ج21 - كتاب الشركة

كتاب الشركة

وهي بكسر الشين وإسكان الراء وبفتح الشين وكسر الراء : والبحث في هذا الكتاب يقع في فصول.

الأول ـ في حقيقة الشركة وما يتبعها ، وفيه مسائل الأولى ـ قد عرف المحقق في الشرائع الشركة بأنها اجتماع حقوق الملاك في الشي‌ء الواحد على سبيل الشياع ، ونحوه العلامة في التذكرة.

وقال في التذكرة أيضا : وسببها قد يكون إرثا أو عقدا أو مزجا أو حيازة بأن يقتلعا شجرة أو يغر فاماء دفعة ، وظاهر الشهيد الثاني في المسالك اعترافهم فيما ذكروه من هذا التعريف ، حيث قال : ان الشركة تطلق على معينين ، أحدهما ـ ما ذكره المصنف ، وهذا المعنى هو المتبادر من الشركة لغة وعرفا ، الا أنه لا مدخل له في الحكم الشرعي المترتب على الشركة من كونها من جملة العقود المفتقرة إلى الإيجاب والقبول ، والحكم عليها بالصحة والبطلان ، فان هذا الاجتماع يحصل بعقد وغيره بل بغيره أكثر ، وثانيهما عقد ثمرته جواز تصرف الملاك للشي‌ء الواحد على سبيل الشياع فيه ، وهذا هو المعنى الذي به تندرج الشركة في جملة العقود ، ويلحقها الصحة والبطلان.

واليه يشير المصنف فيما بعد بقوله قيل : يبطل الشركة ، أعني الشرط والتصرف ، وقيل : يصح ، ولقد كان على المصنف أن يقدم تعريفها على ما ذكره ،


لأنها المقصود بالذات هنا ، أو ينبه عليهما معا على وجه يزيل الالتباس عن حقيقتها وأحكامها ، ولكنه اقتصر على تعريفها بالمعنى الأول إلى آخر كلامه.

أقول : لا يخفى على من تأمل الأخبار الجارية في هذا المضمار أنه لا يفهم منها معنى للشركة غير ما ذكره الفاضلان المتقدمان ونحوهما ، كالشهيد في اللمعة وغيره ، وهو المتبادر لغة وعرفا من لفظ الشركة ، وهذا المعنى الثاني الذي ذكره لا يكاد يشم له رائحة منها بالمرة.

ومن الاخبار الواردة في الباب صحيحة هشام بن سالم (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) ، قال : «سألته عن الرجل يشاركه في السلعة ، قال : ان ربح فله ، وان وضع فعليه».

وموثقة محمد بن مسلم (2) «عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : سألته عن الرجل يشتري الدابة وليس عنده نقدها فاتى رجلا من أصحابه فقال يا فلان انقد عنى ثمن هذه الدابة والربح بيني وبينك فنقد عنه فنفقت الدابة ، قال : ثمنها عليهما لانه لو كان ربح فيها لكان بينهما ، وبمضمون هذه الرواية أخبار عديدة (3).

وصحيحة ابن رئاب (4) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا ينبغي للرجل المسلم ان يشارك الذمي ولا يبضعه بضاعة ولا يودعه وديعة ولا يصافيه المودة».

ورواية الحسين بن المختار (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الرجل يكون له الشريك فيظهر عليه أنه قد اختان منه شيئا ، إله أن يأخذ منه مثل الذي أخذ من غير أن يبين له؟ فقال : شوه ، لهما أنما اشتركا بأمانة الله وأنى لا حب له ان

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 185 ح 3.

(2) التهذيب ج 7 ص 43 ح 72 والوسائل ج 13 ص 174 ح 1 و 2.

(3) الظاهر من رواية محمد بن مسلم وأمثالها أن منشأ الشركة هنا وسببها هو الصلح على أن ينقد عنه ثمن المبيع ويشركه فيه بالمناصفة. منه رحمه‌الله.

(4) التهذيب ج 7 ص 185 ح 1 الكافي ج 5 ص 286 ح 1 الوسائل ج 13 ص 176 ح 1.

(5) التهذيب ج 7 ص 192 ح 35 الوسائل ج 13 ص 178 ح 1.


رأى منه شيئا من ذلك أن يستر عليه وما أحب له أن يأخذ منه شيئا بغير علمه» (1). الى غير ذلك من الاخبار الاتية في محالها إنشاء الله تعالى.

فهل تجد للشركة فيها معنى غير المعنى الأول ، وهو اجتماع حقوق الملاك في الشي‌ء الواحد على سبيل الإشاعة ، وأي قرينة فضلا عن الدلالة على العقد المذكور. نعم قد يكون سببها العقد كما تقدم بان يشترى اثنان مالا انصافا أو أثلاثا أو يشترى نصف حيوان بنصف حيوان آخر ، وقد يكون سببها الإرث ، ونحوه مما تقدم ، وعرفها بعضهم شرعا بأنها عقد جائز من الطرفين ، الى آخر ما تقدم في كلام الشهيد الثاني ، وأنت خبير بما ذكرنا بأنه لا عقد بالكلية ولا عاقد ، وانما الشركة هي اجتماع الأموال على الوجه المذكور ، فلا معنى لوصفه بالجواز.

نعم ، البقاء على حكمه أمر جائز بمعنى أنه لا يجب عليه الصبر على الشركة ، بل يجوز رفعها ، وأخذ حصته ، ثم بعد اجتماع هذه الأموال واشتراكها وامتزاجها لا يصح لأحد الشركاء التصرف فيها إلا بإذن باقي الشركاء ، وإذا أذن كل منهم لصاحبه صح التصرف في مال نفسه ومال غيره ، وهذه ثمرة العقد عندهم.

قال في التذكرة : الثاني الصيغة ، وقد بينا أن الأصل عصمة الأموال على أربابها وحفظها لهم ، فلا يصح التصرف فيها إلا بإذنهم ، وانما يعلم الرضا والاذن باللفظ الدال عليه ، فاشترط اللفظ الدال على الاذن في التصرف والتجارة ، فإذا أذن كل واحد منهما لصاحبه صريحا فلا خلاف في صحته.

__________________

(1) الظاهر أن النهى في هذه الرواية عن أخذ عوض ما خانه محمول على الكراهة ويشير اليه قوله وما أحب والأمر بالستر عليه وبذلك صرح ابن إدريس في كتابه حيث قال : ومتى عشر أحد الشريكين على صاحبه بخيانة فلا يدخل هو في مثلها اقتصاصا منه ، وذلك على طريق الكراية دون الحظر لأنه إذا تحقق أخذ ماله وعلم ذلك يقينا فله أخذ عوضه ، وانما النهى على طريق الكراهة والاولى والأفضل انتهى. وقال ابن الجنيد إذا وقف أحد الشريكين على أن شريكه قد خانه لم يجز له أن يخونه ، وهو صريح في التحريم والظاهر هو الأول وبه صرح العلامة في المختلف ايضا. والله العالم. منه رحمه‌الله.


انتهى.

وظاهره بل صريحه كما ترى أن مجرد الاذن كاف في جواز التصرف والتجارة ونحو ذلك ، وان عبر عنه بلفظ الصيغة الموهم للعقد.

ومثل هذا الكلام كلام الشهيد في اللمعة أيضا حيث قال : كتاب الشركة وسببها قد يكون إرثا أو عقدا أو مزجا بحيث لا يتميز ، الى أن قال : وليس لأحد الشركاء التصرف إلا بإذن الجميع ، لقبح التصرف في مال الغير ويقتصر على التصرف المأذون ، فإن تعدى ضمن ، قال الشارح بعد ذكر هذه العبارة الثانية : واعلم أن الشركة كما تطلق على اجتماع حقوق الملاك في المال الواحد على أحد الوجوه السابقة ، كذلك تطلق على العقد المثمر جواز تصرف الملاك في المال المشترك ، وبهذا المعنى اندرجت الشركة في قسم العقود ، وقبلت الحكم بالصحة والفساد ، لا بالمعنى الأول ، والمصنف أشار الى المعنى الأول بما افتتح به من الأقسام ، والى الثاني بالاذن المبحوث عنه هنا. انتهى.

أقول : مرجع كلامه السابق وكلامه هنا الى أن ارتكاب هذا التكلف انما هو لأجل إدخال الشركة في قسم العقود ، حيث نظموها في هذا السلك ، وفيه أن هذا انما يتم لو ثبت ذلك شرعا أو لغة أو عرفا ، وشي‌ء من هذه الأمور غير حاصل. أما عدم ثبوت الأخيرين ، فقد اعترف به فيما مضى من كلامه.

وأما الأول فلما عرفت من الاخبار ، إذ لا يستفاد من لفظ الشركة فيها أزيد من هذا المعنى اللغوي والعرفي ، نعم يتوقف التصرف بعد حصول الشركة بالمعنى الذي ذكرناه على الاذن ، وما يقع منهما عليه التراضي في التجارة ونحوها من التصرفات ، وتبعية الربح لرأس المال ونحو ذلك ، وبذلك يتم المقصود وان لم يدخل في باب العقود ، وهذا هو المفهوم من كلام الفضلاء المذكورين.

وأما قوله ان الشهيد في اللمعة أشار الى العقد الذي ادعاه بقوله : «وليس لأحد الشركاء التصرف إلا بإذن الجميع» بمعنى أن المراد بالاذن


العقد ، وحاصله أن لا يجوز التصرف الا بالعقد ، ففيه أن الاذن ليس منحصرا في اللفظ ، فضلا عن العقد المشتمل على قيود كثيرة ، وأحكام عديدة ، بل يحصل بالإشارة والكتابة والفعل.

وبالجملة فالمراد أن المدار على العلم بالرضا بأي نحو كان ، وعليه يترتب الأحكام التي جعلها منوطة بالعقد ، والظاهر أن هذا هو مراد أولئك الفضلاء حيث عرفوها بالتعريف الأول الراجع الى أن الشركة الحقيقة هي الاجتماع ، وعقبوه بذكر الاذن إشارة الى أن الأحكام يترتب على الاذن في التصرف في المال المشترك وأنه بذلك يصير عقدا جائزا ، فإطلاق العقد عليه تجوز ، وهو باب واسع في الكلام والا فإنه لا عقد ولا عاقد كما أوضحناه في المقام. والله أعلم.

المسئلة الثانية ـ قال في التذكرة : أركان الشركة ثلاثة ، الأول ـ المتعاقدان ويشترط في كل منهما البلوغ ، والرشد ، والعقد ، والاختيار ، والقصد ، وجواز التصرف ، والضابط أهلية التوكيل والتوكل ، لان كل واحد من الشريكين متصرف في جميع المال ، أما فيما يخصه فبحق الملك ، وأما في مال غيره فبحق الاذن (1) من ذلك الغير ، فهو وكيل عن صاحبه ، وموكل لصاحبه في التصرف في ماله ، فلا يصح وكالة الصبي ، لعدم اعتبار عبارته في نظر الشرع ، ولا المجنون ولا السفيه ، ولا المكره ، ولا الساهي والغافل والنائم ، ولا المفلس المحجور عليه ، لانه ممنوع من جهة الشرع من التصرف في أمواله ، ولا يفرق بين من يأذن من له الولاية عليهم في ذلك أولا إلا المفلس ، فإنه إذا أذن له الحاكم في التوكيل أو التوكل جاز ، وكذا السفيه ، الى أن قال الثاني الصيغة إلى آخر العبارة المتقدم نقله عنها آنفا.

ثم قال بعدها : ولو قال كل واحد منهما : اشتركنا واقتصرا عليه مع قصدهما

__________________

(1) قوله فبحق الاذن من ذلك الغير فيه تأييد لما قدمناه من أنه ليس المدار الا على الاذن وان سموه عقدا مجازا كما عبر به في صدر الكلام بقوله الأول المتعاقدان وكذلك قوله الثاني الصيغة ومرجع جميع ذلك الى الاذن بأي نحو كان. منه رحمه‌الله.


الشركة بذلك ، فالأقرب الاكتفاء به في تسلطهما على التصرف به من الجانبين ، لفهم المقصود عرفا وهو أظهر وجهي الشافعية ، وبه قال أبو حنيفة ، والثاني ـ أنه لا يكفى لقصور اللفظ عن الاذن ، واحتمال قصد الاخبار عن حصول الشركة في المال ، من غير الاختيار بأن يمتزج المالان بغير رضاهما.

الى أن قال الثالث : المال ، يشترط في المال المعقود عليه الشركة أن يكون متساوي الجنس ، بحيث لو مزج ارتفع الامتياز بينهما ، وحصل الاشتباه بينهما سواء كان المال من الأثمان أو العروض ، كما لو مزج ذهب بذهب مثله ، أو حنطة بمثلها ، أو دخن بمثله ، الى غير ذلك مما يرتفع فيه المائز بينهما ، ولا خلاف في أنه يجوز جعل رأس المال الدراهم والدنانير ، لأنهما أثمان الأموال والمباعات ، ولم يزل الناس يشتركون فيها في زمن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الى وقتنا هذا من غير نكير أحد في صقع من الأصقاع أو عصر من الأعصار فكان إجماعا.

وأما العروض عندنا يجوز الشركة فيها مع الشرط المذكور ، سواء كانت من ذوات الأمثال ، أو من ذوات القيم ، الى أن قال : مسئلة : لا تصح الشركة إلا بمزج المالين ، وعدم الامتياز بينهما عند علمائنا فالخلطة شرط في صحة الشركة ، ومتى لم يختلطا لم يصح ، وبه قال الشافعي ، ثم نقل عن أبي حنيفة أنه ليس من شرط الشركة خلط المالين ، بل متى أخرجا المالين وان لم يمزجاه وقالا قد اشتركنا انعقدت الشركة ، لأن الشركة انما هي عقد على التصرف ، فلا يكون من شرطها الخلط كالوكالة. انتهى المقصود من نقل كلامه.

أقول ، أما ما ذكره في المتعاقدين من الشروط فجيد ، الا أن قوله «لان كل واحد من الشريكين متصرف» الى آخره ، فيه أن ذلك غير معتبر في الشركة ، بل يكفى جواز التصرف من أحدهما بعد إذن الأخر ، وكذا قوله «في السقية بجواز التصرف مع اذن الحاكم كالمفلس» فان فيه إشكالا ، فإنه ليس له أهلية التصرف والمعرفة بالمعاملات وكيفية حفظ مال نفسه ، فكيف يسلطه الحاكم على تصرفه في مال نفسه وغيره.


وأما قوله في الركن الثاني «وانما يعلم الرضا والاذن باللفظ الدال عليه» ، فقد عرفت ما فيه من أن الاذن لا ينحصر في اللفظ ، فضلا عن العقد المخصوص ، ثم لا يخفى أن الشركة بهذا المعنى الذي ذكره واعتبر فيه هذه الأركان الثلاثة وهي التي يبحث عنها في هذا الكتاب انما هي الشركة المسببة عن المزج ، دون غيرها مما كان سببه الميراث أو الحيازة أو العقد مع أن هذه الأفراد سيما الثالث منها مما دلت الاخبار عن جريان بعض أحكام الشركة فيه ، مثل كون الربح بينهما ، أو النقص عليهما ونحو ذلك.

ثم أنه لا يخفى أيضا أن الظاهر من كلامهم أن المراد بالشركة ـ ما امتزج من المالين واشتبه فيه التميز بين الحقوق بحسب الظاهر ، لا ما كان كذلك بحسب الواقع ونفس الأمر ، بمعنى أن يصير كل جزء جزء من ذلك المال المشترك كذلك في نفس الأمر : فإن الغالب من أسبابها المزج ، وقد صرح في التذكرة فيما قدمنا نقله عنه بان ذلك أعم من أن يكون في الأثمان ، أو العروض التي من ذوات الأمثال مثل الحنطة والدخن.

نعم قد يتحقق الاشتراك النفس الأمري في الميراث. وشراء شي‌ء بالاشتراك ونحو ذلك ، ومن هنا يظهر من المحقق الأردبيلي المناقشة في اشتراط اتحاد الجنس ، حيث قال : فإن الشركة بالمعنى المتقدم (1) تجري في غير المتجانسين أيضا ، حيث ارتفع المائز ، وحينئذ فما ذكره في التذكرة في الركن الثالث في بيان المال الذي تجري فيه الشركة حيث اشترط تساوى الجنس في المال المشترك أثمانا وعروضا ـ محل تأمل ، فإنه متى ثبت أن الشركة تحصل بمجرد المزج الموجب لعدم تميز الحقوق ، وان لم يكن كذلك في نفس الأمر ، صح أيضا حصول الشركة في غير المتجانسين أيضا عند ارتفاع المائز ، وحصول الاشتباه ، وأيده أيضا بأن المدار في حصول الشركة على الاشتباه وهو حاصل في الموضعين فإنه قد يحصل التفاوت قيمة ووصفا في المتجانسين أيضا (2) وهو واضح.

__________________

(1) ومراده بالمعنى المتقدم هو الشركة ظاهرا دون نفس الأمر. منه رحمه‌الله.

(2) قوله قد يحصل التفاوت في المتجانسين الى آخره جواب عن سؤال مقدر وهو أن عدم حصول الشركة فيما لو كانا مختلفين غير متجانسين لحصول التفاوت قيمة ووصفا مع الاختلاف. منه رحمه‌الله.


وأيضا لا شك في تحقق الاذن في التصرف على وجه الشركة بالشراء بالعين المماثل وغيره ، فتحصل فائدة الشركة بل يحصل ذلك مع الامتياز أيضا ، الا أنه يكون الشركة باعتبار القيمة فلا مانع منها حينئذ.

أقول : ان كان مراده بما ذكره في غير المتجانسين من حصول الاشتباه وعدم المائز الذي جعله مناطا للشركة ، باعتبار عسر التميز بينهما ولو مجازا ، فما ذكره محتمل ، والا فإنه مع اختلاف الجنسين لا اشتباه ، بل التميز حاصل ، فإنه متى خلط حنطة بشعير ، فان الامتياز حاصل ، والاشتباه مرتفع الا انه يعسر تخليص أحدهما من الأخر فدعوى حصول الاشتباه وعدم المائز لا يتم إلا إذا كان باعتبار ما ذكرناه من التجوز عن عسر تخليص أحدهما من الأخر ، وان كان الجميع مشتركا في الاشتراك الظاهري ، دون النفس الأمري ، فان كلا من المشترك في الجنس كحنطة بحنطة ، أو المختلف كحنطة بشعير ، الاشتراك فيه انما هو بحسب الظاهر ، لا نفس الأمر.

وبالجملة فإن كلامه هنا لا يخلو من إجمال ، وظاهره الميل الى ما قدمنا نقله عن أبي حنيفة من عدم اعتبار الامتزاج ، وأنه تصح الشركة مع الامتياز ، وأنت خبير بانا لم نظفر لهم بدليل على ما ذكروه من شرط التجانس ، ولا شرط الامتزاج ، بل ظاهر الاخبار العموم ، كما أنك قد عرفت أيضا أنه لا دليل على العقد الذي ادعوه ، وأن الشركة شرعا عبارة عن ذلك العقد ، والمفهوم من ظواهر الاخبار أنه إذ اشتركا في مال واتجرا به ترتبت عليه أحكام الشركة ، سواء كانت ثمة عقد أو لم يكن ، اتفق المال جنسا أو اختلف ، مزج بعضه ببعض أم لم يمزج.

ومنها رواية حسين بن المختار المتقدمة ، وحسنة الحلبي (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في رجلين اشتركا في مال فربحا ربحا وكان من المال دين ، الحديث. وقد تقدم في كتاب الدين.

وبالجملة فإن أبحاثهم وتفريعاتهم في هذه المواضع الخالية من النصوص قد جروا فيها على أبحاث مخالفيهم في ذكرها ، والبحث عنها ، ورجحوا منها ما

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 144 ح 7 ، الوسائل ج 13 ص 165 ح 1.


رجحوه بأفكارهم ، وردوا ما ردوه بذلك ، حيث أن كتب متقدمي الأصحاب خالية من هذه الأبحاث ، وهذه الفروع مقصورة على الاخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار ، وأول من سلك هذه الطريقة الشيخ (رحمة الله عليه) وتبعه من تأخر عنه. والله العالم.

تذنيب : قال في التذكرة : يكره مشاركة المسلم لأهل الذمة من اليهود والنصارى والمجوس وغير أهل الذمة من سائر أصناف الكفار عند علمائنا.

أقول : ويدل عليه صحيحة ابن رئاب (1) المتقدمة في المسئلة الاولى.

وما رواه الكافي عن السكوني (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) ان أمير ـ المؤمنين (صلوات الله عليه) كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي ، الا أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم ، ومورد الروايتين الذمي ، (3) ولعل دخول سائر الكفار في الحكم المذكور من باب الأولوية ، لأنه إذا ثبت ذلك في أهل الذمة فغيرهم من سائر أصناف الكفار بالطريق الاولى.

المسئلة الثالثة ـ الشركة قد تكون في عين ، وهو ظاهر ، وقد تكون في منفعة كالإجارة والحبس والسكنى ، وقد تكون في حق كالاشتراك في الخيار ، والشفعة بالنسبة إلى الورثة ، والقصاص والرهن والحد وقد تقدم أن سببها قد يكون إرثا وهو يجري في الأقسام الثلاثة السابقة ، بأن يرثا مالا ، أو يرثا منفعة دار استأجرها مورثهم ، أو منفعة عبد موصى بخدمته ، أو يرثا حق شفعة أو خيار أو رهن ، وقد يكون سببها عقدا ، وهو يجري أيضا في الأقسام الثلاثة المذكورة ، فجريانه في العين بأن يشتريا دارا وفي المنفعة بأن يستاجراها ، وفي الحق بأن يشتريا

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 286 ح 1 باب مشاركة الذمي والتهذيب ج 7 ص 185 ح 1.

(2) الكافي ج 5 ص 286 ح 2 ، وهما في الوسائل ج 13 ص 176 ح 1 و 2.

(3) ومنها روايات عديدة تقدمت في كتاب الدين وهي بهذا المضمون في رجلين بينهما مال منه دين ومنه عين فاقتسما العين والدين فتوى الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه وخرج الذي للآخر يرد على صاحبه قال : نعم ما يذهب ماله منه رحمه‌الله.


بخيار ، وقد يكون حيازة ، وهو انما يتصور في العين خاصة.

وسببية الحيازة اما بأن يشتركا في نصب حبالة الصيد المشترك ، ورمى السهم المثبت له فيشتركان في ملكه ، أو بأن يقتلعا شجرة أو يقترفا ماء دفعة ، فإنه يتحقق الشركة بذلك في الجملة ، الا أنه يكون لكل منهما من ذلك المحاز بنسبة عمله ، ويختلف ذلك بالقوة والضعف ، ولو اشتبه مقدار كل واحد فطريق التخلص الصلح ، وما كان من الحيازة على غير الوجوه المذكورة فإنه يختص كل بما حازه على الأظهر.

هذا مع تميزه ، لأنه في معنى شركة الأبدان ، وهي جائزة على الأشهر الأظهر ، اما مع امتزاجه فإنه يكون مشتركا ، لكن لا من حيث سببية الحيازة ، بل من حيث المزج الذي هو أحد الأسباب كما عرفت ، كما لو امتزج المالان وهو خارج عن محل الفرض.

وقد يكون مزجا وهو انما يتصور في العين خاصة ، وينبغي أن يعلم أن سببية المزج في الشركة أعم من أن يكون المزج اختيارا أو وقع ذلك اتفاقا ، بأن وقع أحد المالين على الأخر وامتزجا على الوجه المعتبر في الشركة ، فإنه يثبت بذلك الشركة ، وضابط الامتزاج الذي يثبت به الشركة عدم التميز ، فلهذا اعتبر فيه الاتفاق في الجنس والصفة عندهم ، فلو لم يكونا من جنس واحد وتحقق الامتياز وان عسر التخلص كما في مزج الحنطة بالشعير فإنه لا شركة هنا ، ومثله الدخن بالسمسم ، وكذا لو لم يكونا على صفة واحدة كحبة الحنطة الحمراء بغيرها ، فإنه لا شركة أيضا.

ويأتي على ما تقدم نقله عن المحقق الأردبيلي حصول الشركة وصحتها في في الموضعين المذكورين إلا أنت قد عرفت ما فيه ولا فرق فيما ذكرنا من حصول الشركة بالامتزاج على الوجه المذكور بين الأثمان والعروض المثلية ، كالحنطة وغيرها من الحبوب ، وهو إجماعي عندنا ، ولم ينقل الخلاف هنا الا عن بعض العامة


حيث خص ذلك بالأثمان كالمضاربة (1).

بقي الكلام في العروض الغير المثلية كالثوب والخشب والعبد ونحو ذلك ، فهل يتحقق فيه الشركة بالمزج أم لا؟ وانما يتحقق بالإرث والعقد ، وبالأول منهما صرح في التذكرة ، حيث قال : تذنيب ، إذ اشتركا فيما لا مثل له كالثياب وحصل المزج الرافع للامتياز تحققت الشركة وكان المال بينهما ، فان علمت قيمة كل واحد منهما كان الرجوع الى نسبة تلك القيمة ، والا تساويا عملا بأصالة التساوي انتهى.

والثاني ظاهر المحقق في الشرائع ، حيث قال : أما ما لا مثل له كالثوب والخشب والعبد فلا يتحقق فيه المزج ، بل قد تحصل بالإرث أو أحد العقود الناقلة.

وظاهره في المسالك الميل الى ما ذكره العلامة في التذكرة ، حيث اعترض المصنف هنا ، فقال : في عدم تحققه بالمزج مطلقا منع بين ، بل قد يتحقق كالثياب المتعددة المتقاربة في الأوصاف ، والخشب كذلك ، فيتحقق الشركة فيه والضابط عدم الامتياز ، ولا خصوصية للمثلي والقيمي في ذلك. انتهى.

ثم انه على تقدير القول الأول من ثبوت الشركة هنا فان علم قيمة ما لكل واحد منهما كان الاشتراك بنسبة القيمة ، فان لم تعلم فهل يحكم بالتساوي؟ لأنه الأصل أم يرجع الى الصلح ، قولان : أولهما صريح عبارة التذكرة المتقدمة ، وثانيهما اختياره في المسالك ، وهو أيضا ظاهر المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد حيث قال بعد الكلام في معنى عبارة التذكرة المذكورة : ما لفظه ، الا أن في الحكم ـ مع عدم العلم بالقيمة ـ بالتساوي ـ للأصل محل التأمل ، بل ينبغي هنا الصلح

__________________

(1) هذا الخلاف من بعض العامة انما هو بالنسبة إلى الشركة شرعا لا بالنسبة إلى المعنى المشهور المفهوم منها لغة وعرفا فإنه لا خلاف بين الخاصة والعامة في تحققها بمجرد الامتزاج كيف اتفق مع التماثل. منه رحمه‌الله.


والتراضي ، فإن مساواة الاعراض بحسب القيمة مع تخالف الجنس نادر ، والأصل لا يقتضي ذلك. نعم مع التشاح وعدم الرضا بالصلح ، لا وجه للخلاص سوى ما ذكره ، فيقسمان جميع المال قسمة متساوية مع عدم العلم بالتفاوت أصلا ، ومعه ومع الاشتباه يمكن القرعة انتهى.

وأنت خبير بما في قوله : «فإن مساواة الاعراض بحسب القيمة مع تخالف الجنس نادر» من الغفلة ، فإن الجنس هنا غير مختلف ، إذ محل البحث في القيمي كالثياب والخشب ونحوها ، بمعنى أن المشترك بينهما ثياب متفقة في الأوصاف ، أو خشب كذلك ، أو نحو ذلك.

وعلى تقدير القول الثاني من عدم ثبوتها بالمزج في الصورة المفروضة ، فلو أراد الشركة باع كل منهما حصته مما في يده بحصته مما في يد الأخر ، ومثله ما لو أرادا الشركة في المثلي مع اختلاف الجنس أو الوصف.

ومثل هذه الحيلة في حصول الشركة ما لو وهب أحدهما صاحبه حصة من ماله ووهب الأخر كذلك أو باعه حصته بثمن معين ثم اشترى به حصة من الأخر ، والمراد من الشركة في جميع هذه الصور الشركة المشهورة لا الشركة الخاصة التي هي عبارة عن الاذن في التصرف. والله العالم.

المسئلة الرابعة ـ قال في التذكرة : الشركة على أربعة أنواع ، شركة العنان وشركة الأبدان ، وشركة المفاوضة ، وشركة الوجوه ، فأما شركة العنان فهي أن يخرج كل مالا ويمزجاه ، ويشترطا العمل فيه بأبدانهما ، الى أن قال : وأما شركة الأبدان بأن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبون بأيديهم ، كالصناع يشتركون على أن يعملوا في صناعتهم ، فما رزق الله فهو بينهم على التساوي ، أو التفاوت.

واما شركة المفاوضة فهو أن يشتركا ليكون بينهما ما يكتسبان ، ويربحان ويلتزمان من غرم وما يحصل لهما من غنم ، فيلزم كل واحد منهما ما يلزم الأخر من أرش جناية ، وضمان غصب ، وقيمة متلف ، وغرامة لضمان أو كفالة ، ويقاسمه فيما يحصل له من ميراث ، أو يجده من ركاز أو لقطة ، أو يكسبه


شركة المفاوضة أن يكون مالهما من كل شي‌ء يملكانه بينهما.

وأما شركة الوجوه فقد فسرت بمعان ، أشهرها أن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما ، ليبتاعا في الذمة إلى أجل على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما ، فيبيعاه ويؤديا الأثمان ، فما فضل فهو بينهما ، وقيل : أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه الى خامل ، ويشترطان أن يكون الربح بينهما ، وقيل ان يشترك وجيه لا مال له ، وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ، ويكون المال في يده لا يسلمه الى الوجيه ، والربح بينهما ، وقيل : أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ، ليكون بعض الربح له ، ولا يصح شي‌ء من أنواع الشركة سوى شركة العنان انتهى كلامه (قدس‌سره).

والكلام هنا يقع في مواضع الأول ـ أن ما ذكره من أنه لا يصح شي‌ء من هذه الأنواع سوى شركة العنان هو المشهور بين الأصحاب ، وقال ابن الجنيد : لو اشترك رجلان بغير رأس مال على أن يشتريا ويبيعا بوجههما جاز ذلك ، ولو اشترك رجلان وكان من عند أحدهما بذر وبقر ، وعلى الأخر العمل والخراج ، كانت الشركة جائزة بينهما ، ولو اشترك رجلان على أن يعملا عملا لكل واحد منهما فيه عمل منفرد (1) أو أن يكون يداهما جميعا في العمل ، وتقسم الأجرة بينهما لم يجز ذلك ، لان الأجرة عوض عن عمل ، فإذا لم يتميز مقدار عمل كل واحد منهما لم آمن أن يلحق أحدهما غبن أو أن يأخذ ما لا يستحقه ، فان تتاركا الفضل وتحالا ، أو يضمن أحدهما بالعمل ثم قسمه على الأخر من غير شركة جاز انتهى.

وهو ظاهر في جواز شركة الوجوه ، وشركة الأبدان على التفصيل المذكور :

__________________

(1) قال في المسالك : لا خلاف عندنا في بطلان شركة الأعمال الا من ابن الجنيد حيث أجازها مع تشاركهما الفضل أو عمل أحدهما وقسمته على الأخر من غير شركة ، مع أنه راجع الى بطلانهما لان تداركهما الفضل بعد مزج الأجرتين وتحالهما أمر خارج عن صحة هذه الشركة وكذا لو تبرع أحدهما عن الأخر بمشاركته في أعماله انتهى. وهو جيد. منه رحمه‌الله.


وان شركة الوجوه عبارة عن المعنى المشهور المذكور في كلام العلامة.

قال العلامة في المختلف ـ في مقام الرد عليه : لنا إجماع الفرقة ، وخلاف ابن الجنيد غير معتد به ، لانقراضه ، وحصول الاتفاق بعده ، ولأن الأصل عدم الشركة ، وبقاء حق كل واحد عليه ، ولانه ضرر عظيم ، ولأن الشركة عقد شرعي يتوقف على الاذن فيه. انتهى.

والمفهوم من كلامه وكذا غيره من الأصحاب هو بطلان الشركة في جميع الأنواع المتقدمة ما عدا شركة العنان ، وظاهر المحقق الأردبيلي المناقشة هنا في بعض المواضع حيث قال : بعد نقل قول العلامة في التذكرة : وأما شركة الأبدان فعندنا باطلة ، سواء اتفق عملهما أو اختلف ، بأن يكون كل واحد منهما خياطا ، ويشتركا في فعل الخياطة ، أو يكون أحدهما خياطا والأخر نجارا ، أو يعمل كل واحد منهما في صنعة ، ويكون الحاصل بينهما ، وسواء كانت الصنعة البدنية في مال مملوك ، أو في تحصيل مال مباح ، كالاصطياد والاحتشاش والاحتطاب.

فقال المحقق المشار اليه ولا يظهر دليل على عدم الجواز ، سوى الإجماع ، فإن كان فهو ، والا فلا مانع ، فإنه يرجع الى الوكالة في بعض الأمور (1) وتمليك مال في البعض الأخر ، وبذل نفس وعمل في مقابله عوض ، ولا مانع منه في العقل والشرع ، ولهذا جوز بعض أقسامها بعض العامة ، ثم نقل عنه أيضا أن شركة المفاوضة عندنا باطلة ، وليس لها أصل ، وبه قال الشافعي ، ومالك ، ثم نقل عنه أيضا في شركة الوجوه أنها عندنا باطلة ، وبه قال الشافعي ومالك ، ثم قال : والبحث فيهما مثل ما تقدم فتأمل. انتهى.

__________________

(1) الظاهر ان الرجوع الى الوكالة في مثل الشركة في الاحتطاب ونحوه فان كلا منهما جعل الأخر وكيلا عنه في ذلك وتمليك المال في ما لو تبرع أحدهما في ماله وأعطى شريكه حصة من الربح فإنه يرجع الى تمليك مال وأما الثالث فلا أعرف له وجها منه رحمه‌الله.


وكلامه لا يخلو من غموض وخفاء ، وان سلم صحة ما ذكره ، الا أن دخوله تحت لفظ الشركة بأي المعنيين محل اشكال.

وأما ما ذكره ابن الجنيد من أنه لو اشترك رجلان وكان من عند أحدهما بذر وبقر ، وعلى الأخر العمل والخراج ، كانت الشركة جائزة بينهما ، فهو خلاف ما يفهم من كلام الأصحاب ، بل الظاهر أنه لا شركة هنا ، وانما الحاصل لصاحب البذر ، وللعامل الأجرة.

قال في التذكرة : لو كان لواحد البذر ، وللآخر الدواب ، ولثالث الأرض ، واشتركوا مع رابع ليعمل ، ويكون الحاصل بينهما فالشركة باطلة ، والنماء لصاحب البذر ، وعليه أجرة المثل لصاحب الأرض ، عن أرضه : ولصاحب الدواب عن عملها ، ولصاحب العمل عن عمله ، فإن أصاب الزرع آفة ولم يحصل شي‌ء من الغلة لم يسقط حقهم من أجرة المثل انتهى.

وهذا هو الموافق لمقتضى الأصول الشرعية ، وأنت خبير بأن أخبارنا خالية من ذكر هذه الأنواع ، والظاهر أنها من اصطلاحات العامة ، ولهذا اختلفوا في كل منها صحة وبطلانا ، وإطلاقا وتقييدا ، كما لا يخفى على من راجع كتاب التذكرة ، وأصحابنا قد اقتفوا أثرهم في ذكرها ، والبحث عنها واتفقوا عدا ابن الجنيد على بطلان ما عدا شركة الأموال. والله العالم.

الثاني ـ قد عرفت أن أحد الأنواع المتقدمة شركة العنان بكسر العين ككتاب ، وهو سير اللجام الذي تمسك به الدابة ، وهي المتفق على جوازها ، وهي عبارة عن الشركة في الأموال.

بقي الكلام في وجه هذه التسمية فقيل : من عنان الدابة ، أما لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف واستحقاق الربح على قدر رأس المال ، كاستواء طرفي العنان ، أو تساوى الفارسين إذا سويا بين فرسيهما ، وتساويا في السير يكونان سواء ، واما لان لكل واحد منهما أن يمنع الأخر من التصرف كما يشتهي ويريد ، كما يمنع العنان الدابة ، واما لان الأخذ بعنان الدابة حبس أحدى يديه


على العنان ، ويده الأخرى مطلقة يستعملها كيف شاء ، كذلك الشريك يمنع بالشركة نفسه عن التصرف في المشترك كما يشتهي ، وهو مطلق اليد والتصرف في سائر أمواله.

وقيل : من «عن» إذا ظهر أما لانه ظهر لكل واحد منهما مال صاحبه ، أو لأنها أظهر أنواع الشركة ، ولهذا أجمع على صحتها ، وقيل : من «العانة» وهي المعارضة ، لأن كل واحد منهما عارض بما أخرجه الأخر.

الثالث ـ ما ذكره في آخر العبارة المتقدمة من قوله «ولا يصح شي‌ء من أنواع الشركة سوى شركة العنان» محتمل لكون المراد بالشركة بالمعنى المشهور المتبادر ، وهو اجتماع حقوق الملاك كما تقدم ، وهو الذي يقتضيه السياق في عد هذه الأنواع ، ويحتمل المعنى الخاص ، لانه الغرض الذاتي منها ، ويؤيده تعريفه لها بما ذكره من أنها عبارة عن أن يخرج كل مالا ، ويمزجاه ، ويشترطا العمل فيه بأبدانهما.

قال في المسالك : ولا بد لها بهذا المعنى مع اشتراكهما في المالين من صيغة تدل على الاذن في التصرف ، لأنهما ممنوعان منه ، كسائر الأموال المشتركة وهي كل لفظ يدل على الاذن فيه على وجه التجارة ، سواء كان قبل الامتزاج أو بعده ، وسواء وقع من كل منهما للآخر ، أم اختص بأحدهما ، وبهذا المعنى لحقت بقسم العقود على تكلف أيضا ، وتترتب عليها الأحكام التي يذكرها المصنف بعد هذا انتهى.

أقول : قد عرفت آنفا ما في هذا الكلام ، وأنه لا دليل على اعتبار هذا العقد لكن يتجه الإيراد على الأصحاب بأنهم لما ذكروا للشركة معنى آخر ، وهو الذي تترتب عليه الأحكام الاتية كان الواجب عليهم أن يعرفوا الشركة في هذا المقام بغير التعريف المشهور كما ذكره شيخنا المذكور : لان غرضهم بيان الشركة التي هي مثل العقود تترتب عليها الأحكام من جواز التصرف واستحقاق الربح ونحو ذلك ، وأنه عقد جائز ، وله أركان ثلاثة ، ومع ذلك لم يعرفوها بشي‌ء زيادة


على التعريف المشهور ، مع أن الأحكام لا تترتب على ذلك التعريف المشهور بمجرده ولعلهم بنوا كلامهم كما قدمنا ذكره على أن المقصود واضح ، وأن الشركة الحقيقة هو اجتماع المال كما تقدم ، وأما الأحكام فتناط بالإذن في التصرف في المال المشترك ، والاذن كما تقدم يحصل بأي نحو كان ، وتجوزوا في إطلاق العقد على هذا الاذن في أثناء الكلام في المقام. والله العالم.

المسئلة الخامسة ـ لا اشكال ولا خلاف في أنه مع تساوى المالين يتساوى الشريكان في الربح والنقصان ، وكذا لو زاد رأس مال أحدهما كان له من الربح بنسبة الزيادة ، وعليه من الخسران بالنسبة أيضا ، وانما الاشكال والخلاف فيما إذا اشترط أحدهما زيادة الربح مع تساوى المالين ، أو التساوي في الربح والخسران مع تفاوت المالين.

وقد اختلف الأصحاب في ذلك على أقوال ثلاثة الأول ـ ما ذهب اليه الشيخ وابن إدريس والمحقق وجمع منهم من بطلان الشركة ، لانتفاء ما يدل على الصحة فيكون أكل مال بالباطل ، لأن الزيادة ليس في مقابلها عوض ، لان الفرض انها ليست في مقابلة عمل ، ولا وقع اشتراطها في عقد معاوضة ، لتضم الى أحد العوضين ولا اقتضى تملكها عقد هبة ، والأسباب المثمرة للملك معدودة ، وليس هذا أحدها فيكون اشتراطها اشتراطا لتملك شخص مال غيره بغير سبب ناقل للملك ، كما لو دفع إليه دابة يحمل عليها ، والحاصل لهما ، فيبطل العقد المتضمن له إذ لم يقع التراضي بالشركة والاذن بالتصرف الا على ذلك التقدير ، وقد تبين فساده ، ولا يندرج في الأمر بالإيفاء بالعقود ، ولا في «المؤمنون عند شروطهم».

الثاني ـ ما ذهب اليه المرتضى واليه ذهب العلامة ووالده وولده من القول بالصحة ، وادعى عليه المرتضى الإجماع ، واحتجوا بالأدلة العامة مثل قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) و «إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» (2) وقد وقع على

__________________

(1) سورة المائدة الآية 1.

(2) سورة النساء الآية 28.


ما اشترطاه ، وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) «المؤمنون عند شروطهم» (1). والإجماع المنقول بخبر الواحد كما يقبل نقل غيره من الأدلة به ، وأصالة الإباحة وبناء الشركة على الارتفاق بكل منهما ومن جملته موضع النزاع.

الثالث ـ ما ذهب إليه أبو الصلاح من صحة الشركة دون الشرط ، وجعل شرط الزيادة أباحه لها يجوز الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، قال على ما نقله عنه في المختلف : إذا تكاملت الشروط انعقدت الشركة ، ووجب لكل واحد من الشريكين من الربح بمقدار ماله ، ومن الوضيعة بحسبه ، فان اصطلحوا في الربح على أكثر من ذلك ، حل تناول الزيادة بالإباحة ، دون عقد الشركة ، ويجوز لمبيحها الرجوع فيها ما دامت العين قائمة ، فإن اشترط في عقد الشركة ، تفاضل في الوضيعة صحت الشركة ، وبطل الشرط ، وكانت الوضيعة بحسب الأموال ، الا أن يتبرع أحد الشريكين على الأخر ، فإن كان أحد الشريكين عاملا فجعل له الأخر فضلا في الربح بإزاء عمله لم يمض الشرط ، وكان للعامل أجرة عمله من الربح ، وبحسب ماله انتهى.

أقول : الظاهر ان محل الخلاف هنا ما لو شرط الزيادة مع عدم زيادة عمل له يقابل تلك الزيادة ، أما لو كان له عمل زائد يقابلها ، فالظاهر أنه لا خلاف في جواز العقد : وصحة الشرط قال في التذكرة : لو اختص أحدهما بمزيد عمل وشرط مزيد ربح له صح عندنا والى ذلك ايضا يشير قولهم في حجة دليل القول الأول ، لأن الفرض أنها ليست في مقابلة عمل وبالجملة فالظاهر أنه لا إشكال في ذلك ، وعلى هذا ينبغي أن يقيد بذلك إطلاق القولين الأولين.

وأما ما احتج به أصحاب القول الثاني : فقد عرفت جواب بعضه من احتجاج أصحاب القول الأول ، وبقي منه دعوى الإجماع ، وهو تشبث بما هو أوهن من بيت العنكبوت ، وأنه لأوهن البيوت.

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 371 ح 1503 ، الاستبصار ج 3 ح 835 ، الوسائل ج 15 ص 30 ح 4.


واما الاستناد الى الآية» الا أن تكون تجارة عن تراض «ففيه أن الشركة ليست تجارة ، فلا تناولها الآية. نعم لو كانت الزيادة في مقابلة زيادة في العمل كان ذلك معاوضة وتجارة عن تراض ، إلا أنك قد عرفت أن هذا ليس من محل البحث في شي‌ء ، ويمكن أن يقال : بصحة الشرط ، لكن لا من حيث الشركة ، بل من حيث أنه وعد ، وقد دلت الآية والرواية على وجوب الوفاء بالوعد كما تقدم في الأبحاث السابقة ، لأن صاحب الزيادة قد وعد بإعطائها ورضى بذلك ، ورد كلام أبى الصلاح بأنه مبنى على أن الشرط الفاسد لا يفسد العقد والأقوى خلافه ، وفيه ما عرفت فيما تقدم في الأبحاث السابقة ، وفي مقدمات كتاب الطهارة.

وكيف كان فالمسئلة كغيرها مما تقدم من أمثالها لا يخلو من الاشكال ، لعدم النص الواضح في هذا المجال ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك التوقف في ذلك ، حيث اقتصر على نقل الأقوال المذكورة ونقل حججها ولم يرجح شيئا منها ، وهو في محله هذا في ما لو عملا معا اما لو كان العامل أحدهما مع شرط الزيادة للعامل فالظاهر أنه لا إشكال في صحته ، ويكون العقد حينئذ قراضا ، وشركة ، فيشتركان في الربح من حيث كون رأس المال شركة ، ويختص العامل بالزيادة المشروطة في مقابلة عمله كما يختص عامل المضاربة بالحصة المعينة له من الربح في مقابلة عمله ، ويأتي مثل ذلك فيما قدمناه من أنهما لو عملا معا ولكن كان في عمل أحدهما زيادة ، وشرطت الزيادة له في مقابلة زيادة عمله.

اما مع تساويها في المالين وزيادة عمله ، أو مع نقصان ما له مع تساويهما في العمل ، أو زيادته بطريق أولى ، لاشتراك الجميع في كون الزيادة في الربح في مقابلة عمل ، فكان العقد عقد معاوضة من الجانبين ، بالنظر الى أن العمل متقوم بالمال.

ولكن الشيخ ومن تبعه أطلقوا المنع ، والمرتضى ومن تبعه أطلقوا الجواز ، والتفصيل بما ذكرناه كما صرح به شيخنا الشهيد الثاني وغيره أجود ، وينبغي تقييد الإطلاقين المذكورين بذلك ، لما قدمناه سابقا من تصريح العلامة في التذكرة بذلك ، بل ظاهره دعوى الإجماع في ذلك ، حيث قال : عندنا ، مع كونه من القائلين بقول المرتضى ، وما ذكر في حجة القول الأول : مع أن الدعوى


مطلقة ، فذكر ذلك في دليلها ، دليل على أنه ليس المراد بتلك الدعوى على إطلاقها. والله العالم.

المسئلة السادسة ـ متى حصلت الشركة بالمعنى المشهور فإنه لا يجوز لكل من الشريكين التصرف إلا بإذن الأخر ، لما ثبت عقلا ونقلا من عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه ، فإن اذن أحدهما للآخر اختص المأذون بالتصرف ولا يجوز للاذن التصرف إلا بإذن المأذون : والاذن توكيل في التصرف ، فلا يجوز له أن يتعدى ما أذن له من العموم والخصوص ، والإطلاق والتقييد ، فإن أطلق في التصرف تصرف كذلك ، وان خصص اختص بما خصصه ، ويراعى فيه المصلحة ، فإن أطلق له في التجارة تصرف كيف شاء من أنواع التجارة ، من البيع والشراء مرابحة ، ومساومة ، وتولية ، ومواضعة ، حيث تقتضيها المصلحة وقبض الثمن واقباض المثمن ، ونحو ذلك مما تقدم في كتاب البيع.

وهل يتناول الإطلاق السفر حيث شاء؟ احتمالان : من حيث دخوله تحت الإطلاق ، ومن حيث كونه مظنة الخطر ، ولا يجوز له إقراض شي‌ء من المال الا مع المصلحة ، ولا المضاربة عليه لانه ليس من توابع التجارة.

وقد صرح في التذكرة في غير موضع بأن اذن الشريك توكيل ، فيجب حينئذ أن يراعى فيه ما يجب مراعاته في الوكالة فلا بد أن يقتصر على ما اذن له فيه ، كما يجب على الوكيل ان يقتصر على ما وكل عليه ، فلو تعدى في بعض المواضع عن محل الإذن أثم وضمن ، وحيث كانت الشركة من العقود الجائزة دون اللازمة بالإجماع فلكل من الشركاء الرجوع في الاذن والمطالبة بالقسمة.

أما الأول فإن مبناها على الاذن في التصرف ، وهو في معنى الوكالة ، فتكون جائزة ، وأما الثاني فلانه لا يجب على الإنسان مخالطة غيره في ماله ومقتضى الأصل أن يتصرف كل منهما في ماله كيف شاء.

قال في التذكرة : الشركة عقد جائز من الطرفين ، وليست من العقود اللازمة إجماعا فإذا اشتركا بمزج المالين ، فأذن كل واحد منهما لصاحبه في


التصرف (1) فلكل واحد من الشريكين فسخها لأن الشركة في الحقيقة توكيل وتوكل ، فلو قال أحدهما للآخر : عزلتك عن التصرف ، أو لا تتصرف في نصيبي انعزل المخاطب عن التصرف في نصيب العازل ، ويبقى التصرف في نصيبه ، ولا ينعزل العازل عن التصرف في نصيب المعزول الا بقول متجدد منه ، ولو فسخاها معا فان الاشتراك باق وان لم يكن لأحدهما التصرف في نصيب الأخر ، ولو قال أحدهما : فسخت الشركة ارتفع العقد ، وانفسخ من تلك الحال ، وانعزلا عن التصرف ، لارتفاع العقد. انتهى.

قيل : وفي قوله «ولو قال أحدهما الى آخره» تأمل ، لأن أحدهما تكلم فقط بقوله «فسخت الشركة» وهو يؤل الى عدم اذنه للآخر في التصرف ، وعزله وإبطال وكالته ، لما قد مر مرارا ان هذا العقد والاذن توكيل ، وغاية ما يكون عزلا لنفسه أيضا فإذا بدا له يجوز التصرف إذا قلنا ان الوكيل لا ينعزل بمجرد عزله ، ولا يحتاج إلى إذن جديد ، الا أن يعلم الأخر الموكل بل يرضى بعزله أو يعزله فتأمل. انتهى.

وملخص كلامه المناقشة في ارتفاع العقد بالكلية ، فإن هذا القول انما وقع من أحدهما ، والذي يدل عليه عزله الأخر عن التصرف ، وإبطال وكالته ، وغاية ما يمكن التزامه أنه عزل لنفسه أيضا ، الا أنه بمجرد ذلك لا يلزم بطلان العقد وارتفاعه ، بناء على أن الوكيل لا ينعزل بمجرد عزل نفسه ، بل يجوز له الرجوع بغير توكيل آخر ، فكذا هنا يجوز له الرجوع بدون إذن أخر ، فلا يتم حينئذ الحكم بارتفاع العقد.

وكما ينفسخ الشركة بالفسخ تنفسخ ايضا بالجنون والموت ، لبطلان الوكالة بهما ، وهي في معناها كما عرفت ، بل هي وكالة في التحقيق ، ونحوهما أيضا الإغماء والحجر

__________________

(1) إشارة إلى الشركة بمعنى المشهور وقوله فأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف إشارة إلى المعنى الخاص المصطلح عليه بين الأصحاب المعبر عنه بالعقد وهو دائما إنما يعبر عنه بالاذن وهو مؤيد لما قدمناه من التحقيق من أنه ليس هنا عقد كما يدعونه وليس إلا الاذن وان سموه عقدا تجوزا ، منه رحمه‌الله.


لسفه أو فلس.

قال في التذكرة : وكذا ينفسخ بموت أحدهما وجنونه ، وإغمائه والحجر عليه للسفه ، كالوكالة ، ثم في صورة الموت ان لم يكن على الميت دين ، ولا هناك وصية تخير الوارث بين القسمة مع الشريك وفسخها ، وبين تقرير الشركة ان كان بالغا رشيدا ، وان كان صغيرا أو مجنونا فعلى الولي ما فيه الحظ من فسخ الشركة أو إبقائه ، ولا بد في تقرير الشركة من عقد مستأنف ، وان كان على الميت دين لم يكن للوارث التقرير على الشركة الا أن يقضى الدين من غير مال الشركة ، ولو كان هناك وصية ، فان كانت لمعين فهو كأحد الورثة ، يتخير بين التقرير والفسخ ان تعلقت الوصية بذلك المال ، وان كانت لغير معين كالفقراء لم يجز تقرير الشركة إلا بعد خروج الوصية ، فإذا خرجت الوصية بقي المال كما لو لم تكن وصية ، يتخير الوارث بين التقرير والفسخ ، انتهى.

المسألة السابعة ـ لو شرط التأجيل في الشركة بمعنى ترتب أثرها عليها من التصرف للتجارة ونحوها إلى أجل مخصوص لم يلزم الشرط المذكور ، بل لكل منهما فسخها قبل الأجل ، لأنها عقد جائز ، فلا يؤثر شرط التأجيل فيه.

نعم يترتب على الشرط المذكور عدم جواز تصرفهما بعد الأجل إلا بإذن جديد ، لعدم تناول الاذن السابق له ، فهذا الشرط وان لم يؤثر في وجوب المضي على الشركة الا أنه يؤثر فيما ما ذكرناه ، فله أثر في الجملة.

ونقل في المختلف عن الشيخين أنهما قالا : الشركة بالتأجيل باطلة ، قال : والظاهر أن مرادهما ليس البطلان من رأس ، بل عدم اللزوم ، ولهذا قال المفيد عقيب ذلك : ولكل واحد من الشريكين فراق صاحبه أى وقت شاء ، ثم نقل عن أبى الصلاح أنه قال : ولا تأثير للتأجيل في عقد الشركة ، ولكل شريك مفارقة شريكه أى وقت شاء وان كانت مؤجلة.

ثم قال : والعبارتان رديتان ، والتحقيق أن للتأجيل أثرا وهو منع كل


منهما من التصرف بعده إلا بإذن مستأنف ، وان لم يكن له مدخل في الامتناع من الشركة ، إذ لكل منهما الفسخ قبل الأجل. انتهى.

المسئلة الثامنة ـ ينبغي أن يعلم أن الشريك أمين لا يضمن تلف ما في يده إلا بالتعدي أو التفريط ، لانه وكيل كما عرفت فيما سبق ، ويقبل قوله مع يمينه في دعوى التلف ، سواء ادعى سببا ظاهرا كالغرق ، أو خفيا كالسرق. قال في التذكرة : كل واحد من الشريكين أمين يده يد أمانة على ما تحت يده ، كالمستودع والوكيل ، يقبل قوله في الخسران والتلف مع اليمين ، كالمستودع إذا ادعى التلف ، سواء أسند التلف الى سبب ظاهر أو خفي ، فلا يضمن الا مع التفريط ، ويقبل قوله في عدم ما يوجب الضمان من التعدي ، وكذلك في عدم الخيانة ، ويقبل قوله في عدم الشراء بمال الشركة إذا ادعى الشراء بما يخصه ، وكذا إذا ادعى الشراء بالمشترك.

الفصل الثاني في القسمة :

وهي تمييز حق أحد الشركاء عن حق الأخر ، والبحث فيها يقع في مسائل : الأولى ـ الظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا في أنها برأسه أمر موجب لتمليك الشريك حصة الشريك الأخر بحصته ، فإذا حصلت بشرائطها حصل بها الملك ، وليست بيعا ولا صلحا ولا غيرهما ، لعدم وجود خواص الغير فيها كصيغة البيع إيجابا وقبولا ، أو غيره من العقود ، ويدخلها الإجبار في غير أفراد البيع التي يدخلها الإجبار ، ويتقدر أحد النصيبين بقدر الأخر مع تساويهما ، والبيع ليس كذلك ، بل يجوز فيه الزيادة والنقصان بينهما ، واختلاف اللوازم تدل على اختلاف الملزومات.

خلافا لبعض العامة حيث جعلها بيعا مع أنه لا خلاف عندهم في أنه إذا طلب أحد الشركاء القسمة ، يجب على الأخر إجابته ، وعدم منعه إذا لم يحصل له ضرر بالقسمة ، سواء كان في تركها ضرر أم لا ، وسواء كان أحدهما مضطرا إلى القسمة أم لا ، لانه يجب إيصال حق الغير اليه ، ولا يجوز منعه عنه ، وهو هنا بالقسمة ،


ولا تصح إلا بإذن الشركاء الا ما سيأتي التنبيه عليه.

الثانية ـ لا خلاف في أنه مع الضرر على الكل وعدم ضرورة لا تجوز القسمة ، لأنه تضييع مال ، وهو سفه وإسراف منهي عنه ، وأما ما لا ضرر في قسمته فإنه يجبر الممتنع مع التماس الشريك القسمة ، وهو مما لا خلاف فيه أيضا.

وانما الخلاف في معنى الضرر المانع في الصورتين ، فقيل : بأنه عبارة عن نقصان العين أو القيمة نقصانا لا يتسامح به عادة ، لأن فوات المالية مناط الضرر في الأموال. ولقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) «لا ضرر ولا ضرار» (1). وهو عام ، وقيل : بأنها عبارة عن عدم الانتفاع بالنصيب منفردا لتضمنه الضرر والحرج ، وإضاعة المال المنهي عنه مثل كسر الجوهرة الكبيرة التي لها ثمن كثير ، وبعد الكسر لا تسوى شيئا أو تسوى شيئا قليلا.

وقيل : بأنها عبارة عن عدم الانتفاع به منفردا ، فيما كان ينتفع به مع الشركة ، مثل أن يكون بينهما دار صغيرة إذا قسمت أصاب كل واحد منهما موضع ضيق لا ينتفع به في السكنى مثل الأول ، وان أمكن الانتفاع به في غير ذلك.

قال في المسالك بعد نقل ذلك كما ذكرناه والأقوى اعتبار الأول ، واليه أيضا مال المحقق الأردبيلي ، قال : واعتبار الثاني بعيد ، والثالث أبعد ، وأشار بهما الى ما ذكرناه هنا ثانيا وثالثا ، ثم انه على تقدير اعتبار المعنى الأول متى انتفى مثل هذا الضرر عن الشريك ، وطلب الأخر القسمة مع انتفاءه عنه أيضا ، فإنه يجب الإجابة إلى القسمة ، ويجبر الممتنع ، وهو ظاهر لما تقدم من أنه يجب إيصال حقه اليه متى طلبه ، ولا يجوز منعه ، إذ الفرض أنه لا مانع من ذلك ، وأما عدم وجوبها مع ضرر الشريك فهو أيضا ظاهر ، لخبر (2) «لا ضرر ولا ضرار». الا مع تضرر الطالب للقسمة بالشركة ، فيتعارض الضرران ، فينبغي أن

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 292 ح 2 الفقيه ج 3 ص 147 ح 18 والوسائل ج 17 ص 319 ح 1 باب الشفعة. وباب احياء الموات ص 341 ح 1 و 2 و 3.


يرجح الأقل ضررا ، ومع التساوي يشكل الأمر ، فيحتمل الرجوع الى القرعة.

وأما لو تضرر الطالب بالقسمة دون الممتنع ، فالظاهر أنه لا يجب إجابته ، لأن ارتكاب ذلك سفه وتضييع لماله ، الا أن يترتب على ذلك غرض صحيح.

قال في الدروس ، ولو تضرر أحد الشريكين دون الأخر بالقسمة أجبر غير المتضرر بطلب الأجر دون العكس ، وفي المبسوط لا يجبر أحدهما لتضرر الطالب ، وهو أحسن ، ان فسر التضرر بعدم الانتفاع ، وان فسر بنقص القيمة فالأول أحسن ، وبذلك يظهر أن في المسألة أقوالا ثلاثة.

ثالثها التفصيل الذي استحسنه شيخنا المذكور وهو جيد ، ولو اتفقا على القسمة مع تضمنها الضرر كالجوهر والسيف والعضائد الضيقة (1) فقد صرح المحقق في هذا الكتاب بأنه لا يجوز قسمتها ، والمفهوم من كلام غيره أن القسمة المشتملة على ضرر لا يجبر الممتنع عليها لكنها تصح بالتراضي والاتفاق عليها ، مع أنه في كتاب القضاء من الشرائع فسر الضرر بنقص القيمة ، فحكمه هنا بعدم الجواز مع تفسير الضرر بما ذكره مشكل ، فان مجرد نقص القيمة لا يبلغ حد المنع.

نعم لو فسر الضرر بعدم الانتفاع أمكن من حيث استلزامها تضييع المال بغير عوض ، فإنه إذا لم ينتفع بالاجزاء فلا فائدة في القسمة ، بل هو محض إتلاف وهو منهي عنه.

ثم انه في كل موضع يتوقف القسمة على الجبر ، فالظاهر أن المجبر هو الحاكم الشرعي أو أمينه ، والظاهر أن مع تعذرهما فعدول المؤمنين كما هو في سائر الحسبيات التي يتعذر إرجاعها إلى الحاكم : والأحوط العدلان ، وفي

__________________

(1) قال في القاموس : وأعضاد الحوض وغيره ما يشد حواليه من البناء ، ولم أقف في كلام أهل اللغة على معنى يناسب ما ذكروه بعد فان دخول القسمة فيما كان هكذا لا يخلو من تعسف وظاهر كلامهم أن العضائد عبارة عن أماكن ضيقة تتضرر بالقسمة والله العالم منه رحمه‌الله.


وفي الاكتفاء بالواحد احتمال قوى.

الثالثة ـ لا يخفى أن متساوي الاجزاء وهو المثلي الذي يصدق على قليله وكثيره اسم الكل ، وأجزاؤه متساوية في ذلك ، ولا تفاوت بينها غالبا كالحبوب والادهان تقسم قسمة إجبار على جميع الأقوال الثلاثة المتقدمة ، إذ لا ضرر بالقسمة فيتحقق فيها قسمة الإجبار مطلقا ، فان تراضيا بالقسمة والا أجبر الممتنع ، كذا صرحوا به من غير خلاف يعرف.

قال في المسالك : ومثله الثياب المتعددة المتحدة في الجنس التي يمكن تعديلها بالقيمة ، وكذا الحيوان والعبد على الأقوى ، وظاهر المحقق الأردبيلي المناقشة هنا قال بعد ذكر ذلك ، وفيه تأمل ، إذ قد يكون المقسوم يسيرا بحيث لو قسم لم يبق لكل قسم أو لبعضه قيمة أصلا ، أو ينقص نقصانا فاحشا بخلاف ما لو بيع جميعا يجعل لكل واحد من الشركاء من القيمة ما ينتفع به ، وهو غير بعيد.

أقول : بل الظاهر بعده : لأن الأحكام الشرعية انما تبنى على الافراد الكثيرة المتعارفة بين الناس دون الفروض الشاذة النادرة التي لا تكاد توجد الا فرضا ، وأما غير متساوي الاجزاء وهو القيمي كالثياب والحيوان والعبيد ، فإنه لا بد فيه من تقويم وتعديل ، فان حصل التساوي على وجه يقتضيه النظر من غير رد فإنه يقسم كذلك ، ولكنه في هذه الصورة يجري فيه الإجبار كما أشار إليه شيخنا في المسالك في العبارة المتقدمة ـ بقوله «على الأقوى».

وان لم يحصل التساوي فلا بد أن يضم اليه بعض الدراهم أو العروض مما يقابل به السهم الأخر ، فيقسم قسمة تراض ، والقسمة في هذه الصورة يعبر عنها بقسمة الرد لا يدخلها الإجبار ، فلا يجبر الممتنع ، بل انما تصح مع التراضي ، لأنها مشتملة على معاوضة وبمنزلة البيع جزء من المال بذلك المضاف الى المال الأول ، فلا بد من الرضا حينئذ.

الرابعة ـ متى حصلت القسمة والتمييز بين السهام سواء كانت القسمة إجبارية ،


أو قسمة رد بحيث عدلت السهام على ما يقتضيه القسمة ، فلا بد للتعيين بحيث يصير كل سهم ملكا لمالك من أولئك الشركاء من القرعة ، وبها يصير ملكا له ، لا يجوز التصرف فيه الا بإذنه ، كسائر أملاكه.

والظاهر كما صرح به المحقق الأردبيلي ـ انه بعد خروج القرعة لا يحتاج الى رضاء الشريك مرة أخرى ، زيادة على الرضاء بأصل القسمة ان كانت قسمة رد ، لأن القرعة قد أخرجت للتعيين ، وقد تعين بها مال كل واحد منهما ، وقيل انه ان كانت القسمة إجبارية ، فإنه لا يحتاج الى الرضا بعد القرعة ، وان كانت قسمة رد ، فان كان القاسم منصوبا من الامام فكذلك أيضا ، (1) وان كانت القسمة والقرعة إنما حصلت من المتقاسمين توقفت على تراضيهما بعدها ، لاشتمالها على المعاوضة ، فلا بد من لفظ يدل عليها ، وأقله ما يدل على الرضا ، ونقل ذلك عن الشيخ على في شرح القواعد ، وبه صرح في المسالك أيضا ، وهو ظاهر العلامة أيضا ، بل الظاهر أنه المشهور.

ورده المحقق المتقدم ذكره ، بأن الرضى الأول كاف ، والقرعة والتعديل بأنفسهما قد يكفيان ، على أن منصوب الامام ليس بوكيل للشريك حتى يقبل له ، فإنه منصوب للقسمة والقرعة فقط ، على أن القسمة مطلقا معاوضة كما صرح به الشهيد الثاني في شرح الشرائع ، ثم قال : كأن هذا القائل نظر الى ما ذكرناه من أصل بقاء الملك على ملك مالكه ، وبقائه على الاشتراك وعدم خروج شي‌ء عن ملك أحدهم ، والدخول في ملك آخر حتى يتحقق الدليل ، ومع الرضا بعدها أو القرعة من قاسم الامام ناقل بالإجماع ، والباقي غير ظاهر كونه ناقلا حتى يتحقق ، ويمكن أن يقال : القرعة مع الرضى الأول ناقل فتأمل.

واعلم أن الظاهر أن القرعة والرضا ثانيا انما هو محتاج اليه للتملك ، بحيث لا يجوز لأحد العدول عنه ، والا الظاهر أنه يكفى الرضا بأخذ كل واحد قسما بعد التعديل

__________________

(1) قال في الشرائع في كتاب القضاء والمنصوب من قبل الامام بمعنى قسمته بنفس القرعة ولا يشترط رضاهما بعدها وفي غيره يقف اللزوم على الرضا بعد القرعة وفي هذا اشكال من حيث ان القرعة وسيلة إلى تعيين الحق وقد قارنها الرضا. انتهى منه رحمه‌الله.


بالرضا ، فإنه إذا رضي أن يأخذ عوض ماله من حصة الأخر من ماله ، الظاهر أن له ذلك ، وهو مسلط ، على ماله ، فله أن يفعل ما يريد الا الممنوع ، ولا منع هنا ، لان الظاهر أنه تجارة عن تراض أيضا ، وأكل مال الغير بطيب نفس منه.

والظاهر أنه وان لم يكن مملكا فلا كلام في جواز التصرف فيه تصرف الملاك ، مثل ما قيل في العطايا والهدايا والتحف ، ويحتمل أن يكون تصرفا بعقد باطل ، فيكون حراما وهو بعيد جدا ، وعمل المسلمين على غير ذلك ، بل على الملك فتأمل انتهى كلامه ، وهو جيد وجيه.

وأنت خبير بأن أحدا من الأصحاب لم ينقل في هذا المقام خبرا ولا دليلا على شي‌ء من هذه الأحكام ، بل غاية ما يستدلون به أمور اعتبارية ، مع أن هنا جملة من الاخبار يمكن الاستناد إليها في بعض هذه الأحكام.

والذي وقفت عليه مما يتعلق بما نحن فيه رواية غياث (1) «عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليه‌السلام في رجلين بينهما مال منه بأيديهما ، ومنه غائب عنهما فاقتسما الذي بأيديهما ، وأحال كل واحد منهما بنصيبه ، فقبض أحدهما ولم يقبض الأخر فقال : ما قبض أحدهما فهو بينهما ، وما ذهب فهو بينهما».

وبهذا المضمون رواية أبي حمزة الثمالي (2) عن أبي جعفر عليه‌السلام ورواية محمد بن مسلم (3) عن «أحدهما عليهما‌السلام» وصحيحة معاوية بن عمار (4) وصحيحة عبد الله بن سنان (5) ورواية سليمان بن خالد (6) والمتبادر من هذه الروايات ان الاقتسام انما وقع من الشركاء بمجرد تميز سهام كل واحد

__________________

(1) التهذيب ج 6 ص 212 ح 5 الفقيه ج 3 ص 55 ح 1 الوسائل ج 13 ص 159.

(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل ج 13 باب عدم قسمة الدين المشترك قبل قبضه ص 179 ح 1 و 2.

(6) التهذيب ج 6 ص 207 ح 8 ، الوسائل ج 13 ص 116 ح 1.


من ذلك المال المشترك الموجود بأيديهم ، مثليا كان ذلك المال أو قيميا بعد تعديله كما تقدم ، من غير توقف على قاسم من جهة الامام ، ولا قرعة في البين بأن رضى كل منهم بعد تساوى السهام بنقل حصته ، مما في يد شريكه بحصة شريكه مما في يده ، وكذلك قسمة ما في الذمم مما لم يكن في أيديهما ، الا أنه (ع) أبطل قسمة الغائب.

وبالجملة فإني لم أقف في الاخبار على ما ذكروه من القرعة ، والقاسم من جهة الإمام ، بل ظاهرها كما ترى هو الصحة مع تراضيهما بما يقتسمانه ، وهو مؤيد لما تقدم نقله عن شيخنا الشهيد الثاني من أن القسمة مطلقا معاوضة ، وما ذكره المحقق المذكور من قوله ، والا الظاهر أنه يكفى الرضا بأخذ كل واحد قسما بعد التعديل ، الى آخره فان هذا هو ظاهر هذه الاخبار ، فإن قيل : ان غاية ما يدل عليه هذه الاخبار أنهما اقتسما فيمكن حمله على القسمة التي ذكرها الأصحاب ، كما تقدم من حضور القاسم من جهة الامام والقرعة ، وحكم المثلي والقيمي ـ قلنا : هذا فرع ثبوت هذه المذكورات في الاخبار ، والا فالمتبادر انما هو ما قلناه من تمييز الحصص والسهام بعضها عن بعض من أولئك الشركاء ، لا من شخص آخر ، وهو ظاهر الاخبار ، حيث نسب الاقتسام الى الشريكين ، والأصحاب قد ذكروا القسمة في هذا الكتاب ، وفي كتاب القضاء ، وذكروا لها أحكاما عديدة لم نقف لها على أثر في الاخبار في كل من الموضعين المذكورين ، والقرعة قد وردت بها الاخبار في جملة من الموارد ، ولم يذكر فيها هذا الموضع الذي ذكروه هنا ، وغاية ما يدل عليه عمومات بعض أخبارها التوقف عليها في موضع النزاع ، مثل قول الصادق (عليه‌السلام) فيما رواه الصدوق (1) : وما تقارع قوم ففوضوا أمرهم الى الله تعالى الإخراج سهم المحق ، وأما مع التراضي فلا أثر في الاخبار لاعتبارها والتوقف عليها ، وكأنه بسبب التراضي يكون من

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 52 ح 3 ، الوسائل ج 18 ص 188 ح 6.


قبيل الصلح في هذه المعاوضة ، كما ورد في صحيحة محمد بن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما‌السلام) انه قال : في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه ، ولا يدرى كل واحد منهما كم له عند صاحبه ، فقال كل واحد منهما لصاحبه : لك ما عندك ولي ما عندي ، فقال : لا بأس بذلك إذا تراضيا ، وطابت أنفسهما».

نعم لو لم يحصل التراضي بعد تعديل القسمة أمكن القول بالقرعة ، لهذا الخبر ونحوه ، وبالجملة فإن القسمة وما ذكر فيها من الأحكام غير موجود في كلام متقدمي علمائنا الاعلام ، ولا أخبار أهل الذكر ، عليهم‌السلام.

والذي يغلب على الظن القاصر أن الشيخ ومن تبعه من الأصحاب قد تبعوا في هذه المقامات العامة حيث أطالوا البحث عن ذلك في كتبهم بهذه الفروع التي ذكرها الأصحاب اختلافا واتفاقا ، ولا يخفى على الخائض في الفن والناظر في كتب المتقدمين المقصورة على الاخبار ، وأنه لم يقع التفريع في الأحكام ، وكثرة الفروع في المسألة الواحدة ، سيما في هذا الباب الا من الشيخ وتبعه من تأخر عنه ، وكلها من كتب العامة ، وقد تقدمت الإشارة الى ذلك أيضا والله العالم.

الخامسة ـ قد صرح الأصحاب بأنه لا يصح قسمة الوقف بأن يأخذ كل واحد من الشركاء فيه بعضا ويتصرف فيه على حدة وتفصيل هذا الإجمال أنه يقال : انه متى كان الواقف واحدا أو متعددا والموقوف عليه متعددا كأن يقف زيد داره على ذريته من الموجودين وما تناسل منهم وقفا مؤيدا مشتملا على شرائط الصحة واللزوم ، أو يكون نصف الدار لزيد ، ونصفها لعمرو ، فيقف كل منهما حصته على تلك الذرية مثلا ، فإنه في هذه الصورة لا يجوز للموقوف عليهم قسمة الوقف ، لأنه أولا على خلاف وضع الواقف والموقوف على ما وقفت عليه ، كما ورد

__________________

(1) التهذيب ج 6 ص 206 ح 1 ، الكافي ج 5 ص 258 ح 2 ، الوسائل ج 13 ص 165 ح 1.


به النص. (1)

وثانيا أن الوقف ليس ملكا لأولئك الموجودين الان ، لمشاركة البطون الأخر لهم في ذلك.

وثالثا ان الحق يتغير بزيادة البطون ونقصانها ، فربما استحق بعض بطون المتقاسمين أكثر مما ظهر بالقسمة ، لمورثهم وبالعكس ، وأما لو تعدد الواقف والموقوف عليه بأن كانت الدار مشتركة بين زيد وعمرو أنصافا ، فوقف زيد نصفه على ذريته ووقف عمرو نصفه على ذريته ، فإنه يجوز للموقوف عليهم من الطرفين قسمة هذا الوقف ، بأن يميزوا أحد الوقفين عن الأخر ، ومتى كان جزء من المال وقفا ، وجزء منه ملكا ، كبيت مثلا نصفه وقف ، ونصفه ملك ، فإنه يجوز قسمته ، وتميز الملك من الوقف ، ويكون ناظر الوقف بمنزلة الشريك يتولى المقاسمة مع المالك.

قال في المسالك : هذا إذا لم تشتمل على رد ، أو اشتملت وكان الرد من الموقوف عليه ، لأنه زيادة في الوقف ، فلو انعكس لم يصح ، لانه كبيع جزء من الوقف ، ثم على تقدير الرد من الموقوف عليه ، هل يصير جميع حصته وقفا؟ أم يكون ما قابل الرد من الحصة ملكا له ، لانه معاوض عليها ، احتمالان ، والثاني أوجه.

__________________

(1) أقول : وتوضيحه أنه إذا وقف على ذريته على السوية ما تناسلوا بطنا بعد بطن فاتفق أن البطن الأول كان اثنين فإنهم يقتسمون الحاصل أنصافا ، ولو كان البطن الثاني ثلاثة ، فإنهم يقتسمونه أثلاثا وهكذا ، فلو أن أصحاب البطن الأول اقتسموا الوقف أنصافا ثم اتفق أن ورثة أحدهما كان اثنين وورثة الأخر واحدا فان هذين الاثنين يستحقان ثلثا الوقف بالنظر الى وقف الواقف ، وان كان مورثهم انما يستحق النصف وذلك الواحد بالنظر الى ما ذكرنا انما يستحق الثلث وان كان مورثه يستحق النصف وعلى هذه الصورة فقس. منه رحمه‌الله.


نعم لو كان في مقابلة الرد وصف محض كالجودة كان الجميع وقفا ، لعدم قبوله الانفصال ، ولا فرق في جواز قسمة الوقف من الطلق بين كون الجميع لواحد ، أو مختلف. انتهى.

السادسة ـ قد صرح غير واحد منهم بأنه يستحب للإمام (عليه‌السلام) نصب قاسم ويشترط عدالته ومعرفته بالحساب ، وقيل : بل ينبغي ذلك للحاكم مطلقا ، وقال في الدروس : يستحب للقاضي نصب قاسم كامل مؤمن عاقل عارف بالحساب ولو كان عبدا ، ولا يراعى فيمن تراض به الخصمان ذلك. انتهى ، وعلله بعضهم باحتياج الناس إليه ، إذ قد يحصل الرضا في التعديل بقول بعضهم بعضا ولا يعرفون ذلك خصوصا في قسمة الرد ودليل اشتراط عدالته الوثوق بقوله ، وأما معرفته للحساب ، فلا بد منها بمقدار ما يحتاج إليه في القسمة ، وانه لا يكفى الواحد في قسمة الرد الا مع الرضا ، لانه يحتاج فيها الى التعديل في القسمة حتى يتساوى الأقسام ، بأن يقوم تلك العروض المراد قسمتها ، وهل المراد بقسمة الرد هي ما اشتملت على رد من أحد الطرفين دراهم أو عروضا في مقابلة الزيادة من الطرف الأخر أو ما هو أعم من ذلك ومن التعديل والتسوية بين الأقسام! وان لم يحتج الى رد.

وبالجملة المراد بقسمة الرد التعديل ، لا الرد الحقيقي ، قولان. والأول منقول عن الدروس ، وبالثاني صرح المحقق الأردبيلي (رحمه‌الله عليه).

أقول : ويؤيد الأول قولهم أنه يقسم ما اشتمل على الرد قسمة تراض ، وكيف كان فالاحتياج الى العدلين ، وعدم الاكتفاء بالواحد لأن القسمة يتوقف على التقويم ، فلا بد من مقومين عدلين ، ليكونا حجة شرعية ، ولانه لا يحصل الوثوق بحيث يلزم الا بقولهما ، هذا إذا لم يتراضيا بينهما بالقسمة بأنفسهما أو بشخص يتفقان عليه ، عدل أو غير عدل ، لان الرضا سيد الأحكام كما قيل.

قالوا : وأجرة القسام من بيت المال ، لانه موضوع لمصالح العامة ، ولو لم


يكن فيه شي‌ء أو لم يكن ثمة بيت مال فمن مال الشركاء ، لانه لمصالحهم فهو كالكيال والوزان لهما ، وينبغي أن يكون ذلك بالحصص بينهم ، بأن يقسم أجرة المثل على الحصص ، فيعطى كل بنسبة ماله.

أقول : لا يخفى أنه لا وجود لهذه الأحكام في الاخبار كما أشرنا إليه آنفا ، وان كان بعضها يمكن استنباطه ، وعمومات الاخبار في غير هذا المقام يأتي ان شاء الله في كتاب القضاء ، وفق الله تعالى للوصول اليه.

الفصل الثالث في لواحق هذا الباب :

وفيه أيضا مسائل الأولى ـ المشهور بين الأصحاب أنه إذا باع الشريكان المتاع صفقة بثمن معلوم ثم استوفى أحدهما من المشترى شيئا من الثمن ، فإنه يشاركه فيه الأخر ، واحترزوا بقولهم صفقة عما إذا باع كل منهما نصيبه بعقد على حدة ، فإنهما لا يشتركان فيما يقتضيه أحدهما إجماعا.

والأصحاب فرضوا هذا الحكم في بيع الشريكين المتاع صفقة ، لمناسبة باب الشركة ، والا فهو يجري أيضا فيما لو كان سبب الشركة ميراثا ونحوه ، ولم ينقل الخلاف في هذه المسئلة الا عن ابن إدريس ، فإنه منع من الشركة فيما يقتضيه أحدهما لنفسه من ذلك المال المشترك ، وحكم به لقابضه.

قال : وإذا كان بينهما شي‌ء فباعاه بثمن معلوم ، كان لكل منهما ان يطالب المشترى بحقه ، فإذا أخذ حقه شاركه فيه صاحبه على ما قدمناه ، لان المال الذي في ذمة المشترى غير متميز ، فكل جزء يحصل من جهته ، فهو شركة بعد بينهما على ما ذكره شيخنا في نهايته ، «والذي يقتضيه أصول مذهبنا أن كل واحد من الشريكين يستحق على المدين قدرا مخصوصا وحقا غير حق شريكه ، وله هبة الغريم ، وإبراءه منه ، فمتى أبرءه أحدهما من حقه برء منه فقط ، وبقي حق الأخر الذي لم يبرءه منه فقط بلا خلاف ، فإذا استوفاه وتقاضاه منه لم يشاركه شريكه الذي وهب ، أو


أبرأ أو صالح منه على شي‌ء بلا خلاف.

فان كان شريكه بعد في المال الذي في ذمة الغريم ، لكان في هذه الصور كلها يشارك من لم يهب ولم يبرء فيما ، يستوفيه منه ويقبضه ، ثم ان عين المال الذي كان شركة بينهما ذهبت ولم يستحقا في ذمة الغريم الذي هو المدين عينا لهما معينة ، بل دينا في ذمته لكل واحد منهما مطالبة نصيبه ، وإبراء ذمته وهبته ، وإذا أخذه وتقاضاه فما أخذ عينا من أعيان الشركة حتى يقاسمه شريكه فيها» ولم يذهب الى ذلك سوى شيخنا أبى جعفر الطوسي في نهايته ، ومن قلده وتابعه ، بل شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان لم يذكر ذلك في كتاب له ولا تصنيف ، وكذلك السيد المرتضى ، ولا تعرضا للمسألة ، ولا وصفها أحد من أصحابنا المتقدمين في تصنيف له جملة ، ولا ذكرها أحد من القميين ، وانما ذكر ذلك شيخنا في نهايته من طريق أخبار الآحاد أورد ثلاثة أخبار أحدها مرسل ، وعند من يعمل بأخبار الآحاد لا يلتفت اليه ، ولو سلم الخبران الآخران تسليم جدل ، لكان لهما وجه صحيح يستمر على أصول المذهب والاعتبار ، وهو أن المال الذي هو الدين كان على رجلين ، فأخذ أحد الشريكين وتقاضا جميع ما على أحد الرجلين فالواجب عليه هنا أن يقاسم شريكه على نصف ما أخذه منه ، لأنه أخذ ما يستحقه عليه وما يستحقه شريكه أيضا عليه ، لان جميع ما على أحد المدينين لا يستحقه أحد الشريكين بانفراده ، دون شريكه الأخر ، فهذا وجه صحيح ، فيحمل الخبران على ذلك إذا أحسنا الظن براويهما ، فليتأمل ذلك ، وينظر بعين الفكر الصافي ففيه غموض ، انتهى.

وملخص استدلاله يرجع الى دليلين ، أحدهما أن لكل واحد من الشريكين أن يبرء الغريم من حقه ، ويهبه له ويصالح على شي‌ء منه دون الأخر ، ومتى أبرأه برء من حقه ، وان بقي حق الأخر ، وكذا إذا وهب أو صالح ، فكما لا يشارك من وهب أو صالح لشريك الأخر إذ استوفى حقه ، فكذلك لا يشاركه هو لو استوفى حقه.

وثانيهما أن متعلق الشركة بينهما كان هو العين وقد ذهبت ، ولم يبق عوضها


الا دين في ذمته ، فإذا أخذ أحدهما حقه منه لم يكن قد أخذ عينا من أعيان الشركة ، بل من أمر كلي في ذمته لا يتعين الا بقبض المالك أو وكيله ، وهنا ليس كذلك ، لأنه إنما قبض لنفسه.

أقول : فيه أولا أن ما ذكره من الدليل الأول ظاهر البطلان ، إذ لا ملازمة بين الأمرين ، بل الفرق بين الحالين ظاهر ، فإنه في صورة الإبراء أو الهبة أو الصلح قد برئت ذمة الغريم من مال الشريك الذي أبرأه ، أو وهبه أو صالحه ، ولم يبق في ذمته إلا حصة الشريك الأخر ، فكيف يشاركه فيما استوفاه ، وهو لم يستحق شيئا بالكلية بل صار كالأجنبي ، بخلاف ما لو لم يقع شي‌ء من هذه الثلاثة ، وبقي المال المشترك في ذمة الغريم ، كما هو محل البحث ، فإذا دفع شيئا والحال هذه فإنما دفع عما في ذمته من المال المشترك ، والمدفوع انما هو من المال المشترك ، فلا يختص به القابض.

وثانيا أن ما ذكره في الدليل الثاني فهو وجه عقلي لا يسمع في مقابلة النصوص الصريحة الصحيحة ، فإنها اجتهاد بحت في مقابلة النصوص ، وهو على قاعدته المنهدمة وطريقته المنخرمة من عدم العمل باخبار الآحاد جيد أما عند من لا يقول بقوله ، بل يعمل بها فلا وجه لهذا التعليل في مقابلتها ، وأما ما يفهم من المسالك من الميل الى ما ذهب اليه ابن إدريس ، تمسكا بما ذكره في الدليل الثاني حيث أيده وشيده بوجوه أطال بذكرها ، وطعن في أخبار المسئلة حيث قال : انها قاصرة عن الاستدلال بها لإرسال بعضها ، وضعف الأخر وعدم صراحة المطلوب في بعضها ،

ففيه أن الكلام معه في هذا المقام يرجع الى الاستدلال بالأخبار المذكورة ، وبيان صحتها وصراحتها في المدعى ، فالواجب ذكرها هنا وبيان ما يدل عليه ، وان كنا قد قدمناها في كتاب الدين من المجلد المتقدم.

فنقول من الاخبار المذكورة ، ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن


سليمان بن خالد (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجلين كان لهما مال منه بأيديهما ومنه متفرق عنهما ، فاقتسما بالسوية ما كان في أيديهما وما كان غائبا عنهما ، فهلك نصيب أحدهما مما كان عنه غائبا ، واستوفى الأخر أيرد على صاحبه؟ قال : نعم ما يذهب ماله».

وما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجلين بينهما مال ، منه دين ومنه عين فاقتسما العين والدين ، فتوى الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه ، وخرج الذي للآخر أيرد على صاحبه؟ قال : نعم ما يذهب بماله».

وعن أبي حمزة (3) قال : «سئل أبو جعفر (عليه‌السلام) عن رجلين بينهما مال ، منه بأيديهما ، ومنه غائب عنهما فاقتسما الذي بأيديهما ، وأحال كل واحد منهما بنصيبه من الغائب ، فاقتضى أحدهما ولم يقتضي الأخر قال : ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ، ما يذهب بماله؟» ،.

ومثل ذلك رواية غياث (4) عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) ، وموثقة محمد بن مسلم (5) عن أحدهما ، وموثقة معاوية بن عمار (6) عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، ولا يخفى على المتأمل المنصف أنه لا مجال للطعن في هذه الاخبار ، وبعد ضم بعضها الى بعض ، فإنهم في كثير من الأحكام يعتمدون على خبر واحد ضعيف باصطلاحهم مع جبره بالشهرة فكيف بهذه الاخبار على تعددها وشهرة القبول بها ، إذ لا مخالف في ذلك سوى ابن إدريس ، ووجود الصحيح

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 23 ح 9 ، التهذيب ج 6 ص 207 ح 8 ، الوسائل ج 13 ص 116 ب 1.

(2 و 3) التهذيب ج 7 ص 186 ح 7 وص 185 ح 4 ..

(4) الفقيه ج 3 ص 55 ح 1 ، التهذيب ج 6 ص 212 ح 5.

(5 و 6) التهذيب ج 7 ص 186 ح 5 ، وهذه الرواية في الوسائل ج 13 ص 179 و 180.


باصطلاحهم فيها وبه يظهر أن المناقشة فيها من حيث السند واهية لا يلتفت إليها هذا مع تسليم العمل بهذا الاصطلاح المحدث ، والا فالأمر أهون من ذلك ، كما تقدم تحقيقه في جلد كتاب الطهارة من الكتاب.

وأما من حيث الدلالة فهي دالة بعمومها على جريان الحكم المذكور في الدين مطلقا ، اتحد المديون أو تعدد ، وتخصيصها كما ادعاه ابن إدريس فيما قدمنا نقله عنه بما إذا كان الدين على رجلين الى آخر ما ذكره يحتاج الى مخصص من الاخبار فليس ، وبه يظهر ما في المناقشة في الدلالة بأنها غير صريحة في المطلوب ، كما ذكره شيخنا المتقدم ذكره ، ولو تم ما ذكره لبطل الاستدلال بالعمومات ، وهو خلاف ما عليه جميع العلماء الاعلام ، وأرباب النقض والإبرام ، وغاية ما تعلق به في دليله الثاني أن متعلق الشركة انما هو العين وقد فاتت فإذا أخذ أحد حقه لم يكن قد أخذ عينا من الأعيان المشتركة ، بل من أمر كلي إلى آخر ما ذكره.

وفيه أنه ما المانع من جعل الثمن مشتركا كالعين ، إذا اقتضته الأدلة الشرعية ، بحيث يترتب عليه ما يترتب عليها ، وأى وجه قبح في ذلك ، فكل جزء يحصل من ذلك ، فهو بينهما كما أن الأمر في العين كذلك.

وبالجملة فإن الخروج عن ظواهر الاخبار بمجرد هذا الاعتبار مقابلة للنص بالاجتهاد ، وفيه خروج عن جادة السداد. وأما قوله ان هذه المسألة لم يتعرض لها أحد من المتقدمين ، ففيه أولا أن عدم التعرض لها والغفلة عنها لا يوجب عدم القول بها ، مع قيام الدليل عليها ، وكم قد غفل المتقدمون عن جملة من الأحكام ، ونبه عليه المتأخرون ، بل المتأخرون ونبه عليها متأخر والمتأخرين.

وثانيا أن جل المتقدمين لم يصنفوا في فروع الأحكام ويبسطوا القول فيها ، والتفريع والبحث عنها ، وانما كانوا يذكرون الأخبار المتعلقة بالأحكام ، وهذه الطريقة كما أشرنا إليه آنفا ، انما كان مبدؤها من الشيخ ، على أن الصدوق قد نقل في الفقيه صحيحة سليمان بن خالد المذكورة ، وهو يؤذن بقوله بمضمونها ، بناء


على قاعدته المذكورة في كتابه ، والأصحاب انما ينسبون اليه الأقوال باعتبار ذلك ، فهو حينئذ من جملة القائلين بالقول المشهور.

وابن الجنيد قد صرح أيضا بذلك ، وهو من المتقدمين على الشيخ فإنه قال : لو اقتسم الشريكان وكان بعض المال في أيديهما وبعضه غائبا عنهما فاقتسما الذي بأيديهما ، واختار كل واحد منهما بنصيبه من الغائب فقبض أحدهما ، ولم يقبض الأخر فما قبض من المال بينهما. انتهى.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن في المقام اشكالا وذلك أن مقتضى كلام الأصحاب في هذه المسألة أن الدين لا يقبل القسمة ، وأن كل ما خرج منه فهو مشترك سواء كان في ذمة واحدة أو ذمم متعددة ، وقضية الحكم بالاشتراك برأيه الغريم من حصة الشريك الأخر الذي لم يقبض من ذلك المدفوع لاستحالة بقاء الدين في الذمة مع صحة قبض عوضه ، وأنه لو تلف في يد القابض يكون التالف بينهما كلا أو بعضا ، لأن الحق الكلي المشترك الذي كان في الذمة تعين بالقبض في المأخوذ ، فهو لهما فلا يجوز لأحدهما التصرف فيه ، الا بإذن الأخر.

وهذا هو ظاهر الاخبار المتقدمة ، والأصحاب لا يقولون بذلك في الموضعين المذكورين ، فإنهم صرحوا بالنسبة إلى الأول بأنه مخير في الرجوع على الشريك أو الغريم ، وبالنسبة الى الثاني أن التالف يكون من القابض خاصة لا يرجع على الشريك بشي‌ء منه.

قال في التذكرة : لا يصح قسمة ما في الذمم الى أن قال : فلو تقاسما ثم توى بعض المال رجع من توى ماله على من لم يتو ، وقال في موضع آخر : لو كان لرجلين دين بسبب واحد ، اما عقد أو ميراث أو استهلاك أو غيره فقبض أحدهما منه شيئا فللاخر مشاركته فيه ، وهو ظاهر مذهب احمد بن حنبل ، لما تقدم في المسألة السابقة في رواية معاوية بن عمار ، ولان تمليك القابض ما قبضه يقتضي قسمة الدين في الذمة من غير رضاء الشريك ، وهو باطل ، فوجب أن يكون المأخوذ


لهما ، والباقي بينهما ، ولغير القابض الرجوع على القابض بنصفه ، سواء كان باقيا في يده أو أخرجه عنها ، وله أن يرجع على الغريم ، لأن الحق ثابت في ذمته لهما على وجه سواء ، فليس له تسليم حق أحدهما إلى الأخر ، فإن أخذ من الغريم لم يرجع على الشريك بشي‌ء ، لأن حقه ثابت في أحد المحلين ، فإذا اختار أحدهما سقط حقه من الأخر ، وليس للقابض منعه من الغريم ، بأن يقول : إنما أعطيك نصف ما قبضت ، بل الخيرة له من أيهما شاء قبض ، وان هلك المقبوض في يد القابض تعين حقه فيه ، ولم يضمنه الشريك ، لانه قدر حقه فيما تعدى بالقبض ، وانما كان لشريكه مشاركته ، لثبوته في الأصل مشتركا ، ولو أبرأ أحد الشريكين الغريم من حقه برء ، لأنه بمنزلة قبضه ، وليس للشريك الرجوع عليه بشي‌ء ، لأنه لم يقبض شيئا من حق الشريك انتهى.

وهو ظاهر فيما قدمنا نقله عنهم مع ورود ما ذكرناه عليه.

ويزيده بيانا أنه لا يخلو الأمر في هذا المقبوض ، اما أن يتعين كونه من الدين المشترك الذي في الذمة ، وحينئذ فيترتب عليه ما يترتب على المشترك ، من أنه لو تلف كان من الجميع ، وعدم الرجوع على الغريم بحصته من ذلك لان الحق المشترك قد تعين ، وانحصر في المأخوذ ، وأنه لا يجوز للشريك التصرف فيه الا بإذن الأخر.

واما أن لا يتعين كونه منه ، فإنه يكون باقيا على ملك الغريم ، ولا يتعين حق القابض فيه ، فضلا عن الشريك الأخر وهم لا يقولون بذلك ، أو يتعين كون الكل حقه ، كما يدل عليه قولهم أنه لو تلف في يده تعين حقه فيه ، ولم يضمنه الشريك ، فلا وجه لرجوع الشريك عليه ، وكونه شريكا له فيه ، ولا معنى لقولهم : «أن الدين غير قابل للقسمة».

وبالجملة : فإن كلامه هنا لا يخلو من تدافع وتناقض ، وتوضيحه زيادة على ما عرفت أن قوله : «يقتضي قسمة الدين في الذمة من غير رضى الشريك وهو باطل» يعطي أنه مع الرضاء صحيح ، وهم لا يقولون بذلك ، وقوله : «فوجب أن يكون المأخوذ لهما ،


والباقي بينهما» صريح في الشركة ، وكذا قوله : «رجع من توى ماله على من لم يتو» وحينئذ فيجب أن يترتب عليه ما ذكرناه من عدم الرجوع على الغريم وكان التالف منهما ، وقوله : «فليس له تسليم حق أحدهما إلى الأخر» ظاهر في عدم تعين حق للشريك الأخر في ذلك المقبوض ، وكذا قوله : «تعدى بالقبض» مع أنه لا خلاف في التشريك.

ويمكن الجواب عن الاشكال المذكور وما يترتب عليه من هذه الأمور ، بأن يقال : ان الحكم بأن ما خرج فهو مشترك بينهما ـ يجرى فيه ما يجري في المشتركات ـ ليس على إطلاقه ، اللازم منه تعين حق الشريك في ذلك المقبوض من حيث الشركة.

وكذا قولهم : «ان الدين المشترك لا يقبل القسمة» ليس على إطلاقه ، بل المراد أنه إذا طالب أحد الشريكين بحقه فلا شبهة في استحقاقه ذلك ، ومن ثم أجمعوا على أن له المطالبة منفردا ، فإذا دفع له المديون شيئا من المال المشترك على أن يكون حقه وحصته ، فللشريك الأخر إجازة ذلك والرضاء به ، فيكون شريكا له فيه ، وأن لا يرضى به ولا يجيزه ، فيكون حقه باقيا في ذمة المديون ، ومن هنا قالوا : بالتخيير بين الرجوع على الشريك ، أو الرجوع على المديون ، وأنه مع التلف يكون على القابض خاصة ، دون الشريك ، يعنى من حيث عدم الإجازة والرضاء بذلك ، وأن حقه رجع الى ذمة المديون ، وأما قولهم : «أن الدين المشترك لا يقبل القسمة ،» فالمراد أنه لا يقبل القسمة مع استلزامها فوات حق أحد الشريكين ، والا فالقسمة فيه جائزة مفيدة للملك في الجملة ، الا أن لزومها متوقف على حصول حصة كل من الشريكين بيده أو يد وكيله ، فلو تراضيا بالقسمة صحت بشرط وصول كل حق الى مستحقه أو بمعنى أن ما حصل فلهما وما توى فعليهما.

ألا ترى أن الاخبار المتقدمة كلها متفقة في أنه بعد القسمة ان توى مال أحدهما وخرج مال الأخر رجع من لم يقبض على من قبض وأن رجوع من لم يقبض


على من قبض ، انما هو من حيث ذلك ، ولا دلالة فيها على المنع من القسمة ، مع وصول كل حق الى مستحقه ، بل ظاهرها أنه مع ذلك فالقسمة صحيحة ، فإن قوله (عليه‌السلام) من جملتها «ما يذهب بماله» ظاهر ، في أنه لو لم يذهب شي‌ء من المال ، كانت صحيحة ، وحينئذ فلو فرضنا وقوع القسمة بغير رضاها ، بأن أخذ أحد الشريكين حصة من الغريم ، على أنها حصته فقط ، فليس للشريك الأخر مزاحمته والأخذ منه لان حقه في ذمة الغريم ، وقد أعطاه حقه ، فيكون المال له الا أن لزوم ذلك وصيرورته بحيث لا يزاحمه الشريك الأخر موقوف على وصول حق الشريك اليه وعدم تلفه ، وهذا الوجه أنسب بالنظر الى الاخبار كما عرفت ، والأول أنسب بالنسبة إلى كلام الأصحاب والله العالم.

المسألة الثانية ـ قال في المختلف : إذا شارك نفسان في سقاء ، على أن يكون من أحدهما جمل ، ومن الأخر رواية ، واستقى فيها على أن ما يرتفع يكون بينهم لم يصح هذه الشركة ، لان من شرطها اختلاط الأموال ، وهذا لم يختلط ، ولا يمكن أن يكون إجارة ، لأن الأجرة فيها غير معلومة ، فالحاصل للسقاء ، ويرجع الآخران عليه بأجرة المثل في مالهما من جمل ورواية.

قاله ابن إدريس والشيخ أيضا ، قال ذلك في المبسوط ، قال فيه : وقيل : يقتسمون بينهم أثلاثا ، ويكون لكل واحد منهما ثلثها ، ويكون لكل واحد منهم على صاحبه أجرة ماله على كل واحد منهما ثلثها ، ويسقط الثلث ، لان ثلث النفع حصل له ، قال الشيخ : والوجهان قريبان ، ويكون الأول على وجه الصلح ، والثاني من الحكم ، وما قربه الشيخ قريب انتهى.

أقول : لا ريب في بطلان الشركة المذكورة لأنها مركبة من شركة الأبدان وشركة الأموال مع عدم المزج ، وكل منها باطل كما تقدم ، ومقتضى القواعد في مثل هذا هو ما ذكر أولا من أن الحاصل للسقاء ويرجع عليه الآخران بأجرة المثل.


وأما الثاني فلا وجه له ، الا ، أن يرجع الى أجرة المثل ، فقول الشيخ أن الأول على وجه الصلح ، والثاني من الحكم لا أعرف له وجها وجيها ، وتوضيح الثاني من الوجهين المذكورين أنه يقسم الحاصل بينهم أثلاثا ، فإن كانت أجرة مثلهم متساوية فلا بحث ، وان كانت متفاضلة رجع كل واحد منهم بثلث أجرة مثله على الآخرين ، مضافا الى الثلث الذي حصل له ، فلو فرض أن الحاصل كان ستة دراهم ، فإنهم يقتسمونها أثلاثا لكل واحد درهمان ، وكان أجرة المثل للسقاء ثلاثة دراهم ، ولصاحب الرواية درهمان ، ولصاحب الدابة درهم ، فإنه يرجع السقاء بثلث أجرته ، وهو درهم على صاحب الدابة ، وبثلثهما وهو درهم على صاحب الرواية فيحصل عنده أربعة دراهم ، ويرجع صاحب الرواية على كل من السقاء وصاحب الدابة بثلثي درهم ، فصار معه درهمان وثلث درهم ، ويرجع صاحب الدابة على كل من الآخرين بثلث درهم فصار معه درهم ، وحينئذ فيصير لكل واحد أجرة مثله ، وهي ثلاثة للسقاء واثنان لصاحب الرواية ، وواحد لصاحب الدابة.

قال في المسالك بعد ذكر الوجه الأول. وهذا يتم مع كون الماء ملكا للسقاء أو مباحا ونوى الملك لنفسه أو لم ينو شيئا ، أما لو نواه لهم جميعا كان كالوكيل ، والأقوى أنهم يشتركون فيه ، حينئذ ويكون أجرته وأجرة الرواية والدابة عليهم أثلاثا فيسقط عن كل واحد ثلث الأجرة المنوية اليه ، ويرجع على كل واحد بثلث انتهى.

وأنت خبير بأن ظاهر عبارة الشيخ المتقدمة هو كون محل الوجهين أمرا واحدا ، وعليه جمد العلامة في نقله له ، وظاهر كلامه هنا أن كلا من الوجهين مبنى على أمر غير ما بنى عليه الأخر ، على انه سيأتي في المسئلة الاتية ما يدل


على أن المراد مجرد هذه النية التي فرع عليها هذا الوجه لا يؤثر في الاشتراك ، كما هو صريح عبارة المحقق الاتية في تلك المسألة ، وكذا صريح عبارة الشيخ الاتية ، وظاهره الجمود على عبارة المحقق الاتية ، وانما نازع في الوكيل خاصة ، ودعواه هنا أنه كالوكيل يجري في عبارة المحقق الاتية ، مع أنه لم يقل بذلك. والله العالم.

الثالثة : لو هاش صيدا واحتطب أو حش بنية أنه له ولغيره لم تؤثر تلك النية ، وكان بأجمعه له خاصة ، صرح به المحقق في الشرائع ، وبنحو ذلك صرح الشيخ في المبسوط ، فقال : إذا أذن الرجل أن يصطاد له صيدا فاصطاد الصيد بنية أن يكون للأمر دونه ، فلمن يكون هذا الصيد؟ قيل فيه : ان ذلك بمنزلة الماء المباح إذ استسقاه السقاء بنية أن يكون بينهم ، وأن الثمن يكون له دون شريكه ، فهيهنا يكون الصيد للصياد دون الأمر ، لأنه تفرد بالحيازة ، وقيل : أنه يكون للأمر لانه اصطاده بنيته ، فاعتبرت النية والأول أصح انتهى.

ومقتضى القول الثاني فيما نقله هنا أن يكون كذلك في المسألة التي نقلناها عن المحقق ، مع أنه لم ينقل ثمة خلافا ، وبناء ما حكموا به على أن المملك هو الحيازة ، والنية لا أثر لها هنا وهو مشكل ، وقد نقل في المختلف عن الشيخ في باب احياء الموات من الكتاب المذكور أنه إذا نزل قوم موضعا من الموات فحفروا فيه بئرا ليشربوا منها ، ويسقوا بها غنمهم ومواشيهم منها مدة مقامهم ، ولم يقصدوا التملك بالإحياء ؛ فإنهم لا يملكونها لأن المحيي إنما يملك بالإحياء إذا قصد تملكه به ، فإنه اعتبر هنا النية والقصد الى الملك ، والا لم يملك ، وهو ظاهر في عدم الاكتفاء بمجرد الأحياء والحيازة ، وقال في باب الشركة من المبسوط أيضا : يجوز أن يستأجره ليحتطب له أو يحش له مدة معلومة.

أقول : وهذا الكلام أيضا ظاهر في أنه لا بد في صحة الحيازة ، من


نية التملك والا لما صح الاستيجار لأن المستأجر يملكه بمجرد الحيازة فلا يتصور ملك المستأجر له ، وأما إذا قلنا بتوقفه على النية ، فإنه يصح الاستيجار ، وكذا يصح التوكيل في ذلك ، لان الملك يكون تابعا للنية ، فإذا نوى ملك غيره مع كونه نائبا عنه صح.

قال في المختلف بعد نقل هذه الأقوال عن الشيخ : وعندي في ذلك تردد.

وقال في المسالك ـ بعد نقل عبارة الشرائع المتقدمة الدالة على جزمه بعدم تأثير النية وأن الجميع لمن حازه خاصة : ما صورته هذا الجزم انما يعم لو لم يكن وكيلا للغير في ذلك ، والا أتى الإشكال الذي ذكروه من توقف ملك المباح على النية ، فإنا لو قلنا بتوقفه وكان وكيلا ثبت الملك لهما ؛ ولو قلنا بعدم توقفه ففي ثبوت الملك للمحيز نظر ، من حصول علة الملك وهي الحيازة ، فيثبت المعلول ، ومن وجود المانع للملك وهو نية عدمه ، بل إثباته للغير انتهى.

وأنت خبير بأن مقتضى ما قدمنا نقله عنه في سابق هذه المسئلة من أن السقاء لو نوى كون الماء المباح لهم جميعا كان كالوكيل ، ينافي ما جمد عليه من جزم المصنف هنا بأنه بأجمعه للمحيز خاصة ، وأن النية لم تؤثر شيئا حيث أنه لم يناقش الا فيما لو كان وكيلا بالفعل.

وبالجملة فإن كلامه في هذين المقامين لا يخلو من نوع مدافعة ، وكيف كان فان الكلام في هذا المقام مبنى على الكلام في حيازة المباح ، وأنه هل يكفى مجرد الحيازة ، أو يحتاج إلى النية ، أو تكفى الحيازة مع عدم نية عدم الملك فلو نوى عدمه أثرت ولم يتم الملك؟ أقوال ثلاثة.

وظاهر جملة من المحققين كالمحقق في الشرائع والعلامة في جملة من كتبه ومنها ما تقدم في عبارة المختلف ونقل عن الشيخ أيضا التوقف في ذلك ، وهو في محله ، لعدم الدليل الواضح على شي‌ء من هذه الأقوال. ولا يخفى أن هذه


المسئلة لا تعلق لها بكتاب الشركة الا من حيث هذين الفرعين المذكورين ، والا فمحلها انما هو كتاب احياء الموات وسنحقق البحث فيها بعد الوصول إليه إنشاء الله تعالى. والله العالم.

الرابعة : قال المحقق : لو باع أحد الشريكين سلعة بينهما وهو وكيل في القبض ، وادعى المشترى تسليم الثمن إلى البائع ، وصدقه الشريك برء المشترى من حقه ، وقبلت شهادته على القابض في النصف الأخر ، وهو حصة البائع لارتفاع التهمة عنه في ذلك القدر ، ولو ادعى تسليمه الى الشريك فصدقه البائع ، لم يبرء المشترى من شي‌ء من الثمن ، لأن حصة البائع لم تسلم اليه ولا الى وكيله ، والشريك منكر ، فالقول قوله مع يمينه ، وقيل : يقبل شهادة البائع ، والمنع في المسئلتين أشبه. انتهى.

أقول : تحقيق الكلام في هذا المقام يقع في موضعين : أحدهما ـ ما لو كانت الدعوى بين البائع من الشريكين والمشترى ، وهي تنجر بالأخرة أيضا الى الدعوى بين الشريكين كما سيظهر لك إنشاء الله تعالى ، فهيهنا صورتان : الاولى ـ وقوع الدعوى بين البائع من الشريكين والمشترى ، والمفروض فيها أن البائع من الشريكين وكيل من جهة الشريك الأخر في قبض الثمن ، كما أنه وكيل في البيع ، ففي هذه الحالة ادعى المشترى أنه دفع الثمن إلى البائع ، وصدقه الشريك الأخر ، وأنكر البائع ذلك ، فإن أقام المشتري البينة برئت ذمته من الحقين ، أما من حق البائع فبالبينة واما من حق الشريك الأخر فبها وبتصديقه للبائع في دعواه.

ولو كان عدلا قبلت شهادته على شريكه ؛ لأن الشهادة على الشريك مقبولة ، لا مانع منها ، لعدم التهمة ، لكنها انما تقبل في حصة الشريك البائع لا في الجميع المتضمن لحصة نفسه ، لتطرق التهمة فيها (1) كما يشير اليه قوله : «وقبلت شهادته

__________________

(1) ووجهه على ما ذكروه أنه لو ثبت ذلك بشهادته لطالب الشهود عليه بحقه ، وذلك جر نفع ظاهر ، فلا تقبل حينئذ للتهمة. منه رحمه‌الله.


على القابض في النصف الأخر» وهو حصة البائع ، لارتفاع التهمة عنه في ذلك القدر.

وان لم يقم المشترى بينة بأداء الثمن كان القول قول البائع بيمينه ، لانه منكر ، وحينئذ فإن حلف استحق أخذ نصيبه خاصة ، لاعتراف شريكه ببراءة ذمة المشترى ، حيث أنه وافقه على دفع الثمن ، وأنه صار بري‌ء الذمة ، وأن شريكه قد قبض ذلك أصالة لنفسه ، ووكالة عنه ، والوكالة قد بطلت بفعل متعلق الوكالة وهو القبض ، فليس له مشاركة الشريك فيما قبضه باليمين وان كان المال في الأصل مشتركا ، لاعترافه بأن ما قبضه شريكه ظلم ، وأن حقه انما هو في ذمة شريكه البائع بالقبض الأول ، وان نكل البائع عن اليمين ردت على المشترى. فان حلف أنه اقبض الثمن جميعه انقطعت عنه المطالبة ، وان نكل (1) الزم بنصيب البائع خاصة.

قالوا : وحيث يثبت الأداء الى البائع بالبينة ، فللشريك المطالبة بحصته ، دون ما إذا ثبت ذلك بشاهد ويمين أو باليمين المردودة على المشترى ، أو بنكول البائع على القول بالقضاء به ، لان ذلك انما يؤثر في حق المتخاصمين ، لا في حق غيرهما.

أقول : والظاهر أن السبب في ذلك من حيث اليمين ، لأنها لا يثبت مالا لغير الحالف كالبينة ، وعليه يتفرع النكول كما لا يخفى.

الصورة الثانية : الدعوى بين الشريكين ، وقد عرفت أن الشريك البائع وكيل من جهة شريكه المدعى هنا في قبض الثمن ، وهو قد صدق المشترى في

__________________

(1) قال في المسالك : فان نكل يعني المشتري الزم نصيب البائع ان لم نقض بالنكول ، لأصالة بقاء الثمن في ذمته ، حيث لم يثبت الأداء بحصة البائع. انتهى.

أقول : والظاهر ان رد اليمين على المشترى بعد نكول البائع مبنى على ما هو المشهور بين المتأخرين والا فإنه على القول الأخر ، وهو انه متى نكل المنكر عن اليمين يقضى عليه بمجرد نكوله لا يتجه الرد على المشترى. منه رحمه‌الله.


قبض شريكه له ، وحينئذ فالشريك هنا يدعى على شريكه البائع حصته من الثمن ، وشريكه يدعى بقاءها في ذمة المشترى لإنكاره القبض منه وعلى هذا فإن أقام الشريك بينة بأن شريكه البائع قد قبض الثمن من المشترى كما يدعيه رجع عليه بحقه منه ، والا فالقول قول شريكه ، لانه منكر القبض ، فيقبل قوله مع يمينه ، فان حلف انقطعت الدعوى ، وان نكل أورد اليمين حلف الشريك المقر ، وأخذ منه حصته ، ولا يرجع البائع بذلك على المشترى ، لاعترافه بظلم شريكه له في فعله ، وأنه لا يستحق في ذمته شيئا ، وانما حقه باق في ذمة المشترى ، ولأن ذمة المشترى بريئة من حصته ، لاعترافه بدفع ذلك الى البائع ، فلا يمكن أن يقال ان رجوعه عليه لكونه قد أدى عنه دينا في ذمته ، فيرجع به عليه.

هذا كله فيما إذا تقدمت الخصومة الأولى على الثانية كما رتبناه.

اما إذا تقدمت الثانية فإن الحكم كما ذكر أيضا ، الا أن الشريك المقر لا تقبل شهادته على البائع ، لسبق خصومته فيتطرق إليه التهمة.

وثانيهما : ما لو كانت الدعوى بين المشترى والشريك الاذن بأن ادعى المشترى أنه بعد الشراء من الشريك البائع سلم الثمن الى شريكه الأخر ، وصدقه الشريك البائع على ذلك ، والشريك المدعى عليه منكر ، فالقول قوله بيمينه ، كما هي القاعدة المتفق عليها.

وتفصيل الكلام هنا أن يقال ان البائع هنا اما أن يكون قد أذن للشريك المدعى عليه في قبض حصته من الثمن أولا وعلى التقديرين فاما أن قد أذن أيضا لشريكه البائع في القبض أم لا ، وحينئذ فإن كان الشريك المدعى عليه مأذونا في القبض بري‌ء المشترى من حصة البائع ، لاعترافه بقبض وكيله حيث


أنه صدق المشترى في دعواه الدفع لشريكه ، والحال أنه مأذون منه وان لم يكن مأذونا في القبض لم يبرئ المشترى من حصة البائع ، لأنه لم يدفع حصته اليه ، ولا الى وكيله ، أما عدم الدفع اليه فظاهر ، لأن المشتري انما يدعى الدفع على شريكه ، وأما عدم الدفع الى وكيله فلان المدعى عليه غير وكيل ، ولا مأذون كما هو المفروض ، وكذا لا تبرئ ذمته من حصة الشريك المدعى عليه ، لإنكاره القبض. وحينئذ فيقدم قول الشريك المدعى عليه بيمينه مع عدم البينة.

ثم ان طالب البائع المشتري بحصته ، فلشريكه مشاركته في ذلك كما في كل مال مشترك لأنه منكر للقبض ، والمال الذي في ذمة المشترى مشترك بينهما ، وله أن لا يشاركه ، بل يرجع على المشترى بحصته ويطالبها ، وعلى تقدير مشاركته للبائع في حصته التي قبضها من المشترى ، إنما يبقى للبائع ربع الثمن وليس للبائع مطالبة المشتري بعوض ما أخذه شريكه ، لانه يعترف بظلم الشريك له في المشاركة ، وأخذه نصف ما قبضه.

ثم انه متى شارك فيما قبضه (1) رجع ببقية حصته على المشترى ، لأن حقه منحصر فيهما ، وأما قوله في آخر العبارة «وقيل : تقبل شهادة البائع والمنع في المسألتين أشبه» ، وأشار بالمسألتين الى هذه المسئلة وسابقتها باعتبار اشتمالها على شهادة الشريك للمشتري على البائع ففيه تفصيل.

أما في المسئلة السابقة فقد تقدم بيانه ، وأما في هذه فإنه لا يخلو اما أن يكون الشريك المدعى عليه القبض مأذونا من جهة شريكه البائع في القبض أم لا ، فعلى

__________________

(1) أقول : مشاركته له فيما قبضه بناء على ظاهر كلام الأصحاب في مسألة المال المشترك كما تقدم ، واما على ما يظهر من الاخبار كما تقدمت الإشارة إليه من أن رجوع الشريك على شريكه مقاسمة له مخصوصة بما إذا توى بقية المال ، والا فالقسمة صحيحة ، وحصة الغير القابض يرجع بها على من عليه المال في ذمته لا على شريكه ، الا ان يتعذر حصولها فيرجع على الشريك حينئذ ولا يرجع هنا على الشريك. منه رحمه‌الله.


الأول لا تقبل لحصول التهمة ، لأنه بالنسبة إلى حصته يشهد لنفسه على الذي لم يبع لان المفروض أن القابض مأذون من جهته في القبض ، ووكيل عنه ، فهو في الحقيقة ليشهد لنفسه على شريكه.

وحينئذ يلزم تبعيض الشهادة ، والشهادة إذا ردت في بعض المشهود به هل تسمع في الباقي أم لا؟ وجهان : عندهم.

وأما على الثاني فإنها تقبل لعدم التهمة ، حيث إن الشريك ليس وكيلا للبائع في القبض ، وانما حق البائع باق على المشترى كما تقدم ، فليست الشهادة متبعضة كالأولى ، هذا ما يفهم من تقرير الأصحاب في المسئلة.

وأما كلام المحقق هنا واختياره المنع من قبول شهادة البائع ، مع أن المفروض في كلامه انما هو الثاني من هذا الترديد ، فقيل : ان الوجه فيه أن البائع وهو الشاهد ، وان لم يكن شريكا للقابض فيما قبضه ، لعدم الاذن له ، الا أن الشهادة تجر نفعا ، من حيث أنه إذا حصل الثبوت بهذه الشهادة بانضمام شاهد آخر أو يمين مثلا ، وقبض هذا الشاهد نصيبه من المشترى مسلم له ، ولا يشاركه فيه شريكه ، بناء على استحقاق المشاركة إذا لم يثبت القبض ، هذا ملخص كلامهم في هذا المقام.

ولا يخفى على من راجع كتاب التذكرة أن أصل هذه المسئلة وطرحها في محل البحث انما هو من العامة ، كسائر المسائل المذكورة ، ولهم فيها أقوال منتشرة ، واختلافات متكثرة ، وقد جرى فيها أصحابنا على بعض ما جروا عليه ، واختاروا فيها ما جنحوا اليه ، وجملة من شقوقها موافقة للأصول الشرعية ، وجملة منها مداركها غامضة خفية ، والله العالم.

الخامسة : قال الشيخ في الخلاف : إذا كان لرجلين عبدان لكل واحد منهما


عبد بانفراده ، فباعاهما من رجل واحد بثمن واحد لا يصح البيع ، لأنه بمنزلة عقدين ، لانه لعاقدين ، وثمن كل واحد منهما مجهول ، لان ثمنهما يتقسط على قدر قيمتهما ، وذلك مجهول والثمن إذا كان مجهولا بطل العقد ، بخلاف ما لو كانا لواحد ، لانه عقد واحد ، وانما بطل الأول من حيث كانا عقدين.

وقال في المبسوط : إذا كانا مختلفي القيمة بطل ، وان تساويا صح انتهى. وظاهر كلام جملة من المتأخرين الصحة مطلقا.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عن الشيخ : والقولان ضعيفان عندي ، والحق صحة البيع فيهما ، سواء كان متفاوتي القيمة أو متساوي القيمة ، لأن الثمن في مقابلة المجموع ، والتقسيط الحكمي لا يقتضي التقسيط لفظا ، والجهالة إنما تتطرق بالاعتبار الثاني ، دون الأول ، ولهذا لو كان عبدا واحدا ولأحدهما فيه حصة والباقي للآخر ولم يعلم حصة كل واحد منهما فباعاه صفقة واحدة صح البيع ، وان اختلف عوض كل واحد من الحصتين ، باعتبار اختلافهما وكونهما في حكم العقدين لا يقتضي كونهما عقدين ، ولهذا لو فسخ في أحدهما لم يكن له الا رد الأخر ، وذلك يدل على اتحاد الصفقة ، انتهى.

وبهذا الكلام بأدنى تفاوت عبر في المسالك ، وربما أشعر ظاهر كلام المحقق في الشرائع بالتوقف ، حيث اقتصر على نقل القولين في المسألة مع حجة القول بالبطلان ، ولم يتعرض لأزيد من ذلك ، والظاهر هو القول بالصحة لما عرفت ، وقد مر نظير ذلك في كتاب البيع في مسئلة بيع ما يملك وما لا يملك.

أما لو كان العبدان لهما معا أو كانا لواحد فلا اشكال ولا خلاف في الجواز ، لزوال ما توهم منه المنع في تلك المسئلة وهو تقسيط الثمن عليهما ، بل يقسمانه على نسبة الحصص ، وكذا لو كانا لواحد مع أن ذلك التقسيط لو أثر لأمكن


تطرقه هنا لو عرض لأحد هما ما يبطل البيع كما لو خرج مستحقا للغير ، أو ظهر كونه حرا ، فان البيع في نفس الأمر انما وقع على المملوك ، ولا يعلم قسطه من الثمن ، ووجه الصحة في الجميع أن ثمن المبيع وقت العقد معلوم ، والتوزيع لاحق ، فلا يقدح في الصحة.

السادسة :قد تقدم أن شركة الأبدان باطلة ، وحينئذ فلو اشتركا كذلك فان تميز أجرة كل واحد عن صاحبه اختص كل واحد بحصته ، ولو تميز بعضها اختص أيضا به ، وهو مما لا خلاف فيه ولا اشكال ، وانما الإشكال مع اشتباه الحال فقيل : أنه يقسم الحاصل على قدر أجرة مثل عملهم ، نظرا الى أن الغالب العمل بأجرة المثل ، وأن الأجرة تابعة للعمل.

ومثله قسمة ثمن ما باعاه مشتركا بينهما على ثمن مثل ما لكل منهما ، وعلى هذا لو تميز بعض حق كل منهما أو أحدهما ضم إلى الباقي في اعتبار النسبة ، وان اختص به مالكه ، وهذا القول اختيار المحقق في الشرائع.

وقيل : بتساويهما في الحاصل من غير نظر الى العمل ، لأصالة عدم زيادة أحدهما على الأخر ، ولأن الأصل مع الاشتراك التساوي ، ولصدق العمل على كل واحد منهما ، والأصل عدم زيادة أحد العملين على الأخر ، والحاصل تابع للعمل ، ونقل هذا عن العلامة في أحد وجهيه ، ورد بمنع كون الأصل في المال والعمل التساوي ، بل الأصل هنا يرجع إليه ، لأن زيادة مال شخص أو عمله على آخر ونقصانه ومساواته ليس أصلا لا بحسب العادة ، ولا في نفس الأمر.

وبالجملة فضعف هذا الوجه أظهر من أن يحتاج الى مزيد تطويل.

وقيل : بالرجوع الى الصلح ، لانه طريق الى تيقن البراءة كما في كل مال مشتبه ، ونقل أيضا عن العلامة في الوجه الأخر.

قال في المسالك : ولا شبهة في أنه أولى مع اتفاقهما عليه ، والا فما اختاره المصنف أعدل من التسوية.

أقول : ولا يخفى أن المسئلة غير منصوصة ، والاحتياط فيها واجب ، وهو يحصل بالقول الثالث ، وأما الأول فإنه وان كان أقل بعدا من الثاني الا أنه لا يخلو أيضا من شي‌ء فان مجرد كون الغالب العمل بأجرة المثل لا يصلح لان يكون سببا مملكا شرعيا لما زاد بحسب الواقع ، فإنه يجوز أن يكون أجرة عمل أحدهما بالنظر الى أجرة المثل درهمين ، وأجرة الأخرى بالنظر الى ذلك ثلاثة دراهم ، فلو اقتسما كذلك وكان الأمر بحسب الواقع الذي قبضه كل منهما هو بالعكس ، لأحد الأسباب المقتضية لذلك من تراض ، ومسامحة أو مناقشة ، فإنه لا يكون مبيحا للزيادة التي في أحد الطرفين ، ولا حاسما لمادة الإشكال واقعا في البين بل الواجب عليهما لتحصيل براءة الذمة بيقين هو الرضاء بالصلح ليخرجوا بذلك من غصب رب العالمين. والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *