ج17 - بدل الهدي

المقام الثالث

في البدل

وفيه مسائل :

الأولى :

الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في أن من لم يجد الهدي ولا قيمته فان فرضه ينتقل إلى الصيام. قال في المنتهى : «إذا لم يجد الهدي ولا ثمنه وجب عليه أن يصوم بدله عشرة أيام : ثلاثة أيام في الحج متتابعات ، وسبعة إذا رجع إلى أهله ، ولا خلاف في ذلك بين العلماء كافة» ثم استدل بالآية (1).

وإنما الخلاف في من وجد الثمن ولم يجد الهدي فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ـ ومنهم الشيخان والصدوقان والمرتضى وأبو الصلاح وابن البراج وغيرهم ـ أن من فقد الهدي ووجد الثمن جعل الثمن أمانة عند رجل متى عزم السفر ، فيشتري له هديا ويذبحه عنه في ذي الحجة ، فإن تعذر ففي العام القابل في ذي الحجة إن لم يحج بنفسه فان لم يقدر على الهدي ولا على ثمنه انتقل إلى الصوم.

قال الصدوق : «قال أبي (رضي‌الله‌عنه) في رسالته إلي : إن

__________________

(1) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.


وجدت ثمن الهدي ولم تجد الهدي فخلف الثمن عند رجل من أهل مكة ليشتري لك في ذي الحجة ويذبحه عنك ، فان مضى ذو الحجة ولم يشتر أخر إلى قابل ذي الحجة ، فإن أيام الذبح قد مضت».

وقال ابن الجنيد : «ولو لم يجد الهدي إلى يوم النفر كان مخيرا بين أن ينظر أوسط ما وجد به في سنته هدي ، فيتصدق به بدلا منه ، وبين أن يصوم وبين أن يدع الثمن عند بعض أهل مكة يذبح عنه إلى آخر ذي الحجة ، فان لم يجد ذلك أخره إلى قابل أيام النحر» وظاهره التخيير بين الأمور المذكورة.

وقال ابن أبي عقيل : «المتمتع إذا لم يجد هديا فعليه صيام» وأطلق.

وقال ابن إدريس : «الأظهر والأصح أنه إذا لم يجد الهدي ووجد ثمنه لا يلزمه أن يخلفه ، بل الواجب عليه إذا عدم الهدي الصوم ، سواء وجد الثمن أو لم يجد».

والأصح القول المشهور ، ويدل عليه جملة من الاخبار التي هي المعتمد في الإيراد والإصدار.

و (منها) ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حريز (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم ، قال : يخلف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه ، وهو يجزئ عنه ، فان مضى ذو الحجة أخر ذلك إلى قابل من ذي الحجة».

وما رواه في التهذيب عن النضر بن قرواش (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فوجب عليه النسك فطلبه فلم يصبه ، وهو موسر حسن الحال ، وهو يضعف عن الصيام ، فما ينبغي

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 44 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 2.


له أن يصنع؟ قال : يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكة إن كان يريد المضي إلى أهله ، وليذبح عنه في ذي الحجة ، فقلت : فإنه دفعه إلى من يذبحه عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا وأصابه بعد ذلك ، قال : لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة ولو أخره إلى قابل».

وقال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (1) : «وإن وجدت ثمن الهدي ولم تجد الهدي فخلف الثمن عند رجل من أهل مكة يشتري لك في ذي الحجة ويذبح عنك ، فان مضت ذو الحجة ولم يشتر لك أخرها إلى قابل ذي الحجة ، فإنها أيام الذبح». وهذه عين عبارة الشيخ علي بن بابويه المتقدمة بتغيير ما في آخرها.

احتج ابن إدريس بأن الله تعالى لم ينقلنا عند عدم الهدي إلا إلى الصوم ولم يجعل بينهما واسطة ، فمتى نقلنا إلى ما لم ينقلنا الله تعالى إليه يحتاج إلى دليل شرعي.

وادعى في السرائر أن الشيخ ذهب إلى هذا القول في جملة وعقوده في فصل في نزول منى وقضاء المناسك بها ، حيث نقل عنه أنه قال : «فهدي التمتع فرض مع القدرة ، ومع العجز فالصوم بدل منه».

أقول : لا يخفى أن هذه العبارة غير ظاهرة فيما ادعاه ، بل هي مجملة مطلقة كاجمال عبارة ابن أبي عقيل المتقدمة ، لاحتمال أن يريد القدرة عليه أو على ثمنه ، كما أن عدم الوجدان المترتب عليه الصوم في الآية محمول على ذلك بمعونة الأخبار المذكورة.

قال العلامة في المنتهى بعد ذكر مذهب الشيخين في المسألة ومذهب

__________________

(1) المستدرك ـ الباب ـ 39 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


ابن إدريس ما صورته : «لنا أن وجدان الثمن بمنزلة وجدان العين ، كوجدان ثمن الماء عنده ، مع أن النص ورد «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً» (1) وكذا وجدان ثمن الرقبة في العتق مع ورود النص بوجدان العين (2) وما ذلك إلا أن التمكن يحصل باعتبار الثمن هناك ، ويصدق عليه أنه واجد للعين فكذا هنا ، ويدل عليه ما رواه الشيخ» ثم أورد الروايتين المتقدمتين.

ومرجع كلامه (قدس‌سره) إلى أن إطلاقات القرآن العزيز ومجملاته يرجع فيها إلى أخبارهم (عليهم‌السلام) لأن أحكام القرآن لا تؤخذ إلا عنهم ، ولما وردت الاخبار (3) في المواضع الثلاثة بأن وجود الثمن في حكم وجود العين وجب حمل الوجدان في الآيات المذكورة نفيا أو إثباتا على الأعم من العين والثمن ، وهو كلام جيد متين وجوهر عزيز ثمين.

ثم قال (قدس‌سره) بعد نقل دليل ابن إدريس المتقدم وجوابه : «لا نسلم أن عدم الوجدان يصدق لمن وجد الثمن ، وقد بيناه في الكفارة والتيمم ، ومع ذلك فالدليل الشرعي ما بيناه من الحديثين ، فان زعم أنه لا يعمل بأخبار الآحاد فهو غلط ، إذ أكثر المسائل الشرعية مستفادة منها» انتهى. وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الحاذق النبيه.

قال في المدارك بعد ذكر الخبرين المتقدمين حجة للقول المشهور ما صورته :

__________________

(1) سورة المائدة : 5 ـ الآية 6.

(2) سورة النساء : 4 ـ الآية 92.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 26 ـ من أبواب التيمم والباب ـ 44 ـ من أبواب الذبح والباب ـ 17 ـ من كتاب الظهار والباب ـ 2 ـ من أبواب الكفارات.


«والرواية الأولى معتبرة الإسناد ، بل الظاهر أنها لا تقصر عن مرتبة الصحيح كما بيناه مرارا ، وأما الرواية الثانية فقاصرة من حيث السند ، لأن راويها غير موثق ، لكن ربما كان في رواية البزنطي عنه إشعار بمدحه ، لأنه ممن نقل الكشي إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه والإقرار له بالفقه. ـ ثم قال ـ : احتج ابن إدريس بأن الله تعالى نقلنا إلى الصوم مع عدم الوجدان ، والنقل إلى الثمن يحتاج إلى دليل شرعي ، وأجاب عنه في المنتهى بالمنع من عدم الوجدان ، قال : ومع ذلك فالدليل الشرعي ما بيناه من الحديثين ، فان زعم أنه لا يعمل بأخبار الآحاد فهو غلط ، إذ أكثر المسائل الشرعية مستفادة منها ، ولا يخفى ما في هذا الجواب من التعسف ، والحق أن كلام ابن إدريس جيد على أصله. بل لو لا ما ذكرناه من قوة اسناد الروايتين لتعين المصير اليه» انتهى.

أقول : فيه (أولا) أن ما ذكره من أن الرواية الأولى معتبرة الإسناد ـ يعني باعتبار إبراهيم بن هاشم ـ وإن كان كذلك ، بل حديثه عندنا معدود في الصحيح بناء على الاصطلاح الغير الصحيح ، إلا أنه قد طعن فيه في غير موضع مما تقدم ، وقد بينا في شرحنا على الكتاب وفي هذا الكتاب أيضا أن هذا أحد المواضع التي حصل له فيها الاضطراب.

و (ثانيا) ما ذكره بالنسبة إلى الرواية الثانية من الاعتماد عليها ـ مع كون راويها غير موثق ـ بناء على رواية البزنطي عنه ، لأنه ممن نقل في حقه الإجماع المذكور فان اللازم من هذا الاعتماد على كل خبر ضعيف باصطلاحه إذا كان الراوي عن ذلك الرجل أحد الجماعة المذكورين وهو لا يقول به في غير هذا الموضع كما لا يخفى على من تصفح كتابه.


وبالجملة فإن ما ذكره هنا خروج عن مقتضى اصطلاحه ، وتستر بما هو أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت.

و (ثالثا) أن ما طعن به على جواب العلامة في المنتهى عن دليل ابن إدريس ضعيف لا يعول عليه ، لأنه إن أراد بالتعسف فيه بالنظر إلى منع العلامة من عدم الوجدان فهو في غير محله ، لما قرره العلامة في صدر الكلام ، كما نقلناه عنه وأوضحناه ، وإن أراد باعتبار دعوى العلامة لوجود الدليل الشرعي الموجب للنقل إلى الثمن فهو قد وافق عليه ، حيث قال : «إن كلام ابن إدريس جيد لولا ما ذكرناه من قوة أسناد الروايتين» وإن أراد باعتبار تغليط ابن إدريس في عدم العمل بأخبار الآحاد فهو أيضا يوافق عليه ، وبالجملة فإن كلامه هنا غير ظاهر البيان ولا واضح البرهان

ثم إن العلامة في المختلف استدل لابن إدريس بما رواه أبو بصير (1) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال : بل يصوم ، لأن أيام الذبح قد مضت».

ثم قال : «والجواب أن وجدان الهدي عبارة عن وجود عينه أو ثمنه ، والرواية بعد سلامة سندها محمولة على أنه إذا لم يجد الهدي ولا ثمنه فشرع في الصوم ثم وجد الهدي فإنه لا يجب عليه الهدي ، لما رواه حماد بن عثمان في الصحيح (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هديا يوم خرج من منى ،

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 44 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 45 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


قال : أجزأ صيامه» . » انتهى.

أقول : قد تقدم ما في هذا الجواب من الإشكال في المسألة الحادية عشر من المقام الأول (1) وعلى تقديره تحصل المعارضة بين هذه الرواية وبين الاخبار المتقدمة ، لأن ظاهر هذا الخبر بناء على بطلان التأويل المذكور هو أن الفرض ـ مع عدم وجدان العين وإن وجد الثمن ـ هو الصوم ، وأن أيام الذبح بعد يوم النفر قد مضت ، ومقتضى الأخبار المتقدمة امتداد وقت الذبح إلى آخر ذي الحجة ، فمتى كان الثمن موجودا فإنه يتربص به إلى آخر ذي الحجة إن كان جالسا ، وإن سافر أودعه عند من يذبح عنه في تلك المدة ، ولا طريق إلى الجمع بينهما بوجه ، وليس إلا الترجيح ، وهو في جانب تلك الروايات ، لكثرتها وصحة بعضها واعتضادها بعمل الطائفة قديما وحديثا عدا ابن إدريس والصدوق على ما تقدم نقله عنه ، والاحتياط مما لا ينبغي تركه في المقام.

ثم إنه لا يخفى ما في خبر أبي بصير من التأييد لما ذكرناه ، من أن المراد بمن لم يجد الهدي يعني من لم يجد عينه ولا ثمنه ، حيث إن السائل قال : «فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة» فإنه ظاهر في أن عدم الوجدان أولا لكل من العين والثمن والله العالم.

__________________

(1) راجع ص 81 و 82.


المسألة الثانية

قد عرفت مما تقدم أنه لا خلاف بين العلماء كافة في أن الواجب على فاقد عين الهدي وثمنه هو الصيام والأصل فيه قوله عزوجل (1) «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ» والمراد بصوم الثلاثة في الحج في بقية أشهر الحج ، وهو شهر ذي الحجة كما أشير إليه في صحيحة رفاعة (2) الآتية وغيرها.

قال في المنتهى : «ويستحب أن تكون الثلاثة في الحج : هي يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة. فيكون آخرها يوم عرفة ، ذهب إليه علماؤنا».

أقول : وتدل عليه جملة من الاخبار (منها) ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (3) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن متمتع لم يجد هديا ، قال : يصوم ثلاثة أيام في الحج : يوما قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، قال : قلت : فان فاته ذلك ، قال : يتسحر ليلة الحصبة ، ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده ، قلت : فان لم يقم عليه جماله أيصومها في الطريق؟ قال : إن شاء صامها في الطريق وإن شاء إذا رجع إلى أهله».

أقول : حمل الشيخ جواز التأخير إلى الرجوع إلى أهله على ما إذا رجع

__________________

(1) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.

(2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


قبل انقضاء أيام ذي الحجة ، فإذا انقضت فلا يجوز له الا الدم كما يأتي

وعن رفاعة في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المتمتع لا يجد الهدي ، قال : يصوم قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، قلت : فإنه قدم يوم التروية ، قال : يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق ، قلت : لم يقم عليه جماله ، قال : يصوم يوم الحصبة وبعده يومين ، قال : قلت : وما الحصبة؟ قال : يوم نفره ، قلت : يصوم وهو مسافر؟ قال : نعم ، أليس هو يوم عرفة مسافرا؟! إنا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عزوجل (2) «فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ» يقول في ذي الحجة».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حماد بن عيسى (3) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : قال علي (عليه‌السلام): صيام ثلاثة أيام في الحج قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة ـ يعني ليلة النفر ـ ويصبح صائما ويومين بعده ، وسبعة إذا رجع». ورواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (4) إلى قوله : «فليتسحر ليلة الحصبة ، وهي ليلة النفر».

وعن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح (5) قال : «كنت قائما أصلي وأبو الحسن (عليه‌السلام) قاعد قدامي وأنا لا أعلم ، فجاء عباد

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(2) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 53 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3.

(4) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 14.

(5) الوسائل ـ الباب ـ 51 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.


البصري فسلم ثم جلس ، فقال له : يا أبا الحسن ما تقول في رجل تمتع ولم يكن له هدي؟ قال : يصوم الأيام التي قال الله تعالى ، قال : فجعلت أصغي إليهما ، فقال له عباد : وأي أيام هي؟ قال : قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، قال : فان فاته ذلك ، قال : يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك ، قال : أفلا تقول كما قال عبد الله بن الحسن ، قال : فأي شي‌ء؟ قال : قال : يصوم أيام التشريق ، قال : إن جعفرا كان يقول : إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر بديلا ينادي أن هذه أيام أكل وشرب فلا يصومن أحد ، قال : يا أبا الحسن إن الله قال : فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ، قال : كان جعفر يقول : ذو الحجة كله من أشهر الحج».

وروى في الفقيه مرسلا (1) قال : «روي عن الأئمة (عليهم‌السلام) أن المتمتع إذا وجد الهدي ولم يجد الثمن صام ثلاثة أيام في الحج يوما قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله ، تلك عشرة كاملة لجزاء الهدي ، فإن فاته صوم هذه الثلاثة الأيام تسحر ليلة الحصبة ـ وهي ليلة النفر ـ وأصبح صائما ، وصام يومين من بعد ، فان فاته صوم هذه الثلاثة الأيام حتى يخرج وليس له مقام صام الثلاثة في الطريق إن شاء ، وإن شاء صام العشرة في أهله ، ويفصل بين الثلاثة والسبعة بيوم ، وإن شاء صامها متتابعة» إلى آخره.

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 12. وفيه «روي عن النبي (ص) والأئمة (ع).» إلا أن الموجود في الفقيه ج 2 ص 302 «روي عن الأئمة (ع).».


وفي كتاب الفقه الرضوي (1) «وإذا عجزت عن الهدي ولم يمكنك صمت قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة وسبعة أيام إذا رجعت إلى أهلك ، فإن فاتك صوم هذه الثلاثة أيام صمت صبيحة ليلة الحصبة ، ويومين بعدها ، وإن وجدت ثمن الهدي». إلى آخر ما قدمناه في المسألة الأولى.

وروى العياشي في تفسيره عن ربعي بن عبد الله (2) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل (3) «فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ» قال : يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، فمن فاته ذلك فليقض ذلك في بقية ذي الحجة ، فإن الله تعالى يقول في كتابه (4) : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ)».

وعن عبد الرحمن بن محمد العرزمي (5) عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) «في صيام ثلاثة أيام في الحج ، قال : قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، فان فاته ذلك تسحر ليلة الحصبة».

وعن إبراهيم بن أبي يحيى (6) عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) قال : «يصوم المتمتع قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، فان فاته ذلك ولم يكن عنده دم صام إذا انقضت أيام التشريق

__________________

(1) ذكر صدره في المستدرك ـ الباب ـ 41 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2 ووسطه في الباب ـ 42 ـ منها ـ الحديث 2 وذيله في الباب ـ 39 ـ منها ـ الحديث 1.

(2 و 5 و 6) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 15 ـ 18 ـ 20.

(3 و 4) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196 ـ 197.


يتسحر ليلة الحصبة ثم يصبح صائما».

وأما ما رواه في الكافي عن أحمد بن عبد الله الكرخي (1) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) : المتمتع يقدم وليس معه هدي أيصوم ما لم يجب عليه ، قال : يصبر إلى يوم النحر ، فان لم يصب فهو ممن لا يجد». فيمكن حمله على من توقع إمكان حصول الهدي أو الجواز.

وأما الحمل على من وجد الثمن كما ذكره في الوسائل فبعيد ، لأن من وجد الثمن حكمه التربص إلى آخر الشهر دون الصوم ، كما صرح به الأصحاب ودلت عليه أخبارهم.

وبالجملة فالخبر المذكور قاصر عن معارضة ما قدمناه من الأخبار ، فلا بد من ارتكاب تأويله وإن بعد وإلا فطرحه.

وتنقيح البحث في المسألة يتوقف على بيان أمور الأول المشهور بين الأصحاب ـ بل ادعى عليه ابن إدريس الإجماع ـ أنه لو لم يتفق له صوم قبل يوم التروية فإنه يقتصر على يوم التروية ويوم عرفة ثم يصوم الثالث بعد النفر ، ومرجعه إلى أن المرتبة الثانية بعد تعذر الصوم الأفضل الذي دلت عليه الاخبار المتقدمة هو أن يكون كذلك.

واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) «في من صام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : يجزؤه أن يصوم يوما آخر».

وما رواه في التهذيب والفقيه عن يحيى الأزرق (3) عن أبي الحسن (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا وليس

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 6.

(2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 52 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 2.


له هدي فصام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق» وزاد في الفقيه «بيوم».

أقول : لا يخفى أنه قد تقدم من الاخبار بإزاء هاتين الروايتين ما هو أصح سندا وأكثر عددا مما دل على أنه مع عدم التمكن من الصوم في تلك الأيام الثلاثة ـ وهي ما قبل التروية بيوم ثم يوم التروية ثم يوم عرفة ـ فإنه يؤخر الصوم إلى ليلة الحصبة.

ومنها صحيحة معاوية بن عمار (1) الأولى وصحيحة رفاعة (2) وصحيحة حماد بن عيسى (3) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (4) ونحوها من الروايات التي بعدها.

ويزيد ذلك تأكيدا أيضا ما رواه في الكافي في الصحيح عن العيص بن القاسم (5) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن متمتع يدخل يوم التروية وليس معه هدي ، قال : لا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة ، ويتسحر ليلة الحصبة ويصبح صائما ، وهو يوم النفر ، ويصوم يومين بعده».

وما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار في الموثق (6) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا يصوم الثلاثة الأيام متفرقة».

وعن علي بن الفضل الواسطي (7) قال : «سمعته يقول إذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج ،

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4 ـ 1.

(3 و 6) الوسائل ـ الباب ـ 53 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3 ـ 1.

(4) الوسائل ـ الباب ـ 51 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.

(5 و 7) الوسائل ـ الباب ـ 52 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5 ـ 4.


فليصم بمكة ثلاثة أيام متتابعات ، فان لم يقدر ولم يقم عليه الجمال فليصمها في الطريق ، وإذا قدم إلى أهله صام عشرة أيام متتابعات».

والشيخ (رحمه‌الله) بناء على ما قدمنا من القول المتفق عليه بينهم حمل هذه الرواية على ما إذا كان اليومان اللذان صامهما غير يوم التروية ويوم عرفة ، فان من كان كذلك لا يعتد باليومين.

وعن عبد الرحمن بن الحجاج (1) عن أبي الحسن (عليه‌السلام) قال : «سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي قال : يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، قال : فان فاته صوم هذه الأيام ، فقال : لا يصوم يوم التروية ولا يوم عرفة ، ولكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق». وحمله الشيخ على نفي صوم أحد اليومين على الانفراد دون الجمع ، ولا يخفى ما فيه.

وبالجملة فإنهم قد اتفقوا على وجوب التتابع في هذه الثلاثة ، وعليه دلت جملة من الاخبار ، ولكنهم استثنوا هذه الصورة بهذين الخبرين ، فخصصوا بهما الإجماع وتلك الاخبار ، وهو جيد لو انحصرت المعارضة في تلك الاخبار والإجماع ، ولكن المعارض لهما أيضا جملة أخرى من الاخبار كما عرفت مما لا يقبل هذا الجمع ، ولا سيما النهي عن صومهما في صحيحة العيص (2) ورواية عبد الرحمن بن الحجاج (3).

وبذلك يظهر أن المسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، والاحتياط فيها متحتم على كل حال ، وبنحو ذلك صرح السيد السند في المدارك أيضا ، وهو في محله والله العالم.

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 52 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3 ـ 5 ـ 3.


الثاني :

المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه مع عدم إمكان صوم يوم التروية ويوم عرفة كما تقدم فإنه يجب عليه تأخير الصوم إلى بعد النفر ، ولا يجوز له الصوم في أيام التشريق ، ونقله في المختلف عن الشيخ في بعض كتبه وأبي الصلاح وابن البراج وابن حمزة.

وقال الشيخ في النهاية : «من فاته صوم الثلاثة الأيام قبل العيد فليصم يوم الحصبة ـ وهو يوم النفر ـ ويومين بعده» وكذا قال علي بن بابويه وابنه وابن إدريس.

وقال ابن الجنيد : «فان دخل يوم عرفة أو فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج صام فيما بينه وبين آخر ذي الحجة وكان مباحا صيام أيام التشريق في السفر وفي أهله إذا لم يمكنه غير ذلك».

وقال في الخلاف : «لا يجوز صيام أيام التشريق في بدل الهدي في أكثر الروايات وعند المحققين من أصحابنا».

واستدل على القول الأول بالإجماع على تحريم صوم أيام التشريق في مكة والاخبار الكثيرة.

ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجل تمتع فلم يجد هديا ، قال :

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 51 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق ولكن يقيم بمكة حتى يصومها وسبعة إذا رجع إلى أهله وذكر حديث بديل بن ورقا».

وعن ابن مسكان في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل تمتع ولم يجد هديا قال : يصوم ثلاثة أيام ، قلت له : أفيها أيام التشريق؟ قال : لا ، ولكن يقيم بمكة حتى يصومها وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فان لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله ، ثم ذكر حديث بديل بن ورقاء».

وعن صفوان بن يحيى في الصحيح (2) عن أبي الحسن (عليه‌السلام) قال : «قلت له : ذكر ابن السراج أنه كتب إليك يسألك عن متمتع لم يكن له هدي فأجبته في كتابك : يصوم ثلاثة أيام بمنى فان فاته ذلك صام صبيحة الحصباء ويومين بعد ذلك قال : اما أيام منى فإنها أيام أكل وشرب لا صيام فيها ، وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله».

قال في الوافي : «قوله : «وسبعة» عطف على صبيحة الحصباء» سواء ، كان من كلام الامام (عليه‌السلام) أو من كلام السائل ، وما بينهما معترض» انتهى.

أقول : ومرجعه إلى أن النهي عن الصوم أيام منى التي هي أيام أكل وشرب لا يستلزم النهي عن صوم يوم الحصبة ويومين بعده في هذه الصورة وإن كان هذا اليوم من جملة أيام التشريق ، فيكون كالمستثنى من ذلك.

قال في الفقيه (3) في تتمة الرواية التي قدمناها عنه حيث قال : «روى عن الأئمة (عليهم‌السلام) أن المتمتع إذا وجد الهدي ـ إلى أن قال ـ :

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 51 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2 ـ 3.

(3) ج 2 ص 302 ـ الرقم 1504.


ولا يجوز له أن يصوم أيام التشريق ، فإن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعث بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق فأمره أن يتخلل الفساطيط وينادي في الناس أيام منى : ألا لا تصوموا فإنها أيام أكل وشرب وبمال (1) ومن جهل صيام ثلاثة أيام في الحج صامها بمكة إن أقام جماله ، وإن لم يقم صامها في الطريق أو المدينة إن شاء ، فإذا رجع إلى أهله صام سبعة أيام ، وإن مات قبل أن يرجع إلى أهله ويصوم السبعة فليس على وليه القضاء».

ويدل على قول ابن الجنيد ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «أن عليا (عليه‌السلام) كان يقول : من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق ، فان ذلك جائز له».

وعن القداح (3) عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) «أن عليا (عليه‌السلام) كان يقول : من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج ـ وهي قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ـ فليصم أيام التشريق ، فقد أذن له».

ويدل على القول الثالث ما قدمناه من الاخبار الصحيحة الصريحة المستفيضة ، والعلامة في المختلف لم يورد لهذا القول دليلا الا قوله في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (4) عن أبي الحسن (عليه‌السلام): «فان فاته ذلك قال : يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك». ثم أجاب عنه بأنه يحتمل أنه أراد بصبيحة يوم الحصبة ثاني يومها.

__________________

(1) البعال : النكاح وملاعبة الرجل امرأته.

(2 و 3 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 51 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5.


ولا يخفى ما في هذا الجواب من البعد ، مضافا إلى الغفلة عن أدلة المسألة مع ما عرفت مما هي عليه من الصحة والصراحة والاستفاضة.

والتحقيق في المقام أنه لا منافاة بين هذه الاخبار ، إذ الظاهر من أخبار النهي عن صيام أيام التشريق هو النهي عن صيامها جميعا ، دون صيام اليوم الأخير في خصوص هذه الصورة.

ومما يدل على ذلك أن صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) المتقدمة قد صرحت بالأمر بصيام يوم الحصبة ويومين بعده لمن فاته صيام الثلاثة الموظفة فرجع له عباد السائل فقال له : «أفلا تقول بمقالة عبد الله بن الحسن» من صوم أيام التشريق؟ فأجابه (عليه‌السلام) بالحديث المنقول عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بتحريم صوم أيام التشريق ، فلو أريد بالحديث عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صومها ولو على الوجه المذكور للزم التناقض في قوله (عليه‌السلام) ولانتهز الفرصة فيه عباد الذي هو من شياطين المخالفين وأعداء الدين ، وألزمه بالتناقض في كلامه في المسألة ، كما لا يخفى على من عرف حال الرجل ومعارضته لهم (عليهم‌السلام) في غير مقام.

ومثل هذا الخبر أيضا ما تقدم في المرسلة المنقولة عن الفقيه (2) حيث صرح فيها بصوم يوم الحصبة ويومين بعده ثم ذكر بعد ذلك أنه لا يجوز له أن يصوم أيام التشريق ، ونحو ذلك صحيحة صفوان بن يحيى (3) المتقدمة بالتقريب المذكور ذيلها ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 51 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.

(2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 12 ـ 3.


وأما ما استند إليه ابن الجنيد من خبري إسحاق بن عمار (1) والقداح (2) فقد نسبهما الشيخ في التهذيبين إلى الشذوذ ثم إلى وهم الراويين وجواز أن يسمعا من عبد الله بن الحسن أو غيره من أهل البيت ، كما تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (3) ثم إنهما إن سلما فلا يصلحان لمعارضة الأخبار المذكورة.

أقول : والأظهر حملهما على التقية ، واستصوبه في الوافي أيضا ، وهو جيد.

الثالث :

قال العلامة في المختلف : «هذه الثلاثة متتابعة إلا في موضع واحد ، وهو أنه إذا فاته قبل يوم التروية صام يوم التروية وعرفة ثم صام الثالث بعد أيام التشريق ، قاله ابن إدريس ، وقال ابن حمزة : لو صام قبل يوم التروية وخاف إن صام عرفة عجز عن الدعاء أفطر وصام بدله بعد انقضاء أيام التشريق ، ولا بأس بهذا القول ، احتج ابن إدريس بأن الأصل التتابع ، خرج عنه الصورة المجمع عليها ، فبقي الباقي على الوجوب ، احتج ابن حمزة بأن التشاغل بالدعاء أمر مطلوب بالشرع فساغ له الإفطار ، كما لو كان الفائت الأول» انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من استثناء الصورة الأولى من وجوب التتابع المجمع عليه بينهم قد استندوا فيه إلى الإجماع والخبرين المتقدمين ،

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5 ـ 6 ـ 4.


وبهما خصصوا الأخبار الدالة على وجوب التتابع مطلقا والإجماع المدعى في المسألة وإن كان فيه ما عرفت.

أما استثناء الصورة الثانية التي ذكرها ابن حمزة ونفى عنها البأس فلا أعرف لاستثنائها دليلا يعتمد عليه ، والخروج عن الإجماع الدال على وجوب التتابع والاخبار الدالة عليه بمجرد هذا التعليل العليل مجازفة ظاهرة ، والخروج عن أمر واجب لمجرد أمر مستحب غير معقول كما لا يخفى.

قال في الدروس : «ولو أفطر عرفة لضعفه عن الدعاء وقد صام يومين قبله استأنف ، خلافا لابن حمزة» وهو جيد لما عرفت. وبالجملة فإن هذا القول بمحل من الضعف الذي لا يخفى.

الرابع :

الظاهر من الاخبار المتقدمة أن يوم الحصبة هو اليوم الثالث من أيام التشريق ، وقد ورد تفسيره في صحيحة رفاعة (1) المتقدمة بأنه يوم نفره ، يعني في النفر الثاني وفي صحيحة حماد بن عيسى (2) «ليلة الحصبة ،. يعني ليلة النفر» ومثله في مرسلة الفقيه (3).

وإنما سمي هذا اليوم يوم الحصبة لأن الحصبة الأبطح ، ومن السنة يوم النفر الثاني أن ينزل في الأبطح قليلا ، كما سيأتي إنشاء الله تعالى عند ذكر النفر الثاني.

__________________

(1 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 12.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 53 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3.


ونقل عن الشيخ (رحمه‌الله) في المبسوط أن ليلة الرابع ليلة التحصيب ، وحمله الأصحاب على أن مراده ليلة الرابع من يوم النحر لا الرابع عشر ، وهو جيد.

الخامس :

قال الشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط : «قد وردت رخصة في جواز تقديم صوم الثلاثة من أول ذي الحجة».

وقال ابن إدريس : «وقد رويت رخصة في تقديم صوم الثلاثة الأيام من أول العشرة ، والأحوط الأول ـ ثم قال بعد ذلك ـ : إلا أن أصحابنا أجمعوا على أنه لا يجوز الصيام إلا يوم قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، وقبل ذلك لا يجوز».

وظاهر كلام الشيخ التوقف في المسألة ، وظاهر كلام ابن إدريس الميل إلى التحريم.

ونقل في المختلف عن شيخه جعفر بن سعيد (قدس‌سره) أنه أفتى بالجواز ، وهو صريح عبارته في الشرائع ، وقيده بالتلبس بالمتعة ، فقال : «ويجوز تقديمها من أول ذي الحجة بعد التلبس بالمتعة».

والظاهر أن هذا القول هو المشهور بين المتأخرين ، والأصل فيه ما رواه الشيخ والكليني عن زرارة (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «من لم يجد الهدي وأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في أول العشر

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 8 و 2.


فلا بأس بذلك».

ورده في المدارك بضعف السند باشتماله في التهذيب على أبان الأزرق ، وهو مجهول ، وفي الكافي على عبد الكريم بن عمرو ، وهو واقفي ، ثم قال : «والمسألة محل تردد».

أقول : لا وجه لهذا التردد بناء على هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح ، بل الواجب عليه الحكم بعدم الجواز ، لعدم الدليل الشرعي كما صار إلى ذلك في مواضع من شرحه.

ثم إنه مما يؤيد جواز التقديم ما تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) من قول أبي الحسن (عليه‌السلام) لعباد لما قال له : يا أبا الحسن إن الله قال «فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ» فقال : «كان جعفر يقول : ذو الحجة كله من أشهر الحج».

وقال في الدروس : «ولتكن الثلاثة بعد التلبس بالحج ، وتجوز من أول ذي الحجة ، ويستحب فيه السابع وتالياه ولا يجب ، ونقل عن ابن إدريس أنه لا يجوز قبل هذه الثلاثة : وجوز بعضهم تقديمه في إحرام العمرة ، وهو بناء على وجوبه بها ، وفي الخلاف لا يجب الهدي قبل إحرام الحج بلا خلاف ، ويجوز الصوم قبل إحرام الحج ، وفيه إشكال» انتهى.

أقول : مقتضى قوله : «ولتكن الثلاثة بعد التلبس بالحج ، وتجوز من أول ذي الحجة» هو تقييد الجواز هنا بالتلبس بالحج ، فلا تجوز من أول ذي الحجة إلا لمن كان متلبسا بالحج في ذلك الوقت ، مع أن

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 51 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.


الأفضل اتفاقا نصا (1) وفتوى هو أن يكون إحرام الحج يوم التروية ، مع ورود الرواية (2) بالرخصة في التقديم مطلقا نعم يجب تقييده بالتلبس بالمتعة كما ذكره في الشرائع.

وبذلك يظهر لك أيضا عدم الحاجة إلى ما ذكره من البناء على وجوب الحج المندوب بالشروع في العمرة ، بمعنى أنه إن قلنا بوجوب الحج المندوب بالشروع في العمرة جاز تقديم الصوم في العمرة وإلا فلا ، فإنه لا حاجة تلجئ إليه ، لما عرفت من أن إحرام الحج على ما استفاضت به النصوص (3) إنما هو يوم التروية ، فالتقديم الذي دلت عليه الرواية يتحتم أن يكون في العمرة ، وبه أيضا يندفع الإشكال الذي أورده على كلام الشيخ في الخلاف.

وقال في المنتهى : «ويجوز صوم الثلاثة قبل الإحرام بالحج وقد وردت رخصة في جواز صومها في أول العشر إذا تلبس بالمتعة» انتهى. وهو مؤيد لما اخترناه.

__________________

(1 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 2 ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث 4 و 11 و 30 والباب ـ 3 ـ منها ـ الحديث 4 والباب ـ 5 ـ منها ـ الحديث 3 والباب ـ 8 ـ منها ـ الحديث 2 والباب 84 ـ من أبواب الطواف.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 3 ـ من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ـ الحديث 1.


السادس :

قد صرح الأصحاب بأنه يجوز صوم الثلاثة المذكورة طول ذي الحجة ، ولا يجوز صومها في غيره ، فلو خرج ذو الحجة ولم يصمها تعين الهدي ، وعلى كل من الحكمين اتفاق أصحابنا فيما اعلم.

ويدل على الأول ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) أنه قال : «من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك». ونحوها رواية ربعي بن عبد الله (2) المتقدمة نقلا من تفسير العياشي ، ومثلها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (3) المتقدمة عن أبي الحسن (عليه‌السلام) مع عباد البصري.

وعلى الثاني ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن منصور (4) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم فعليه دم شاة ، وليس له صوم ، ويذبحه بمنى».

وما رواه الشيخ في الموثق عن منصور بن حازم (5) قال : «قلت

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 13 ـ 15.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 51 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.

(4) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ 47 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 وذكره في التهذيب ج 5 ص 39 ـ الرقم 116.

(5) التهذيب ج 4 ص 231 ـ الرقم 680.


لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : من لم يصم الثلاثة الأيام في الحج حتى يهل الهلال فقال : عليه دم يهريقه ، وليس عليه صيام».

وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن عمران الحلبي (1) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع الذي لا يجد الهدي حتى يقدم اهله ، قال : يبعث بدم». وهو محمول على ما إذا قدم اهله بعد انقضاء ذي الحجة الذي هو زمان للصوم ـ كما تقدم ـ ولم يصمها في الطريق.

ونقل في المختلف عن الشيخ في النهاية والمبسوط أنه قال : «ومن لم يصم الثلاثة الأيام بمكة ولا في الطريق ورجع إلى بلده وكان متمكنا من الهدي بعث به ، فإنه أفضل من الصوم» ثم قال بعد نقل ذلك عنه : «وهذا يؤذن بجواز الصوم ، وليس بجيد ، لأنه إن كان قد خرج ذو الحجة تعين الهدي وكذا إذا لم يخرج ، لأن من وجد الهدي قبل شروعه في الصوم وجب عليه الهدي» انتهى.

أقول : ويمكن أن يستدل للشيخ (رحمه‌الله تعالى) بإطلاق هذا الخبر ، إلا أنه معارض بما ذكره العلامة ، فإنه مقتضى الأخبار الواردة في المقام.

السابع :

لو صام الثلاثة في وقتها المتقدم ذكره ثم وجد الهدي فالمشهور بين الأصحاب أن الصوم يكون مجزئا وإن كان الأفضل ذبح الهدي ، قاله

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 47 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3.


الشيخ (رحمه‌الله) وتبعه الأكثر.

والمستند فيه الجمع بين ما رواه في الكافي عن حماد بن عثمان (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هديا يوم خرج من منى ، فقال : أجزأه صيامه». وبين ما رواه في الكافي والتهذيب عن عقبة بن خالد (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل تمتع وليس معه ما يشتري به هديا ، فلما أن صام ثلاثة أيام في الحج أيسر ، أيشتري هديا فينحره أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله؟ قال : يشتري هديا فينحره ، ويكون صيامه الذي صام نافلة له».

وحاصل هذا الجمع ان له الخيار بين المضي على ما صامه ثم إتمامه بعد الرجوع أو الانتقال إلى الهدي ، والثاني أفضل.

واستقرب العلامة في القواعد وجوب الهدي إذا وجده في وقت الذبح ، واستدل ولده في الشرح بأنه مأمور بالذبح في وقت وقد وجده فيه فيجب.

ويأتي على هذا القول أن بدلية الصوم مع تقديمه إنما يتم مع عدم وجود الهدي في الوقت المعين للذبح الذي هو يوم النحر وأيام التشريق كما تقدم لا مطلقا.

أقول : لا يخفى أن هذا القول لا يتم إلا بطرح رواية حماد بن عثمان المذكورة وردها ، وهو مشكل ، على أن ظاهر إطلاق الاخبار المتقدمة في استحباب صوم الثلاثة بدل الهدي قبل يوم التروية بيوم ويومان بعده يعطى البدلية مطلقا كما لا يخفى ، وهو مؤكد لما دلت عليه رواية حماد المذكورة

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 45 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


غاية الأمر أنه لما ورد في معارضة هذه الرواية رواية عقبة بن خالد فلا بد من وجه يجمع به بينهما ، وقد عرفت ما جمع به الشيخ (رحمه‌الله) ومن تبعه من الحمل على الاستحباب.

ثم إن مقتضى ما قدمنا نقله عن الأصحاب تخصيص الحكم المذكور بما إذا صام الثلاثة ، أما لو شرع فيها ثم وجد الهدي قبل أن يتمها فإنه ينتقل حكمها إلى وجوب الهدي.

والظاهر أن وجهه هو ان وقت الذبح عندهم مستمر إلى آخر الشهر كما تقدم ، والرواية التي دلت على الاكتفاء بالصيام موردها صوم ثلاثة ، فاقتصروا في الخروج عن ذلك الأصل على مورد الرواية.

وذهب ابن إدريس والعلامة في جملة من كتبه إلى سقوط وجوب الهدي بمجرد التلبس بالصوم ، واحتج عليه في المنتهى بقوله تعالى (1) «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ» إذ مقتضاه وجوب الصوم على غير الواجد ، فالانتقال عنه إلى الهدي يحتاج إلى دليل ، ثم قال : «لا يقال : هذا يقتضي عدم إجزاء الهدي وإن لم يدخل في الصوم ، لأنا نقول : لو خلينا والظاهر لحكمنا بذلك ، لكن الوفاق وقع على خلافه وبقي ما عداه على الأصل» انتهى.

أقول : وما بعد ما بين هذا القول الذي استدل عليه هنا بالآية وبين ما قدمنا نقله عنه في القواعد ، والمسألة عندي لا تخلو من الاشكال ، حيث إن ما تقدم نقله عن الشيخ والجماعة من الجمع بين الخبرين بالاستحباب فيه ما عرفت في غير مقام مما تقدم ، وعندي أن أحد الخبرين إنما خرج مخرج

__________________

(1) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.


التقية ، والعامة هنا مثل أصحابنا على أقوال ثلاثة :

فمنهم من ذهب إلى ما تقدم نقله عن الشيخ ، ونقله في المنتهى عن حماد والثوري.

ومنهم من ذهب إلى ما نقل عن ابن إدريس ، ونقله في المنتهى عن الحسن وقتادة ومالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين.

ومنهم من ذهب إلى ما نقل عن العلامة في القواعد ، ونقله في المنتهى عن أبي حنيفة ، قال : «وقال : «وقال أبو حنيفة : يجب عليه الانتقال إلى الهدي ، وكذلك إذا وجد الهدي بعد أن صام الثلاثة قبل يوم النفر ، وإن وجده بعد أن مضت أيام النحر أجزأه الصوم وإن لم يتحلل ، لأنه قد مضى زمان التحلل».

ولا يخفى على العارف بالسير أن ما عدا مذهب أبي حنيفة من المذاهب المذكورة لا شيوع له ولا صيت في تلك الأوقات ، وإنما ظهر هذا الصيت للمذاهب الثلاثة المنضمة إليه في الأعصار المتأخرة ، وليسوا في تلك الأوقات إلا كغيرهم من سائر المجتهدين.

وأما مذهب أبي حنيفة فهو شائع ذائع ، وله مريدية يجادلون على مذهبه ، وجميع حكام الجور في وقته وبعده أيضا في زمن تلامذته من أبي يوسف ونحوه لا يصدرون إلا عن أحكامه.

وبهذا التقريب يقرب حمل رواية عقبة بن خالد (1) على التقية ، فإنها ظاهرة في وجوب الهدي بعد صوم الثلاثة في وقتها المستحب.

وحينئذ يكون العمل على رواية حماد بن عثمان (2) المعتضدة بإطلاق

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 45 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.


الأخبار المستفيضة (1) المتقدمة ، كما قدمنا الإشارة إليه ، والاحتياط بالإتيان بالهدي في وقته مما لا ينبغي تركه ثم إكمال العشرة ، والله العالم.

الثامن :

لو لم يصم الثلاثة في وقتها الموظف الذي تقدم في الاخبار فإن تمكن من صيام يوم الحصبة وما بعده صامها ، وإن تمكن من التأخير إلى بعد أيام التشريق أخر صيامها إلى بعد تمام أيام التشريق فإنه الأفضل ، وإلا صام يوم الحصبة ويومين بعده ، وإن لم يقم عليه جماله صامها في الطريق أو في منزله إن لم يخرج ذو الحجة.

ويدل على الحكم الأول من أن الأفضل بعد أيام التشريق ، ومع عدم إمكانه فيوم الحصبة وما بعده ما تقدم في صحيحة رفاعة (2) من قوله : «فإنه قدم يوم التروية ، قال : يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق ، قلت : لم يقم عليه جماله ، قال : يصوم يوم الحصبة وبعده يومين».

وأما ما يدل على الثاني من الصوم في الطريق فما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (3) عن عبد صالح (عليه‌السلام) قال : «سألته عن المتمتع ليس له أضحية وفاته الصوم حتى يخرج ، وليس له مقام ، قال : يصوم ثلاثة أيام في الطريق إن شاء ، وإن شاء صام في أهله».

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 44 ـ من أبواب الذبح.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 47 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.


وعن معاوية بن عمار (1) في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فإن فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة ، وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله ، وإن كان له مقام بمكة وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام».

قوله (عليه‌السلام) : «وإن كان له مقام» أي بمكة بعد الرجوع من منى.

قال في القاموس : «والصدر : أعلى مقام كل شي‌ء ـ إلى أن قال ـ : والرجوع كالصدور ، والاسم بالتحريك ، ومنه طواف الصدر ـ إلى أن قال ـ : والصدر بالتحريك : اليوم الرابع من أيام النحر» انتهى.

ومرجعه إلى احتمالات ثلاثة كلها قائمة في الخبر : أحدها أن يكون مصدرا بمعنى الرجوع ، فتكون دالة ساكنة ، وأن يكون اسم مصدر منه ، فتكون دالة مفتوحة ، وأن يراد به اليوم الرابع من أيام النحر ، وهو ثالث أيام التشريق ، فيكون مفتوح الدال أيضا.

وما رواه الشيخ في الموثق عن الحسن بن الجهم (2) قال : «سألته عن رجل فاته صوم الثلاثة الأيام في الحج ، قال : من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج ما لم يكن عمدا تاركا فإنه يصوم بمكة ما لم يخرج منها ، فان أبى جماله

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 47 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4 وذكر ذيله في الباب ـ 50 ـ منها ـ الحديث 2.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 11 ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث 2 من كتاب الصوم.


أن يقيم عليه فليصم في الطريق».

وعن يونس (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل متمتع لم يكن معه هدي ، قال : يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، قال : فقلت له : إذا دخل يوم التروية وهو لا ينبغي أن يصوم بمنى أيام التشريق ، قال : فإذا رجع إلى مكة صام ، قلت : فإنه أعجله أصحابه وأبوا أن يقيموا بمكة ، قال : فليصم في الطريق ، قال : فقلت : يصوم في السفر ، قال : هو ذا يصوم في يوم عرفة ، وأهل عرفة في السفر».

وأما ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «الصوم الثلاثة الأيام إن صامها فأخرها يوم عرفة ، فان لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في أهله ، ولا يصومها في السفر». فقد أجاب عنه الشيخ ، فقال : «يعنى لا يصومها في السفر معتقدا أنه لا يسعه غير ذلك ، بل يعتقد أنه مخير في صومها في السفر وفي اهله». ولا يخفى ما فيه من التكلف والبعد.

وقال في كتاب المنتقى بعد نقل الخبر : «قلت : ينبغي أن يكون هذا الحديث محمولا على رجحان تأخير الصوم إلى أن يصل إلى أهله مع فوات فعله على وجه يكون آخره عرفة ، وإن جاز أن يصومه في الطريق جمعا بين الخبر وبين ما سبق ، وللشيخ في تأويله كلام ركيك ذكره في الكتابين» انتهى.

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 11 ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث 3 ـ من كتاب الصوم.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 10.


أقول : ظاهر الخبر كما ترى أن المرتبة الثانية مع عدم الإتيان بها في الوقت الموظف الذي تقدم في الاخبار هو التأخير إلى أن يصومها في أهله ، مع استفاضة الروايات المتقدمة بالأمر بصوم يوم الحصبة وما بعده إن لم يتمكن من التأخير إلى ما بعد أيام التشريق ، وأن الصوم في الطريق إنما هو بعد هذه المراتب. وبذلك يظهر لك ما في حمل صاحب المنتقى أيضا.

وظاهر المحدث الكاشاني في الوافي حمل الخبر المذكور على التقية مستندا إلى ما تشعر به صحيحة رفاعة المتقدمة ، ولعله الأقرب.

وكيف كان فالرواية المذكورة معارضة بجملة من الاخبار الصحيحة الصريحة المستفيضة المتفق على العمل بها ، فلا تبلغ حجة في مقابلتها ، والله العالم.

المسألة الثالثة :

لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في وجوب الفصل بين الثلاثة والسبعة ، لأنهم أوجبوا صوم الثلاثة في الحج والسبعة في البلد ، كما هو صريح الآية الشريفة (1) وعليه دلت الأخبار المتكاثرة.

منها صحيحة حماد بن عيسى (2) المتقدمة في روايات صدر المسألة ، ومرسلة الفقيه (3) ورواية كتاب الفقه الرضوي (4) المتقدمتان ثمة ، وما

__________________

(1) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 53 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 12.

(4) المستدرك ـ الباب ـ 41 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.


تقدم في الأمر الثاني من صحيحة ابن سنان (1) وصحيحة ابن مسكان (2) وصحيحة معاوية بن عمار (3) المتقدمة أيضا في الأمر الثامن.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل تمتع ولم يجد هديا ، قال : يصوم ثلاثة أيام بمكة وسبعة إذا رجع».

أقول : وهذه الرواية أيضا دالة على ما قدمناه في الأمر الثامن من أن الأفضل بعد فوات الثلاثة المستحبة التأخير إلى بعد أيام التشريق ، كما تقدم في صحيحة رفاعة (5) وخالف في هذا الحكم جملة من العامة ، فذهب بعضهم إلى أنه يصوم بعد الفراغ من أفعال الحج ، ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وأحمد ، وقيل : يصوم إذا كان سائرا في الطريق وبه قال مالك والشافعي في القول الثاني ، وهو خروج عن صريح القرآن العزيز.

وعلى هذا فلو أقام بمكة ولم يرجع إلى بلاده انتظر مدة وصوله إلى أهله ما لم يتجاوز عن شهر ثم صام ، فان زادت مدة وصوله على شهر اكتفى بمضي الشهر ومبدأ الشهر من انقضاء أيام التشريق.

ويدل على ذلك ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار (6) المذكورة في الأمر الثامن من قوله (عليه‌السلام): «وإن كان له مقام بمكة وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام».

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 51 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 47 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.

(4 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 7.

(6) الوسائل ـ الباب ـ 50 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.


وروى الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (1) «في المقيم إذا صام الثلاثة الأيام ثم يجاور ينظر مقدم أهل بلده ، فإذا ظن أنهم قد دخلوا فليصم السبعة أيام».

وعن ابن مسكان عن أبي بصير (2) قال : «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيام ، فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم سنة ، قال : فلينتظر مقدم أهل بلده ، فإذا ظن أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام» وفي أكثر النسخ «منهل أهل بلده» وربما وجد في بعضها «مستهل أهل بلده».

وروى في المقنعة مرسلا (3) قال : «سئل (عليه‌السلام) عن المتمتع بالعمرة لا يجد الهدي فيصوم ثلاثة أيام ثم يجاور كيف يصنع في صيامه باقي الأيام؟ قال : ينتظر مقدار ما يصل إلى بلده من الزمان ثم يصوم باقي الأيام».

قال : «وسئل (عليه‌السلام) (4) عن متمتع لم يجد الهدي فصام ثلاثة أيام ثم جاور مكة متى يصوم السبعة الأيام الأخر؟ فقال : إذا مضى من الزمان مقدار ما كان يدخل فيه إلى بلده صام السبعة الأيام».

وروى العياشي في تفسيره عن حذيفة بن منصور (5) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا تمتع بالعمرة إلى الحج ولم يكن معه هدي صام قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، فان لم يصم هذه الثلاثة الأيام صام بمكة ، فإن عجلوا صام في الطريق ، وإذا قام بمكة بقدر مسيره إلى

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 50 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 3 ـ 4 ـ 5 ـ 6.


منزله فشاء أن يصوم السبعة الأيام فعل».

وهل يجزئ مضي الشهر في الإقامة بمكة أو غيرها أم يختص بمكة؟ مورد النص الأول خاصة ، وبه صرح شيخنا في المسالك حيث قال : «وإنما يكفي الشهر إذا كانت إقامته بمكة ، وإلا تعين انتظار الوصول إلى أهله كيف كان اقتصارا على مورد النص ، وتمسكا بقوله تعالى (1) «وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ» حملا للرجوع على ما يكون حقيقة أو حكما ، ومبدأ الشهر من انقضاء أيام التشريق» انتهى.

قال في المدارك بعد نقله : «هذا كلامه (رحمه‌الله) ولا بأس به ، بل المستفاد من ظاهر الآية الشريفة (2) اعتبار الرجوع حقيقة ، فالمسألة محل إشكال» انتهى.

أقول : يمكن تطرق المناقشة إلى ما ذكره شيخنا المشار إليه بأنه إن اقتصر في هذا الحكم على مورد النص ـ وهو الإقامة بمكة ـ فالواجب أيضا الاقتصار في الانتظار على مدة وصوله بلده على الإقامة في مكة ، كما وردت به النصوص المذكورة ، فلو أقام في غير مكة لم يكن الحكم فيه كذلك ، مع أن الظاهر أنه لا يقول به ، بل يوجب عليه الانتظار المدة المذكورة ، أقام بمكة أو غيرها. وحينئذ فلا يكون للإقامة في مكة مدخل في شي‌ء من الحكمين.

والظاهر أن ذكر مكة إنما خرج مخرج التمثيل من حيث استحباب المجاورة فيها وأرجحية المقام بها ، وإلا فلو فرضنا أنه انتقل إلى الطائف واقام بها فالحكم فيه كذلك في المسألتين المذكورتين.

__________________

(1 و 2) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.


وأما ما ذكره سبطه من الاشكال بالنظر إلى لزوم الخروج عن ظاهر الآية الشريفة (1) فالظاهر أنه ليس في محله ، فان النصوص كما عرفت قد تكاثرت بهذا الحكم ، فيجب تقييد إطلاق الآية به ، وتقييد إطلاق القرآن العزيز بالاخبار غير عزيز في الأحكام الشرعية ولو بخبر واحد ، فكيف مثل هذه الاخبار على كثرتها وصحة بعضها ، مثل أخبار الحبوة (2) وميراث الزوجة (3) وتوريث الزوجة بعد الخروج من العدة في المريض ضمن السنة (4) ونحو ذلك.

وينبغي التنبيه على فوائد يتم بها تحقيق المسألة المذكورة.

الاولى :

قد تضمن جملة من الاخبار جواز تأخير صوم الثلاثة إلى الرجوع إلى أهله.

كصحيحة معاوية بن عمار (5) المتقدمة ، حيث قال : «فان فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله».

__________________

(1) سورة البقرة : ـ الآية ـ 196.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 3 ـ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد من كتاب الفرائض.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 6 ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ من كتاب الفرائض.

(4) الوسائل ـ الباب ـ 14 ـ من أبواب ميراث الأزواج ـ من كتاب الفرائض.

(5) الوسائل ـ الباب ـ 47 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.


وفي صحيحة ابن مسكان (1) المتقدمة في الأمر الثاني من المسألة السابقة «فان لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى اهله».

وفي مرسلة الفقيه (2) «فان فاته صوم هذه الثلاثة الأيام حتى يخرج وليس له مقام صام الثلاثة في الطريق إن شاء ، وإن شاء صام العشر في أهله».

ويظهر من هذه الاخبار أن التأخير إلى وصول الأهل لا يكون إلا عن عذر مانع من صيامها في مكة أو قبل ذلك.

ثم الظاهر من الاخبار عدم وجوب الفصل هنا بين الثلاثة والسبعة ، بل نبه على ذلك في مرسلة الفقيه (3) حيث قال بعد ذكر ما قدمناه هنا : «ويفصل بين الثلاثة والسبعة بيوم ، وإن شاء صامها متتابعة».

بل ظاهر العلامة في المنتهى عدم وجوب الفصل أيضا وإن كان في مكة بعد مضي المدة التي يمكن الوصول فيها إلى أهله أو الشهر ، قال (قدس‌سره) : «إنما يلزمه التفريق بين الثلاثة والسبعة إذا كان بمكة ، لأنه يجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فلا يمكن الجمع بينهما ولو اقام فكذلك يجب عليه التفريق ، لأنه يلزمه أن يصبر شهرا أو قدر وصول الناس إلى وطنه ، أما لو لم يصم الثلاثة الأيام إلا بعد وصول الناس إلى وطنه أو مضي شهر فإنه لا يجب عليه التفريق بين الثلاثة والسبعة ، وكذا لو وصل إلى اهله ولم يكن قد صام بمكة ثلاثة أيام ، فإنه يجوز له

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 51 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.

(2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 12.


الجمع بين الثلاثة والسبعة ، ولا يجب عليه التفريق» انتهى.

الثانية :

المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه لا يشترط الموالاة في السبعة ، بل قال العلامة في التذكرة والمنتهى : «إنه لا يعرف فيه خلافا».

ويدل عليه إطلاق الآية (1) وتقييدها يحتاج إلى دليل ، وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار (2) قال : «قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما‌السلام) : إني قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الأيام حتى نزعت بي حاجة إلى بغداد قال : صمها ببغداد ، قلت : أفرقها ، قال : نعم».

ونقل في المختلف في كتاب الصوم عن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح وجوب التتابع في هذه السبعة ، قال (قدس‌سره) : «المشهور ان السبعة في بدل الهدي لا يجب فيه التتابع ، وقال ابن أبي عقيل : وسبعة متتابعات إذا رجع إلى اهله ، وذهب أبو الصلاح إلى وجوب التتابع في السبعة ، لنا : الأصل براءة الذمة ، وعدم شغلها بوجوب التتابع ، احتج بأن الأمر للفور ، وما رواه علي بن جعفر في الحسن (3) عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال : يصوم الثلاثة الأيام لا يفرق بينها والسبعة لا يفرق بينها ولا يجمع بين السبعة والثلاثة جميعا».

والجواب المنع من

__________________

(1) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.

(2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 55 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 2.


كون الأمر للفور ومن كون الخبر للوجوب ، ولو قيل به كان قويا ، للحديث» انتهى.

وقال في المدارك بعد نقل الخلاف في المسألة ، والطعن في سند رواية إسحاق بن عمار بالضعف ، ونقل رواية علي بن جعفر دليلا للقول الآخر ما صورته : «وهذه الرواية معتبرة الإسناد ، ليس في طريقها من قد يتوقف في شأنه إلا محمد بن أحمد العلوي ، وهو غير معلوم الحال ، لكن كثيرا ما يصف العلامة الروايات الواقع في طريقها بالصحة ، ولعل ذلك شهادة منه بتوثيقه» انتهى.

أقول : لا يخفى ما فيه من الوهن بناء على القول باصطلاحهم ، ولكن هذه عادتهم كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم أنهم إذا احتاجوا إلى العمل بالخبر الضعيف باصطلاحهم لضيق الخناق تستروا بمثل هذه الأعذار الواهية ، وليت شعري هل يخفى على مثله حال العلامة (رضوان الله تعالى عليه) من استعجاله ـ سيما في المختلف ـ ومنه وصفه هذه الرواية في هذا المقام بأنها حسنة ، وسندها على ما ترى ، فأي حسن أو صحة يمكن فيها والرجل المشار إليه في كتب الرجال المعدة لضبط أحوال الرجال غير مذكور فيها بمدح ولا قدح.

والشيخ ومن تبعه من الأصحاب قد جمعوا بين الخبرين بحمل رواية علي بن جعفر على الاستحباب ، ولا يبعد حمل رواية إسحاق بن عمار على التقية ، حيث إن العامة لا يرون التتابع حتى في الثلاثة ، كما نقله في المنتهى.

ولا ريب أن الاحتياط في التتابع كما دلت عليه رواية علي بن جعفر.

وأما ما دلت عليه من أنه لا يجمع بين السبعة والثلاثة فيجب تخصيصه


بما إذا كان في مكة على الوجه المتقدم دون وصوله إلى أهله كما عرفت آنفا.

الثالثة :

قد عرفت فيما تقدم دلالة جملة من الاخبار (1) على جواز صوم الثلاثة بعد الوصول إلى بلده ، فيصوم العشر كملا هناك ، وينبغي تقييده بأن يكون وصوله قبل خروج ذي الحجة ، لأنه مع خروج ذي الحجة ولمّا يصم الثلاثة يلزمه الدم كما تقدم ، ويجب تقييده أيضا بعدم وجود الهدي وإرساله على وجه يمكن ذبحه في ذي الحجة وإلا تربص به إلى العام القابل وسقط الصوم في الصورة المذكورة ، كما تقدم جميع ذلك في الأخبار (2).

ويدل عليه زيادة على ما تقدم ما رواه في المقنع مرسلا (3) قال : «وروى إذا لم يجد المتمتع الهدي حتى يقدم إلى اهله أنه يبعثه».

قال شيخنا الشهيد في الدروس : «لو رجع إلى بلده ولم يصم الثلاثة وتمكن من الهدي وجب بعثه لعامه إذا كان يدرك ذا الحجة وإلا ففي القابل ، وقال الشيخ : يتخير بين البعث وهو الأفضل وبين الصوم وأطلق» انتهى.

أقول : وقد تقدم في الأمر السادس من المسألة المتقدمة (4) نقل كلام الشيخ المذكور ، وكلام العلامة عليه في ذلك.

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 46 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4 و 7 و 10 و 12.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 44 ـ من أبواب الذبح.

(3) المستدرك ـ الباب ـ 42 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(4) راجع ص 141.


الرابعة :

المشهور بين المتأخرين ومنهم ابن إدريس ومن بعده وجوب الصوم على الولي لو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم.

وقال الشيخ : «لو مات قبل أن يصوم شيئا مع تمكنه قضى الولي الثلاثة دون السبعة» وبه قال ابن حمزة.

وقال الصدوق في الفقيه بعد نقل صحيحة معاوية بن عمار (1) الآتية : «قال مصنف هذا الكتاب (رحمة الله عليه) : هذا على الاستحباب لا على الوجوب ، وهو إذا لم يصم الثلاثة في الحج أيضا» وظاهره الاستحباب حتى في الثلاثة.

والذي يدل على القول الأول صحيحة معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «من مات ولم يكن له هدي لمتعته فليصم عنه وليه».

والشيخ بعد أن نقل هذه الرواية عن الكافي قال في آخرها : «يعني هذه الثلاثة الأيام» والظاهر أن هذا من كلامه بيانا لمذهبه في المسألة ، لخلو الرواية في الكافي والفقيه عن هذه الزيادة ، وكذلك رواه الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (3) قال : «قال (عليه‌السلام) : من مات ولم يكن له هدي لمتعته صام عنه وليه».

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 48 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 48 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 6.


واستدل الشيخ في التهذيب على عدم وجوب قضاء السبعة بما رواه عن الحلبي (1) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) أنه سل عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ولم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة ثم مات بعد أن رجع إلى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيام أعلى وليه أن يقضي عنه؟ قال : ما أرى عليه قضاء».

وأجاب عنه العلامة في المنتهى بأن هذه الرواية لا حجة فيها ، لاحتمال أن يكون موته قبل أن يتمكن من الصيام ، ومع هذا الاحتمال لا يبقى فيها دلالة على المطلوب.

وهو جيد ، ويعضده ما تقدم في مرسلة الفقيه (2) من قولهم (عليهم‌السلام) «وإذا مات قبل أن يرجع إلى اهله ويصوم السبعة فليس على وليه القضاء».

وظاهر المحدث الكاشاني في الوافي الميل إلى عدم الوجوب استنادا إلى ما ورد في رواية الحلبي من أنه لا قضاء على الولي.

أقول : الظاهر عندي هو القول المشهور بين المتأخرين ، لعدم ظهور الرواية المخالفة في المخالفة.

وأما ما ذهب إليه الصدوق من الاستحباب وإن ظهر من صاحب الوافي موافقته فهو ضعيف ، إذ غاية ما تدل عليه الرواية مع تسليم دلالتها هو عدم الوجوب في السبعة ، فتبقى الثلاثة على ما دل عليه إطلاق صحيحة معاوية بن عمار ، والله العالم.

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 48 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.


الخامسة :

لو تمكن من صيام السبعة وجب عليه صيامها ، ولا تجزئ عنه الصدقة ، لأن الصدقة بدل ، ولا يجزئ إلا مع عدم التمكن ، ولما رواه الشيخ عن عاصم بن حميد عن موسى بن القاسم عن بعض أصحابنا (1) عن أبي الحسن (عليه‌السلام) قال : «وكتب إليه أحمد بن القاسم في رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فلم يكن عنده ما يهدي به فصام ثلاثة أيام ، فلما قدم اهله لم يقدر على صوم السبعة الأيام وأراد أن يتصدق من الطعام ، فعلى من يتصدق؟ فكتب : لا بد من الصيام».

قال الشيخ : «قوله : «لم يقدر على الصوم» يعني لم يقدر عليه إلا بمشقة ، لأنه لو لم يكن قادرا عليه على كل حال لما قال (عليه‌السلام) : لا بد من الصيام».

أقول : بل الأقرب في معنى الخبر المذكور هو أنه لما كان صوم السبعة واجبا موسعا أمره بالتربص للصيام بعد البرء.

السادسة :

قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأن من مات وقد استقر الهدي في ذمته وجب إخراجه من أصل تركته ، لأنه حق مالي فيخرج من أصل التركة كالدين ، قالوا : ولو قصرت التركة عنه وعن

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 49 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


الدين وزعت التركة على الجميع بالحصص ، فان لم تف حصته بأقل هدي قال في المسالك : «يجب إخراج جزء من هدي مع الإمكان ، لعموم قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) : «إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم». ـ قال ـ ولو لم يمكن إخراج جزء ففي الصدقة به أو عوده ميراثا وجهان».

وقال سبطه في المدارك : «وإن لم يمكن فالأصح عوده ميراثا ، بل يحتمل قويا مع إمكان شراء الجزء أيضا ، وفي المسألة قول ضعيف بوجوب الصدقة به» انتهى.

أقول : لا يخفى أن المسألة خالية من النص ، ولكن متى قلنا بما ذكروه من هذه الفروع فيها فلا ريب أن القول بوجوب الصدقة متى لم يمكن إخراج جزء من هدي هو الأقوى واستضعافه ذلك في المدارك ضعيف.

وقد تقدم تحقيق الكلام في نظير هذه المسألة بما لا مزيد عليه في المسألة الحادية عشرة من المقصد الثالث في حج النيابة من المقدمة الثالثة (2) وأوضحنا رجحان ما اخترناه هنا في المسألة المذكورة ونظائرها بالأخبار الواضحة والدلائل اللائحة.

__________________

(1) سنن البيهقي ـ ج 4 ص 326.

(2) راجع ج 14 ص 306 ـ 309.


المقام الرابع

في هدي القارن

قال العلامة (قدس‌سره) في المنتهى : «الهدي على ضربين :

(الأول) : التطوع ، مثل أن خرج حاجا أو معتمرا فساق معه هديا بنية أن ينحره بمنى أو مكة من غير أن يشعره أو يقلده ، فهذا لا يخرج عن ملك صاحبه ، بل هو على ملكيته يتصرف فيه كيف شاء من بيع أو هبة ، وله ولده وشرب لبنه ، فان هلك فلا شي‌ء عليه.

(الثاني) : الواجب ، وهو قسمان : أحدهما ما وجوبه بالنذر في ذمته أو وجوبه بغيره ، كهدي التمتع والدماء الواجبة بترك واجب أو فعل محظور كاللباس والطيب.

والذي وجب بالنذر قسمان : (أحدهما) أن يطلق النذر فيقول : «لله علي هدي بدنة أو بقرة أو شاة» وحكمه حكم ما وجب بغير النذر ، وسيأتي.

(والثاني) أن يعينه فيقول : «لله علي أن أهدى هذه البدنة أو هذه الشاة» فإذا قال زال ملكه عنهما ، وانقطع تصرفه في حتى نفسه فيهما ، وهي أمانة للمساكين في يده ، وعليه أن يسوقها إلى المنحر ، ويتعلق الوجوب هنا بعينه دون ذمة صاحبه ، بل يجب عليه حفظه وإيصاله إلى محله ، فإذا تلف بغير تفريط أو سرق أو ضل كذلك لم يلزمه شي‌ء ، لأنه لم يجب في الذمة ، وإنما تعلق الوجوب بعينه ، فيسقط بتلفها كالوديعة.


وأما الواجب المطلق ـ كدم التمتع وجزاء الصيد والنذر غير المعين وما شابه ذلك ـ فعلى ضربين :

(أحدهما) أن يسوقه ينوي به الواجب من غير أن يعينه بالقول ، فهذا لا يزول ملكه إلا بذبحه ودفعه إلى اهله ، وله التصرف فيه بما شاء من أنواع التصرف كالبيع والهبة والأكل وغير ذلك ، لأنه لم يتعلق حق الغير به ، فان عطب تلف من ماله ، وإن عاب لم يجزه ذبحه ، وعليه الهدي الذي كان واجبا عليه ، لأن وجوبه تعلق بالذمة ، فلا تبرأ منه إلا بإيصاله إلى مستحقه ، وجرى ذلك مجرى من عليه دين لآخر فحمله إليه فتلف قبل وصوله إليه.

(الثاني) أن يعين الواجب فيه ، فيقول : هذا الواجب علي ، فيتعين الواجب فيه من غير أن تبرأ الذمة منه ، لأنه لو أوجب هديا ولا هدي عليه لتعين ، فكذا إذا كان واجبا فعينه ، ويكون مضمونا عليه ، فان عطب أو سرق أو ضل لم يجزه ، وعاد الوجوب إلى ذمته ، كما لو كان عليه دين فاشترى صاحبه منه متاعا به فتلف المتاع قبل القبض ، فان الدين يعود إلى الذمة ولأن التعيين ليس سببا في إبراء ذمته ، وإنما تعلق الوجوب بمحل آخر ، فصار كالدين إذا رهن عليه رهنا ، فان الحق يتعلق بالذمة والرهن ، فمتى تلف الرهن استوفي من المدين ، فإذا ثبت أنه يتعين فإنه يزول ملكه عنه وينقطع تصرفه فيه ، وعليه أن يسوقه إلى المنحر ، فان وصل نحره وأجزأ وإلا سقط التعيين ووجب عليه إخراج الذي في ذمته على ما قلناه ، وهذا كله لا نعلم فيه خلافا» انتهى كلامه ، علت في الخلد اقدامه ، ورفع فيه مقامه.

وقال الشيخ في المبسوط : «الهدي على ثلاثة أضرب : تطوع ، ونذر


شي‌ء يعينه ابتداء ، وتعيين هدي واجب في ذمته ، فان كان تطوعا مثل أن خرج حاجا أو معتمرا ـ ثم ذكر حكمه كما تقدم في كلام العلامة ثم قال ـ : الثاني هدي أوجبه النذر ابتداء بعينه ـ ثم ذكر الحكم فيه كما تقدم أيضا إلى أن قال ـ : الثالث ما وجب في ذمته عن نذر ، أو ارتكاب محظور كاللباس والطيب والثوب والصيد أو مثل دم المتعة ، فمتى ما عينه في هدي بعينه تعين ، فإذا عينه زال ملكه عنه وانقطع تصرفه فيه ، وعليه أن يسوقه إلى المنحر ، فان وصل نحره وأجزأه ، وإن عطب في الطريق أو هلك سقط التعيين ، وكان عليه إخراج الذي في ذمته ، فإذا نتجت فحكم ولدها حكمها» انتهى.

أقول : وصريح كلام الشيخ المذكور وهو ظاهر كلام العلامة أيضا أنه إذا عين الهدي المضمون في عين مخصوصة فإنه يخرج بذلك عن ملكه وينقطع تصرفه فيه.

قال في الدروس : «وحكم الشيخ بأن الهدي المضمون كالكفارة ، وهدي التمتع يتعين بالتعيين ، كقوله : «هذا هديي» مع نيته ، ويزول عنه الملك ، وظاهر الشيخ أن النية كافية في التعيين ، وكذا الإشعار أو التقليد ، وظاهر المحقق أنهما غير مخرجين وإن وجب ذبحه لتعينه ، وتظهر الفائدة في النتاج بعد التعيين ، فان قلنا بقول الشيخ وجب ذبحه معه ، وهو المروي (1)» انتهى.

أقول : لا ريب في قوة ما ذهب إليه الشيخ باعتبار دلالة الاخبار (2) على تبعية الولد بعد نتاجه لأمه في حكم الذبح معها ، فإنه لولا تعينها

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 34 ـ من أبواب الذبح.


بالتعيين لما سرى الحكم إلى الولد الذي هو نتاجها وثمرتها ، نعم خرج من ذلك جواز شرب لبنها وركوبها الغير المضرين ـ كما سيأتي إنشاء الله تعالى قريبا ـ بالنصوص (1) وبقي الباقي ، والله العالم.

إذا عرفت ذلك ففي هذا المقام مسائل :

الاولى :

قد صرح جملة من الأصحاب منهم الشيخ (رحمه‌الله) وابن إدريس والشهيدان في الدروس والمسالك والمحقق الشيخ علي وغيرهم بأن هدي القران لا يخرج عن ملك سائقه وإن أشعره أو قلده ، إلا أنه متى أشعره أو قلده لم يجز له إبداله ، ووجب نحره بمنى إن كان السياق في إحرام الحج ، وفي مكة إن كان في إحرام العمرة ، والمراد من عدم خروجه عن ملكه بعد الاشعار والتقليد الموجب لتعيينه للذبح أن له التصرف فيه بالركوب وشرب لبنه ونحو ذلك من أنواع التصرف الذي لا ينافي نحره في مكانه.

قال في الدروس بعد كلام في المقام : «وعلى كل تقدير لا يخرج عن ملكه ، نعم له إبداله ما لم يشعره أو يقلده ، ولا يجوز حينئذ إبداله ، ويتعين ذبحه أو نحره بمنى إن قرنه بالحج ، وإلا فبمكة ، والأفضل الجزورة».

وقال في المسالك : «اعلم أن هدي القران لا يخرج عن ملك مالكه بشرائه أو إعداده قبل ذبحه أو نحره ، ولم يجز له إبداله على ما يظهر من

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 34 ـ من أبواب الذبح.


جماعة من الأصحاب ، ويدل عليه أيضا صحيحة الحلبي (1) عن الصادق (عليه‌السلام) «إن كان أشعرها نحرها». ولهذا يجب ذبحه لو ضل فأقام غيره ثم وجده قبل ذبح الآخر ، والظاهر أنه مع ذلك لا يخرج عن ملكه وإن تعين للذبح ، لأصالة بقاء الملك ، ووجوب الذبح أو النحر لا ينافيه وتظهر الفائدة في جواز ركوبه وشرب لبنه ، وإنما يمتنع إبداله وإتلافه ، ويجب حفظه حتى يفعل به ما يجب» انتهى.

وقد وقع للمحقق (رحمه‌الله) في الشرائع هنا نوع سهو في العبارة ، وتبعه عليه العلامة في المنتهى كما هو الغالب من اقتفائه فيه أثر المحقق في المعتبر ونقل عبائره.

قال في الشرائع : «لا يخرج هدي القران عن ملك سائقه ، وله إبداله والتصرف فيه وإن أشعره أو قلده ، لكن متى ساقه لا بد من نحره بمنى إذا كان لإحرام الحج ، وإن كان لإحرام العمرة فبفناء الكعبة بالجزورة».

وقال في المنتهى : «قد بينا أن غير المتمتع لا يجب عليه الهدي ، والقارن لا يخرج هديه عن ملكه ، وله إبداله والتصرف فيه وإن شعره أو قلده ، لأنه غير واجب عليه ، لكن متى ساقه فلا بد من نحره بمنى إن كان الإحرام بالحج ، وإن كان للعمرة فبفناء الكعبة بالموضع المعروف بالجزورة ولو هلك لم يضمنه» انتهى.

واعترضهما شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وقبله المحقق الشيخ علي في حاشية الشرائع بلزوم التدافع في هذا الكلام.

قال في المسالك بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه : «إذا عرفت ذلك فعبارة

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 32 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


المصنف لا تخلو ظاهرا من التدافع ، حيث ذكر أولا أنه لا يخرج عن ملك سائقه وأن له إبداله والتصرف فيه ، ثم قال : لكن متى ساقه فلا بد من نحره ، فإنه يقتضي عدم جواز الأبدال والتصرف فيه بعد السياق ، وتبعه على هذه العبارة العلامة في أكثر كتبه ، وعبارة الأولين خالية عن ذلك» ثم إنه ارتكب تأويل العبارة المذكورة وتطبيقها على ما ذكره أولا بما لا يخلو من تكلف وتعسف.

ويظهر من السيد السند في المدارك الانتصار للفاضلين المذكورين وتصحيح كلاميهما ، حيث قال بعد نقل عبارة المصنف المتقدمة : «هذا الحكم ذكره المصنف والعلامة (رضى الله عنهما) في جملة من كتبه ، ومقتضاه أن هدي القران لا يخرج عن ملك سائقه ، وله إبداله والتصرف فيه قبل الاشعار وبعده ما لم ينضم إليه السياق ، فان انضم إليه السياق وجب نحره ، ويلزم منه عدم جواز التصرف فيه والحال هذه بما ينافي النحر» ثم نقل عن الشيخ وابن إدريس والشهيد ومن تأخر عنه أن مجرد الإشعار يقتضي وجوب نحر الهدي وعدم جواز التصرف فيه بما ينافي ذلك وإن لم ينضم إليه السياق.

أقول : إن مبنى الاعتراض على كلام الفاضلين المذكورين هو أن المعروف من معنى سياق الهدي شرعا ليس إلا عقد الإحرام به بالإشعار أو التقليد فمتى عقد إحرامه بإشعار الهدي أو تقليده سمي سائقا ، ولا يتوقف ذلك على سياقه معه في الطريق إلى أن يصل ، وإن لزم ذلك فان المتبادر من الأخبار (1) الدالة على أن سائق الهدي لا يجوز له الإحلال حتى يبلغ

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 2 ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث 4 و 25 و 27 والباب ـ 5 منها ـ الحديث 11.


الهدي محله يعني من عقد إحرامه بإشعار الهدي أو تقليده ، لا مجرد سياقه وصحبته في الطريق معه.

وحينئذ فما رام في المدارك الجواب به ـ من حمل السياق على مجرد صحبة الهدي في الطريق وأنه يترتب عليه وجوب الذبح وعدم جواز الأبدال دون الاشعار والتقليد فإنه يجوز الأبدال بعدهما ـ لا معنى له ولا دليل عليه ، مع ما فيه من الخروج عن المعنى الشرعي المستفاد من النصوص وكلام الأصحاب ، فإنه لا خلاف بينهم في أن السياق إنما هو عبارة عما ذكرناه كما لا يخفى على من راجع عباراتهم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد استدل الشيخ ومن تبعه على ما ذهبوا إليه بصحيحة الحلبي المشار إليها فيما قدمنا من عبارة المسالك ، وهي ما رواه في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها أو يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه ، قال : إذا لم يكن قد أشعرها فهي من ماله ، إن شاء نحرها وإن شاء باعها ، وإن كان أشعرها نحرها». وهي كما ترى ظاهرة في تعينها للنحر بمجرد الاشعار.

قال في المدارك بعد نقل الاستدلال بها للقول المذكور ما صورته : «ويتوجه عليه أن أقصى ما تدل عليه هذه الرواية وجوب نحر الهدي الذي ضل بعد الاشعار ثم وجد في منى ، ولا يلزم منه تعينه للنحر بعد الاشعار مطلقا».

أقول : لا يخفى ما في هذا الجواب من المجازفة الظاهرة ، فإنه لو تم

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 32 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


مثل هذا الكلام لانسد باب الاستدلال في كل مقام ، إذ لا يخفى أن خصوصيات المكان والزمان والسائل والمسؤول ونحوها من القيود اللازمة في المحاورات لا تؤخذ ولا تعتبر في الحكم إلا إذا علم لها وجه في الدخول فيه وخصوصية تترتب عليها في ذلك المقام ، فلا يتعدى الحكم حينئذ إلى غيرها وأما مجرد وجودها فإنه لا يقتضي المدخلية في الحكم.

ومن الظاهر أن الأمر بنحرها في الرواية إنما يترتب على الاشعار الذي ردد (عليه‌السلام) الكلام فيه فقال : إن لم يشعر فالحكم كذا وإن أشعر فالحكم كذا ، وحينئذ فيكون وجودها ـ كان في منى أم غيرها ، وكونها ضالة أم غير ضالة ونحو ذلك ـ لا مدخل له في الحكم المذكور ، وإلا للزم عليه أن يقال : إنه إذا قال القائل للإمام (عليه‌السلام) : «ما تقول في رجل صلى يوم الجمعة في المسجد وفي سراويله نجاسة فقال : يعيد» فينبغي بمقتضى ما ذكره أن يخص وجوب الإعادة بهذه القيود المذكورة ، ولا يقال : أن هذه الرواية تدل على وجوب الإعادة بالصلاة في النجاسة مطلقا.

وبالجملة فظهور السخافة في هذا الجواب مما لا يخفى على ذوي الألباب ، والله العالم بالصواب.

المسألة الثانية :

الظاهر أنه لا خلاف نصا وفتوى في أنه لو هلك هدي القران فلا يجب إقامة بدله ، لأنه غير مضمون ، وإقامة البدل انما تجب في المضمون الذي اشتغلت به الذمة ، كما تقدم في كلام العلامة (رضوان الله تعالى عليه) في صدر المقام.


والذي يدل على كل من الحكمين ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن الهدي الذي يقلد أو يشعر ثم يعطب ، قال : إن كان تطوعا فليس عليه غيره ، وإن كان جزاء أو نذرا فعليه بدله».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجل اهدى هديا فانكسرت ، فقال : إن كان مضمونة فعليه مكانها ، والمضمون ما كان نذرا أو جزاء أو يمينا ، وله أن يأكل منها ، فان لم يكن مضمونا فليس عليه شي‌ء».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (3) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ المنحر أيجزئ عن صاحبه قال : إن كان تطوعا فلينحره وليأكل منه وقد أجزأ عنه بلغ أو لم يبلغ ، فليس عليه فداء ، وإن كان مضمونا فليس عليه أن يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ ، وعليه مكانه».

وما رواه في الفقيه عن القاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك ، قال : يذكيها إن قدر على ذلك ويلطخ نعلها التي قلدت بها حتى يعلم من مر بها أنها قد ذكيت فيأكل من لحمها إن أراد ، فإن كان الهدي مضمونا فان عليه أن يعيده ، يبتاع مكان

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 25 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 2 ـ 3.

(4) الوسائل ـ الباب ـ 31 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3. إلا أنه لم يذكر ذيله وذكره في الفقيه ج 2 ص 298 ـ الرقم 1478.


الهدي إذا انكسر أو هلك ، والمضمون : الواجب عليه في نذر أو غيره ، فان لم يكن مضمونا وانما هو شي‌ء تطوع به فليس عليه أن يبتاع مكانها إلا أن يشاء أن يتطوع».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجل ساق بدنة فنتجت ، قال : ينحرها وينحر ولدها ، وإن كان الهدي مضمونا فهلك اشترى مكانها ومكان ولدها».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حريز عمن أخبره (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «من ساق هديا تطوعا فعطب هديه فلا شي‌ء عليه ينحره ، ويأخذ نعل التقليد فيغمسها في الدم فيضرب بها صفحة سنامه ولا بدل عليه ، وما كان من جزاء صيد أو نذر فعطب فعل مثل ذلك ، وعليه البدل ، وكل شي‌ء إذا دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره».

بقي الكلام في أمرين : (أحدهما) : أن صحيحتي معاوية بن عمار قد دلتا على أن له أن يأكل من المضمون ، وهو خلاف ما صرح به الأصحاب ودل عليه أيضا جملة من الأخبار (3) وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في المسألة التاسعة من المقام الأول (4) والأظهر حمل هذه الأخبار على ظاهرها من جواز الأكل ، لأنه متى كان مضمونا فقد انتقل الحكم الذي هو عدم جواز

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 34 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 25 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 6.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5 و 16 و 26 و 27.

(4) راجع ص 62 ـ 67.


الأكل منه إلى البدل ، ورجع هذا الهدى الأول إلى ملك صاحبه ، كما تقدم في كلام شيخنا العلامة (قدس‌سره) وأما ما تقدم في المقام الأول من الأخبار الدالة على جواز الأكل من الهدي المضمون وإن بلغ محله فقد ذكرنا أن الوجه فيها التقية.

و (ثانيهما) : أن مرسلة حريز قد دلت على أن كل هدي دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره ، وهو ظاهر المنافاة لما تقدم من التفصيل بين الواجب المضمون وغيره من المستحب أو الواجب الغير المضمون ، والشيخ في كتابي الأخبار قد حملها على العجز عن البدل أو على عطب غير الموت كالكسر ، فينحره على ما هو به ويجزوه ، ولا يخفى بعده ، والأظهر العمل بما دلت عليه من الاكتفاء بدخول الحرم مع العطب مطلقا ، وتخصيص تلك الاخبار بها ، وحملها على ما إذا حصل العطب قبل دخول الحرم.

المسألة الثالثة :

لو عجز هدي السياق فظاهر الأخبار أنه يجب ذبحه أو نحره في مكانه ويعلم بما يدل على أنه هدي ليأكل منه من أراد ، وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار.

(منها) رواية علي بن أبي حمزة (1) ومرسلة حريز (2) المتقدمتان.

و (منها) صحيحة حفص بن البختري (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام):

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 31 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3.


رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه ولا يعلم أنه هدي ، قال : ينحره ويكتب كتابا يضعه عليه ليعلم من مر به أنه هدي».

وصحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «أي رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك فينحرها إن قدر على ذلك ثم ليلطخ نعلها التي قلدت به بدم حتى يعلم من مر بها أنها قد ذكيت ، فيأكل من لحمها إن أراد ، وإن كان الهدي الذي انكسر وهلك مضمونا فان عليه أن يبتاع مكان الذي انكسر وهلك ، والمضمون هو الشي‌ء الواجب عليك في نذر أو غيره ، فان لم يكن مضمونا وإنما هو شي‌ء يتطوع به فليس عليه أن يبتاع مكانه إلا أن يشاء أن يتطوع».

ورواية عمرو بن حفص الكلبي (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه ولا من يعلمه أنه هدي ، قال : ينحره ويكتب كتابا ويضعه عليه ليعلم من مر به أنه صدقة».

ويستفاد من جملة من الاخبار مما ذكرناه هنا وما قدمناه وما طوينا ذكره أنه يستحب سياق الهدي في العمرة والحج وأنه تتأدى وظيفة الاستحباب بسياق الواجب أيضا مضمونا كان أم لا ، متعينا كان أم لا ، وإن تفاوتت هذه الأفراد من جهة أخرى.

وظاهر هذه الأخبار أن وجوب الذبح أو النحر مع العطب ، والعمل به بما ذكرناه شامل لجميع الأفراد المذكورة وإن اختلف الحكم فيها في وجوب

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 31 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.


الأبدال وعدمه ، كما فصلته الأخبار المذكورة ، وتقدم تفصيله في كلام شيخنا العلامة رفع الله تعالى مقامه ، فكل ما كان مضمونا ـ مثل الكفارات وجزاء الصيد والمنذور المطلق ودم المتعة ـ فإنه يجب إبداله متى ذبحه أو نحره لعطبه ، ويجوز الأكل حينئذ من هذا الهدي المذبوح أو المنحور لوجوب بدله ، ويتعلق تحريم الأكل حينئذ بالبدل ، ويرجع هذا الهدي بعد ما وقع عليه إلى ملكه ، فيتصرف فيه كيف شاء وأما الواجب المعين كالنذر المعين فان حكمه حكم المتبرع به في عدم وجوب الأبدال ، لعدم تعلقه بالذمة.

بقي هنا شي‌ء : وهو أنه قد روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه على هدي؟ قال : لا يبيعه ، فان باعه تصدق بثمنه ويهدي هديا آخر».

ورواه في الفقيه عن العلاء عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه؟ وإن باعه ما يصنع بثمنه؟ قال : إن باعه فليتصدق بثمنه ويهدي هديا آخر».

وفي الحسن عن الحلبي (3) قال : «سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه ويستعين بثمنه في هدي آخر؟ قال : يبيعه ويتصدق بثمنه ويهدي هديا آخر».

__________________

(1 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 27 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.

(2) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ 27 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2 وذكره في الفقيه ج 2 ص 298 ـ الرقم 1482.


وظاهر الخبرين وجوب التصدق بالثمن بعد البيع واقامة بدله ، أما إقامة البدل فلا إشكال فيه ، لما تقدم من أن المضمون ما لم يبلغ محله يجب إبداله.

إنما الإشكال في وجوب التصدق بثمنه مع ما عرفت من كلامهم أنه بعد العطب والكسر يرجع إلى ملك صاحبه ، فله التصرف فيه كيف شاء ومن ثم حملوا التصدق بالثمن هنا على الاستحباب ، لأن الجمع بين وجوب التصدق بثمنه ووجوب إقامة بدله خلاف القواعد الشرعية والقوانين المرعية ، فإنه إن بقي على حاله الأول من تعينه فوجوب التصدق بثمنه في محله ، حيث إنه خرج عن ملك صاحبه بتعينه للنسك ، إلا أنه لما تعذر إيصاله جاز بيعه والتصدق بثمنه ، ولا معنى للبدل على هذا الوجه ، وإن كان قد خرج بما عرض له من العطب والكسر عن التعين لذلك النسك ـ لأن. الواجب هدي صحيح يوصله إلى ذلك المكان ، فلما عطب رجع إلى ملك صاحبه وزال التعين ، كما تقدم في كلامهم ووجب البدل ـ فوجوب البدل ظاهر ، وهذا هو مدلول النصوص المتقدمة ، وأما وجوب التصدق بثمنه فلا وجه له حينئذ ، وبه يظهر صحة ما ذكروه من حمل التصدق على الاستحباب.

إلا أن عبائرهم في هذا المقام لا تخلو من اضطراب ، حيث إنهم قالوا : «ولو عجز هدي السياق ذبح أو نحر وعلم علامة الهدي ، ولو انكسر جاز بيعه والتصدق بثمنه أو إقامة بدله» وفي بعض العبارات «ولو عجز هدي السياق جاز أن ينحر» إلى آخره.

ومرادهم بهدي السياق المذكور أولا ما هو أعم من الهدي المستحب أو الواجب ، كما قدمنا ذكره ، ومقتضى هذا الكلام بحسب ظاهره أن مورد هذين الحكمين هو هدي السياق بالمعنى المذكور ، وأنه يجوز ذبحه أو نحره


والاعلام به ، ويجوز بيعه على الوجه المذكور.

وربما أشعر ذلك بالتخيير بين الأمرين ، وهو مشكل ، لأن مورد روايتي البيع والتصدق والأبدال إنما هو الهدي الواجب على ما عرفت من الإشكال في ذلك أيضا لا الهدي المستحب ، كما هو ظاهر عموم هدي السياق المفروض.

إلا أن الظاهر من كلام العلامة في المنتهى تخصيص هدي السياق في هذا المقام بالهدي المستحب ، حيث قال : «ولو عجز هدي السياق عن الوصول إلى مكة أو منى جاز أن ينحر أو يذبح ويعلم بما يدل على أنه هدي ، ولو أصابه كسر جاز له بيعه ، وينبغي أن يتصدق بثمنه أو يقيم بدله ، لأنه عوض عن هدي مستحب» انتهى.

والتقريب فيها أن الضمير في «أصابه كسر» يرجع إلى هدي السياق المتقدم ، وآخر العبارة ظاهر في أن المراد به الهدي المستحب ، وقد عرفت سابقا أن مورد روايات الحكم الأول هدي السياق بالمعنى الأعم لما اشتمل عليه بعضها من وجوب الأبدال بعد النحر إن كان مضمونا وعدمه إن لم يكن كذلك ، ومورد أخبار الحكم الثاني إنما هو الهدي الواجب خاصة ، ولم نقف على رواية في الهدي المستحب أنه يباع ويتصدق بثمنه ويقام بدله غيره.

وبالجملة فإن كلامهم على الاخبار هنا لا يخلو من الاشكال ، مع ما في عباراتهم من الإجمال ، حيث عبروا بأن هدي السياق إذا عجز يجوز ذبحه ونحره ، والمستفاد من الأخبار كما تقدمت هو الوجوب ، وكون هدي السياق في كلامهم هو الهدي المستحب ، كما يفهم من عبارة المنتهى ، أو الأعم كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة.


وظاهر كلامهم المتقدم أيضا الفرق بين العجز والكسر ، فخصوا الذبح أو النحر والتعليم بالأول ، والبيع والتصدق أو إقامة البدل بالثاني ، زعما منهم المغايرة بين الأمرين ، بل ادعى شيخنا الشهيد الثاني ورود النص بالفرق ، وأنكره سبطه في المدارك ، وهو كذلك ، لما عرفت من صحيحة الحلبي المتقدمة في صدر المسألة ، حيث دلت على الذبح والتعليم في صورة الكسر ، وأنه متى كان الهدي مضمونا فان عليه البدل ، وأيضا فإن الأخبار اشتملت على ذكر العطب وهو أعم من الكسر وغيره.

وبالجملة فالمستفاد من الاخبار على وجه لا يعتريه الإنكار هو ما قدمناه من أن هدي السياق مطلقا متى عجز عن الوصول ـ سواء كان بواسطة الكسر أو غيره ـ وجب نحره أو ذبحه والاعلام بكونه هديا بما تقدم في الأخبار من العلامات ، ولا يجب الإقامة عنده إلى أن يوجد المستحق وإن أمكن.

ثم إنه إن كان مضمونا وجب بدله وإلا سقط ، لما عرفت من حكم المضمون ، والأفضل له أن يتصدق بثمنه إن باعه ، وعلى هذا فيتخير في المضمون بين ذبحه أو نحره وبين بيعه.

وينبغي أن يعلم أن ما تقدم في الأخبار من وجوب الاعلام بكون الهدي صدقة ليأكل منه من يمر به إما بكتابة كتاب عليه بذلك أو بلطخ نعله بالدم مخصوص بغير المضمون الذي يجب إقامة البدل عنه ، لما عرفت من أنه بسبب وجوب البدل عنه ينتقل الحكم إلى البدل ، ويرجع الأول إلى ملك صاحبه.


تتمة :

ظاهر الأصحاب أن الهدي بأي المعاني المتقدمة يجب ذبحه بعد بلوغ محله ، فان كان سياقه مستحبا أو نذرا فله التصرف فيه بعد الذبح كيف شاء ، إلا أن يكون نذره صدقة فإنه يجب صرفه فيما نذره ، وإلا فالواجب الذبح أو النحر خاصة ، وأما لو كان واجبا كهدي المتعة فقد تقدم الحكم فيه ، وأن الأظهر قسمته أثلاثا.

والأقرب أيضا في هدي القران كذلك ، لما رواه الشيخ في الموثق عن شعيب العقرقوفي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال : بمكة ، قلت : فأي شي‌ء أعطي منها؟ قال : كل ثلثا وأهد ثلثا وتصدق بثلث».

وفي صحيحة سيف التمار (2) في هدي السياق قال : «اطعم أهلك ثلثا ، واطعم القانع والمعتر ثلثا ، واطعم المساكين ثلثا».

وأما الواجب في الكفارة والنذر المطلق وهو المضمون فإنه لا يجوز الأكل منه كما تقدم ، بل يتصدق به بعد الذبح ، ويدل على ذلك ما تقدم في رواية أبي بصير (3) قال : «سألته عن رجل اهدى هديا فانكسر ، قال إن كان مضمونا ـ والمضمون ما كان في يمين يعني نذرا أو جزاء ـ فعليه فداؤه ، قلت : أيأكل منه؟ قال : لا ، إنما هو للمساكين ، فان لم يكن

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 18 ـ 3 ـ 16.


مضمونا فليس عليه شي‌ء ، قلت : أيأكل منه؟ قال : يأكل منه».

وروى شيخنا المفيد في المقنعة مرسلا (1) قال : «قال (عليه‌السلام): من ساق هديا مضمونا في نذر أو جزاء فانكسر أو هلك فليس له أن يأكل منه ، ويفرقه على المساكين ، وعليه مكانه بدل منه ، وإن كان تطوعا لم يكن عليه بدله ، وكان لصاحبه أن يأكل منه». وما دل عليه الخبران من عدم جواز الأكل من المضمون مع أن عليه بدله قد تقدم الكلام فيه قريبا في المسألة الثانية (2) وقبلها في المسألة التاسعة من المقام الأول (3) والله العالم.

المسألة الرابعة :

قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في جملة أحكام هدي السياق بأنه لو سرق من غير تفريط لم يضمن ، وهو على إطلاقه مشكل لما عرفت سابقا من أن هدي السياق منه ما يكون مستحبا وإن وجب بالإشعار أو التقليد ، ومنه ما يكون واجبا ، والواجب منه ما يكون مضمونا وما يكون متعينا ، وهذا الحكم لا يتم إلا فيما عدا الواجب المضمون من المستحب أو المتعين بنذر وشبهه ، فإنه يكون في يد صاحبه بمنزلة الأمانة إلى أن يوصله محله ، كما تقدم في كلام شيخنا العلامة أجزل الله إكرامه ، فلو تلف من غير تفريط فلا ضمان عليه.

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 25 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 10.

(2) ص 168 ـ 171.

(3) ص 62 ـ 67.


وأما الواجب المضمون كالمنذور مطلقا وجزاء الصيد ودم المتعة ونحو ذلك فان تلفه وإن كان بغير تفريط لا يوجب براءة الذمة وإن عينه لذلك ، لأنه لا يخرج بالتعيين عن الاستقرار في ذمته ، بل يكون مراعى ببلوغه محله حسب ما تقدم إيضاحه في كلام شيخنا المذكور من غير خلاف فيه ، كما أشار إليه في آخر كلامه ، وحينئذ فالواجب حمل كلامهم على الأفراد الأولة وقد استدل الشيخ في التهذيب على الحكم المذكور

بما رواه عن احمد بن محمد بن عيسى عن غير واحد من أصحابنا (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل اشترى شاة لمتعته فسرقت منه أو هلكت ، فقال : إن كان أوثقها في رحله فضاعت فقد أجزأت عنه».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها قال : لا بأس ، وإن أبدلها فهو أفضل ، وإن لم يشتر فليس عليه شي‌ء».

وقد نقل السيد السند في المدارك استدلال الشيخ (رحمه‌الله) بهذين الخبرين وجمد عليه ، مع ما في ذلك من الاشكال وظهور الاختلال ، لأن محل البحث هدي السياق بالمعنى الذي ذكرناه ، وأما هدي التمتع فان الظاهر من كلام الأصحاب كما عرفت ـ حيث إنه واجب مضمون ـ أن تلفه لا يكون مبرئا للذمة ، وهذه الرواية يجب أن تكون مخصوصة بالشاة التي اشتراها وأوثقها في رحله بمنى ليكون القول بالاجزاء باعتبار بلوغ الهدي محله لا مطلقا.

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 30 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2 ـ 1.


ويؤيده ما رواه الشيخ عن ابن جبلة عن علي (1) عن عبد صالح (عليه‌السلام) قال : «إذا اشتريت أضحيتك وقمطتها وصارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله».

ومورد الرواية وإن كان بلفظ الأضحية إلا أنه كثيرا ما يطلق على هدي التمتع باعتبار إجزائه عن الأضحية ، وكذا الرواية الثانية مقيدة بالأضحية في منى كما يشير إليه هذا الخبر أيضا.

ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الله عن رجل يقال له الحسن عن رجل سماه (2) قال : «اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت ، فقال لي أبي : ائت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فاسأله عن ذلك ، فأتيته فأخبرته ، فقال : ما ضحي بمنى شاة أفضل من شاتك».

نعم هما يصلحان للتأييد في الجملة ، على أن مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى المذكورة معارضة بما هو أوضح منها سندا ، وهو ما رواه الصدوق في الفقيه عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح (3) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن رجل اشترى هديا لمتعته فأتى به منزله فربطه ثم انحل فهلك هل يجزؤه أو يعيد؟ قال : لا يجزؤه إلا أن يكون لا قوة به عليه».

والدليل الحقيقي على الاجزاء إنما هو ما تقدم من أنه في يده بمنزلة الأمانة التي لا يضمنها صاحبها إلا مع التفريط ، ولا تعلق له بالذمة الذي هو موجب للضمان.

بقي الكلام في الجمع بين مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى الدالة على

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 30 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 25 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5.


الاجزاء في الشاة المسروقة عن الهدي الواجب في ذمته وبين صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الدالة على عدم الاجزاء إلا مع عدم القوة على غيره والمفهوم من كلام الأصحاب هو القول بما دلت عليه المرسلة المذكورة.

قال في المنتهى : «لو سرق الهدي من موضع حرز أجزأ عن صاحبه وإن أقام بدله فهو أفضل ، لما رواه الشيخ عن احمد بن محمد بن عيسى» ثم ساق المرسلة المذكورة ، ثم أردفها بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أيضا ، والظاهر من إيراده لها واستدلاله بها هو حمل الأضحية فيها على ما هو أعم من الهدي الواجب ، لما أشرنا إليه آنفا ، ثم نقل مرسلة إبراهيم بن عبد الله ورواية ابن جبلة عن علي عن عبد صالح (عليه‌السلام) المتقدمين.

والظاهر أن التقريب فيهما ما عرفت في صحيحة معاوية بن عمار ، ولم أقف على من أورد صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المذكورة في المقام. فضلا عن الجواب عنها ودفع المنافاة بينها وبين هذه الأخبار.

ولا يخفى أن ما دلت عليه الصحيحة المذكورة هو الأوفق بما قدمنا نقله عنهم من أن المضمون المستقر في الذمة لا تبرأ الذمة إلا بالإتيان به ، وأنه بمجرد الشراء للهدي أو سوقه ما لم يبلغ محله فيذبحه أو ينحره لا تبرأ الذمة منه وأنه يجب إبداله لو تلف أو عطب ، كما عرفت من كلام شيخنا العلامة المنقول في صدر المقام.

والظاهر أن الأصحاب إنما صاروا إلى الاجزاء ، وخرجوا من مقتضى هذا الضابط الذي ذكروه من أجل المرسلة المتقدمة ، لصراحتها في الاجزاء وتأييدها بالروايات المذكورة ، فكأنهم خصصوا الضابط المذكور بهذه الروايات


ولم يقفوا على الصحيحة المذكورة الصريحة في الالتزام بهذا الضابط والمنافاة بينها وبين المرسلة المشار إليها.

ويؤيد ما ذكرناه عبارة شيخنا الشهيد (رحمه‌الله) في الدروس حيث قال : «لو ضل هدي المتمتع فذبح عن صاحبه قيل : لا يجزئ ، لعدم تعينه ، وكذا لو عطب ، سواء كان في الحل أو في الحرم ، بلغ محله أو لا ، والأصح الاجزاء ، لرواية جماعة (1) «إذا ماتت شاة المتعة أو سرقت أجزأت ما لم يفرط». وفي رواية منصور بن حازم (2) لو ضل فذبحه غيره أجزأ ، ولو تعيب بعد شرائه أجزأ في رواية معاوية (3)» انتهى.

أقول : ما ذكره جيد لولا الصحيحة المذكورة المؤيدة بموافقة الضابط المتفق عليه بينهم ، كما عرفت مما تقدم في كلام العلامة (قدس‌سره) والجمع بين الخبرين المذكورين لا يخلو من الإشكال ، إلا أن تقيد المرسلة المذكورة ونحوها بالصحيحة المشار إليها فيقال بالاجزاء مع عدم إمكان غيره ، أو حمل الاجزاء على الرخصة.

وعلى كل من الوجهين فالظاهر تقييده بما إذا حصل التلف في منى لبلوغه محله ، كما أشارت إليه رواية ابن جبلة (4) ومرسلة إبراهيم بن عبد الله (5) لا مطلقا ، كما يفهم من عبارة الدروس وإن افهمته مرسلة أحمد المذكورة ،

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 25 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5 والباب ـ 30 ـ منها.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 28 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 26 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(4 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 30 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4 ـ 3.


اقتصارا فيما خالف الضابطة المذكورة على ما اتفقت عليه هذه الأخبار.

وكيف لا وجملة الأخبار المتقدمة في المسألة الثانية والثالثة متفقة على وجوب الإبدال في المضمون لو عطب أو انكسر أو تلف ، ودم الهدي كما عرفت من جملة أفراد المضمون.

ويؤيد ما ذكرناه أيضا صحيحة منصور بن حازم (1) المشار إليها في كلامه ، حيث اشتملت على أنه إن كان قد ذبحه الواجد في منى أجزأ عن صاحبه ، وإن كان في غيرها لم يجز عنه.

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا عرف بالهدي ثم ضل بعد ذلك أجزأ». ومفهومه الشرطي الذي هو حجة عند المحققين أنه لا يجزئ إذا لم يعرف به ، ولو لا ظهور صحيحة عبد الرحمن المتقدمة في أن موردها هلاك الهدي في منى لأمكن تقييدها بهذه الأخبار ، والله العالم.

المسألة الخامسة :

المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أن هدي السياق بأي المعاني المتقدمة يجب ذبحه بعد بلوغه المحل من مكة أو منى ، ثم إن كان هدي دم المتعة فقد تقدم الكلام فيه ، وأن الأظهر قسمته أثلاثا وجوبا ، وإن كان هدي القران فالأظهر أنه كذلك أثلاثا ، وظاهر الأصحاب

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 28 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 25 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 9.


أنه على جهة الاستحباب ، مع اتفاق الأخبار على الأمر بالتثليث كما تقدمت في المسألة الثامنة من المقام الأول (1) وعدم المعارض.

ومنها موثقة شعيب العقرقوفي (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال : بمكة ، قلت : فأي شي‌ء أعطي منها؟ قال : كل ثلثا واهد ثلثا وتصدق بثلث».

وفي صحيحة سيف التمار (3) في هدي السياق قال : «اطعم أهلك ثلثا ، واطعم القانع والمعتر ثلثا ، واطعم المساكين ثلثا». ونحوهما مما تقدم وهي محمولة على هدي القران ودم المتعة دون غيرهما من الأفراد التي يأتي بيان حكمها.

وأما الهدي المضمون وهو ما كان كفارة أو جزاء صيد أو النذر المطلق فمصرفه المساكين.

قال في المنتهى : «قد بينا أن ما يساق في إحرام الحج يذبح أو ينحر بمنى ، وما يساق في إحرام العمرة ينحر أو يذبح بمكة ، وما يلزمه من فداء ينحر بمكة إن كان معتمرا وبمنى إن كان حاجا ، وبينا الخلاف فيه إذا عرفت هذا فإنه يجب أن يفرقه على مساكين الحرم ، لما بيناه فيما تقدم ممن يجوز دفع الزكاة إليه ، وكذا الصدقة مصرفها مساكين الحرم ـ الى أن قال ـ : ولو نذر هديا مطلقا أو معينا وأطلق مكانه وجب صرفه في فقراء الحرم ـ ثم نقل خلاف أبي حنيفة وقال ـ : لنا قوله تعالى (4)

__________________

(1) ص 51 ـ 59.

(2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 18 ـ 3.

(4) سورة الحج : 22 ـ الآية 33.


«ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» ولأن إطلاق النذر ينصرف إلى المعهود شرعا ، والمعهود في الهدي الواجب ذبحه في الحرم».

وظاهر كلامه (قدس‌سره) جريان هذا الحكم في جميع أفراد هدي السياق عدا دم المتعة ، لما ذكره من حكمه في محله.

والظاهر من كلام الأصحاب أنه لا يجوز الأكل من الهدي الواجب غير هدي المتعة.

قال في الدروس : «ولا يجوز الأكل من الواجب غير المتعة ، فإن أكل ضمن القيمة ، وجوز الشيخ الأكل منه للضرورة ، ولا قيمة عليه» انتهى.

أقول : ما نسبه إلى الشيخ من القول بجواز الأكل مع الضرورة إنما منشأه حمله الأخبار المخالفة الدالة على جواز الأكل من المضمون (1) على حال الضرورة جمعا بينها وبين الأخبار الدالة على عدم الجواز (2) وفي نسبة القول له بذلك نظر ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة في المسألة التاسعة من المقام الأول (3) وقد قدمنا أن ما دل على جواز الأكل من الهدي المضمون من الاخبار محمول على التقية إن كان هدي نقصان ، وأما إذا كان الهدي من تمام الحج فلا بأس ، هذا بالنسبة إلى الهدي متى بلغ محله.

وأما لو ذبحه في الطريق لعطبه وعجزه عن بلوغ المحل فإنه متى كان مستحبا كهدي القران أو متعينا كالنذر المعين ونحوه فإنه لا بدل عليه ، وله أن يأكل من لحمه ، وهو مما لا إشكال فيه.

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 6 و 7 و 10 و 17.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5 و 16 و 26 و 27.

(3) ص 62 ـ 67.


إنما الإشكال في الواجب المضمون ، وظاهر كلام الأصحاب أنه يجب عليه بدله ، وينتقل أحكام الهدي إلى البدل ، وأن الهدي الأول يرجع إلى ملكه ، وله التصرف فيه كيف شاء.

قال في المنتهى زيادة على ما قدمناه عنه في صدر المقام ما صورته : «الواجب غير المعين إذا عينه بالقول تعين على ما قلناه ، فان عطب أو عاب عيبا يمنع من الاجزاء لم يجز ذبحه عما في ذمته ، لأن الواجب عليه هدي سليم ، ولو لم يوجد فعليه الأبدال ، إذا ثبت هذا فإنه يرجع هذا الهدي إلى ملكه ، فيصنع به ما شاء من أكل وبيع وصدقة وهبة» انتهى.

والأخبار هنا بالنسبة إلى جواز الأكل منه مختلفة. فمما يدل على جواز الأكل صحيحتا (1) معاوية بن عمار المتقدمتان في المسألة الثانية ، ومما يدل على المنع رواية أبي بصير (2) المتقدمة في المسألة التاسعة من المقام الأول ونحوها ما رواه في الفقيه عن حماد عن حريز (3) المتقدم ثمة ، ونحوهما أيضا ما رواه شيخنا المفيد (قدس‌سره) في المقنعة مرسلا (4) قال : «قال (عليه‌السلام) : من ساق هديا مضمونا في نذر أو جزاء فانكسر أو هلك فليس له أن يأكل منه ، ويفرقه على المساكين ، وعليه مكانه بدل منه ، وإن كان تطوعا لم يكن عليه بدله ، وكان لصاحبه أن يأكل منه».

أقول : ويعضد هذه الأخبار الأخيرة ما تقدم في المسألة الثالثة من هذا

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 25 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2 و 3.

(2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 16 ـ 26.

(4) الوسائل ـ الباب ـ 25 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 10.


المقام (1) من صحيحة محمد بن مسلم (2) وحسنة الحلبي (3) الدالتين على أن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب فباعه صاحبه فان عليه أن يتصدق بثمنه ، وعليه بدله.

ويؤيد الأخبار الأولة أنها الأوفق بمقتضى الضابط الذي ذكره شيخنا العلامة رفع الله مقامه من أنه «متى وجب عليه البدل انتقل حكم الهدي الواجب في ذمته إلى هذا البدل ، ورجع الأول إلى ملكه ، يتصرف فيه كيف شاء ، وإيجاب الصدقة بلحمه على المساكين والتصدق بثمنه إن باعه مع إيجاب البدل مما لا يكاد يعقل وجهه إلا بالقول بوجوب هديين عليه وهو باطل».

وبالجملة فالمسألة عندي محل إشكال ، ولا يحضرني الآن وجه جمع بين هذه الاخبار ، والله العالم.

المسألة السادسة :

قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأنه لو ضاع هدي السياق فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه ولم يجب ذبح الأخير ، ولو ذبح الأخير ذبح الأول ندبا على المشهور ، ووجوبا عند الشيخ إذا كان قد أشعره أو قلده.

__________________

(1) ص 173.

(2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 27 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.


والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها أو يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه ، قال : إن لم يكن أشعرها فهي ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها ، وإن كان أشعرها نحرها».

وعن أبي بصير (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى كبشا فهلك منه ، قال : يشتري مكانه آخر ، قلت : فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأول ، قال : إن كانا جميعا قائمين فليذبح الأول وليبع الأخير ، وإن شاء ذبحه ، وإن ذبح الأخير ذبح الأول معه».

قال الشيخ في التهذيب بعد نقل رواية أبي بصير : «إنما يذبح الأول مع الأخير إذا أشعره ، وإلا لم يلزمه ذبحه» واستدل بصحيحة الحلبي المذكورة وبهذا التقريب نسب إلى الشيخ القول بوجوب ذبح الأول مع الإشعار أو التقليد بعد ذبح الثاني ، كما قدمنا ذكره.

والمشهور عندهم الاستحباب ، لسقوط ذبح الأول بذبح البدل.

قال في الدروس : «لو ضل فأقام بدله ثم وجده ذبحه ، وسقط وجوب ذبح البدل ، ولو كان قد ذبح البدل استحب ذبح الأول ، وأوجبه الشيخ إذا كان قد أشعره أو قلده ، لصحيح الحلبي ، وحكم هدي التمتع كذلك» انتهى.

وقال في المختلف بعد أن نقل عن الشيخ القول بالوجوب : «والأقرب عندي الاستحباب ، لنا : أنه امتثل المأمور به ، فيخرج عن العهدة ، نعم لو

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 32 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


عينه بالنذر كان قول الشيخ جيدا» انتهى.

أقول : لا يخفى أن ظاهر إطلاق صحيحة الحلبي وصريح رواية أبي بصير الدلالة على ما ذكره الشيخ ، والتقريب فيهما أنه لا ريب كما تقدم أن الهدي يتعين إما بالاشعار والتقليد أو بالتعيين ، كان ينوي أن هذا الهدي هو الذي في ذمتي ، وبذلك يخرج عن ملك صاحبه ويتعين للذبح ، إلا أنه متى ضاع مثلا واشترى بدله وجوبا إن كان مضمونا أو استحبابا إن لم يكن كذلك فإنه ينتقل الحكم إلى البدل انتقالا مراعى بعدم وجود المبدل منه ، فإذا وجد المبدل منه تعلق به الحكم من حيث التعيين كما عرفت ، ولم يجز البدل حينئذ وإن كان قد ذبحه.

فقوله في المختلف : «لنا أنه امتثل المأمور به فيخرج عن العهدة» على إطلاقه ممنوع ، فإنه إنما يحصل الامتثال ويخرج عن العهدة لو لم يوجد الأول ، وإلا فمع وجود الأول فهو أول المسألة ومحل النزاع ، وهل هذا الكلام حينئذ إلا نوع مصادرة على المطلوب.

وبالجملة فإنا نقول : إن البدلية مراعاة بعدم وجود المبدل منه ، وعلى هذا خرج الحكم في الروايتين المذكورتين بوجوب ذبح الأول وإن كان قد ذبح الثاني ، وتأويلهما بما ذكروه من الاستحباب يحتاج إلى المعارض ، وليس فليس ، وما ذكروه من التعليل عليل كما عرفت ، فقول الشيخ لا يخلو من القوة.

وهكذا يجري الكلام في هدي المتعة لو شراه وعينه للهدي ثم ضاع ، فإنه يتعين بالتعيين ، كما تقدم في كلام شيخنا العلامة وغيره ، وحينئذ فمتى ضاع ووجده بعد أن ذبح بدله فإنه يجب عليه ذبحه من حيث التعيين ،


وقوفا على ظاهر الخبرين المذكورين.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قال في المدارك بعد الكلام في أصل المسألة والاستدلال بالروايتين المذكورتين على أصل الحكم المذكور : «إذا تقرر ذلك فاعلم أن قول المصنف : «ولو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه وإن كان ذبح الأخير ذبح الأول معه ندبا» يقتضي بظاهره وجوب إقامة البدل في هدي السياق المتبرع به ، ووجوب ذبحه إذا لم يجد الأول ، وهو مناف لما تقدم من عدم وجوب إقامة بدله لو هلك.

وأجاب عنه الشارح (قدس‌سره) إما بالتزام وجوب إقامة البدل مع الضياع ، وسقوطه مع السرقة والهلاك ، قال : ولا بعد في ذلك بعد ورود النص وإما تخصيص الضياع بما وقع منه بتفريطه.

وأقول : ان الوجه الثاني مستقيم في نفسه ، أما الأول فمشكل ، وما ذكره (قدس‌سره) من أنه لا بعد في ذلك بعد ورود النص مسلم إلا أن الكلام في إثبات ذلك ، فانا لم نقف في هذه على رواية سوى ما أوردناه من الخبرين ، ولا دلالة لهما على وجوب الإبدال في هدي السياق المتبرع به بوجه.

أما الأول فلأنه إنما يدل على وجوب ذبح الأول بعد ذبح الأخير إذا كان قد أشعره ، ولا دلالة له على وجوب الأبدال.

وأما الثاني فلعدم التعرض فيه لهدي السياق ، بل الظاهر أن المسؤول عنه فيه هدي التمتع.

ويمكن حمل عبارة المصنف على الهدي الواجب ، ليتم وجوب اقامة بدله ، ويكون المراد أنه لو وجد الأول بعد ذبح الأخير لم يجب ذبحه ،


لقيام البدل مقامه إلا إذا كان منذورا على التعيين ، فيجب حينئذ ذبحه بعد ذبح الأخير لتعينه بالنذر لذلك» انتهى كلامه زيد إكرامه ورفع مقامه.

أقول : صورة عبارة المصنف المشار إليها هكذا «ولو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه ، ولم يجب ذبح الأخير ، ولو ذبح الأخير ذبح الأول ندبا إلا أن يكون منذورا» ولا يخفى أن غاية ما يفهم من هذه العبارة انه لو ضاع الهدي ـ سواء كان هدي سياق قد أشعره أو قلده أو كان هدي تمتع كما هو ظاهر الخبرين المذكورين اللذين هما المستند في هذا الحكم ـ فأقام بدله وجوبا أو استحبابا ، وليس في العبارة أزيد من إقامته ، وهو أعم من أن يكون وجوبا أو استحبابا كما ذكرنا.

ولا ريب في استحباب إقامة البدل في هدي القران بعد ضياعه أو هلاكه لما تقدم في رواية علي بن أبي حمزة (1) «فان لم يكن مضمونا وإنما هو شي‌ء تطوع به فليس عليه أن يبتاع مكانها إلا أن يشاء أن يتطوع». ومثله في صحيحة الحلبي (2) ومورد الخبرين المذكورين وإن كان الذبح إلا أنه لا خصوصية له في هذا المقام ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام ، على أنهم قد صرحوا بجواز بيعه مع الكسر واستحباب بدله والتصدق بثمنه.

والظاهر أن مطرح نظر المصنف وغيره في هذا المقام إنما هو إلى الخلاف الذي قدمنا نقله عن الشيخ من أنه متى وجد الهدي الضائع وقد ذبح الأول فهل يكون ذبحه واجبا كما يقوله الشيخ أو ندبا؟ لا أنه يجب إقامة بدل هدي السياق بعد ضياعه ، ليكون منافيا لما قدمه حتى أنه يحتاج إلى

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 298 ـ الرقم 1478. راجع ص 169 و 170 المتقدمتين.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 31 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.


ارتكاب هذه التكلفات التي ذكروها.

وبالجملة فعبارة المصنف وغيره في هذه المسألة لا دلالة فيها على أزيد من أنه لو أقام له بدلاً بعد ضياعه فما الحكم فيه لو وجد الأول ، وهو أعم من أن يكون إقامة البدل ندبا كهدي القران أو وجوبا كهدي المتعة.

ولا ريب أن ظاهر الخبرين (1) المتقدمين هو وجوب ذبح الأول بعد وجوده ، ذبح الأخير أو لم يذبحه ، كما قدمنا بيانه. وبه يظهر قوة مذهب الشيخ (رضوان الله عليه).

وخبر الحلبي (2) ظاهر بل صريح في هدي القران ، وانه متى أشعره ثم ضاع منه ولم يجده إلا في منى بعد أن نحر غيره فإنه ينحره ، وهو ظاهر في الوجوب غير مدافع.

وظاهر رواية أبي بصير (3) هدي المتعة كما اعترف به السيد السند (قدس‌سره) في المدارك ، وهو وإن كان مطلقا لكن يجب حمله على تعيين الهدي الذي في ذمته في هذا الذي اشتراه ، لتعيين ذبحه بذلك بعد رؤيته ، وذبح الثاني من حيث التعيين.

ثم قال في المدارك في تتمة الكلام المتقدم : «وكيف كان فالمتجه عدم وجوب إقامة البدل في المتبرع به إذا ذهب بغير تفريط مطلقا ، تمسكا بمقتضى الأصل المعتضد بالنصوص المتضمنة لعدم وجوب إقامة البدل مع العطب والسرقة ، وأنه متى وجد الأول وجب ذبحه إن كان منذورا إذا كان قد أشعره وإلا فلا» انتهى.

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 32 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 و 2.

(2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 32 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


أقول : أما ما ذكره من عدم وجوب إقامة البدل في المتبرع به فلا إشكال فيه ، وتوهم نسبة ذلك إلى عبارة المصنف ونحوها قد بينا بطلانه ، إلا أن الحكم كما عرفت لا يختص بالهدي الواجب بل كما يجري في الواجب يجري في المستحب الذي هو هدي القران مع الإشعار أو التقليد.

وأما ما ذكره من أنه متى وجد الأول وجب ذبحه إن كان منذورا إذا كان قد أشعره وإلا فلا فهو محل نظر وبحث ، فإنه قد تقدم أن من أسباب التعيين الإشعار أو التقليد ، ومنها نية تعيين ما في الذمة في هذا الهدي المخصوص ، ومنهما تعيينه بالنذر ، بأن ينذر ذبح هذا الهدي بعينه ، وكل من هذه الأسباب كاف في التعيين ، فمتى كان الهدي الضائع أحدها ثم وجد بعد ذبح بدله فإنه من حيث تعينه أولا للذبح بأحد تلك الأمور المذكورة يجب ذبحه ، ويكون ذبح البدل غير مجز ، لأن بدليته كما قدمناه مراعاة بعدم وجود المبدل منه.

على أن فرضهم ذلك في المنذور لا دليل عليه ، إذ مورد الروايتين إنما هو هدي القران وهدي المتعة ، وأما هدي النذر فلا وجود له في البين والله العالم.

المسألة السابعة :

المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه يجوز ركوب الهدي وشرب لبنه ما لم يضر به أو بولده وإطلاق كلامهم شامل للهدي المتبرع به كهدي القران ، والواجب كهدي المتعة ، ونحوه من المضمون في


الذمة وإن تعين ، وهو في الأول موضع وفاق بينهم على ما نقله في المدارك ، ولعل وجهه أنه وإن تعين بالاشعار والتقليد لو أشعره أو قلده إلا أنه لا يخرج عن الملك بالكلية ، بل غايته أنه يتعين ذبحه ولا يجوز إبداله ، وأما سائر التصرفات مما لا ينافي ذلك فلا يمنع منه ، وإنما الخلاف في الثاني والمشهور أنه كالأول.

أقول : وينبغي هنا التفصيل أيضا كما تقدم في كلام شيخنا العلامة (رفع الله تعالى مقامه) في صدر هذا المقام من «أن الواجب المطلق كدم التمتع وجزاء الصيد والنذر غير المعين وما شابه ذلك على ضربين : (أحدهما) : أن يسوقه ينوي به الواجب من غير أن يعينه بالقول ، فهذا لا يزول ملكه إلا بذبحه ودفعه إلى اهله ، وله التصرف فيه بما شاء ، كالبيع والهبة والأكل وغير ذلك ، لأنه لم يتعلق حق الغير به ـ إلى أن قال ـ : (الثاني) : أن يعين الواجب فيه» إلى آخر كلامه.

وهذا هو الذي ينبغي أن يجعل محل النزاع من حيث تعلق حق المساكين به بالتعيين لذلك ، دون الأول الذي قد عرفت أنه لا يخرج عن ملكه بوجه ، وله التصرف فيه كيف شاء.

وبذلك يظهر لك ما في إطلاق جملة من أصحابنا من أن محل الخلاف الواجب مطلقا ، إلا أن ظاهر الأخبار (1) الدالة على تبعية الولد التي قد أشرنا إليها سابقا أنها هي المستند للقول بالتعيين مطلقه كما سيأتي إنشاء الله تعالى.

وقال ابن الجنيد : «ولا بأس أن يشرب من لبن هديه ، ولا يختار

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 34 ـ من أبواب الذبح.


ذلك في المضمون ، فان فعل غرم قيمة ما شرب من لبنها لمساكين الحرم» قال في المختلف بعد نقله عنه : «ولا بأس به».

ويظهر من شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك اختيار ذلك أيضا ، حيث قال بعد أن حمل عبارة المصنف بالحكم المذكور على الهدي المتبرع به بعد تعينه بالسياق ، لعدم خروجه عن ملكه ، فيجوز له الانتفاع بما لا ينافي الذبح ما صورته : «ولو كان الهدي مضمونا كالكفارات والنذور لم يجز تناول شي‌ء منه ولا الانتفاع به مطلقا ، فان فعل ضمن قيمته أو مثله لمستحق أصله ، وهو مساكين الحرم» انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي عن أبي الصباح الكناني (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في قول الله عزوجل (2) «لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» قال : «إن احتاج إلى ظهرها ركبها من غير أن يعنف عليها وإن كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها».

وما رواه في الفقيه عن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في قول الله عزوجل «لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» قال : «إن احتاج إلى ظهرها ركبها من غير أن يعنف عليها ، وإن كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها».

__________________

(1) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ 34 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ، وذكره في الكافي ـ ج 4 ص 493.

(2) سورة الحج : 22 ـ الآية 34.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 34 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5.


وما رواه في الكافي في الصحيح عن سليمان بن خالد (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضر بولدها ثم انحرهما جميعا ، قلت : اشرب من لبنها وأسقي ، قال : نعم وقال : إن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا رأى ناسا يمشون قد جهدهم المشي حملهم على بدنه ، وقال : إن ضلت راحلة الرجل أو هلكت ومعه هدي فليركب على هديه».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (2) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «سألته عن البدنة تنتج أيحلبها؟ قال : أحلبها غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا ، قلت : يشرب من لبنها قال : نعم ويسقى إن شاء».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن حماد عن حريز (3) «إن أبا عبد الله (عليه‌السلام) قال : كان علي (عليه‌السلام) إذا ساق البدنة ومر على المشاة حملهم على بدنه وإن ضلت راحلة رجل ومعه بدنة ركبها غير مضر ولا مثقل».

وعن يعقوب بن شعيب (4) في الصحيح «أنه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل أيركب هديه إن احتاج إليه؟ فقال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): يركبها غير مجهد ولا متعب».

وعن منصور بن حازم (5) في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «كان علي (عليه‌السلام) يحلب البدنة ويحمل عليها غير مضر».

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 34 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 6 ـ 7 ـ 2 ـ 3 ـ 4.


وما رواه الشيخ عن النوفلي عن السكوني (1) عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) «أنه سأل ما بال البدنة تقلد بالنعل وتشعر ، فقال : أما النعل فيعرف أنها بدنة ويعرفها صاحبها بنعله ، وأما الاشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها ، فلا يستطيع الشيطان أن يتسنمها». ورواه الصدوق في العلل مثله.

وأنت خبير بأن ما عدا رواية السكوني من الروايات المتقدمة على كثرتها وصحة أكثرها قد اتفقت على الدلالة على القول المشهور ، وبه يظهر أنه المؤيد المنصور ، وأن ما خالفه بمحل من القصور ، والرواية المذكورة قاصرة عن المعارضة سندا وعددا ودلالة ، وينبغي حملها على صورة الإضرار بها ، مع أن موردها المنع من الركوب خاصة ، ولا دلالة لها على المنع من شرب اللبن ، فتبقى تلك الروايات بالنسبة إلى شرب اللبن خالية من المعارض ، ولم أعرف لهؤلاء المخالفين في المسألة دليلا.

فوائد :

الأولى :

ما دلت عليه هذه الاخبار من جواز شرب لبنها على وجه لا يضر بولدها وركوبها على وجه لا يضر بها يدل على أنه لو أضر بها أو بولدها ضمن.

قال في الدروس : «ولا يجوز شرب لبنه إذا لم يفضل عنه فيضمن

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 34 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 8.


ولو فضل فالأفضل الصدقة به ، ويجوز شربه عند الشيخ».

أقول : لا اعرف لافضلية الصدقة بما فضل عن الولد هنا دليلا ، وهذه الروايات كلها كما سمعت ظاهرة في جواز شربه له أو لغيره.

الثانية :

ما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم (1) ومثلها صحيحة سليمان بن خالد (2) من الأمر بنحر البدنة مع ولدها ينبغي تقييده بما إذا كان موجودا حال السياق ومقصودا به السياق أو متجددا بعده مطلقا ، أما لو كان موجودا حال السياق ولم يقصد به السياق فإنه لا يجب ذبحه ، ولو أضر به شرب اللبن فلا ضمان أيضا وإن أثم بذلك.

الثالثة :

قد صرح جملة من الأصحاب بأن الصوف والشعر إن كان موجودا عند التعيين تبعه ولم يجز إزالته إلا أن يضر به فيزيله ، ويتصدق به على الفقراء ، وليس له التصرف فيه ، ولو تجدد بعد التعيين كان كاللبن والولد.

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 34 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 7 ـ 6.


الرابعة :

الظاهر تخصيص هذه الأخبار بغير الواجب المعين ، كما لو نذر عين هذا الهدي ، فإنه كما تقدم في كلام شيخنا العلامة ضاعف الله إكرامه يخرج عن ملكه بالكلية ، ويبقى في يده أمانة للمساكين ، وحينئذ فلا يجوز التصرف في شي‌ء منه بركوب أو حلب أو نحو ذلك ، إلا أن يكون ترك الحلب له مضرا به ، وعليه القيمة لو حلب وشرب ، والأجرة لو ركب لمستحقي الأصل ، وهذا الفرد هو الذي يتم فيه كلام أولئك المخالفين في أصل المسألة.

المقام الخامس

في الأضحية

قال في المسالك : «هي بضم الهمزة وكسرها ، وتشديد الياء المفتوحة فيها : ما يذبح يوم عيد الأضحى تبرعا».

وقال في كتاب مجمع البحرين : «وفي الأضحية لغات محكية عن الأصمعي : أضحية وأضحية بضم الهمزة وكسرها وضحية على فعلية ، والجمع ضحايا كعطية وعطايا ، وأضحاة بفتح الهمزة كأرطاة والجمع اضحى كارطى ، قيل : سميت بذلك لذبحها في الأضحية أو الضحى غالبا وسمي العيد بها».


وهي مستحبة استحباباً مؤكدا بإجماع علمائنا وأكثر العامة ، قال في المدارك وقبله العلامة في المنتهى : «والأصل فيها قوله عزوجل (1) : «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» وقد ذكر المفسرون أن المراد بالنحر نحر الأضحية بعد صلاة العيد».

أقول : ما نقل عن هؤلاء المفسرين لا مستند له في أخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) الواردة بتفسير هذه الآية ، بل الموجود فيها ما يخالفه ويرده.

فروى أمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان عن عمر بن يزيد (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) : هو رفع يديك حذاء وجهك». وروى عنه (عليه‌السلام) عبد الله بن سنان (3) مثله.

وعن جميل (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) فصل لربك وانحر ، فقال : بيده هكذا ، يعني استقبل بيديه حذاء وجهه القبلة في افتتاح الصلاة».

وروى في ثالثة (5) أنه عبارة عن رفع اليدين في تكبيرات الصلاة.

وروي في الكافي في الصحيح عن حماد عن حريز عن رجل (6) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «قلت له : فصل لربك وانحر ، قال :

__________________

(1) سورة الكوثر : 108 ـ الآية 2.

(2 و 4 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 9 ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث 16 ـ 17 ـ 14 من كتاب الصلاة.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 9 ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث 16 و 3.

(6) الوسائل ـ الباب ـ 2 ـ من أبواب القيام ـ الحديث 3 من كتاب الصلاة.


النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره».

وروى في كتاب غوالي اللئالي عن مقاتل عن حماد بن عثمان قال : «سألت الصادق (عليه‌السلام) ما النحر؟ فرفع يديه إلى صدره ، فقال : هكذا ، ثم رفعهما فوق ذلك ، فقال : هكذا ، يعني يستقبل بيديه القبلة في استفتاح الصلاة» (1).

هذا ما ورد من الأخبار في تفسير الآية ، وهو كما ترى خال عن التفسير المذكور في كتب المفسرين ، ومنه يظهر أنه لا يجوز الاعتماد على مجرد تفسير هؤلاء المفسرين المبني على مقتضى ما تقر به عقولهم بل لا بد من تتبع الأخبار في ذلك وإلا فالوقوف.

وأما الاخبار الدالة على استحبابها ومزيد التأكيد فيها فهي كثيرة.

ومنها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سئل عن الأضحى أو أجب على من وجد لنفسه وعياله؟ فقال : أما لنفسه فلا يدعه ، وأما لعياله إن شاء ترك».

وما رواه في الفقيه عن سويد القلاء في الصحيح عن محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير ، وهي سنة».

وعن العلاء بن الفضيل (4) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «أن رجلا سئله عن الأضحى ، فقال : هو واجب على كل مسلم إلا من لم يجد ، فقال

__________________

(1) كتاب غوالي اللئالي مخطوط والموجود فيه عن حماد بن عثمان وليس لمقاتل ذكر فيه ، نعم ينقل بعد هذا الخبر رواية عن مقاتل بن حباب عن الأصبغ ، وكلاهما مرويان في مجمع البيان ذيل تفسير الآية بعد الروايات المتقدمة في ص 200 ولا اعلم ما السبب في انتقال صاحب الحدائق (قده) منه إلى كتاب الغوالي وإسناده إليه دون مجمع البيان.

(2 و 3 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 60 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 3 ـ 5.


له السائل : فما ترى في العيال؟ قال : إن شئت فعلت وإن شئت لم تفعل فأما أنت فلا تدعه».

قال في الفقيه (1) : «وضحى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بكبشين : ذبح واحدا بيده ، وقال : اللهمّ هذا عني وعمن لم يضح من أهل بيتي ، وذبح الآخر وقال : اللهمّ هذا عني وعمن لم يضح عن أمتي».

قال : «وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يضحي عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كل سنة بكبش يذبحه ، ويقول : بسم الله وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، اللهم منك ولك ، ويقول : اللهم هذا عن نبيك ، ثم يذبحه ، ويذبح كبشا آخر عن نفسه» (2).

قال : «وقال (عليه‌السلام) : لا يضحى عمن في البطن» (3).

قال : «وذبح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن نسائه البقرة» (4).

وروى في الفقيه مرسلا (5) قال : «جاءت أم سلمة (رضى الله عنها) إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالت : يا رسول الله يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الأضحية فاستقرض واضحي ، قال : استقرضي فإنه دين مقضي».

ويغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة من دمها.

وعن شريح بن هاني (6) عن علي (عليه‌السلام) أنه قال : «لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا وضحوا ، إنه ليغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر من دمها».

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 60 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 6 ـ 7 ـ 8 ـ 9.

(5 و 6) الوسائل ـ الباب ـ 64 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 2.


وروى في العلل بسنده عن السكوني (1) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): إنما جعل هذا الأضحى لتشبع مساكينكم ، فأطعموهم من اللحم».

وبسنده عن أبي بصير (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له : ما علة الأضحية؟ فقال : إنه يغفر لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها على الأرض ، وليعلم الله عزوجل من يتقيه بالغيب ، قال الله عزوجل (3) : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) ، ثم قال : انظر كيف قبل الله قربان هابيل ورد قربان قابيل».

وروى علي بن جعفر في كتابه (4) عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن الأضحية ، فقال : ضح بكبش أملح أقرن فحلا سمينا ، فان لم تجد كبشا سمينا فمن فحولة المعز أو موجوءا من الضأن أو المعز ، فان لم تجد فنعجة من الضأن سمينة : قال : وكان علي (عليه‌السلام) يقول : ضح بثني فصاعدا واشتره سليم الأذنين والعينين ، فاستقبل القبلة حين تريد أن تذبح وقل : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم منك ولك ، اللهمّ تقبل مني ، بسم الله الذي لا إله إلا هو والله أكبر ، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته ، ثم كل وأطعم».

__________________

(1 و 2 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 60 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 10 ـ 11 ـ 12.

(3) سورة الحج : 22 ـ الآية 37.


وروى في الفقيه مرسلا (1) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): استفرهوا ضحاياكم ، فإنها مطاياكم على الصراط». ورواه في كتاب العلل مسندا (2) عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله).» الحديث.

وتنقيح الكلام في هذا المقام يتوقف على بيان أمور :

الأول :

المشهور بين الأصحاب استحباب الأضحية ، بل ادعى عليه الإجماع ونقل عن ابن الجنيد القول بالوجوب ، ويدل عليه ما تقدم من ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان (3) ورواية العلاء بن الفضيل (4) وصحيحة محمد بن مسلم (5).

وقال في الدروس : «وقد روى الصدوق خبرين بوجوبها على الواجد وأخذ ابن الجنيد بهما».

وقال في المدارك بعد نقل الاستدلال لابن الجنيد بصحيحة محمد بن مسلم ورواية العلاء : «ويجاب بمنع كون المراد بالوجوب المعنى المتعارف عند الفقهاء ، كما بيناه غير مرة ، وقوله (عليه‌السلام) : «فأما أنت فلا تدعه» معارض بقوله (عليه‌السلام) في رواية ابن مسلم : «وهي سنة» فان المتبادر من السنة المستحب ، وبالجملة فلا يمكن الخروج عن مقتضى الأصل

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 62 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(3 و 4 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 60 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


والإجماع المنقول على انتفاء الوجوب بمثل هاتين الروايتين مع إمكان حملهما على ما يحصل به الموافقة» انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذا الكلام من إمكان تطرق المناقشة إليه أما (أولا) فلأن المتبادر من لفظ الوجوب عندهم إنما هو المعنى المتعارف عند الفقهاء ، كما صرحوا به في الأصول ، وارتكاب التأويل فيه يحتاج إلى معارض أقوى ، سيما مع تأكد الوجوب بقوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الله بن سنان : «أما لنفسه فلا يدعه» وقوله (عليه‌السلام) في رواية العلاء : «فأما أنت فلا تدعه».

وأما ما تمسك به من قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم : «وهي سنة» فمن المحتمل أن يراد بالسنة ما ثبت وجوبه بالسنة ، فإن استعمال هذا اللفظ بهذا المعنى أكثر كثير في الأخبار ، وهذا هو الأوفق بنظم الرواية وسياقها ، حيث أنه صرح في صدرها بالوجوب الذي قد عرفت أن المتبادر منه هو المعنى المتعارف عندهم ، فيجب حمل آخر الرواية على ما قلناه ليطابق صدرها ، مع تأيد ذلك بالروايات الباقية كما ذكرناه.

وربما ظهر من الصدوق باعتبار روايته لهاتين الروايتين الدالتين على الوجوب هو كون مذهبه ذلك ، لأن مذاهبه التي ينقلونها عنه في الكتاب إنما هو باعتبار ما يرويه من الأخبار بالتقريب الذي قدمه في صدر كتابه.

وبذلك يظهر ما في استدلاله بالأصل ، فإنه لا اعتماد عليه بعد قيام الدليل الموجب للخروج عنه ، فلم يبق إلا ما يدعيه من الإجماع هنا وإن خالفه ورده في غير مقام من شرحه إذا قام له الدليل على خلافه.

هذا والتحقيق عندي أن لفظة الوجوب والسنة من الألفاظ المتشابهة في


لأخبار ، لاستعمال لفظ الوجوب فيها تارة بالمعنى المصطلح بين الفقهاء ، وتارة بالمعنى اللغوي ، أو تأكيد الاستحباب والمبالغة فيه ، وكل من الاستعمالين شائع في الاخبار ، والحمل على المعنى المتعارف اصطلاح أصولي لا عبرة به بالنسبة إلى الروايات ، وحينئذ فالحمل على أحد المعنيين يحتاج إلى قرينة وإلا وجب التوقف.

وهكذا في لفظ السنة ، فإنها تستعمل فيها تارة بالمعنى المصطلح وهو المستحب. وتارة بمعنى ما وجب بالسنة ، وهو كثير كما تقدم بيانه في كتاب الطهارة في غسل الجمعة (1) والحمل على أحد المعنيين يحتاج أيضا إلى قرينة.

وبذلك يظهر أن المسألة هنا لا تخلو من نوع إشكال ، والله العالم.

الثاني :

يفهم من مرسلة الفقيه (2) المتقدمة استحباب التضحية عن الغير وإن كان ميتا وأن الواحد يجزئ عن جماعة ، وقد تقدم من الأخبار (3) ما يدل على اجزاء الشاة الواحدة عن السبعة بل السبعين في مقام الضرورة.

ويفهم أيضا من الرواية المذكورة جواز تأخير الذبح عن التسمية بمقدار قراءة الدعاء المذكور ونحوه ، وأنه يستحب الدعاء بما ذكره في هذه

__________________

(1) راجع ج 4 ص 219 ـ 221.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 60 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 7.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 18 ـ من أبواب الذبح.


الرواية (1) أو الرواية المنقولة عن علي بن جعفر (2).

ويفهم منها أيضا أنه لا يضحى عمن في البطن إلا بعد الولادة.

الثالث :

قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأنه يستحب قسمة الأضحية أثلاثا ، فيأكل ثلثا ويهدي ثلثا ويتصدق بثلث ، قال في المدارك بعد ذكر ذلك : «ولم أقف على رواية تتضمن ذلك صريحا».

أقول : يدل على ذلك ما رواه في الكافي عن أبي الصباح الكناني (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن لحوم الأضاحي فقال : كان علي بن الحسين وأبو جعفر (عليهما‌السلام) يتصدقان بثلث على جيرانهما وثلث على السؤال ، وثلث يمسكانه لأهل البيت».

والظاهر حمل التصدق على الجيران على الهدية ، ويشير إلى ذلك أيضا ما تقدم في صحيحة علي بن جعفر (4) المنقولة من كتابه من قوله (عليه‌السلام) : «ثم كل واطعم» بحمل الإطعام على ما يعم الهدية والصدقة.

ونقل عن الشيخ أن الصدقة بالجميع أفضل ، وهو مع خلوه عن المستند مناف لما صرح به هو وغيره من استحباب الأكل منها ، إلا أن يحمل على أن مراده الصدقة بالجميع بعد أكل شي‌ء منها.

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 60 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 7.

(2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 60 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 12.

(4) الوسائل ـ الباب ـ 60 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 12.


ونقل في المنتهى عن الشيخ أنه لو أكل الجميع ضمن للفقراء قيمة الجزاء محتجا بالآية (1) وأنها تدل على وجوب التصدق ، ويشكل بأن وجوب التصدق لا يلائم استحباب الأضحية.

وقد أطلق الأصحاب أيضا عدم جواز بيع لحمها من غير تقييد بوجوبها ، واستدل عليه في المنتهى بأنها خرجت عن ملك المضحي بالذبح واستحقها المساكين ، وهو أيضا لا يلائم الاستحباب في الأضحية ، اللهمّ إلا أن يحمل على الأضحية الواجبة ، كهدي التمتع والمنذور.

الرابع :

ما تضمنته صحيحة علي بن جعفر من صفات الأضحية فقد صرح به الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) وقد تقدم البحث في ذلك في المقام الثاني من هذا الفصل (2) وجميع ما يعتبر في الهدي يجري في الأضحية من كونها من الأنعام الثلاثة على الصفات المتقدمة ثمة.

قال في المنتهى (3) : «وتختص الأضحية بالغنم والإبل والبقر ، وهو قول علماء الإسلام ، لقوله تعالى (4) «لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ» إذا ثبت هذا فإنه لا يجزئ إلا الثني من الإبل والبقر والمعز ،

__________________

(1 و 4) سورة الحج : 22 ـ الآية 28 ـ 34.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 60 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 12.

(3) ص 86 ـ 116.


ويجزئ الجذع من الضأن ذهب إليه علماؤنا» انتهى.

وتحقيق القول في ذلك قد تقدم مفصلا في المقام المشار إليه.

الخامس :

قد صرح الأصحاب بأن وقتها بمنى أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وفي الأمصار ثلاثة أيام يوم النحر ويومان بعده ، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك ونقل الأخبار الواردة في هذا المقام في المسألة الحادية عشرة من المقام الأول (1).

قال العلامة في المنتهى : «لو فاتت هذه الأيام فإن كانت الأضحية واجبة بالنذر وشبهه لم يسقط وجوب قضائها ، لأن لحمها مختص بالمساكين ، فلا يخرجون عن الاستحقاق بفوات الوقت ، وإن كانت غير واجبة فقد فات ذبحها ، فان ذبحها لم تكن أضحية ، فإن فرق لحمها على المساكين استحق الثواب على التفرقة دون الذبح» انتهى.

أقول : ما ذكره من الحكم الأول لا يخلو من مناقشة ، لأن النذر إن تعلق بالأضحية ـ كما هو المفروض وهو بعد هذه الأيام لا تكون أضحية كما اعترف به في الحكم الثاني ـ فقد فات وقتها وخرجت عن كونها أضحية فكيف تجب عليه ، ووجوب القضاء يحتاج إلى أمر جديد ، ولا يترتب على وجوب الأداء كما هو الحق في المسألة ، وحينئذ فليس إلا وجوب كفارة خلف النذر ، كما لا يخفى.

وأما وقتها بالنسبة إلى اليوم الذي تذبح فيه من أي ساعاته ، فقال

__________________

(1) في ص 76 ـ 83.


الشيخ في المبسوط : «ووقت الذبح يدخل بدخول يوم الأضحى إذا ارتفعت الشمس ومضى مقدار ما يمكن صلاة العيد والخطبتان بعدها أقل ما يجزئ عن تمام الصلاة وخطبتين خفيفتين بعدها».

وقال في المنتهى : «وقت الأضحية إذا طلعت الشمس ومضى بقدر صلاة العيد سواء صلى الإمام أو لم يصل».

وقال في الدروس : «ووقتها بعد طلوع الشمس إلى مضي قدر صلاة العيد والخطبتين».

وظاهر عبارة المبسوط أن وقت الذبح بعد مضي مقدار الصلاة والخطبتين المخففتين ، وكذا ظاهر عبارة المنتهى ، وظاهر عبارة الدروس أنه بعد طلوع الشمس إلى أن يمضي مقدار الصلاة والخطبتين.

والعلامة في المنتهى إنما استدل بعد نقل أقوال العامة بأن قال : «لنا أنها عبادة يتعلق آخر وقتها بالوقت فيتعلق أوله بالوقت ، كالصوم والصلاة» ولا يخفى ما فيه.

قال المحقق الأردبيلي بعد نقل كلام الدروس : «وسنده غير ظاهر ، ولعل مراده أفضل أوقاته من اليوم فتأمل» انتهى.

أقول : قد روى الشيخ في الموثق عن سماعة (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له : متى يذبح؟ قال : إذا انصرف الامام ، قلت : فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة ، فقال : إذا استقلت الشمس وقال : لا بأس أن تصلي وحدك ، ولا صلاة إلا مع إمام».

وظاهر الخبر كما ترى يدل على أن وقتها بعد صلاة العيد وخطبتيها ،

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 2 ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث 6 من كتاب الصلاة.


وصلاة العيد كما تقدم تحقيقه في كتاب الصلاة (1) بعد طلوع الشمس ، وحينئذ فيكون دليلا لما ذكروه ، ويحمل إطلاق كلام الشيخ على ما ذكره في المنتهى والدروس من التقييد بطلوع الشمس ومضي مقدار الصلاة والخطبتين.

وأما قول السائل : «فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام» فكأنه توهم تعلق الحكم بصلاة الإمام الحق (عليه‌السلام) فأجابه (عليه‌السلام) بأن الوقت واحد ، وهو ما إذا ارتفعت الشمس ، وهو عبارة عن مضي مقدار الصلاة والخطبتين بعد الصلاة كما لا يخفى.

السادس :

قد صرحوا (رضوان الله تعالى عليهم) أيضا بأن الهدي الواجب يجزئ عن الأضحية وإن كان الجمع بينهما أفضل.

أقول : أما الحكم الأول فلا إشكال فيه ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «يجزؤه في الأضحية هديه» وفي نسخة «يجزؤك من الأضحية هديك». وروى في الفقيه عن الحلبي في الصحيح (3) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) أنه قال : «يجزئ الهدي عن الأضحية».

وأما الثاني فلم أقف على دليل عليه. إلا أنه ربما كان في لفظ الاجزاء

__________________

(1) راجع ج 10 ص 226 ـ 229.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 60 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.

(3) الفقيه ج 2 ص 297 ـ الرقم 1472.


في الخبرين المذكورين إشعار به وإشارة إليه ، وعلله بعضهم بما فيه من فعل المعروف ونفع المساكين ، قال في المدارك : «ولا بأس به».

أقول : بل البأس فيه ظاهر ، فإن الأحكام الشرعية لا يمكن إثباتها بهذه التعليلات العليلة ، والتسامح فيها من حيث الاستحباب أو الكراهة مثلا مجازفة محضة ، فإنه لا فرق بين الوجوب والتحريم والاستحباب والكراهة في كونها أحكامها شرعية لا يجوز القول فيها على الله تعالى بغير دليل واضح ، ولو جاز ذلك في مقام الاستحباب جاز أيضا في مقام الوجوب ، كما لا يخفى.

السابع :

قالوا : لو لم يجد الأضحية تصدق بثمنها ، فان اختلفت أثمانها جمع الأعلى والأوسط والأدنى وتصدق بثلث الجميع.

ومستندهم في ذلك ما رواه الشيخ عن عبد الله بن عمر (1) قال : «كنا بالمدينة فأصابنا غلاء في الأضاحي ، فاشترينا بدينار ثم دينارين ثم بلغت سبعة ، ثم لم يوجد بقليل ولا كثير ، فوقع هشام المكاري إلى أبي الحسن (عليه‌السلام) فأخبره بما اشترينا ثم لم نجد بقليل ولا كثير ، فوقع انظروا إلى الثمن الأول والثاني والثالث ثم تصدقوا بمثل ثلثه».

وقد نص جملة من محققي المتأخرين على أن ما وقع في عبائر المتقدمين من جمع القيم الثلاث والتصدق بالثلث إنما وقع تبعا للرواية المذكورة ، وإلا فالضابط في ذلك هو جمع القيم المختلفة من اثنتين فما زاد ، والأخذ

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 58 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


بالنسبة إلى تلك الأعداد من النصف في الثنتين والثلث في الثلاث وهكذا.

قال في المسالك : «والضابط الشامل لجميع افراد الاختلاف أن تجمع القيمتين أو القيم المختلفة ويتصدق بقيمة نسبتها إليها نسبة الواحد إلى عددها ، فمن الاثنتين النصف ، ومن الثلاث الثلث ، ومن الأربع الربع وهكذا» وعلى هذا النحو كلام غيره.

الثامن :

تكره التضحية بما يربيه ، ويستحب بما يشتريه ، يدل على ذلك ما رواه الشيخ عن محمد بن الفضيل (1) عن أبي الحسن (عليه‌السلام) قال : «قلت : جعلت فداك كان عندي كبش سمين لأضحي به ، فلما أخذته وأضجعته نظر إلي فرحمته ورفقت عليه ، ثم إني ذبحته ، قال : ما كنت أحب لك أن تفعل ، لا تر بين شيئا من هذا ثم تذبحه».

وعن أبي الصحاري (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له : الرجل يعلف الشاة والشاتين ليضحي بهما ، قال : لا أحب ذلك قلت : فالرجل يشتري الجمل والشاة فيتساقط علفه من هاهنا ومن هاهنا فيجي‌ء الوقت وقد سمن فيذبحه ، قال : لا ، ولكن إذا كان ذلك الوقت فليدخل سوق المسلمين ويشتري منها ويذبحه».

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 61 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2 من كتاب الصيد والذباحة.


وروى في الفقيه مرسلا (1) قال : «وقال الصادق (عليه‌السلام) لا يضحى إلا بما يشتري في العشر».

قال : وقال أبو الحسن (عليه‌السلام) (2) : «لا يضحى بشي‌ء من الدواجن».

قال في القاموس : «ودجن بالمكان دجونا أقام ، والحمام والشاة وغيرهما ألفت : وهو داجن. والجمع : دجون» وقال أيضا في مادة «رج‌ن» «رجن المكان رجونا : أقام والإبل وغيرها ألفت».

وقال في كتاب المصباح المنير : «دجن بالمكان دجنا من باب قتل ودجونا أقام به ، وادجن بالألف مثله ، ومنه قيل لما يألف البيوت من الشاة والحمام ونحو ذلك : دواجن».

التاسع :

قال الشيخ في المبسوط : «إذا اشترى شاة تجزى في الأضحية بنية أنها أضحية ملكها بالشراء وصارت أضحية ، ولا يحتاج أن يجعلها أضحية بقول ولا نية مجددة ولا تقليد وإشعار ، لأن ذلك إنما يراعى في الهدي خاصة ، وكذا لو كانت في ملكه فقال : قد جعلت هذه أضحية فقد زال ملكه عنها وانقطع تصرفه فيها ، فان باعها فالبيع باطل ، ولو اشترى شاة فجعلها أضحية فإن كانت حاملا تبعها ولدها».

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : «وعندي في ذلك نظر ، والأقرب

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 61 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3.


أن الشاة إنما تصير أضحية يجب تفرقتها بالنذر المعين أو بالتفرقة ، ولا يتبعها الولد إلا إذا تجدد الحمل بعد النذر» انتهى.

أقول : ما ذكره من النظر في كلام الشيخ المذكور جيد ، إلا أن الظاهر منه في المنتهى بل في سائر كتبه موافقة الشيخ فيما اعترضه هنا.

قال في المنتهى بعد أن ذكر أنه إذا اشترى شاة تجزئ في الأضحية بنية أنها أضحية ونقل كلام الشيخ وخلاف العامة في المسألة ما صورته : «إذا عين الأضحية على وجه يصح به التعيين فقد زال ملكه عنها ، فهل له إبدالها؟ قال أبو حنيفة ومحمد : نعم له ذلك ، فلا يزول ملكه عنها وقال الشافعي : لا يجوز إبدالها ، فقد زال ملكه عنها ، وبه قال أبو يوسف وأبو ثور ، وهو الظاهر من كلام الشيخ ، احتج الشافعي بما روي عن علي (عليه‌السلام) (1) أنه قال : «من عين أضحية فلا يستبدل بها». واحتج أبو حنيفة بما روي (2) عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنه أهدى هديا وأشرك عليا (عليه‌السلام) فيها ،. وهو إنما يكون بنقلها إليه ، وفيه ضعف لجواز أن يكون (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقت السياق نوى أنها عن علي (عليه‌السلام)» إلى آخر كلامه في الكتاب المذكور ، وهو طويل مشتمل على فروع عديدة مبنية على زوال الملك عن الأضحية.

ثم إنه قال في مسألة أخرى بعد هذه المسألة : «إذا عين أضحية ذبح معها ولدها ، سواء كان حملا حال التعيين أو حدث بعد ذلك ، لأن التعيين

__________________

(1) لم نعثر على هذا المرسل في كتب الأخبار.

(2) سنن البيهقي ـ ج 5 ص 238 و 240.


معنى يزيل الملك عنها ، فاستتبع الولد كالعتق ، ولقول أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضر بولدها ثم انحرهما جميعا».

وهذا نحو كلام الشيخ في المبسوط حيث قال : «فان كانت حاملا تبعها ولدها ، وإن كانت حائلا فحملت مثل ذلك ، لما روى عن علي (عليه‌السلام) (2) إنه راى رجلا يسوق بدنة معها ولدها فقال : لا تشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها فإذا كان يوم النحر فانحرها وولدها عن سبعة ، فأمر بنحرها وولدها». انتهى. وعلى هذا النحو كلام الشهيد في الدروس كما لا يخفى على من راجعه.

أقول : والظاهر عندي هو ما ذكره في المختلف ، فإنه متى كانت إلا ضحية مستحبة كما هو المنصوص في كلامهم فإنها بمجرد تعيينها وقوله : «جعلتها أضحية» لا يعقل كونها واجبة إذ لا دليل عليه من سنة ولا كتاب ، فأصالة العدم قائمة والخروج عنها يحتاج إلى دليل.

وأما بالنسبة إلى الولد فقد تقدم في المسألة السابعة من المقام الرابع (3) من الروايات صحيحة سليمان بن خالد (4) وصحيحة محمد بن مسلم (5).

وفي الاولى «إن نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضر بولدها ثم انحرهما جميعا».

وفي الثانية «سألته عن البدنة تنتج أنحلبها؟ قال : أحلبها غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا».

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 34 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 6.

(2) سنن البيهقي ج 5 ص 237 مع اختلاف في اللفظ.

(3) في ص 196.

(4 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 34 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 6.


وما رواه في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل ساق بدنة فنتجت ، قال : ينحرها وينحر ولدها ، وإن كان الهدي مضمونا فهلك اشترى مكانها ومكان ولدها». والنتاج لغة عبارة عن الوضع والولادة.

وظاهر هذه الروايات أن الولد في بطنها يتبعها في سياقها وجعلها هديا أو أضحية أو نذرا.

بقي الكلام في وجوب ذلك ، فان ثبت ما ادعوه من الوجوب ففي الجميع والا فالاستحباب فيهما وأما ما نقله في المبسوط عن علي (عليه‌السلام) من الخبر المذكور فلم أقف عليه من طرقنا ، ولا يبعد أن يكون من أخبار العامة ، فإنه كثيرا ما يستدل في الكتاب بأخبارهم.

العاشر :

وقد عرفت فيما تقدم أن الحكم في الأضحية هو قسمة لحمها أثلاثا ، وأكل ثلث والصدقة بثلث وأن يهدي ثلثا ، وبذلك صرح الأصحاب أيضا.

ثم إنهم قد ذكروا أيضا أنه لا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادخارها ، وأنه يكره أن يخرج شيئا مما يضحيه من منى إلا السنام ، فإنه دواء وأنه كان منهيا عن ادخارها فنسخ.

وهذا الكلام الأخير لا يخلو من إجمال ، فإنه يحتمل أن يكون راجعا إلى مجموع اللحم مع عدم صرفه في المصرف الموظف وهو التثليث ، وأن

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 34 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


يكون راجعا الى الثلث الذي يخص المالك بعد صرف الثلثين في مصرفهما الموظف لهما ويؤيد الأول ما في بعض العبارات من انه يكره أن يخرج مما يضحيه من منى بل يخرجه الى مصرفه.

وكيف كان فالذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالأضاحي في هذا المقام ما رواه في الكافي في الموثق (1) عن حنان بن سدير عن أبي جعفر (عليه‌السلام) وعن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ثم اذن فيها ، وقال : كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك وادخروا».

وروى الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد بن عيسى المنتهى إلى جابر بن عبد الله الأنصاري (2) قال : «أمرنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أن لا نأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام أذن لنا أن نأكله ونقدد ونهدي إلى أهالينا».

وعن محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : قال : «إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام».

وروى في كتاب العلل بسنده عن محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى أن تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة ، فأما اليوم فلا بأس به».

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 41 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


وفي الصحيح عن جميل بن دراج (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن حبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام بمنى ، قال : لا بأس بذلك اليوم إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إنما نهى عن ذلك أولا ، لأن الناس كانوا يومئذ مجهودين ، فأما اليوم فلا بأس».

ورواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن يونس عن جميل ، والذي قبله عن ابن أبي عمير عن جميل عن محمد بن مسلم.

أقول : وبهذا السند يكون الحديث المذكور صحيحا.

وروى الصدوق مرسلا (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): كنا ننهى عن إخراج لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام لقلة اللحم وكثرة الناس ، فأما اليوم فقد كثر اللحم وقل الناس فلا بأس بإخراجه».

وروى الشيخ بسنده عن زيد بن علي (3) عن أبيه عن جده عن علي (عليهم‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : نهيتكم عن ثلاث : نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ، ونهيتكم عن إخراج لحوم الأضاحي من منى بعد ثلاث ألا فكلوا وادخروا ونهيتكم عن النبيذ ألا فانبذوا ، وكل مسكر حرام يعني الذي ينبذ بالغداة ويشرب بالعشي وينبذ بالعشي ويشرب بالغداة ، فإذا غلا فهو حرام».

وعن علي بن أبي حمزة (4) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «لا يتزود الحاج من أضحيته ، وله أن يأكل منها بمنى أيامها ، قال : وهذه

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 41 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5 ـ 6 ـ 7.

(4) الوسائل ـ الباب ـ 42 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3.


مسألة شهاب كتب إليه فيها».

وعن احمد بن محمد عن علي (1) عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول : لا يتزود الحاج من أضحيته ، وله أن يأكل منها إلا السنام ، فإنه دواء ، قال أحمد وقال : لا بأس أن يشتري الحاج من لحم منى ويتزوده».

وروى الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى ، فقال كنا نقول : لا يخرج منها بشي‌ء لحاجة الناس إليه ، فأما اليوم فقد كثر الناس ، فلا بأس بإخراجه».

أقول : لا يخفى ما في الجمع بين هذه الأخبار وبين ما عليه ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب من استحباب التثليث في الأضحية بعد ذبحها أو نحرها من الإشكال ، فإنه متى كان الحكم الشرعي فيها هو التثليث وقد أتى به فلم يبق في يده إلا الثلث الذي هو له يتصرف فيه كيف شاء ، مع أنه لا يزيد غالبا على مصرفه في ثلاثة أيام منى حتى ينهى عن إخراجه ثم يؤمر به ويعلل بوجود المستحق وعدمه ، إذ لا يتعلق به حتى لمستحق بعد إخراج حتى المستحقين.

اللهم إلا أن يحمل استحباب التثليث على صدر الإسلام من حيث قلة اللحم وكثرة الناس ، وأنه بعد ذلك سقط هذا الحكم ، لعدم من يتصدق عليه ومن يهدي له بسبب كثرة اللحوم وقلة الناس ، فلا بأس حينئذ بإخراج اللحم وإدخاره وعدم صرفه في ذلك المصرف الموظف ، إلا أن هذا لا يلائم كلام الأصحاب ، لاتفاقهم على استحباب هذا الحكم في جميع الأعصار.

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 42 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4 ـ 5.


وبالجملة فالجمع بين الحكمين لا يخلو من إشكال ولم أقف على من تنبه لذلك في هذا المجال.

ثم إن أكثر هذه الأخبار المذكورة قد اتفقت على أن الحكم في صدر الإسلام كان النهي عن الأكل والادخار بعد ثلاثة أيام ، ثم حصل النسخ فيه ، فجوز لهم الأكل والإدخار والحمل معهم.

وحينئذ فما دلت عليه رواية محمد بن مسلم (1) من النهي عن حبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام يحمل على قصد إخباره (عليه‌السلام) بأن الحكم الذي عليه الآن العمل كان قبل النسخ كذلك ، كما ينادي به حديثه (2) الثاني الذي بعده من كتاب العلل ، وربما حمل على الكراهة أيضا ، وكذلك حديث علي (3) عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) وبهذا جمعوا بينها ، والكلام في جلودها وأصوافها وأوبارها في هذا المقام على نحو ما سبق في الهدي ، والله العالم.

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 41 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3 ـ 4.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 42 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *