفار الجازي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة فوجدها ووجد صيدا. فقال : يأكل الميتة ويترك الصيد».

هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة.

والشيخ (رحمه‌الله) قد تأول رواية إسحاق بعد نقلها بأنه ليس في الخبر انه إذا اضطر الى الصيد والميتة ، وهو قادر عليهما متمكن من تناولهما. وإذا لم يكن ذلك في ظاهره حملناه على من لا يجد الصيد ولا يتمكن من الوصول اليه ويتمكن من الميتة. انتهى. ولا يخفى ما فيه. وقال بعد نقل خبر عبد الغفار : يحتمل ان يكون المراد بهذا الخبر من لا يتمكن من الفداء ولا يقدر عليه ، فإنه يجوز له والحال على ما وصفناه ان يأكل الميتة. ويحتمل ان يكون المراد به إذا وجد الصيد وهو غير مذبوح فإنه يأكل الميتة ويخلي سبيل الصيد.

والتأويلان ـ كما ترى ـ على غاية من البعد. والأظهر عندي هو حمل الخبرين المذكورين على التقية كما احتمله في الاستبصار ، فإن ذلك منقول عن جملة من رؤوس المخالفين ، مثل أبي حنيفة والحسن البصري والثوري ومحمد بن الحسن ومالك واحمد (2) كما ذكره في المنتهى. ومن ذلك يظهر ان الحق في المسألة هو ما ذهب اليه شيخنا

__________________

(1) الوسائل الباب 43 من كفارات الصيد.

(2) المغني ج 3 ص 314 و 315 وج 9 ص 418 ، والبحر الرائق ج 3 ص 36.


المفيد والسيد المرتضى ، وهو مختار جمع من الأصحاب.

الثانية عشرة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يدخل في ملك المحرم شي‌ء من الصيد باصطياد ولا ابتياع ولا هبة ولا ميراث إذا كان معه ، اما لو كان بعيدا فإنه لا يخرج عن ملكه.

قال في المنتهى : لو صاد صيدا لم يملكه بالإجماع. ثم قال : اما لو كان الصيد في منزله فإنه يجوز ذلك ولا يزول ملكه عنه. ونقل في المختلف عن الشيخ (رحمه‌الله) انه قال : إذا انتقل الصيد اليه بالميراث لا يملكه ويكون باقيا على ملك الميت الى ان يحل ، فإذا أحل ملكه. ثم قال : ويقوى في نفسي انه ان كان حاضرا معه فإنه ينتقل اليه ويزول ملكه عنه ، وان كان في بلده يبقى في ملكه. ثم قال (رحمه‌الله) : وفي الانتقال إليه الذي قواه الشيخ اشكال. لنا ـ قوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (1).

أقول : اما الحكم الأول فاستدل عليه بقوله (عزوجل) (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (2) كما سمعته من كلام العلامة ، والمراد وجوه الانتفاعات به ، فيخرج عن المالية بالإضافة اليه. والظاهر ضعفه.

واستدل العلامة في المنتهى على ما قدمنا نقله عنه ببعض الروايات المتقدمة الدالة على ان من ادخل الحرم صيدا فإنه لا يجوز له إمساكه (3) ولا يخفى ما فيه : اما (أولا) فلأنها أخص من المدعى. واما (ثانيا) فلان وجوب تخليته لا يدل على زوال الملك عنه ، فإنه

__________________

(1 و 2) سورة المائدة ، الآية 96.

(3) الوسائل الباب 36 من كفارات الصيد.


يجوز ان يبقى على ملكه وان وجب عليه إرساله وتخليته وحرم عليه إمساكه.

ونقل عن الشيخ (رحمه‌الله) انه حكم بدخوله في الملك وان وجب إرساله ، كما في صيد الحرم. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ولا يخلو من قوة.

أقول : لا يخفى ان الاخبار التي قدمناها في سابق هذه المسألة صريحة الدلالة واضحة المقالة في الملك ، فإنه في غير خبر منها قد علل الأكل من الصيد وترجيحه على الميتة بأنه إنما يأكل من ماله وظاهرها ان الملك عليه باق وان وجب إرساله في غير الضرورة الموجبة لأكله. ولم أقف على من تنبه للاستدلال بها على هذا الحكم ، وهي صريحة فيه كما ترى.

نعم روى الشيخ بسنده عن ابي سعيد المكاري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا يحرم أحد ومعه شي‌ء من الصيد حتى يخرجه من ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه ان يخليه».

إلا ان غاية ما تدل عليه هو المنع من الإحرام حتى يخرج الصيد عن ملكه ، ولا دلالة فيها على انه يخرج الصيد عن ملك المحرم بمجرد الإحرام ، وان كان فيها نوع اشعار بذلك ، إلا انه غير ملتفت اليه بعد ما عرفت من صراحة الروايات المشار إليها في ما ذكرناه.

واما الحكم الثاني فيدل عليه ما رواه الصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 362 ، والوسائل الباب 34 من كفارات الصيد.

(2) الوسائل الباب 34 من كفارات الصيد.


الرجل يحرم وعنده في أهله صيد اما وحش واما طير. قال : لا بأس».

وما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح عن جميل (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الصيد يكون عند الرجل من الوحش في اهله ومن الطير ، يحرم وهو في منزله؟ قال : وما به بأس لا يضره».

والظاهر ان الحكم المذكور لا خلاف فيه.

ثم انه صرح جملة منهم أيضا بأن الصيد في الحرم لا يدخل في ملك المحل ولا المحرم ، وقيل انه مذهب الأكثر. ومال المحقق في النافع الى وجوب الإرسال خاصة ، قال : وهل يملك المحل صيدا في الحرم؟ الأشبه انه يملك ويجب إرسال ما يكون معه. وحكى فخر المحققين هذا القول عن الشيخ ايضا.

واستدل على القول المشهور بصحيحة معاوية بن عمار (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن طائر أهلي ادخل الحرم حيا فقال : لا يمس ، لان الله (عزوجل) يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)» (3). ونحوها غيرها من ما تقدم ودل على تخلية سبيل ما ادخل الحرم من الصيد.

وأنت خبير بان المستفاد منها انما هو وجوب إرساله وتخلية سبيله كما ذكره في النافع ، لا زوال الملك. وإطلاق الروايات التي أشرنا

__________________

(1) الوسائل الباب 34 من كفارات الصيد.

(2) الوسائل الباب 12 و 36 من كفارات الصيد.

(3) سورة آل عمران ، الآية 96.


إليها آنفا شاملة لهذه الصورة أيضا. فيكون الأظهر هو ما ذكره المحقق ونقل عن الشيخ (رحمه‌الله).

البحث الثاني

في الكفارات

وينبغي ان يعلم ان ما تتعلق به الكفارة نوعان الأول ـ ما لكفارته بدل على الخصوص ، وهو كل ما له مثل من النعم ، والأصل في هذا النوع قوله (عزوجل) (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (1) والمتبادر من المماثلة هو المشابهة في الصورة ، كما في النعامة ، فإنها تشابه البدنة ، وبقرة الوحش ، فإنها تشابه البقرة الأهلية ، والظبي يشابه الشاة. إلا انه لا يطرد كليا ، فإنهم عدوا من هذا القبيل البيض وجعلوه من قبيل ذوات الأمثال ، ولعل الحكم مبني على الأغلب. والأمر هين بعد وضوح الحكم والمأخذ.

وكيف كان فقد ذكروا أن أفراد هذا النوع خمسة :

الأول ـ النعامة ، وفي قتلها بدنة بإجماع أصحابنا (رضوان الله عليهم) وأكثر العامة (2).

ويدل عليه من الاخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن

__________________

(1) سورة المائدة ، الآية 95.

(2) المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 216 ، والمجموع للنووي شرح المهذب ج 7 ص 421 الطبع الثاني ، وفتح القدير لابن همام الحنفي ج 3 ص 260.


ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) انه قال «في قول الله (عزوجل): (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (2) قال : في النعامة بدنة ، وفي حمار وحش بقرة ، وفي الضبي شاة ، وفي البقرة بقرة».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) : «في محرم قتل نعامة؟ قال : عليه بدنة ، فان لم يجد فإطعام ستين مسكينا ، فان كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد على إطعام ستين مسكينا ، وان كانت قيمة البدنة أقل من إطعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة».

وما رواه ثقة الإسلام عن يعقوب بن شعيب في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «قلت له : المحرم يقتل نعامة؟ قال : عليه بدنة من الإبل. قلت : يقتل حمار وحش؟ قال : عليه بدنة. قلت : فالبقرة؟ قال : بقرة».

وما رواه الشيخ عن سليمان بن خالد في الصحيح (5) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : في الظبي شاة ، وفي البقرة بقرة ، وفي الحمار بدنة ، وفي النعامة بدنة ، وفي ما سوى ذلك قيمته».

وما رواه في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش. قال : عليه بدنة. قلت : فان لم يقدر على بدنة؟ قال : فليطعم ستين مسكينا. قلت : فان لم يقدر على ان يتصدق؟ قال : فليصم ثمانية عشر يوما.

__________________

(1 و 4 و 5) الوسائل الباب 1 من كفارات الصيد.

(2) سورة المائدة ، الآية 95.

(3 و 6) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.


والصدقة مد على كل مسكين».

وهل المراد بالبدنة هي الأنثى فالواجب انما هو هي أو ما يشمل الذكر فالواجب أحدهما؟ قولان ، منشأهما اختلاف أهل اللغة في ذلك ، فظاهر الصحاح ـ على ما نقله عنه في المدارك ـ اختصاص البدنة بالناقة ، وظاهره الميل الى ذلك. وظاهر عبارة القاموس إطلاقها على الذكر والأنثى ، حيث قال : والبدنة محركة : من الإبل والبقر ـ كالأضحية من الغنم ـ تهدى الى مكة ، للذكر والأنثى. وقال في كتاب المصباح المنير : قالوا : وإذا أطلقت البدنة في الفروع فالمراد البعير ذكرا كان أو أنثى. وربما أشعرت هذه العبارة بأن هذا الإطلاق ليس من جهة الوضع اللغوي وانما هو اصطلاح المتشرعة. وقال الشيخ فخر الدين بن طريح في مجمع البحرين بعد ذكر البدنة : وانما سميت بذلك لعظم بدنها وسمنها ، وتقع على الجمل والناقة عند جمهور أهل اللغة وبعض الفقهاء. وبذلك يظهر ان الحكم لا يخلو من اشكال.

ثم ان ظاهر عبارة القاموس إطلاق البدنة على البقر ايضا ، وبه صرح في كتاب شمس العلوم ، فقال : والبدنة : الناقة والبقرة تنحر بمكة. انتهى. وهو أشد إشكالا.

إلا ان ظاهر صحيحة يعقوب بن شعيب كون البدنة هنا من الإبل فلا اشكال. قال الفيومي في كتاب المصباح المنير (1) : والبدنة قالوا : هي ناقة أو بقرة ، وزاد الأزهري : أو بعير ذكر. قال : ولا تقع البدنة على الشاة. وقال بعض الأئمة : البدنة هي الإبل خاصة. ويدل عليه قوله

__________________

(1) مادة (بدن).


تعالى «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها» (1) سميت بذلك لعظم بدنها. وإنما ألحقت البقرة بالإبل بالسنة ، وهو قوله (عليه‌السلام): «تجزئ البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة» (2). ففرق الحديث بينهما بالعطف ، إذ لو كانت البدنة في الوضع تطلق على البقرة لما ساغ عطفها ، لان المعطوف غير المعطوف عليه. انتهى.

أقول : ويؤيد ذلك ما وقع في جملة من اخبار المسألة من إطلاق البدنة في مقابلة البقرة ، كما في صحيحة حريز المتقدمة ، حيث أوجب في النعامة بدنة وفي حمار الوحش بقرة ، ونحوها غيرها.

ونقل عن بعض الأصحاب ان البدنة هي الأنثى التي كمل لها خمس سنين ودخلت في السادسة.

والقول بشمولها للذكر منقول عن الشيخ وجماعة ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ عن ابي الصباح (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) في الصيد (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (4) قال : في الظبي شاة ، وفي حمار وحش بقرة ، وفي النعامة جزور». والجزور يشمل الأنثى والذكر :

قال في المصباح المنير : والجزور من الإبل خاصة يقع على الذكر والأنثى. وفي القاموس : الجزور : البعير أو خاص بالناقة المجزورة.

__________________

(1) سورة الحج ، الآية 36.

(2) ارجع الى تتمة الكلام في المصباح فإنه يذكر الحديث ، والى المغني لابن قدامة الحنبلي ج 3 ص 551 ، وسنن البيهقي ج 5 ص 234.

(3) الوسائل الباب 1 من كفارات الصيد.

(4) سورة المائدة ، الآية 95.


والبعير من ما يطلق على الذكر والأنثى.

ويظهر من العلامة في التذكرة والمنتهى : ان البدنة والجزور بمعنى واحد ، حيث قال في التذكرة : يجب في النعامة بدنة عند علمائنا اجمع ، فمن قتل نعامة وهو محرم وجب عليه جزور. ونحوه في المنتهى ايضا. وهو ظاهر في موافقة الشيخ (رحمه‌الله).

وبالجملة فقول الشيخ لا يخلو من قوة ، للرواية المذكورة ، وان كان الاحتياط في جانب القول الآخر.

ونقل عن العلامة في التذكرة انه اعتبر المماثلة بين الصيد وفدائه ففي الصغير من الإبل ما في سنه ، وفي الكبير كذلك ، وفي الأنثى أنثى ، وفي الذكر ذكر. ولم نقف له على دليل ، بل إطلاق الاخبار الواردة في المسألة يدفعه.

تنبيهات

الأول ـ اختلف الأصحاب في ما لو لم يجد بدنة على أقوال : أحدها ـ القول بأنه لو لم يجد قوم الجزاء وفض ثمنه على الحنطة ، وتصدق به على كل مسكين نصف صاع ، فان زاد ذلك على إطعام ستين مسكينا لم يلزمه أكثر منه ، وان كان أقل منه فقد أجزأه. وهو قول الشيخ ، وبه قال ابن إدريس وابن البراج ، وهو المشهور بين المتأخرين. وثانيها ـ انه لو لم يجد البدنة فقيمتها ، فان لم يجد فض القيمة على البر ، وصام لكل نصف صاع يوما. وبه قال أبو الصلاح. وظاهره انه يتصدق بالقيمة ، فان لم يجد القيمة فضها على البر ، وصام عن كل نصف صاع يوما. وثالثها ـ انه لو لم يجد فإطعام ستين مسكينا


وبه قال ابن بابويه وابن ابي عقيل والشيخ المفيد والسيد المرتضى وسلار.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة هو ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح عن ابي عبيدة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد ، قوم جزاؤه من النعم دراهم ، ثم قومت الدراهم طعاما ، لكل مسكين نصف صاع ، فان لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما». ونحوها صحيحة محمد بن مسلم وزرارة المتقدمة في صدر البحث.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن قوله (عزوجل) (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (3) قال : عدل الهدى ما بلغ يتصدق به ، فان لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوما».

وما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن جميل عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) : «في محرم قتل نعامة؟ قال : عليه بدنة ، فان لم يجد فإطعام ستين مسكينا. وقال : ان كان قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد على إطعام ستين مسكينا ،

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الوحش).

(2 و 4) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.

(3) سورة المائدة ، الآية 95.


وان كان قيمة البدنة أقل من إطعام ستين مسكينا لم يكن عليه إلا قيمة البدنة».

وروى العياشي في تفسيره عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن قول الله (تعالى) في من قتل صيدا متعمدا وهو محرم (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ، أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ ، أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (2) ما هو؟ قال : ينظر إلى الذي عليه بجزاء ما قتل ، فاما ان يهديه ، واما ان يقوم فيشتري به طعاما فيطعمه المساكين ، يطعم كل مسكين مدا ، واما ان ينظركم يبلغ عدد ذلك من المساكين فيصوم مكان كل مسكين يوما».

وقد تقدم في صدر كتاب الصوم (3) حديث الزهري عن علي بن الحسين (عليه‌السلام) وفيه : «أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما يا زهري؟ قال : قلت : لا أدرى. قال : يقوم الصيد قيمة عدل ، ثم تفض تلك القيمة على البر ، ثم يكال ذلك البر أصواعا ، فيصوم لكل نصف صاع يوما». ونحوه في حديث كتاب الفقه الرضوي (4) المتقدم ثمة أيضا.

وهذه الروايات ظاهرة في القول الأول.

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.

(2) سورة المائدة ، الآية 95.

(3) ج 13 ص 3 ، والوسائل الباب 1 من بقية الصوم الواجب.

(4) ص 23.


(عليه‌السلام) ـ ورواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن ابي بصير (1) وهو ليث المرادي بقرينة عبد الله بن مسكان ـ قال : «سألته عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش. قال : عليه بدنة. قلت : فان لم يقدر على بدنة؟ قال : فليطعم ستين مسكينا. قلت : فان لم يقدر على ان يتصدق؟ قال : فليصم ثمانية عشر يوما. والصدقة مد على كل مسكين. الحديث».

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من أصاب شيئا فداؤه بدنة من الإبل ، فان لم يجد ما يشتري به بدنة فأراد أن يتصدق فعليه ان يطعم ستين مسكينا كل مسكين مدا ، فان لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوما ، مكان كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. الحديث».

وفي حديث الجواد (عليه‌السلام) مع يحيى بن أكثم القاضي المروي في جملة من الأصول المعتمدة التي من جملتها كتاب تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة (3) والمنقول هنا من عبارته قال (عليه‌السلام): «وان كان من الوحش فعليه في حمار وحش بدنة وكذلك في النعامة بدنة ، فان لم يقدر فإطعام ستين مسكينا ، فان لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما. الحديث».

وروى الثقة الجليل على بن جعفر (رضي‌الله‌عنه) في كتابه عن

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 385 ، والفقيه ج 2 ص 233 ، والوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 343 ، والوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.

(3) الوسائل الباب 3 من كفارات الصيد.


أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ، ما عليه؟ قال : عليه بدنة ، فان لم يجد فليتصدق على ستين مسكينا ، فان لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما».

وفي كتاب الفقه الرضوي (2) : «فإن كان الصيد نعامة فعليك بدنة ، فان لم تقدر عليها أطعمت ستين مسكينا ، لكل مسكين مد ، فان لم تقدر صمت ثمانية عشر يوما».

أقول : وهذه الاخبار ظاهرة في القول الثالث. واما القول الثاني فلم أقف له في الاخبار على دليل ، وقائله أعرف بما قاله.

ولم أقف على من تعرض للجمع بين هذه الاخبار ، وأكثر المتأخرين ـ كالعلامة في مطولاته وغيره ـ لم يتعرضوا لنقل الخلاف بالكلية فضلا عن الروايات المخالفة ، وانما ذكروا القول الأول ورواياته. ولا يخفى ان مذهب العامة كافة هو ما عليه المشهور بين أصحابنا من القول الأول (3) واخبارهم كلها موافقة للعامة ، والاخبار الأخر مخالفة لهم والمسألة لذلك لا تخلو من الإشكال ، فإن الخروج عن مقتضى هذه الاخبار مع كثرتها وشهرتها بينهم مشكل ، والقول بها مع موافقتها لمذهب العامة أشكل.

ثم ان ظاهر أصحاب القول الأول هو الصدقة بعد تعذر البدنة بمدين ، وبه صرحت صحيحة ابي عبيدة المذكورة. إلا ان غيرها من اخبار المسألة ـ من ما صرح فيه بقدر الصدقة ـ إنما تضمن المد ، وهو

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.

(2) ص 29.

(3) المغني ج 3 ص 464 و 465 طبع مطبعة العاصمة.


قول الصدوق وابن ابي عقيل ، كما صرحت به رواية أبي بصير الصحيحة بنقل الصدوق ، وصحيحة معاوية بن عمار ، ورواية العياشي ، ورواية كتاب الفقه الرضوي.

ويؤيده ما رواه ثقة الإسلام في الموثق عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) «في قول الله (عزوجل): (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (2) قال : يثمن قيمة الهدي طعاما ، ثم يصوم لكل مد يوما ، فإذا زادت الأمداد على شهرين فليس عليه أكثر منه».

وظاهر صاحب المدارك ومن تبعه الجمع بين الاخبار بحمل صحيحة ابي عبيدة على الاستحباب.

ثم ان ظاهر أصحاب القول الأول هو التصدق بالبر بعد فض قيمة البدنة عليه. وهو ظاهر صحيحة ابي عبيدة ، حيث قال فيها : «ثم قومت الدراهم طعاما» والطعام ـ كما هو المستفاد من الاخبار ـ الحنطة. واكتفى شيخنا الشهيد الثاني وجمع ممن تأخر عنه بمطلق الطعام نظرا الى ظاهر الروايات الأخر المصرحة بالإطعام بقول مطلق. وهو محتمل إلا ان الأحوط العمل بالأول.

الثاني ـ قد صرح أصحاب القول الأول من الأقوال الثلاثة المتقدمة بأنه لو عجز عن الصدقة بعد فض قيمة البدنة على الطعام انه يصوم عن كل مدين يوما ، فان عجز صام ثمانية عشر يوما. ومقتضاه ان يصوم ستين يوما عدد المساكين الذين يتصدق عليهم. وبذلك قال الشيخ المفيد والسيد المرتضى وسلار على ما نقله في المختلف. وبه صرحت

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.

(2) سورة المائدة ، الآية 95.


صحيحة أبي عبيدة المتقدمة ، وكذا مرسلة ابن بكير. إلا ان صوم الثمانية عشر يوما بعد تعذر صوم الستين يوما لم أقف عليه في شي‌ء من رواياتهم ، وانما هو في روايات القول الآخر عوضا عن الصدقة على ستين مسكينا ، كما صرحت به صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، ورواية أبي بصير المتقدمة أيضا. والمستفاد من رواياتهم إنما هو الصدقة بالبدنة أولا ، ثم مع التعذر فض قيمتها على الطعام ، والتصدق على ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع ، ومع العجز عن الطعام يصوم عن كل نصف صاع يوما ، يكون ستين يوما. هذا ما تضمنته اخبارهم. واما القول الآخر فإنه بعد تعذر البدنة يتصدق على ستين مسكينا ، ومع العجز عن الصدقة يصوم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام. وحينئذ فإن كان معتمدهم في ما ذكروه من صوم الثمانية عشر يوما هو هذه الروايات فهي إنما تضمنت صوم الثمانية عشر يوما عوضا عن الصدقة ، وهم لا يقولون بذلك. ومقتضى كلامهم إنما هو عوض عن صيام الستين يوما. ولعل مستندهم إنما هو هذه لاخبار ، لكنها لما كانت معارضة ـ بالنسبة إلى حكم الصدقة على الوجه الذي ذكروه ، وكذا صوم الستين يوما ـ بالأخبار التي اعتمدوها ، وحكم صوم الثمانية عشر لا معارض له ، عملوا بها في هذا الحكم خاصة حيث لا مانع منه. والفرق بين القولين من وجهين : أحدهما ـ انه على تقدير القول الأول لو فض قيمة البدنة على الطعام واتفق ان الطعام نقص عن عدد الستين لكل رأس نصف صاع ، فإنه يكتفي بما وسعهم ولا يجب عليه إتمام الستين من غير قيمة البدنة ، وعلى القول الآخر فإنه يجب عليه الصدقة على ستين مسكينا من غير نظر الى قيمة البدنة بالكلية. وثانيهما ـ انه على القول الأول مع


العجز عن الصدقة على ستين مسكينا يصوم ستين يوما ، ومع العجز عن ذلك يصوم ثمانية عشر يوما ، وعلى القول الآخر انه مع العجز عن الصدقة يصوم ثمانية عشر يوما. والجمع بين روايات المسألة لا يخلو من اشكال ، وان كان قد جمع بعضهم بينها بحمل صحيحة ابي عبيدة على الاستحباب والأفضلية وحمل روايات القول الآخر على أقل المجزئ. ومرجع ذلك الى التخيير مع أفضلية أحد الفردين. وأكثر الأصحاب ـ كالعلامة في المنتهى والتذكرة ـ لم يتعرضوا لنقل القول الآخر ، ولا لنقل شي‌ء من رواياته بالكلية كما ذكرنا آنفا. وصاحب المدارك قد غمض عينيه في هذا المقام ولم يتعرض للجمع بين أخبار المسألة بنقض ولا إبرام ، مع ما عرفت من ان روايات القول المشهور معلولة بموافقة العامة. والله العالم.

الثالث ـ اختلف الأصحاب في فرخ النعامة ، فقال في الخلاف : في صغار أولاد الصيد صغار أولاد الإبل. وقال ابن البراج : والكبار أفضل. وقال شيخنا المفيد : في صغار النعام الفداء بقدره من صغار الإبل في سنه ، وكذا في صغار ما قتله من البقر والحمير والظباء. ونحوه قال السيد ، إلا انه فرضه في صغار النعام خاصة. وبه قال أبو الصلاح وقال ابن الجنيد : والاحتياط ان يكون جزاء الذكر من الصيد ذكرا من النعم ، وجزاء الأنثى أنثى ، والمسن مسنا ، والصغير صغيرا ، من الجنس الذي هو مثله في الجزاء ، فان تطوع بالأعلى سنا كان تعظيما لشعائر الله تعالى. وهو اختيار ابن إدريس ، وقواه العلامة في المختلف استنادا الى قوله (عزوجل) (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (1) وقال

__________________

(1) سورة المائدة ، الآية 95.


الشيخ في النهاية : في فراخ النعامة مثل ما في النعامة سواء. وقد روى ان فيه من صغار الإبل. والأحوط ما قدمناه. ومثله قال في المبسوط. وقال المحقق في الشرائع : وفي فراخ النعام روايتان : إحداهما مثل ما في النعام والأخرى من صغار الإبل. وهو أشبه.

أقول : والذي وقفت عليه في الاخبار من ما يتعلق بهذه المسألة هو ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن ابان بن تغلب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «في قوم حجاج محرمين أصابوا أفراخ نعام فأكلوا جميعا؟ قال : عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها جميعا فيشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال».

واما الرواية التي أشار إليها المحقق ـ وقبله الشيخ في عبارة النهاية ـ فلم تصل إلينا في كتب الاخبار ، ولم ينقلها أحد في كتب الاستدلال ، والظاهر وصولها إليهم ، حيث ان المشهور بينهم ـ كما عرفت ـ هو القول بها. وكيف كان فتكليفنا غير تكليفهم.

فالأظهر هو القول الأخير للصحيحة المذكورة ، مضافا الى ترجيحها بالاحتياط كما لا يخفى.

الرابع ـ قال العلامة في المنتهى : لو بقي ما لا يعدل يوما كربع الصاع كان عليه صيام يوم كامل ، ولا نعلم فيه خلافا ، لان صيام اليوم لا يتبعض ، والسقوط غير ممكن لشغل الذمة ، فيجب إكمال اليوم. وأورد عليه بأنه يمكن المناقشة فيه بان مقتضى النص ان صيام اليوم بدل عن نصف صاع كما في صحيحة أبي عبيدة ، أو عن إطعام مسكين

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 353 ، والفقيه ج 2 ص 236 ، والوسائل الباب 2 و 18 من كفارات الصيد.


كما في صحيحة محمد بن مسلم ، وهو غير متحقق في محل البحث. وهو جيد. ومرجعه إلى المناقشة في ما ادعاه من شغل الذمة. ومع ذلك فإنه متى كان الصوم في الاخبار انما علق على قدر ما يجب إطعامه المسكين ، من نصف صاع كما في الصحيحة المذكورة ، أو مد كما تقدم في مرسلة ابن بكير ، أو ما هو أعم كما في صحيحة محمد بن مسلم ، فما كان أقل من ذلك فإنه لا يوجب صوما البتة. والظاهر ان تمثيله بربع الصاع بناء على ما قدمنا نقله عنهم من إيجابهم نصف صاع لكل مسكين ، وإلا فربع الصاع الذي هو عبارة عن مد ـ بناء على القول الآخر ـ يعدل يوما ، كما دلت عليه مرسلة ابن بكير والروايات المتقدمة.

الخامس ـ ظاهر كلام أصحاب القول الأول ـ كالشيخ وابن إدريس والمحقق والعلامة وغيرهم ـ انه لو نقصت قيمة البدنة عن إطعام الستين وانتقل فرضه الى الصوم ، فإنه يصوم عن كل نصف صاع يوما بالغا ما بلغ ان أوجبنا نصف الصاع لكل مسكين ، أو مدا كما في مرسلة ابن بكير ، لان الصوم في الاخبار متفرع على الصدقة ، فأي عدد حصل من قيمة البدنة بعد فض قيمتها على الطعام فإنه يجب الصدقة به ان وجد الطعام ، وإلا صام عوض إطعام كل مسكين يوما وعلى هذا كما يكون النقص في الصدقة عن الستين لو عجزت قيمة البدنة كذلك يكون النقص في الصوم.

وقرب العلامة في القواعد انه يصوم الستين كملا في الصورة المذكورة ونقله بعض الأصحاب أيضا عن ابن حمزة في الوسيلة. قال في الذخيرة : ووجهه غير واحد من الشارحين بان الواجب في الأصل هو إطعام الستين


وسقوط الزيادة عنه والعفو عن الناقص على تقديرهما في الإطعام لا يستلزم مثله في الصيام. وبان الكفارة في ذمته ستون ولا يخرج عن العهدة إلا بصوم الستين.

أقول : الذي وقفت عليه في شرح المحقق الشيخ علي على الكتاب المذكور ظاهر في ما قدمناه ، ولم يلم فيه بشي‌ء من هذه التوجيهات الركيكة ، حيث قال بعد قول المصنف : «والأقرب الصوم عن ستين وان نقص البدل» ما صورته : قد يومئ الى ذلك وجوب ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام ، ولا دلالة له صريحا لجواز ان يكون المراد البدل عن ما هو نهاية ما يجب من الإطعام ، وليس في الروايات صيام ستين بل صيام يوم عن نصف صاع. لكن الأحوط وجوب الستين. انتهى.

وأنت خبير بما في الاستناد في هذا الإيماء إلى وجوب ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام ، وذلك فإنك قد عرفت من ما قدمنا ان وجوب صيام الثمانية عشر يوما لم يقع في شي‌ء من روايات القول الأول وانما أخذوه من روايات القول الآخر ، وهو في تلك الروايات ترتب على وجوب الصدقة على ستين مسكينا ان وجد الطعام بلا زيادة ولا نقصان ، لا على ما أوجبه فض قيمة البدنة على الطعام كما قالوا به ، فالتعليل في وجوب الثمانية عشر بان كل ثلاثة أيام عن عشرة مساكين انما ترتب على هذه الستين التي لا يتطرق إليها النقصان بوجه ، لا تلك كما يوهمه كلامه (قدس‌سره).

السادس ـ لو تمكن من الزيادة على ثمانية عشر بعد عجزه عن


الستين صوما فهل تجب الزيادة أم لا؟ استشكل العلامة في القواعد قيل : ولعل منشأ الاشكال ، من ان العجز عن صوم الستين لا يقتضي سقوط المقدور منه ، ومن ان إيجاب العدد المخصوص في الرواية منوط بالعجز عن المجموع فلا تجب الزيادة عليه.

أقول : لا يخفى ان هذا الاشكال لا وجه له بالكلية. وما وجهوه به مبني على وجود الرواية بصوم الثمانية عشر يوما بعد تعذر صوم ستين يوما كما قالوا به ، وليس في الروايات له اثر كما قدمنا ذكره ، وانما الذي فيها هو صوم الثمانية عشر يوما بعد تعذر الصدقة على ستين مسكينا لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام ، كما تضمنته صحيحة معاوية ابن عمار المتقدمة ، والتعليل المذكور مؤذن بعدم الزيادة على الثمانية عشر. وبذلك يظهر لك انه لا معنى لقوله : «ان إيجاب العدد المخصوص في الرواية منوط بالعجز عن المجموع» فإنه لم يقع في شي‌ء من الروايات تعليق صوم الثمانية عشر على العجز عن صوم الستين يوما.

السابع ـ لو تجدد العجز عن صيام الستين يوما بعد صيام شهر ، فقيل بأنه يجب ان يصوم تسعة. وعلل بان العجز عن المجموع يوجب ثمانية عشر يوما ، فالعجز عن النصف يوجب التسعة التي هي نصف الثمانية عشر. وقواه في القواعد. ولا يخفى ما فيه ، فان ظاهر الخبر الوارد بصوم ثمانية عشر انما هو البدلية عن الصدقة على ستين مسكينا كما تقدم. ومع تسليم ما ذكره فالمتبادر منه انما هو البدلية عن المجموع. والقول بالتوزيع لو صح ـ كما ادعاه في الصورة المذكورة ـ لوجب بدل ما عجز عنه من الإطعام مع إطعام المقدور ، فلو قدر على إطعام ثلاثين مسكينا صام ثلاثين يوما عن الباقي ، مع انه لا قائل به منهم. واعراضهم عنه دليل على انهم انما فهموا من الخبر المذكور


هو ما أشرنا اليه.

وقيل بوجوب صوم ما قدر عليه. وتوجيهه ان الرواية الواردة بصوم الثمانية عشر على تقديرها منزلة على العجز الحاصل قبل الشروع كما هو المعتاد ، فيكون محل البحث من ما لا نص فيه ، فيلزم القدر المقدور ، لعدم سقوط الميسور بالمعسور (1) ولقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «إذا أمرتكم بشي‌ء فاتوا منه ما استطعتم» (2).

وبه يظهر ما في كلام المحقق الشيخ علي في الشرح في هذا المقام حيث قال : واما الثاني ـ وأشار به الى القول المذكور ـ فلا يظهر له وجه ، فان الحديث لا يتناوله ، اعني قوله : «إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم» (3) إذ لو تناوله لوجب مقدوره وان زاد على ثمانية عشر ، وهو ينافي كونها بدلا من الستين الذي دلت عليه الروايات. انتهى. فان كلامه مبني على شمول العجز لما بعد الشروع.

ثم انه لا يخفى ما في قوله : «الذي دلت عليه الروايات» فإنه ليس في شي‌ء من الروايات ان الثمانية عشر بدل من ستين يوما كما عرفت.

وقيل بالسقوط ، لتحقق العجز عن المجموع وحصول البدل في ضمن المتقدم من الثلاثين التي صامها ، كما يظهر من ابنه في الشرح ، حيث بناه على ان المكلف إذا علم انتفاء شرط التكليف قبل دخول وقته لا يحسن منه التكليف ، وان المكلف والحال ما ذكر لا يجوز

__________________

(1) عوائد النراقي ص 88 ، وعناوين مير فتاح ص 146 عن عوالي اللئالي عن علي (عليه‌السلام).

(2 و 3) صحيح مسلم ج 1 ص 513 ، والنسائي ج 2 ص 1.


تكليفه بالستين وان ظن ذلك ظاهرا ، بل إنما عليه ثمانية عشر يوما وقد صامها في ضمن ثلاثين.

وقيل عليه انه يشكل على أصله انه ان تم ما ذكره من القاعدة الأصولية أمكن منع الاجزاء عن الثمانية عشر ، لأنه حينئذ إنما اتى بالصوم على انه من جملة الستين التي هي الواجب الثالث لا انه البدل الذي هو ثمانية عشر ، ومن اتى بعبادة ظانا وجوبها بسبب ثم تبين وجوب بعضها خاصة بسبب آخر ففي إجزائها نظر.

أقول : ويعضده انه لو تم ما ذكره للزم صحة صلاة من صلى في السفر تماما ، لوجود صلاة القصر الواجبة عليه في ضمنها وان لم يقصدها. وصحة صلاة من صلى الظهر خمسا ساهيا ، لوجود الأربع في ضمنها بل ينبغي ان يكون هذا أولى بالصحة ، لأنه قصد الأربع في أول دخوله في الصلاة وذلك لم يقصد الثمانية عشر بالكلية. وهو لا يقول بذلك.

وبالجملة فإن المسألة لخلوها من النص موضع اشكال ، والركون الى هذه التخريجات لا يخلو من المجازفة في لاحكام الشرعية.

الثامن ـ اختلف الأصحاب في هذه الكفارة في النعامة وما بعدها هل هي مخيرة أو مرتبة؟ فذهب الأكثر ـ ومنهم : الشيخ في النهاية والمبسوط ، والشيخ المفيد ، وابن ابي عقيل ، وابن بابويه ، والشهيد في الدروس ، والمرتضى ، وغيرهم ـ إلى أنها مرتبة ، ونسبه في المبسوط إلى أصحابنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، بعد اعترافه بان ظاهر القرآن (1) يدل على التخيير. وظاهر العلامة في جملة من كتبه القول بأنها

__________________

(1) سورة المائدة ، الآية 95.


مخيرة ، وبه صرح في المنتهى والتذكرة ، ونقله في المختلف عن ابن إدريس ونقل عنه انه نسبه ايضا الى الشيخ في الجمل والخلاف.

ويدل على الأول الاخبار المتقدمة كصحيحة محمد بن مسلم وزرارة وصحيحة ابي عبيدة ، وصحيحة معاوية بن عمار ، ورواية أبي بصير (1) فان الجميع قد اشترك في الدلالة على ان الانتقال إلى المرتبة الثانية مرتب على عدم القدرة على الاولى ، وكذا من الثانية إلى الثالثة.

ويدل على الثاني ظاهر الآية وهو قوله (عزوجل) (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (2) المؤكد بقول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة حريز (3) : «وكل شي‌ء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكل شي‌ء في القرآن «فمن لم يجد فعليه كذا» فالأول بالخيار». ورواية عبد الله بن سنان المتقدم نقلها عن تفسير العياشي (4).

والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، والاحتياط في العمل بالترتيب والقول بالتخيير لظاهر الآية فيه قوة ظاهرة. ويمكن إرجاع روايات الترتيب إليها بالحمل على أفضلية المتقدم ، فالترتيب انما هو من حيث الفضل والاستحباب.

ثم انهم اختلفوا هنا أيضا في وجوب التتابع وعدمه ، فالمنقول عن الشيخ المفيد والمرتضى وسلار : الأول ، وعن الشيخ انه صرح بان

__________________

(1) ص 174 و 178 و 180.

(2) سورة المائدة ، الآية 95.

(3) الفروع ج 4 ص 358 ، والتهذيب ج 5 ص 333 ، والوسائل الباب 14 من بقية كفارات الإحرام.

(4) ص 179.


جراء الصيد لا يجب فيه التتابع. وهو الأظهر ، عملا بإطلاق الآية (1) والروايات المتقدمة.

ويدل عليه ايضا ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن سليمان ابن جعفر الجعفري (2) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أيقضيها متفرقة؟ قال : لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان ، انما الصيام الذي لا يفرق صوم كفارة الظهار وكفارة الدم وكفارة اليمين».

الفرد الثاني ـ بقرة الوحش وحماره ، والمشهور بين الأصحاب ان في قتل كل واحد منهما بقرة أهلية. ويدل عليه ما تقدم من صحيحة حريز (3) وقوله (عليه‌السلام) فيها تفسيرا لقوله (عزوجل) (مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (4) قال : «في حمار وحش بقرة. وفي البقرة بقرة ،. ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «قلت : فإن أصاب بقرة أو حمار وحش ، ما عليه؟ قال : عليه بقرة». ورواية أبي الصباح المتقدمة (6) وذهب الصدوق الى ان الواجب في الحمار بدنة. ونقله في المختلف عن الشيخين. ويدل عليه ما تقدم من صحيحة يعقوب بن شعيب ، وصحيحة سليمان بن خالد ، ورواية أبي بصير ورواية الجواد (عليه‌السلام) (7) وعن ابن الجنيد انه خير في فداء

__________________

(1 و 4) سورة المائدة ، الآية 95.

(2) الفقيه ج 2 ص 95 ، والفروع ج 4 ص 120 ، والوسائل الباب 26 من أحكام شهر رمضان.

(3) ص 173 و 174.

(5) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.

(6) 176.

(7) 174 و 180.


الحمار بين البدنة والبقرة. والظاهر انه جعله وجه جمع بين الاخبار المذكورة. وهو جيد.

ثم انه مع تعذر الفداء المذكور بقرة كان أو بدنة ، فإنه يرجع الحكم فيه الى ما تقدم في مسألة قتل النعامة ، والخلاف الذي تقدم ، فالمشهور انه يفض الثمن على البر ويطعم ثلاثين مسكينا لكل مسكين نصف صاع ، وما زاد فهو له ، وما نقص فليس عليه إتمامه ، ثم الصوم عن كل نصف صاع يوما مع تعذر الإطعام ، ثم صوم تسعة أيام مع تعذر ما قبله. وهذا هو مدلول صحيحة ابي عبيدة المتقدمة (1) وقوله (عليه‌السلام) فيها : «إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد ، قوم جزاؤه من النعم دراهم ثم قومت الدراهم طعاما لكل مسكين نصف صاع ، فان لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما». وهو متناول بإطلاقه للبدنة والبقرة. واما ان الواجب الفض على ثلاثين في ما لو كان الواجب فيهما بقرة فيدل عليه إطلاق صحيحة أبي عبيدة المذكورة. واما انه لا يجب الإكمال مع النقصان فلإطلاق الاجتزاء بالقيمة في الصحيحة المشار إليها.

وقال العلامة في المنتهى : ولو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش وبقرته قوم ثمنها بدراهم وفضه على الحنطة ، واطعم كل مسكين نصف صاع ، ولا يجب عليه ما زاد على إطعام ثلاثين مسكينا ، ولا إتمام ما نقص عنه ، عند علمائنا اجمع.

ونقل في المختلف هنا عن ابي الصلاح ما تقدم نقله عنه في النعامة من الصدقة بالقيمة ثم الفض. وعن الشيخ المفيد والشيخ علي بن الحسين

__________________

(1) ص 178.


ابن بابويه كما في النعامة من قولهم بالانتقال إلى الإطعام بعد تعذر الفدية ثم الصوم ، من غير تعرض للتقويم والفض.

وعليه تدل صحيحة معاوية بن عمار (1) وقوله (عليه‌السلام) فيها بعد ذكر ما تقدم منها : «ومن كان عليه شي‌ء من الصيد فداؤه بقرة فان لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا ، فان لم يجد فليصم تسعة أيام».

ورواية أبي بصير التي تقدم انها صحيحة برواية صاحب الفقيه (2) وفيها : «وسألته عن محرم أصاب بقرة. قال : عليه بقرة. قلت : فان لم يقدر على بقرة؟ قال : فليطعم ثلاثين مسكينا. قلت : فان لم يقدر على ان يتصدق؟ قال : فليصم تسعة أيام».

وفي كتاب الفقه الرضوي (3) : «وان كان الصيد بقرة أو حمار وحش فعليك بقرة ، فان لم تقدر أطعمت ثلاثين مسكينا ، فان لم تقدر صمت تسعة أيام».

وفي حديث الجواد (عليه‌السلام) المتقدم ذكره برواية صاحب كتاب تحف العقول (4) : «فان كان بقرة فعليه بقرة ، فان لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكينا ، فان لم يقدر فليصم تسعة أيام».

والخلاف في التخيير بين الأبدال والترتيب كما تقدم في مسألة النعامة. وكذا الخلاف في الإطعام مدين أو مدا كما تقدم فتوى ورواية.

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.

(2) ج 2 ص 233 ، والوسائل الباب 2 من كفارات الصيد ، في ذيل رقم 3.

(3) ص 29.

(4) الوسائل الباب 3 من كفارات الصيد.


وكذا في صغير البقر وحمار الوحش من الصغير في الفداء أيضا أو الكبير عين ما سلف.

الفرد الثالث ـ الظبي والثعلب والأرنب ، فاما الضبي ففي قتله شاة من غير خلاف يعرف. ثم مع تعذر الشاة فالمشهور ـ كما تقدم في النعامة وحمار الوحش وبقرته ـ انه يفض ثمن الشاة على البر ويتصدق به على عشرة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع ، وما فضل فهو له وما أعوز فلا شي‌ء عليه. ومع تعذر البر يصوم عن كل مسكين يوما ومع تعذر الصوم كذلك يصوم ثلاثة أيام. وعن الشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، والصدوق في المقنع ، وسلار ، وابن ابي عقيل ، والشيخ علي بن بابويه : انه مع العجز عن الشاة ينتقل إلى الإطعام ، ومع تعذره الى صيام ثلاثة أيام. وهو جاز على نحو ما تقدم نقله عنهم في المسألتين الأولتين.

ويدل على الأول ما عرفت من إطلاق صحيحة ابي عبيدة.

وعلى الثاني قوله (عليه‌السلام) ـ في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، زيادة على ما قدمنا نقله منها (1) ـ : «ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام».

وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير بنقل الشيخ (2) التي هي صحيحة بنقل صاحب الفقيه (3) : «قلت : فإن أصاب ظبيا ما عليه؟ قال : عليه شاة. قلت : فان لم يجد شاة؟ قال : فعليه إطعام عشرة مساكين. قلت : فان لم يقدر على ما يتصدق به؟ قال : فعليه صيام ثلاثة أيام».

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 343 ، والوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.

(2) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد رقم 10.

(3) ج 2 ص 233.


وفي كتاب الفقه الرضوي (1) : «وان كان الصيد ظبيا فعليك دم شاة ، فان لم تقدر أطعمت عشرة مساكين ، فان لم تقدر صمت ثلاثة أيام».

وفي حديث الجواد (عليه‌السلام) المتقدم ذكره برواية صاحب تحف العقول (2) : «وان كان ظبيا فعليه شاة ، فان لم يقدر فليطعم عشرة مساكين ، فان لم يجد فليصم ثلاثة أيام. الحديث».

قال في المدارك ـ بعد قول المصنف : «في قتل الظبي شاة ، ومع العجز يقوم الشاة ويفض ثمنها على البر ، ويتصدق به لكل مسكين مدين ، ولا يلزمه ما زاد» ـ ما صورته : لا خلاف في لزوم الشاة بقتل الظبي والانتقال مع العجز الى فض ثمنها على البر والتصدق به. وقد تقدم من الاخبار ما يدل عليه. ويدل على عدم لزوم إطعام ما زاد عن العشرة إذا زادت قيمة الشاة عن ذلك قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار (3) : «ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد صام ثلاثة أيام». انتهى.

أقول : الظاهر ان كلامه (قدس‌سره) هنا لا يخلو من سهو وغفلة ، لما عرفت آنفا من ان الانتقال ـ مع العجز عن البدنة في النعامة وعن البقرة في حمار الوحش وبقرته ، وعن الشاة في الظبي ـ إلى فض القيمة على البر ليس مجمعا عليه في موضع من المواضع الثلاثة وانما

__________________

(1) ص 29.

(2) الوسائل الباب 3 من كفارات الصيد.

(3) التهذيب ج 5 ص 343 ، والوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.


هو محل الخلاف ، نعم المشهور ذلك كما أوضحناه في ما سبق في كل من المواضع الثلاثة ، فإن مقتضى القول الثالث انما هو الانتقال إلى إطعام ستين مسكينا في النعامة ، وثلاثين في حمار الوحش وبقرته ، وعشرة في الضبي ، من غير ملاحظة قيمة ولا فض ثمن على البر. وبذلك يظهر ايضا ما في قوله : «ويدل على عدم لزوم إطعام ما زاد عن العشرة إذا زادت قيمة الشاة عن ذلك قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار ...» ، فان هذه الرواية إنما دلت في المواضع الثلاثة منها على القول الآخر ، وهو الانتقال من الفداء بعد تعذره إلى الإطعام ، ولا ذكر للفض فيها بالكلية. ومجرد اشتراك القولين في إطعام العدد المذكور في المواضع الثلاثة لا يستلزم حمل أحدهما على الآخر ، والاستدلال بروايات أحدهما على الآخر ، لظهور الفرق كما قدمنا الإشارة اليه ، وذلك لانه على القول الأول من فض قيمة الفداء بعد تعذره على الحنطة ، فالواجب إخراج نصف صاع على المشهور ـ أو مد على القول الآخر ـ لكل واحد من العدد المعتبر في تلك المسألة فلو نقص البر عن الإتيان على العدد كفى ولم يجب عليه الزيادة على ذلك. واما على القول الآخر فلا بد من العدد تاما ، إذ لا مدخل للفض فيه بالكلية. فكيف يدعى أولا عدم الخلاف في الانتقال مع العجز الى فض ثمنها على البر والتصدق به ، وينظم صحيحة معاوية بن عمار في سلك هذا النظام؟

وعن ابي الصلاح هنا مثل ما تقدم في المسألتين السابقتين ، قال : ان كان ظبيا أو ثعلبا أو أرنبا فعليه شاة ، فان لم يجد فقيمتها ، فان لم يجد صام عن كل نصف صاع من قيمتها يوما. الى آخره.


واما الثعلب والأرنب فإنه لا خلاف في ان في قتل كل منهما شاة.

وعليه تدل جملة من الاخبار : منها ـ صحيحة الحلبي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأرنب يصيبه المحرم. فقال : شاة ، هديا بالغ الكعبة».

وصحيحة أحمد بن محمد (2) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن محرم أصاب أرنبا أو ثعلبا. فقال : في الأرنب دم شاة».

ورواية أبي بصير (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل قتل ثعلبا. قال : عليه دم. قلت : فأرنبا؟ قال : مثل ما في الثعلب».

وفي كتاب الفقه الرضوي (4) : «وفي الثعلب والأرنب دم شاة».

إنما الخلاف في مساواتهما للظبي في الأبدال من الطعام والصيام ، فقال الشيخان والمرتضى وابن إدريس بالمساواة ، وعن ابن الجنيد وابن ابي عقيل والشيخ علي بن بابويه : انهم اقتصروا على الشاة ولم يتعرضوا لإبدالها.

واختار في المدارك القول الأول ، واحتج عليه بقوله (عليه‌السلام) في صحيحة أبي عبيدة (5) : «إذا أصاب المحرم الصيد ولم يجد ما يكفر

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 4 من كفارات الصيد.

(2) الفقيه ج 2 ص 233 ، والتهذيب ج 5 ص 343 ، والوسائل الباب 4 من كفارات الصيد رقم 1 و 3.

(4) ص 29.

(5) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.


من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم». فان الجزاء متناول للجميع.

وفي صحيحة معاوية بن عمار (1) : «ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام». وهي متناولة للجميع أيضا.

أقول : ويؤيد ذلك أيضا صحيحة محمد بن مسلم (2) وقوله فيها : «سألته عن قوله تعالى (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (3) قال : عدل الهدى ما بلغ يتصدق به ، فان لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ ، لكل طعام مسكين يوما».

ونحو ذلك رواية عبد الله بن سنان المتقدم نقلها من تفسير العياشي ورواية الزهري (4).

إلا انه يمكن ان يقال : ان الأمر في ما دلت عليه هذه الروايات وان كان كذلك ، لدخول هذا الفرد تحت إطلاقها ، إلا ان ورود روايات الثعلب والأرنب على تعددها خالية من الدلالة على الأبدال ، بل الإشارة إليه بوجه ـ مع اشتمال روايات الأفراد المتقدمة على ذلك ـ من ما يوجب نوع اشكال في الحكم ، ولا سيما كتاب الفقه الرضوي ، كما قدمنا من عبائره في كل فرد من النعامة وحمار الوحش وبقرته والظبي ، فإنه ذكر الإبدال في كل منها ، وفي هذا المكان لم

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 343 ، والوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.

(2) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.

(3) سورة المائدة ، الآية 95.

(4) ص 179.


يتعرض له بالكلية كما نقلناه هنا. وعلى هذا اعتمد الشيخ علي بن بابويه في ما نقل عنه هنا ، فإنه ـ كما عرفت في غير موضع من ما تقدم ـ انما يفتي بعبارة الكتاب المذكور.

والى ما ذكرنا يميل كلام المحقق في الشرائع ، حيث قال : وفي الثعلب والأرنب شاة ، وهو المروي. وقيل : فيه ما في الظبي.

واختاره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، فقال بعد نقل العبارة المذكورة : القائل بإلحاقه بالظبي الشيخ وجماعة ، ومستندهم فيه غير واضح ، وأخبارهما على الخصوص انما دلت على وجوب الشاة ولم تتعرض إلى الأبدال ، فعلى الأول ـ وهو الأقوى ـ يجب مع العجز عن الشاة إطعام عشرة مساكين ، فان لم يجد صام ثلاثة أيام ، لصحيحة معاوية بن عمار بوجوب ذلك في كل شاة لا نص في بدلها. وذهب بعض الأصحاب ـ تفريعا على القول الأول ـ إلى انه مع العجز عن الشاة يستغفر الله ولا شي‌ء عليه. والرواية العامة تدفعه. والفرق بين مدلول الرواية وبين إلحاقهما بالظبي يظهر في ما لو نقصت قيمة الشاة عن إطعام عشرة مساكين ، فعلى الإلحاق يقتصر على القيمة وعلى الرواية يجب إطعام العشرة. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه يتوجه عليه ان رواية ابي عبيدة المتضمنة للاقتصار على التصدق بقيمة الجزاء متناولة للجميع فلا وجه لتسليم الحكم في الظبي ومنعه هنا. مع ان اللازم من ما ذكره زيادة فداء الثعلب عن فداء الظبي. وهو بعيد. انتهى. وهو جيد.

ولا يخفى ان مقتضى الوقوف على ظاهر روايات الثعلب والأرنب


من إيجاب الشاة فيهما والسكوت عن ما عداها ـ هو ما نقله في المسالك عن بعض الأصحاب من انه مع العجز عن الشاة يستغفر الله (تعالى) ولا شي‌ء عليه. وهذا هو الظاهر من كلام أولئك القائلين بوجوب الشاة والسكوت عن ما عداها. وبذلك يظهر ان المسألة لا تخلو من شوب الاشكال. والاحتياط في العمل بالقول الأول.

الفرد الرابع ـ كسر بيض النعام ، وقد اختلفت كلمة الأصحاب في هذا الباب واضطربت اي اضطراب.

فقال الشيخ (رحمه‌الله) : إذا كسر المحرم بيض النعام اعتبر ، فان كان قد تحرك فيه الفرخ فعليه عن كل بيضة بكارة من الإبل ، وان لم يكن تحرك فعليه ان يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد البيض فما خرج كان هديا لبيت الله (تعالى) ، فان لم يقدر على ذلك كان عليه عن كل بيضة شاة ، فان لم يقدر على ذلك كان عليه إطعام عشرة مساكين ، فان لم يقدر على ذلك صام ثلاثة أيام. وهذا هو المشهور سيما بين المتأخرين.

وقال الشيخ المفيد : إذا كسر المحرم بيض نعام فعليه ان يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما كسر ، فما نتج كان هديا لبيت الله (تعالى) فان لم يجد ذلك فعليه لكل بيضة دم شاة ، فان لم يجد فإطعام عن كل بيضة عشرة مساكين ، فان لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة أيام. وكذا قال السيد المرتضى.

وقال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه : فإن أكلت بيض نعامة فعليك دم شاة ، وكذلك ان وطئتها ، فإن وطئتها ، وكان فيها فرخ يتحرك فعليك ان ترسل فحولة من الإبل على الإناث بقدر عدد البيض ، فما نتج منها


فهو هدى لبيت الله (تعالى).

وقال ابنه في المقنع (1) : فإذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض ، فان لم يجد شاة فعليه صيام ثلاثة أيام ، فان لم يقدر فإطعام عشرة مساكين ، فإذا وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم ، فعليه ان يرسل الفحل من الإبل على قدر عدد البيض ، فما لقح وسلم حتى ينتج كان النتاج هديا بالغ الكعبة.

وكذا روى في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) إلا انه قال في الخبر : وإذا وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم وفيها أفراخ تتحرك ، فعليه ان يرسل فحولة من البدن. الى آخر كلامه.

وقال سلار : ومن كسر بيض نعام كان عليه الإرسال ، فان لم يكن له إبل فعليه لكل بيضة شاة.

وقال أبو الصلاح : ان تحرك فيه الفرخ فلكل بيضة فصيل ، وان لم يتحرك فإرسال فحولة الإبل ، فان لم يكن له إبل فلكل بيضة شاة.

وقال ابن البراج : ان تحرك الفرخ فبدنة عن كل بيضة ، وان لم يتحرك أرسل.

وقال ابن حمزة : ان تحرك الفرخ لزمه ما خض من الإبل ، وان لم يتحرك أرسل الفحولة ، فإن عجز فعن كل بيضة شاة ، فإن عجز تصدق على عشرة مساكين ، فان عجز صام ثلاثة أيام.

وقال ابن إدريس : فإن تحرك الفرخ فعن كل بيضة من صغار

__________________

(1) ص 21.

(2) ج 2 ص 233 و 234 ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض) والوسائل الباب 10 و 11 من كفارات الصيد.


الإبل. وروى : بكارة من الإبل. وليست هي الأنثى بل هي جمع بكر. فوجب عن كل بيضة واحد من هذا الجمع. وان لم يتحرك أرسل الفحولة ، فإن عجز فعن كل بيضة شاة ، فإن عجز فعن كل بيضة إطعام عشرة مساكين ، فان عجز فعن كل بيضة صيام ثلاثة أيام.

أقول : وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك ، حيث انه بعد نقل عبارة المحقق ـ المطابقة لمذهب الشيخ ، الذي قدمنا نقله عنه ، المشتملة على وجوب بكارة من الإبل ان تحرك فيه الفرخ والإرسال قبل التحرك ـ ادعى ان هذا الحكم في كل من المسألتين مجمع عليه بين الأصحاب. والحال كما ترى.

والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (1) قال : «سألت أخي (عليه‌السلام) عن رجل كسر بيض نعام وفي البيض فراخ قد تحرك. فقال : عليه لكل فرخ تحرك بعير ينحره في المنحر».

وما رواه الصدوق في الفقيه (2) عن محمد بن الفضيل قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل قتل حمامة. ثم ساق الخبر الى ان قال نقلا عنه (عليه‌السلام) : وإذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض ، فان لم يجد شاة فعليه صيام ثلاثة أيام ، فان لم يقدر فإطعام عشرة مساكين. وإذا وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم وفيها أفراخ تتحرك ، فعليه ان يرسل فحولة من

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 355 ، والوسائل الباب 24 من كفارات الصيد.

(2) ج 2 ص 233 و 234 ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض) والوسائل الباب 10 و 11 من كفارات الصيد.


البدن على الإناث بقدر عدد البيض ، فما لقح وسلم حتى ينتج فهو هدي لبيت الله الحرام ، فان لم ينتج شيئا فليس عليه شي‌ء».

وما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن سليمان بن خالد (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : في كتاب علي (صلوات الله عليه): في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم ، مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «في كتاب علي (صلوات الله عليه) : في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام».

وعن سليمان بن خالد (3) قال : «سألته عن رجل وطئ بيض قطاة فشدخه. قال : يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل. ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم».

وعن ابي الصباح الكناني في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) في حديث انه قال «في رجل وطئ بيض نعام ففدغها وهو محرم. فقال : قضى فيه علي (عليه‌السلام) ان يرسل الفحل على مثل عدد البيض من الإبل ، فما لقح وسلم حتى ينتج كان النتاج هديا بالغ الكعبة».

__________________

(1) الوسائل الباب 24 من كفارات الصيد.

(2) الوسائل الباب 24 و 25 من كفارات الصيد.

(3) الوسائل الباب 25 من كفارات الصيد.

(4) الفروع ج 4 ص 389 ، والوسائل الباب 23 من كفارات الصيد.


وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي الصباح ايضا (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرم وطئ بيض نعام فشدخها قال : قضى فيها أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ان يرسل الفحل. الحديث المتقدم ، وزاد فيه : وقال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): ما وطئته أو وطئه بعيرك أو دابتك وأنت محرم ، فعليك فداؤه».

وروى الشيخ مرسلا (2) ـ ومثله الشيخ المفيد في كتاب المقنعة (3) ـ انه روى : «ان رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (صلوات الله عليه وعلى أولاده) فقال له : يا أمير المؤمنين اني خرجت محرما ، فوطئت ناقتي بيض نعام فكسرته ، فهل علي كفارة؟ فقال له : امض فاسأل ابني الحسن (عليه‌السلام) عنها ـ وكان بحيث يسمع كلامه ـ فتقدم اليه الرجل فسأله ، فقال له الحسن (عليه‌السلام) : يجب عليك ان ترسل فحولة الإبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما نتج فهو هدي لبيت الله (تعالى). فقال له أمير المؤمنين (عليه‌السلام): يا بني كيف قلت ذلك وأنت تعلم ان الإبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق؟ فقال : يا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) والبيض ربما أمرق أو كان فيه ما يمرق. فتبسم أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وقال له : صدقت يا بني. ثم تلا (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)» (4).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 355 ، والوسائل الباب 23 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 354 ، والوسائل الباب 23 من كفارات الصيد.

(3) الوسائل الباب 23 من كفارات الصيد.

(4) سورة آل عمران ، الآية 34.


السلام) (1) قال : «من أصاب بيض نعام وهو محرم فعليه ان يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإبل ، فإنه ربما فسد كله وربما خلق كله ، وربما صلح بعضه وفسد بعضه ، فما نتجت الإبل فهديا بالغ الكعبة».

وما رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن رجل أصاب بيض نعام وهو محرم. قال : يرسل الفحل في الإبل على عدد البيض. قلت : فان البيض يفسد كله ويصلح كله؟ قال : ما ينتج من الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وان لم ينتج فليس عليه شي‌ء. فمن لم يجد إبلا فعليه لكل بيضة شاة ، فان لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكل مسكين مد ، فان لم يقدر فصيام ثلاثة أيام».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «في بيضة النعام شاة ، فان لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، فمن لم يستطع فكفارته إطعام عشرة مساكين إذا اصابه وهو محرم».

وفي كتاب الفقه الرضوي (4) بعد ذكر النعامة : «فإن أكلت بيضها فعليك دم شاة ، وكذلك ان وطئتها ، فإن وطئتها وكان فيها فرخ يتحرك فعليك ان ترسل فحولة من البدن على عددها من الإناث بقدر عدد البيض ، فما نتج منها فهو هدي لبيت الله تعالى».

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 23 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 387 ، والوسائل الباب 23 من كفارات الصيد.

(4) ص 29 ، ومستدرك الوسائل الباب 18 من كفارات الصيد.


وهذه عين عبارة الشيخ علي بن بابويه المتقدمة ، ومنها يعلم ان مستنده في ما ذكره هو هذا الكتاب ، كما قدمنا نظير ذلك في غير موضع.

هذا ما وقفت عليه من الاخبار الجارية في هذا المضمار ، ولا يخفى ما فيها من التصادم والاختلاف الذي نشأ منه هذا التشاجر والخلاف.

وقد استدل من اختار مذهب الشيخ (رحمه‌الله تعالى) وهو المشهور من هذه الأقوال ـ على ما ذكره من وجوب البكارة من الإبل على من أصاب البيض وقد تحرك فيه الفراخ ـ بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة ، وهي صريحة في ذلك ، وحمل عليها صحيحة سليمان بن خالد الدالة على انه في بيض القطاة بكارة من الغنم ، كما في بيض النعام بكارة من الإبل ، بحملها على ما إذا تحرك فيها الفرخ جمعا. وهو جيد إلا ان رواية محمد بن الفضيل قد صرحت بأنه إذا وطئ بيض نعام فكسرها وفيها أفراخ تتحرك ، فعليه الإرسال دون البكارة التي صرحوا بها في هذه الصورة. ومثلها عبارة كتاب الفقه الرضوي التي قد افتى بها الشيخ علي بن الحسين بن بابويه. والجمع بينهما وبين صحيحة علي ابن جعفر مشكل كما ترى. نعم من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث له ان يردهما بضعف السند ، وعدم مقاومتهما للصحيحة المذكورة ، واما من لا يعمل عليه فيشكل الحكم عنده في ذلك.

واستدلوا ايضا على الحكم الثاني ـ وهو انه قبل التحرك يرسل فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض ـ بصحيحة الحلبي وصحيحتي أبي الصباح والمرسلة المروية عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بحملها على ما إذا لم يكن فيها أفراخ تتحرك كما هو ظاهرها. وهو جيد. إلا انه بالنظر الى روايتي محمد بن الفضيل وكتاب الفقه الدالتين على


الإرسال في صورة تحرك الإفراخ يمكن تقييد إطلاق هذه الروايات بذلك وان كان خلاف ظاهرها.

واستدلوا على الأحكام الباقية ـ وهي انه مع العجز عن الإرسال فعليه عن كل بيضة شاة ، فإن عجز فعن كل بيضة إطعام عشرة مساكين فان عجز فعن كل بيضة صيام ثلاثة أيام ـ برواية علي بن أبي حمزة المتقدمة. واعتذر جملة من متصلي أصحاب هذا الاصطلاح عن ضعفها باتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها.

وفي الاستدلال بهذه الرواية على الحكم المذكور اشكال من وجهين :

أحدهما ـ دلالة رواية أبي بصير التي بعد رواية علي بن أبي حمزة على ان الواجب في كسر بيض النعامة شاة لا إرسال الفحولة. ومثلها رواية محمد بن الفضيل ، وعبارة كتاب الفقه الرضوي ، حيث انهما (عليهما‌السلام) في الأخيرتين خصا الإرسال بما إذا كان في البيضة فرخ يتحرك ، ومع عدم ذلك أوجبا الشاة ، والأولى دالة على ذلك بإطلاقها ، ويمكن تقييدها برواية علي بن أبي حمزة المذكورة. إلا ان الروايتين الأخيرتين لا يمكن فيهما ذلك لتخصيص الإرسال بصورة تحرك الفرخ.

وثانيهما ـ دلالة رواية أبي بصير ومحمد بن الفضيل على انه بعد تعذر الشاة فعليه صيام ثلاثة أيام ، ومع العجز فإطعام عشرة مساكين وهو خلاف ما صرحوا به من تقديم الطعام على الصوم ، كما دلت عليه رواية علي بن أبي حمزة.

وربما جمع بين الاخبار هنا بالحمل على اختلاف الناس في القدرة والعجز بالنسبة إلى الأمرين المذكورين ، فمنهم من يقدر على الإطعام


دون الصيام ، ومنهم بالعكس. واستظهر المحدث الكاشاني ان في الكلام تقديما وتأخيرا ، ولعله وقع سهوا من الراوي. قال : فإن الإطعام ابدا مقدم. وهو جيد.

وبالجملة فما ذكروه لما عرفت لا يخلو من الاشكال.

واما ما نقل عن الشيخ المفيد والمرتضى فيدل عليه ظاهر صحيحة الحلبي ، وصحيحة أبي الصباح (1). وإطلاق كلام القائلين المذكورين ـ وكذا إطلاق هذه الروايات ـ يقتضي وجوب الإرسال ، وجد فيها فرخ يتحرك أو لم يوجد. إلا انه يرد عليهما ان صحيحة علي بن جعفر (2) دلت على وجوب البعير في الفرخ الذي يتحرك ، فيجب تقييد ما ذكروه بها. وكيف كان فإنه يشكل ذلك بروايتي محمد بن الفضيل (3) وكتاب الفقه (4) الظاهرتين في انه مع تحرك الفرخ الإرسال. واما ما نقل عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه فقد عرفت ان مستنده عبارة كتاب الفقه الرضوي.

واما باقي الأقوال المذكورة فبعضها يرجع الى ما قدمنا نقله من الأقوال ، وبعضها شاذ لا دليل عليه.

وينبغي التنبيه على فوائد تتعلق بالمقام :

الاولى ـ صرح العلامة في المنتهى والمختلف ـ والظاهر انه المشهور ـ بان قدر ما يطعم كل مسكين مد ، وعليه دلت رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة (5).

الثانية ـ قطع العلامة (قدس‌سره) في المنتهى بأنه لو كسر بيضة فيها فرخ ميت لم يلزمه شي‌ء. وكذا لو كانت البيضة فاسدة. وكذا

__________________

(1) ص 204 و 205.

(2 و 3) ص 203.

(4 و 5) ص 206.


لو كسرها فخرج منها فرخ فعاش. قال : ولو مات كان فيه ما في صغير النعام.

الثالثة ـ قطع العلامة وغيره بان الاعتبار في الإرسال بعدد البيض بالإناث ، فيجب لكل بيضة أنثى وان كان الذكر واحدا ، وعليه تدل ظواهر الأخبار المتقدمة. قال في المدارك : ولا يكفي مجرد الإرسال حتى يشاهد كل واحدة قد طرقت بالفحل. ويشترط صلاحية الإناث للحمل. انتهى.

الرابعة ـ المستفاد من صحيحة أبي الصباح الثانية انه لا فرق بين ان يكسره بنفسه أو بدابته. وبه قال الأصحاب أيضا.

الخامسة ـ ليس في الاخبار ولا كلام الأصحاب تعيين لمصرف هذا الهدي ، قال في المدارك : والظاهر ان مصرفه مساكين الحرم ، كما في مطلق جزاء الصيد. مع إطلاق الهدي عليه في الآية الشريفة (1) قال : وجزم الشارح في الروضة بالتخيير بين صرفه في مصالح الكعبة ومعونة الحاج ، كغيره من أموال الكعبة. انتهى. والمسألة محل توقف.

السادسة ـ إطلاق الأخبار المتقدمة يقتضي صرف النتاج هديا إلى الكعبة من حين نتاجه ، ولا يجب تربيته الى ان يكبر.

الفرد الخامس ـ بيض القطا والقبج ، وقد اختلف فيه كلام الأصحاب ، فقال الشيخ : إذا أصاب المحرم بيض القطا أو القبج فعليه ان يعتبر حال البيض ، فان كان قد تحرك فيها فرخ كان عليه عن كل بيضة مخاض من الغنم ، وان لم يكن تحرك فيها شي‌ء كان عليه ان يرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فما نتج كان هديا لبيت الله (عزوجل) فان لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام سواء. وقد تبعه جل

__________________

(1) سورة المائدة ، الآية 95.


من تأخر عنه على ذلك. إلا انهم اختلفوا في المعنى المراد من قوله : «فان لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام سواء» فجملة منهم ـ كابن إدريس وغيره ـ حملوه على وجوب الشاة ، ومع العجز فالصدقة على عشرة مساكين ، ومع العجز فصيام ثلاثة أيام : وجملة منهم ـ كالعلامة في مطولاته ـ جعل وجه الشبه هو الانتقال إلى الإطعام ثم الصوم ، مستندين الى ان الشاة إنما تجب مع تحرك الفرخ لا غير ، بل لا تجب شاة كاملة بل صغيرة ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه؟

ونقل عن الشيخ المفيد انه قال : فان كسر بيض القطا والقبج وما أشبههما أرسل فحولة الغنم في إناثها ، وكان ما ينتج هديا لبيت الله (تعالى) ، فان لم يجد فعليه لكل بيضة دم شاة ، فان لم يجد اطعم عن كل بيضة عشرة مساكين ، فان لم يجد صام عن كل بيضة ثلاثة أيام.

وقال الشيخ علي بن بابويه : في بيض القطا إذا أصابه قيمته ، فإن وطئتها وفيها فراخ تتحرك فعليك ان ترسل الذكران من المعز على عددها من الإناث على قدر عدد البيض ، فما نتج فهو هدي لبيت الله (تعالى).

وقال ابنه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه : فان وطئ بيض قطاة فشدخه فعليه ان يرسل الفحل من الغنم في عدد البيض كما أرسل الفحل من الإبل في عدد البيض وقال سلار : وفي كسر بيض القطاة إرسال ذكور الغنم في إناثها وجعل ما ينتج هديا.

وقال أبو الصلاح : ولبيض القبج والدراج إرسال فحولة الغنم على إناثها ، فما نتج كان هديا.

وقال ابن البراج : فإن أصاب بيض حجلة أو حمامة وقد تحرك الفرخ فشاة ، وان لم يكن قد تحرك أرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض فما نتج كان هديا لبيت الله (تعالى).


وقال ابن حمزة : ان تحرك الفرخ في بيض القطاة والقبح فعن كل بيضة ما خض من الغنم ، وان لم يتحرك أرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فالناتج هدي ، فإن عجز تصدق عن كل بيضة قطاة بدرهم.

وقال ابن إدريس : ان تحرك الفرخ في بيض القطا أو القبج أو الدراج فعن كل بيضة مخاض من الغنم ، اي ما يصح ان يكون ما خضا ، ولا نريد به الحامل ، وان لم يكن قد تحرك كان عليه ان يرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فما نتج كان هديا لبيت الله (تعالى) ، فان لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام. هكذا أورده شيخنا في نهايته ، وقد وردت بذلك اخبار ، ومعناه ان النعام إذا كسر بيضه فتعذر إرسال الغنم وجب في كل بيضة شاة ، والقطا إذا كسر بيضة فتعذر إرسال الغنم وجب في كل بيضة شاة. فهذا وجه المشابهة بينهما ، فصار حكمه حكمه. ولا يمنع ذلك إذا قام الدليل عليه. انتهى.

وقال المحقق في الشرائع : في كسر بيض القطا والقبج إذا تحرك الفرخ من صغار الغنم. وقيل : عن البيضة مخاض من الغنم. واليه مال السيد في المدارك.

أقول : هذا ما وقفت عليه من أقوالهم في المسألة المذكورة.

واما الاخبار المتعلقة بها فمنها ـ ما تقدم من صحيحة سليمان بن خالد (1) وقوله (عليه‌السلام) فيها : «في كتاب على (صلوات الله عليه وعلى أولاده) : في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم ، مثل ما في بيض النعام بكارة من الإبل».

__________________

(1) الوسائل الباب 24 من كفارات الصيد.


وصحيحته الثانية (1) وفيها : «في بيض القطاة كفارة مثل ما في بيض النعام».

وروايته الثالثة (2) الدالة على انه إذا وطئ بيض قطاة فشدخه يرسل الفحل في عدد البيض من الغنم كما يرسل الفحل في عدد البيض من الإبل. ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم.

وصحيحته الرابعة مع منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قالا : «سألناه عن محرم وطئ بيض القطاة فشدخه. فقال : يرسل الفحل في مثل عدة البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في عدة البيض من الإبل».

وما رواه الشيخ عن ابن رباط عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قالا : «سألته عن بيض القطاة. قال : يصنع فيه في الغنم كما يصنع في بيض النعام في الإبل».

وفي تتمة رواية محمد بن الفضيل المتقدمة (5) : «وان وطئ بيض قطاة فشدخه فعليه ان يرسل فحولة من الغنم على عددها من الإناث بقدر عدد البيض ، فما سلم فهو هدي لبيت الله الحرام».

وفي كتاب الفقه الرضوي (6) بعد ذكر القطاة وان فيها حملا قد

__________________

(1) الوسائل الباب 24 و 25 من كفارات الصيد.

(2) الوسائل الباب 25 من كفارات الصيد.

(3 و 4) التهذيب ج 5 ص 356 ، والوسائل الباب 25 من كفارات الصيد.

(5) الفقيه ج 2 ص 234 ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض).

(6) ص 29.


فطم من اللبن ورعى من الشجر : «وفي بيضة إذا أصبته قيمته ، فإن وطئتها وفيها فرخ يتحرك فعليك إن ترسل الذكران من المعز على عددها من الإناث على قدر عدد البيض ، فما نتج فهو هدي لبيت الله الحرام».

هذا ما وقفت عليه من اخبار المسألة ، والكلام يقع فيها في مواضع :

الأول ـ لا يخفى ان هذه الاخبار كلها إنما تضمنت حكم بيض القطاة ، وعبارات الأصحاب المتقدمة ، ما بين مصرح بإضافة القبج الى القطاة ، وما بين ما أضيف إليهما «ما أشبههما» ، وما بين من اقتصر على القطاة ، وما بين من لم يذكر القطاة وانما ذكر القبج والدراج وما بين من ذكر القطاة والدراج. ولا يخفى ما في التعدي عن موضع النصوص من الإشكال ، إلا ان يكون لهم دليل لم نقف عليه ، وهم اعرف بما صاروا اليه :

الثاني ـ لا يخفى ان ما ذكره الشيخ ومن تبعه ـ من انه ان كان في البيضة فرخ قد تحرك فالواجب مخاض من الغنم ، وإلا كان عليه الإرسال ـ لا دلالة في شي‌ء من هذه النصوص عليه ، وانما استدلوا عليه تبعا للشيخ (رحمه‌الله) بحمل ما دل على ان في بيض القطاة بكارة من الغنم ـ كصحيحة سليمان بن خالد الاولى ، ومثلها قوله في آخر روايته الثالثة : «ومن أصاب بيضة فعليه مخاض من الغنم» ـ على ان ذلك مع تحرك الفرخ في البيضة ، وما دل على الإرسال بالحمل على ما إذا لم يتحرك ، حسبما ذكروه في بيض النعام.

واختار المحدث الكاشاني في الوافي الجمع بين الاخبار المذكورة بحمل ما دل على وجوب البكارة أو المخاض على الإصابة باليد والأكل


تعمدا. ويشير اليه لفظ الإصابة كما في قوله في رواية أبان بن تغلب (1) : «في قوم حجاج محرمين أصابوا أفراخ نعام فأكلوا جميعا». وحمل ما دل على الإرسال على الوطء ، كما في جملة من الاخبار. وجعل هذا وجه جمع بين اخبار بيض النعام وبيض القطاة.

أقول : ويؤيده ما تقدم من الإشكال في مسألة بيض النعام ، فإن جملة من الاخبار قد دلت على الإرسال مع تحرك الفرخ الذي أوجبوا فيه بكارة من الإبل ، عملا بصحيحة على بن جعفر (2) فيمكن هنا ان يقال ايضا بوجوب الإرسال مع الوطء ، تحرك الفرخ فيه أم لا ، ويجعل وجوب الشاة في تعمد الأكل. ويعضد ذلك عبارة كتاب الفقه الرضوي وتصريحها بالإرسال مع التحرك في هذه المسألة ، وانه مع عدم التحرك ليس إلا القيمة.

وبالجملة فإنهم قد بنوا الكلام في هذه المسألة على ما ذكروه في مسألة بيض النعام ، نظرا الى تشبيههم (عليهم‌السلام) هذه المسألة في غير خبر من هذه الاخبار بمسألة بيض النعام. وهو جيد لو كان ما ذكروه في بيض النعام خاليا من الاشكال ، والأمر ليس كذلك كما عرفت.

الثالث ـ ما ذكره الشيخ (رحمه‌الله) ومن تبعه ـ من وجوب المخاض من الغنم ـ فهو مدلول رواية سليمان بن خالد الثالثة.

والمحقق في الشرائع قد صرح هنا بان الفداء من صغار الغنم.

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 236 ، والتهذيب ج 5 ص 353 ، والوسائل الباب 2 و 18 من كفارات الصيد.

(2) ص 203.


والظاهر انه اعتمد على صحيحة سليمان بن خالد وقوله (عليه‌السلام) فيها : «في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المحرم» والبكرة ـ على ما في القاموس ـ الفتية من الإبل. وقال في المصباح المنير : والبكر بالفتح الفتى من الإبل ، والبكرة الأنثى ، والجمع بكار ، مثل كلبة وكلاب ، وقد يقال بكارة مثل حجارة. انتهى.

والى ذلك مال السيد السند في المدارك لقوة الخبر المذكور ، وضعف الرواية التي اعتمد عليها الشيخ ، مع ما فيها من الإشكال أيضا بأنه إذا كان الواجب في القطاة حملا فطيما فكيف يكون في بيضها ما خض؟ فيزيد حكم البيض على البائض. وهذا الاشكال منتف على ما اختاره ، إذ غاية ما يلزم تساوى الصغير والكبير في الفداء.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) جيد بناء على أصله المعتمد عليه عنده ، واما بناء على القول بصحة جميع الاخبار ـ كما هو مذهب الشيخ وأمثاله من المتقدمين ـ فيمكن القول بالتخيير في المسألة بين الماخض والبكرة ، ولا يلتفت الى ما ذكره من الإشكال ، فإنه مجرد استبعاد عقلي في مقابلة النص. وملاحظة التفاوت بين البائض والبيض يقتضي منع المساواة أيضا وان يكون فداء البائض زائدا على فداء البيض وما فيه ، مع انه لا يقول به.

الرابع ـ قد استشكل العلامة في جملة من كتبه وجوب الشاة بعد تعذر الإرسال ـ كما صرح به ابن إدريس والشيخ المفيد ـ مستندا الى ما قدمنا نقله عنه ، وحمل عبارة الشيخ على التشبيه في وجوب الإطعام والصيام خاصة. وابن إدريس في عبارته المتقدمة قد ادعى ورود الأخبار بالشاة في هذا الموضع ، ولم نقف عليها. وكيف كان فوجوب الإطعام والصيام هنا ايضا ـ كما صرحوا به ـ لا اعرف له مستندا ، فإن غاية ما يفهم من الاخبار المتقدمة هو وجوب البكارة من الغنم أو


المخاض في إصابة البيض كما في بعض ، ووجوب الإرسال في وطء البيض كما في الاخبار الأخر ، واما انه مع تعذر الإرسال فله مرتبة اخرى ـ من وجوب الشاة وما بعدها ، أو الإطعام ثم الصيام ـ فلا يفهم منها بوجه. واستفادة ذلك من التشبيه الموجب للإلحاق ببيض النعام في ذلك غير مسلم ، ولا مفهوم منها بوجه ، فان بعضا منها صريح في التخصيص بالإرسال ، وبعضا في وجوب البكارة ، وما أطلق ـ وهو صحيحة سليمان بن خالد الثانية ـ لا دلالة فيها على أزيد من ان في بيض القطاة كفارة كما في بيض النعام. وهو لا يقتضي ما ادعوه ، إذ غاية ما يدل عليه هو تشبيه أصل الكفارة بأصل الكفارة لا تشبيه الكيفية بالكيفية ، فان المشابهة لا تقتضي المساواة من كل وجه ، ويكفي في المماثلة وجوب الكفارة المذكورة في هذه الاخبار من البكارة أو المخاض أو الإرسال.

وبالجملة فالمسألة على غاية من الاشكال. وأولياؤه العالمون بحقيقة الحال.

الخامس ـ قد عرفت ان ما ذهب اليه الشيخ علي بن الحسين بن بابويه فإنما اعتمد فيه على الفقه الرضوي ، كما عرفت من أخذه عبارة الكتاب والإفتاء بها على عادته التي عرفت في غير مقام من ما تقدم. واما ما ذكره ابنه في المقنع والفقيه فهو مضمون صحيحة سليمان بن خالد الرابعة (1) ومثله كلام سلار وابي الصلاح. وظاهر كلامهم ـ كما هو ظاهر إطلاق الرواية ـ لا يخلو من إجمال. ومثله كلام الشيخ المفيد (قدس‌سره) فإنه يحتمل الحمل على ما هو أعم من ان يكون في البيضة فرخ قد تحرك أم لا. ويحتمل تخصيصه بالبيضة وقوفا على ظاهر

__________________

(1) ص 213.


خصوص اللفظ ، ويكون حكم الفرخ الذي في البيضة غير مذكور في كلامهم. واما ما ذكره ابن حمزة ـ من وجوب الماخض مع تحرك الفرخ وإلا فالارسال ـ فإنه قد تبع فيه الشيخ ، إلا انه انفرد عنه بالرجوع إلى القيمة مع تعذر الإرسال. والظاهر ان وجهه ما قدمناه من خلو الاخبار عن التعرض لهذه المرتبة ، فيرجع فيه الى القيمة المعلومة من العمومات الشاملة لمثل هذه المسألة. ولذا قال العلامة في المختلف بعد الكلام في المسألة. وما أحسن قول ابن حمزة لو ساعده النقل. وفيه إشارة إلى الطعن عليه بعدم وجود الدليل على وجوب القيمة. ولعل مستنده في ذلك ما أشرنا إليه.

النوع الثاني ـ ما لا بدل له على الخصوص ، وينقسم ايضا الى خمسة أقسام :

(الأول) الحمام ، وقيل : انه اسم لكل طائر يهدر ويعب الماء. ومعنى «يهدر» يواتر صوته. ومعنى «يعب الماء» بالعين المهملة أي يشربه من غير مص ولا يأخذه بمنقاره قطرة قطرة كالدجاج والعصافير. ونسب هذا القول في المدارك الى الشيخ وجمع من الأصحاب ، قال : ولم أقف عليه في ما وصل إلينا من كلام أهل اللغة. وقيل : هو كل مطوق. قال في المدارك : وهو موجود في كلام الجوهري وصاحب القاموس.

أقول : قال في القاموس : والحمام كسحاب : طائر بري لا يألف البيوت ، أو كل ذي طوق ، وتقع واحدته على المذكر والمؤنث.

وقال في كتاب المصباح المنير : والحمام عند العرب كل ذي طوق من الفواخت ، والقماري ، وساق حر ، والقطا ، والدواجن ، والوراشين ، وأشباه ذلك ، الواحدة حمامة ، ويقع على الذكر والأنثى ، فيقال : حمامة ذكر


وحمامة أنثى. والعامة تخص الحمام بالدواجن ، وكان الكسائي يقول : الحمام هو البري واليمام هو الذي يألف البيوت. وقال الأصمعي : اليمام : حمام الوحش ، وهو ضرب من طير الصحراء. انتهى.

وقال في كتاب مجمع البحرين : وقال الجوهري : الحمام عند العرب ذوات الأطواق ، كالفواخت ، والقماري بضم القاف وتشديد الياء ، وساق حر ، والقطا بالفتح ، والوراشين ، وأشباه ذلك. ونقل عن الأصمعي ان كل ذي طوق فهو حمام. والمراد بالطوق الخضرة أو الحمرة أو السواد المحيط بعنق الحمامة. وعن الأزهري عن الشافعي : ان الحمام كل ما عب وهدر وان تفرقت أسماؤه. انتهى.

أقول : وبهذه الأفراد المذكورة ودخولها تحت لفظ الحمام صرح العلامة في المنتهى والتذكرة وغيره ، ولا يخلو من اشكال.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ بعد اختيار تعريف الحمام بأنها ذات الطوق ، وان جميع هذه الأفراد المذكورة داخلة تحت ذلك ـ ما صورته : وعلى كل حال فلا بد من إخراج القطا والحجل من التعريف ، لان لهما كفارة معينة غير كفارة الحمام ، مع مشاركتهما له في التعريف. انتهى.

أقول : ما ذكره متجه بالنسبة إلى القطا ، واما الحجل فإنه وان ذكره بعضهم كما تقدم ، إلا انك قد عرفت ان الاخبار غير دالة إلا على القطا خاصة ، وان جميع ما أضافوه إليها لا دليل عليه.

وقال سبطه في المدارك بعد ذكر التعريفين المتقدمين : والذي تقتضيه القواعد وجوب الحمل على المعنى العرفي ان لم يثبت اللغوي. وصرح العلامة في المنتهى بدخول الفواخت والوراشين والقمري والدبسي


والقطا في الحمام. وهو مشكل. انتهى.

أقول : فيه (أولا) : انك قد عرفت في غير موضع من ما تقدم ان هذه القواعد التي تقتضي الحمل على المعنى العرفي في أمثال هذه المواضع لا أصل لها في الدين ، ولا مستند لها عن سادات المسلمين ، وانما هي مجرد اصطلاحات أصولية وتخريجات فضولية ، لأن العرف لا انضباط له في حد ولا نهاية له في عد ، فلكل إقليم عرف يعمل اهله عليه ، ومن ذا الذي يدعى الاطلاع أو يمكنه تعرف عرف جميع الناس في جميع أقطار العالم ، والأحكام الشرعية أمور مضبوطة معينة لا تغير فيها ، فكيف تناط بالعرف الذي هو على ما عرفت؟

و (ثانيا) : ان المستفاد من الاخبار ـ التي هي المرجع وعليها المعول في الإيراد والإصدار ـ هو انه يجب الرجوع في كل حكم حكم وجزئي جزئي إلى عرفهم (عليهم‌السلام) وما ورد عنهم (عليهم‌السلام) فان ثبت هناك شي‌ء وجب الأخذ به ، وإلا وجب الوقوف على ساحل الاحتياط.

و (ثالثا) : ان استشكاله في ما ذكره العلامة من هذه الافراد بعد قوله أولا : «ان الذي تقتضيه القواعد وجوب الحمل على المعنى العرفي ان لم يثبت اللغوي» ليس في محله ، لانه متى كان المعنى اللغوي يجب البناء عليه إذا ثبت ، والحال ان أهل اللغة كلهم صرحوا بان الحمام هو المطوق ، وهذه الافراد داخلة في التعريف ، مع تصريحهم بها على الخصوص كما سمعت ، فأي اشكال يلزم هنا؟ نعم الاشكال انما هو في القطا ، حيث عدوه هنا مع ان له حكما آخر كما تقدم ، فينبغي استثناؤه كما أشير إليه.


إذا عرفت ذلك فاعلم ان الواجب على المحرم في قتل الحمام شاة لكل حمامة ، والظاهر انه لا خلاف فيه ، بل قال في المنتهى : انه قول علمائنا اجمع.

ويدل عليه مضافا الى الاتفاق المذكور ـ روايات عديدة : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) انه قال : «في محرم ذبح طيرا : ان عليه دم شاة يهريقه فان كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن».

وما رواه الكليني والشيخ عن حريز في الحسن على المشهور والصحيح عندي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة ، وان قتل فراخه ففيه حمل ، وان وطئ البيض فعليه درهم».

وعن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم. فقال : عليه شاة. قلت : فان قتلها في جوف الحرم؟ قال : عليه شاة وقيمة الحمامة. قلت : فان قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : عليه ثمنها ، ليس عليه غيره. قلت : فمن قتل فرخا من فراخ الحمام وهو محرم؟ قال : عليه حمل».

وعن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال :

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 9 من كفارات الصيد.

(3) التهذيب ج 5 ص 347 ، والوسائل الباب 9 و 10 و 11 من كفارات الصيد.

(4) التهذيب ج 5 ص 347 ، والوسائل الباب 9 من كفارات الصيد.


«سمعته يقول في حمام مكة الأهلي غير حمام الحرم : من ذبح منه طيرا وهو غير محرم فعليه ان يتصدق ، وان كان محرما فشاة عن كل طير». وروى الكليني في الموثق عن ابي بصير نحوه (1) إلا ان فيه : «فعليه ان يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه».

وما رواه الكليني عن ابي الصباح الكناني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «في الحمامة وأشباهها إذا قتلها المحرم شاة ، وان كان فراخا فعدلها من الحملان».

ولو قتل فرخا من فروخ الحمام فعليه حمل ، وهو بالتحريك من أولاد الضأن ما له أربعة أشهر فصاعدا ، على ما فسره جماعة من الأصحاب.

وفي المصباح المنير : والحمل بفتحتين : ولد الضأن في السنة الاولى والجمع حملان. وفي كتاب مجمع البحرين : والحمل محركة : الخروف إذا بلغ ستة أشهر. وقيل : هو ولد الضأن الجذع فما دونه ، والجمع حملان وأحمال. وفي القاموس : الحمل محركة : الخروف أو الجذع من أولاد الضأن فما دونه. ولا يخفى ما بين هذه الأقوال من التصادم والأخذ بالأحوط ـ وهو ما وقع اتفاق كلام الكل عليه ـ من ما لا ينبغي تركه.

ويدل على وجوب الحمل هنا ما تقدم من صحيحة حريز أو حسنته وموثقة أبي بصير ، ورواية أبي الصباح.

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من كفارات الصيد رقم 5. والراوي هو (عبد الله ابن سنان).

(2) الفروع ج 4 ص 389 ، والوسائل الباب 9 من كفارات الصيد.


وما رواه الكليني عن ابي بصير (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل قتل فرخا وهو محرم في غير الحرم. فقال : عليه حمل وليس عليه قيمته ، لانه ليس في الحرم».

وتدل عليه صحيحة زرارة ورواية أبي بصير الآتيتان في مسألة اجتماع الفداء والقيمة على المحرم في الحرم (2).

وذهب بعض الأصحاب إلى الاكتفاء هنا بالجدي ، لصحيحة عبد الله ابن سنان المتقدمة. ولا بأس به.

والجدي ـ على ما ذكره في المدارك وغيره ـ : من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر ، مثل الحمل في كلامهم من أولاد الضأن. وفي مجمع البحرين انه من أولاد المعز ما بلغ ستة أشهر إلى سبعة ، والجمع جداء وأجدي مثل دلاء وأدلي. وفي المصباح عن ابن الأنباري انه قال : الجدي هو الذكر من أولاد المعز والأنثى عناق. وقيده بعضهم بكونه في السنة الأولى. انتهى.

وفي بيض الحمام ان تحرك الفرخ فحمل وإلا فدرهم.

اما الحكم الأول فقد ذكره الشيخ وأكثر الأصحاب.

واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (3) قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) عن رجل كسر بيض الحمام وفي البيض فراخ قد تحرك. فقال : عليه ان يتصدق عن كل فرخ قد تحرك بشاة ، ويتصدق بلحومها ان كان محرما ، وان كان الفرخ

__________________

(2) 231.

(1) الفروع ج 4 ص 390 ، والوسائل الباب 9 من كفارات الصيد.

(3) التهذيب ج 5 ص 358 ، والوسائل الباب 9 و 26 من كفارات الصيد.


لم يتحرك تصدق بقيمته ورقا يشتري به علفا يطرحه لحمام الحرم». وأورد عليه ان الرواية تتضمن التصدق بشاة لا الحمل.

أقول : يمكن ان يستدل على وجوب الحمل هنا بما رواه في التهذيب عن يونس بن يعقوب (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض. فقال : ان كان أغلق عليها قبل ان يحرم ، فان عليه لكل طير درهما ، ولكل فرخ نصف درهم ، والبيض لكل بيضة ربع درهم ، وان كان أغلق عليها بعد ما أحرم ، فإن عليه لكل طائر شاة ، ولكل فرخ حملا وان لم يكن تحرك فدرهم ، وللبيض نصف درهم». ، فان ظاهرها ان الحمل في الفرخ سواء كان خارجا عن البيضة أو فيها مع حياته. إلا ان مورد الرواية هنا في الحرم.

واستدل الشيخ على ذلك ايضا بما رواه عن الحلبي عبيد الله في الصحيح (2) قال : «حرك الغلام مكتلا فكسر بيضتين في الحرم ، فسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال : جديان أو حملان». بحملها على ما إذا كان في البيض فرخ قد تحرك ، حسبما ورد في صحيحة عبد الله ابن سنان في الفرخ من التخيير بين الفردين.

وبالجملة فإن ما ذهب اليه الشيخ لا يخلو من قرب.

واما الحكم الثاني فتدل عليه رواية حريز المتقدمة ، وما رواه الشيخ في الصحيح عنه ايضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «وان وطئ

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 350 ، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 358 ، والوسائل الباب 26 من كفارات الصيد.

(3) التهذيب ج 5 ص 346 ، والوسائل الباب 9 من كفارات الصيد.


المحرم بيضة وكسرها فعليه درهم ، كل هذا يتصدق به بمكة ومنى ، وهو قول الله (تعالى) (تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ)» (1).

بقي الكلام في ان صحيحة علي بن جعفر دلت على ان عليه القيمة وبه افتى الشيخ (رحمه‌الله) ومن تبعه. والمستفاد من روايتي حريز المذكورتين ان عليه عن كل بيضة درهما. ولعل وجه الجمع ان تحمل على ان القيمة في ذلك الوقت درهم ، أو التخيير بين الأمرين. والأحوط التصدق بأكثر الأمرين كما ذكره في المنتهى.

وتنقيح البحث في المقام يتوقف على رسم مسائل :

الأولى ـ ينبغي ان يعلم ان ما ذكرناه من أحكام الحمام وفرخه وبيضه مخصوص بما إذا فعل ذلك محرما في الحل ، اما لو فعله المحل في الحرم ، فان عليه في كل حمامة درهم ، ولكل فرخ نصف درهم ، ولكل بيضة ربع درهم

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري ـ والكليني عنه بإسنادين ، أحدهما من الصحيح أو الحسن بإبراهيم ابن هاشم ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض ربع درهم».

وما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن الحجاج (3) قال : «قال

__________________

(1) سورة المائدة ، الآية 94.

(2) التهذيب ج 5 ص 345 ، والفروع ج 4 ص 234. والوسائل الباب 10 من كفارات الصيد.

(3) الوسائل الباب 10 من كفارات الصيد. والحديث للصدوق في الفقيه ج 2 ص 171 و 172.


أبو عبد الله (عليه‌السلام) : في قيمة الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض ربع درهم».

وما رواه الكليني في الصحيح عن صفوان عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (1) قال : «من أصاب طيرا في الحرم وهو محل فعليه القيمة ، والقيمة درهم يشتري به علفا لحمام الحرم».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن رجل اهدى له حمام أهلي جي‌ء به وهو في الحرم. فقال : ان هو أصاب منه شيئا فليتصدق بثمنه نحوا من ما كان يسوى في القيمة». ورواه الشيخ في التهذيب (3) وكذا الصدوق في الفقيه (4) إلا انه قال في آخره : «فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه».

وعن حماد بن عثمان (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): رجل أصاب طيرين : واحد من حمام الحرم والآخر من حمام غير الحرم؟ قال : يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا فيطعمه حمام الحرم ، ويتصدق بجزاء الآخر».

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 233 ، والوسائل الباب 10 و 22 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 232 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد ، والوافي باب (حكم صيد الحرم).

(3) ج 5 ص 347 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد ملحق رقم 3.

(4) ج 2 ص 168 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد رقم 3.

(5) الفروع ج 4 ص 390 و 391 ، والوسائل الباب 22 من كفارات الصيد.


وما رواه الشيخ والصدوق عن محمد بن الفضيل عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو غير محرم. قال : عليه قيمتها وهو درهم ، يتصدق به أو يشتري به طعاما لحمام الحرم. وان قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) : «في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات؟ قال : يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم (3) قال : «حدثني صاحب لنا ثقة ، قال : كنت أمشي في بعض طرق مكة فلقيني إنسان فقال لي : اذبح لنا هذين الطيرين. فذبحتهما ناسيا وانا حلال ، ثم سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال : عليك الثمن».

وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن فرخين مسرولين ذبحتهما وانا بمكة. فقال لي : لم ذبحتهما؟ فقلت : جاءتني بهما جارية من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما ، فظننت أني بالكوفة ولم اذكر اني

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 345 ، والفقيه ج 2 ص 167 ، والوسائل الباب 10 و 11 من كفارات الصيد.

(2) الفقيه ج 2 ص 167 ، والوسائل الباب 16 و 22 من كفارات الصيد.

(3) التهذيب ج 5 ص 346 ، والوسائل الباب 10 من كفارات الصيد.

(4) التهذيب ج 5 ص 346 ، والفقيه ج 2 ص 171 ، والفروع ج 4 ص 237 ، والوسائل الباب 10 من كفارات الصيد.


بالحرم. فقال : عليك قيمتهما. قلت : كم قيمتهما؟ قال : درهم ، وهو خير منهما» وفي رواية الشيخ : «خير من ثمنهما».

والمفهوم من ضم هذه الاخبار بعضها الى بعض ـ ونحوها من ما يأتي في المقام ايضا ان شاء الله (تعالى) ـ هو الاجتزاء بالدرهم مطلقا ، وان المراد بالقيمة في ما أطلق فيه القيمة هو الدرهم. واما الحمل على ان القيمة في ذلك الوقت كان درهما فالظاهر بعده. بل ربما أشعرت صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المذكورة بأن جعل القيمة درهما إنما هو نوع احتياط في القيمة ، وإلا فربما كانت انقص من ذلك ، كما يومي اليه قوله : «والدرهم خير منهما ، أو خير من ثمنهما» كما في الرواية الأخرى. ومن ما يومئ الى ذلك ايضا ما في صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «في حمام مكة ، قال : من ذبح طيرا منه وهو غير محرم فعليه ان يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه». فان الظاهر ان المراد بالصدقة هو الدرهم الذي قد ورد في هذه الاخبار ، الدال بعضها على انه خير منهما أو خير من ثمنهما.

وقال العلامة في المنتهى : ان الأحوط وجوب أكثر الأمرين من الدرهم والقيمة. قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو كذلك ، وان كان المتجه اعتبار القيمة مطلقا. أقول : بل الظاهر ان المتجه اعتبار الدرهم مطلقا ، حملا لمطلق الاخبار على مقيدها بالتقريب الذي ذكرناه.

ونقل عن المحقق الشيخ علي (رحمه‌الله) انه استشكل في اجزاء

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من كفارات الصيد رقم 5.


الدرهم مطلقا ، فقال : ان اجزاء الدرهم في الحمام مطلقا وان كان مملوكا في غاية الإشكال ، لأن المحل إذا قتل المملوك في غير الحرم تلزمه القيمة السوقية بالغة ما بلغت ، فكيف يجزئ الأنقص في الحرم؟ وأجاب عنه في المسالك ـ ونحوه في المدارك ـ بان هذا الاشكال انما يتجه إذا قلنا ان فداء المملوك لمالكه ، لكن سيأتي ـ ان شاء الله (تعالى) ـ ان الأظهر كون الفداء لله (تعالى) وللمالك القيمة السوقية ، فلا بعد في ان يجب لله (تعالى) في حمام الحرم أقل من القيمة مع وجوبها للمالك. انتهى. وهو جيد.

بقي هنا شي‌ء ، وهو انه قد روى الشيخ عن يزيد بن خليفة (1) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) وانا عنده ، فقال له رجل : ان غلامي طرح مكتلا في منزلي ، وفيه بيضتان من طير حمام الحرم. فقال : عليه قيمة البيضتين يعلف به حمام الحرم ، وقيمة البيضتين وقيمة الطير سواء».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن يزيد بن خليفة (2) قال : «كان في جانب بيتي مكتل كان فيه بيضتان من حمام الحرم ، فذهب الغلام يكب المكتل وهو لا يعلم ان فيه بيضتين ، فكسرهما ، فخرجت فلقيت عبد الله بن الحسن فذكرت ذلك له ، فقال : تصدق بكفين من دقيق. قال : ثم لقيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) بعد فأخبرته ، فقال : ثمن طيرين تطعم به حمام الحرم. فلقيت عبد الله بن الحسن فأخبرته فقال : صدق (عليه‌السلام) حدث به ، فإنما أخذه عن آبائه عليهم‌السلام».

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 357 ، والوسائل الباب 26 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 236 ، والتهذيب ج 5 ص 357 ، والوسائل الباب 26 من كفارات الصيد ، والوافي باب (حكم صيد الحرم).


وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبيد الله الحلبي (1) قال : «حرك الغلام مكتلا فكسر بيضتين في الحرم ، فسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال : جديان أو حملان».

وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ منافية لما تقدم في صحيحتي حفص بن البختري وعبد الرحمن بن الحجاج ، والجواب عنهما : اما عن صحيحة الحلبي فما تقدم من حمل الشيخ لها على ما إذا كان في البيض فرخ. واما الروايتان الأولتان فظاهرهما ان في البيضتين ما في الطير سواء ، وهو القيمة أو الدرهم. ولا اعلم بذلك قائلا ، مع مخالفتهما للأخبار الكثيرة من الدلالة على الفرق بين الطير والبيض ، وان ما في البيض من الجزاء أقل من ما في الطير. والكلام فيهما مرجأ الى قائلهما.

الثانية ـ لو فعله المحرم في الحرم اجتمع عليه الأمران المتقدمان فيجتمع عليه في قتل الحمامة الشاة والدرهم ، وفي قتل الفرخ الحمل ونصف الدرهم ، وفي البيضة درهم وربع ، وإنما اجتمعا عليه لانه هتك حرمة الإحرام والحرم معا ، فوجب عليه موجب كل منهما هذا هو المشهور.

ويدل عليه من الاخبار ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ان قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة ، وثمن الحمامة درهم أو شبهه ، يتصدق به أو يطعمه حمام مكة ، فإن قتلها في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها».

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 358 ، والوسائل الباب 26 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 395 ، والوسائل الباب 11 من كفارات الصيد.


وما تقدم في رواية محمد بن الفضيل (1) وقوله (عليه‌السلام) فيها : «وان قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة ، وقيمة الحمامة».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة الى ان يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه ، ويتصدق بمثل ثمنه أيضا ، فإن أصاب منه وهو حلال فعليه ان يتصدق بمثل ثمنه».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من الحرم. قال : فقال : عليه شاة. قلت : فان قتلها في جوف الحرم؟ قال : عليه شاة ، وقيمة الحمامة. قلت : فان قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال : عليه ثمنها ، ليس عليه غيره. قلت : فمن قتل فرخا من فراخ الحمام وهو محرم؟ قال : عليه حمل».

وما رواه الصدوق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) : «في رجل قتل طيرا من طيور الحرم وهو محرم في الحرم؟ فقال : عليه شاة ، وقيمة الحمامة درهم ، يعلف به حمام الحرم ، وان كان فرخا فعليه حمل ، وقيمة الفرخ نصف درهم ، يعلف به حمام الحرم».

ونقل عن ابن ابي عقيل ان من قتل حمامة في الحرم وهو محرم فعليه شاة. وعن ابن الجنيد ان المحرم في الحرم يجب عليه الفداء

__________________

(1) ص 227.

(2) الفقيه ج 2 ص 167 ، والوسائل الباب 11 من كفارات الصيد.

(3) التهذيب ج 5 ص 347 ، والوسائل الباب 9 و 10 و 11 من كفارات الصيد.

(4) الفقيه ج 2 ص 171 ، والوسائل الباب 11 من كفارات الصيد.


مضاعفا. وهو أحد قولي السيد المرتضى. وجعله أبو الصلاح رواية. والقول الآخر : يجب عليه الفداء والقيمة أو القيمة مضاعفة.

ويمكن ان يستدل لمن قال بوجوب مضاعفة الفداء بما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «ان أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك ، وان أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة ، وان أصبته وأنت حرام في الحل فإنما عليك فداء واحد».

وما رواه الشيخ في الموثق عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) في حديث قال : «وان أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا».

واحتمال حملهما على ما هو المشهور غير بعيد ، فان باب التجوز واسع ، وإطلاق الفداء على القيمة غير مستبعد. وبذلك يجمع بين هذين الخبرين المذكورين وما تقدم من الاخبار.

واما القولان الآخران فلم نقف لهما على دليل. بقي في المقام انه

قد روى في الكافي عن الحارث بن المغيرة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سئل عن رجل أكل بيض حمام الحرم وهو محرم. قال : عليه لكل بيضة دم ، وعليه ثمنها سدس أو ربع الدرهم ، الوهم من صالح (4) ثم قال : ان الدماء لزمته لا كله

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 395 ، والوسائل الباب 44 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 370 ، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد.

(3) الفروع ج 4 ص 395 ، والوسائل الباب 10 و 44 من كفارات الصيد.

(4) وهو صالح بن عقبة الذي يروي هذا الحديث عن الحارث بن المغيرة.


وهو محرم ، وان الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحرم». مع ان مقتضى ما تقدم ان في البيض في هذه الصورة درهما وربعا. ويمكن ان يقال : ان ما تقدم مخصوص بالإفساد والكسر ، كما هو ظاهر تلك الاخبار ، واما الأكل ففيه زيادة جزاء ، ولا يبعد زيادة الجزاء والفدية فيه ، كما يدل عليه قوله (عليه‌السلام) : «ان الدماء لزمته لا كله وهو محرم»

الثالثة ـ قد اختلف الأصحاب في حكم تضاعف الفدية والقيمة في الصيد للمحرم في الحرم ، فنقل العلامة في المختلف عن الشيخ في النهاية والمبسوط والتهذيب : القول بوجوب التضعيف ما لم يبلغ بدنة ، فإذا بلغ ذلك لم يجب عليه غير ذلك. وبه قال المحقق. ونقل عن ابن إدريس : القول بالتضاعف مطلقا ، قال : وباقي أصحابنا أطلق القول بالتضعيف.

احتج الشيخ بما رواه عن الحسن بن علي بن فضال عن رجل سماه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) «في الصيد يضاعفه ما بينه وبين البدنة ، فإذا بلغ البدنة فليس عليه التضعيف». وربما ردت الرواية بضعف السند. وفيه ان هذا لا يقوم حجة على الشيخ ونحوه ممن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح.

أقول : ويدل عليه ما رواه في الكافي بسند صحيح الى الحسن بن علي ـ والظاهر انه ابن فضال ـ عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «انما يكون الجزاء مضاعفا في ما دون البدنة حتى يبلغ البدنة ، فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف ، لأنه أعظم

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 372 ، والوسائل الباب 46 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 395 ، والوسائل الباب 46 من كفارات الصيد.


ما يكون ، قال الله (عزوجل) (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)» (1).

قال في المختلف : والأصل يناسب ما ذهب اليه الشيخ ، والاحتياط ما ذهب اليه ابن إدريس. وكذا عموم رواية معاوية بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (2) إلا ان في طريقها إبراهيم بن ابي سماك ، ولا يحضرني الآن حاله ، فان كان ثقة فالعمل بعموم الرواية ـ وهو قوله (عليه‌السلام) : «وان أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا» ـ اولى. انتهى.

أقول : قد تقدم ان معاوية بن عمار قد روى ما ذكره بالسند الذي أشار اليه ، ورواه ايضا بسند صحيح أو حسن لا يقصر عن الصحيح (3) إلا انه مطلق يجب تقييده بما ذكرناه من الروايتين الصريحتين في عدم التضعيف مع وصول الفدية إلى البدنة. نعم من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث فله ان يقف على عموم روايتي معاوية ابن عمار ، ويرد الخبرين المذكورين بضعف السند.

الرابعة ـ المستفاد من إطلاق عبارات جملة من الأصحاب في صورة ما إذا كسر بيضة وهو محل في الحرم ان عليه ربع القيمة ، سواء تحرك الفرخ فيها أم لا. وهو ظاهر إطلاق صحيحتي حفص بن البختري وعبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتين. وعلى هذا فالحكم بالحمل في صورة تحرك الفرخ مخصوص بالمحرم في الحل كما تقدم.

__________________

(1) سورة الحج ، الآية 34.

(2) الوسائل الباب 31 من كفارات الصيد رقم 5.

(3) الوسائل الباب 44 من كفارات الصيد رقم 5.


وظاهر عبارة المحقق في الشرائع العموم ، حيث قال : وفي بيضها إذا تحرك الفرخ حمل ، وقبل التحرك على المحرم درهم ، وعلى المحل ربع درهم ، ولو كان محرما في الحرم لزمه درهم وربع. ونحوه العلامة في المنتهى والقواعد. ومقتضى تفصيله قبل التحرك بين ما إذا كان محلا في الحرم أو محرما في الحل أو محرما في الحرم وإجماله بعد التحرك هو وجوب الحمل مع التحرك في الصور الثلاث.

والى ذلك مال في المدارك ، استنادا إلى إطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدمة ، وصحيحة الحلبي المتقدمة أيضا ، المتضمنة لكسر البيضتين في المكتل ، وامره (عليه‌السلام) بجديين أو حملين ، بحمل الرواية المذكورة على ما إذا كان في البيض فرخ قد تحرك ، كما قدمنا ذكره وموردها ـ كما هو ظاهرها ـ هو المحل في الحرم.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني ـ وقبله الشهيد في الدروس ـ ان حكم البيض بعد تحرك الفرخ تابع للفرخ. ومقتضاه اختصاص وجوب الحمل بما إذا أصاب البيض وقد تحرك فيه الفرخ وهو محرم في الحل ، فإنه في هذه الصورة لو أصاب الفرخ فإنه يجب عليه الحمل كما تقدم ، اما لو اصابه وهو محل في الحرم فليس عليه إلا نصف درهم ، الذي هو الواجب في الفرخ في الصورة المذكورة.

قال (قدس‌سره) في المسالك بعد ذكر عبارة المصنف المتقدم ذكرها : تفصيله حكم البيض قبل تحرك الفرخ بالحرم وغيره ، وإطلاق حكمه بعد التحرك ، يقتضي استواء الأقسام الثلاثة فيه. والحق ان ما ذكره حكم المحرم في الحل ، فلو كان محلا في الحرم فنصف درهم ويجتمع الأمران على المحرم في الحرم ، وبالجملة فحكمه حكم الفرخ. وممن صرح بذلك الشهيد في الدروس. انتهى.


وأنت خبير بان مقتضى ما دلت عليه عبارة المحقق واختاره في المدارك هو انه في صورة ما إذا أصاب المحل فرخا في الحرم ، فإنه ليس عليه إلا نصف الدرهم ، كما صرح به هو وغيره ، وهو مقتضى الصحيحتين المتقدمتين ، وفي هذه الصورة لو أصاب البيض وقد تحرك فيه الفرخ ، فان عليه حملا. وهو بظاهره من ما يدل على زيادة البيض الذي فيه فرخ على الفرخ بهذا المقدار من نصف الدرهم الى الحمل. وهو من ما يستبعد بحسب القواعد ، كما صرح به هو وغيره في ما تقدم من مسألة بيض القطاة إذا تحرك فيها الفرخ ، حيث أوجب الشيخ فيها مخاضا من الغنم ، فاستشكله هو وغيره بان القطاة إذا كان الجزاء فيها إنما هو حمل ، فكيف يكون الجزاء في بيضها شاة؟ فيكون الجزاء في البيض أكثر من الجزاء في البائض. والأمر هنا كذلك ، فإذا قام هذا الاستبعاد في تلك المسألة ـ مع وجود الرواية الصريحة بما ذكره الشيخ كما قدمناه ـ فهنا بطريق اولى.

والظاهر ان مستند الشهيدين في ما ذهبا اليه هو ان ما دلت عليه صحيحتا حفص وعبد الرحمن (1) ـ من ان في الفرخ نصف درهم ـ شامل للفرخ الذي تحرك في البيضة ، وربع الدرهم مختص بالبيضة الخالية من ذلك. وعلى هذا فيحمل إطلاق صحيحة علي بن جعفر (2) على الصورة الاولى ، وهو المحرم في الحل كما قدمناه. واما صحيحة الحلبي (3) فليس فيها تصريح ولا ظهور في كون البيض فيه فرخ قد تحرك ، وانما هذا تأويل من الشيخ (رحمه‌الله) فلا حجة فيها في التحقيق.

وبالجملة فإن المسألة لا تخلو من شوب الاشكال.

__________________

(1) ص 225.

(2) ص 223.

(3) ص 230.


الخامسة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحريم ذبح الحمام الأهلي ـ يعني : المملوك ـ في الحرم ، كما انه يحرم ذبح حمام الحرم الذي هو غير مملوك.

ويدل على ذلك جملة من الاخبار المتقدمة في مسألة تحريم ما ذبحه المحل في الحرم :

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن شهاب بن عبد ربه (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني أتسحّر بفراخ اوتى بها من غير مكة ، فتذبح في الحرم فأتسحر بها؟ فقال : بئس السحور سحورك ، اما علمت ان ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه؟».

وفي صحيحة معاوية بن عمار (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن طائر أهلي ادخل الحرم حيا. فقال : لا يمس ، لان الله (تعالى) يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)» (3).

الى غير ذلك من الاخبار المستفيضة المتقدم كثير منها ثمة.

وقد صرح المحقق الشيخ علي بأنه لا يتصور ملك الصيد في الحرم إلا في القماري والدباسي ، لجواز شرائهما وإخراجهما.

أقول : كلامه (قدس‌سره) هذا مبني على ما هو المشهور من عدم دخول الصيد ـ وان كان أهليا ـ في الملك إذا كان في الحرم ، كما قدمنا نقله عنهم ، واما على مذهب المحقق في النافع من دخوله في الملك

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 170 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد.

(2) الوسائل الباب 12 و 36 من كفارات الصيد عن التهذيب والفقيه.

(3) سورة آل عمران ، الآية 96.


وان وجب عليه إرساله فلا. ويأتي على المشهور انه لا يتصور وجود الحمام المملوك في الحرم ، وعلى مذهب المحقق في النافع انه يتصور الملك ولكن يجب عليه الإرسال. وما ذكره ـ من ثبوت الملك في القماري والدباسي من الجهة التي ذكرها ـ فقد بينا في ما سبق انه لا دليل على ذلك ، فيكون حكمهما حكم غيرهما من افراد الطير.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يستوي الحمام الأهلي والحرمي في القيمة ، قال في المنتهى : انا لا نعرف فيه خلافا إلا عن داود ، حيث قال : لاجزاء في صيد الحرم (1).

ويدل على ذلك جملة من الاخبار المتقدمة ، والمفهوم منها ان ما يجب عليه من القيمة في الحمام الحرمي يتخير بين الصدقة به وبين ان يشتري به علفا لحمام الحرم ، وأفضله القمح المفسر بالحنطة.

ومن الاخبار في ذلك صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ان قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة ، وثمن الحمامة درهم أو شبهه ، يتصدق به أو يطعمه حمام مكة».

ومن الاخبار زيادة على ما تقدم ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن زياد الواسطي (3) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن قوم أغلقوا الباب على حمام من حمام الحرم. فقال : عليهم قيمة كل طائر درهم ، يشتري به علفا لحمام الحرم».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4)

__________________

(1) المغني ج 3 ص 311 طبع مطبعة العاصمة.

(2) الفروع ج 4 ص 395 ، والوسائل الباب 11 من كفارات الصيد.

(3) التهذيب ج 5 ص 350 ، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد.

(4) الفقيه ج 2 ص 167 ، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد.


«في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات؟ قال : يتصدق بدرهم ، أو يطعم به حمام الحرم».

واما الحمام الأهلي فالصدقة ، روى حماد بن عثمان (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل أصاب طيرين : واحد من حمام الحرم ، والآخر من حمام غير الحرم؟ قال : يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحا ، فيطعمه حمام الحرم ، ويتصدق بجزاء الآخر».

قال في المدارك : والمراد بالقيمة هنا ما قابل الفداء ، وهي المقدرة في الاخبار بالدرهم ونصفه وربعه. قال : وذكر الشارح (قدس‌سره) ان المراد بالقيمة هنا ما يعم الدرهم والفداء. وهو غير واضح. انتهى وهو جيد. ثم قال في المدارك ايضا : ولو أتلف الحمام الأهلي المملوك بغير اذن مالكه اجتمع على متلفه القيمة لحمام الحرم ، وقيمة أخرى للمالك ، كما صرح به العلامة ومن تأخر عنه.

القسم الثاني ـ القطا والحجل والدراج ، وفي كل واحد منها حمل قد فطم ورعى ، وهو مذهب الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) لا يعرف فيه خلاف.

واستدل عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «وجدنا في كتاب علي (عليه‌السلام) : في القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللبن

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 390 ، والتهذيب ج 5 ص 353 ، والوسائل الباب 22 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 344 ، والوسائل الباب 5 من كفارات الصيد.


وأكل من الشجر».

وعن سليمان بن خالد عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «في كتاب على (عليه‌السلام) : من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظيرهن فعليه دم».

ويدل على ذلك ايضا ما رواه الكليني في الصحيح عن ابن ابي نصر عن المفضل بن صالح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا قتل المحرم قطاة فعليه حمل قد فطم من اللبن ورعى من الشجر».

وقيل عليه : ان الرواية الاولى ـ وكذا الثالثة ـ مختصة بالقطاة ، ومدلول الثانية أعم من المدعي.

أقول : الرواية الثانية وان كانت مجملة ، باعتبار الدم الذي هو أعم من الحمل وغيره ، إلا ان الروايتين الأخيرتين قد صرحتا بان الواجب في القطاة حمل بالوصف المذكور ، فيجب حمل الدم بالنسبة إلى القطا عليه ، وينسحب ذلك الى الفردين الأخيرين كما لا يخفى.

وذكر شيخنا الشهيد الثاني ان المراد بقوله : «قد فطم ورعى» انه قد آن وقت فطامه ورعيه وان لم يكونا قد حصلا بالفعل. وفيه انه خروج عن ظاهر النص بغير ضرورة تدعو الى ذلك.

قال في المدارك : وأورد هنا اشكال ، وهو ان في بيض كل واحدة من هذه بعد تحرك الفرخ مخاضا من الغنم ، وهي ما من شأنها أن تكون حاملا ، فكيف يجب في فرخ البيضة مخاض وفي الطائر حمل؟

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 390 ، والتهذيب ج 5 ص 344. والوسائل الباب 5 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 389 ، والوسائل الباب 5 من كفارات الصيد.


وأجاب عنه في الدروس : اما بحمل المخاض هنا على بنت المخاض وهو بعيد جدا. واما بالتزام وجوب ذلك في الطائر بطريق اولى.

وفيه اطراح للنص المتقدم. بل قيل ان فيه مخالفة للإجماع أيضا. واما بالتخيير بين الأمرين. وهو مشكل ايضا. والأجود اطراح الرواية المتضمنة لوجوب المخاض في الفرخ ، لضعفها ومعارضتها بما هو أصح منها إسنادا وأظهر دلالة ، والاكتفاء بالبكر من الغنم المتحقق بالصغير وغاية ما يلزم من ذلك مساواة الصغير والكبير في الفداء ، ولا محذور فيه. انتهى.

أقول : قد عرفت من ما قدمنا ان هذا الاشكال لازم له في ما ذهب اليه من إطلاق القول بوجوب الحمل في فرخ بيض الحمام إذا تحرك ولو بالنسبة إلى المحل في الحرم ، مع ان الواجب في الفرخ في هذه الصورة إنما هو نصف درهم كما عرفت ، فكيف يكون الواجب في الفرخ الكامل نصف درهم ، وفي الفرخ المتحرك في بيضة حمل ، وهو ماله أربعة أشهر من أولاد الضأن؟ مع انه لا رواية صريحة ثمة بوجوب الحمل في الفرخ المتحرك في الصورة المذكورة ، إلا ما يدعى من إطلاق صحيحة علي بن جعفر ، والرواية بالمخاض في المسألة التي ذكرها موجودة. ولا يبعد في هذا المقام ما نقله جده (قدس‌سره) في المسالك حيث قال في الجواب عن الاشكال المذكور : وقد أجيب أيضا بأن مبنى شرعنا على اختلاف المتماثلات واتفاق المختلفات ، فجاز ان يثبت في الصغير أزيد من ما يثبت في الكبير في بعض الموارد ، وفي بعض آخر بالعكس ، وان كان ذلك خلاف الغالب. انتهى. وبالجملة فإنه متى دل النص على حكم ولا معارض له فرده بمجرد هذه الاستبعادات مشكل.


القسم الثالث ـ القنفذ والضب واليربوع ، وفي قتل كل واحد منها جدي على المشهور بين أصحابنا المتأخرين (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) وعن الشيخين والسيد المرتضى وعلي بن بابويه وابن البراج وابن حمزة : أنهم ألحقوا بها في وجوب الجدي ما أشبهها. وعن ابي الصلاح : ان في الثلاثة المذكورة حملا قد فطم ورعى من الشجر.

احتج الشيخ في التهذيب ـ على ما نقله عن الشيخ المفيد من التعميم لما أشبه هذه الثلاثة ـ بما رواه في الحسن عن مسمع ـ ورواه ثقة الإسلام في الكافي ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «في اليربوع والقنفذ والضب إذا أصابه المحرم فعليه جدي ، والجدي خير منه ، وانما جعل عليه هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد». ومثله بطريق آخر (2) وفيه : «وإنما جعل عليه هذا كي ينكل عن صيد غيره».

قيل : وربما يتكلف في توجيه التعميم بأنه يجب في الصيد المثل ، ولما ثبت بهذه الرواية ان مثل هذه الثلاثة الجدي ـ بل هو خير منه ـ ثبت ذلك في ما أشبهه. ولا يخفى ما فيه من الوهن الذي لا يخفى على النبيه.

وقال في المدارك ـ بعد إيراد حسنة مسمع ووصفها بالصحة دليلا للثلاثة المذكورة ـ : ولم نقف لهذين القولين على مستند.

وفي كتاب الفقه الرضوي (3) : وفي اليربوع والقنفذ والضب جدي

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 344 ، والفروع ج 4 ص 364 و 387 ، والوسائل الباب 6 من كفارات الصيد.

(2) هذا اللفظ وارد في الكافي في كلا الموضعين ج 4 ص 364 و 387.

(3) ص 29.


والجدي خير منه.

القسم الرابع ـ العصفور والقنبرة ، وفي كل واحد منهما مد من طعام على المشهور.

واستدل عليه في التهذيب (1) بما رواه عن صفوان بن يحيى عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام): «في القنبرة والعصفور والصعوة يقتلها المحرم؟ قال : عليه مد من طعام لكل واحد».

والحق بها في التذكرة والمنتهى والدروس ما أشبهها ، ونسبه في الأولين إلى أكثر علمائنا.

ونقل عن الشيخ علي بن بابويه : ان في الطائر بجميع اقسامه دم شاة ما عدا النعامة فإن فيها جزورا.

ونقل عن ابن الجنيد : ان في القمري والعصفور وما جرى مجراهما قيمة ، وفي الحرم قيمتان.

قيل : ويدل على قول ابن بابويه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) انه قال : «في محرم ذبح طيرا : ان عليه دم شاة يهريقه ، فان كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن».

وأجاب في المختلف عن هذه الرواية ـ بعد نسبة الاحتجاج بها للشيخ علي بن بابويه ـ بان هذه الرواية عامة ، ورواية صفوان خاصة ، فتكون مقدمة. وصاحب المدارك ومن يحذو حذوه قد ردوا ذلك بان

__________________

(1) ج 5 ص 466 ، والفروع ج 4 ص 390 ، والوسائل الباب 7 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 346 ، والوسائل الباب 9 من كفارات الصيد.


هذا الحمل جيد لو تكافأ السندان.

أقول : ألحق ان الشيخ علي بن بابويه إنما استند في القول المذكور الى كتاب الفقه الرضوي ، الذي قد عرفت في ما تقدم أنه يفتي بعباراته ولكنها في بعض المواضع ـ لغرابة الحكم المذكور فيها ، وعدم الاطلاع على ما يساعدها من الاخبار ـ يردها المتأخرون بعدم وجود المستند. وعبارة الشيخ المشار إليه في رسالته على ما نقله في المختلف هكذا : وقال علي بن بابويه : وان كان الصيد يعقوبا أو حجلة أو بلبلة أو عصفورا أو شيئا من الطير ، فعليك دم شاة. واليعقوب : الذكر من القبج ، والحجلة : الأنثى. انتهى. وهو مضمون عبارة الكتاب المذكور بتغيير لا يضر بالمعنى. وعبارة الكتاب الذي عندي في هذا المكان لا تخلو من نوع غلط وسقط بين ، فإن النسخة كثيرة الغلط جدا ، إلا ان العبارة مأخوذة منه بلا ريب ، كما عرفت في غير موضع من ما تقدم.

وبالجملة فما ذكره العلامة ـ من تقديم العمل برواية صفوان وتخصيص صحيحة ابن سنان بها ـ جيد.

إلا انه قد روى الشيخ والكليني عن سليمان بن خالد (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ما في القمري والدبسي والسماني والعصفور والبلبل. قال : قيمته ، فإن اصابه وهو محرم فقيمتان ، ليس عليه فيه دم». ورواها في التهذيب (2) بطريق آخر وفيها

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 466 ، والفروع ج 4 ص 390 ، والوسائل الباب 44 من كفارات الصيد.

(2) ج 5 ص 371.


«الزنجي» مكان «الدبسي» وظاهر هذه الرواية الدلالة على ما ذهب اليه ابن الجنيد.

القسم الخامس ـ الجرادة والقملة والزنبور ، والكلام هنا يقع في مواضع ثلاثة :

الأول ـ الجرادة ، وفي قتلها كف من طعام ، وقيل تمرة ، وهو قول الشيخ في المبسوط. وقيل بالتخيير بين الأمرين. وفي الكثير دم شاة.

ويدل على الأول ما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن محرم قتل جرادة قال : كف من طعام ، وان كان كثيرا فعليه دم شاة».

وعلى الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) : «في محرم قتل جرادة؟ قال : يطعم تمرة ، وتمرة خير من جرادة».

وما رواه في الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قلت : ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم؟ قال : تمرة خير من جرادة».

وما رواه في الكافي عن حريز عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 393 ، والوسائل الباب 37 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 363 و 364 ، والوسائل الباب 37 من كفارات الصيد.

(3) التهذيب ج 5 ص 363 ، والوسائل الباب 37 من كفارات الصيد والراوي معاوية بن عمار كما في الوافي باب (صيد البحر للمحرم وصيد الجراد وكفارته).


السلام) (1) «في محرم قتل جرادة؟ قال : يطعم تمرة ، والتمرة خير من جرادة».

وجمع جملة من الأصحاب (رضى الله ـ تعالى ـ عنهم) بين الاخبار المذكورة بالتخيير ، وهو الوجه في القول الثالث.

واما ما يدل على الشاة في الكثير فصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

وما رواه الشيخ في الصحيح ايضا عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن محرم قتل جرادا كثيرا. قال : كف من طعام ، وان كان أكثر فعليه شاة». والظاهر ان قوله : «جرادا كثيرا» في الخبر وقع سهوا من قلم الشيخ ، وإنما السؤال عن جرادة واحدة ، وكم له (رضوان الله ـ تعالى ـ عليه) مثل ذلك في الأسانيد والمتون ، وإلا فمعنى الخبر المذكور لا يخلو من تناف

واما ما رواه الشيخ ـ عن عروة الحناط عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) : «في رجل أصاب جرادة فأكلها؟ قال : عليه دم» ـ. فرده المتأخرون بضعف الاسناد وعدم القيام بمعارضة ما تقدم من الاخبار. والشيخ حمله على الجراد الكثير بإرادة الجنس وان أطلق عليه لفظ التوحيد. والأظهر ـ كما استظهره في الوافي ـ تخصيص هذا الحكم بالأكل ، كما هو مورد الخبر ، والاخبار الأولة بالقتل ، والدم هنا كفارة القتل والأكل. وقد تقدم له نظائر في غير الجراد أشرنا إليها في ما تقدم ، من ان الأكل موجب لزيادة الكفارة.

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 393 ، والوسائل الباب 37 من كفارات الصيد.

(2 و 3) التهذيب ج 5 ص 364 ، والوسائل الباب 37 من كفارات الصيد.


قال العلامة في المختلف : ونقل ابن إدريس عن علي بن بابويه : وان أكلت جرادة فعليك دم شاة. والذي وصل إلينا من كلام ابن بابويه في رسالته : وان قتلت جرادة تصدقت بتمرة ، والتمرة خير من جرادة ، فإن كان الجراد كثيرا ذبحت شاة ، وان أكلت منه فعليك دم شاة. وهذا اللفظ ليس صريحا في الواحدة. انتهى.

أقول : ان عبارة الرسالة المذكورة لا تحضرني الآن ، والذي في كتاب الفقه الرضوي ـ الذي قد ظهر لك من ما قدمنا ذكره في غير موضع ان الرسالة المذكورة إنما أخذت منه ـ إنما يساعد ما ذكره ابن إدريس ، حيث قال (عليه‌السلام) (1) : «فان قتلت جرادة تصدقت بتمرة ، والتمرة خير من جرادة ، وان كان الجراد كثيرا ذبحت شاة ، ثم قال : وان أكلت جرادة واحدة فعليك دم شاة». وظاهره (عليه‌السلام) الفرق بين القتل والقتل والأكل ، وان دم الشاة كفارة القتل والأكل ، كما تقدم في رواية الحناط.

ثم انه ينبغي ان يعلم انه لو لم يمكن التحرز من قتل الجراد فلا كفارة في قتله. وقد تقدم ما يدل عليه في صدر المقصد.

الثاني ـ في القملة أيضا كف من طعام ، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمدا ، وان قتل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما ، قبضة بيده».

__________________

(1) ص 29.

(2) التهذيب ج 5 ص 336 ، والوسائل الباب 15 من بقية كفارات الإحرام.


وما رواه الكليني عن الحسين بن ابي العلاء (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا يرمى المحرم القملة من ثوبه ولا من جسده متعمدا ، فان فعل شيئا من ذلك فليطعم مكانها طعاما. قلت : كم؟ قال : كفا واحدا».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عيسى (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها. قال : يطعم مكانها طعاما».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها. قال : يطعم مكانها طعاما».

وعن ابن مسكان عن الحلبي (4) قال : «حككت رأسي وانا محرم فوقعت منه قملات ، فأردت ردهن فنهاني ، وقال : تصدق بكف من طعام».

وقد ورد بإزاء هذه الاخبار ما ظاهره المنافاة ، ومنه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال : لا شي‌ء في القملة ، ولا ينبغي ان يتعمد قتلها».

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 362 ، والوسائل الباب 78 من تروك الإحرام.

(2 و 3) التهذيب ج 5 ص 336 ، والوسائل الباب 15 من بقية كفارات الإحرام.

(4 و 5) التهذيب ج 5 ص 337 ، والوسائل الباب 15 من بقية كفارات الإحرام.


وما رواه الشيخ والصدوق عنه ايضا (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يحك رأسه فتسقط عنه القملة والثنتان؟ فقال : لا شي‌ء عليه ، ولا يعيدها. قلت : كيف يحك المحرم؟ قال : بأظافيره ما لم يدم ، ولا يقطع الشعر». وفي نسخة : «ولا يعود» أي إلى مثل هذا الفعل. وعلى ما نقلناه فالمراد انه لا يعيدها الى موضعها بعد سقوطها.

وما رواه في الكافي عن ابي الجارود (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : حككت رأسي وانا محرم فوقعت قملة؟ قال : لا بأس قلت : اي شي‌ء تجعل علي فيها؟ قال : وما اجعل عليك في قملة؟ ليس عليك فيها شي‌ء».

وما رواه في التهذيب عن مرة مولى خالد (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يلقي القملة. فقال : (عليه‌السلام) : ألقوها أبعدها الله غير محمودة ولا مفقودة».

وما رواه في الكافي عن ابي الجارود (4) قال : «سأل رجل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل قتل قملة وهو محرم. قال : بئس ما صنع. قال : فما فداؤها؟ قال : لا فداء لها».

وأجاب الشيخ عن هذه الاخبار بالحمل على الرخصة أولا ، ثم على

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 337 ، والفقيه ج 2 ص 229 ، والوسائل الباب 15 من بقية كفارات الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 365 ، والوسائل الباب 15 من بقية كفارات الإحرام.

(3) التهذيب ج 5 ص 337 ، والوسائل الباب 78 من تروك الإحرام.

(4) الفروع ج 4 ص 362 ، والوسائل الباب 78 من تروك الإحرام والباب 15 من بقية كفارات الإحرام.


من يتأذى بها فيقتل ويكفر. قال : وقوله : «لا شي‌ء عليه» يعني : من العقاب ، أو لا شي‌ء معين. واقتصر في الاستبصار على الأخير. وجملة من متأخري المتأخرين قد جمعوا بين الاخبار هنا بالاستحباب.

والذي يقرب عندي هو حمل الروايات الأخيرة على التقية ، فإنه مذهب جملة من العامة ، ونقل ذلك في المنتهى والتذكرة عن مالك في إحدى الروايتين (1) وسعيد بن جبير وطاوس وابي ثور وابن المنذر.

وعن أصحاب الرأي وعن مالك في إحدى الروايتين : انه يتصدق بمهما أمكن من قليل أو كثير. ولم ينقل القول بكف من طعام ـ كما هو المروي في الروايات الأول ـ إلا عن عطاء خاصة (2).

والسيد السند في المدارك ـ بعد ان نقل عبارة المصنف المشتملة على كف من طعام ـ قال : واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن حماد ابن عيسى. ثم ساق الرواية المتقدمة ، ثم قال : وعن محمد بن مسلم. ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم طعن فيهما بان في طريقهما عبد الرحمن وهو مشترك بين جماعة : منهم : عبد الرحمن ابن سيابة ، وهو مجهول ، ثم ذكر صحيحة معاوية بن عمار الدالة على انه لا شي‌ء في القملة ، ثم نقل جمع الشيخ الذي نقلناه ورده بأنه حمل بعيد ، مع انه لا ضرورة تلجئ إليه ، لإمكان حمل

__________________

(1) الروايتان عن احمد ، واللفظ : انه يتصدق بمهما كان من قليل أو كثير. واما مالك فالمنقول عنه انه يتصدق بحفنة من طعام. ارجع الى المنتهى ج 2 ص 796 و 817 ، والتذكرة البحث الثالث عشر من محرمات الإحرام ، والمغني ج 3 ص 269 و 453 طبع مطبعة العاصمة.

(2) المغني ج 3 ص 269 و 453 طبع مطبعة العاصمة.


ما تضمن الكفارة على الاستحباب.

أقول : فيه (أولا) : ان ما ذكره من الطعن في الخبرين الأولين ليس في محله ، فإنه لا يخفى على الممارس ان عبد الرحمن هنا هو ابن ابي نجران ، كما قطع به المحقق الشيخ حسن في المنتقى ، فإن رواية موسى بن القاسم عنه وروايته هو عن حماد بن عيسى أكثر من ان تحصى في الأسانيد ، بل قد اعترف به هو نفسه (قدس‌سره) في مسألة من زاد في طوافه على السبعة سهوا ، فقال بعد نقل صحيحة زرارة الواردة في المسألة (1) : ولا يقدح في صحة هذه الرواية اشتمال سندها على عبد الرحمن وهو مشترك ، لوقوع التصريح في هذا السند بعينه في عدة روايات بأنه ابن ابي نجران. انتهى.

وللمحقق المذكور في كتاب المنتقى هنا كلام في المقام لا بأس بنقله ، سيما مع ما تضمنه من الدلالة على ما قلناه ، فإنه نظم الخبرين في الصحيح ، ونبه على سهو وقع للشيخ في رواية محمد بن مسلم (2) قال (قدس‌سره) بعد ذكر صحيحة حماد عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن حماد بن عيسى. الى آخر الخبر ، ثم قال : وعنه عن ابي جعفر عن عبد الرحمن عن العلاء عن محمد بن مسلم. الى آخره ، ثم قال (قدس‌سره) : كذا أورد الشيخ هذا الحديث في الكتابين ، وظاهر عدم انتظام طريقه مع الرواية عن موسى بن القاسم ، لان المعهود من إطلاق (أبي جعفر) ان يراد به احمد بن محمد بن عيسى ، وهو يروى عن موسى بن القاسم ، لا ان موسى يروى عنه ، ولو اتفق في إيراد الشيخ له ان يتقدمه طريق عن سعد بن عبد الله كما اتفق هنا لتعين

__________________

(1) الوسائل الباب 34 من الطواف رقم 7.

(2) ص 248.


رجوع ضمير «عنه» إليه ، فإن رواية سعد عنه بهذه الصورة كثيرة والشيخ ما زال يقع له هذا السهو ، فيرتكب في إيراده للطرق إرجاع الضمير الى ما هو في غاية البعد عن محله مع إيهامه في ظاهر الحال خلاف ذلك ، وقد نبهنا على جملة منه في ما سلف. وعلى كل حال فالظاهر في هذا الطريق انه من روايات سعد بن عبد الله ، وما ندري بأي تقريب وقع في هذا الموضع ، فان بينه وبين الرواية عن سعد في الكتابين مسافة بعيدة لا يتصور معها توهم الربط بوجه. ويحتمل ـ على بعد ـ ان يكون الغلط بذكر (ابى جعفر) في الطريق وانه زيادة من سهو القلم ، والإسناد كالذي قبله عن عبد الرحمن. وحيث ان الصحة متحققة على كل حال فالأمر سهل. انتهى.

و (ثانيا) : ما قدمناه في غير مقام من ما في الجمع بين الاخبار بالحمل على الاستحباب من الوهن وعدم الدليل عليه من سنة ولا كتاب.

الثالث ـ في الزنبور ، وقد اختلف الأصحاب في كفارة قتل الزنبور عمدا ، فعن الشيخ في النهاية : من قتل زنبورا أو زنابير خطأ لم يكن عليه شي‌ء ، وان قتله عمدا فليتصدق بشي‌ء. وقال في المبسوط : يجوز للمحرم قتل الزنابير. وقال الشيخ المفيد : ومن قتل زنبورا تصدق بتمرة ، ومن قتل زنابير كثيرة تصدق بمد من طعام أو مد من تمر. وكذا قال السيد المرتضى. وقال ابن الجنيد : وفي الزنبور كف من تمر أو طعام. وقال ابن البراج : ولو أصاب زنبورا متعمدا فعليه كف من طعام. وكذا قال ابن إدريس ، وقال : ولا شي‌ء في الخطأ. وهو قول الصدوق في المقنع ، وقول الشيخ علي بن بابويه


وقال سلار : ومن قتل زنبورا تصدق بتمرة ، فإن كثر تصدق بمد من تمر. وقال أبو الصلاح : وفي قتل الزنبور كف من طعام ، وان قتل زنابير فصاع ، وفي قتل الكثير دم شاة. والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك

ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرم قتل زنبورا. قال : ان كان خطأ فلا شي‌ء عليه ، وان كان متعمدا يطعم شيئا من الطعام».

وعن صفوان في الصحيح عن يحيى الأزرق (2) قال : «سألت أبا عبد الله وأبا الحسن (عليهما‌السلام) عن محرم قتل زنبورا. فقالا : ان كان خطأ فليس عليه شي‌ء. قال : قلت : فالعمد؟ قالا : يطعم شيئا من طعام».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن محرم قتل زنبورا. قال : ان كان خطأ فليس عليه شي‌ء. قلت : لا بل متعمدا؟ قال : يطعم شيئا من طعام. قلت : انه أرادني؟ قال : ان أرادك فاقتله».

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 365 ، والوسائل الباب 8 من كفارات الصيد ولفظ الحديث هو الذي تقدم ص 157 و 158.

(2) التهذيب ج 5 ص 345 ، والوسائل الباب 8 من كفارات الصيد.

(3) الفروع ج 4 ص 364 ، والوسائل الباب 81 من تروك الإحرام ، والباب 8 من كفارات الصيد.


وفي كتاب الفقه الرضوي (1) : «وان قتلت زنبورا تصدقت بكف من طعام».

وهذه الاخبار كلها قد اشتركت في ان الواجب مع العمد شي‌ء من طعام كما في الاخبار الثلاثة الأولى ، أو كف من طعام كما في الأخير ، ومورد الجميع الزنبور الواحد ، واما المتعددة فلا تعرض لها في شي‌ء من الاخبار المذكورة. وبذلك يظهر لك ما في هذه الأقوال على كثرتها من الاختلاف.

وينبغي التنبيه هنا على مسائل تتعلق بالمقام وتنتظم في سلك هذا النظام :

الاولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بان ما لا تقدير لفديته فإنه يجب مع قتله قيمته ، وكذا البيوض. وظاهرهم الاتفاق عليه. وعلل بتحقق الضمان مع عدم تقدير للمضمون شرعا ، فيرجع الى القيمة كغيره.

ويدل على ذلك صحيحة سليمان بن خالد (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : في الظبي شاة ، وفي البقرة بقرة ، وفي الحمار بدنة ، وفي النعامة بدنة ، وفي ما سوى ذلك قيمته».

ونقل عن الشيخ انه قال : في البط والإوز والكركي شاة. ونسبه المحقق في الشرائع إلى التحكم ، حيث انه لا مستند له. والإوز بكسر الهمزة وفتح الواو وتشديد الزاي. البط ، واحدته اوزة ، والجمع اوزون بالواو والنون ، وفي لغة : وز ، الواحدة وزة ، مثل تمر وتمرة ،

__________________

(1) ص 29.

(2) التهذيب ج 5 ص 341 ، والوسائل الباب 1 من كفارات الصيد.


كذا في كتاب مجمع البحرين. وقال في المصباح المنير : وحكى في الجمع (اوزون) وهو شاذ. وعلى هذا فيكون العطف في كلام الشيخ من قبيل عطف المرادف.

وقد تقدم النقل عن الشيخ علي بن بابويه انه ذهب الى وجوب الشاة في الطير بأنواعه ما عدا النعامة ، وعليه تدل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة وعبارة كتاب الفقه الرضوي (1) التي منها أخذ الشيخ المذكور عبارته وعلى هذا يتجه القول بوجوب الشاة في الطير مطلقا ما لم يقم الدليل على خلافه. وبه يندفع عن الشيخ ما أورده عليه المحقق. إلا ان تخصيصه بهذه الثلاثة لا يظهر له وجه. ولعل التحكم باعتبار ذلك.

ثم انه على تقدير وجوب الشاة ، فلو تعذرت رجع الى ما يقوم مقامها من إطعام عشرة مساكين ، ثم مع عدم الإمكان الصيام ثلاثة أيام ، لما تقدم من الاخبار الدالة على ان من وجبت عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام (2).

الثانية ـ إذا قتل صيدا معيبا كالمكسور والأعور ـ مثلا ـ فداه بصحيح ، ولو فداه بمثله جاز ايضا. وكذا لو كان أنثى فداه بالذكر وبالأنثى ، وكذا بالعكس. وربما قيل بوجوب الفداء بالمماثل ، رعاية للمماثلة المفهومة من الآية (3). وفيه ان المماثلة لا تعتبر ان تكون من جميع الجهات ، وإطلاق الروايات يقتضي التتميم. ومقتضى كلام العلامة في المنتهى والتذكرة ان إجزاء الأنثى في الذكر لا خلاف فيه ، لأنها أطيب لحما وأرطب وإنما الخلاف في العكس. وبالجملة فالأظهر الإجزاء مطلقا ، إذ الظاهر من

__________________

(1) ص 29.

(2) الوسائل الباب 2 من كفارات الصيد رقم 3 و 6 و 10 و 11.

(3) سورة المائدة ، الآية 95.


المماثلة المماثلة في الخلقة لا في جميع الصفات.

قالوا : ولو قتل ما خضا ضمنها بما خض مثلها للآية (1) ولو تعذر قوم الجزاء ما خضا. ولو فداها بغير ما خض قال في التذكرة : في الاجزاء نظر ، من حيث عدم المماثلة ، ومن حيث ان هذه الصفة لا تزيد في لحمها ، بل قد تنقصه غالبا ، فلا يشترط وجود مثلها في الجزاء ، كالعيب واللون. نعم لو كان الغرض إخراج القيمة لتعذر الماخض كما تقدم لم يجز إلا تقويم الماخض ، لأنها أعلى في الغالب وباختلاف القيمة يختلف المخرج.

قالوا : ولو أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا ، فان خرج حيا وماتا معا لزمه فداؤهما معا ، فيفدي الأم بمثلها والصغير بصغير ، وان عاشا ولم يحصل عيب فلا شي‌ء ، عملا بالأصل ، وان حصل ضمنه بأرشه ، ولو مات أحدهما دون الآخر ضمن التالف خاصة ، وان خرج ميتا ضمن الأرش ، وهو ما بين قيمتها حاملا ومجهضا.

الثالثة ـ لو تعذر الجزاء في ما يجب فيه الجزاء وجبت قيمته وقت الإخراج ، وما لا تقدير لقيمته وقت الإتلاف. والوجه في ذلك ان الواجب في الأول هو الجزاء بالمثل ، وإنما ينتقل الحكم إلى القيمة عند تعذر المثل ، فيلزم اعتبار القيمة وقت الإخراج وتعذر المثل ، كما في سائر المثليات. واما الثاني فان الواجب ابتداء انما هو القيمة وهي تثبت في الذمة عند الجناية ، وحينئذ فيعتبر قدرها في ذلك الوقت.

الرابعة ـ قال العلامة في التذكرة : البحث الثالث في ما لا نص فيه (مسألة) : ما لا مثل له من الصيد ، ولا تقدير شرعي فيه ، يرجع الى قول عدلين يقومانه ، وتجب عليه القيمة التي يقدرانها فيه

__________________

(1) سورة المائدة ، الآية 95.


ويشترط في الحكمين العدالة إجماعا ، للآية (1) ولا بد أن يكونا اثنين فما زاد ، للآية (2) ولو كان القاتل أحدهما جاز ، وبه قال الشافعي واحمد وإسحاق وابن المنذر (3) لقوله (تعالى) (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (4) والقاتل مع غيره ذوا عدل منا ، فيكون مقبولا. الى ان قال : ولو قيل ـ : ان كان القتل عمدا عدوانا لم يجز حكمه ، لفسقه وإلا جاز ـ كان وجها ، انتهى.

وقال في كتاب المنتهى : المطلب الثالث في ما لا نص فيه ، قد بينا في ما تقدم مقادير كفارات الصيد في ما له تقدير شرعي قدره النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) ، اما ما لا مثل له ولا تقدير شرعي فيه ، فإنه يرجع فيه الى عدلين يقومانه ، وتجب عليه القيمة التي يقدرانها. ثم ساق الكلام على نحو كلامه في التذكرة.

أقول : لا يخفى انه قد وردت الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) في تفسير هذه الآية (5) بما يدل على ان المراد بذي العدل في الآية إنما هو النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) القائم مقامه من بعده ، وإن الالف في الآية من ما أخطأت به الكتاب :

فروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر

__________________

(1 و 2 و 4 و 5) سورة المائدة ، الآية 95.

(3) المغني لابن قدامة الحنبلي ج 3 ص 458 طبع مطبعة العاصمة ، والمجموع للنووي الشافعي ج 7 ص 403 و 423.


(عليه‌السلام) (1) «في قول الله (عزوجل) (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (2) : فالعدل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده يحكم به وهو ذو عدل ، فإذا علمت ما حكم به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) فحسبك ولا تسأل عنه».

وروى في الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن قول الله (عزوجل): (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (4) قال : العدل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده. ثم قال : هذا من ما أخطأت به الكتاب».

وفي الموثق عن زرارة (5) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (6) قال : العدل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده ثم قال : هذا من ما أخطأت به الكتاب».

وروى في الصحيح ايضا عن حماد بن عثمان (7) قال : «تلوت عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (8) فقال : ذو عدل منكم. هذا من ما أخطأت فيه الكتاب».

__________________

(1) التهذيب ج 6 ص 314 ، والوسائل الباب 7 من صفات القاضي وما يقضي به.

(2 و 4 و 6 و 8) سورة المائدة ، الآية 95.

(3) الفروع ج 4 ص 396 باب النوادر من الصيد من كتاب الحج.

(5) الفروع ج 4 ص 397 باب النوادر من الصيد من كتاب الحج.

(7) روضة الكافي ص 205 الطبع الحديث.


وفي تفسير العياشي (1) : وفي رواية حريز عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) : يحكم به ذو عدل منكم (2) قال : العدل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده. ثم قال : وهذا من ما أخطأت به الكتاب».

وعن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (3) «في قول الله (تعالى) (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (4) يعني : رجلا واحدا ، يعني : الإمام عليه‌السلام».

وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ مع صحتها وتعددها صريحة الدلالة واضحة المقالة في ان ما ذكر في الآية من التثنية انما وقع غلطا من الكتاب وانما هو مفرد ، وان المراد بذلك العدل إنما هو رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده. وهو يرجع الى ما ورد من النصوص في تلك المواضع.

وبه يظهر ان ما ذكروه (نور الله ـ تعالى ـ مراقدهم) ـ من الرجوع في ما لا نص فيه الى قول عدلين من عدول المسلمين بناء على ظاهر الآية ـ محل إشكال ، فإنه وان كان ظاهر الآية ذلك ، إلا انه مع ورود هذه النصوص الصحيحة في تفسير العدل بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام) من بعده خاصة ، وان زيادة الالف الموهمة للتثنية إنما وقع غلطا ، فلا مجال للعدول عنها. ولعل العذر لهم (نور الله مراقدهم) انهم لم يقفوا على الاخبار المذكورة ولم يراجعوها ، وإلا

__________________

(1) ج 1 ص 343 و 344.

(2 و 4) سورة المائدة ، الآية 95.

(3) تفسير العياشي ج 1 ص 344.


فالخروج عنها بعد الوقوف عليها ـ سيما مع كثرتها وصحتها وصراحتها ـ من ما لا يكاد يتجشمه ذو مسكة.

نعم قد روى الطبرسي في كتاب الاحتجاج (1) حديثا مرسلا في كلام لعلي (عليه‌السلام) في خطابه مع الخوارج : «واما قولكم : اني حكمت في دين الله الرجال ، فما حكمت الرجال وإنما حكمت كلام ربي الذي جعله الله حكما بين اهله ، وقد حكم الله ـ تعالى ـ الرجال في طائر فقال (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (2) فدماء المسلمين أعظم من دم طائر. الحديث».

ويمكن الجواب عن الخبر المذكور ـ مع عدم نهوضه بالمعارضة لما تقدم ـ بان كلامه (عليه‌السلام) خرج مخرج المجاراة والإلزام للقوم بما يعتقدونه من ظاهر الآية ، فإنه لا ريب في دلالتها بحسب ظاهرها على ذلك ، كما ذكره أصحابنا هنا. وسلوك هذا الباب مع الخصوم في مقام المجادلة شائع في الكلام.

وبالجملة فان الواجب بمقتضى ما ذكرناه هو الوقوف على النصوص الواردة في كل جزئي جزئي من افراد الصيد ان وجدت ، وإلا فالوقوف على ساحل الاحتياط ، كما هو المروي عنهم (عليهم‌السلام) في جميع الأحكام.

البحث الثالث في موجبات الضمان

وهي ثلاثة : مباشرة الإتلاف ، واليد ، والتسبيب ، فالكلام في هذا البحث

__________________

(1) ج 1 ص 278 الطبع الحديث.

(2) سورة المائدة ، الآية 95.


يقع في مقامات ثلاثة :

الأول ـ مباشرة الإتلاف ، وفيه مسائل الأولى ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في ما لو قتل الصيد واكله ، فقيل : ان قتله موجب لفديته ، واكله موجب لفداء آخر. وقيل : انه يفدي ما قتله ويضمن قيمة ما أكل. والأول قول الشيخ في النهاية والمبسوط وجمع من الأصحاب : منهم : العلامة في التذكرة والمنتهى والمختلف ، والثاني قول الشيخ في الخلاف ، والمحقق في الشرائع ، والعلامة في الإرشاد وجملة من كتبه.

احتج العلامة في المختلف على ما اختاره من القول الأول بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن قوم اشتروا ظبيا ، فأكلوا منه جميعا وهم حرم ، ما عليهم؟ فقال : على كل من أكل منه فداء صيد ، على كل انسان منهم على حدته فداء صيد كامل».

ورواية يوسف الطاطري (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : صيد اكله قوم محرمون؟ قال : عليهم شاة ، وليس على الذي ذبحه إلا شاة».

قال في المدارك بعد نقل ذلك عن المختلف : وهو احتجاج ضعيف ، إذ ليس في الروايتين دلالة على تعدد الفداء بوجه ، بل ولا على ترتب الكفارة على الأكل على وجه العموم ، لاختصاص مورد الاولى بمن اشترى الصيد

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 351 ، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 391 ، والتهذيب ج 5 ص 352 ، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد.


واكله ، وظهور الثانية في مغايرة الآكل للذابح. انتهى.

أقول : الأظهر الاستدلال على القول المذكور بما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي أحمد ـ يعني : محمد بن ابي عمير ـ عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له : المحرم يصيب الصيد فيفديه ، أيطعمه أو يطرحه؟ قال : إذا يكون عليه فداء آخر. قلت : فما يصنع به؟ قال : يدفنه». فإنها تدل بظاهرها على انه بالأكل منه بعد الفدية تجب عليه فدية أخرى ، وكذا لو أطعمه غيره. إلا انه قد تقدم ان هذه الرواية معارضة بجملة من الاخبار الصحيحة الصريحة الدالة على ان ما صاده المحرم يجوز أكل المحل منه ، كما هو مذهب جملة من الأصحاب المتقدم ذكرهم ثمة.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك اختيار القول الأول ، لصحيحة علي بن جعفر المذكورة ، حيث قال بعد عبارة المصنف المشتملة على القولين المتقدمين : مستند الأول الرواية الصحيحة عن الكاظم (عليه‌السلام) ويتحقق الأكل بمسماه ، وعليه العمل. والقول الذي استوجهه المصنف للشيخ (رحمه‌الله) عملا بأصالة البراءة ، وحملا للخبر على الاستحباب ، أو على بلوغ قيمة المأكول شاة. ولا يخفى ما فيه. انتهى.

أقول : الظاهر ان التقريب في الصحيحة المذكورة الموجب لاستدلال هؤلاء الاعلام (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بها هو ان الواجب من الفداء في الظبي ـ كما تقدم ـ شاة ، والواجب بمقتضى ذلك اشتراكهم

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 378 ، والوسائل الباب 10 من تروك الإحرام ، والباب 55 من كفارات الصيد.


جميعا في شاة واحدة ، وحيث انه (عليه‌السلام) أوجب على كل من الآكلين شاة في هذا الخبر ، علم ان هذه الشاة غير الشاة الواجبة في قتله المتقدم التنبيه عليها ، فإنه قد صرح في الخبر بان على كل من أكل منه فداء صيد ، فهذه الشاة إنما هي من حيث الأكل خاصة ، فهي غير شاة القتل المعلوم وجوبها بالأدلة المتقدمة في المسألة. وبالجملة فإن قتل الصيد حرام له موجب يلزم به ، واكله كذلك ، والأصل عدم التداخل فيجب الأمران. واشتمال الرواية على شراء الصيد لا ينافي ذلك ، لأنهم ان كانوا قد شروه حيا وذبحوه ، فان الواجب عليهم كفارة لذبحه واخرى لأكله ، وان كانوا شروه مذبوحا كان عليهم جزاء الأكل. واما الذابح فإنه يبنى على ما تقدم من كون الذابح ممن تجب عليه الكفارة فتجب أم لا فلا. واما الرواية الثانية فينبغي حمل الشاة في قوله (عليه‌السلام) : «عليهم شاة» بمعنى على كل واحد منهم شاة ، فإنه لا خلاف في انهم مع الاشتراك في الأكل يجب الفداء الكامل على كل منهم ، كما ستأتيك الاخبار به في المقام ان شاء الله (تعالى). وقوله : «ليس على الذابح إلا شاة» يعني : من حيث الذبح خاصة ، فإنه ليس عليه إلا شاة. ومن هذا يظهر الوجه في صحة الاستدلال بالروايتين المذكورتين.

واما ما ذكره في المدارك ـ من عدم دلالة الرواية الأولى على العموم لاختصاص مورد الرواية بمن اشترى الصيد واكله ـ ففيه ان خصوص السؤال لا يوجب تخصيص الجواب كما قرروه في محله. وبالجملة فالظاهر ان المناقشة المذكورة هنا لا تخلو من مناقشة.

واما القول الثاني فلم أقف على من تعرض لنقل دليل عليه حتى ممن صار اليه ، قال في المدارك : والقول بوجوب فداء القتل وضمان قيمة المأكول


للشيخ في الخلاف ، والمصنف ، والعلامة في جملة من كتبه ، ولم نقف لهم في ضمان القيمة على دليل يعتد به. ولولا تخيل الإجماع على ثبوت أحد الأمرين لأمكن القول بالاكتفاء بفداء القتل ، تمسكا بمقتضى الأصل. وتؤيده صحيحة أبان بن تغلب (1) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرمين أصابوا أفراخ نعام ، فذبحوها وأكلوها. فقال : عليهم مكان كل فرخ أصابوه وأكلوه بدنة». حيث أطلق الاكتفاء بالبدنة ، ولو تعدد الفداء أو وجبت القيمة مع فداء القتل لوجب ذكره في مقام البيان. انتهى.

أقول : صحيحة أبان المذكورة قد رواها في من لا يحضره الفقيه (2) في الصحيح هكذا : عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «في قوم حجاج محرمين ، أصابوا أفراخ نعام ، فأكلوا جميعا. قال : عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة ، يشتركون فيها جميعا فيشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال». ورواه الشيخ في التهذيب (3) بسند فيه اللؤلؤي عن ابان مثله ، وزاد : «قلت : فان منهم من لا يقدر على شي‌ء؟ قال : يقوم بحساب ما يصيبه من البدن ، ويصوم لكل بدنة ثمانية عشر يوما». وهي أظهر في لزوم الفداء لكل منهم بالبدنة ، فلو كان ثمة شي‌ء آخر غيرها من قيمة أو فداء آخر لذكره (عليه‌السلام).

ثم أقول : ما ذكره (قدس‌سره) قد تقدمه فيه شيخنا المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، حيث قال ـ بعد نقل الخلاف في ما يترتب على الأكل من الفداء كاملا أو قيمة ما اكله ـ ما لفظه : ويحتمل عدم شي‌ء أصلا ، لعدم ثبوت ضمان مثله. ولأنه قد ضمنه بالقتل فكأنه

__________________

(1) الوسائل الباب 2 و 18 من كفارات الصيد.

(2) ج 2 ص 236.

(3) ج 5 ص 353.


صار ملكه مثل مال الغير ، فلا يضمن بالأكل منه مرة أخرى. نعم لما كان أكل الصيد حراما حصل الإثم بذلك. إلا انه نقل إجماع علمائنا على وجوب التعدد في المنتهى ، قال : إذا ذبح الصيد ثم اكله ضمنه للقتل ووجب عليه ضمان آخر للأكل ، قاله علماؤنا. وهو ظاهر في تعدد الفداء. وقد عرفت عدم الإجماع على ذلك ، لاختياره قيمة ما أكل هنا ، وعدم دلالة الأخبار على وجوب التعدد حين الأكل والذبح معا وحال الاجتماع ايضا ، فلا يبعد التداخل وعدم لزوم غير شي‌ء واحد ، كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر المذكورة. ويؤيده ما في صحيحة أبان بن تغلب «في المشتركين في ذبح الفرخ واكله بدنة مكان أكلهم وذبحهم» وستجي‌ء في شرح قوله : ويضمن. الى آخره. انتهى.

وتحقيق الكلام في هذا المقام على ما يستفاد من اخبارهم (عليهم‌السلام) ان يقال : ان الواجب بالأكل من ما حرم للمحرم أكله كائنا ما كان شاة ، ثم ان كان في ذلك المأكول موجب لفداء آخر وجب ان حصل منه ، وإلا فلا.

ومن الاخبار الواردة في المقام ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (1) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من نتف إبطه. الى ان قال : أو أكل طعاما لا ينبغي له اكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة». وما رواه عن ابى عبيدة في الصحيح (2) قال : «سألت أبا جعفر

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 369 و 370 ، والوسائل الباب 8 و 10 من بقية كفارات الإحرام.

(2) التهذيب ج 5 ص 355 و 356 ، والوسائل الباب 24 من كفارات الصيد.


(عليه‌السلام) عن رجل محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم فما على الذي أكله؟ فقال : على الذي اشتراه فداء لكل بيضة درهم وعلى المحرم لكل بيضة شاة». وروى نحوه في الصحيح ايضا بتفاوت لا يضر بالمعنى (1).

وفي رواية محمد بن الفضيل المتقدمة (2) : «وإذا أصاب المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة بقدر عدد البيض». والمراد بالإصابة هنا الأكل ، لأن في الكسر بكارة من الإبل ان تحرك الفرخ فيها ، أو الإرسال ان لم يكن ، كما تقدم في المسألة.

وما رواه الشيخ عن الحارث بن المغيرة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سئل عن رجل أكل بيض حمام الحرم وهو محرم. قال : عليه لكل بيضة دم ، وعليه ثمنها سدس أو ربع الدرهم (الوهم من صالح) (4) ثم قال : «ان الدماء لزمته لأكله وهو محرم ، وان الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحرم».

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن ابي بصير (5) قال : «سألت

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 466 ، والفروع ج 4 ص 388 ، والوسائل الباب 24 و 57 من كفارات الصيد ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الطير والبيض).

(2) ص 203.

(3) الفروع ج 4 ص 395 ، والوسائل الباب 10 و 44 من كفارات الصيد.

(4) وهو صالح بن عقبة الذي يروي الحديث عن الحارث بن المغيرة.

(5) الفقيه ج 2 ص 236 ، والتهذيب ج 5 ص 351 ، والفروع ج 4 ص 392 ، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد.


أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قوم محرمين ، اشتروا صيدا فاشتركوا فيه ، فقالت رفيقة لهم : اجعلوا لي فيه بدرهم. فجعلوا لها. فقال : على كل انسان منهم شاة». ومن الظاهر ان الشاة إنما هي من حيث الأكل ، كما هو الظاهر من سياق الخبر ، لا بمجرد الشراء كما لا يخفى.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن يزيد بن عبد الملك عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «في رجل محرم مر وهو في الحرم ، فأخذ عنق ظبية فاحتلبها وشرب من لبنها. قال : عليه دم وجزاؤه في الحرم ثمن اللبن».

واما بالنسبة إلى المشتركين في أكل الصيد فقد تقدم في صحيحة علي بن جعفر (2) «ان على كل واحد فداء كاملا». وفي رواية الطاطري «على كل واحد شاة شاة». كما في رواية الوافي (3) والذي قدمنا نقله صورة ما في الوسائل ، وكيف كان فالمراد تعدد الشاة على كل منهم.

إلا انه قد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «ان اجتمع قوم على صيد وهم محرمون في صيده ، أو أكلوا منه ، فعلى كل واحد منهم قيمته». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار مثله (5).

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 388 ، والتهذيب ج 5 ص 271 و 466 ، والوسائل الباب 54 من كفارات الصيد ، والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من صيد الحرم).

(2) ص 261.

(3) باب (اجتماع المحرمين على الصيد).

(4) التهذيب ج 5 ص 351 ، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد.

(5) الفروع ج 4 ص 391 ، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد.


وفي الموثق عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) في حديث قال في آخره : «وأي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه ، فان على كل انسان منهم قيمة قيمة ، وان اجتمعوا عليه في صيد فعليهم مثل ذلك».

وظاهر هذين الخبرين انهم بالاجتماع عليه في صيده أو أكله فالواجب على كل واحد منهم قيمة ذلك الصيد. ويمكن حمل صحيحة علي بن جعفر على الروايتين الأخيرتين بحمل الفدية فيها على القيمة في هذا الموضع.

الثانية ـ لو رمى صيدا فلم يؤثر فيه فلا فدية عليه ، ولو اثر فيه وجرحه ثم رءاه بعد ذلك سويا فأقوال ، فان لم يعلم حاله لزمه الفداء قيل : وكذلك لو لم يعلم اثر فيه أم لا.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع

الأول ـ في ما إذا رماه ولم يؤثر فيه ، بمعنى انه تحقق وتيقن عدم التأثير فيه ، لما سيجي‌ء في المسألة من القول بالفدية مع الشك ، فإنه لا شي‌ء كما ذكر ، إلا انه ينبغي تقييده بما إذا لم يكن له شريك في الرمي وقد أصاب الصيد فإنه يضمن بسبب المشاركة وان أخطأ ، كما سيأتي ان شاء الله (تعالى) التنبيه عليه.

الثاني ـ لو اثر فيه ثم رآه بعد ذلك سويا ، فإنه قد اختلف فيه الأصحاب ، فنقل في المختلف عن الشيخ في النهاية والمبسوط ، وابن البراج ، وابن إدريس : انه إذا رمى الصيد فأدماه أو كسر يده أو رجله ثم رءاه بعد ذلك صحيحا ، كان عليه ربع الفداء. والظاهر ان مرادهم بالفداء هنا هو القيمة ، كما وقع

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 370 ، والوسائل الباب 18 و 31 من كفارات الصيد.


في جملة من عبائرهم التعبير بربع القيمة ، كالشرائع والإرشاد وغيرهما ونقل عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ المفيد ، وابي الصلاح : انه يتصدق بشي‌ء وذهب المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد الى ان عليه الأرش ، وبه قطع في المنتهى والتذكرة ، إلا انه نقل فيهما عن الشيخ انه يضمن الجميع ، لانه مفض الى تلفه ، قال : وهو قول أبي حنيفة (1) وهو ـ كما ترى ـ خلاف ما نقله عنه في المختلف.

والعجب من صاحب الذخيرة انه قال هنا نقلا عن العلامة في المنتهى : انه قطع بالأرش ، ولم ينقل فيه خلافا إلا عن العامة ، مع ان هذه صورة عبارته : لو جرح الصيد فاندمل وصار غير ممتنع فالوجه الأرش ، وقال أبو حنيفة : يضمن الجميع (2). وهو قول الشيخ رحمه‌الله (تعالى) لانه مفض الى تلفه ، فصار كما لو جرحه جرحا تيقن موته. ثم رده بأنه ليس بجيد ، لأنه إنما يضمن ما نقص ، والتقدير انه لم يتلف جميعه ، فلم يضمنه. انتهى.

قال في المدارك : والقول بلزوم ربع القيمة بذلك للشيخ وجماعة واستدل عليه بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن رجل رمى صيدا وهو محرم ، فكسر يده أو رجله ، فمضى الصيد على وجهه ، فلم يدر الرجل ما صنع الصيد. قال : عليه الفداء كاملا إذا لم يدر ما صنع الصيد (4) فان رءاه بعد ان كسر يده أو رجله وقد رعى وانصلح فعليه ربع قيمته». وهذه الرواية لا تدل على ما ذكره الشيخ من التعميم. والمتجه قصر الحكم على مورد الرواية ووجوب

__________________

(1 و 2) المغني ج 3 ص 459 و 460 طبع مطبعة العاصمة.

(3) التهذيب ج 5 ص 359 ، والوسائل الباب 27 من كفارات الصيد.

(4) قوله : «فان رءاه ...» من كلام الشيخ ظاهرا.


الأرش في غيره ان ثبت كون الاجزاء مضمونة كالجملة ، لكن ظاهر المنتهى انه موضع وفاق. انتهى.

ومرجع مناقشته في الرواية الى ان موردها كسر يد الصيد ورجله وما ادعاه الشيخ أعم من ذلك. وبذلك اعترض في المختلف على الشيخ ايضا ، حيث قال بعد نقل القول المتقدم عنه : والروايات الدالة على ربع الفداء انما وردت على كسر يده أو رجله ، والشيخ (رحمه‌الله تعالى) في كتابيه ساوى بين الجرح والكسر ، ولم نقف على حجته. انتهى. وهو جيد.

ومن الاخبار الواردة في المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي بصير (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل رمى ظبيا وهو محرم ، فكسر يده أو رجله ، فذهب الظبي على وجهه فلم يدر ما صنع؟ فقال : عليه فداؤه. قلت : فإنه رءاه بعد ذلك مشى؟ قال : عليه ربع ثمنه».

وما رواه أيضا في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن رجل رمى صيدا ، فكسر يده أو رجله وتركه ، فرعى الصيد. قال : عليه ربع الفداء».

وما رواه في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) «في محرم رمى ظبيا ، فأصابه في يده فعرج منها؟ قال : ان كان الظبي

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 359 ، والفقيه ج 2 ص 233 بتفاوت يسير ، والوسائل الباب 27 و 28 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 359 ، والوسائل الباب 28 من كفارات الصيد.

(3) الفروع ج 4 ص 386 ، والوسائل الباب 27 من كفارات الصيد.


مشى عليها ورعى فعليه ربع قيمته ، وان كان ذهب على وجهه فلم يدر ما صنع فعليه الفداء ، لانه لا يدري لعله قد هلك».

وما رواه الشيخ عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن محرم رمى صيدا ، فأصاب يده وجرح. فقال : ان كان الظبي مشى عليها ورعى وهو ينظر اليه فلا شي‌ء عليه ، وان كان الظبي ذهب على وجهه وهو رافعها فلا يدري ما صنع فعليه فداؤه ، لأنه لا يدري لعله قد هلك». كذا في التهذيب ، وفي الاستبصار (2) «فعرج» مكان «وجرح».

ولعل الشيخ قد استند في عد الجرح مثل الكسر في هذه المسألة الى هذه الرواية. إلا ان روايته لها في الاستبصار كما عرفت من ما يضعف الاعتماد عليها في ذلك.

وعن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) عن علي (عليه‌السلام) (3) : «في المحرم يصيب الصيد فيدميه ، ثم يرسله؟ قال : عليه جزاؤه».

وفي كتاب الفقه الرضوي (4) : «فإن رميت ظبيا ، فكسرت يده أو رجله ، فذهب على وجهه لا تدري ما صنع ، فعليك فداؤه ، فان

__________________

(1) الوسائل الباب 27 من كفارات الصيد ، والوافي باب (المحرم يكسر الصيد أو يدميه).

(2) اللفظ في التهذيب ج 5 ص 358 كما في الاستبصار ج 2 ص 205 «فأصاب يده فعرج» والفرق بينهما يظهر من الوافي باب (المحرم يكسر الصيد أو يدميه).

(3) الفروع ج 4 ص 383 ، والوسائل الباب 27 من كفارات الصيد.

(4) ص 29.


رأيته بعد ذلك يرعى ويمشي فعليك ربع قيمته ، وان كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بشي‌ء من الطعام».

الثالث ـ ما إذا ذهب الصيد ولم يعلم حاله ، فإنه يلزمه الفداء ، وعلى ذلك تدل الأخبار المتقدمة. مضافا الى اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور ، كما يفهم من المنتهى ، حيث أسنده إلى علمائنا ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

بقي الكلام في ان مورد الاخبار الكسر دون الجرح كما ذكره الشيخ ، ومن ثم اعترض في المدارك ـ بعد نقل الاستدلال بصحيحة علي بن جعفر على الحكم المذكور ـ بعدم العموم فيها على وجه يشمل الجرح.

أقول : يمكن الاستدلال عليه بما تقدم من رواية السكوني الدالة على انه «يصيب الصيد فيدميه ، ثم يرسله. قال : عليه جزاؤه» وهي وان كانت ضعيفة السند باصطلاحهم ، إلا ان هذا الاصطلاح غير معمول عليه عند الشيخ ونحوه ، فالاستدلال بها له في محله.

واما القول بوجوب الأرش في المسألة فاحتج عليه العلامة ومن وافقه بأنها جناية مضمونة ، فكان عليه أرشها.

وفيه (أولا) : انه موقوف على ثبوت كون الاجزاء مضمونة كالجملة ودليله غير واضح ، وان كان ظاهره في المنتهى دعوى الإجماع عليه.

و (ثانيا) : انه اجتهاد في مقابلة النصوص المتقدمة فلا يسمع نعم لا يبعد القول به في ما خرج عن مورد النصوص ان ثبت الإجماع المذكور.

واما القول بالتصدق بشي‌ء فلم نقف له على مستند ، بل الأخبار


المتقدمة صريحة في دفعه.

الرابع ـ ما لو لم يعلم اثر فيه أم لا ، وقد صرح الشيخ وجمع من الأصحاب بأنه كسابقه. ولم نقف له على مستند. وروايات المسألة خالية منه. وظاهر المحقق في النافع التوقف فيه ، حيث نقله بلفظ «قيل».

قال في المدارك : ولو قيل بعدم لزوم الفدية هنا ـ كما في حال الشك في الإصابة ـ كان حسنا. انتهى.

وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد : واما دليل وجوب الفداء وجميع القيمة مع الجهل بالتأثير فغير واضح ، والأصل عدم التأثير ، وعدم الوجوب. بل لو لم يكن النص لكان القول بعدمه على تقدير العلم بالتأثير وجهل حاله جيدا ايضا لذلك ، بل كان اللازم هو الأرش ، وهو ما تقتضيه الجناية المتحققة ، إلا مع العلم أو الظن الغالب بكون الجراحة مهلكة ، كما قاله بعض العامة (1). انتهى. وهو جيد.

الثالثة ـ قال الشيخ (رحمه‌الله تعالى) : في كسر قرني الغزال نصف قيمته ، وفي كل واحد ربع القيمة ، وفي عينيه كمال القيمة ، وفي كسر احدى يديه نصف قيمته ، وكذا في كسر احدى رجليه ، ولو كسر يديه معا وجب عليه كمال قيمته ، وكذا لو كسر رجليه معا ، ولو قتله كان عليه فداء واحد. وتبعه على ذلك جملة من الأصحاب ، ونسبه في الشرائع إلى الرواية ، ثم طعن فيها بان فيها ضعفا.

والرواية المذكورة التي استند إليها الشيخ في الحكم المذكور ما رواه

__________________

(1) المغني ج 3 ص 459 و 460 طبع مطبعة العاصمة.


(قدس‌سره) عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت : ما تقول في محرم كسر إحدى قرني غزال في الحل؟ قال : عليه ربع قيمة الغزال. قلت : فان كسر قرنية؟ قال : عليه نصف قيمته ، يتصدق به. قلت : فان هو فقأ عينيه؟ قال : عليه قيمته. قلت : فان هو كسر احدى يديه؟ قال : عليه نصف قيمته. قلت : فان هو كسر احدى رجليه؟ قال : عليه نصف قيمته. قلت : فان هو قتله؟ قال : عليه قيمته. قال : قلت : فان هو فعل به وهو محرم في الحرم؟ قال : عليه دم يهريقه ، وعليه هذه القيمة إذا كان محرما في الحرم».

وردها جملة من المتأخرين بضعف السند ، وان في طريقها عدة من الضعفاء : منهم : أبو جميلة المفضل بن صالح ، وقيل : انه كان كذابا يضع الحديث. واستظهروا وجوب الأرش. والظاهر انه قول الأكثر ، كما ذكره في المدارك ، بناء على ما ظاهرهم الاتفاق عليه من كون الاجزاء مضمونة كالجملة.

وفي المسألة قول ثالث ، وهو التصدق بشي‌ء. وهو منقول عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ المفيد وسلار ، وعليه تدل عبارة كتاب الفقه الرضوي (2) وهي المستند للشيخ علي بن بابويه (قدس‌سره) على ما عرفت مرارا.

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 387 ، والوسائل الباب 28 من كفارات الصيد والوافي باب (كفارة ما أصاب المحرم من الوحش).

(2) ص 29.


وقد روى الشيخ عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن محرم كسر قرن ظبي. قال : يجب عليه الفداء. قال : قلت : فان كسر يده؟ قال : ان كسر يده ولم يرع فعليه دم شاة».

وظاهر هذه الرواية وجوب الفداء في كسر قرن الظبي. وهو مناف لما دلت عليه الرواية الاولى من وجوب ربع القيمة. واحتمال حمل الفداء في الرواية المذكورة على ربع القيمة بعيد. وظاهرها ايضا وجوب شاة في ما إذا كسر يده ولم يرع ، والرواية المتقدمة قد دلت على ان عليه نصف قيمته. وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه في ما إذا كسر قرنه انه يتصدق بشي‌ء ، وهذه الرواية تضمنت ان في كسر القرن ربع القيمة. والمسألة عندي محل اشكال.

وقد روى ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا كنت حلالا فقتلت الصيد في الحل ما بين البريد الى الحرم ، فان عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة».

وروى الشيخ ايضا عن عبد الغفار الجازي (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم إذا اضطر إلى ميتة. الى ان

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 388 ، والوسائل الباب 27 و 28 من كفارات الصيد ، والوافي باب (المحرم يكسر الصيد أو يدميه).

(2) الفروع ج 4 ص 232 ، والتهذيب ج 5 ص 361. والوسائل الباب 32 من كفارات الصيد.

(3) التهذيب ج 5 ص 467 ، والوسائل الباب 43 و 32 من كفارات الصيد.


قال : وذكر : انك إذا كنت حلالا وقتلت الصيد ما بين البريد والحرم فان عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة». وهو مؤيد لما ذكرنا من الإشكال.

الرابعة ـ إذا اشترك جماعة في قتل صيد وجب على كل منهم فداء كامل ، قال في المدارك : هذا قول علمائنا وأكثر العامة (1).

أقول : اما انه قول علمائنا فهو الظاهر ، لعدم الوقوف على مخالف في الحكم ، واما كونه قول أكثر العامة فظاهر المنتهى والتذكرة ان للعامة في ذلك قولين مشهورين : أحدهما ـ ما ذكره ، والآخر ان عليهم جزاء واحدا يشتركون فيه (2).

ويدل على الحكم المذكور مضافا الى ما عرفت من الاتفاق روايات : منها ـ ما رواه الكليني والشيخ (عطر الله ـ تعالى ـ مرقديهما) في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (3) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان ، الجزاء بينهما أم على كل واحد منهما جزاء؟ فقال : لا بل عليهما ان يجزي كل واحد منهما الصيد. قلت : ان بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه. فقال : إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا».

أقول : هذا الحديث من جملة الأخبار التي أشرنا إليها في غير موضع ، الدالة على ان الواجب مع تعذر معرفة الحكم الشرعي في

__________________

(1 و 2) المغني ج 3 ص 468 طبع مطبعة العاصمة.

(3) الفروع ج 4 ص 391 ، والتهذيب ج 5 ص 466 و 467 ، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد ، والباب 12 من صفات القاضي وما يقتضي به.


المسألة الوقوف على ساحل الاحتياط حتى يحصل العلم به.

ومنها ـ ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله ـ تعالى ـ مراقدهم) عن ابي بصير (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قوم محرمين اشتروا صيدا فاشتركوا فيه ، فقالت رفيقة لهم : اجعلوا لي فيه بدرهم. فجعلوا لها. فقال : على كل انسان منهم فداء» وفي الفقيه والتهذيب «شاة» مكان «فداء».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن زرارة وبكير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) «في محرمين أصابا صيدا؟ فقال : على كل واحد منهما الفداء».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ضريس بن أعين (3) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجلين محرمين رميا صيدا فأصابه أحدهما. قال : على كل واحد منهما الفداء».

وكما يجب الفداء على كل من المجتمعين على الصيد كذا يجب على كل من المجتمعين في الأكل ، كما دلت عليه الاخبار ، ومنها ـ ما تقدم من صحيحة علي بن جعفر (4) وموردها الاشتراك في الأكل ، وصحيحة معاوية بن عمار وموردها الاجتماع على الأكل أو الصيد ، وموثقته وهي كذلك (5). وجملة

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 392 ، والفقيه ج 2 ص 236 ، والتهذيب ج 5 ص 351 ، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 392 عن زرارة ، والفقيه ج 2 ص 236 عن زرارة وبكير ، والوسائل الباب 18 من كفارات الصيد.

(3) التهذيب ج 5 ص 352 ، والوسائل الباب 20 من كفارات الصيد.

(4) ص 261.

(5) ص 267 و 268.


من هذه الاخبار قد تضمنت الفدية وجملة قد تضمنت القيمة. ويحتمل حمل الفداء على القيمة ، ويحتمل العكس. ويرجحه تضمن صحيحة عبد الرحمن الجزاء ، وتضمن رواية أبي بصير ـ بطريقي الفقيه والتهذيب ، وكذا رواية الطاطري المتقدمة ـ الشاة. ويحتمل حمل روايات القيمة على الرخصة وان كان الواجب الجزاء بالشاة.

هذا. وقد روى الشيخ عن إسماعيل بن ابي زياد عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (1) قال : «كان علي (عليه‌السلام) يقول في محرم ومحل قتلا صيدا ، فقال : على المحرم الفداء كاملا ، وعلى المحل نصف الفداء».

قال الشيخ : وهذا انما يجب على المحل إذا كان صيده في الحرم ، فاما إذا كان صيده في الحل فليس عليه شي‌ء. انتهى. وهو جيد.

وظاهر الشهيد الثاني في المسالك بل صريحه : انه لا فرق في وجوب الفداء ـ على كل من الجماعة المجتمعين على قتل الصيد ـ بين كونهم محرمين أو محلين في الحرم أو متفرقين ، فيلزم كلا منهم حكمه.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بعد إيراد جملة من روايات المسألة بأن هذه الروايات إنما تدل على ضمان كل من المشتركين في قتل الصيد الفداء الكامل إذا كانوا محرمين. فما ذكره غير واضح.

أقول : لا ريب ان أكثر الروايات وأصحها انما موردها المحرم ، إلا ان رواية إسماعيل بن ابي زياد المذكورة هنا ـ وصحيحة الحلبي ، ورواية عبد الغفار الجازي ، المتقدمات في سابق هذه المسألة ـ قد تضمنت

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 352 ، والوسائل الباب 21 من كفارات الصيد.


حكم المحل في الحرم ، وان عليه الفداء ، فلا يرد ما أورده على جده (قدس‌سرهما).

قال العلامة في المنتهى : لو اشترك الحلال والحرام في قتل صيد حرمي ، وجب على المحل القيمة كملا ، وعلى المحرم الجزاء والقيمة معا ، وخالف فيه بعض الجمهور فأوجب جزاء واحدا عليهما معا (1) وقال الشيخ في التهذيب : على المحرم الفداء كملا ، وعلى المحل نصف الفداء ، لما رواه إسماعيل بن ابي زياد. ثم نقل الرواية المتقدمة.

الخامسة ـ لو ضرب بطير على الأرض فقتله ، فقد صرح الشيخ ومن تبعه من الأصحاب بان عليه دما وقيمتين : إحداهما لاستصغاره والثانية للحرم. وفي المنتهى زيادة على ذلك : وكان عليه التعزير. وقيده في الدروس بأرض الحرم. والظاهر ان هذا مراد الجماعة ، للرواية التي هي مستند هذا الحكم :

وهي : ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في محرم اصطاد طيرا في الحرم ، فضرب به الأرض فقتله ، قال : عليه ثلاث قيمات : قيمة لإحرامه ، وقيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إياه».

قال في المدارك : وهي ضعيفة السند بجهالة حال زكريا ومحمد بن ابي بكر ، فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل.

أقول : قد عرفت في غير موضع من ما تقدم ان هذا الإيراد

__________________

(1) المغني ج 3 ص 469 طبع مطبعة العاصمة.

(2) التهذيب ج 5 ص 370 ، والوسائل الباب 45 من كفارات الصيد.


لا يقوم حجة على الشيخ وأمثاله. نعم مقتضى الرواية ان الواجب ثلاث قيم ، والشيخ ذكر ان الواجب دم وقيمتان. وبمضمون الرواية افتى المحقق في النافع ، ونسب ما ذكره في الشرائع من الدم والقيمتين الى الشيخ. قيل : وكأن الحامل للشيخ على ذلك ورود الأخبار الكثيرة بوجوب الدم في الطير ، فتكون القيمة الواحدة كناية عنه. ولا بأس به.

وفي الدروس : ان ضمير «إياه» في خبر معاوية يمكن عوده الى الحرم والى الطير ، قال : وتظهر الفائدة في ما لو ضربه في الحل ، إلا ان يراد الاستصغار بالصيد المختص بالحرم.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ولا ريب في تعين ارادة ما ذكره ، لان الضمير على الثاني لا يعود الى الطير مطلقا وإنما يعود الى الطير المحدث عنه وهو الحرمي ، فاختصاص الحكم به ثابت على التقديرين. انتهى. وهو كذلك.

واستدل في المنتهى ايضا بما رواه الشيخ والكليني في القوى عن حمران بن أعين عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له : محرم قتل طيرا في ما بين الصفا والمروة عمدا؟ قال : عليه الفداء والجزاء ويعزر. قال : قلت : فإنه قتله في الكعبة عمدا؟ قال : عليه الفداء والجزاء ، ويضرب دون الحد ، ويقام للناس كي ينكل غيره». وهي تصلح للتأييد في الجملة لا الدلالة ، لعدم انطباقها على المدعى.

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 371 ، والفروع ج 4 ص 396 ، والوسائل الباب 44 من كفارات الصيد.


وظاهر الرواية حصول القتل بالضرب على الأرض ، كما ذكرنا في صدر المسألة. وعبائر الأصحاب في هذا المقام لا تخلو من القصور حيث انهم صرحوا بأنه لو ضرب بطير على الأرض فدم وقيمتان. وهو أعم من ان يكون قتله أم لا ، استند قتله الى الضرب بالأرض أم الى سبب آخر. والحكم في الرواية مبني على القتل المستند الى الضرب على الأرض ، فلو ضرب به الأرض ثم قتله بسبب آخر ، فالظاهر خروجه عن مورد النص.

السادسة ـ من شرب لبن ظبية في الحرم لزمه دم وقيمة اللبن ، ذكره الشيخ وجمع من الأصحاب.

واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في التهذيب عن يزيد بن عبد الملك عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «في رجل مر وهو محرم في الحرم ، فأخذ عنز ظبية فاحتلبها وشرب لبنها؟ قال : عليه دم وجزاء في الحرم ثمن اللبن».

ومورد الرواية حلب الظبية ثم شرب لبنها ، وعباراتهم في المقام ـ كما نقلناه ـ خالية من ذكر الحلب مرتبة على مجرد الشرب ، وهو خروج عن موضع النص.

ورد الرواية في المدارك بضعف السند ، لجهالة الراوي ، وبان من جملة رجالها صالح بن عقبة ، وقيل : انه كان كذابا غاليا لا يلتفت اليه. ثم قال : والمتجه اطراح هذه الرواية لضعفها ، والاقتصار على وجوب القيمة في الجميع ، لانه على هذا التقدير يكون من ما لا نص فيه

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 371 و 466 ، والفروع ج 4 ص 395 ، والوسائل الباب 44 و 54 من كفارات الصيد.


وفيه (أولا) : ما عرفت آنفا. و (ثانيا) : ان ضعفها بناء على هذا الاصطلاح المحدث مجبور بعمل الأصحاب بها ، فإنه لا راد لها في ما اعلم. وهذه قاعدة كلية عندهم ، وقد وافقهم عليها في غير موضع. و (ثالثا) : ان ما اختاره ـ من الاقتصار على وجوب القيمة بناء على طرح الرواية ـ مبني على كون الاجزاء مضمونة كالجميع ، وهو قد ناقش فيه سابقا. و (رابعا) : ان صالح بن عقبة مشترك بين صالح بن عقبة بن خالد الأسدي ، الذي ذكروا ان له كتابا يرويه عن محمد ابن إسماعيل عن محمد بن أيوب عنه (عليه‌السلام) وبين صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان ، وهذا هو الذي طعنوا عليه بما ذكره ، وهو في الرواية غير متعين للحمل عليه ، بل ربما يبعد إرادته ، لأنهم ذكروا انه روى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) وروايته هنا عنه (عليه‌السلام) بالواسطة ، فهو الى الحمل على الآخر أقرب.

وفي انسحاب الحكم الى غير الظبية من بقرة الوحش ونحوها وجهان ، أظهرها العدم.

المقام الثاني في اليد ، وفيه أيضا مسائل الاولى ـ لو أحرم ومعه صيد ، زال ملكه عنه ، ووجب إرساله. وهو مقطوع به في كلام الأصحاب ، وأسنده في المنتهى الى علمائنا ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. ونقل عن ابن الجنيد انه قال : ولا استحب ان يحرم وفي يده صيد.

واستدل على المشهور بما رواه الشيخ عن ابي سعيد المكاري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا يحرم أحد ومعه شي‌ء

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 362 ، والوسائل الباب 34 من كفارات الصيد.


من الصيد حتى يخرجه من ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه ان يخليه».

وعن بكير بن أعين في الحسن (1) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل أصاب ظبيا فادخله الحرم ، فمات الظبي في الحرم. فقال : ان كان حين ادخله خلى سبيله فلا شي‌ء عليه ، وان كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء».

وأنت خبير بأنه لا دلالة في شي‌ء من هذين الخبرين على المدعى بوجه ، اما الأول فإن غاية ما يدل عليه انه يجب إخراجه عن ملكه ، والمدعى خروجه عن ملكه بمجرد الإحرام ، وأحدهما غير الآخر. واما الثاني فغاية ما يدل عليه وجوب الفداء بإمساكه بعد إدخاله الحرم حتى مات.

وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة بجميع شقوقها مستوفى في آخر البحث الأول.

ثم انهم قد صرحوا هنا بأنه لو لم يرسله ومات ضمنه ، وظاهرهم انه لو مات بعد الإحرام ضمنه ، والمستفاد من الاخبار ان الضمان إنما هو بعد إدخاله الحرم وإمساكه لا بعد الإحرام ، لحسنة بكير المذكورة هنا وغيرها من ما تقدم في البحث الأول.

قالوا : وينبغي تقييد وجوب الإرسال بما إذا تمكن من إرساله ، اما لو لم يتمكن وتلف قبل إمكانه ، فالظاهر انه لا ضمان.

قالوا : ولو لم يرسله حتى أحل فلا شي‌ء عليه سوى الإثم. وفي

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 362 ، والفروع ج 4 ص 238 ، والوسائل الباب 36 من كفارات الصيد.


وجوب الإرسال بعد الإحلال قولان.

ولو ادخله الحرم ثم أخرجه ، قيل : وجب إعادته اليه ، لأنه قد صار من صيد الحرم.

ونوقش في تعميم هذا الحكم بالنسبة الى ما عدا الطير ، لاختصاص الروايات المتضمنة لوجوب الإعادة بالطير.

المسألة الثانية ـ لو اجتمع محرم ومحل أو محرمان على صيد ، فأمسك أحدهما وذبح الآخر ، فههنا صور أحدها ـ ان يكون الذابح والممسك محرمين في الحل ، ولا ريب في وجوب الفداء على الذابح كما تقدمت الروايات به صريحة. واما الممسك فلما سيأتي من وجوب الفداء بالدلالة ، فبالإمساك الذي هو اعانة بطريق اولى. وثانيها ـ ان يكون الذابح محرما في الحل والممسك محلا ، والضمان على المحرم خاصة ، والمحل في الحل لا يلزمه شي‌ء ، لأنه لم يهتك حرمه الإحرام ولا حرمة الحرم. وثالثها ـ العكس ، والضمان على الممسك بالتقريب المتقدم. ورابعها ـ الصورة الأولى بعينها في الحرم ، وفيه تضاعف الفداء الذي هو عبارة عن المثل المنصوص في الآية (1) والاخبار والقيمة على كل منهما. وخامسها ـ الصورة الثانية وكون ذلك في الحرم ، وفيه تضاعف الفدية على الذابح خاصة ، والمحل ليس عليه إلا القيمة. وسادسها ـ الصورة الثالثة وكون ذلك في الحرم ، والحكم فيها ظاهر من سابقتها كما لا يخفى.

المسألة الثالثة ـ إذا ذبح المحرم صيدا كان ميتة ، ويحرم على المحل ، وقيل : لا يحرم عليه. وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة

__________________

(1) سورة المائدة ، الآية 95.


الخامسة من البحث الأول فليراجع.

المقام الثالث في التسبيب ، وفيه مسائل الاولى ـ من أغلق على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض ، ضمن بالإغلاق ، فإن زال السبب وأرسلها سليمة سقط الضمان ، ولو هلكت ضمن الحمامة بشاة ، والفرخ بحمل ، والبيضة بدرهم ، ان كان محرما ، وان كان محلا ، ففي الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيضة ربع درهم. وقيل : يستقر الضمان بنفس الأغلاق.

والأول مذهب جمع من الأصحاب : منهم : الفاضلان والشهيد في الدروس. والثاني قول الشيخ (رحمه‌الله) وعليه يدل ظاهر الخبر الوارد في المسألة ، وهو ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب (1) بسند لا يبعد ان يكون موثقا ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم ، وفراخ ، وبيض. فقال : ان كان أغلق عليها قبل ان يحرم ، فان عليه لكل طير درهما ، ولكل فرخ نصف درهم ، ولكل بيضة ربع درهم ، وان كان أغلق عليها بعد ما أحرم ، فإن عليه لكل طائر شاة ، ولكل فرخ حملا ، وان لم يكن تحرك فدرهم ، وللبيض نصف درهم». وظاهر الرواية ـ كما ترى ـ ظاهر في القول الثاني.

والأولون انما نزلوها على ما إذا هلكت بالإغلاق ، بناء على انه قبل التلف مخاطب بالإطلاق لا بالفداء ولا بالقيمة.

وفيه : انه لا مانع من مخاطبته بالإطلاق مع إيجاب هذه الأشياء

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 350 ، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد.


عليه ـ لما فعله من حبسها وتعريضها للهلاك ـ إذا اقتضاه النص ودل عليه. ويؤيده أن حمام الحرم موجب للفداء والقيمة وان كان بالإغلاق ، كما صرح به العلامة في المنتهى وغيره.

واحتمال حمل الأغلاق في الرواية على ما كان في غير الحرم بعيد عن ظاهر الرواية ، واقتضاء ثبوت القيمة على غير المحرم ثبوت القيمة والفداء على المحرم ، فكيف يوجب هنا الفدية خاصة في الحرم على المحرم؟

إلا ان يقال بوجوب الفداء خاصة على المحرم في الحرم في هذا النوع من الإتلاف وان وجب التضاعف في غيره. والظاهر بعده.

قيل : ويمكن تنزيل الرواية على ما إذا جهل حال الحمام وبيضه وفرخه بعد الأغلاق. ويمنع مساواة فدائه لفداء الإتلاف ، لانتفاء الدليل عليه.

أقول : وفي هذه المسألة روايات أخر لم يتعرض لها الأصحاب :

منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني وسليمان ابن خالد (1) قالا : «قلنا لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل أغلق بابه على طائر؟ فقال : ان كان أغلق الباب بعد ما أحرم فعليه شاة وان كان أغلق الباب قبل ان يحرم فعليه ثمنه».

والصدوق روى هذه الرواية عن سليمان بن خالد (2) إلا ان فيها «أغلق بابه على طير فمات».

وهي منطبقة على القول الأول ظاهرة فيه واما على رواية الشيخ فيصير سبيلها سبيل الرواية المتقدمة في الاشكال والاحتمال.

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 350 ، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد.

(2) الفقيه ج 2 ص 167 ، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد.


وكيف كان فإنه يظهر لك ما في كلامه في المدارك ، حيث قال في آخر البحث : «إلا ان ذلك كله موقوف على صحة السند» فان فيه ما يشير الى رد الرواية وما ذكر فيها من البحث من حيث ضعف السند ، وهذه الرواية ـ كما ترى ـ صحيحة السند برواية الشيخين المذكورين. وهي وان لم تتضمن إلا الحمام فقط ، إلا ان الحكم في فراخها وبيضها معلوم من حكمها.

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ (رحمهما‌الله تعالى) عن زياد ابى الحسن الواسطي عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن قوم اقفلوا على طير من حمام الحرم الباب فمات. قال : عليهم بقيمة كل طير درهم ، يعلف به حمام الحرم».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) : «في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات. قال : يتصدق بدرهم ، أو يطعم به حمام الحرم».

والخبران محمولان على من فعل ذلك محلا.

وربما يفهم من هذين الخبرين ـ بانضمامهما إلى رواية الصدوق عن سليمان بن خالد المتقدمة ـ ما أشرنا إليه سابقا من اختصاص هذا النوع من الإتلاف بهذا الحكم ، ويحمل إطلاق رواية يونس بن يعقوب وصحيحة سليمان بن خالد برواية الشيخ على ذلك. والاحتياط لا يخفى

الثانية ـ لو نفر حمام الحرم فشاة ، فان لم يرجع فعليه لكل واحدة

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 234 و 235 ، والتهذيب ج 5 ص 350 ، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد ، والوافي باب (حكم صيد الحرم).

(2) الفقيه ج 2 ص 167 ، والوسائل الباب 16 من كفارات الصيد.


شاة ، نقله العلامة في المختلف عن الشيخين وعلي بن الحسين بن بابويه وابن البرج وسلار وابن إدريس وابن حمزة ، قال : وقال ابن الجنيد : ومن نفر طيور الحرم كان عليه لكل طائر ربع قيمته. ثم قال : والظاهر ان مقصوده بذلك إذا رجعت ، إذ مع عدم الرجوع يكون كالمتلف ، فيجب عليه عن كل واحدة شاة. ثم نقل عن الشيخ (رحمه‌الله) ـ حيث حكى كلام المفيد : ان من نفر حمام الحرم فعليه دم شاة إذا رجعت ، فان لم ترجع فعليه لكل طائر شاة ـ انه قال : هذا قد ذكره علي بن الحسين بن بابويه في رسالته ، ولم أجد به حديثا مسندا

أقول : لا يخفى ان ما ذكره الشيخ علي بن الحسين بن بابويه هنا إنما أخذه من كتاب الفقه الرضوي ، وهو مستنده في هذا الحكم وغيره من ما عرفت وستعرف ان شاء الله (تعالى) حيث قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (1) : «وان نفرت حمام الحرم فرجعت فعليك في كلها شاة ، وان لم ترها رجعت فعليك لكل طير دم شاة». والعلامة لو نقل صورة عبارته لرأيت هذه العبارة بعينها ، لكنه نقل القول عنه مجملا.

والظاهر ان الشيخ المفيد ومن تبعه إنما تبعوا الشيخ المذكور في ذلك ، لما ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى من ان المتقدمين إذا اعوزتهم النصوص رجعوا الى فتاوى علي بن الحسين بن بابويه (رضى الله عنهم جميعا).

والعجب من صاحب المدارك حيث خص ذلك القول بعد نقل عبارة المحقق بالشيخ المفيد ، ثم نقل كلام الشيخ في التهذيب الدال

__________________

(1) ص 29.


على انه لم يجد به حديثا مسندا ، والقول بذلك كما نقله في المختلف مشهور عن جماعة من المتقدمين كما عرفت.

ثم ان إطلاق التنفير في الخبر المذكور شامل لما لو لم يخرج من الحرم ، وقيده الشهيد في بعض تحقيقاته بما لو تجاوز الحرم. وإطلاق الخبر شامل لما لو كان المنفر محرما أو محلا.

واحتمل بعض الأصحاب وجوب الفداء والقيمة إذا كان محرما في الحرم.

قال في المدارك : وهو بعيد جدا ، اما مع العود فواضح ، واما مع عدمه فلان مثل ذلك لا يعد إتلافا.

قيل : ولو كان المنفر حمامة واحدة ففي وجوب الشاة مع العود وعدمه وجهان ، يبتنيان على ان الحمام اسم جنس أو جمع ، فعلى الأول يتعلق الحكم بالواحدة ، دون الثاني. واستقرب العلامة في القواعد وجماعة عدم وجوب الشاة في تنفير الواحدة مع العود ، حذرا من لزوم تساوي حالتي العود وعدمه ، مع ان مقتضى أصل الحكم الفرق بينهما.

قالوا : ولو كان المنفر جماعة ففي تعدد الفداء عليهم أو اشتراكهم فيه ـ خصوصا مع كون فعل كل واحد لا يوجب النفور ـ وجهان. وكذا الوجهان في إلحاق غير الحمام به.

قال في المدارك بعد ذكر جملة من هذه الفروع : والكلام في فروع هذه المسألة قليل الفائدة ، لعدم ثبوت مستند الحكم من أصله ، كما اعترف به الشيخ وغيره. والمطابق للقواعد عدم وجوب شي‌ء مع العود ، ولزوم فدية التلف على الوجه المقرر في حكم الإحرام والحرم مع عدمه


ان نزلنا التنفير مع عدم العود منزلة الإتلاف ، وإلا اتجه السقوط مطلقا. انتهى.

أقول : فيه : ان المستند معلوم من ما ذكرنا ، وان خفي عليه وعلى أمثاله من الأصحاب ، كما أشرنا إليه في غير باب من الأبواب ، إلا ان ما ذكروه من الفروع ـ كما هي عادتهم في جميع المسائل المنصوصة ـ لا يخلو أكثره من الإشكال.

الثالثة ـ إذا رمى اثنان فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر ، وجب الفداء على كل واحد منهما على المشهور ، اما المصيب فلإصابته ، واما المخطئ فلجرأته.

والأصل في ذلك صحيحة ضريس بن أعين (1) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجلين محرمين ، رميا صيدا فأصابه أحدهما. قال : على كل واحد منهما الفداء».

ورواية إدريس بن عبد الله (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن محرمين يرميان صيدا فأصابه أحدهما ، الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما؟ قال : عليهما جميعا ، يفدي كل واحد منهما على حدته».

وقال ابن إدريس : لا يجب على المخطئ شي‌ء ، إلا ان يدل ، فيجب للدلالة لا للرمي. والروايتان المذكورتان حجة عليه.

قيل : ولو تعدد الرماة ففي تعدى الحكم الى الجميع أوجه ، أوجهها لزوم فداء واحد لجميع من أخطأ.

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 352 ، والوسائل الباب 20 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 351 ، والوسائل الباب 20 من كفارات الصيد.


والأظهر عدم تعدي هذا الحكم الى المحلين إذا رميا الصيد في الحرم بالنسبة إلى القيمة ، قصرا لما خالف الأصل على موضع النص والوفاق

الرابعة ـ إذا أوقد جماعة محرمون نارا ، فوقع فيها صيد ، لزم كل واحد منهم فداء ، إذا قصدوا بذلك الاصطياد ، وإلا فداء واحد والأصل في ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن ابي ولاد (1) قال : «خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلى مكة ، فأوقدنا نارا عظيمة في بعض المنازل ، أردنا أن نطرح عليها لحما نكببه ، وكنا محرمين ، فمر بها طائر صاف مثل حمامة أو شبهها ، فاحترقت جناحاه فسقط في النار فمات ، فاغتممنا لذلك ، فدخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) بمكة فأخبرته وسألته ، فقال : عليكم فداء واحد ، دم شاة ، تشتركون فيه جميعا ، لان ذلك كان منكم على غير تعمد ، ولو كان ذلك منكم تعمدا ليقع فيها الصيد فوقع ، ألزمت كل رجل منكم دم شاة. قال أبو ولاد : وكان ذلك منا قبل ان ندخل الحرم».

ومورد الرواية الطير ، وان ذلك كان منهم بعد الإحرام وقبل دخول الحرم. والمحقق في المعتبر عبر بالصيد ، وظاهره انه أعم من الطائر وغيره. ولا بأس به ، لقوله (عليه‌السلام) : «ليقع فيها الصيد» وألحق جمع من الأصحاب بذلك المحل في الحرم بالنسبة إلى لزوم القيمة ، وصرحوا باجتماع الأمرين على المحرم في الحرم. قال في المدارك : وهو جيد مع القصد بذلك الى الاصطياد ، اما بدونه فمشكل ، لانتفاء النص. وهو جيد.

وقيل : ولو اختلفوا في القصد وعدمه ، بان قصد بعض درن بعض ،

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 392 ، والتهذيب ج 5 ص 352 ، والوسائل الباب 19 من كفارات الصيد.


اختص كل بحكمه ، فيجب على كل من القاصدين فداء ، وعلى جملة الغير القاصدين فداء واحد. قيل : ولو كان غير القاصد واحدا فإشكال ينشأ من مساواته للقاصد ، مع انه أخف منه حكما. واحتمل الشهيد في الدروس مع اختلافهم في القصد ان يجب على من لم يقصد ما كان يلزمه مع عدم قصد الجميع ، فلو كانا اثنين مختلفين ، فعلى القاصد شاة ، وعلى الآخر نصفها ، لو كان الواقع كالحمامة. قال في المدارك : وهو حسن.

وجميع هذه التفريعات لا تخلو من الإشكال.

الخامسة ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان من دل على صيد فقتل ، فإنه يضمنه.

وعلى ذلك تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا نستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم ، ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده ، ولا تشر اليه فيستحل من أجلك ، فإن فيه فداء لمن تعمده».

وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح عن منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «المحرم لا يدل على الصيد ، فان دل عليه فقتل فعليه الفداء». ورواه الشيخ في موضع من التهذيب (3) بغير لفظ : «قتل».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 1 من تروك الإحرام ، والباب 17 من كفارات الصيد.

(3) ج 5 ص 315 ، وأورده أيضا ص 467.


وظاهر الخبرين المذكورين ان الضمان إنما يترتب على الدلالة إذا حصل الإتلاف ، وهو الذي صرح به جمهور الأصحاب. وعن ابن البراج إطلاق الحكم ، قال في المختلف : وقال ابن البراج : من دل على صيد فعليه الفداء. ولم يقيد بالقتل ، فان قصد الإطلاق فهو ممنوع. لنا : انه مع عدم القتل لم يحصل على الصيد جناية مباشرة ولا مسببة فلا ضمان. احتج بما رواه منصور بن حازم عن الصادق (عليه‌السلام). ثم ساق الرواية بهذه الكيفية : «فإن دل فعليه الفداء» والجواب : الرواية محمولة على ما قيدناه. انتهى.

أقول : لا حاجة الى التقييد ، فإن الرواية ـ كما في الكافي والتهذيب كما عرفت ـ مشتملة على القتل ، وسقوطه من هذه الرواية المذكورة إنما حصل من قلم الشيخ (رحمه‌الله) كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما وقع له في التهذيب من السهو في المتون والأسانيد بما يضيق عن نشره نطاق البيان.

وقد قطع الأصحاب أيضا بضمان المحل في الحرم بالدلالة ، وبه صرحت صحيحة الحلبي المذكورة.

اما المحل في الحل فالظاهر انه لا يلزمه شي‌ء ، سواء كان المدلول محرما أو محلا في الحرم ، وان أثم بذلك. ونقل عن العلامة في المنتهى انه احتمل الضمان على هذا التقدير ايضا.

قال في المدارك : واعلم ان صور المسألة ترتقي إلى اثنتين وثلاثين صورة ، لأن الدال والمدلول اما ان يكونا محلين أو محرمين أو بالتفريق وعلى كل تقدير فاما ان يكونا في الحل أو في الحرم أو بالتفريق ، فهذه ست عشرة صورة ، وعلى كل تقدير فاما ان يكون الصيد في الحل أو في الحرم ، وأحكامها تعلم من ما ذكرناه. انتهى.


السادسة ـ قالوا : لو وقع الصيد في الشبكة فأراد تخليصه فهلك أو عاب ضمنه. ولم أقف لهم في هذا الحكم على مستند. ولعل مستنده هو الإجماع ، كما يفهم من المنتهى على ما نقله عنه المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، حيث قال : واما دليل ضمان المخلص وكفارته لعله الإجماع المفهوم من المنتهى ، حيث ما نقل الخلاف إلا عن العامة (1) قال المصنف في المنتهى : لو خلص صيدا من سبع أو شبكة أو أخذه ليخلص من رجله خيطا ونحوه ، فتلف بذلك ، كان عليه الضمان. الى قوله : لنا : عموم الأدلة الواردة بوجوب الجزاء. ثم قال المحقق المذكور : الإجماع غير ظاهر ، والعموم لا تظهر دلالته والأصل دليل قوي ، والظاهر ان فعله إحسان ومشروع ، ولا سبيل على المحسنين (2) انتهى. وهو جيد. وبنحو ذلك صرح في المسالك.

وعلى منوالهما نسج السيد السند في المدارك فقال بعد نقل عبارة المصنف الدالة على الضمان : هذا الحكم مشكل على إطلاقه ، وينبغي القطع بعدم الضمان مع انتفاء التعدي والتفريط ، لان تخليصه على هذا الوجه مباح ، بل إحسان محض ، وما على المحسنين من سبيل (3) ومثله ما لو خلص الصيد من فم هرة أو سبع أو من شق جدار ، أو أخذه ليداويه ويتعهده ، فمات في يده. انتهى.

وظاهر العلامة في التذكرة التوقف في ذلك. واستشكله في القواعد أيضا.

__________________

(1) المغني ج 3 ص 452 طبع مطبعة العاصمة.

(2) لقوله تعالى في سورة التوبة ، الآية 91 (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ).

(3) سورة التوبة ، الآية 91.


وقيل في وجه الاشكال : ان منشأه ، من تعارض العموم الدال على ان من اثبت يده على صيد ضمنه ، ومن قوله (عزوجل) (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (1) والتخليص إحسان محض.

قال المحقق الشيخ علي في الشرح : الضمان أحوط ، وان كان العدم قويا ، لعموم قوله (تعالى) (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (2). ولا يعارض بعموم الضمان بإثبات اليد على الصيد ، لان الترجيح للأول بالأصل ، وباذن الشارع بهذا الفعل. انتهى.

وبالجملة فالظاهر العدم حتى يقوم الدليل الصحيح الصريح.

السابعة ـ قالوا : إذا أغرى كلبه بصيد فقتله ضمن ، لانه سبب في إتلافه. والحق العلامة (قدس‌سره) بالإغراء بالصيد حل المحرم رباط الكلب عند معاينة الصيد ، لانه يصيد بطبعه عند المعاينة ، فيكون سببا في إتلافه. واستحسنه في المدارك. ولو أغراه عابثا من غير معاينة صيد ، واتفق خروج الصيد ، ففي الضمان وعدمه تردد ، ينشأ من عدم قصد الصيد ، ومن حصول التلف بسببه ، وعدم تأثير الجهالة في ذلك ، لان الصيد يضمن مع الجهل.

الثامنة ـ قالوا : لو أمسك المحرم صيدا له طفل فمات الطفل ضمن لانه سبب في الإتلاف ، وهو أقوى من الدلالة المقتضية للضمان بالنص الصحيح المتقدم. واما الصيد الممسك ، فان تلف بالإمساك ايضا ضمنه ، وإلا فلا. وكذا يضمن الطفل المحل لو كان الإمساك في الحل والطفل في الحرم. أما الأم لو ماتت فلا ، لانه ليس محرما ولا جنايته في الحرم. ولو انعكس الفرض بأن أمسك الأم محلا في الحرم والطفل في الحل ،

__________________

(1 و 2) سورة التوبة ، الآية 91.


ففي ضمان الطفل إشكال ، ينشأ من كونه في الحل فلا يكون مضمونا ومن كون الإتلاف بسبب صدر في الحرم ، كما ورد في الرمي في الحرم الصيد في الحل ، من «ان الآفة جاءت من قبل الحرم» (1). وقوى شيخنا الشهيد الثاني : الثاني.

التاسعة ـ قالوا : إذا رمى المحرم صيدا فاضطرب ، فقتل فرخا أو صيدا آخر ، كان عليه فداء الجميع ، اما ضمان الصيد المرمي فواضح ، واما ضمان الآخرين فلمكان السببية كالدلالة. ولا فرق في ذلك بين المحرم في الحل والمحل في الحرم ومن جميع الوصفين ، فيلحق كل واحد ما يلزمه شرعا.

العاشرة ـ قالوا : السائق يضمن ما تجنيه دابته ، وكذا الراكب إذا وقف بها ، وإذا سار ضمن ما تجنيه بيديها. وإطلاق ضمان السائق والراكب في حال الوقوف ما تجنيه الدابة يشمل ما تجنيه بيديها أو رجليها أو رأسها. ومقتضى تخصيص ضمان الراكب إذا كان سائرا بما تجنيه بيديها يقتضي عدم ضمان ما تجنيه برأسها أو رجليها. والحق العلامة هنا الرأس باليدين ، واقتصر على سقوط ضمان جناية الرجلين خاصة. واستدل عليه بما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «الرجل جبار» يعني : هدر. قال في المدارك : ولم أقف في هذا التفصيل على رواية من طرق الأصحاب ، إلا ان حكمها في مطلق الجناية كذلك. انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار من ما يتعلق بهذه المسألة

__________________

(1) ص 307.

(2) سنن البيهقي ج 8 ص 343.


ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي الصباح الكناني (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ما وطأته أو وطأه بعيرك أو دابتك وأنت محرم فعليك فداؤه».

وهي ـ كما ترى ـ مطلقة في ضمان ما تطأه الدابة ، من غير فرق بين اليدين والرجلين ، ولا حال الوقوف والسير.

وذكر العلامة في المنتهى : ان الدابة لو انقلبت فأتلفت صيدا يضمنه ، لانتفاء اليد والحال هذه. ولقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) : «العجماء جبار».

واحتمل في المدارك قويا عدم الضمان إذا أتلفت شيئا وهي سائبة للرعي أو الاستراحة ، للأصل. وانتفاء اليد. وعدم العموم في الخبرين المتقدمين. وتردد فيه في الذخيرة ، نظرا الى عموم الروايتين السابقتين بحسب ظاهر اللفظ. وتبادر الدابة التي ركب عليها. أقول : لا يخفى ضعف الوجه الأول من وجهي التردد.

ومورد الرواية ضمان المحرم ، اما المحل في الحرم فلم أقف على ما يدل على حكمه ، إلا ان الأصحاب قاطعون بان ما يضمنه المحرم يضمنه المحل في الحرم ، ويتضاعف الجزاء عند الاجتماع.

البحث الرابع في صيد الحرم

وفيه مسائل الأولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 355 ، والوسائل الباب 23 و 53 من كفارات الصيد.

(2) الوسائل الباب 32 من موجبات الضمان من كتاب الديات.


عليهم) بأنه يحرم من الصيد على المحل في الحرم ما يحرم على المحرم في الحل ، والظاهر انه مجمع عليهم بينهم ، كما حكاه في المنتهى.

ويدل عليه جملة من الروايات ، ومنها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم».

وقد تقدم في المسألة السادسة من البحث الأول جملة من الاخبار الدالة على ذلك.

ويجوز للمحل في الحرم قتل القمل والبراغيث والبق والنمل ، إجماعا على ما نقله في المدارك.

ويدل عليه ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) انه قال : «لا بأس بقتل النمل والبق في الحرم. وقال : لا بأس بقتل القملة في الحرم وغيره».

وفي التهذيب (3) بهذا الاسناد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا بأس بقتل القمل والبق في الحرم».

وما رواه في الفقيه (4) عن حنان بن سدير عن ابي جعفر (عليه

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من تروك الإحرام ، والباب 13 و 17 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 366 ، والفقيه ج 2 ص 172 ، والوسائل الباب 84 من تروك الإحرام.

(3) ج 1 ص 552 الطبع القديم وج 5 ص 366 الطبع الحديث ، والوسائل الباب 84 من تروك الإحرام ، والوافي باب (حكم صيد الحرم).

(4) ج 2 ص 231 و 232 ، والوسائل الباب 81 من تروك الإحرام.


السلام) قال : «أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بقتل الفأرة في الحرم ، والأفعى ، والعقرب ، والغراب الأبقع ، يرميه فإن أصبته فأبعده الله. وكان يسمى الفأرة : الفويسقة. وقال : انها توهي السقاء وتضرم البيت على اهله».

وما رواه الكليني عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم».

وحينئذ فمن قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه محلا كان القاتل أو محرما ، إلا ان البحث هنا بالنسبة إلى المحل ، والمراد بالفداء بالنسبة إليه هو القيمة. وقد تقدم في جملة من الاخبار ان الجناية من حيث الإحرام خاصة موجبة للجزاء والفدية ، كل بحسبه ، كما تقدم في نوعي ما لكفارته بدل على الخصوص ، وما لا بدل له على الخصوص ، من البحث الثاني ، والجناية من حيث الحرم موجبة للقيمة ومتى اجتمع السببان اجتمع الأمران المترتبان على كل منهما.

ومن الاخبار الواردة في المقام حسنة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ان أصبت الصيد وأنت حرام في الحرم فالفداء مضاعف عليك ، وان أصبته وأنت حلال في الحرم فقيمة واحدة وان أصبته وأنت حرام في الحل فإنما عليك فداء واحد».

وحسنة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) انه قال : «فان قتلها ـ يعني : الحمامة ـ في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها».

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 364 ، والوسائل الباب 79 و 84 من تروك الإحرام.

(2 و 3) الفروع ج 4 ص 395 ، والوسائل الباب 44 من كفارات الصيد.


وصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة الى ان يبلغ الظبي ، فعليه دم يهريقه ، ويتصدق بمثل ثمنه ، فإن أصاب منه وهو حلال ، فعليه ان يتصدق بمثل ثمنه».

والاخبار بذلك كثيرة جدا ، وقد تقدمت في تضاعيف الأبحاث المتقدمة.

وحكى العلامة في المختلف عن الشيخ قولان بان من ذبح الصيد في الحرم وهو محل كان عليه دم. وهو شاذ مردود بالاخبار.

ولو اشترك في قتل الصيد في الحرم جماعة من المحلين ، قيل : على كل واحد منهم قيمة الصيد. وتردد فيه المحقق.

وذكر في المسالك : ان منشأ التردد ، من ان المقتول واحد فيجب له فداء واحد على الجميع ، وأصالة البراءة من الزائد ، خرج منها قتل الجماعة المحرمين للصيد ، فتبقى معمولا بها في ما عداها ، ومن اشتراك المحلين والمحرمين في العلة ، وهي الإقدام على قتل الصيد ، خصوصا إذا كان فعل كل واحد ملفا. وهذا هو الأقوى. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه لا يخفى ضعف الوجه الثاني من وجهي التردد ، فإنه لا يخرج عن القياس. وهو جيد. ثم نقل عن الشيخ (رحمه‌الله تعالى) انه قوى لزوم الجميع جزاء واحد ، لأصالة البراءة من الزائد. ثم قال : وهو متجه. انتهى. وهو كذلك

الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في حكم رمي الصيد في الحل وهو يؤم الحرم ، فقيل بالتحريم ، ذهب اليه

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 167 ، والوسائل الباب 11 و 44 من كفارات الصيد.


الشيخ وجمع من الأصحاب ، وقيل بالكراهة ، واختاره ابن إدريس وأكثر المتأخرين.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار هنا ما رواه الشيخ عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «كان يكره ان يرمى الصيد وهو يؤم الحرم».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل رمى صيدا في الحل وهو يؤم الحرم في ما بين البريد والمسجد ، فأصابه في الحل ، فمضى برميته حتى دخل الحرم ، فمات من رميته ، هل عليه جزاء؟ فقال : ليس عليه جزاء ، إنما مثل ذلك مثل من نصب شركا في الحل الى جانب الحرم ، فوقع فيه صيد ، فاضطرب حتى دخل الحرم فمات ، فليس عليه جزاؤه ، لأنه نصب حيث نصب وهو له حلال ، ورمى حيث رمى وهو له حلال ، فليس عليه في ما كان بعد ذلك شي‌ء. فقلت : هذا القياس عند الناس. فقال : إنما شبهت لك الشي‌ء بالشي‌ء لتعرفه». ونحوه روى في التهذيب (3) باختلاف ما في الألفاظ.

ورواه في الكافي عنه أيضا في الصحيح (4) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل رمى صيدا في الحل ، فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات ، أعليه جزاؤه؟ قال : لا ليس عليه جزاؤه ، لأنه

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 359 ، والوسائل الباب 29 من كفارات الصيد.

(2) الفقيه ج 2 ص 168 و 169 ، والوسائل الباب 30 من كفارات الصيد.

(3) ج 5 ص 360 ، والوسائل الباب 30 من كفارات الصيد.

(4) الفروع ج 4 ص 234 ، والوسائل الباب 30 من كفارات الصيد.


رمى حيث رمى وهو له حلال ، انما مثل ذلك مثل رجل نصب شركا في الحل الى جانب الحرم ، فوقع فيه صيد فاضطرب الصيد حتى دخل الحرم ، فليس عليه جزاؤه ، لأنه كان بعد ذلك شي‌ء. فقلت : هذا القياس عند الناس. فقال : انما شبهت لك شيئا بشي‌ء».

أقول : وبهذه الروايات أخذ من ذهب الى الجواز على كراهية.

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن عقبة بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل قضى حجه ثم اقبل حتى إذا خرج من الحرم ، استقبله صيد قريبا من الحرم ، والصيد متوجه نحو الحرم ، فرماه فقتله ، ما عليه في ذلك؟ قال : يفديه على نحوه».

وما رواه في الكافي في الحسن عن مسمع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن رجل رمى صيدا خارجا من الحرم في الحل ، فتحامل الصيد حتى دخل الحرم. فقال : لحمه حرام مثل الميتة».

والمشهور بين المتأخرين ـ كما عرفت ـ هو الجمع بين هذه الاخبار بالكراهة ، سيما مع تصريح مرسلة ابن ابي عمير بذلك.

وفيه (أولا) : ما عرفت في غير موضع من ما تقدم انه لا مستند لهذا الجمع ، وان اشتهر العمل عليه بينهم ، للوجوه المتقدمة.

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 397 ، والتهذيب ج 5 ص 360 ، والوسائل الباب 30 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 235 ، والتهذيب ج 5 ص 359 و 360 ، والوسائل الباب 29 من كفارات الصيد.


(وثانيا) : ان استعمال الكراهة في الاخبار بمعنى التحريم أكثر كثير. ولهذا استدل الشيخ بهذه الرواية مع رواية علي بن عقبة (1) على التحريم.

والذي يقرب عندي في الجمع بينها أحد وجهين : اما حمل صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج على ان الصيد حال رميه لا يؤم الحرم ـ أما رواية الكافي فهي مطلقة قابلة للحمل على ما ذكرنا ، واما رواية الصدوق فبان يجعل قوله : «وهو يؤم الحرم» حالا من «رجل» وبه يجمع بينها وبين رواية عقبة بن خالد الصريحة في كون الصيد متوجها نحو الحرم ـ واما حمل صحيحتي عبد الرحمن على التقية ، فإن العلامة في المنتهى والتذكرة قد نقل عن بعض الجمهور : انه لو رمى صيدا في الحل فجرحه ، فتحامل الصيد فدخل الحرم فمات به ، فإنه يحل اكله ولا جزاء فيه ، لأن الذكاة حصلت في الحل ، فأشبه ما إذا جرح صيدا وهو محل ، ثم أحرم فمات الصيد بعد إحرامه (2). ثم رده.

والشيخ قد أجاب عن روايتي عبد الرحمن بن الحجاج بالحمل على نفي الإثم والعقاب. وبعده ظاهر ، لأن روايتي الصدوق والكليني مصرحتان بأنه ليس عليه جزاء.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال.

ثم انه من ما يتفرع على القولين المذكورين ضمانه لو مات في الحرم وعدمه ، فان قلنا بجواز الرمي ـ كما هو مدلول صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج ـ فلا ضمان كما صرحتا به ، وان قلنا

__________________

(1) ص 302 رقم (1).

(2) المغني ج 3 ص 314 طبع مطبعة العاصمة.


بالتحريم ـ كما هو مدلول رواية عقبة بن خالد ـ وجب الفداء كما صرحت به ايضا.

والمشهور انه يحرم لحمه ، وبه صرح الشيخ وغيره. وذكر الشهيد الثاني انه ميتة على القولين. والظاهر بعده على تقدير القول بالجواز. وظاهر الصحيحتين المذكورتين حل الصيد المذكور ، كما هو قضية التنظير بالشبك المنصوب الى جانب الحرم. وعلى هذا فتكون حسنة مسمع ـ من حيث التصريح فيها بكون لحم الصيد المذكور حراما مثل الميتة ـ مؤيدة للقول بالتحريم.

الثالثة ـ اختلف الأصحاب في حكم الاصطياد بين البريد والحرم ، يعني : الاصطياد بين منتهى البريد وطرف الحرم ، والمشهور الإباحة ، للأصل ، ولان المانع من الاصطياد اما الحرم أو الإحرام ، وهما مفقودان فتثبت الإباحة.

وقال الشيخ المفيد في المقنعة : وكل من قتل صيدا وهو محل في ما بينه وبين الحرم على مقدار بريد لزمه الفداء. وهو ظاهر في القول بالتحريم.

واستدل له الشيخ في التهذيب بما رواه في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا كنت محلا في الحل ، فقلت صيدا في ما بينك وبين البريد الى الحرم ، فان عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه تصدقت بصدقة».

وأجاب عنها المتأخرون بالحمل على الاستحباب. وفيه : ان تأويلها

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 361 ، والفروع ج 4 ص 232 ، والوسائل الباب 32 من كفارات الصيد.


مع عدم المعارض مشكل. ومجرد ما ادعوه ـ من ان المانع من الاصطياد اما الحرم أو الإحرام ـ لا ينافي زيادة فرد آخر إذا دل عليه الدليل مع انه ليس في شي‌ء من تلك الأخبار الدالة ما يدل على الحصر حتى يكون منافيا لهذا الخبر.

ومثل هذه الرواية أيضا ما رواه الشيخ عن عبد الغفار الجازي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) في حديث قال : «وذكر : انك إذا كنت حلالا وقتلت صيدا ما بين البريد والحرم فان عليك جزاءه ، فإن فقأت عينه أو كسرت قرنه أو جرحته تصدقت بصدقة».

واما صحيحتا عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتان ، فهما وان دلتا على الجواز كما تقدم ، إلا ان الأظهر فيهما هو الحمل على التقية ، كما قدمنا ذكره ، لمعارضتهما بالروايتين المتقدمتين مع هاتين الروايتين.

الرابعة ـ لو ربط صيدا في الحل فدخل الحرم حرم إخراجه ، لأنه صار بدخوله من صيد الحرم.

ويدل عليه عموم ما دل على تحريم صيد الحرم من الاخبار المستفيضة المتقدم كثير منها.

وخصوص ما رواه الشيخ عن عبد الأعلى بن أعين (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أصاب صيدا في الحل فربطه الى جانب الحرم ، فمشى الصيد برباطه حتى دخل الحرم والرباط في عنقه ، فاجتره الرجل بحبله حتى أخرجه من الحرم ، والرجل في الحل. فقال : ثمنه

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 467 ، والوسائل الباب 32 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 238 ، والتهذيب ج 5 ص 361 ، والوسائل الباب 15 من كفارات الصيد.


ولحمه حرام مثل الميتة».

الخامسة ـ قالوا : ويضمن لو كان في الحل فرمى صيدا في الحرم فقتله.

واستدلوا على ذلك ـ بعد الإجماع المدعى في المسألة ـ بصحيحة عبد الله ابن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (1) وفيها : «وما دخل في الحرم من الوحش والطير كان آمنا من ان يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم».

وأنت خبير بأنها لا دلالة فيها بوجه ، إذ غاية ما تدل عليه هو تحريم رميه ، لا وجوب الضمان ، واحدهما غير الآخر ، والاخبار الدالة على التحريم كثيرة ، وقد تقدم كثير منها في البحث الأول ، والكلام إنما هو في وجوب الفداء.

قالوا : وفي معنى إرسال السهم إرسال الكلب ونحوه ، لكن يشترط في ضمان مقتول الكلب ونحوه ان يكون مرسلا اليه ، فلو أرسل الى صيد في الحل فدخل الكلب بنفسه الى الحرم فقتل صيدا غيره فلا ضمان كما لو استرسل من نفسه من غير ان يرسله صاحبه.

ولو أرسله على صيد في الحل ، فدخل الصيد الحرم ، فتبعه الكلب فقتله في الحرم ، فقد استقرب العلامة في المنتهى الضمان ، لانه قتل صيدا حرميا بإرسال كلبه عليه ، فكان عليه ضمانه. ويحتمل العدم ، للأصل ، وعدم ثبوت كلية الكبرى.

وكذا يضمن لو كان في الحرم فرمى صيدا في الحل فقتله ، ويدل

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 226 ، والفقيه ج 2 ص 163 و 164 ، والتهذيب ج 5 ص 449 ، والوسائل الباب 88 من تروك الإحرام ، والباب 13 من كفارات الصيد ، والباب 13 من مقدمات الطواف.


عليه ـ مضافا الى الاتفاق ايضا على الحكم المذكور ـ

ما رواه الشيخ في الحسن عن مسمع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «في رجل حل في الحرم رمى صيدا خارجا من الحرم فقتله. فقال : عليه الجزاء لأن الآفة جاءته من قبل الحرم».

قالوا : ولو كان بعض الصيد في الحل وبعضه في الحرم فأصاب منه ما هو في الحل أو الحرم فقتله ، فإنه يضمنه. وعلله في المنتهى بتغليب جانب الحرم. قال في المدارك : وربما كان في صحيحة ابن سنان المتقدمة دلالة عليه. أقول : قد عرفت ان صحيحة ابن سنان لا دلالة فيها على الضمان بوجه ، وإنما دلت على تحريم ان يهاج أو يؤذى ، وتحريم القتل لا يستلزم الضمان ، كما لا يخفى.

وكذا يضمن لو قتل الصيد وهو على فرع شجرة في الحل وأصل الشجرة في الحرم.

لما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (2) : «انه سئل عن شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحل ، على غصن منها طير رماه رجل فصرعه. قال : عليه جزاؤه إذا كان أصلها في الحرم».

ويشهد لهذه الرواية ـ وان لم يدل صريحا على أصل المسألة ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 362 ، والفروع ج 4 ص 235 ، والوسائل الباب 33 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 386 ، والوسائل الباب 90 من تروك الإحرام.

(3) التهذيب ج 5 ص 379 ، والوسائل الباب 90 من تروك الإحرام.


فقال : حرم فرعها لمكان أصلها. قال : قلت : فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم؟ فقال : حرم أصلها لمكان فرعها». ورواه الكليني والصدوق في الصحيح نحوا منه (1).

ويمكن ان يستنبط من هذه الرواية صحة ما ذكره العلامة في مسألة الصيد الذي بعضه في الحل وبعضه في الحرم من حكمه بالضمان تغليبا لجانب الحرم.

السادسة ـ من دخل بصيد الى الحرم وجب عليه إرساله ، فلو أخره فتلف وجب عليه فداؤه. وكذا لو أخرجه معه فتلف.

وقد تقدم من الاخبار ما يدل على ذلك ، ومنها ـ صحيحة بكير ابن أعين (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أصاب ظبيا فادخله الحرم ، فمات الظبي في الحرم. فقال : ان كان حين ادخله خلى سبيله فلا شي‌ء عليه ، وان كان أمسكه حتى مات فعليه الفداء».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن رجل اهدى له حمام أهلي جي‌ء به وهو في الحرم. فقال : ان هو أصاب منه شيئا فليتصدق

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 231 ، والفقيه ج 2 ص 165 ، والوسائل الباب 90 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 238 عن أحدهما (ع) ، والتهذيب ج 5 ص 362 والوسائل الباب 36 من كفارات الصيد عن ابي جعفر (ع).

(3) الفروع ج 4 ص 232 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد. والوافي باب (حكم صيد الحرم).


بثمنه نحوا من ما كان يسوى في القيمة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «انه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به الى الحرم وهو حي. فقال : إذا أدخله إلى الحرم فقد حرم عليه اكله وإمساكه فلا تشترين في الحرم إلا مذبوحا ذبح في الحل ثم جي‌ء به الى الحرم مذبوحا ، فلا بأس به للحلال».

وما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «قال الحكم بن عتيبة : سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) ما تقول في رجل اهدى له حمام أهلي وهو في الحرم من غير الحرم؟ فقال : اما ان كان مستويا خليت سبيله وان كان غير ذلك أحسنت إليه حتى إذا استوى ريشه خليت سبيله».

وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري (3) «في من أصاب طيرا في الحرم ، فقال : ان كان مستوي الجناح فليخل عنه ، وان كان غير مستو نتفه وأطعمه وأسقاه فإذا استوى جناحاه خلى عنه».

وما رواه في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن رجل خرج بطير من مكة إلى الكوفة. قال : يرده إلى مكة».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 376 ، والفروع ج 4 ص 233 ، والوسائل الباب 5 من تروك الإحرام ، والباب 14 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 348 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد.

(3) الفقيه ج 2 ص 167 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد.

(4) الفروع ج 4 ص 234 ، والوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.


ولو كان الطائر مقصوصا وجب حفظه وإطعامه حتى يكمل ثم يرسله.

ويدل على ذلك ما تقدم هنا من صحيحة حفص ، وصحيحة معاوية بن عمار ، وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (1) في الصحيح عن زرارة «ان الحكم سأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل اهدى له حمامة في الحرم مقصوصة. فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) : انتفها وأحسن إليها وأعلفها حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها».

وما رواه في الكافي عن مثنى (2) قال : «خرجنا إلى مكة فاصطاد النساء قمرية من قماري (أمج) حيث بلغنا البريد ، فنتف النساء جناحيها ثم دخلوا بها مكة ، فدخل أبو بصير على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فأخبره ، فقال : تنظرون امرأة لا بأس بها فتعطونها الطير تعلفه وتمسكه ، حتى استوى جناحاه خلته». أقول : الامج موضع بين مكة والمدينة.

وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله ـ تعالى ـ مراقدهم) عن كرب الصيرفي (3) قال : «كنا جماعة فاشترينا طائرا ، فقصصناه ودخلنا به مكة فعاب ذلك علينا أهل مكة ، فأرسل كرب الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) فسأله ، فقال : استودعوه رجلا من أهل مكة مسلما أو امرأة مسلمة

__________________

(1) ج 2 ص 168 ، والفروع ج 4 ص 233 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 237 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد ، والوافي باب (حكم صيد الحرم).

(3) الفروع ج 4 ص 233 ، والفقيه ج 2 ص 169 ، والتهذيب ج 5 ص 348 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد.


فإذا استوى ريشه خلوا سبيله».

ويستفاد من هذه الاخبار وجوب إطعامه وحفظه على من هو في يده حتى يكمل ريشه فيرسله ، ان كان جالسا في مكة ، فلو أرسله قبل ذلك ضمنه مع تلفه ، وإلا أودعه ممن يعتمد عليه ، كما يشير اليه قوله في رواية مثنى : «امرأة لا بأس بها» وفي رواية كرب : «رجلا مسلما أو امرأة مسلمة»

السابعة ـ هل يجوز للمحل في الحل صيد حمام الحرم؟ قولان للشيخ.

والأظهر العدم ، لصحيحة علي بن جعفر (1) قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) عن حمام الحرم يصاد في الحل. فقال : لا يصاد حمام الحرم حيث كان إذا علم انه من حمام الحرم».

الثامنة ـ قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف بان من اخرج صيدا من الحرم وجب عليه إعادته ، ولو تلف قبل ذلك ضمنه. وإطلاق كلامهم شامل لما لو كان الصيد أصله من الحرم ، أو أدخل إليه من خارجه.

وعلى ذلك تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما تقدم من رواية زرارة في الطير الذي خرج به من مكة إلى الكوفة ، ان يرده إلى مكة. وروى هذا الخبر ايضا الصدوق في من لا يحضره الفقيه (2) في الصحيح عن زرارة.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (3) قال : «سألت

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 348 ، والوسائل الباب 13 من كفارات الصيد.

(2) ج 2 ص 171 ، والوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.

(3) التهذيب ج 5 ص 349 ، والوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.


أخي موسى (عليه‌السلام) عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلى الكوفة أو غيرها. قال : عليه ان يردها ، فان ماتت فعليه ثمنها يتصدق به».

وروى معلقا عن علي بن جعفر عن موسى بن جعفر (عليهما‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل خرج بطير من مكة حتى ورد به الكوفة ، كيف يصنع؟ قال : يرده إلى مكة ، فان مات تصدق بثمنه».

ومورد هذه الاخبار إنما هو الطير في بعض والحمامة في آخر ، إلا ان الأصحاب قاطعون بتساوي أنواع الصيد في هذا الحكم.

التاسعة ـ من نتف ريشة من حمام الحرم تصدق باليد الجانية. وهو مقطوع به في كلام الأصحاب.

واستدل عليه العلامة في المنتهى بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله ابن مسكان عن إبراهيم بن ميمون (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل نتف ريشة حمامة من حمام الحرم. قال يتصدق بصدقة على مسكين ، ويطعم باليد التي نتفها ، فإنه قد أوجعها».

ومورد الرواية نتف الريشة الواحدة ، فلو نتف أكثر احتمل الأرش كغيره من الجنايات ، وتعدد الفدية بتعدده. واستوجه العلامة في المنتهى تكرر الفدية ان كان النتف متفرقا ، والأرش ان كان دفعة وقيل : انه يشكل الأرش ، حيث لا يوجب ذلك نقصا أصلا.

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 464 ، والوسائل الباب 14 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 348 ، والوسائل الباب 13 من كفارات الصيد.


الا ان هذه الرواية قد رواها في الكافي وكذا في الفقيه (1) هكذا : «نتف حمامة من حمام الحرم». وليس فيها لفظ «ريشة» والظاهر تقديمهما على الشيخ في ضبط الاخبار ، لما أسلفناه في غير موضع من الإشارة الى ما وقع من الشيخ (رحمه‌الله) في اخبار التهذيب من التحريف والتغيير في المتون والأسانيد. وحينئذ فيهون الإشكال ، لأنه يتناول نتف الريشة فما فوقها.

بقي الكلام في انه لو نتف غير الحمامة أو غير الريش ، وفيه اشكال. وقيل هنا يجب الأرش. وهو محتمل إذا اقتضى ذلك نقص القيمة.

قالوا : ولو حدث بنتف الريشة أو أزيد عيب في الحمامة ضمن أرشه مع الصدقة. ولا يجب تسليم الأرش باليد الجانية. ولا تسقط الفدية بنبات الريش.

العاشرة ـ لا خلاف بين الأصحاب في انه لو ذبح المحل صيدا في الحرم كان ميتة. واما لو ذبحه في الحل وادخله الحرم فلا خلاف أيضا في حله للمحل وتحريمه على المحرم.

ويدل على الحكم الأول صحيحة شهاب بن عبد ربه (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني أتسحّر بفراخ اوتى بها من غير مكة ، فتذبح في الحرم فأتسحر بها. فقال : بئس السحور سحورك ، اما علمت ان ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه».

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 235 و 236 ، والفقيه ج 2 ص 169 ، والوسائل الباب 13 من كفارات الصيد.

(2) الفقيه ج 2 ص 170 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الصيد.


وما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن مثنى بن عبد السلام عن محمد بن ابي الحكم (1) قال : «قلت لغلام لنا : هي لنا غداء ، فأخذ أطيارا من الحرم فذبحها وطبخها ، فأخبرت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال : ادفنها وافد كل طير منها».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن صيد رمي في الحل ثم ادخل الحرم وهو حي. فقال : إذا أدخله الحرم وهو حي فقد حرم لحمه وإمساكه. وقال : لا تشتره في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل ثم ادخل الحرم ، فلا بأس به».

ويدل على الحكم الثاني صحيحة الحلبي المذكورة ، وفي صحيحة أخرى له مثله (3) بزيادة قوله : «فلا بأس للحلال». وفيه إشارة إلى الحكم الثالث.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي يعفور (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الصيد يصاد في الحل ويذبح في الحل ، ويدخل الحرم ويؤكل؟ قال : نعم لا بأس به».

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 233 ، والفقيه ج 2 ص 171 ، والوسائل الباب 55 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 376 ، والوسائل الباب 5 من تروك الإحرام ، والباب 14 من كفارات الصيد.

(3) الفروع ج 4 ص 233 ، والوسائل الباب 5 من تروك الإحرام ، والباب 14 من كفارات الصيد.

(4) التهذيب ج 5 ص 377 ، والوسائل الباب 5 من تروك الإحرام.


واما الحكم الثالث فالدليل فيه ظاهر مكشوف من ما تقدم من الاخبار في أثناء المباحث المتقدمة.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب (1) عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «واجتنب في إحرامك صيد البر كله ، ولا تأكل من ما صاده غيرك ، ولا تشر اليه فيصيده».

ومن ما يدل على الأحكام الثلاثة صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) : «في حمام ذبح في الحل ، قال : لا يأكله محرم ، وإذا ادخل مكة أكله المحل بمكة ، وإذا ادخل الحرم حيا ثم ذبح في الحرم فلا يأكله ، لأنه ذبح بعد ما بلغ مأمنه».

الحادية عشرة ـ المشهور بين الأصحاب انه لا يملك الصيد في الحرم لمحل ولا محرم. وقيل : يدخل في الملك وان وجب عليه إرساله إذا كان معه دون ما إذا كان نائيا عنه. وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في المسألة الثانية عشرة من البحث الأول.

البحث الخامس في اللواحق

وفيه أيضا مسائل الأولى ـ قد صرح الأصحاب بأن كل ما يلزم المحرم في الحل من كفارة الصيد والمحل في الحرم ، فإنه يجتمع على المحرم في الحرم حتى ينتهي إلى البدنة فلا يتضاعف. وقد قدمنا تحقيق البحث في هذه المسألة مستوفى في مسألة كفارة الحمام في البحث الثاني.

الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ

__________________

(1) ج 5 ص 300 ، والوسائل الباب 1 من تروك الإحرام.

(2) التهذيب ج 5 ص 376 ، والوسائل الباب 5 من تروك الإحرام.


عليهم) في تكرر الكفارة بتكرر الصيد سهوا.

ويدل عليه ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه كفارة ، فإن أصابه ثانية خطأ فعليه الكفارة أبدا إذا كان خطأ ، فإن أصابه متعمدا كان عليه الكفارة ، فإن أصابه ثانية متعمدا فهو ممن ينتقم الله منه (2) ولم يكن عليه الكفارة».

وإنما الخلاف في ما لو تكرر عمدا عالما فذهب جمع : منهم : الشيخ في المبسوط والخلاف ، وابن الجنيد ، وابن إدريس ـ إلى التكرار قال ابن إدريس : وهو ظاهر المرتضى. ونقل في المختلف عن ابي الصلاح انه قال : تكرر القتل يوجب تكرر الكفارة. وأطلق.

وعن الشيخ علي بن بابويه انه قال : وكل شي‌ء أتيته في الحرم بجهالة وأنت محل أو محرم ، أو أتيته في الحل وأنت محرم ، فليس عليك شي‌ء إلا الصيد ، فان عليك فداءه ، فان تعمدته كان عليك فداؤه وإثمه.

وذهب ابن بابويه ـ والشيخ في النهاية ، وابن البراج ـ الى العدم

وهو الأظهر ، لظاهر قوله (عزوجل) (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) (3) والتقريب فيها انه (عزوجل) جعل جزاء العود الانتقام بعد ان جعل جزاء الابتداء الفدية ، وقضية المقابلة اختصاص كل من الأمرين بموضعه.

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 372 و 373 ، والوسائل الباب 48 من كفارات الصيد.

(2 و 3) سورة المائدة ، الآية 95.


ومن الاخبار ما تقدم في مرسلة ابن ابي عمير ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ، ويتصدق بالصيد على مسكين ، فان عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاء ، وينتقم الله (تعالى) منه ، والنقمة في الآخرة».

وفي الصحيح أو الحسن عن الحلبي (2) : «في محرم أصاب صيدا ، قال : عليه الكفارة. قلت : فإن أصاب آخر؟ قال : إذا أصاب آخر فليس عليه كفارة ، وهو ممن قال الله (عزوجل) (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)» (3).

قال في الكافي (4) : قال ابن ابي عمير عن بعض أصحابه : «إذا أصاب المحرم ...». ثم نقل مضمون الرواية المتقدمة.

وما رواه الشيخ عن حفص الأعور عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «إذا أصاب المحرم الصيد فقولوا له : هل أصبت صيدا قبل هذا وأنت محرم؟ فان قال : نعم. فقولوا له : ان الله منتقم منك ، فاحذر النقمة. فإن قال : لا. فاحكموا عليه جزاء ذلك الصيد».

احتج الأولون بعموم الآية ، فإن قوله (عزوجل) «وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» (6) يتناول المبتدئ والعائد.

وما رواه الكليني عن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 372 ، والوسائل الباب 48 من كفارات الصيد.

(2 و 4) الفروع ج 4 ص 394 ، والوسائل الباب 48 من كفارات الصيد.

(3 و 6) سورة المائدة ، الآية 95.

(5) التهذيب ج 5 ص 467 ، والوسائل الباب 48 من كفارات الصيد.


السلام) (1) : «في المحرم يصيد الصيد ، قال : عليه الكفارة في كل ما أصاب».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : محرم أصاب صيدا؟ قال : عليه الكفارة. قلت : فان هو عاد؟ قال : عليه كلما عاد كفارة».

والجواب عن الآية ظاهر من ما سبق ، فان لفظ العود إنما يقال لفعل الشي‌ء ثانيا بعد فعله أولا ، وحينئذ فلا يمكن ان يحمل صدر الآية على ما يشمل العود. وعن الخبرين بالحمل على غير المتعمد.

والتحقيق ان جملة روايات المسألة ما عدا مرسلة ابن ابي عمير مطلقة ، فمنها ما دل على عدم التكرار مطلقا ، متعمدا كان أو ساهيا كصحيحتي الحلبي المتقدمتين ، ومنها ما دل على التكرار مطلقا ، كصحيحتي معاوية بن عمار المذكورتين ، إلا انه لا قائل بالإطلاق الأول ، ومرسلة ابن ابي عمير قد دلت على تقييد كل من الإطلاقين بالآخر ، فتصير وجه جمع بين أخبار المسألة.

وفي حديث الجواد مع المأمون ، المنقول في جملة من الأصول ومنها : تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم (3) وفيه : «وكل ما اتى به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شي‌ء عليه ، إلا الصيد فان عليه فيه الفداء ، بجهالة كان أم بعلم ، بخطإ كان أم بعمد. الى ان قال : وان كان ممن عاد فهو ممن

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 394 ، والتهذيب ج 5 ص 372 ، والوسائل الباب 47 من كفارات الصيد.

(2) التهذيب ج 5 ص 372 ، والوسائل الباب 47 من كفارات الصيد.

(3) ج 1 ص 184 ، والوسائل الباب 3 من كفارات الصيد.


ينتقم الله (تعالى) منه ليس عليه كفارة ، والنقمة في الآخرة». وهو صريح في رد القول الآخر.

واما ما طعن به العلامة في المختلف في صحيحة الحلبي ـ من انها متروكة الظاهر ، لان مقتول المحرم حرام فكيف يسوغ له التصدق به على مسكين؟ ـ فهو مبني على ما هو المشهور عندهم من ان مقتول المحرم حرام مطلقا ، واما على ما ذهب اليه الصدوق ومن تبعه ـ من ان مذبوح الحرم في غير الحرم لا يحرم على المحل ـ فلا وجه لهذا الطعن وقد تقدم تحقيق المسألة مستوفى. وهذا الطعن منه حيث انه اختار القول الأول ، إلا ان ظاهر آخر كلامه الرجوع عنه.

واما ما نقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه فهو عين ما في كتاب الفقه الرضوي (1) ، حيث قال (عليه‌السلام): وكل شي‌ء أتيته في الحرم بجهالة وأنت محل أو محرم ، أو أتيت في الحل وأنت محرم ، فليس عليك شي‌ء ، إلا الصيد فان عليك فداءه ، فان تعمدته كان عليك فداؤه وإثمه ، وان علمت أو لم تعلم فعليك فداؤه. انتهى.

الثالثة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في ان الصيد يضمن بقتله عمدا وسهوا وخطأ ، فلو رمى صيدا فمرق السهم فقتل آخر كان عليه فداءان ، ولو رمى غرضا فأصاب صيدا كان عليه فداؤه.

وعلى ذلك تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام (نور الله ـ تعالى ـ مرقده) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن

__________________

(1) ص 29.


ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا تأكل من الصيد وأنت حرام وان كان اصابه محل ، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة ، إلا الصيد فان عليك فيه الفداء ، بجهل كان أو بعمد».

وفي الصحيح عن احمد بن محمد عن ابن ابي نصر عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة. قال : عليه كفارة. قلت : فإن أصابه خطأ؟ قال : وأي شي‌ء الخطأ عندك؟ قلت : يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى. قال : نعم هذا الخطأ ، وعليه الكفارة. قلت : فإنه أخذ طائرا متعمدا فذبحه وهو محرم؟ قال : عليه الكفارة. قلت : جعلت فداك ألست قلت : ان الخطأ والجهالة والعمد ليسوا بسواء ، فبأي شي‌ء يفضل المتعمد الجاهل والخاطئ؟ قال : انه اثم ولعب بدينه».

وفي الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) في حديث قال : «اعلم انه ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت محرم جاهلا به ، إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك ، إلا الصيد فان عليك الفداء ، بجهالة كان أو عمد».

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 381 ، والتهذيب ج 5 ص 315 ، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 381 ، والتهذيب ج 5 ص 360 ، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد.

(3) الفروع ج 4 ص 382 و 383 ، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد.


وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد (1) عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب عن احمد بن محمد بن ابي نصر قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن المتعمد في الصيد والجاهل والخطأ سواء فيه؟ قال : لا. فقلت له : الجاهل عليه شي‌ء؟ فقال : نعم. فقلت له : جعلت فداك فالعمد بأي شي‌ء يفضل صاحب الجهالة؟ قال : بالإثم ، وهو لاعب بدينه».

ونقل في المختلف هنا عن السيد المرتضى في الانتصار (2) الفرق بين العمد وغيره ، بتعدد الجزاء على العامة دون غيره. قال في الكتاب المذكور : ومن ما انفردت به الإمامية القول بان المحرم إذا قتل صيدا متعمدا كان عليه جزاءان ، وان كان قتله خطأ أو جهلا فعليه جزاء واحد. ثم نقل عنه الاحتجاج على ذلك بالإجماع والاحتياط. أقول : وضعفه أظهر من ان يحتاج الى مزيد بيان. والله العالم.

الرابعة ـ لو اشترى محل لمحرم بيض نعام فأكله ، كان على المحرم عن كل بيضة شاة ، وعلى المحل لكل بيضة درهم.

والأصل في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي عبيدة (3) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل محل اشترى لمحرم بيض نعام فأكله المحرم ، فما على الذي أكله؟ فقال : على الذي اشتراه فداء لكل بيضة درهم ، وعلى المحرم لكل بيضة شاة».

وتحقيق الكلام في هذا الخبر يقع في مواضع الأول ـ ظاهر

__________________

(1) ص 168 ، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد.

(2) ما نقله عن المختلف منقول بعضه عن الانتصار وبعضه عن المسائل الناصرية ، ارجع الى المختلف ج 2 ص 106.

(3) التهذيب ج 5 ص 355 و 356 ، والوسائل الباب 24 و 57 من كفارات الصيد.


إطلاق الخبر المذكور يقتضي عدم الفرق في لزوم الدرهم للمحل بين ان يكون في الحل أو الحرم ، مع انه من القواعد المقررة عدم ضمان المحل في غير الحرم ما يحرم على المحرم وان إعانة ، بل وان شاركه في الصيد. ومن القواعد المقررة ايضا لزوم القيمة له لو كان في الحرم وظاهر هذا الخبر لا ينطبق على شي‌ء من هاتين القاعدتين ، فيجب القول بتخصيصه بمورده.

واما ما ذكره في المدارك ـ من الجواب عن لزوم الدرهم في الحل بأنه لا استبعاد في ترتب الكفارة بذلك على المحل في الحل ، لأن المساعدة على المعصية لما كانت معصية لم يمتنع ان تترتب عليها الكفارة بالنص الصحيح ، وان لم تجب عليه الكفارة مع مشاركته المحرم في قتل الصيد ـ

ففيه : ان مشاركته له في قتل الصيد أيضا مساعدة له على قتله ، فتكون معصية ، فينبغي ان تثبت فيه الكفارة لو كان منشأها المساعدة كما زعمه. على ان ما ذكره من تحريم المساعدة على إطلاقه ممنوع ، فإنه لو دل على الصيد وهو محل في الحل فقد ساعده على المعصية ، مع انه لا شي‌ء عليه كما صرحوا به.

الثاني ـ إطلاق النص يقتضي عدم الفرق في وجوب الشاة للمحرم بالأكل بين ان يكون أكله في الحل أو الحرم. وهو ايضا مخالف لما تقدم من التضاعف على المحرم في الحرم ، ووجوب الجزاء والقيمة معا وقوى شيخنا الشهيد الثاني التضاعف على المحرم في الحرم ، وخص الرواية بالمحرم في الحل. واستحسنه سبطه في المدارك. ولا ريب انه الأحوط.


الثالث ـ قد تقرر في مسألة بيض النعام ـ كما تقدم ـ ان المشهور ان في كسره مع عدم تحرك الفرخ الإرسال ، وعليه دلت جملة من الاخبار المتقدمة. هذا مع عدم اكله. وهذه الرواية قد تضمنت الكسر والأكل مع ان الواجب عليه شاة لا غير. ومن ثم قيده بعضهم بان لا يكسره المحرم بل يشتريه له المحل مطبوخا ومكسورا ، أو يطبخه ويكسره هو دون المحرم ، فعلى هذا لا يبقى عليه إلا كفارة الأكل وهي الشاة. وعلى هذا لو كسره المحرم واكله وجب عليه الإرسال للكسر والشاة للأكل.

الرابع ـ لو كان المشتري للمحرم محرما مثله احتمل وجوب الدرهم خاصة ، لأن إيجابه على المحل يقتضي إيجابه على المحرم بطريق اولى والزائد منفي بالأصل. ويحتمل وجوب الشاة لمشاركته للمحرم ، كما لو باشر أحدهما القتل ودل الآخر. والظاهر رجحان الاحتمال الثاني فإنه أنسب بالقواعد المتقدمة. ولو اشتراه المحرم لنفسه فكسره واكله وجب عليه فداء الكسر والأكل. ولو اشتراه مكسورا فأكله وجب عليه فداء الأكل. لكن هل يكون هنا فداؤه الدرهم نظرا الى الشراء ، أو الشاة نظر الى الأكل ، أو الإرسال لوجوبه بدون الشراء؟ احتمالات.

الخامس ـ لو ملكه المحل بغير شراء وبذله للمحرم فأكله ، ففي وجوب الدرهم على المحل وجهان ، يلتفتان الى عدم النص في ذلك ، لخروج هذه الصورة عن مورد الخبر ، والى ان السبب اعانة المحرم ، ولا أثر لخصوصية سبب تملك العين. واستظهر أولهما في المدارك. وقوى ثانيهما ابن فهد في المهذب.


الخامسة ـ لو اضطر المحرم إلى أكل الصيد اكله وفداه بلا خلاف ، وإنما الخلاف في ما إذا كان عنده ميتة ، فهل يأكل الصيد ، أو الميتة ، أو يفرق بين إمكان الفداء لو أكل من الصيد وعدمه؟ أقوال. وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في المسألة الحادية عشرة من البحث الأول.

السادسة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) : منهم : المحقق في الشرائع والنافع ، والعلامة في بعض كتبه بأنه إذا كان الصيد مملوكا ففداؤه لصاحبه.

وقد أورد على هذا الكلام بحسب ظاهره عدة إشكالات ، منشأها : ان الفداء متى أطلق فالمتبادر منه هو ما يلزم المحرم بسبب الجناية على الصيد من مال أو صوم أو إرسال ، وهو شامل لما لو زاد عن قيمة الصيد المملوك أو نقص ، ولما لو كانت الجناية غير موجبة لضمان الأموال ، كالدلالة على الصيد. ومقتضى جعل الفداء للمالك انه لا يجب شي‌ء سوى ما يصرفه للمالك. وهو باطل البتة.

والإشكالات المتفرعة على ما ذكرنا : منها ـ ان الواجب في المتلفات من الأموال القيمة ، وهو ما يعين بالأثمان التي هي الدراهم والدنانير فإيجاب غيرها كالبدنة في النعامة للمالك خروج عن الواجب.

ومنها ـ انه لو عجز عن الفداء يجب عليه الصوم على ما سبق ، وإيجابه خاصة يقتضي ضياع حق المالك ، وإيجاب القيمة معه خروج عن إطلاق كون الفداء للمالك ، وعدم إيجاب الصوم أصلا أبعد ، لما فيه من الخروج عن نص الكتاب العزيز (1).

ومنها ـ ان الفداء لو كان انقص من القيمة فإيجابه خاصة يقتضي

__________________

(1) سورة المائدة ، الآية 95.


تضييع بعض حق المالك ، وإيجاب شي‌ء آخر معه يقتضي الخروج عن إطلاق استحقاق المالك الفداء ، وعدم إيجاب شي‌ء واضح البطلان ، لان فيه تضييعا للمال المحترم بغير سبب ظاهر. ولأنه إذا وجبت القيمة السوقية في حال عدم الإحرام والخروج عن الحرم ، فالمناسب التغليظ معهما أو مع أحدهما ، فلا أقل من المساواة.

ومنها ـ لو كان المتلف بيضا ووجب الإرسال ، وقلنا ان الفداء للمالك ولم ينتج شيئا ، يلزم ضياع حق المالك ، وهو باطل. وان أوجبنا القيمة السوقية معه لم يصدق ان الفداء للمالك. وان نفينا الإرسال وأوجبنا القيمة لزم الخروج عن النصوص الصحيحة المتفق على العمل بمضمونها بين الأصحاب.

ومنها ـ انه لو اشترك في قتله جماعة فقد تقدم انه يلزم في قتله الفداء على كل واحد منهم ، واجتماع الجميع للمالك خروج عن قاعدة ضمان الأموال.

ومنها ـ انه قد تقدم ان المباشر إذا اجتمع مع السبب ـ كالذابح مع الدال ـ ضمن كل واحد منهما فداء ، واجتماعهما للمالك خروج عن القاعدة وإعطاء له زيادة عن ما يجب له.

الى غير ذلك من الإشكالات اللازمة من إطلاق كون الفداء في المملوك للمالك.

أقول : ومن أظهر ما يرد على هذا الإطلاق ويبطله بالاتفاق تصريح القرآن العزيز في الفداء من الأنعام انه «هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ» (1) أعم من ان يكون مملوكا وغيره ، فكيف يكون للمالك والصيام أو الإطعام للمساكين في بعض المراتب؟ واي تعلق لهذا بالمالك؟ ونحو ذلك من ما تقدم.

__________________

(1) سورة المائدة ، الآية 95.


وبالجملة فإن الظاهر ان مراد من عبر بذلك إنما هو القيمة ، لأنه يطلق عليها الفداء كما تقدم ، وان أجملوا في التعبير ولم يضيفوا إليها الجزاء الذي لله (سبحانه وتعالى) إلا ان ظاهر كلام جملة ممن شرح كلامهم ينافي ما ذكرناه من الاعتذار.

وكيف كان فالظاهر ما ذكره جملة من الأصحاب ـ منهم : الشيخ في المبسوط ، والعلامة في جملة من كتبه ، ومن تأخر عنه ـ من ان الفداء في المملوك لله (تعالى) كغيره ، ويجب على المتلف بالنسبة إلى المملوك القيمة لمالكه إذا كان مضمونا مع الفداء ، أعمالا للدليلين ، الدال أحدهما على لزوم الفداء للصيد ، والثاني على ضمان المتلف بالمثل أو القيمة كما في سائر الأموال. ولو لم يتعلق بالمتلف الضمان ـ ككون يده يد امانة ـ لزمه الفداء لا غير. وكذا لو وجب الفداء بالدلالة خاصة.

وظاهر العلامة في المنتهى ان هذا الحكم موضع وفاق بين الأصحاب فإنه قال : إذا قتل المحرم صيدا مملوكا لغيره لزمه الجزاء لله (تعالى) والقيمة لمالكه ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ، وقال مالك والمزني : لا يجب الجزاء لقتل الصيد المملوك (1) لنا : قوله (تعالى) (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (2) وهو يتناول صورة النزاع كما يتناول صورة الاتفاق. ومنه يظهر ما قدمنا ذكره من انه ليس مرادهم من تلك العبارة ظاهرها الذي ترد عليه الإشكالات المتقدمة فإنه (قدس‌سره) ممن صرح بذلك في مختصراته كالإرشاد وغيره.

__________________

(1) المجموع للنووي ج 7 ص 295 الطبعة الثانية ، والبحر الرائق ج 3 ص 27. وارجع الى الاستدراكات.

(2) سورة المائدة ، الآية 95.


السابعة ـ لو لم يكن الصيد مملوكا تصدق بالفداء باتفاق الأصحاب وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في الفداء بين ان يكون حيوانا كالبدنة والبقرة والشاة ، أو غيره كالقيمة أو كف من طعام.

ويدل على وجوب الصدقة بالجميع ـ مضافا الى ان ذلك هو المتبادر من إيجاب الجزاء ـ الأخبار الكثيرة ، ومنها : صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة الى ان يبلغ الظبي فعليه دم يهريقه ، ويتصدق بمثل ثمنه ، فإن أصاب منه وهو حلال فعليه ان يتصدق بمثل ثمنه».

وحسنة الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (2) وفيها : «ان قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة ، وثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدق به ...».

الى غير ذلك من الاخبار المتقدمة.

وصرح العلامة وغيره بان مستحق الصدقة الفقراء والمساكين بالحرم ومقتضى الآية (3) والاخبار المتقدمة اختصاص الإطعام بالمساكين. إلا ان ظاهرهم إرادة الفقراء من هذا الإطلاق ، بناء على الترادف بين اللفظين. وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في كتاب الزكاة.

الثامنة ـ قد صرح المحقق في الشرائع بأن كل ما يلزم المحرم

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 167 ، والوسائل الباب 11 و 44 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 395 ، والتهذيب ج 5 ص 370 ، والوسائل الباب 11 من كفارات الصيد.

(3) سورة المائدة ، الآية 95.


من فداء ، يذبحه أو ينحره بمكة ان كان معتمرا ، وبمنى ان كان حاجا.

قال في المدارك : هذا مذهب الأصحاب لا اعلم فيه مخالفا.

أقول : العجب منه (قدس‌سره) في دعوى اتفاق الأصحاب على ذلك مع وجود الخلاف في كتاب المختلف. نعم ما ذكره هو المشهور كما ذكره في المختلف ، حيث نقل عن الشيخ في المبسوط والنهاية ، والشيخ المفيد في المقنعة : ان من وجب عليه جزاء صيد اصابه وهو محرم ، فان كان حاجا نحر ما وجب عليه بمنى ، وان كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة. قال : وكذا قال السيد المرتضى وسلار وأبو جعفر ابن بابويه. وزاد الشيخ (رحمه‌الله تعالى) : وما يجب على المحرم بالعمرة في غير كفارة الصيد جاز ان ينحره بمنى. ثم قال : وقال علي بن بابويه : وكل ما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك ان تنحر أو تذبح ما يلزمك من الجزاء بمكة عند الحزورة قبالة الكعبة ، وان شئت أخرته الى أيام التشريق تنحره بمنى ، فإذا وجب عليك في متعة ، وما أتيته في ما يجب عليك فيه الجزاء في حج ، فلا تنحره الا بمنى. وقال أبو الصلاح : محل فداء ما أتاه في إحرام المتعة أو العمرة المبتولة قبالة الكعبة ، وفي إحرام الحج منى. وقال ابن إدريس : من وجب عليه جزاء صيد وهو محرم ، فان كان حاجا أو معتمرا عمرة متمتعا بها الى الحج نحر أو ذبح ما وجب عليه بمنى ، وان كان معتمرا عمرة مبتولة نحر بمكة أو ذبح قبالة الكعبة. وقال ابن حمزة : وما يلزم المحرم من جزاء الصيد وقيمته في إحرام الحج والعمرة المتمتع بها من الذبح والنحر والإطعام صنعها بمنى ، وان لزمه


في إحرام العمرة المبتولة لزمه ذلك بمكة. انتهى ما ذكره في المختلف

ونقل الفاضل الخراساني في الذخيرة عن ابن البراج : ان كل من كان محرما بحج ووجب عليه جزاء صيد اصابه ، وأراد ذبحه أو نحره ، فليذبحه أو ينحره بمنى ، وان كان معتمرا فعل ذلك بمكة أي موضع شاء ، والأفضل ان يكون فعله لذلك بالحزورة مقابل الكعبة وما يجب على المحرم بعمرة مفردة من كفارة ليست كفارة صيد فإنه يجوز ذبحها أو نحرها بمنى. ونقل فيه أيضا عبارة الشيخ علي بن بابويه ، وزاد فيها على ما قدمنا نقله عن المختلف : وان كان عليك دم واجب وقلدته أو جللته أو أشعرته فلا تنحره إلا يوم النحر بمنى.

هذا ما وقفت عليه من كلام الأصحاب.

واما الاخبار الواردة في هذا الباب فمنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (1) في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من وجب عليه فداء صيد اصابه وهو محرم ، فان كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى ، وان كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة».

وعن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) انه قال «في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء ، فعليه ان ينحره ان كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس ، فان كان في عمرة نحره بمكة ، وان

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 384 ، والتهذيب ج 5 ص 373 ، والوسائل الباب 49 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 384 ، والتهذيب ج 5 ص 373 ، والوسائل الباب 49 و 51 من كفارات الصيد.


شاء تركه الى ان يقدم فيشتريه فإنه يجزئ عنه».

قال الشيخ في التهذيب (1) : قوله (عليه‌السلام) : «فوجب عليه الفداء» اي شراؤه. وقوله : «وان شاء تركه» رخصة لتأخير شراء الفداء الى ان يقدم مكة أو منى ، لان من وجب عليه كفارة الصيد فإن الأفضل ان يفديه من حيث اصابه. ثم استدل على ذلك بما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد».

ونقل في الدروس عن الشيخ انه جوز فداء الصيد حيث اصابه ، واستحب تأخيره إلى مكة ، لصحيحة معاوية. والظاهر انه بنى على ظاهر هذه العبارة ، مع ان الأمر في العبارة إنما هو خلاف ما ذكره حيث انه جعل الأفضل ان يفديه من حيث اصابه وان التأخير إلى مكة رخصة.

وكيف كان فإنه من هذه الاخبار يعلم مستند القول المشهور.

واما ما نقل عن الشيخ علي بن بابويه فهو من كتاب الفقه الرضوي كما عرفت في غير موضع ، ومنه يعلم مستنده.

قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (3) : وكل ما أتيته من

__________________

(1) ج 5 ص 373 ، وما ذكره (قدس‌سره) ـ من تفسير وجوب الفداء بشرائه ـ ليس في التهذيب وانما هو في الوافي باب (موضع ذبح الكفارة ومصرفها).

(2) التهذيب ج 1 ص 554 الطبع القديم ، والوسائل الباب 51 من كفارات الصيد.

(3) ص 28.


الصيد في عمرة أو متعة فعليك ان تذبح أو تنحر ما لزمك من الجزاء بمكة عند الحزورة قبالة الكعبة موضع النحر ، وان شئت أخرته الى أيام التشريق فتنحره بمنى. وقد روى ذلك ايضا. وإذا وجب عليك في متعة ، وما أتيته من ما يجب عليك فيه الجزاء من حج ، فلا تنحره إلا بمنى. فان كان عليك دم واجب قلدته أو جللته أو أشعرته فلا تنحره إلا في يوم النحر بمنى. انتهى.

قوله : «كل ما أتيته من الصيد في عمرة» أي مفردة : «أو متعة» يعني : عمرة تمتع. وظاهره ان التأخير إلى منى في الصورة المذكورة مروي أيضا. وقوله : «وإذا وجب عليك في متعة» اي حج تمتع وقوله : «من حج» يعني : مفرد ، فإن إطلاق العمرة على المفردة والحج على حج الافراد كثير في الاخبار ، فلا منافاة كما ربما يتوهم.

وتنقيح البحث في المسألة يتوقف على رسم فوائد الأولى ـ ظاهر المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد جواز فداء الصيد في موضع الإصابة وعدم وجوب التأخير إلى مكة ومنى كما تقدم ، وان كان الأفضل ذلك. واعتضد في ذلك بما تقدم نقله عن معاوية بن عمار في الصحيح (1) قال : «يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد». قال : والظاهر انه من الامام (عليه‌السلام). ثم قال : ويدل عليه أيضا صحيحة أبي عبيدة الثقة في كفارة قتل النعامة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا أصاب المحرم الصيد ولم

__________________

(1) التهذيب ج 1 ص 554 الطبع القديم ، والفروع ج 4 ص 384 ، والوسائل الباب 51 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 387 ، والتهذيب ج 5 ص 341 ، والوسائل الباب 2 من كفارات الصيد.


يجد ما يكفر في موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه. الحديث». قال : وايضا يمكن فهمها من ما في رواية محمد المتقدمة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) «فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه». الى ان قال : فالذي يظهر انه يجوز في مكان الإصابة مطلقا ، وإذا كان في الحج يجوز التأخير إلى منى ، وفي العمرة إلى مكة أفضل. فيمكن حمل قوله (تعالى) (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (2) على الأفضلية ، وان يراد بها ما يعم مكة ومنى ، فيكون للحج بمنى وللعمرة بمكة. وهذا في كفارة الصيد اما غيرها فلا يبعد الأفضلية في مكان اللزوم. الى آخر كلامه (زيد في إكرامه).

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) لا يخلو من الإشكال :

أما أولا : فلأنه قد روى ثقة الإسلام في الكافي عن احمد بن محمد ـ والظاهر انه ابن ابي نصر ـ عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «من وجب عليه هدي في إحرامه فله ان ينحره حيث شاء الا فداء الصيد ، فان الله (عزوجل) يقول : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ)» (4).

وهو (قدس‌سره) قد ذكر الرواية وحملها على الأفضلية بعد رميها بضعف السند. وفيه : ان ضعف السند مجبور باتفاق الأصحاب على القول بمضمونها كما عرفت ، فإنه لا مخالف فيه سوى ما يظهر من كلامه هنا.

__________________

(1) الوسائل الباب 10 من كفارات الصيد رقم 10.

(2 و 4) سورة المائدة ، الآية 95.

(3) الوسائل الباب 49 من كفارات الصيد.


وروى الصدوق في الفقيه (1) في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأرنب يصيبه المحرم. فقال : شاة (هديا بالغ الكعبة) (2)».

وفي جملة من روايات الإرسال ـ وقد تقدمت ـ «فما ينتج فهو هدي بالغ الكعبة» أو «هدي لبيت الله الحرام».

وفي حديث الجواد المتقدم ذكره برواية علي بن إبراهيم في تفسيره (3) : «وان كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا ، هديا بالغ الكعبة ، حقا واجبا عليه ان ينحره ، فان كان في حج بمنى حيث ينحر الناس ، وان كان في عمرة ينحره بمكة. الى ان قال في آخر الخبر : والمحرم بالحج ينحر فداءه بمنى حيث ينحر الناس ، والمحرم بالعمرة ينحر بمكة». ومورد الخبر من أوله الى آخره فداء الصيد.

واما ثانيا : فإن القاعدة المستفادة من اخبار أهل الذكر (عليهم‌السلام) هو إرجاع الاخبار الى القرآن لا القرآن الى الاخبار والاخبار هنا قد اختلفت في هذا الحكم ، فان الظاهر من الاخبار التي ذكرها هو ما ذكره من جواز الفداء في موضع الإصابة ، والمفهوم من صحيحة عبد الله بن سنان ـ ورواية زرارة ، ومرسلة أحمد بن محمد المذكورة ، وما بعدها من الروايات ـ هو التأخير إلى مكة أو منى والترجيح لهذه الأخبار بموافقة ظاهر القرآن ، فلا بد من ارتكاب التأويل في الاخبار التي ذكرها ، أو طرحها عملا بمقتضى القاعدة

__________________

(1) ج 2 ص 233 ، والوسائل الباب 4 من كفارات الصيد.

(2) سورة المائدة ، الآية 95.

(3) ج 1 ص 184 ، والوسائل الباب 3 من كفارات الصيد.


المنصوصة في مقام اختلاف الاخبار والعرض على القرآن. على انه في مسألة الحبوة قد اطرح ظاهر الاخبار تمسكا بظاهر القرآن ، فحمل الاخبار على الاستحباب بالقيمة ، ونحو ذلك في ميراث الأزواج فكيف اختار هنا العمل بهذه الاخبار وإرجاع الآية إليها؟

واما ثالثا : فان الظاهر من صحيحة ابي عبيدة المذكورة انما هو انتقال الحكم من البدنة إلى التقويم بالدراهم في ذلك الموضع ، يعني : انه إذا وجد البدنة في موضع الإصابة تعلق الحكم بالبدنة ، وكان الواجب عليه ذبحها بمكة أو بمنى ، وان صدق عليه انه غير واجد لها انتقل الحكم الى التقويم ، لا ان الواجب ذبح البدنة في ذلك الموضع كما فهمه. واما صحيحة معاوية بن عمار فهي ـ مع كونها غير مسندة الى الامام (عليه‌السلام) فلا تقوم حجة ـ يمكن حملها على ما حمل عليه الشيخ رواية زرارة ، من ان الأفضل شراء الصيد من موضع الإصابة. واما رواية محمد فموردها الصدقة بالثمن دون الهدي ، وهو خارج عن محل البحث.

الثانية ـ قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك بعد ذكر صحيحة عبد الله بن سنان ، ورواية زرارة ، وصحيحة معاوية بن عمار : وهذه الروايات كلها ـ كما ترى ـ مختصة بفداء الصيد ، اما غيره فلم أقف على نص يقتضي تعين ذبحه في هذين الموضعين ، فلو قيل بجواز ذبحه حيث كان لم يكن بعيدا ، للأصل ، ولما رواه الشيخ عن احمد ابن محمد عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «من وجب عليه هدي في إحرامه فله ان ينحره حيث شاء إلا فداء

__________________

(1) الوسائل الباب 49 من كفارات الصيد.


الصيد. الحديث المتقدم». ثم قال : ولا ريب ان المصير الى ما عليه الأصحاب أولى وأحوط.

أقول : وقد تقدمه في ذلك شيخه المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) حيث قال في شرح الإرشاد على اثر الكلام المتقدم نقله عنه : هذا في كفارة الصيد ، اما غيرها فلا يبعد الأفضلية في مكان اللزوم ، للمسارعة إلى الخيرات. ولئلا يمنع عنه مانع مثل الموت وغيره. ولاحتمال الفورية ، كما يظهر من كلام البعض ان الكفارة فورية. وقد علم من ما سبق انها غير فورية في الجملة. والأصل مؤيد مع عدم ظهور دليل خلافه. انتهى.

والذي وقفت عليه من الاخبار ـ من ما لم يصرح فيه بالصيد أو صرح فيه بغيره ـ أخبار عديدة : منها ـ مرسلة أحمد بن محمد المتقدمة وما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن كفارة العمرة المفردة أين تكون؟ فقال : بمكة ، إلا ان يشاء صاحبها ان يؤخرها إلى منى ، ويجعلها بمكة أحب الي وأفضل».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن كفارة العمرة أين تكون؟ قال : بمكة ، إلا أن يؤخرها إلى الحج فتكون بمنى ، وتعجيلها أفضل وأحب الي».

وهذان الخبران حملهما في التهذيب على كفارة غير الصيد ، لصحيحة

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 374 ، والوسائل الباب 49 من كفارات الصيد.

(2) الفروع ج 4 ص 539 ، والوسائل الباب 4 من الذبح رقم 4.


عبد الله بن سنان المتقدمة. وفي الاستبصار جوز ان تكون مكة أفضل في الصيد وان جاز منى أيضا. والظاهر هو حمله الأول. وكيف كان فهما دالان بإطلاقهما على ان محل الكفارة في العمرة كائنة ما كانت مكة أو منى.

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له : الرجل يجرح من حجته شيئا يلزمه منه دم ، يجزئه ان يذبحه إذا رجع الى أهله؟ فقال : نعم. وقال ـ في ما اعلم ـ : يتصدق به. قال إسحاق : وقلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام) : الرجل يجرح من حجته ما يجب عليه الدم ولا يهريقه حتى يرجع الى أهله؟ فقال : يهريقه في اهله ، ويأكل منه الشي‌ء». أقول : ويجرح بالجيم ثم الراء ثم الحاء المهملة ، بمعنى : يكسب. ونحوه روى الشيخ عن إسحاق أيضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2).

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع عن الرضا (عليه‌السلام) (3) قال : «سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس ـ وانا اسمع ـ فأمره ان يفدي

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 488 ، والوسائل الباب 5 من الذبح.

(2) التهذيب ج 5 ص 481 و 482 ، والوسائل الباب 50 من كفارات الصيد.

(3) الفروع ج 4 ص 351 ، والتهذيب ج 5 ص 311 ، والوسائل الباب 49 من كفارات الصيد ، والباب 6 من بقية كفارات الإحرام رقم 3 و 6.


شاة يذبحها بمنى». ورواه في الفقيه (1) ايضا وزاد : «نحن إذا أردنا ذلك ظللنا وفدينا».

وروى في التهذيب (2) في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس. فقال : ارى ان يفديه بشاة يذبحها بمنى».

وفي الصحيح عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر (3) قال : «سألت أخي (عليه‌السلام) : أظلل وانا محرم؟ فقال : نعم ، وعليك الكفارة. قال : فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل».

وجملة من الاخبار مطلقة ، والظاهر في وجه الجمع بينها هو ما دلت عليه مرسلة أحمد بن محمد من انه ينحره حيث شاء ، إلا ان الأفضل ان يكون بمكة أو بمنى على التفصيل الذي ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم).

الثالثة ـ الظاهر من كلامي ابن إدريس وابن حمزة المتقدمين إلحاق عمرة التمتع بحجة في الذبح بمنى. ولم نقف لهما على دليل في ذلك. وظاهر الخبرين الأولين اللذين هما المستند في هذا الحكم إنما هو التفصيل بين الحج والعمرة ، فإن كان ما جناه في الحج فمحله منى ، وان كان في العمرة فهو مكة. ومن الظاهر ان المراد بالعمرة ما هو أعم من العمرة المبتولة والمتمتع بها الى الحج ، لأنها لا تدخل

__________________

(1) ج 2 ص 226 ، والوسائل الباب 6 من بقية كفارات الإحرام.

(2) ج 5 ص 334 ، والوسائل الباب 49 من كفارات الصيد.

(3) التهذيب ج 5 ص 334 ، والوسائل الباب 49 من كفارات الصيد ، والباب 6 من بقية كفارات الإحرام.


في لفظ الحج ، وإلا لسقط حكمها من البين. وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور ، وما ذكراه بمحل من القصور.

الرابعة ـ ظاهر الاخبار المتقدمة ان مكة كلها منحر ، وان كان الأفضل تجاه الكعبة في الحزورة ، وكذلك منى كلها منحر ، وان كان الأفضل عند المسجد ، وهو المنحر المعهود.

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار (1) : «ان عبادا البصري جاء الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) وقد دخل مكة بعمرة مبتولة ، واهدى هديا فأمر به فنحر في منزله بمكة ، فقال له عباد : نحرت الهدي في منزلك وتركت ان تنحره بفناء الكعبة ، وأنت رجل يؤخذ منك؟ فقال له : ألم تعلم ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نحر هديه بمنى في المنحر ، وأمر الناس فنحروا في منازلهم ، وكان ذلك موسعا عليهم ، فكذلك هو موسع على من ينحر الهدي بمكة في منزله إذا كان معتمرا».

الخامسة ـ قال العلامة في المنتهى : إذا اختار المثل أو قلنا بوجوبه ذبحه وتصدق به على مساكين الحرم ، لانه (تعالى) قال (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (2) ولا يجوز ان يتصدق به حيا على المساكين ، لانه (تعالى) سماه هديا ، والهدي يجب ذبحه. وله ذبحه اي وقت شاء لا يختص ذلك بأيام النحر ، لأنه كفارة فيجب إخراجها متى شاء كغيرها من الكفارات. انتهى. ومثله في التذكرة.

ثم ذكر في مسألة الإطعام انه بمكة أو بمنى على ما قلناه

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 374 ، والوسائل الباب 52 من كفارات الصيد.

(2) سورة المائدة ، الآية 95.


من الجزاء ، لانه عوض عن ما يجب دفعه الى مساكين ذلك المكان ، فيجب دفعه إليهم. وتعتبر قيمة المثل في الحرم ، لانه محل إخراجه. ولا يجوز إخراج القيمة ، لأنه (تعالى) خير بين ثلاثة أشياء ، وليست القيمة واحدا منها. والطعام المخرج : الحنطة والشعير والتمر والزبيب ولو قيل يجزئ كل ما يسمى طعاما كان حسنا ، لانه (تعالى) أوجب الطعام. ويتصدق على كل مسكين بنصف صاع. انتهى. ومثله في التذكرة.

أقول : أكثر هذه الأحكام لا تخلو من الاشكال ، لعدم الدليل الواضح فيها من الاخبار ، وان كان الأحوط الوقوف على ما ذكروه.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *