ج16 - أحكام الطواف وصلاته
المقام الثالث
وفيه مسائل الأولى ـ قد
صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان الطواف ركن ، من تركه عامدا بطل حجه ، ومن
تركه ناسيا قضاه ولو بعد المناسك ، وان تعذر العود استناب. ومرادهم بالركن ما يبطل
الحج بتركه عمدا لا سهوا.
والأركان في الحج عندهم ، النية ، والإحرام ، والوقوف بعرفة ، والوقوف بالمشعر ، وطواف الزيارة ، والسعي بين الصفا والمروة. واما الفرائض التي ليست بأركان ، فالتلبية ، وركعتا الطواف ، وطواف النساء ، وركعتاه. وباقي أفعال الحج من المسنونات. وأركان فرائض العمرة : النية ، والإحرام ، وطواف الزيارة ، والسعي. واما ما ليس بركن من فرائضها ، فالتلبية ، وركعتا الطواف ، وطواف النساء ، وركعتاه. كذا ذكره أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان. وظاهره ان ما عدا هذه المذكورات التي هي الأركان والفرائض من المسنونات والمستحبات وهو خلاف ما عليه ظاهر أكثر الأصحاب.
وظاهرهم الاتفاق على ان طواف النساء ليس بركن بل من
الفروض قال في الدروس : كل طواف واجب ركن إلا طواف النساء. وقال في المسالك انه
ليس بركن إجماعا.
وقال في المدارك ـ بعد ان ذكر ان المراد بالركن هنا ما
يبطل الحج بتركه عمدا خاصة ـ ما صورته : ولا ريب في ركنية طواف الحج والعمرة بهذا
المعنى ، فإن الإخلال بهما أو بأحدهما يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه
فيبقى المكلف تحت العهدة ، إلا ان يقوم على الصحة دليل من خارج ، وهو منتف هنا.
إلا ان ذلك بعينه آت في طواف النساء فان الحكم بصحة الحج مع تعمد الإخلال به يتوقف
على الدليل. وربما أمكن الاستدلال عليه بما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) انه قال : «وعليه.
يعني المفرد ـ طواف بالبيت بعد الحج». فان المراد بهذا الطواف طواف النساء. وكونه
بعد الحج يقتضي خروجه عن حقيقته فلا يكون فواته مؤثرا في بطلانه.
أقول. ومثل هذه الرواية بل أصرح منها ما رواه الشيخ (قدس
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 42 ، والوسائل الباب 2 من أقسام الحج الرقم
6.
سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) في القارن : «لا
يكون قران إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) وسعي بين
الصفا والمروة ، وطواف بعد الحج وهو طواف النساء». ونحوه حسنة له ايضا (2).
ثم استدل على ذلك بما رواه ابن بابويه في الصحيح عن أبي
أيوب الخزاز (3) قال : «كنت
عند ابي عبد الله (عليهالسلام) بمكة فدخل
عليه رجل ، فقال : أصلحك الله ان معنا امرأة حائضا ، ولم تطف طواف النساء ، ويأبى
الجمال ان يقيم عليها. قال : فأطرق ساعة وهو يقول : لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها
ولا يقيم عليها جمالها. ثم رفع رأسه إليه فقال : تمضي فقد تم حجها».
أقول : ويمكن تطرق المناقشة في هذه الرواية بدعوى
اختصاصها بحال الضرورة ، والمدعى أعم من ذلك. واستدل بعضهم على ركنية طواف الحج بما
رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
علي بن يقطين (4) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل جهل
ان يطوف بالبيت طواف الفريضة. فقال : ان كان على وجه الجهالة في الحج أعاد وعليه
بدنة».
وعن حماد بن عيسى في الصحيح عن علي بن أبي حمزة (5) قال : «سئل عن
رجل جهل ان يطوف بالبيت حتى رجع الى أهله. قال :
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 41 ، والوسائل الباب 2 من أقسام الحج الرقم
1.
(2) الكافي ج 4 ص 296 ، والوسائل الباب 2 من أقسام الحج الرقم
12.
(3) الفقيه ج 2 ص 245 ، والوسائل الباب 59 و 84 من الطواف.
(4 و 5) التهذيب ج 5 ص 127 و 128 ، والوسائل الباب 56 من
الطواف.
إذا كان على وجهه الجهالة أعاد الحج
وعليه بدنة».
وروى الصدوق (رحمهالله) عن علي بن
أبي حمزة عن ابي الحسن (عليهالسلام) (1) قال : «انه
سئل عن رجل سها ان يطوف بالبيت. الحديث». والتقريب فيها انه إذا وجب اعادة الحج
على الجاهل فعلى العامد بطريق اولى.
وظاهر المحقق الأردبيلي المناقشة في هذا الحكم والطعن في
هذه الاخبار حيث قال ـ بعد ان ذكر انه يمكن استفادته بطريق الاولى من رواية علي بن
أبي حمزة وصحيحة علي بن يقطين ، ثم ساق الروايتين ، وطعن في رواية علي بن أبي حمزة
بعدم الصحة لاشتراك علي بن أبي حمزة وعدم التصريح بالمسؤول ـ ما صورته : ويمكن
حملها على الاستحباب. ويؤيده عدم شيء من الكفارة على الجاهل والناسي إلا في قتل
الصيد في اخبار صحيحة (2) وكذا الأصل ،
والشريعة السهلة السمحة (3) فتأمل.
والثانية ليست بصريحة في إعادة الحج ، بل الظاهر ان المراد هو اعادة الطواف
المتروك ، وتطلق الإعادة على ما لم يفعل كثيرا ، لانه كان واجبا فكان فعله باطلا.
على انه ليس فيها انه طواف الحج أو العمرة ، للنساء أو الزيارة. وانهما في الجاهل
، فلا يظهر حال العالم العامد. ونمنع الأولوية. على ان وجوب البدنة غير مذكور في
أكثر كتب الأصحاب
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 256 ، والوسائل الباب 56 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 31 من كفارات الصيد وتوابعها ، وتقدمت في ج
15 ص 135 و 136 و 355 الى 358 و 431 و 436 و 437 من الحدائق.
(3) الوسائل الباب 48 من مقدمات النكاح وآدابه ، ونهج الفصاحة
ص 219.
(رضوان الله عليهم) ، قال في الدروس :
وفي وجوب البدنة على العامد نظر ، من الأولوية أي من الطريق الاولى ، ومن عدم النص
، واحتمال زيادة العقوبة. فما ظهر دليل على ركنية الطواف مطلقا غير الإجماع ان ثبت
، ولا على وجوب البدنة على العامد ، بل ولا على اعادة الحج على الجاهل. ويؤيده
الأصل (1) ورفع القلم (2) والناس في سعة
(3) وجميع ما تقدم
في كون الجاهل معذورا ، كما في صحيحة عبد الصمد بن بشير (4) من قوله (عليهالسلام): «أيما رجل
ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه». فيمكن ان تسقط البدنة أيضا ، وتحمل الرواية على
الاستحباب أو الدم الواجب للمتمتع. والعمل بها اولى. انتهى كلامه (زيد مقامه). وقال
السيد السند في المدارك : والمراد بالعامد هنا العالم بالحكم كما يظهر من مقابلته
بالناسي. وقد نص الشيخ وغيره على ان الجاهل كالعامد في هذا الحكم. وهو جيد. وأوجب
الأكثر عليه مع الإعادة بدنة ، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
__________________
(1) يحتمل ان يريد به البراءة العقلية المستندة إلى حكم العقل
بقبح العقاب من غير بيان.
(2) الظاهر انه يريد به حديث الرفع المعروف وهو قوله (ص) : «رفع
عن أمتي.» أو «وضع عن أمتي» وقد ورد في الوسائل في الباب 37 من قواطع الصلاة ،
والباب 30 من الخلل الواقع في الصلاة ، والباب 56 من جهاد النفس.
(3) في غوالي اللئالي المسلك الثالث من الباب الأول عنه (ص) «الناس
في سعة ما لم يعلموا» ...
(4) الوسائل الباب 45 من تروك الإحرام ، وتقدمت في ج 15 ص 77 و
78 من الحدائق.
علي بن يقطين. ثم ساق الرواية كما
ذكرنا ، ثم أردفها برواية علي ابن أبي حمزة بطريق الشيخ ، ثم قال : وهذه البدنة
عقوبة محضة لا جبران لان النسك باطل من أصله فلا يتعلق به الجبران. قال في الدروس
: وفي وجوب هذه البدنة على العالم نظر ، من الأولوية. وفيه منع ، لاختصاص الجاهل
بالتقصير في التعلم المناسب لزيادة العقوبة. مع انه يكفي في منع الأولوية عدم ثبوت
تعليل الأصل كما بيناه مرارا. انتهى.
أقول : لا يخفى ان ما ذكره المحقق الأردبيلي (طاب ثراه)
ـ من الطعن في الخبرين بما دل على معذورية الجاهل ، ولا سيما في إيجاب الكفارة ـ جيد
لا ريب فيه ، لاستفاضة الأخبار بمعذورية الجاهل ، ولا سيما في باب الحج (1). ومن الاخبار
الصريحة في سقوط الكفارة ـ وهي ما أشار إليه المحقق المذكور في كلامه من الاخبار
الصحيحة الدالة على انه لا كفارة في أحكام الحج على الجاهل إلا في الصيد خاصة ـ صحيحة
معاوية بن عمار (2) وفيها «وليس
عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد ، فان عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد». وفي
صحيحته أو حسنته (3) وقال : «اعلم
انه ليس عليك فداء شيء أتيته وأنت جاهل به وأنت محرم في حجك ولا في عمرتك إلا
الصيد ، فان عليك فيه الفداء بجهالة
__________________
(1) يرجع في ذلك الى ج 1 ص 78 الى 82 ، ويرجع الى ج 15 ص 135 و
136 و 355 الى 358 و 431 و 436 و 437 من الحدائق.
(2) الوسائل الباب 31 من كفارات الصيد وتوابعها الرقم 1.
(3) الكافي ج 4 ص 382 و 383 ، والوسائل الباب 31 من كفارات
الصيد وتوابعها الرقم 4.
كان أو بعمد». وفي موثقة له ايضا (1) «وليس عليك
فداء شيء أتيته وأنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك إلا الصيد ،
فان عليك الفداء بجهل كان أو عمد». وفي كتاب الفقه الرضوي (2) وكل شيء
أتيته في الحرم بجهالة وأنت محل أو محرم ، أو أتيت في الحل وأنت محرم ، فليس عليك
شيء إلا الصيد ، فان عليك فداءه. الى آخره. ويعضد ذلك عموم صحيحة عبد الصمد بن
بشير (3) المذكورة في
كلامه وغيرها. إلا انه ربما أمكن تطرق المناقشة الى ذلك بحمل الأخبار المذكورة على
الأفعال ، بمعنى ان كل ما فعله جهلا فهو معذور فيه إلا الصيد. فلا تدخل فيه التروك
كترك الطواف ونحوه ، كما هو المتبادر من لفظ الإتيان. والظاهر بعده ، لتصريح
الروايات بمعذورية الجاهل في جملة من التروك ايضا ، كترك الإحرام ، وترك الوقوف
بالمشعر مع الوقوف بعرفة ، بل الظاهر ان المراد من الإتيان في هذه الاخبار ما هو
أعم من فعل ما لا يجوز له أو ترك ما يجب عليه.
وبذلك يظهر لك ما في كلام السيد (طاب ثراه) في هذا الباب
وجموده على كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم). وأعجب من ذلك مبالغته في تخصيص
الكفارة بالجاهل ، والمنع من الأولوية من حيث تقصير الجاهل بالتعلم المناسب لزيادة
العقوبة ، مع انه لا ريب ان
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 370 ، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد
وتوابعها الرقم 5.
(2) ص 29.
(3) الوسائل الباب 45 من تروك الإحرام ، وتقدمت في ج 15 ص 77 و
78 من الحدائق.
تقصير العالم أشد لتعمده المخالفة في
ما علم وجوبه ، ومن المعلوم عند كافة العقلاء ان مخالفة العالم العامد أشد من
مخالفة الجاهل ، فهو أولى بالعقوبة والمؤاخذة ، فكيف عكس القضية في هذا التحرير ،
ما هذا إلا عجب عجيب من هذا الفاضل التحرير. على انه قد صرح في غير موضع من ما
تقدم في شرحه بإلحاق جاهل الحكم بجاهل الأصل ، لاشتراكهما في العلة الموجبة
للمعذورية التي هي عدم توجه الخطاب له ، للزوم تكليف الغافل ، وهو من ما منعت منه
الأدلة العقلية والنقلية.
واما طعن المحقق المذكور في رواية علي بن أبي حمزة (1) بالضعف وعدم
الصحة فهو عندنا لا يوصل الى مراد فلا يتم به الإيراد. وعدم التصريح بالمسؤول وان
وقع في رواية الشيخ إلا انه مصرح به في رواية الصدوق ، وان عبر فيها بالسهو عوض
الجهل.
واما قوله مشيرا إلى صحيحة على بن يقطين (2) : «على انه
ليس فيها انه طواف الحج أو العمرة. الى آخره» ففيه ان الظاهر هنا هو طواف الحج
خاصة ، لقوله : «ان كان على وجه الجهالة في الحج» وقد عرفت ان طواف النساء كما
تقدم بيانه خارج عن الحج ، والمفروض هنا ان المتروك من اجزاء الحج. وأيضا فإن طواف
الفريضة انما يطلق غالبا على طواف الحج كما لا يخفى على من راجع الاخبار وكلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الباب. وبذلك يخرج ايضا طواف العمرة ، وهو أظهر من
ان يحتاج الى بيان ، ولا مجال لاحتمال العمرة هنا وبالجملة فالروايتان ظاهرتا
الدلالة على وجوب الإعادة على الجاهل ووجوب البدنة ، ولا مجال للمناقشة في ذلك إلا
بارتكاب التمحلات
__________________
(1 و 2) ص 158.
البعيدة والتأويلات غير السديدة. إلا
انهما معارضتان بالأخبار المستفيضة الدالة على معذورية الجاهل (1) ولا سيما في
باب الحج ، كما عرفت من ورود النصوص بالمعذورية وصحة فعله ـ وان تضمن الإخلال
بواجب ـ في جملة من الأحكام المتقدمة والآتية ان شاء الله تعالى. مضافا الى الأدلة
المطلقة. والمسألة لذلك محل اشكال. ولا يبعد حمل الخبرين المذكورين على التقية وان
لم يعلم القائل به الآن من العامة (2) وربما كان في رواية هذا الحكم عن
الكاظم (عليهالسلام) الذي كانت
التقية في أيامه أشد ما يؤيد ذلك. وارتكاب تخصيص تلك الأخبار المتكاثرة مع ما هي
عليه من الصراحة في العموم والنص الظاهر لا يخلو من بعد.
وقد تلخص من الكلام في هذا المقام ان التارك للطواف عمدا
لا دليل على القول ببطلان حجه ووجوب الإعادة عليه إلا الإجماع ، وما يدعى من
الأولوية المفهومة من اخبار الجاهل. واما وجوب البدنة عليه فليس إلا مفهوم
الأولوية المذكورة ، وقد عرفت ان ثبوت ذلك في الأصل محل إشكال ففي الفرع أشكل.
مضافا الى ما أشار إليه في المدارك من ان ذلك فرع وجود التعليل في الأصل. واما
وجوب الإعادة والبدنة على الجاهل فهو ظاهر الخبرين ، وقد عرفت ما فيه ، وان كان
الاحتياط يقتضيه. والله العالم.
__________________
(1) يرجع في ذلك الى ج 1 ص 78 الى 82 ، ويرجع الى ج 15 ص 135 و
136 و 355 الى 358 و 431 و 436 و 437 من الحدائق.
(2) حكى ابن قدامة في المغني ج 3 ص 416 طبع مطبعة العاصمة قولا
بوجوب اعادة الحج على من ترك طواف الزيارة ورجع الى بلده.
فائدتان
الاولى ـ المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ
عليهم) ان تمام ذي الحجة وقت الطواف والسعي وانه يصح الإتيان بهما في تلك المدة ،
وان اثم بالتأخير. وعلى هذا فلا يتحقق ترك الطواف الموجب لبطلان الحج إلا بخروج
الشهر. واما في عمرة التمتع فبضيق الوقت عن التلبس بالحج ولما يفعله ، بمعنى انه
لو اتى به فاته الموقفان واما في العمرة المجامعة لحج الافراد وحج القران فبخروج
السنة بناء على وجوب إيقاعها فيها. وسيأتي الكلام فيه في محله ان شاء الله (تعالى).
واما في المجردة فإشكال ، إذ يحتمل وجوب الإتيان بالطواف فيها مطلقا لعدم التوقيت
، والبطلان بالخروج من مكة بنية الاعراض عن فعله.
الثانية ـ إذا بطل الحج بترك الركن كالطواف ونحوه ، فهل
يحصل التحلل بذلك ، أو يبقى على إحرامه الى ان يأتي بالفعل الفائت في محله ، ويكون
إطلاق اسم البطلان مجازا ، كما قاله الشهيد (قدسسره) في الحج
الفاسد بناء على ان الفرض الأول ، أو يتحلل بأفعال العمرة؟ احتمالات ، ونقل عن
المحقق الشيخ علي (قدسسره) في حواشي
القواعد انه جزم بالأخير ، وقال : انه على هذا لا يكاد يتحقق معنى الترك المقتضى
للبطلان في العمرة المفردة ، لأنها هي المحللة من الإحرام عند بطلان نسك آخر غيرها
، فلو بطلت احتيج في التحلل من إحرامها إلى أفعال العمرة. وهو معلوم البطلان.
واعترضه في المدارك بأنه غير واضح
المأخذ ، فان التحلل بأفعال العمرة
انما يثبت مع فوات الحج لا مع بطلان النسك مطلقا. قال : والمسألة قوية الإشكال ،
من حيث استصحاب حكم الإحرام الى ان يعلم حصول المحلل ، وانما يعلم بالإتيان بأفعال
العمرة ، ومن أصالة عدم توقفه على ذلك مع خلو الأخبار الواردة في مقام البيان منه.
ولعل المصير الى ما ذكره (رحمهالله) أحوط. انتهى.
أقول : والمسألة لخلوها من النص محل توقف واشكال. والله
العالم. المسألة الثانية ـ قد عرفت في سابق هذه المسألة انهم صرحوا بان تارك
الطواف نسيانا يجب عليه قضاؤه ولو بعد المناسك ، وان تعذر العود استناب.
وقال في المدارك بعد ان ذكر ان هذا مذهب الأصحاب (رضوان
الله عليهم) لا اعلم فيه مخالفا : ولم أقف لهم في هذا التفصيل على مستند ، والذي
وقفت عليه في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع؟ قال : يبعث بهدي ،
ان كان تركه في حج بعث به في حج ، وان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ، ووكل من
يطوف عنه ما تركه من طوافه». وإطلاق الرواية يقتضي جواز الاستنابة للناسي إذا لم
يذكر حتى قدم بلاده مطلقا ، وانه لا فرق في ذلك بين طواف العمرة وطواف الحج وطواف
النساء. الى ان قال بعد البحث في المسألة : وقد ظهر من ذلك ان الأظهر وجوب الإتيان
بالطواف المنسي ، وجواز
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 128 ، والوسائل الباب 58 من الطواف.
الاستنابة فيه إذا شق العود أو مطلقا
، كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر. انتهى.
أقول : اما ما ذكره (قدسسره) ـ من ان
التفصيل المذكور مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا يعلم فيه مخالفا ـ ففيه انه
قد نقل في البحث بعد هذا الكلام بيسير خلاف الشيخ (قدسسره) في التهذيب
وانه قال : ومن نسي طواف الحج حتى يرجع الى أهله فإن عليه بدنة ، وان عليه اعادة
الحج. وهو المستفاد من كلامه في الاستبصار أيضا. وهو صريح ـ كما ترى ـ في ذهاب
الشيخ (قدسسره) في التهذيب
الى ان حكم الناسي هنا حكم العامد والجاهل في المسألة المتقدمة ، من بطلان الحج ،
ووجوب الإعادة ، والكفارة. ولهذا حمل صحيحة علي بن جعفر المذكورة في التهذيب (1) على طواف
النساء ، قال : لأن الاستنابة لا تجوز في طواف الحج ، كما سيأتي ـ ان شاء الله تعالى
ـ ذكره في المقام. والى ما ذكره الشيخ هنا مال المحقق الشيخ حسن في المنتقى ،
وادعى انه مذهب الشيخين ، كما سيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ نقل كلامه في ذلك ،
فكيف يتم ما ذكره من اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على هذا التفصيل في طواف
الحج متى كان تركه نسيانا؟
واما ما ذكره من العمل بإطلاق صحيحة علي بن جعفر ـ في ان
من نسي طواف الحج أو العمرة أو طواف النساء فله الاستنابة فيه وان امكنه العود ـ فان
فيه ان الروايات قد تكاثرت بهذا التفصيل في الناسي لطواف النساء ، وانه لا يجوز له
الاستنابة إلا مع تعذر الرجوع. وإذا ثبت ذلك في طواف النساء ففي طواف الحج والعمرة
بطريق اولى ، لما عرفت من ان طواف النساء خارج عن الحج وطواف الحج من جملة أجزائه
،
__________________
(1) ج 5 ص 128 ، والوسائل الباب 58 من الطواف.
فهو اولى بوجوب الرجوع اليه مع
الإمكان ، وكذا طواف العمرة.
ومن الاخبار الدالة على وجوب الرجوع في طواف النساء مع
الإمكان ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل نسي
طواف النساء حتى دخل اهله؟ قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت. وقال : يأمر من
يقضي عنه ان لم يحج ، فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره».
وما رواه في من لا يحضره الفقيه (2) في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت
له : رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله؟ قال : يأمر بأن يقضى عنه ان لم يحج ،
فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت».
وما رواه في التهذيب (3) في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي
طواف النساء حتى رجع الى أهله. قال : يرسل فيطاف عنه ، فإن توفي قبل ان يطاف عنه
فليطف عنه وليه». وهو محمول على ما إذا لم يقدر على الرجوع كما ذكره الشيخ (قدسسره).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) : «في رجل نسي
طواف النساء حتى اتى الكوفة. قال : لا تحل له النساء حتى
__________________
(1) الوسائل الباب 58 من الطواف الرقم 6.
(2) ج 2 ص 245 ، والوسائل الباب 58 من الطواف.
(3) ج 5 ص 255 و 256 و 488 ، والوسائل الباب 58 من الطواف.
(4) التهذيب ج 5 ص 256 ، والوسائل الباب 58 من الطواف.
يطوف بالبيت. قلت : فان لم يقدر؟ قال
: يأمر من يطوف عنه».
الى غير ذلك من الاخبار الآتية ان شاء الله تعالى في تلك
المسألة.
وبما ذكرنا ايضا صرح المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى
كما سيأتي ان شاء الله (تعالى) نقل كلامه في المقام.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان الشيخ (قدسسره) في كتابي
الأخبار حمل الطواف في صحيحة علي بن جعفر المذكورة على طواف النساء ، جمعا بينها
وبين صحيحة علي بن يقطين ، ورواية علي بن أبي حمزة المتقدمتين في سابق هذه المسألة
، قال (قدسسره) في التهذيب (1) : ومن نسي
طواف الحج حتى رجع الى أهله فإن عليه بدنة وعليه اعادة الحج ، روى ذلك محمد بن
احمد بن يحيى ، ثم نقل رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة ، ثم صحيحة علي بن يقطين ،
ثم قال : والذي رواه علي بن جعفر عن أخيه. ثم ساق صحيحة علي بن جعفر المذكورة ،
الى ان قال : فمحمول على طواف النساء ، لان من ترك طواف النساء ناسيا جاز له ان
يستنيب غيره مقامه في طوافه ، ولا يجوز له ذلك في طواف الحج فلا تنافي بين الخبرين
، يدل على ما ذكرناه ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن رجل عن
معاوية بن عمار (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل نسي
طواف النساء حتى دخل اهله؟ قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت. وقال : يأمر من
يقضي عنه ان لم يحج.».
واعترضه جملة من أفاضل المتأخرين بأنه لا تنافي بين هذه
الاخبار
__________________
(1) ج 5 ص 127.
(2) الوسائل الباب 58 من الطواف الرقم 6.
لتحتاج الى الجمع بما ذكره ، فان مورد
الخبرين الأولين الجاهل بوجوب الطواف ، ومورد الخبر الثالث الناسي ، والخبر الذي
استدل به على تأويله المذكور غاية ما يدل عليه جواز الاستنابة في طواف النساء ،
ولا دلالة فيه على المنع من الاستنابة في طواف الحج كما ادعاه.
بقي الإشكال في دلالة الأخبار المذكورة على التفرقة بين
الجاهل والناسي في هذا الحكم ، وجعل الجاهل في حكم العامة دون الناسي. وقد عرفت ما
فيه في المسألة المتقدمة.
واما ما في الوافي تبعا للمدارك ـ من انه لا بعد في ان
يكون حكم الجاهل حكم العامد ، لتمكنه من التعلم بخلاف الناسي ـ ففيه زيادة على ما
عرفت آنفا ان الروايات الصحيحة الصريحة قد تكاثرت بالدلالة على صحة صلاة الجاهل
بالنجاسة (1) واستفاضت
وتكاثرت بوجوب الإعادة على الناسي (2) معللا في بعضها بأن إيجاب الإعادة
عليه عقوبة لتفريطه بعد الذكر في عدم إزالة النجاسة (3). وهو ظاهر ـ كما
ترى ـ في ان الجاهل أعذر من الناسي. مضافا الى الأدلة الصحيحة الصريحة المستفيضة
في معذورية الجاهل (4) فكيف يتم
الحكم هنا بان الجاهل كالعامد كما ذكروه ، وان الناسي أعذر منه؟ أقول : وقد تصدى
المحقق الشيخ حسن (قدسسره) في المنتقى
الى تصحيح كلام الشيخ (قدسسره) في هذا
المقام ، حيث قال أولا
__________________
(1) الوسائل الباب 40 و 41 من النجاسات.
(2) الوسائل الباب 42 من النجاسات.
(3) الوسائل الباب 42 من النجاسات الرقم 5.
(4) يرجع في ذلك الى ج 1 ص 78 الى 82 من الحدائق.
بعد نقل تأويل الشيخ لخبر علي بن جعفر
: ويرد على ما ذكره الشيخ (قدسسره) ان الخبر
الذي اوله مفروض في نسيان الطواف والخبران الآخران وردا في حكم الجهل ، فأي تناف
يدعو الى الجمع ويحوج الى الخروج عن ظاهر اللفظ؟ مع كونه متناولا بعمومه المستفاد
من ترك الاستفصال لطوافي العمرة والحج وطواف النساء. وقد اتفق في الاستبصار جعل
عنوان الباب نسيان طواف الحج وإيراد هذه الاخبار الثلاثة فيه ، مع ان تأويله لحديث
علي بن جعفر يخرجه عن مضمون العنوان ، وليس في غيره تعرض للنسيان ، فيخلو الباب من
حديث يطابق عنوانه. وفي التهذيب أورد الثلاثة في الاحتجاج لما حكاه من كلام
المقنعة في حكم من نسي طواف الحج وان عليه بدنة ويعيد الحج. وفي ذلك من القصور
والغرابة ما لا يخفى. والجواب ان مبنى نظر الشيخ (قدسسره) في هذا
المقام على ان الجهل والنسيان فيه سواء ، وتقريب القول في ذلك ان وجوب اعادة الحج
على الجاهل يقتضي مثله في الناسي ، اما بمفهوم الموافقة ، لشهادة الاعتبار بان
التقصير في مثل هذا النسيان أقوى منه في الجهل ، أو لأن اعذار كل منهما على خلاف
الأصل ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في العهدة ، ولا يصار إلى
الأعذار إلا عن دليل واضح. وقد جاء الخبران على وفق مقتضى الأصل في صورة الجهل ،
فتزداد الحاجة في العمل بخلافه في صورة النسيان الى وضوح الدليل ، والتتبع
والاستقراء يشهدان بانحصار دليله في حديث علي ابن جعفر ، وجهة العموم فيه ضعيفة ،
واحتمال العهد الخارجي ليس بذلك البعيد عنه ، وفي ذكر مواقعة النساء نوع إيماء
إليه ، فأين الدليل الواضح الصالح لان يعول عليه في إثبات هذا الحكم المخالف
للأصل والظاهر المحوج إلى التفرقة بين
الأشباه والنظائر؟ والوجه في إيثار ذكر النسيان ـ والاعراض عن التعرض للجهل بعد ما
علم من كونه مورد النص ـ زيادة الاهتمام ببيان الاختلاف بين طواف الحج وطواف
النساء في هذا الحكم ودفع توهم الاشتراك فيه. واتفق ذلك في كلام المفيد (قدسسره) فاقتفى الشيخ
(قدسسره) أثره. وليس
الالتفات الى ما حررناه ببعيد عن نظر المفيد (قدسسره) ولخفائه
التبس الأمر على كثير من المتأخرين فاستشكلوا كلام الشيخ (قدسسره) واختاروا
العمل بظاهر خبر علي ابن جعفر. إلا ان جماعة منهم تأولوا حكم الهدي فيه بالحمل على
حصول المواقعة بعد الذكر لئلا ينافي القواعد المقررة في حكم الناسي وان الكفارة لا
تجب عليه في غير الصيد. ويضعف بان عموم النص هناك قابل للتخصيص بهذا فلا حاجة الى
التكلف في دفع التنافي بالحمل على ما قالوه. وسيجيء في مشهوري أخبار السعي ما
يساعد على هذا التخصيص. ولبعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) فيه كلام يناسب ما
ذكرناه في توجيه كون التقصير في وقوع مثل هذا النسيان أقوى منه في الجهل. وفي
الدروس : وروى علي بن جعفر ان ناسي الطواف يبعث بهدي ويأمر من يطوف عنه (1). وحمله الشيخ (قدسسره) على طواف
النساء. والظاهر ان الهدي ندب. وإذ قد أوضحنا الحال من الجانبين بما لا مزيد عليه
فلينظر الناظر في أرجحهما وليصر اليه. والذي يقوى في نفسي مختار الشيخين. والعجب
من ذهاب بعض المتأخرين إلى الاكتفاء بالاستنابة في استدراك الطواف وان أمكن العود
، أخذا بظاهر حديث علي بن جعفر ، مع وضوح دلالة الأخبار السالفة في نسيان
__________________
(1) الوسائل الباب 58 من الطواف الرقم 1.
طواف النساء على اشتراط الاستنابة
بعدم القدرة على المباشرة ، وإذا ثبت ذلك في طواف النساء فغيره اولى بالحكم ، كما
لا يخفى على من أمعن النظر. انتهى كلامه (زيد مقامه).
أقول : ما ذكره (قدسسره) ـ من حمل
كلام الشيخ (قدسسره) على انه مبنى
على ان الجهل والنسيان هنا سواء ـ غير بعيد ، وان كان وقوع أمثال هذا الاستدلال
الناشئ عن الاستعجال وعدم التدبر في ما يورده من المقال من الشيخ (قدسسره) غير عزيز ،
كما لا يخفى على من له انس بطريقته في التهذيب.
واما ما ذكره في توجيه هذا الحمل الذي ذكره بدقة نظره
وحدة فكره فمن المقطوع به والمعلوم ان هذا لا يخطر للشيخ (قدسسره) ببال ولا يمر
له بفكر ولا خيال ، واين الشيخ (قدسسره) وهذه
التدقيقات مع كونه في الظواهر لا وقوف له ولا ثبات. على ان باب المناقشة في ما
ذكره (قدسسره) غير مغلق ،
ولو لا خوف الإطالة بما لا مزيد فائدة فيه مع وجوب الاشتغال بما هو الأهم لاوضحنا
ما فيه ، وبالجملة فالتكلف فيه أمر ظاهر كما لا يخفى.
واما نسبته (قدسسره) العبارة التي
في التهذيب وهو قوله : «ومن نسي طواف الحج حتى يرجع الى أهله. إلى آخرها» الى
الشيخ المفيد في المقنعة ـ وان الشيخ (قدسسره) أوردها ،
واستدل عليها بالأخبار الثلاثة ، حتى انه جعل هذا القول مذهب الشيخين ، وزيفه
وشيده في البين ، وزعم ان ما ذكره من هذا التدقيق قد تفطن له الشيخ المفيد (قدسسره) وان خفي على
المتأخرين ـ فهو غريب من مثله (قدسسره) من أرباب
التحقيق وذوي الفضل والتدقيق ،
فإنه لا يخفى على من راجع كتاب المقنعة
انه لا عين لهذا الكلام ونحوه فيها من ما يذكره الشيخ كذلك ولا اثر ، وإنما عادة
الشيخ (قدسسره) بعد استيفاء
كلام المقنعة والاستدلال عليه ان يذكر فروعا في الباب ويستدل عليها بمثل هذا
ونحوه.
واما قوله : «والعجب من ذهاب بعض المتأخرين. الى آخره»
فالظاهر انه اشارة الى ما قدمنا نقله عن المدارك وأوضحنا ما فيه. وهو مؤيد لما
قلناه ومؤكد لما أوضحناه.
بقي الكلام في ان ما ذكره غير واحد منهم ـ من ان لفظ
الفريضة في صحيحة علي بن جعفر شامل لطوافي الحج والعمرة وطواف النساء ، بتقريب عدم
الاستفصال وان ظاهر الخبر المذكور الاستنابة مطلقا ـ يجب تقييده بما إذا تعذر
العود بناء على المشهور ، والأمر بالهدي فيه يجب حمله عندهم على الندب كما في
الدروس ، أو المواقعة بعد الذكر كما في المنتهى.
واما ما ذكره المحقق المتقدم ذكره ـ من العمل على ظاهر
الخبر في وجوب الهدي مطلقا وتخصيص أخبار المعذورية بهذا الخبر ـ فهو لا يخلو من
قرب ، حيث ان اخبار العذر انما وردت في الجاهل لا الناسي ، فيكون هذا الخبر لا
معارض له. إلا انهم حيث حملوا الناسي على الجاهل في المقام احتاجوا إلى تأويل
الخبر بأحد الوجهين المتقدمين. وفيه ما عرفت.
وكيف كان فقد تلخص ان المستند في أصل الحكم المذكور في
المسألة ـ من وجوب الرجوع على الناسي ومع عدم الإمكان فالاستنابة ـ هو الاخبار
الدالة على هذا التفصيل في نسيان طواف النساء كما تقدم ،
وانه إذا وجب ذلك في طواف النساء ففي
غيره من طواف الحج والعمرة بطريق اولى ، بالتقريب الذي قدمنا ذكره. ولا أعرف
للمسألة دليلا غير ذلك. واما صحيحة علي بن جعفر فيجب إرجاعها الى هذا التقريب ،
بتقييد إطلاقها بما قدمنا ذكره ، وحمل البدنة فيها على أحد الوجهين المتقدمين.
وبذلك تتلاءم الاخبار ويتم الاستدلال.
واما ما ذكره في المنتهى ـ من الاستدلال على هذا الحكم
برواية على بن أبي حمزة وصحيحة على بن يقطين (1) فهو من عجيب الاستدلال فإنه قال بعد
بيان وجوب طواف الحج وركنيته : إذا ثبت هذا ، فإن أخل به عامدا بطل حجه ، وان أخل
به ناسيا وجب عليه ان يعود ويقضيه ، فان لم يتمكن استناب فيه. الى ان قال : ويدل
على حكم الناسي ما رواه على بن أبي حمزة. ثم ساق الخبر ، ثم نقل صحيحة على بن
يقطين ونسبها الى علي بن جعفر. وأنت خبير بما فيه ، فان مورد الروايتين الجاهل ،
ولا يمكن ان يقال هنا بحمل النسيان على الجهل وان حكمهما واحد ، لانه (قدسسره) قد قدم ان
حكم الجاهل هنا كالعامد في وجوب الإعادة والكفارة حسبما دل عليه الخبران المذكوران
وهو المشهور كما تقدم ، وحكم الناسي عندهم هو ما ذكره هنا من التفصيل. وبالجملة
فالظاهر ان كلامه هنا انما نشأ من الاستعجال وعدم التدبر في المقال ، كما يظهر من
نسبة صحيحة علي بن يقطين الى علي بن جعفر والله العالم.
__________________
(1) تقدمتا ص 158.
تنبيهات
الأول ـ قد عرفت من ما تقدم ان الحكم في الناسي لطواف
الحج وجوب الإعادة ان أمكن ، وإلا فالاستنابة.
وقد روى الشيخ والصدوق (قدسسرهما) في الصحيح عن
هشام ابن سالم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته عن
من نسي زيارة البيت حتى رجع الى أهله. فقال : لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه».
وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في خلاف الحكم المذكور ، وحمله
الشيخ (قدسسره) لذلك على
طواف الوداع. وهو بعيد. ويمكن ان يحمل على عدم الضرر في إفساد الحج ، وان وجب عليه
الرجوع مع الإمكان أو الاستنابة. وغايته انه مطلق بالنسبة إلى وجوب الرجوع أو
الاستنابة فيجب تقييده بما دل على ذلك من صحيحة علي بن جعفر المتقدمة (2) ونحوها
بالتقريب المتقدم.
الثاني ـ لو نسي طواف الزيارة حتى رجع الى اهله وواقع
اهله ، قال الشيخ (قدسسره) في النهاية
والمبسوط : وجب عليه بدنة والرجوع الى مكة وقضاء الطواف.
أقول : اما الرجوع الى مكة وقضاء الطواف فقد تقدم الكلام
فيه وانما الكلام هنا في وجوب الكفارة ، فظاهر كلام الشيخ (قدسسره)
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 282 ، والفقيه ج 2 ص 245 ، والوسائل الباب
19 من العود إلى منى ، والباب 1 من زيارة البيت.
(2) ص 166.
ـ كما ترى ـ هو الوجوب مطلقا ، وقال
ابن إدريس : الأظهر عدم وجوب الكفارة ، لأنه في حكم الناسي. نعم يجب عليه الرجوع
الى مكة وقضاء طواف الزيارة. والى هذا القول ذهب أكثر الأصحاب.
وقال في المختلف : وللشيخ (قدسسره) ان يحتج بما
رواه معاوية ابن عمار في الحسن (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن متمتع وقع
على اهله ولم يزر. قال : ينحر جزورا ، وقد خشيت ان يكون قد ثلم حجه ان كان عالما ،
وان كان جاهلا فلا بأس عليه». ثم قال : لا يقال : قوله : «وان كان جاهلا فلا بأس
عليه» ينافي وجوب الكفارة ، لأنا نقول : لا نسلم ذلك ، فان نفي البأس لا يستلزم
نفي الكفارة. ولاحتمال ان يكون المقصود انه لا ينثلم حجه لنسيانه.
ثم قال : وروى عيص بن القاسم في الصحيح (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل واقع
اهله حين ضحى قبل ان يزور البيت. قال : يهريق دما». ثم قال : والأقرب عندي وجوب
البدنة ان جامع بعد الذكر. انتهى.
قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو احتجاج ضعيف ، لاختصاص
الرواية الأولى بالعالم. ولان المتبادر من الرواية الثانية وقوع الوقاع قبل
الزيارة لا قبل الإتيان بالطواف المنسي. والأجود الاستدلال بصحيحة علي بن جعفر عن
أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته
عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده. الخبر». وقد تقدم في
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 378 ، والتهذيب ج 5 ص 321 ، والوسائل الباب 9
من كفارات الاستمتاع.
(2) الوسائل الباب 9 من كفارات الاستمتاع.
صدر المسألة (1).
أقول : لا يخفى ان ظاهر الخبر الأول مطلق لا تخصيص فيه
بالعالم كما ذكره ، لأن السؤال وقع عن متمتع وقع على اهله ولم يزر. وهو أعم من ان
يكون عالما أو جاهلا أو ناسيا. فأجاب (عليهالسلام) بأنه ينحر
جزورا. والعالم انما ذكره (عليهالسلام) باعتبار
انثلام الحج وعدمه ، وهو قرينة العموم الذي ذكرناه ، فان حاصل الجواب ان من فعل
ذلك فعليه جزور ، إلا انه ان كان عالما فإنه يثلم حجه وان كان جاهلا فلا. والخبر
الثاني أيضا كذلك ، فإنه شامل بإطلاقه لأن يكون جماعه عمدا أو جهلا أو نسيانا.
ومبنى الاستدلال بهاتين الروايتين على ان من جامع بناء على انه قد طاف طواف
الزيارة فعليه دم. وهو يرجع الى من جامع ناسيا للطواف ـ كما هو أصل المسألة ـ وان
كان ذلك قبل الرجوع الى بلاده. وحينئذ فقوله ـ : «ولان المتبادر من الرواية
الثانية وقوع الوقاع قبل الزيارة لا قبل الإتيان بالطواف المنسي» ـ من ما لا اعرف
له وجها وجيها. وعلى هذا فيكون هذان الخبران مثل صحيحة علي بن جعفر المذكورة في
كلامه ، وان كانت الصحيحة المذكورة أصرح ، لدلالتها على حكم الناسي صريحا ، ودلالة
الروايتين المذكورتين انما هو من حيث الإطلاق.
وكيف كان فظاهر أصحاب القول المذكور حمل الروايات
المذكورة على وقوع الجماع بعد الذكر لئلا تنافي القاعدة المقررة من عدم وجوب
الكفارة على الجاهل والناسي ، ولما تقدم من ان من جامع ناسيا لإحرامه فلا كفارة
عليه. واجراء هذا الحمل في صحيحة علي بن جعفر المشار
__________________
(1) ص 166.
إليها لا يخلو من تعسف ، لأنها تضمنت
أنه نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء. فهي ظاهرة كالصريح في استمرار
النسيان الى حال المواقعة. ولهذا قد تقدم في كلام المحقق الشيخ حسن تخصيص تلك
الاخبار بها ، ووجوب الهدي المذكور فيها. وعبارة الشيخ المتقدمة في المقام وان
كانت مطلقة إلا ان ظاهر الأصحاب انهم فهموا منها وجوب الكفارة مطلقا مع الذكر
وعدمه. وقد عرفت ان صحيحة علي بن جعفر تدل عليه. والمسألة لا تخلو من الاشكال ،
والاحتياط فيها مطلوب على كل حال. والله العالم.
الثالث ـ ظاهر كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بل نسبه في الدروس إلى الأشهر انه لا يشترط في استنابة الناسي لطواف النساء تعذر
العود بل يجوز له الاستنابة وان أمكن عوده ، لكن يشترط في جوازها ان لا يتفق عوده.
وبه صرح في المسالك حيث قال ـ بعد قول المصنف : «ولو نسي
طواف النساء جاز ان يستنيب» ـ ما صورته : لا يشترط في جواز الاستنابة هنا تعذر
العود بل يجوز وان أمكن ، لكن يشترط في جوازها ان لا يتفق عوده.
والى ذلك ايضا مال في المدارك فقال بعد ذكر عبارة
الشرائع المتقدمة : إطلاق العبارة يقتضي انه لا يشترط في جواز الاستنابة هنا تعذر
العود كما اعتبر في طواف الحج ، بل يجوز وان أمكن. وبهذا التعميم صرح العلامة في
جملة من كتبه وغيره.
ويدل عليه روايات : منها : ما رواه الشيخ في الصحيح عن
معاوية
ابن عمار (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي
طواف النساء حتى رجع الى أهله. قال : يرسل فيطاف عنه ، فإن توفي قبل ان يطاف عنه
فليطف عنه وليه».
وقال الشيخ في التهذيب والعلامة في المنتهى : انما يجوز
الاستنابة إذا تعذر عليه العود.
واستدل عليه بما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) «في رجل نسي
طواف النساء حتى اتى الكوفة؟ قال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت. قلت : فان
لم يقدر؟ قال : يأمر من يطوف عنه». وهذه الرواية غير صريحة في المنع من الاستنابة
إذا أمكن العود ، فكان القول بالجواز مطلقا أقوى. انتهى.
أقول : والذي وقفت عليه من اخبار هذه المسألة هو روايات
معاوية ابن عمار الأربع المذكورة في صدر هذه المسألة (3) ومنها : هاتان
الروايتان. ولا يخفى ان اثنتين من هذه الأربع دلتا على انه لا تحل له النساء حتى
يطوف بالبيت. وفي إحداهما «فان لم يقدر؟ قال : يأمر من يطوف عنه» وفي الثانية وهي
المتقدمة ثمة (4) : «قال يأمر
من يقضي عنه ان لم يحج». ولا ريب ان تحريم النساء عليه في هذين الخبرين حتى يطوف
بالبيت ظاهر بل صريح في وجوب الطواف عليه بنفسه ، غاية الأمر انه مع عدم القدرة ـ كما
تضمنه أحد الخبرين ـ أو مع عدم حجه بنفسه ـ كما تضمنه الخبر الآخر ـ يجوز له
الاستنابة
__________________
(1) الوسائل الباب 58 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 256 ، والوسائل الباب 58 من الطواف.
(3 و 4) ص 168.
والخبران الآخران وان دلا بإطلاقهما
على الإرسال إلا انه يجب حمل هذا الإطلاق على التفصيل المذكور في الخبرين الآخرين
جمعا بين الاخبار ويعضده انك قد عرفت في صدر المسألة وكذا في كلام المحقق الشيخ
حسن ان المستند للتفصيل المذكور في طواف الحج والعمرة انما هو هذه الاخبار الواردة
في طواف النساء ، بإجراء الحكم في الفردين الآخرين بطريق الأولوية.
ومن اخبار المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع الى أهله. قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت
ويطوف ، فان مات فليقض عنه وليه ، فاما ما دام حيا فلا يصلح ان يقضي عنه. وان نسي
رمى الجمار فليسا بسواء ، الرمي سنة والطواف فريضة». وهو ظاهر ـ كما ترى ـ في عدم
جواز القضاء ، عنه ما دام حيا ، وجواز القضاء في الرمي مع الحياة لكون الطواف
فريضة مذكورة في القرآن (2) ، فأي صراحة
أصرح من ذلك. نعم يجب تقييده بالإمكان ، جمعا بينه وبين الاخبار المتقدمة.
ومن اخبار المسألة ما رواه ابن إدريس في آخر كتابه من
كتاب نوادر البزنطي عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله. قال : يرسل
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 253 و 255 و 489 ، والوسائل الباب 58 من
الطواف.
(2) وهو قوله تعالى في سورة الحج الآية 27 «وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ».
(3) الوسائل الباب 58 من الطواف.
فيطاف عنه ، وان مات قبل ان يطاف عنه
طاف عنه وليه». وهو مثل ذينك الخبرين المطلقين ، فيجب تقييد إطلاقه.
وبالجملة فهذه الاخبار بين ما دل على جواز الاستنابة على
الإطلاق وبين ما دل على وجوب الحج بنفسه على الإطلاق ، وبين ما دل على التفصيل.
والقاعدة في مثل ذلك حمل المطلق على المقيد. وهذا بحمد الله سبحانه واضح لا سترة
عليه.
بقي من اخبار المسألة ما رواه عمار الساباطي في الموثق
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) «عن الرجل نسي
أن يطوف طواف النساء حتى رجع الى أهله؟ قال : عليه بدنة ينحرها بين الصفا والمروة».
والظاهر حملها على المواقعة مطلقا أو مع الذكر ، على الخلاف المشار اليه آنفا.
الرابع ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في
انه متى وجب قضاء طواف العمرة أو طواف الحج فهل يجب إعادة السعي بعده أيضا أم لا؟ قولان
، فذهب الشيخ (قدسسره) في الخلاف ـ على
ما نقل عنه ـ الى الوجوب ، واستقربه الشهيد (قدسسره) في الدروس ،
فقال : إذا وجب قضاء طواف العمرة أو طواف الحج فالأقرب وجوب قضاء السعي أيضا ، كما
قاله الشيخ في الخلاف. ونقل بعض الفضلاء عن الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد (قدسسره) انه لم يذكر
الأكثر قضاء السعي لو قضى الطواف. وفي الخلاف : يقضي السعي بعده.
وقال بعض فضلاء متأخري المتأخرين : ويمكن الاستدلال على
قضاء
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 489 ، والوسائل الباب 58 من الطواف.
السعي معه بما رواه الكليني والشيخ
عنه عن منصور بن حازم (1) ـ في القوي
عندي صحيح عند جماعة حسن عند بعضهم ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف
بين الصفا والمروة قبل ان يطوف بالبيت. فقال : يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا
والمروة فيطوف بينهما».
وما رواه الشيخ عن منصور بن حازم (2) بإسناد فيه
اشتراك قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل بدأ
بالسعي بين الصفا والمروة. قال : يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي. قلت : ان ذلك
قد فاته؟ قال : عليه دم ، ألا ترى انك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان تعيد
على شمالك».
أقول : المفهوم من مجموع هذين الخبرين انه متى اتى
بالطواف والسعي معا إلا انه لم يرتب بينهما ، فان كان حاضرا وجب عليه الإعادة بما
يحصل معه الترتيب ، فان فاته ذلك ولم يمكن استدراكه في عامه فان عليه دما ،
لإخلاله بالترتيب. وظاهره صحة ما اتى به حيث لم يوجب عليه الإعادة ، وهذا بخلاف
محل البحث من نسيان الطواف بالكلية وعدم حضوره لاستدراكه.
وبالجملة فإنه لم يظهر لي دليل على وجوب السعي ، والأصل
العدم. هذا مع ما عرفت في وجوب قضاء الطواف من أصله من إمكان تطرق المناقشة ، لعدم
الدليل الواضح سوى الإجماع ان تم. والاحتياط لا يخفى.
الخامس ـ لو عاد لاستدراك طواف الحج أو طواف العمرة أو
النساء
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 5 ص 129 ، والوسائل الباب 63 من الطواف.
بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب
الإحرام لدخول مكة ، فهل يكتفى بذلك أو يتعين عليه الإحرام ثم يقضي الفائت قبل
الإتيان بأفعال العمرة أو بعده؟ اشكال ، لخلو الحكم من النص. وربما رجح الأول نظرا
الى الأصل ، وان من نسي الطواف يصدق عليه انه محرم في الجملة والإحرام لا يقع إلا
من محل. إلا انه لا يخلو من شوب الاشكال.
السادس ـ قال في المختلف : طواف النساء واجب إجماعا ،
فإن أخل به حرمت عليه النساء حتى يطوف ، أو يستنيب فيه فيطاف عنه وقال ابن بابويه (قدسسره) في الرسالة :
ومتى لم يطف الرجل طواف النساء لم تحل له النساء حتى يطوف. وكذلك المرأة لا يجوز
لها ان تجامع حتى تطوف طواف النساء. إلا ان يكونا طافا طواف الوداع فهو طواف
النساء. وفي هذا الكلام بحثان : الأول حكمه على المرأة بتحريم الرجل لو أخلت به.
وفيه منع ، فان حمله على الرجل فقياس ، وان استند الى دليل فلا بد منه ، ولم نقف
عليه. الثاني ـ استغناؤه بطواف الوداع عنه. وفيه إشكال ، فإن طواف الوداع عندنا
مستحب ، فكيف يجزئ عن الواجب؟ وان استند إلى رواية إسحاق ابن عمار عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «لولا
ما من الله به على الناس من طواف الوداع لرجعوا الى منازلهم ولا ينبغي لهم ان
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 513 ، والتهذيب ج 5 ص 253 باختلاف في اللفظ ،
والوسائل الباب 2 من الطواف الرقم 2 و 3. والحديث في الوسائل عن التهذيب ينتهي
بقوله «واجب» فيكون قوله «يعني.» جزء من الحديث وفي الوافي باب (طواف النساء)
اختتم الحديث بكلمة «نساءهم» وعليه قد اعتبر «يعني.» من كلام الشيخ.
يمسوا نساءهم ، يعني : لا تحل لهم
النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا آخر بعد ما يسعى بين الصفا والمروة. وذلك على
النساء والرجال واجب». قلنا : ان في إسحاق بن عمار قولا ، ومع ذلك فهي معارضة
بغيرها من الروايات. وابن الجنيد سمى طواف النساء طواف الوداع ، وأوجبه. انتهى.
أقول : لا يخفى عليك ان مستند الشيخ علي بن بابويه في ما
ذكره انما هو كتاب الفقه الرضوي حسبما قدمنا بيانه في غير موضع ، وهذه العبارة عين
عبارته (عليهالسلام) في الكتاب
المذكور (1) ولكن الجماعة
لم يصل إليهم الكتاب فاعترضوا عليه بمثل ما هو مذكور هنا وغيره.
والى هذه الرواية أشار ابنه في من لا يحضره الفقيه (2) ايضا ، حيث
قال بعد رواية معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت
له : رجل نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله؟ قال : يأمر من يقضي عنه ان لم يحج ،
فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت». وروى في من نسي طواف النساء. انه ان كان
طاف طواف الوداع فهو طواف النساء.
وظاهر جملة من الأصحاب ـ منهم : شيخنا الشهيد في الدروس
ـ ـ حمل الناس في رواية إسحاق بن عمار المذكورة على العامة. والظاهر ان الوجه فيه
من حيث ان العامة لا يرون وجوبه (3) وكان برجوعهم
__________________
(1) ص 30 الى قوله : «حتى تطوف طواف النساء».
(2) ج 2 ص 245 و 246 ، والوسائل الباب 58 من الطواف الرقم 8 و
9.
(3) ارجع الى المغني ج 3 ص 393 الى 398 وص 416 و 417 طبع مطبعة
العاصمة.
بدون الإتيان به تحرم عليهم النساء ،
فوسع الله بكرمه عليهم وجعل طواف الوداع لهم (1) قائما مقامه في تحليل النساء لهم.
إلا انه لما ورد في أخبارنا ـ كما عرفت من كلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه ـ ثبوت ذلك للناسي أيضا ، فالواجب حمل خبر إسحاق على ذلك ، فيكون من نسي
طواف النساء منا فإنه تحل له النساء بطواف الوداع ، وان وجب عليه التدارك. ولا بعد
في ذلك بعد قيام الدليل عليه وان لم يكن مشهورا عندهم.
واما ما اعتل به في المختلف ـ من ان طواف الوداع مستحب
ولا يجزئ عن الواجب ـ فهو على إطلاقه ممنوع ، فان صيام يوم الشك مستحب من شعبان
ويجزئ عن شهر رمضان لو ظهر كونه منه. والله العالم.
وسيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ مزيد تحقيق في هذا المقام
في أحكام منى في ما يتعلق بطواف النساء من التحليل. وقد تقدم أيضا في المسألة
الثانية من المسائل الملحقة بالمطلب الأول من المقدمة الرابعة من الاخبار ما يدل
على توقف حل النساء على الرجال على طواف النساء.
المسألة الثالثة ـ المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله
ـ تعالى ـ عليهم) انه تحرم الزيادة على السبعة في الواجب وتكره في المندوب. وظاهرهم
تحريم الزيادة ولو خطوة ، كما صرح به جملة منهم.
واحتجوا على التحريم في الفريضة بأن النبي (صلىاللهعليهوآله) لم يفعله فلا
يجوز فعله ، لقوله (صلىاللهعليهوآله) (2) : «خذوا عني
مناسككم». وبأنها فريضة ذات عدد فلا تجوز الزيادة عليها كالصلاة.
__________________
(1) المغني ج 3 ص 398 وص 410 الى 417 طبع مطبعة العاصمة.
(2) تيسير الوصول ج 1 ص 296 طبع مطبعة الحلبي.
وما رواه الشيخ عن ابي بصير (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف
بالبيت ثمانية أشواط المفروض. قال : يعيد حتى يستتمه». ورواه الكليني (قدسسره) في الكافي (2) بلفظ «يثبته»
عوض قوله : «يستتمه».
وعن عبد الله بن محمد عن ابي الحسن (عليهالسلام) (3) قال : «الطواف
المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها ، فعليك الإعادة. وكذلك
السعي».
أقول : وتؤيده الأخبار الصحيحة الدالة على وجوب الإعادة
بالشك في عدد الطواف المفروض (4) كما سيأتي (ان
شاء الله تعالى) ، فلو لم تكن الزيادة مبطلة لكان المناسب البناء على الأقل دون
الإعادة من رأس ، سيما مع بناء الشريعة على السهولة في التكليف (5) إذ غاية ما يلزم
الزيادة ، وهي غير مضرة كما هو المفروض. ويؤيده أيضا لزوم القران لو لم نقل
بالإبطال ، لأنه على تقدير القول بالصحة لو زاد واحدا أضاف إليه ستة ، كما دلت
عليه اخبار من طاف ثمانية من البناء على ذلك الشوط وزيادة ستة عليه ليكون طوافا
آخر (6) فيلزم القران
في الطواف
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 111 ، والوسائل الباب 34 من الطواف.
(2) ج 4 ص 417.
(3) التهذيب ج 5 ص 151 ، والاستبصار ج 2 ص 217 و 239 ،
والوسائل الباب 34 من الطواف ، والباب 12 من السعي.
(4) الوسائل الباب 33 من الطواف.
(5) ارجع الى الحدائق ج 1 ص 151 وج 9 ص 296.
(6) الوسائل الباب 34 من الطواف.
عمدا. وسيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ ان
الأظهر تحريمه في الفريضة عمدا.
قال في المدارك بعد نقل هذه الأدلة التي نقلناها عنهم :
وفي جميع هذه الأدلة نظر ، اما الأول فلان عدم فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) لما زاد على
السبع لا يقتضي تحريم فعله مطلقا ، ولا كونه مبطلا للطواف لخروجه عن الواجب ، غاية
الأمر ان إيقاعه على وجه العبادة يكون تشريعا. واما الثاني فقياس محض. واما
الرواية الأولى فيتوجه عليها (أولا) الطعن في السند باشتراك راويها بين الثقة
والضعيف. و (ثانيا) إجمال المتن ، إذ يحتمل ان يكون المراد بالإعادة إتمام طواف
آخر ، كما يشعر به قوله : «حتى يستتمه». وفي الكافي (1) نقل الرواية
بعينها إلا ان فيها موضع قوله : «حتى يستتمه» «حتى يثبته» وهو أوفق بالإعادة من
قوله : «حتى يستتمه». ومع ذلك فإنما يدل على تحريم زيادة الشوط لا مطلق الزيادة.
واما الرواية الثانية فقاصرة من حيث السند باشتراك الراوي أيضا ، فلا تصلح لإثبات
حكم مخالف للأصل. وقد ظهر بذلك انه ليس على تحريم زيادة ما دون الشوط دليل يعتد
به. ومع ذلك فإنما يتوجه التحريم إذا وقعت الزيادة بقصد الطواف ، اما لو تجاوز
الحجر الأسود بنية ان ما زاد على الشوط لا يكون جزء من الطواف فلا محذور فيه.
انتهى.
أقول : الظاهر ان المناقشة هنا في التحريم من المناقشات
الواهية التي لا يلتفت إليها ولا يعرج في مقام التحقيق عليها ، وان كان قد سبقه
إليها شيخه المحقق الأردبيلي (قدسسره) في شرح الإرشاد.
أما (أولا) فلان مرجع كلامه في رد الوجه الأول الى ان ما
زاد على
__________________
(1) ج 4 ص 417.
السبعة وان كان محرما إلا انه لا
يقتضي بطلان الطواف ، لخروجه عن الواجب ، وانما غايته ان يكون إيقاعه على وجه
العبادة تشريعا. وقد تكرر منه نظير هذا الكلام في مواضع من شرحه هذا. وفيه : انه
لو تم ذلك للزم ان من زاد في الفريضة ركعة عامدا ـ بناء على استحباب التسليم ـ تكون
صلاته صحيحة ، لخروج هذه الركعة عن الواجب ، وانما غايتها ان تكون تشريعا محرما
والعبادة صحيحة. واتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) والاخبار على خلافه. وكذا من
فرضه التقصير لو صلى تماما عامدا ، فإنه يكون قد ادى الواجب وصحت صلاته وان فعل
محرما بزيادة الركعتين. والاخبار والأصحاب (رضوان الله عليهم) على خلافه. وبالجملة
فإن الشارع إذا حد العبادة بحد معين وعدد معين ، فتعمد المكلف المخالفة زيادة أو
نقصانا ، فإنه لا ريب في بطلان عبادته ، لخروجه عن مقتضى الأمر ، فلا يخرج عن
العهدة ، فالتشريع هنا انما توجه إلى أصل العبادة لا الى تلك الزيادة ، لكون النية
المتعلقة بتلك العبادة قد تعلقت بالمجموع لا بما دون الزيادة. والعبادات صحة
وبطلانا تابعة للنيات ، كما تقدم في مبحث النية من كتاب الطهارة. ولا ريب ان هذه
النية المتعلقة بالجميع غير مشروعة ولا صحيحة ، فيكون المنوي كذلك ، لأن النية اما
شرط أو شطر وعلى اي منهما يبطل المشروط أو الكل. ولهذا لو نوى صلاة القصر وصلى
بهذه النية ثم بعد الفراغ من التشهد ـ بناء على استحباب التسليم ـ زاد ركعتين سهوا
أو عمدا ، فإنه لا يضر بصلاته الاولى بوجه كما هو الحق في المسألة. وبه صرح السيد
المشار إليه في كتاب الصلاة في صلاة السفر عند ذكر هذه المسألة. نعم لو كانت النية
أولا انما تعلقت بالطواف المأمور به شرعا ثم انه بعد إتمامه زاد
شوطا آخر ايضا ، فلا يبعد القول بصحة
الطواف المتقدم وتوجه البطلان الى هذه الزيادة خاصة ، وان كان ظاهر كلام الأصحاب
بطلان الطواف كلا كالصورة الاولى.
واما (ثانيا) فان قوله : «واما الثاني فقياس محض» ليس في
محله ، فان حاصل الدليل المذكور ان الشارع قد أمر بهذه الفريضة المحصورة في هذا
العدد المخصوص ، ولا ريب ان من تعمد الزيادة على العدد المذكور واتى بكيفية أخرى ،
فقد فعل محرما ، وكان ما فعله باطلا. ومرجع هذا الوجه في التحقيق الى سابقه.
والإتيان بالصلاة انما وقع على جهة التنظير لا لإتمام الاستدلال ، فان الدليل في
حد ذاته تام كما حررناه وأشرنا إليه آنفا ، فلا يلزم ما ذكره من انه قياس. وحينئذ
فتخرج رواية عبد الله بن محمد المذكورة (1) شاهدا على ذلك. وتعضدها الروايات
ببطلان صلاة من زاد في الصلاة المكتوبة عمدا تماما أو قصرا (2) وكذا من تعمد
الزيادة في وضوئه ، لقوله (عليهالسلام) في ما رواه
الصدوق (قدسسره) مرسلا (3) : «من تعدى في
وضوءه كان كناقضه».
واما (ثالثا) فإن طعنه في سند الخبرين (أولا) لا يقوم
حجة على المتقدمين ، كما تقدم بيانه في غير موضع ، بل ولا على من لا يرى العمل
بهذا الاصطلاح. و (ثانيا) انه قد اعترف في صدر كلامه بان
__________________
(1) ص 187.
(2) الوسائل الباب 19 من الخلل الواقع في الصلاة ، والباب 17
من صلاة المسافر.
(3) الوسائل الباب 31 من الوضوء.
هذا الحكم هو المعروف من مذهب الأصحاب
(رضوان الله عليهم) ، وهو مؤذن بدعوى الاتفاق عليه. والأمر كذلك ، فإنه لم ينقل
الخلاف فيه. وحينئذ فالخبران وان ضعف سندهما إلا انه مجبور بعمل الطائفة قديما
وحديثا بهما. وهو في غير موضع من شرحه قد استدل بالأخبار الضعيفة بناء على ذلك ،
كما لا يخفى على من راجعه ، وقد أشرنا إلى جملة من تلك المواضع في شرحنا على
الكتاب. إلا انه (قدسسره) ـ كما قدمنا
ذكره في غير مقام ـ ليس له قاعدة يقف عليها ولا ضابطة يرجع إليها.
واما (رابعا) فان ما احتمله ـ من حمل الإعادة في رواية
أبي بصير (1) على إتمام
طواف آخر ـ بعيد ، بل ربما يقطع ببطلانه ، لأن الإعادة انما هي فعل الشيء بعد
فعله أولا ، بمعنى ان الأول يصير في حكم العدم والإتيان بطواف آخر ـ بناء على ما
ذكره ـ انما يكون ثانيا والطواف الأول بحاله. ولفظ «يستتمه» على رواية الشيخ لا
منافرة فيه للإعادة المرادة في الخبر ، إذ المعنى ان ما اتى به غير تام ، يعني :
غير صحيح. وكثيرا ما يعبر بالتمام والنقصان عن الصحة والبطلان. وكيف كان فإن
الكلمة المذكورة في الكافي قاطعة لهذا الاحتمال كما اعترف به. على ان الظاهر عندي
ـ كما سيأتي ـ ان شاء الله (تعالى) التنبيه عليه ـ ان رواية أبي بصير المذكورة هنا
ليست من اخبار هذه المسألة وانما هي من اخبار مسألة من زاد شوطا ثامنا سهوا ، كما
سيأتي بيانه في المسألة المذكورة ان شاء الله (تعالى).
وقد استند المحقق الأردبيلي في ما قدمنا نقله عنه إلى
جملة من الاخبار الدالة على ان من طاف ثمانية أشواط فليضم إليها ستة ليكون
__________________
(1) ص 187.
طوافين (1) بحملها على من
تعمد الزيادة ، فجوز الزيادة في الطواف عمدا لهذه الاخبار. وسيأتي نقل كلامه (طاب
ثراه) والكلام عليه في تلك المسألة ان شاء الله (تعالى).
نعم يبقى الشك في الزيادة مع النية وان لم تبلغ شوطا ،
لظاهر إطلاق رواية عبد الله بن محمد وظاهر خبر ابي بصير (2) الظاهر في كون
استناد البطلان الى الطواف التام.
واما الزيادة لا بنية الطواف بل بنية عدمه فالحق فيه ما
ذكره ، فان العبادات دائرة مدار النيات ، وإذا خلت هذه الزيادة عن نية العبادة بل
نوى العدم فالظاهر انه لا ضرر في ذلك. والله العالم.
المسألة الرابعة ـ اختلف الأصحاب في حكم القران في
الطواف ، فذهب الشيخ الى التحريم في طواف الفريضة حيث قال : لا يجوز القران في
طواف الفريضة. وقال ابن إدريس : انه مكروه شديد الكراهة ، وليس المراد بذلك الحظر
، فان المكروه إذا كان شديد الكراهة قيل فيه : لا يجوز. وظاهر جملة من الأصحاب هنا
التوقف في الحكم ، فان المحقق في النافع عزى تحريمه وبطلان الطواف به في الفريضة
إلى الشهرة. وفي المختلف بعد نقل قول الشيخ وابن إدريس أورد روايتي زرارة وعمر بن
يزيد الآتيتين (3) ان شاء الله (تعالى)
وقال : انهما غير دالتين على التحريم. وظاهره في المدارك ايضا التردد في ذلك ، حيث
ذكر ان المستفاد من صحيحة زرارة الآتية (4) كراهة القرآن في الفريضة
__________________
(1) الوسائل الباب 34 من الطواف.
(2) ص 187.
(3 و 4) الوسائل الباب 36 من الطواف.
ثم احتمل حملها على التقية (1) لصحيحة أحمد
بن محمد بن ابي نصر الآتية (2). وقال العلامة
في المنتهى : القران في طواف الفريضة لا يجوز عند أكثر علمائنا ، وكرهه ابن عمر
والحسن البصري والزهري ومالك وأبو حنيفة ، وقال عطاء وطاوس وسعيد بن جبير واحمد
وإسحاق : لا بأس به (3).
أقول : والذي وقفت عليه من اخبار المسألة ما رواه الصدوق
في الصحيح عن ابن مسكان عن زرارة (4) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : انما يكره
ان يجمع الرجل بين الأسبوعين والطوافين في الفريضة ، فأما في النافلة فلا بأس».
وما رواه في الكافي (5) عن عمر بن يزيد قال : «سمعت أبا عبد
الله (عليهالسلام) يقول : انما
يكره القران في الفريضة ، فاما النافلة فلا والله ما به بأس».
وعن علي بن أبي حمزة (6) قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل
يطوف ، يقرن بين أسبوعين؟ فقال : ان شئت رويت لك عن أهل مكة. قال : فقلت : لا
والله مالي في ذلك من حاجة جعلت فداك ، ولكن ارو لي ما أدين الله (عزوجل) به. فقال
: لا تقرن بين أسبوعين ، كلما طفت أسبوعا فصل ركعتين ، واما انا فربما قرنت
الثلاثة
__________________
(1 و 3) المغني ج 3 ص 346 طبع مطبعة العاصمة.
(2) الوسائل الباب 36 من الطواف.
(4) الفقيه ج 2 ص 251 ، والوسائل الباب 36 من الطواف.
(5) ج 4 ص 419 ، والوسائل الباب 36 من الطواف.
(6) الكافي ج 4 ص 418 و 419 ، والوسائل الباب 36 من الطواف.
والأربعة. فنظرت اليه ، فقال : اني مع
هؤلاء» (1).
وما رواه الشيخ (قدسسره) في التهذيب (2) عن صفوان
والبزنطي قالا : «سألناه عن قرآن الطواف أسبوعين والثلاثة. قال : لا إنما هو سبوع
وركعتان. وقال : كان ابي يطوف مع محمد بن إبراهيم فيقرن ، وانما كان ذلك منه لحال
التقية» (3).
وما رواه في التهذيب (4) في الصحيح عن صفوان عن احمد بن محمد
ابن ابي نصر قال : «سأل رجل أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل
يطوف الأسباع جميعا فيقرن. فقال : لا إلا أسبوع وركعتان ، وإنما قرن أبو الحسن (عليهالسلام) لانه كان
يطوف مع محمد بن إبراهيم لحال التقية» (5).
وما رواه الشيخ في التهذيب (6) عن زرارة في
الصحيح قال : «طفت مع ابي جعفر (عليهالسلام) ثلاثة عشر
أسبوعا قرنها جميعا وهو آخذ بيدي ، ثم خرج فتنحى ناحية فصلى ستا وعشرين ركعة وصليت
معه».
وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (7) قال : «ربما
طفت مع ابي جعفر (عليهالسلام) ـ وهو ممسك
بيدي ـ الطوافين والثلاثة ، ثم ينصرف ويصلي الركعات ستا».
وروى عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد (8) بسنده
__________________
(1 و 3 و 5) المغني ج 3 ص 346 طبع مطبعة العاصمة.
(2) ج 5 ص 115 ، والوسائل الباب 36 من الطواف.
(4) ج 5 ص 116 ، والوسائل الباب 36 من الطواف.
(6) ج 5 ص 470 ، والوسائل الباب 36 من الطواف.
(7 و 8) الوسائل الباب 36 من الطواف.
عن علي بن جعفر «انه سأل أخاه موسى بن
جعفر (عليهالسلام) عن الرجل يطوف
السبوع وأسبوعين ، فلا يصلي ركعتين حتى يبدو له ان يطوف أسبوعا ، هل يصلح ذلك؟ قال
: لا يصلح حتى يصلي ركعتي السبوع الأول ثم ليطف ما أحب».
ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (1).
وعنه عن علي بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الرجل هل يصلح له ان يطوف الطوافين والثلاثة ولا يفرق بينهما بالصلاة حتى يصلي
لها جميعا؟ قال : لا بأس ، غير انه يسلم في كل ركعتين».
وعنه عن علي بن جعفر (3) قال : «رأيت أخي (عليهالسلام) يطوف أسبوعين
والثلاثة فيقرنها ، غير انه يقف في المستجار فيدعو في كل أسبوع ، ويأتي الحجر فيستلمه
، ثم يطوف».
وعنه عن علي بن جعفر (4) قال : «رأيت أخي (عليهالسلام) مرة طاف ومعه
رجل من بني العباس ، فقرن ثلاثة أسابيع لم يقف فيها ، فلما فرغ من الثالث وفارقه
العباسي ، وقف بين الباب والحجر قليلا ، ثم تقدم فوقف قليلا ، حتى فعل ذلك ثلاث
مرات».
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز
عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (5) في حديث قال :
«ولا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة».
أقول : ما ذكره في المدارك وكذا غيره ـ من الاستناد في
كراهة القران في الفريضة إلى صحيحة زرارة الأولى ، حيث قال فيها : «إنما يكره ان
يجمع الرجل بين الأسبوعين في الفريضة» ومثلها رواية عمر بن يزيد ـ
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 36 من الطواف.
مردود بان استعمال لفظ الكراهة في
التحريم في الاخبار أكثر كثير ، وبذلك اعترف في المدارك في غير موضع.
والوجه الذي تجتمع عليه هذه الاخبار عندي هو القول
بتحريم القران في الفريضة والجواز في النافلة ، وكذا في الفريضة في حال التقية
أيضا ، فاما ما يدل على التحريم في الفريضة فصحيحة زرارة الاولى ، ورواية عمر بن
يزيد ، ورواية السرائر ، ورواية علي بن أبي حمزة ، ورواية صفوان والبزنطي ، وصحيحة
البزنطي. والنهي عن القران في الثلاثة الأخيرة وان كان مطلقا إلا انه يجب حمله على
الفريضة ، لما دلت عليه باقي الاخبار من فعلهم (عليهمالسلام) ذلك مكررا ،
الظاهر كونه في النافلة.
ويعضد ما اخترناه من تحريم القران ما ذكره المحقق الشيخ
حسن في كتاب المنتقى ، حيث قال : قلت : يستفاد من حديث ابن ابي نصر ان المقتضى
لوقوع القران هو ملاحظة التقية ، فيحمل كل ما تضمنه عليها. ويقرب ان يكون فعله في
النافلة سائغا ، لكنه خلاف الاولى. ومراعاة حال التقية تدفع عنه المرجوحية. انتهى.
وهو جيد.
واما قوله في رواية السرائر : «لا قران بين أسبوعين في
فريضة ونافلة» فالظاهر ان المراد منه انه لا يجوز ان يقرن طواف النافلة بطواف
الفريضة ، بل يجب ان يصلي ركعتي طواف الفريضة ثم يطوف النافلة ، وعلى ذلك تحمل
رواية قرب الاسناد الاولى ، ومرجعه إلى انه متى أراد ان يطوف بعد طواف الفريضة طوافا
مستحبا واحدا أو أكثر فلا يقون ذلك بطواف الفريضة بل يصلى لطواف الفريضة ركعتيه ثم
يقرن ما شاء.
وعلى هذا تجتمع الاخبار على وجه واضح المنار. ويؤيده
أوفقيته بالاحتياط والمشي على سوي الصراط.
المسألة الخامسة ـ قد تقدم انه لا يجوز الطواف في
النجاسة على المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ، وحينئذ فلو طاف عالما بها
بطل طوافه على القول المذكور. وهو موضع وفاق بين القائلين باشتراط طهارة الثوب
والجسد في الطواف ، للنهي المقتضي للفساد في العبادة.
ولو كان جاهلا بها حتى فرغ فطوافه صحيح اتفاقا بين من
قال بذلك لتحقق الامتثال بفعل المأمور به ، وعدم تناول النهي للجاهل. والحكم هنا
عندهم مبني على إلحاق جاهل النجاسة في الطواف بجاهلها في الصلاة وإلا فالمسألة هنا
عارية عن النصوص بالخصوص ، والأصل يقتضي الصحة والنهي لا يتوجه الى الجاهل كما
عرفت ، فيجب الحكم بالصحة.
وفي جاهل الحكم اشكال ، والمعروف من مذهبهم عدم معذوريته
كما عرفت في غير موضع ، إلا ان جملة من أفاضل متأخري المتأخرين ألحقوه بجاهل الأصل
في مواضع تقدم التنبيه عليها ، للعلة المذكورة ثمة ، وهو عدم توجه الخطاب الى
الجاهل. وهو الأقوى كما عرفت في مقدمات الكتاب.
وانما الكلام في الناسي ، والمشهور في الصلاة البطلان
ووجوب الإعادة وعليه تدل أكثر الاخبار. والمسألة هنا عارية عن النص. واختار في
المنتهى إلحاق الناسي بالجاهل ، فقال : ولو لم يذكر إلا بعد الفراغ نزعه أو غسله
وصلى ركعتين. وهو ظاهر في حكمه بصحة طوافه. واستظهره في المدارك مستندا الى عدم
تناول النهي له. وفيه ان إلحاق الناسي بالجاهل قياس مع الفارق ، فان الجاهل لم
يتقدم له علم بالكلية بخلاف
الناسي ، فإنه قد علم وقصر في عدم
إزالة النجاسة ، ولهذا تكاثرت الاخبار بوجوب إعادة الصلاة عليه لو صلى في النجاسة
ناسيا ، معللا في بعضها بان ذلك عقوبة له لتقصيره في الإزالة (1) مع استفاضة
الأخبار الصحيحة الصريحة في صحة صلاة الجاهل بها (2) فكيف يتم
إلحاق الناسي هنا بالجاهل؟
واما لو كان جاهلا بها فوجدها في الأثناء فقد صرحوا
بوجوب الإزالة وإتمام الطواف. وظاهر كلامهم وجوب ذلك أعم من ان تتوقف الإزالة على
فعل يستدعي قطع الطواف وعدمه ، ولا بين ان يقع العلم بعد إكمال أربعة أشواط أو قبل
ذلك. قيل : والوجه فيه تحقق الامتثال بالفعل المتقدم ، وأصالة عدم وجوب الإعادة.
والأظهر الاستدلال على ذلك بروايتي يونس بن يعقوب
المتقدمين (3) في مقدمات
الطواف المتضمنتين لان من رأى الدم وهو في الطواف يخرج ويغسله ثم يعود في طوافه.
ويؤيدهما ما رواه الصدوق (قدسسره) في الصحيح عن
حماد بن عثمان عن حبيب بن مظاهر (4) قال : «ابتدأت في طواف الفريضة فطفت
__________________
(1) الوسائل الباب 42 من النجاسات.
(2) الوسائل الباب 40 و 41 من النجاسات.
(3) ص 87.
(4) الفقيه ج 2 ص 247 ، والوسائل الباب 41 من الطواف. والظاهر
ان راوي الحديث غير حبيب الذي استشهد بكربلاء لرواية حماد عنه. وما في الوسائل من
بيان ابي عبد الله بالحسين (ع) ليس في الفقيه والوافي باب (قطع الطواف).
شوطا واحدا ، فإذا إنسان قد أصاب أنفي
فأدماه ، فخرجت فغسلته ، ثم جئت فابتدأت الطواف. فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليهالسلام) فقال : بئس
ما صنعت كان ينبغي لك ان تبني على ما طفت. ثم قال : اما انه ليس عليك شيء».
ونقل في المدارك عن الشهيدين انهما جزما بوجوب الاستئناف
ان توقفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف ولما يكمل أربعة أشواط ، نظرا الى
ثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف ، والحكم في المسألتين واحد. ثم قال : وهو مع
تسليم الحكم في الأصل لا يخرج عن القياس.
أقول : ما ذكراه (قدسسرهما) محض اجتهاد
في مقابلة النصوص المذكورة ، لإطلاق روايتي يونس بن يعقوب (1) وتصريح رواية
حبيب ابن مظاهر بكون القطع وقع بعد طواف شوط ، ومع هذا أنكر عليه الامام (عليهالسلام) الإعادة من
رأس وجعل حكمه البناء على ما طاف.
وقال في المدارك : ولو قيل بوجوب الاستئناف مطلقا مع
الإخلال بالموالاة ـ الواجبة بدليل التأسي وغيره ـ أمكن ، لقصور الروايتين
المتضمنتين للبناء من حيث السند. والاحتياط يقتضي البناء والإكمال ثم الاستئناف
مطلقا. انتهى. وهو في الضعف كسابقه.
واستناده في وجوب الموالاة إلى التأسي مردود بما صرح به
هو وغيره من المحققين بان فعلهم (عليهمالسلام) أعم من ذلك ،
فلا يصلح دليلا للوجوب. وأشار بالروايتين إلى رواية يونس بن يعقوب المروية في
التهذيب (2) ورواية حبيب
بن مظاهر. واما رواية يونس بن يعقوب
__________________
(1) تقدمتا ص 87.
(2) ج 5 ص 126 ، والوسائل الباب 52 من الطواف.
المروية في الفقيه (1) فلم يذكرها.
ولا يخفى ان هذه الروايات لا معارض لها في الباب ، فردها وطرحها والحال كذلك لا
يخلو من مجازفة ، بل جرأة على الأئمة الأطياب (عليهمالسلام) سيما مع كون
روايتي حبيب ويونس الأخرى من مرويات من لا يحضره الفقيه التي قد صرح في غير موضع
من شرحه بالاعتماد عليها متى احتاج إليها ، لما ضمنه الصدوق (قدسسره) في صدر
كتابه. ولكنه (قدسسره) لا يقف على
قاعدة كما عرفت في غير موضع. والله العالم.
المسألة السادسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى
ـ عليهم) انه لو زاد على السبعة سهوا ، أكملها أسبوعين ، وصلى الفريضة أولا وركعتي
النافلة بعد السعي. وبه صرح الشيخ وعلي بن الحسين بن بابويه وابن البراج وغيرهم.
وقال الصدوق (قدسسره) في المقنع : يجب
عليه الإعادة ، قال : وروى : انه يضيف ستة يجعل واحدا فريضة والباقي سنة.
واحتج الأصحاب (رضوان الله عليهم) على ما ذهبوا اليه بما
رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) عن أبي أيوب في الصحيح قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل طاف
بالبيت ثمانية أشواط طواف الفريضة؟ قال : فليضم إليها ستا ثم يصلي اربع ركعات». قال
: وفي خبر آخر : «ان الفريضة هي الطواف الثاني والركعتان الأوليان لطواف الفريضة ،
والركعتان الأخريان والطواف الأول تطوع».
وما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
محمد بن مسلم عن
__________________
(1) ج 2 ص 246 ، والوسائل الباب 52 من الطواف.
(2) ج 2 ص 248 ، والوسائل الباب 34 من الطواف.
أحدهما (عليهماالسلام) (1) قال : «ان في
كتاب علي (عليهالسلام): إذا طاف
الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستا. وكذا إذا
استيقن انه سعى ثمانية أضاف إليها ستا».
وعن معاوية بن وهب في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «ان
عليا (عليهالسلام) طاف ثمانية
فزاد ستة ثم ركع اربع ركعات».
وفي الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «ان
عليا (عليهالسلام) طاف طواف
الفريضة ثمانية ، فترك سبعة وبنى على واحد وأضاف إليها ستا ، ثم صلى ركعتين خلف
المقام ، ثم خرج الى الصفا والمروة ، فلما فرغ من السعى بينهما رجع فصلى الركعتين
اللتين ترك في المقام الأول».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (4) قال : «سألته
عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية. قال : يضيف إليها ستة».
وعن رفاعة (5) في الصحيح قال : «كان علي (عليهالسلام) يقول : إذا
طاف ثمانية فليتم أربعة عشر. قلت : يصلي اربع ركعات؟ قال : يصلي ركعتين».
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (6)
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 152 ، والوسائل الباب 34 من الطواف.
(2 و 3 و 5 و 6) التهذيب ج 5 ص 112 ، والوسائل الباب 34 من
الطواف.
(4) التهذيب ج 5 ص 111 ، والوسائل الباب 34 من الطواف.
قال : «سمعته يقول : من طاف بالبيت
فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصل ركعتين».
ومن اخبار المسألة أيضا ما رواه في الفقيه (1) عن علي بن أبي
حمزة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سئل
وانا حاضر عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط. فقال : نافلة أو فريضة؟ فقال : فريضة.
قال : يضيف إليها ستة فإذا فرغ صلى ركعتين عند مقام
إبراهيم (عليهالسلام) ثم خرج الى
الصفا والمروة فطاف بينهما ، فإذا فرغ صلى ركعتين أخراوين ، فكان طواف نافلة وطواف
فريضة».
وما رواه الشيخ (قدسسره) عن ابي كهمس (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي
فطاف ثمانية أشواط. قال : ان كان ذكر قبل ان يأتي الركن فليقطعه. وقد أجزأ عنه ،
وان لم يذكر حتى بلغه فليتم أربعة عشر شوطا ، وليصل اربع ركعات».
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر احمد
بن محمد بن ابي نصر البزنطي عن جميل (3) «انه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن من طاف
ثمانية أشواط وهو يرى أنها سبعة. قال : فقال : ان في كتاب علي (عليهالسلام) : انه إذا
طاف ثمانية أشواط يضم إليها ستة أشواط ثم يصلي الركعات بعد. قال : وسئل عن الركعات
كيف يصليهن أو يجمعهن أو ما ذا؟ قال : يصلي ركعتين للفريضة ثم يخرج
__________________
(1) ج 2 ص 248 ، والتهذيب ج 5 ص 469 ، والوسائل الباب 34 من
الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 113 عن الكليني ، والوسائل الباب 34 من
الطواف.
(3) الوسائل الباب 34 من الطواف.
الى الصفا والمروة ، فإذا رجع من
طوافه بينهما رجع فصلى ركعتين للأسبوع الآخر».
وروى الشيخ المفيد (قدسسره) في المقنعة
مرسلا (1) قال : «قال (عليهالسلام) : من طاف
بالبيت ثمانية أشواط ناسيا ثم علم بعد ذلك فليضف إليها ستة أشواط».
وفي كتاب الفقه الرضوي (2) قال : «فان
سهوت فطفت طواف الفريضة ثمانية أشواط فزد عليها ستة أشواط ، وصل عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) ركعتي الطواف
، ثم اسع بين الصفا والمروة ، ثم تأتي المقام فصل خلفه ركعتي الطواف. واعلم ان
الفريضة هو الطواف الثاني ، والركعتين الأولتين لطواف الفريضة ، والركعتين الآخرتين
للطواف الأول ، والطواف الأول تطوع».
أقول : وهذه الرواية هي التي أشار إليها الصدوق في
الفقيه (3) بقوله : «وفي
خبر آخر.» كما قدمنا نقله عنه.
ومن ما يدل على ما قدمنا نقله عن المقنع ما رواه في
الكافي (4) عن علي بن
إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن سماعة عن ابي بصير قال : «قلت :
رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية؟ قال : يعيد طوافه
حتى يحفظ. قلت : فإنه طاف وهو متطوع ثماني مرات وهو ناس؟ قال : فليتمه طوافين
__________________
(1) الوسائل الباب 34 من الطواف.
(2) ص 27.
(3) ج 2 ص 248 ، والوسائل الباب 34 من الطواف الرقم 14.
(4) ج 4 ص 417 ، والوسائل الباب 33 و 34 من الطواف.
ثم يصلي اربع ركعات. فأما الفريضة
فليعد حتى يتم سبعة أشواط».
ورجال هذا الخبر ليس فيهم عندي من ربما يتوقف في شأنه
سوى إسماعيل بن مرار ، حيث انه لم يذكر في كتب الرجال بمدح ولا قدح ، إلا ان إكثار
إبراهيم بن هاشم الجليل القدر الرواية عنه من ما يشهد بحسن حاله والاعتماد على
روايته. واما أبو بصير فإنه وان كان مشتركا إلا ان الأظهر عندي جلالة يحيى بن
القاسم وان كانوا يعدون حديثه في الموثق أو الضعيف ، وقد عد حديثه في الصحيح
الفاضل الخراساني في الذخيرة ، وبين في ذلك فصلا طويلا في كتاب الطهارة في باب غسل
الجنابة. والرواية بناء على اصطلاحهم معتبرة الاسناد.
وما رواه في الكافي وكذا في التهذيب في الصحيح الى ابي
بصير (1) ـ وقد عرفت
الحال فيه ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف
بالبيت ثمانية أشواط المفروض. قال : يعيد حتى يثبته» كذا في الكافي (2) وفي التهذيب (3) «حتى يستتمه».
والعلامة في المختلف قد نقل هذه الرواية دليلا للقول
المذكور ووصفها بالصحة أيضا ، ثم أجاب عنها بالحمل على حال العمد. أقول : ولهذا ان
الأصحاب نظموها في سلك الأدلة الدالة على بطلان الطواف مع تعمد الزيادة ، كما
قدمنا نقله عنهم في تلك المسألة. ولا ريب ان هذا الاحتمال وان تم في هذه الرواية
إلا انه لا يتم في الرواية الأولى ، فإنها ظاهرة في ان تلك الزيادة وقعت سهوا ،
لترتب التفصيل في الجواب على السؤال عن الناسي. والحق ان الخبرين من باب واحد
__________________
(1) الوسائل الباب 34 من الطواف.
(2) ج 4 ص 417.
(3) ج 5 ص 111.
وانهما من اخبار الزيادة سهوا لا
عمدا. وهما ظاهران في الدلالة على هذا القول.
ثم أقول : ويدل على هذا القول ايضا ما تضمن من الاخبار
المتقدمة صلاة ركعتين خاصة ، مثل صحيحة رفاعة وصحيحة عبد الله بن سنان ، والتقريب
فيها ان الطواف الأول صار باطلا باعتبار الزيادة وان كانت سهوا كما عرفت ، وان
الشوط الثامن قد اعتد به من الطواف الواجب المأمور به بعد بطلان الأول ، وهاتان
الركعتان له.
واما ما ذكره في التهذيب في تأويل خبر رفاعة ـ من حمل
صلاة الركعتين فيه على انه يقدمهما قبل السعي ثم يصلي ركعتين بعده ايضا لما مر ـ ففيه
ان السائل سأله عن الصلاة هل هي أربع ركعات أو ركعتان؟ فأجاب بأنها ركعتان. ولو
كان الأمر كما تأوله لأجاب بالأربع ثم التفريق كما زعمه. وبالجملة فإن ما ذكره في
غاية البعد عن لفظ الخبر.
ولم أر من تنبه لفهم ما ذكرته من هذا المعنى سوى المحدث
الكاشاني في الوافي ، حيث قال ـ في الجمع بين اخبار الركعتين والأربع ـ ما لفظه : لا
تنافي بين هذه الاخبار ، لان الطائف في هذه الصور مخير بين الاقتصار على الركعتين ليكون
الطواف الثاني إعادة للفريضة والأول ملقى وبين الأربع ركعات موصولة أو مفصولة
ليكون أحد الطوافين نافلة. انتهى وحاصله الجمع ـ بين ما يدل على البطلان والإعادة
كما ذهب إليه في المقنع ، وبين ما يدل على القول المشهور من اضافة طواف آخر مع صحة
الطواف الأول ـ بالتخيير بين الأمرين ، بمعنى انه ان شاء نوى إبطال الطواف الأول
واعتد بالشوط الزائد وأضاف إليه ستة أخرى ، وان شاء اعتد به ونوى طوافا آخر.
وتنقيح البحث في المقام يتوقف على رسم فوائد الاولى ـ انه
على
تقدير الاعتداد بالطواف الأول كما هو
المشهور هل تكون الفريضة هي الأول أو الثاني؟
قال في المدارك : نص العلامة (قدسسره) في المنتهى
وغيره على ان الإكمال مع الزيادة على سبيل الاستحباب ، ومقتضاه ان الطواف الأول هو
طواف الفريضة. ونقل عن ابن الجنيد وعلي بن بابويه انهما حكما بكون الفريضة هو
الثاني ، وفي رواية زرارة (1) المتقدمة
دلالة عليه. وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه (2) بعد ان أورد
رواية أبي أيوب المتقدمة : وفي خبر آخر : «ان الفريضة هي الطواف الثاني والركعتان
الأوليان لطواف الفريضة والركعتان الأخريان والطواف الأول تطوع». ولم نقف على هذه
الرواية مسندة. ولعله أشار بها الى رواية زرارة (3) وعلى هذا
فيكون الإتمام واجبا. انتهى.
أقول : اما ما ذكره ـ من دلالة رواية زرارة المتقدمة (4) على ان
الفريضة هو الثاني بالنظر الى قوله فيها : «فترك سبعة وبنى على واحد» ـ فهو جيد.
إلا ان ما ذكره من انه لعلها ان تكون معتمد الصدوق في ما ذكره فليس كذلك كما سيظهر
لك. واما ما ذكره من انه لم يقف على الخبر الذي نقله الصدوق (قدسسره) فقد عرفت ان
ما نقله الصدوق انما هو متن عبارة كتاب الفقه الرضوي بتغيير ما ، لكنه معذور حيث
لم يصل الكتاب المذكور اليه ولا الى غيره من المتأخرين.
وبالجملة فالروايات المتقدمة الدالة على الاعتداد
بالطواف الأول كلها مجملة في كون الفريضة الأول أو الثاني ، ولا صراحة في شيء
منها سوى
__________________
(1 و 3 و 4) تقدمت ص 201.
(2) ج 2 ص 248 ، والوسائل الباب 34 من الطواف.
رواية كتاب الفقه ، وظاهر صحيحة زرارة
، وعليهما يحمل إطلاق تلك الاخبار بناء على هذا القول. ومن ذلك يظهر لك صحة ما
اشتملت عليه رواية أبي بصير المتقدمة من وجوب الإعادة ، فإن الأخبار متى اجتمعت
على ان الفريضة هو الطواف الثاني وانه يجب إتمامه لكونه هو الفريضة فقد ثبت وجوب
الإعادة المذكورة في ذينك الخبرين ، وليس ذلك إلا من حيث الزيادة المذكورة في
الطواف الأول وان كانت سهوا. والبناء على الشوط الثامن لا ينافي الإعادة ، إذ
المراد بالإعادة هو إلغاء السبعة الاولى والإتيان بسبعة اخرى سواها. وهو حاصل بما
ذكرناه. وبه يظهر قوة ما ذهب إليه في المقنع.
بقي الكلام في ان الطواف الأول هل يكون باطلا ـ كما هو
ظاهر كلامه في المقنع ـ أم صحيحا كما هو ظاهر المشهور؟ وقد عرفت الكلام فيه آنفا ،
فان مقتضى الجمع بين الاخبار التخيير في الاعتداد به وجعله نافلة فيصلي له ركعتين
، أو إبطاله وعدم الصلاة له.
الثانية ـ قد أشرنا في ما تقدم الى ان المحقق الأردبيلي (قدسسره) قد استند في
القول بجواز الزيادة على الطواف الواجب عمدا إلى جملة من روايات هذه المسألة ،
ووعدنا بالكلام عليه في هذا المقام ، فنقول : قال (عطر الله مرقده) ـ بعد ذكر نحو
ما قدمنا نقله عن المدارك في تلك المسألة ، واحتمال حمل الإعادة في رواية أبي بصير
التي استدل بها الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الاستحباب ـ ما ملخصه : ويدل على
عدم البطلان والتحريم والحمل المذكور صحيحة محمد بن مسلم ، ثم ساق الرواية كما
قدمنا ، ثم عطف عليها صحيحة رفاعة ، وحمل ذكر الركعتين فيها على ما قدمنا نقله عن
الشيخ (قدسسره) قال :
وظاهرهما عام
وترك التفصيل قرينة العموم. ثم أورد
صحيحة زرارة وصحيحة معاوية بن وهب ، ثم قال : وهما كالصريحتين في ان الزيادة عمدا
وانه جائز ، لعدم جواز ان يسهو (عليهالسلام) في الفريضة
وزيادته ما لا يجوز زيادته عمدا. انتهى.
أقول : فيه (أولا) انه لا يخفى ان كل من كان عالما بان
الطواف المأمور به شرعا انما هو سبعة أشواط خاصة ـ كما عليه الاتفاق نصا وفتوى ـ فإنه
بحسب الغالب بل المتحتم من ذوي الديانة والتقوى ان لا يأتي بثمانية أشواط إلا عن
سهو ونسيان وربما اتى به عن جهل ، وإلا فالعالم بذلك لا يتعمد زيادة شوط عبثا ،
ولا سيما مثل الامام (عليهالسلام) حتى انه بعد
ذلك يضيف إليه ستة وجوبا أو استحبابا بناء على زيادة هذا الواحد ، بل كان ينبغي ان
يطوف طوافين متصلين أربعة عشر شوطا متصلة ، لا انه يزيد شوطا عمدا على هذا الطواف
المتقدم لأجل ان يزيد عليه ستة بعد ذلك ، فإن زيادة هذه الستة إنما استند الى
البناء على هذا الشوط الزائد وتتميمه طوافا آخر. وتوهم ذلك مجرد سفسطة وخيال ضعيف.
وهذه السؤالات في هذه الاخبار انما تكاثرت بالنسبة الى من زاد هذا الشوط ناسيا ،
فأجابوا بأنه يضيف إليه ستة. وكذلك فعل علي (عليهالسلام) على تقدير
تسليم صحته. وبالجملة فإنه مع علمه بان الطواف سبعة لا غير ، وان من زاد عليه شوطا
وجب عليه أو استحب له إتمام طواف آخر ، فلا معنى لان يزيد هذا الشوط عمدا لأجل أن
يجب عليه أو يستحب له إتمام طواف آخر بل ينبغي ان يزيد طوافا آخر من أول الأمر
ويقرن بينهما.
و (ثانيا) ان مقتضى ما ذكره من جواز تعمد ذلك هو جواز
القران في الفريضة عمدا ، وقد بينا سابقا ان الظاهر من الاخبار تحريمه
في الفريضة. ومع التنزل عن ذلك فلا
أقل من القول بالكراهة. ومن البعيد بل الأبعد تكاثر هذه الاخبار في أمر مكروه.
و (ثالثا) ان جملة من اخبار المسألة قد صرحت بكون هذه
الزيادة عن سهو ونسيان ، وان هذا الحكم انما ترتب على كونها عن سهو مثل صحيحة عبد
الله بن سنان ، ورواية أبي كهمس ، وصحيحة جميل المنقولة في السرائر المرتب عليها
حديث كتاب علي (عليهالسلام) ، ومرسلة
الشيخ المفيد (قدسسره) في المقنعة ،
ورواية كتاب الفقه الرضوي (1). وحينئذ فيجب
حمل ما أطلق من الاخبار على هذه الروايات المذكورة ، كما هو القاعدة المشهورة
والضابطة الغير المنكورة.
و (رابعا) ان تعلقه بزيادة أمير المؤمنين (عليهالسلام) المروية في
حديثي معاوية بن وهب وزرارة ـ مستندا إلى انه لا يجوز السهو عليه وانهما لذلك
كالصريحين في جواز الزيادة عمدا ـ فيه أن مجرد عدم تجويز السهو عليه لا يستلزم ما
ذكره ، لما عرفت فيه من الفساد. ولجواز خروج هاتين الروايتين مخرج التقية في
النقل. ومثلهما غير عزيز في الاخبار. ومثلهما الخبر المروي (2) «انه صلى جنبا
ناسيا فأمر مناديه بعد الصلاة ان ينادى في الناس بقضاء صلاتهم وانه صلى بهم جنبا».
ومثله غيره ، ولا محمل له إلا التقية. وسبيل هذين الخبرين سبيل هذا الخبر.
واما ما ذكره في المدارك في هذا المقام من ما يعطي
الجمود على ظاهر هذين الخبرين في جواز السهو عليه ـ مستندا الى مذهب ابن بابويه
وشيخه ، حيث قال بعد نقل صحيحة زرارة : ومقتضى الرواية وقوع السهو من
__________________
(1) ص 201 و 202 و 203.
(2) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة.
الإمام (عليهالسلام) وقد قطع ابن
بابويه بإمكانه ، ونقل عن شيخه محمد بن الحسن بن الوليد انه كان يقول : أول درجة
في الغلو نفي السهو عن النبي (صلىاللهعليهوآله). انتهى.
وظاهره الميل الى ما ذكره ابن بابويه هنا لأجل التوصل الى العمل بالرواية المذكورة
ـ ففيه ان كلام الصدوق (قدسسره) وشيخه لا
عموم فيه لجميع المعصومين (عليهمالسلام) وانما هو
مخصوص بالنبي (صلىاللهعليهوآله). ثم لا مطلقا
ايضا بل مخصوص بالصلاة والنوم كما هو مورد تلك الاخبار. وان سهوه (صلىاللهعليهوآله) في ذينك
الموضعين كان من الله (تعالى) لمصلحة في ذلك ، فدعوى العموم ـ كما يفهم من كلامه
وكلام غيره ـ ليس في محله. ومنه يظهر انه لا يجوز العمل بظاهر هذه الاخبار بل
الواجب حملها على التقية كما ذكرناه ، وبه يزول الاشكال. والله العالم.
الثالثة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بأنه انما يثبت إكمال الأسبوعين إذا لم يذكر حتى يبلغ الركن ، فان ذكر قبل ذلك وجب
القطع. واستدل عليه الشيخ برواية أبي كهمس المتقدمة (1).
قال في المدارك بعد نقل هذه الرواية : وهذه الرواية
معارضة بما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم. ثم أورد صحيحة عبد الله بن سنان
المتقدمة (2) وقال بعدها :
وقال الشيخ في الاستبصار : ان هذا الخبر مجمل ورواية أبي كهمس مفصلة ، والحكم بالمفصل
اولى منه بالمجمل. وهو جيد لو تكافأ السندان ، لكن الرواية الأولى ضعيفة الاسناد
وهذه الرواية
__________________
(1) ص 202.
(2) ص 201.
معتبرة الإسناد. انتهى.
أقول : هذه الرواية وان كانت معتبرة الإسناد كما ذكر إلا
ان ما اشتملت عليه مخالف لأخبار المسألة كملا ، فإنها قد اتفقت على ان البناء على
الشوط الزائد وإتمامه بستة انما هو مع إتمام الشوط وحصول الذكر بعد تمامه ، حيث ان
الحكم فيها ترتب على حصول الثمانية كملا وان السهو انما عرض بعد تمام الثمانية ،
وظاهر هذه الرواية هو حصول الوهم قبل إكمال الثمانية. مع احتمال حمل الوهم فيها
على الشك أيضا ، فإن إطلاقه عليه في الاخبار غير عزيز ، وحينئذ فكيف يمكن العمل
عليها؟ على ان المعارضة لا تختص برواية أبي كهمس كما توهمه ، بل جميع روايات
المسألة معارضة لها كما عرفت ، ولكن هذه عادته (طاب ثراه) من التهالك على الأسانيد
ولا ينظر الى ما في متن الخبر من العلل الموجبة لرده ، كما نبهنا عليه في غير موضع
من شرحنا على الكتاب.
الرابعة ـ قد صرح شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في المسالك
بأن النية الواقعة بعد الذكر تؤثر في الشوط المتقدم ، كنية العدول في الصلاة
بالنسبة إلى تأثيرها في ما سبق. انتهى. وهو جيد. ومنه أيضا تأثير نية الصوم لما
تقدم من النهار لو أصبح مفطرا ثم عزم على الصوم قبل الظهر أو بعده ، كما تقدم في
كتاب الصوم ، فان صومه صحيح اتفاقا.
الخامسة ـ قد صرحت رواية جميل المذكورة المنقولة في
مستطرفات السرائر ـ وكذا كلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه ـ بأنه يصلي ركعتي طواف الفريضة أولا وصلاة النافلة بعد السعي. وهو المشهور
في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما قدمنا ذكره ، وصحيحة زرارة
وكذا رواية علي بن أبي حمزة قد صرحتا
بالتفريق ايضا لكن من غير تعيين لركعتي الفريضة ، ورواية أبي أيوب وكذا صحيحة
معاوية بن وهب ورواية أبي كهمس (1) قد صرحت بالأربع من غير تعرض للتفريق
فضلا عن بيان الفريضة منهما. والظاهر حمل مطلق هذه الاخبار على مقيدها في ذلك. إلا
انه قد صرح في المدارك بأن تأخير ركعتي طواف النافلة الى أن يأتي بالسعي انما هو
على سبيل الأفضلية ، قال : لإطلاق الأمر بصلاة الأربع في رواية أبي أيوب ، ولعدم
وجوب المبادرة بالسعي. وفيه ما عرفت من انه يمكن تقييد هذا الإطلاق بالروايات
الدالة على التفريق وهي الأكثر ، وان كان بعضها قد عين ان صلاة الفريضة هي الاولى
وصلاة النافلة هي التي بعد السعي ، وبعضها لم يعين فيه ذلك ، وهذا هو مقتضى
القاعدة المقررة عندهم المرتبطة بدلالة جملة من الاخبار. واما العمل بإطلاق تلك
الروايات ـ وحمل ما دل على تقديم ركعتي الفريضة على السعي وتأخير ركعتي النافلة
عنه على الاستحباب ـ فهو وان جروا عليه في جملة من الأبواب إلا انه لا مستند له من
سنة ولا كتاب ، كما تقدم بيانه.
المسألة السابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) انه لو نقص عدد طوافه ، أو قطعه لدخول البيت أو لحاجة أو لمرض أو لحدث ، أو
دخل في السعي فذكر انه لم يتم طوافه ، فان تجاوز النصف رجع فأتم ، ولو عاد إلى
أهله استناب ، ولو كان دون النصف استأنف.
وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع الأول ـ في من نقص عدد
طوافه ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو ما قدمناه
__________________
(1) ص 200 و 201 و 202.
من انه ان تجاوز النصف رجع وأتم ، ولو
عاد إلى أهله استناب ، ولو كان دونه استأنف.
ولم أقف له على دليل في الاخبار ، والموجود فيها من ما
يتعلق بذلك ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
الحسن بن عطية (1) قال : «سأله
سليمان بن خالد وانا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : وكيف طاف
ستة أشواط؟ قال : استقبل الحجر وقال الله أكبر ، وعقدا واحدا. فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : يطوف شوطا.
فقال سليمان : فإنه فاته ذلك حتى اتى أهله؟ قال : يأمر من يطوف عنه».
وفي الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «قلت :
رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر؟ قال : يعيد ذلك الشوط».
وروى المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن
صفوان ابن يحيى عن إسحاق بن عمار (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل طاف
بالبيت ثم خرج الى الصفا فطاف بين الصفا والمروة ، فبينما هو يطوف إذ ذكر انه قد
ترك بعض طوافه بالبيت؟ قال : يرجع الى البيت فيتم طوافه ، ثم يرجع الى الصفا
والمروة
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 109 ، والكافي ج 4 ص 418 ، والفقيه ج 2 ص
248 ، والوسائل الباب 32 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 109 ، والوسائل الباب 31 من الطواف.
(3) الكافي ج 4 ص 418 ، والتهذيب ج 5 ص 109 و 110 عن الكليني ،
والفقيه ج 2 ص 248 ، والوسائل الباب 32 من الطواف.
فيتم ما بقي».
وهذه الروايات ـ كما ترى ـ لا اشعار فيها بما ذكروه من
التفصيل
والمنقول عن الشيخ (قدسسره) في التهذيب (1) انه قال : ومن
طاف بالبيت ستة أشواط وانصرف فليضف إليها شوطا آخر ولا شيء عليه ، فان لم يذكر
حتى يرجع الى أهله أمر من يطوف عنه. وهو ظاهر في البناء مع الإخلال بالشوط الواحد
كما هو المذكور في صحيحة الحسن بن عطية المذكورة. وربما أشعر التخصيص بذكر الشوط
الواحد ان حكم ما زاد عليه خلاف ذلك.
قال في المدارك بعد ذكر نحو ذلك : والمعتمد البناء ان
كان المنقوص شوطا واحدا وكان النقص على وجه الجهل أو النسيان ، والاستئناف في غيره
مطلقا. لنا على البناء في الأول وجواز الاستنابة مع تعذر العود : ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
الحسن بن عطية. وساق الرواية المتقدمة ثم ساق صحيحة الحلبي ، ثم قال : ولنا على
الاستئناف في الثاني : فوات الموالاة المعتبرة بدليل التأسي ، والاخبار الكثيرة
كصحيحة الحلبي. ثم ساق الرواية الآتية ـ ان شاء الله تعالى ـ في قطع الطواف لدخول
البيت الدالة على قطع الطواف بعد ثلاثة أشواط وامره (عليهالسلام) بالإعادة ،
ثم صحيحة البختري الواردة أيضا في قطع الطواف لدخول البيت ، ثم حسنة الحلبي
الواردة في من اشتكى وقد طاف أشواطا ، حيث أمر (عليهالسلام) بالإعادة في
الجميع.
أقول : اما ما ذكره ـ من البناء في الشوط الواحد مع
الجهل أو النسيان ـ فهو جيد ، لما عرفته من الاخبار ، وظاهرها ان الترك كان على
أحد الوجهين المذكورين. وبهذا القيد صرح العلامة في جملة من كتبه ، وهو ظاهر كلام
غيره ايضا.
__________________
(1) ج 5 ص 109.
واما ما ذكره ـ من الإعادة في ما عدا ذلك ـ فلا اعرف له
وجها وجيها ، اما ما احتج به من فوات الموالاة بدليل التأسي فهو ضعيف ، إذ التأسي
ـ كما صرح به المحققون في الأصول وصرح به هو أيضا في مواضع من شرحه وان خالفه في
مواضع أخر ـ لا يصلح للدلالة على الوجوب ، فان فعلهم (عليهمالسلام) أعم من ذلك ،
نعم هو دليل على الرجحان في الجملة. وهو ظاهر.
واما الاخبار المذكورة فموردها غير محل البحث ، لان
الظاهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان ما ذكرناه من هذه المواضع المشار
إليها في صدر المسألة متغايرة لا يدخل بعضها تحت بعض ، فان الظاهر من قولهم ـ : من
نقص طوافه ، ثم عطفهم عليه من قطع طوافه لدخول البيت ، وهكذا ـ ان كلا منها غير
الآخر ، فالمراد ممن نقص طوافه انه فعل ذلك لا لغرض من الأغراض ، بل اما ان يكون
تعمد ترك بعض طوافه أو سها عنه أو جهله. وكذا الأخبار المذكورة ، فإن الظاهر منها
ايضا ذلك. وحينئذ فالاستدلال بهذه الأخبار الواردة في قطع الطواف لدخول البيت أو
لمرض أو نحو ذلك ليس في محله ، بل هذه مسائل على حدة يأتي الكلام فيها ان شاء الله
تعالى.
وأعجب من ذلك ان المحقق الأردبيلي استدل على ما ذكره
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة بهذه الأخبار الواردة في قطع الطواف
لدخول البيت ونحوها من الاخبار الواردة في قطعه لعيادة المريض ونحو ذلك.
وبالجملة فإن المسألة عندي محل إشكال ، فإني لا اعرف
لهذا الحكم دليلا سوى الروايات التي تقدمت ، وهي قاصرة عن افادة
التفصيل الذي ذكروه.
بقي الكلام في الرواية الثالثة (1) حيث تضمنت ترك
بعض طوافه وهو مجمل ، وقد أمر (عليهالسلام) بالبناء فيها
، والحمل على ما ذكر في تلك الرواية من الشوط الواحد غير بعيد. إلا ان الظاهر ان
مورد هذه الرواية خارج عن ما نحن فيه. وسيأتي الكلام فيها ان شاء الله (تعالى)
قريبا. والله العالم.
الثاني ـ في من قطعه لدخول البيت فإنه يجب عليه ما تقدم
من التفصيل بتجاوز النصف وعدمه. والاشكال فيه كما في سابقه ، فاني لم أقف في
الاخبار هنا ايضا على ما يدل على ذلك.
ومنها : صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوة فدخله ، كيف يصنع؟ قال : يعيد
طوافه ، وخالف السنة».
وصحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) «في من كان
يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة فدخلها؟ قال يستقبل طوافه».
وصحيحة ابن مسكان (4) قال : «حدثني من سأله عن رجل طاف
بالبيت طواف الفريضة ثلاثة أشواط ثم وجد خلوة من البيت فدخله قال : نقض طوافه
وخالف السنة ، فليعد».
ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر
البزنطي
__________________
(1) ص 213 الرقم 3.
(2 و 4) التهذيب ج 5 ص 118 ، والوسائل الباب 41 من الطواف.
(3) الفقيه ج 2 ص 247 ، والوسائل الباب 41 من الطواف.
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) مثله (1).
وموثقة عمران الحلبي (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف
بالبيت ثلاثة أشواط من الفريضة ثم وجد خلوة من البيت فدخله. قال : يقضي طوافه ،
وقد خالف السنة ، فليعد طوافه».
وهذه الروايات ـ كما ترى ـ لا اشارة فيها فضلا عن
التصريح للتفصيل الذي ذكروه ، بل ظاهر صحيحة حفص بن البختري وجوب الإعادة متى قطعه
لدخول البيت مطلقا. والى العمل بها مال في المدارك فاختار بطلان الطواف بقطعه
لدخول الكعبة مطلقا بلغ النصف أو لم يبلغ. وهو جيد.
الثالث ـ في من قطعه لحاجة ، والروايات في هذا الموضع
مختلفة.
فمنها : صحيحة أبان بن تغلب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) «في رجل طاف
شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة؟ فقال : ان كان طواف نافلة بنى عليه ، وان
كان طواف فريضة لم يبن عليه».
وروى ابن بابويه في الصحيح عن صفوان الجمال (4) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يأتي
أخاه وهو في الطواف؟ فقال : يخرج معه في حاجته ثم يرجع ويبني على طوافه».
__________________
(1) الوسائل الباب 41 من الطواف.
(2) الكافي ج 4 ص 414 ، والوسائل الباب 41 من الطواف.
(3) الكافي ج 4 ص 413 ، والتهذيب ج 5 ص 119 ، والوسائل الباب
41 من الطواف.
(4) الفقيه ج 2 ص 248 ، والوسائل الباب 42 من الطواف.
وذكر ابن بابويه (1) ان في نوادر ابن ابي عمير عن بعض
أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) انه قال «في
الرجل يطوف فتعرض له الحاجة؟ قال : لا بأس بأن يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع
الطواف. وإذا أراد ان يستريح في طوافه ويقعد فلا بأس به. فإذا رجع بنى على طوافه
وان كان أقل من النصف».
وروى الشيخ في الصحيح عن النخعي وجميل عن بعض أصحابنا عن
أحدهما (عليهماالسلام) (2) قال «في الرجل
يطوف ثم تعرض له الحاجة؟ قال : لا بأس ان يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع
الطواف. وان أراد ان يستريح ويقعد فلا بأس بذلك. فإذا رجع بنى على طوافه وان كان
نافلة بنى على الشوط والشوطين. وان كان طواف فريضة ثم خرج في حاجة مع رجل لم يبن
ولا في حاجة نفسه».
وروى الشيخ (قدسسره) في التهذيب (3) عن ابان بن
تغلب قال : «كنت مع ابي عبد الله (عليهالسلام) في الطواف
فجاءني رجل من إخواني فسألني ان امشي معه في حاجة ، ففطن بي أبو عبد الله (عليهالسلام) فقال : يا
ابان من هذا الرجل؟ قلت : رجل من مواليك سألني ان اذهب معه في حاجته. فقال : يا
ابان اقطع طوافك وانطلق معه في حاجته فاقضها له. فقلت : اني لم أتم طوافي. قال : أحص
ما طفت وانطلق معه في حاجته. فقلت : وان كان في فريضة قال : نعم وان كان في فريضة.
قال : يا ابان وهل تدري ما ثواب
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 247 ، والوسائل الباب 41 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 120 و 121 ، والوسائل الباب 41 من الطواف.
(3) ج 5 ص 120 ، والوسائل الباب 41 من الطواف.
من طاف بهذا البيت أسبوعا؟ فقلت : لا
والله ما ادري. قال : تكتب له ستة آلاف حسنة وتمحى عنه ستة آلاف سيئة وترفع له ستة
آلاف درجة ـ قال : وروى إسحاق بن عمار : وتقضى له ستة آلاف حاجة ـ ولقضاء حاجة
مؤمن خير من طواف وطواف ، حتى عد عشرة أسابيع. فقلت له : جعلت فداك أفريضة أم
نافلة؟ فقال : يا أبان إنما يسأل الله العباد عن الفرائض لا عن النوافل».
وروى في الكافي (1) عن سكين بن عمار عن رجل من أصحابنا
يكنى أبا أحمد قال : «كنت مع ابي عبد الله (عليهالسلام) في الطواف ـ ويده
في يدي أو يدي في يده ـ إذ عرض لي رجل له الي حاجة أومأت إليه بيدي فقلت له : كما
أنت حتى افرغ من طوافي. فقال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) : ما هذا؟
فقلت : أصلحك الله رجل جاءني في حاجة فقال لي : أمسلم هو؟ قلت : نعم. فقال لي :
اذهب معه في حاجته. فقلت له : أصلحك الله فاقطع الطواف؟ قال : نعم. قلت : وان كنت
في المفروض؟ قال : نعم وان كنت في المفروض. قال : وقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : من مشى مع
أخيه المسلم في حاجة كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف
ألف درجة».
أقول : قد دلت صحيحة أبان بن تغلب ومرسلة النخعي وجميل
على انه يبني على الشوط والشوطين في طواف النافلة ولا يبني في طواف الفريضة ،
ورواية أبان بن تغلب ومرسلة سكين على جواز قطع الطواف والبناء مطلقا. ويعضدهما
إطلاق مرسلة ابن ابي عمير وصحيحة صفوان الجمال. ووجه الجمع بينها يقتضي تخصيص
إطلاق هذه الروايات
__________________
(1) ج 4 ص 414 و 415 ، والتهذيب ج 5 ص 119 ، والوسائل الباب 42
من الطواف.
بالخبرين المذكورين ، بمعنى انه يبني
في الفريضة متى قطع للحاجة إلا في ما إذا قطع على شوط أو شوطين فإنه يعيد.
أقول : ومن اخبار المسألة أيضا ما رواه في الكافي (1) عن ابي عزة
قال : «مر بي أبو عبد الله (عليهالسلام) وانا في
الشوط الخامس من الطواف ، فقال لي : انطلق حتى نعود ههنا رجلا. فقلت له : انما انا
في خمسة أشواط فأتم أسبوعي. قال : اقطعه واحفظه من حيث تقطع حتى تعود الى الموضع
الذي قطعت منه فتبني عليه».
وما رواه في التهذيب (2) عن ابي الفرج قال : «طفت مع ابي عبد
الله (عليهالسلام) خمسة أشواط ،
ثم قلت : اني أريد أن أعود مريضا. فقال : احفظ مكانك ثم اذهب فعده ثم ارجع فأتم
طوافك».
والأمر في هذين الخبرين سهل ، لأنهما ان حملا على
الفريضة فلا إشكال في جواز البناء ، وان حملا على النافلة فالحكم أظهر ، للاتفاق
نصا وفتوى على جواز البناء على ما دون النصف.
وكيف كان فهذه الاخبار على كثرتها لا تعرض فيها لما
ذكروه من التفصيل بوجه ، ولو كان الحكم مبنيا عليه لصرحوا به ولو بالإشارة إليه.
الرابع ـ في من قطعه لمرض ، والذي وقفت عليه من الاخبار
في هذه الصورة ما رواه في الكافي (3) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا
طاف الرجل بالبيت أشواطا
__________________
(1) ج 4 ص 414 ، والوسائل الباب 41 من الطواف.
(2) ج 5 ص 119 ، والوسائل الباب 41 من الطواف.
(3) ج 4 ص 414 ، والوسائل الباب 45 من الطواف.
ثم اشتكى أعاد الطواف ، يعني :
الفريضة».
وعن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليهالسلام) (1) «في رجل طاف
طواف الفريضة ثم اعتل علة لا يقدر معها على إتمام الطواف؟ فقال : ان كان طاف أربعة
أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تم طوافه ، وان كان طاف ثلاثة أشواط ولا
يقدر على الطواف فان هذا من ما غلب الله عليه ، فلا بأس بأن يؤخر الطواف يوما أو
يومين ، فان خلته العلة عاد فطاف أسبوعا ، وان طالت علته أمر من يطوف عنه أسبوعا ،
ويصلي هو ركعتين ، ويسعى عنه ، وقد خرج من إحرامه. وكذلك يفعل في السعي وفي رمي
الجمار».
قال في المدارك ـ بعد الاستدلال على ما ذكره المصنف من
التفصيل برواية إسحاق بن عمار ، وان هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) ـ ما صورته : ويتوجه على هذه الرواية (أولا) الطعن من حيث السند بان
من جملة رجالها اللؤلؤي ، ونقل الشيخ عن ابن بابويه انه ضعفه. وان راويها وهو
إسحاق بن عمار قيل انه فطحي. و (ثانيا) انها معارضة بما رواه الكليني في الحسن عن
الحلبي. ثم ساق الرواية الاولى ، ثم قال : والمسألة محل تردد ، ولعل الاستئناف
مطلقا اولى. انتهى.
أقول : اما ما طعن به من حيث الاسناد فقد تقدم الجواب
عنه مرارا. واما من حيث المعارضة برواية الحلبي فغاية ما يلزم ان رواية الحلبي هنا
مطلقة بالنسبة إلى ترتب الإعادة على الأشواط التي هي أعم
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 414 ، والتهذيب ج 5 ص 124 ، والوسائل الباب
45 من الطواف.
من تجاوز النصف وعدمه ، والواجب تقييد
هذا الإطلاق برواية إسحاق بن عمار وما دلت عليه من التفصيل. وحينئذ فهذان الخبران
ظاهران في ما ذكره الأصحاب من التفصيل. فلا إشكال في هذه الصورة.
الخامس ـ في من قطعه لحدث ، ويدل عليه ما رواه في الكافي
(1) في الصحيح أو
الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) «في الرجل
يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه؟ قال : يخرج فيتوضأ ، فإن كان جاز النصف بنى
على طوافه ، وان كان أقل من النصف أعاد الطواف». ورواه الشيخ (قدسسره) في التهذيب (2) في الصحيح عن
جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهماالسلام) مثله. وهذا
الخبر ايضا ظاهر في التفصيل المذكور فلا اشكال.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) بعد ذكر
الحائض في أثناء الطواف وانها تبنى بعد تجاوز النصف لا قبله : وكذلك الرجل إذا
أصابته علة وهو في الطواف لم يقدر على إتمامه خرج وأعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز
نصفه فان جاز نصفه فعليه ان يبنى على ما طاف. انتهى.
أقول : والمراد من العلة بالنسبة الى الرجل هو ما تضمنه
هذا الموضع وما قبله من المرض والحدث. فالخبر المذكور دليل لهذين الموضعين. وفيه
إشارة الى عدم البناء في غيرهما وإلا لعده (عليهالسلام) في عدادهما
كما لا يخفى.
__________________
(1) ج 4 ص 414 ، والوسائل الباب 40 من الطواف.
(2) ج 5 ص 118.
(3) ص 30.
السادس ـ لو دخل في السعي فذكر أنه لم يتم طوافه ،
فالمشهور انه ان تجاوز النصف رجع فأتم طوافه ثم أتم سعيه. ولم أقف لهذا التفصيل في
هذه المسألة على مستند.
وأطلق الشيخ (قدسسره) على ما نقل
عنه ، والمحقق في النافع والعلامة في المنتهى وجملة من كتبه إتمام الطواف من غير
فرق بين تجاوز النصف وعدمه.
واستدلوا على ذلك بموثقة إسحاق بن عمار المتقدمة في
الموضع الأول ومقتضاها البناء مطلقا وان لم يتجاوز النصف.
ومن ما يؤكد ذلك ما اشتملت عليه زيادة على ما قدمناه
منها حيث قال (1) : «قلت : فإنه
بدأ بالصفا والمروة قبل ان يبدأ بالبيت؟ فقال : يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف
طوافه بين الصفا والمروة. قلت : فما الفرق بين هذين؟ قال : لان هذا قد دخل في شيء
من الطواف وهذا لم يدخل في شيء منه». وهو ظاهر ـ كما ترى ـ في انه يكفي في البناء
الإتيان بشيء من الطواف. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر. والله العالم.
تنبيه
المفهوم من كلام شيخنا الشهيد في الدروس ان مبنى هذا
التفصيل في هذه المواضع على وجوب الموالاة في الطواف ، قال (قدسسره) في تعداد
واجبات
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 421 ، والتهذيب ج 5 ص 130 ، والفقيه ج 2 ص
252 ، والوسائل الباب 63 من الطواف.
الطواف : وحادي عشرها الموالاة فيه ،
فلو قطعه في أثنائه ولما يطف أربعة أشواط أعاد ، سواء كان لحدث أو خبث أو دخول
البيت أو صلاة فريضة على الأصح أو نافلة أو لحاجة له أو لغيره أم لا. اما النافلة
فيبني فيها مطلقا ، وجوز الحلبي البناء على شوط إذا قطعه لصلاة فريضة. وهو نادر
كما ندر فتوى النافع بذلك ، وإضافته الوتر. وانما يباح القطع لفريضة أو نافلة يخاف
فوتها ، أو دخول البيت ، أو ضرورة ، أو قضاء حاجة مؤمن. ثم إذا عاد بنى من موضع
القطع. ولو شك فيه أخذ بالاحتياط. انتهى كلامه (زيد مقامه).
وفيه نظر من وجوه : الأول ـ ان ما ادعاه من وجوب
الموالاة لم نقف له على دليل إلا ما ذكره في المدارك من التأسي ، وقد بينا ما فيه
آنفا. وليس بعد ذلك إلا مجرد الشهرة بينهم ، وإلا فالأخبار خالية منه بل صريحة في
رده ، كما عرفت من إطلاق روايتي أبان بن تغلب وسكين ابن عمار وصحيحة صفوان وغيرها
من الروايات المتقدمة.
الثاني ـ ان ما ذكره من التفصيل في هذه المواضع قد عرفت
ان الاخبار في أكثرها لا تساعد عليه كما أوضحناه ، والذي يدل منها على ذلك انما هو
في صورتي القطع للمرض والحدث حسبما بيناه.
الثالث ـ ان ما ذكره ـ من عد الخبث في عداد هذه
المذكورات وانه يجري فيه هذا التفصيل ـ من ما ترده الأخبار الواردة في المسألة :
ومنها : ما رواه الصدوق (قدسسره) عن حماد بن
عثمان عن حبيب ابن مظاهر (1) قال : «ابتدأت
في طواف الفريضة فطفت شوطا واحدا فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه ، فخرجت فغسلته
ثم جئت فابتدأت
__________________
(1) ارجع الى التعليقة 4 ص 198.
الطواف. فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليهالسلام) فقال : بئسما
صنعت كان ينبغي لك ان تبني على ما طفت. ثم قال : اما انه ليس عليك شيء».
وعن يونس بن يعقوب (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام): رأيت في
ثوبي شيئا من دم وانا أطوف؟ قال : فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله ثم عد فابن على
طوافك».
فالأولى صريحة في وجوب البناء قبل النصف ، والثانية دالة
على ذلك بإطلاقها.
الرابع ـ ان ما عده من صلاة الفريضة وان هذا التفصيل
يجري فيها من ما لا تساعده الأخبار ولا كلام غيره من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
اما الأخبار فمنها : صحيحة عبد الله بن سنان (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل كان
في طواف النساء فأقيمت الصلاة. قال : يصلي معهم
الفريضة فإذا فرغ بنى من حيث قطع».
وحسنة هشام عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (3) انه قال : «في
رجل كان في طواف فريضة فأدركته صلاة فريضة. قال : يقطع طوافه ويصلي الفريضة ثم
يعود فيتم ما بقي عليه من طوافه».
وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) (4)
__________________
(1) الوسائل الباب 52 من الطواف.
(2) الكافي ج 4 ص 415 والتهذيب ج 5 ص 121 والفقيه ج 2 ص 247
والوسائل الباب 43 من الطواف.
(3) الكافي ج 4 ص 415 والتهذيب ج 5 ص 121 والوسائل الباب 43 من
الطواف.
(4) الكافي ج 4 ص 415 والتهذيب ج 5 ص 122 والفقيه ج 2 ص 247
والوسائل الباب 44 من الطواف.
قال : «سألته عن الرجل يكون في الطواف
قد طاف بعضه وبقي عليه بعضه فيطلع الفجر ، فيخرج من الطواف الى الحجر أو الى بعض
المسجد إذا كان لم يوتر فيوتر ، ثم يرجع الى مكانه فيتم طوافه ، افترى ذلك أفضل أم
يتم الطواف ثم يوتر وان أسفر بعض الاسفار؟ قال : ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت
ذلك ثم أتم الطواف بعد».
وهذه الأخبار كلها ـ كما ترى ـ مطلقة في جواز القطع
للصلاة والبناء بعد الفراغ أعم من ان يكون قبل النصف أو بعده ، والخبران الأولان
صريحان في الطواف الواجب ، والثالث دال على ذلك بإطلاقه. وبذلك يظهر ان ما نقله عن
الحلبي من البناء على شوط إذا قطعه لصلاة الفريضة لا بعد فيه ، لدلالة إطلاق هذه
الأخبار عليه.
واما كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) فقد اعترف بتصريح
المحقق في النافع بذلك وان نسبه الى الندرة ، حيث صرح بجواز القطع للفريضة والبناء
وان لم يبلغ النصف. وهذا هو ظاهر كلام العلامة في المنتهى ، حيث قال : ولو دخل
عليه وقت فريضة وهو يطوف قطع الطواف وابتدأ بالفريضة ثم عاد فيتم طوافه من حيث
قطع. وهو قول العلماء الا مالكا فإنه قال يمضي في طوافه من حيث قطع. وهو قول
العلماء الا مالكا فإنه قال يمضي في طوافه ولا يقطعه الا ان يخاف ان يضر بوقت
الصلاة (1) انتهى. وهو
ظاهر ـ كما ترى ـ في التعميم ، فإن إطلاق كلامه يقتضي عدم الفرق بين تجاوز النصف
وعدمه. ونحوه كلامه في غيره وغيره في غيره.
الخامس ـ ان ما طعن به على المحقق ـ في إضافة الوتر إلى
الصلاة الواجبة وانه يقطع لأجلها الطواف ونسبته له إلى الندرة ـ مردود بما قدمناه
من دلالة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج على ذلك ، فالرد لهذا القول رد
__________________
(1) المغني ج 3 ص 413 طبع مطبعة المنار.
للرواية ، مع انها لا معارض لها. وهو من
ما لا يقول به محصل.
السادس ـ ان ما ذكره ـ من انه انما يباح القطع «يعني :
بعد النصف» للفريضة أو نافلة يخاف فوتها أو دخول البيت. الى آخره ـ مدخول بأن
الأخبار الواردة في جميع هذه الصورة لا دلالة لها على التفصيل الذي ادعاه سوى
أخبار صورتي المرض والحدث ، بل ظاهر صحيحة حفص بن البختري كما عرفت آنفا تحريم
القطع لدخول البيت مطلقا وان كان بعد النصف. وبالجملة فإن
كلامه (قدسسره) في هذا
المقام لا ينطبق على ما نقلناه من اخبارهم (عليهمالسلام) بل هي ظاهرة
في رده كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
فوائد : الأولى ـ قال في المدارك ـ في شرح قول المصنف (قدسسره) : السادسة من نقص من طوافه ، فان جاوز النصف رجع فأتم ،
وان كان دون ذلك استأنف ـ ما لفظه : لا يخفى ان النقص المقتضى لوجوب الاستيناف
انما يتحقق مع فوات الموالاة والا وجب الإتمام قولا واحدا. انتهى.
أقول : فيه (أولا) ان هذه الموالاة المدعاة في كلامهم لم
يقم عليها دليل بل الأخبار ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ ظاهرة في عدم وجوبها. و (ثانيا)
ان اخبار هذه المسألة وهي المتقدمة في الموضع الأول ، منها ما هو مطلق كصحيحة
الحسن بن عطية وصحيحة الحلبي ، وتقييدهما يحتاج الى دليل ، ومنها ما هو صريح في
عدم وجوب الموالاة وهي موثقة إسحاق بن عمار الدالة على أن من طاف بالبيت ثم خرج
الى الصفا والمروة وطاف بهما ثم ذكر نقصان طوافه (1) فإنه لا ريب
في فوات الموالاة بهذه المدة ، مع انه (عليهالسلام) امره بالبناء
على ما طافه ولم يأمره بالاستئناف.
الثانية ـ قال ايضا : وذكر الشارح وغيره ان المراد
بمجاوزة النصف
__________________
(1) ص 213.
إتمام الأربع لا مطلق المجاوزة. وما
وقفت عليه في هذه المسألة من النص خال من هذا اللفظ فضلا عن تفسيره. انتهى.
أقول : لا يخفى انه لم يرد التفصيل الذي ذكروه بالمجاوزة
وعدمها إلا في رواية إسحاق بن عمار المتقدمة في الموضع الرابع ، ومرسلة ابن ابي
عمير المتقدمة في الموضع الخامس ، والاولى دلت على صحة الطواف إذا طاف أربعة وانه
يأمر من يطوف عنه ثلاثة ، والثانية دلت على انه ان كان جاز النصف يبنى على طوافه ،
وان كان أقل من النصف أعاد الطواف.
والجمع بين الخبرين يقتضي حمل الجواز عن النصف على إتمام
الأربعة كما تضمنه الخبر الأول. فالحكم بصحة الطواف مع إتمام الأربعة لا ريب فيه ،
وان كان أقل من ذلك فله مراتب : أحدها ـ ان يكون على النصف الحقيقي ، الثانية ـ ان
ينقص عنه ، الثالثة ـ ان يزيد على وجه لا يتم شوطا والخبر انما دل على الإعادة في
الثانية ، وحكم المرتبتين الباقيتين غير معلوم من الخبر والاحتياط يقتضي الإعادة
وعدم البناء فيهما وتخصيص البناء بإكمال الأربعة.
الثالثة ـ ظاهر الاخبار وكلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
انه يجب حفظ الموضع الذي يقطع منه في الصورة التي يجوز القطع فيها ليكمل منه بعد
العود. والظاهر ان الوجه في المحافظة عليه خوف الزيادة والنقصان في الطواف.
وجوز العلامة في المنتهى البناء على الطواف السابق من
الحجر وان وقع القطع في أثناء الشوط ، بل جعل ذلك أحوط من البناء من موضع القطع
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو صريح في عدم تأثير مثل هذه الزيادة. ولا بأس
به. انتهى.
أقول : لا اعرف لنفيه البأس عن ذلك وجها مع تكاثر النصوص
بالأمر
بالبناء من موضع القطع وعدم وجود ما
يعارضها في المقام ، فمن ذلك ما تقدم في الموضع الثالث من الروايات الدالة على انه
يبنى على طوافه. وأصرح منها
رواية أبي غرة (1) وقوله فيها : «واحفظه
من حيث تقطع حتى تعود الى الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه». ورواية أبي الفرج ،
وقوله فيها : «احفظ مكانك ثم اذهب فعده ثم ارجع فأتم طوافك». ورواية يونس بن يعقوب
، وقوله فيها : «فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله ثم عد فابن على طوافك». والخروج عن
مقتضى هذه الأوامر من غير دليل شرعي مشكل. وبذلك يظهر ان ما ذكره من ان الاحتياط
في الإعادة من الحجر انما هو ضد الاحتياط. والله العالم.
المسألة الثامنة ـ لو شك في عدد الطواف فههنا صور : الاولى
ـ أن يشك في عدده بعد الانصراف منه. والظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) في انه لا يلتفت. ويدل عليه مضافا الى الأصل عموم قوله (عليهالسلام) (2) في صحيحة
زرارة : «إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء».
الثانية ـ ان يكون في الأثناء ويكون الشك في الزيادة.
والظاهر انه لا خلاف في انه يقطع طوافه ولا شيء عليه. وعلله في المنتهى بأنه
متيقن الإتيان بالسبع ويشك في الزائد والأصل عدمه. انتهى.
والأظهر الاستدلال عليه بما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
الحلبي (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف
__________________
(1) ص 220 و 225.
(2) الوسائل الباب 23 من الخلل الواقع في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 35 من الطواف.
بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة
طاف أم ثمانية. فقال : اما السبعة فقد استيقن وانما وقع وهمه على الثامن فليصل
ركعتين».
وعن الحلبي في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «قلت له
: رجل طاف فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية؟ قال : يصلي ركعتين».
وما نقله ابن إدريس في مستطرفات السرائر من نوادر احمد
بن محمد ابن ابي نصر البزنطي عن جميل (2) «انه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف
فلم يدر سبعا طاف أم ثمانيا. قال : يصلي ركعتين».
قال في المسالك : انما يقطع مع شك الزيادة إذا كان على
منتهى الشوط واما لو كان في أثنائه بطل طوافه ، لتردده بين محذورين : الإكمال
المحتمل للزيادة عمدا والقطع المحتمل للنقيصة.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ويتوجه عليه منع
احتمال تأثير الزيادة كما سيجيء في مسألة الشك في النقصان. انتهى.
أقول : مورد روايات المسألة هو وقوع الشك بعد إتمام
الشوط المشكوك في كونه ثامنا أو سابعا ، وانه يبنى على السبعة ولا يلتفت الى الشك
، اما لو كان في الأثناء قبل الإتمام فيحتمل ان يكون الحكم فيه ما ذكره في المسالك
من بطلان الطواف ، لما ذكره ، ويحتمل الإتمام والبناء على السبعة كما ذكره في
المدارك ليحصل يقين السبعة. وما ذكره من منع تأثير احتمال الزيادة ـ كما سيجيء في
الشك في النقصان ـ انما يتم بناء على ما اختاره في المسألة المذكورة من البناء على
الأقل والإتمام. وسيظهر لك ـ ان شاء الله تعالى ـ انه لا دليل عليه ، بل الأدلة
واضحة في رد وضعفه مصرحة بوجوب
__________________
(1) الوسائل الباب 35 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 35 من الطواف.
الإعادة في الصورة المشار إليها. وبه
يظهر قوة ما ذكره جده (قدسسره) فان الظاهر
انه لا وجه للحكم بالإبطال في صورة الشك في النقيصة دون الإتمام إلا من حيث احتمال
الزيادة الموجبة للبطلان ، ومقتضى قوله (عليهالسلام) في صحيحة
الحلبي ـ : «اما السبعة فقد استيقن وانما وقع وهمه على الثامن» ـ انه لو قطع قبل
إتمام الشوط المشكوك فيه لم يحصل يقين السبعة ، لاحتمال ان يكون هو السابع.
الثالثة ـ ان يكون الشك في الأثناء أيضا ولكن في
النقصان. والمشهور انه يستأنف في الفريضة.
قال في المختلف : اختلف الشيخان في حكم الشك في نقصان
الطواف فقال الشيخ (قدسسره) : لو شك في
طواف الفريضة هل طاف ستة أو سبعة؟ فإن انصرف لم يلتفت ، وان كان في حال الطواف وجب
عليه الإعادة. وكذلك لو شك في ما نقص عن الستة. وقال المفيد (قدسسره) من طاف
بالبيت فلم يدر ستا طاف أم سبعا فليطف طوافا آخر ليستيقن انه طاف سبعا. واختار
الأول ابن البراج ، وبه قال الصدوق (قدسسره) في كتاب
المقنع ومن لا يحضره الفقيه وابن إدريس ، وبالثاني قال الشيخ علي بن بابويه في
رسالته وأبو الصلاح ، وهو قول ابن الجنيد أيضا ، فإنه قال : وإذا شك في إتمام
طوافه تممه حتى يخرج منه على يقين ، وسواء كان شكه في شوط أو بعضه ، وان تجاوز
الطواف إلى الصلاة والى السعي ثم شك فلا شيء عليه ، وان كان في طواف الفريضة كان
الاحتياط خروجه منه على يقين من غير زيادة ولا نقصان ، وان كان في النافلة بنى على
الأقل. ثم قال (قدسسره) في
المختلف : والمعتمد الأول ، ثم ساق
الكلام في الاستدلال عليه.
أقول : والمعتمد عندي هو القول للأول ، والسيد السند في
المدارك قد اختار القول الثاني ، وهو مذهب الشيخ المفيد والشيخ علي بن الحسين بن
بابويه ونحن ننقل كلامه (قدسسره) ونبين ما فيه
، ومنه يظهر لك رجحان ما رجحناه وقوة ما اخترناه.
قال (قدسسره) بعد نقل
القول الثاني عن الجماعة المشار إليهم في كتاب المختلف : وهو المعتمد ، لنا :
الأصل ، وما رواه الكليني (قدسسره) في الصحيح عن
منصور بن حازم (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف
طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة. قال : فليعد طوافه. قلت : ففاته؟ فقال : ما
ارى عليه شيئا. والإعادة أحب الي وأفضل». وما رواه الشيخ في الصحيح ايضا عن منصور
بن حازم (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : اني طفت
فلم أدر ستة طفت أم سبعة فطفت طوافا آخر. فقال : هلا استأنفت؟ قلت : قد طفت وذهبت
قال : ليس عليك شيء». وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن رفاعة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) انه قال «في
رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة. قال : يبنى على يقينه». والبناء على اليقين هو
البناء على الأقل. احتج الشيخ (قدسسره) بما
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 416 والوسائل الباب 33 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 110 والوسائل الباب 33 من الطواف.
(3) الفقيه ج 2 ص 249 والوسائل الباب 33 من الطواف.
رواه عن محمد بن مسلم (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف
بالبيت فلم يدر أستة طاف أو سبعة طواف فريضة. قال : فليعد طوافه. قيل : انه قد خرج
وفاته ذلك؟ قال : ليس عليه شيء». وعن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) «في رجل لم يدر
أستة طاف أو سبعة. قال : يستقبل». وعن حنان بن سدير (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : ما تقول في
رجل طاف فأوهم ، فقال : اني طفت أربعة وقال : طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد الله (عليهالسلام): اي الطوافين
طواف نافلة أم طواف فريضة؟ ثم قال : ان كان طواف فريضة فليلق ما في يديه وليستأنف
، وان كان طواف نافلة واستيقن الثلاث وهو في شك من الرابع انه طاف فليبن على
الثالث فإنه يجوز له». والجواب عن هذه الروايات : (أولا) بالطعن في السند ، بان في
طريق الأولى عبد الرحمن بن سيابة وهو مجهول ، وفي طريق الثانية النخعي وهو مشترك
وراوي الثالثة وهو حنان بن سدير قال الشيخ (قدسسره) انه واقفي. (وثانيا)
بإمكان الحمل على الاستحباب كما يدل عليه قوله في صحيحة منصور : «والإعادة أحب الى
وأفضل» وكيف كان فينبغي القطع بعدم وجوب العود لاستدراك الطواف مع عدم الاستئناف
كما تضمنته الأخبار المستفيضة. انتهى كلامه (زيد مقامه).
وفيه نظر من وجوه : الأول ـ ان ما استدل به من صحيحة
منصور فهي بالدلالة على القول الأول أشبه ، إذ أقصى ما تدل عليه انه لا شيء عليه
بعد
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 110 والوسائل الباب 23 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 110 والوسائل الباب 33 من الطواف.
(3) التهذيب ج 5 ص 111 والوسائل الباب 33 من الطواف.
الذهاب. وهذا من ما لا نزاع فيه كما
أشار إليه في آخر كلامه من قوله : «وكيف كان فينبغي القطع بعدم وجوب العود. الى
آخره» ومحل الخلاف انما هو مع الحضور هل يجب عليه الاستئناف كما هو القول الأول أو
البناء على الأقل كما اختاره؟ والامام (عليهالسلام) في هذه
الرواية لما أخبره الراوي بأنه طاف طوافا آخر أنكر عليه بقوله : «هلا استأنفت»
يعني : ان الحكم الشرعي في هذه الصورة هو الاستئناف ، غاية الأمر انه لما أخبره
بأنه طاف وذهب وفات محل الاستئناف قال : «ليس عليك شيء». وقد عرفت انه مع الذهاب
لا نزاع في المسألة ، فقوله : «ليس عليك شيء» لا دلالة فيه على ما ادعاه كما هو
واضح. ومن ثم استدل العلامة (قدسسره) في المنتهى
بهذه الصحيحة على القول المشهور. وهو الحق الواضح الظهور كما أوضحناه وبيناه بما
لا يشوبه شائبة القصور.
الثاني ـ ان ما استدل به من صحيحة رفاعة فإن فيه ان صورة
ما في كتاب من لا يحضره الفقيه (1) هكذا : وروى عنه رفاعة انه قال : «في
رجل لا يدرى ستة طاف أو سبعة. قال : يبنى على يقينه. وسئل عن رجل لا يدرى ثلاثة
طاف أو أربعة. قال : طواف نافلة أو فريضة؟ قال : أجبني فيهما جميعا. قال : ان كان
طواف نافلة فابن على ما شئت ، وان كان طواف فريضة فأعد الطواف ، فان طفت بالبيت
طواف الفريضة ولم تدر ستة طفت أو سبعة فأعد طوافك. فان خرجت وفاتك ذلك فليس عليك
شيء». والمحدث الكاشاني في الوافي قد أورد هذه الجملة كما نقلناه ، وقال بعد ذلك
: بيان : قوله : «يبنى على يقينه» محمول على طواف النافلة كما يظهر من آخر الحديث.
وظاهره ان الجميع حديث واحد رواه رفاعة. وصاحب
__________________
(1) ج 2 ص 249 والوسائل الباب 23 من الطواف.
الوسائل أورده كذلك ايضا الى قوله : «وان
كان طواف فريضة فأعد الطواف» ولم يذكر ما بعده. والظاهر انه فهم ان هذه الزيادة من
كلام الصدوق (قدسسره) وذكر انه في
المقنع روى قوله : «وسئل عن رجل. الى أخر ما ذكره» مرسلا. والظاهر انه لأجل ذلك
حكم بكون هذه الزيادة من كلامه لا من الخبر. وظاهره ان قوله : «وسئل.» غير داخل في
خبر رفاعة. والشيخ الحسن في المنتقى نقل حديث رفاعة حسبما نقله السيد هنا وقال
بعده : قلت : وجه الجمع بين هذا الحديث والذي قبله ان يحمل هذا على إرادة النافلة
كما وقع التصريح به في جملة من الاخبار الضعيفة. انتهى. وكيف كان فالواجب حمل هذا
الخبر على ما ذكروه من النافلة كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.
الثالث ـ ما طعن به على رواية محمد بن مسلم ـ بان في
طريقها عبد الرحمن ابن سيابة وهو مجهول ـ فالجواب عنه ما افاده الشيخ حسن (قدسسره) في كتاب
المنتقى حيث قال بعد ذكر الخبر المذكور : هذا هو الموضع الذي ذكرناه في مقدمة
الكتاب انه اتفق فيه تفسير عبد الرحمن بابن سيابة ، ولا يرتاب الممارس في انه من
الأغلاط الفاحشة وانما هو ابن ابي نجران لان ابن سيابة من رجال الصادق (عليهالسلام) فقط ، إذ لم
يذكر في أصحاب أحد ممن بعده ولا توجد له رواية عن غيره ، وموسى بن القاسم من أصحاب
الرضا والجواد (عليهماالسلام) فكيف يتصور
روايته عنه ، واما عبد الرحمن بن ابي نجران فهو من رجال الرضا والجواد (عليهماالسلام) ورواية موسى
بن القاسم عنه معروفة مبينة في عدة مواضع ، وروايته هو عن حماد بن عيسى شائعة وقد
مضى منها اسناد عن قريب. وبالجملة فهذا عند المستحضر من أهل الممارسة غني عن
البيان. انتهى. والمحقق المذكور
عد الرواية في (صحي) وهو الصحيح عنده.
هذا مع الإغماض عن المناقشة في هذا الطعن ، لما عرفت في غير موضع من ما تقدم.
وبالجملة فالخبر المذكور صحيح صريح في المراد.
الرابع ـ ما طعن به في رواية معاوية بن عمار فإنه مع
تسليم ما جرى عليه من هذا الاصطلاح فهذا الخبر وان رواه الشيخ (قدسسره) في التهذيب (1) بهذا السند
الذي فيه النخعي الا ان ثقة الإسلام رواه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابي
عمير عن حماد عن الحلبي عنه (عليهالسلام) (2) وهذا السند
وان كان حسنا بإبراهيم بن هاشم الا انه ذكر في غير موضع من شرحه انه لا يقصر عن
الصحيح ، فقال في شرح قول المصنف في قطع الطواف لدخول البيت بعد نقل حسنة أبان
بإبراهيم : فان دخولها في قسم الحسن بواسطة إبراهيم بن هاشم ، وقد عرفت ان روايته
لا تقصر عن الصحيح كما بيناه مرارا. انتهى. أقول : وقد خالفه ايضا مرارا كما
أوضحناه في شرحنا على الكتاب من كتاب الطهارة والصلاة وحينئذ فتكون الرواية لما
ذكره هنا معتمدة حسنة كالصحيح عنده ، فيجب العمل بها وينتفي تطرق الطعن إليها.
الخامس ـ ان ما ادعاه ـ بعد طعنه في الاخبار المذكورة ـ من
حملها على الاستحباب ففيه :
(أولا) : ما قدمنا في غير موضع من انه وان اشتهر هذا
الجمع بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) الا انه لا دليل عليه من سنة ولا كتاب. وقد
تقدم الكلام في ذلك موضحا منقحا بما يغني عن الإعادة في الباب.
__________________
(1) ج 5 ص 110 والوسائل الباب 33 من الطواف.
(2) الكافي ج 4 ص 416 والوسائل الباب 33 من الطواف.
و (ثانيا) : انك قد عرفت بما حققناه وتبينت بما أوضحناه
انه لا دليل على ما ادعاه من القول المذكور بالكلية ليحتاج إلى تأويل هذه الاخبار
، فإنه ليس إلا صحيحة رفاعة المجملة ، والجمع بينها وبين هذه الاخبار الصحاح
الصراح في وجوب الإعادة يقتضي حملها على النافلة كما عرفت وتعرف.
السادس ـ ان من الاخبار الدالة على القول المشهور زيادة
على ما تقدم ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن منصور بن حازم (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف
طواف الفريضة فلم يدر أستة طاف أم سبعة. قال : فليعد طوافه. قلت : ففاته؟ قال : ما
ارى عليه شيئا والإعادة أحب الي وأفضل».
وما توهمه في المدارك وقدمنا نقله عنه ـ من دلالة هذه
الرواية على استحباب الإعادة حيث جعلها مستندا لحمله الأخبار المتقدمة على
الاستحباب ـ ضعيف ، لأن الإعادة التي جعلها (عليهالسلام) أحب وأفضل
انما هي بعد المفارقة ان امكنه ذلك لا الإعادة مع الحضور ، فإنه (عليهالسلام) بعد سؤال
السائل أوجب عليه الإعادة ، فلما أخبر السائل بأنه فاته ذلك يعني بمفارقة ذلك
المكان قال : «ما ارى عليه شيئا» وهذا مثل غيره من اخبار المسألة الدالة على انه
مع المفارقة لا يجب عليه العود والإعادة ، الا انه في هذا الخبر جعل الإعادة مع
الإمكان أفضل.
وما رواه أيضا في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «سالته
عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة. قال :
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 416 والوسائل الباب 33 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 33 من الطواف.
يستقبل قلت : ففاته ذلك؟ قال : ليس
عليه شيء».
وعن ابي بصير (1) قال : «قلت : رجل طاف بالبيت طواف
الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية؟ قال يعيد طوافه حتى يحفظ. الحديث».
وعن ابي بصير (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل شك في
طواف الفريضة. قال : يعيد كلما شك. قلت : جعلت فداك شك في طواف النافلة؟ قال : «يبنى
على الأقل».
وما رواه الشيخ (قدسسره) في التهذيب (3) عن احمد بن
عمر المرهبي عن ابي الحسن الثاني (عليهالسلام) قال : «قلت :
رجل شك في طوافه فلم يدر أستة طاف أم سبعة؟ قال : ان كان في فريضة أعاد كل ما شك
فيه ، وان كان في نافلة بنى على ما هو أقل».
وبالجملة فإنه لا دليل لهذا القول الثاني في الاخبار
التي وصلت إلينا الا انه مذكور في كتاب الفقه الرضوي (4) حيث قال (عليهالسلام): «وان شككت
فلم تدر سبعة طفت أم ثمانية وأنت في الطواف فابن على السبعة وأسقط واحدا واقطعه ،
وان لم تدر ستة طفت أم سبعة فأتمها بواحدة». وهو ظاهر الدلالة على القول المذكور.
وهذا هو مستند الشيخ علي بن بابويه كما عرفت من ما تقدم
في غير موضع ، ولو نقلت عبارته في الرسالة لعرفت انها عين عبارة الكتاب المذكور.
هذا كله في الشك في الفريضة ، واما في النافلة فإنه يبنى
على الأقل
__________________
(1) الوسائل الباب 33 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 33 من الطواف.
(3) ج 5 ص 110 والوسائل الباب 33 من الطواف.
(4) ص 27 و 28.
استحبابا وان تخير ، كما يدل عليه
الخبر المتقدم نقله (1) عن الصدوق (قدسسره) في من لا
يحضره الفقيه عن رفاعة كما هو أحد الاحتمالين المتقدمين ، أو هو خبر مرسل مستقل
كما هو الاحتمال الآخر. ونحوه من الاخبار المتقدمة.
المسألة التاسعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله
تعالى عليهم) أنه انه إذا حاضت المرأة في أثناء الطواف قطعته وانصرفت ، فان كان ما
طافته أكثر من النصف بنت عليه متى طهرت ، وان كان أقل استأنفت. واليه ذهب الشيخان
والشيخ علي بن بابويه ، ولابنه قولان : هذا أحدهما ذكره في المقنع ثم قال فيه (2) وروى : انه ان
كانت طافت ثلاثة أشواط أو أقل ثم رأت الدم حفظت مكانها ، فإذا طهرت طافت منه وأعدت
بما مضى. والثاني في كتاب من لا يحضره الفقيه (3) قال : وروى حريز عن محمد بن مسلم قال
: «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة
طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما قال : تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه
واعتدت بما مضى». وروى العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) مثله. قال :
وبهذا الحديث افتى دون الحديث الذي رواه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عن من سأل
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة
طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت. قال : تتم طوافها وليس عليها غيره ومتعتها
تامة ، ولها ان تطوف بين الصفا والمروة لأنها زادت على النصف ، وقد قضت متعتها
فلتستأنف بعد الحج ، وان هي لم
__________________
(1) ص 234.
(2) ص 22 الطبع القديم.
(3) ج 2 ص 241 والوسائل الباب 85 من الطواف.
تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج ،
فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو الى التنعيم فلتعتمر. قال :
لأن هذا الحديث إسناده منقطع والحديث الأول رخصة ورحمة وإسناده متصل. انتهى.
أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة زيادة
على هذين الخبرين ما رواه في الكافي (1) عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا
حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بين الصفا والمروة فجازت النصف فعلمت ذلك
الموضع ، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته ، فإن هي قطعت
طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من اوله».
وعن احمد بن عمر الحلال عن ابي الحسن (عليهالسلام) (2) قال : «سالته
عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت. قال : إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت
أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت ، فإذا قطعت طوافها في
أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من اوله».
وما رواه الشيخ في التهذيب (3) عن ابن مسكان
عن إبراهيم بن أبي إسحاق عن سعيد الأعرج قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة
طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت. قال : تتم طوافها فليس عليها غيره
ومتعتها تامة ، فلها ان تطوف بين الصفا والمروة ، وذلك لأنها زادت على النصف ، وقد
مضت متعتها ولتستأنف بعد الحج».
__________________
(1) ج 4 ص 448 والوسائل الباب 85 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 85 من الطواف.
(3) ج 5 ص 393 والوسائل الباب 86 من الطواف.
وقال في كتاب الفقه (1) : ومتى حاضت المرأة في الطواف خرجت
من المسجد فان كانت طافت ثلاثة أشواط فعليها ان تعيد ، وان كانت طافت أربعة أقامت
على مكانها ، فإذا طهرت بنت وقضت ما بقي عليها. ولا تجوز على المسجد حتى تتيمم
وتخرج منه. وكذلك الرجل إذا أصابته علة وهو في الطواف لم يقدر على إتمامه ، خرج
وأعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز نصفه ، فان جاوز نصفه فعليه ان يبنى على ما طاف. انتهى.
أقول : وهذه الاخبار كلها ـ ما عدا صحيحة محمد بن مسلم
التي استند إليها الصدوق ـ صريحة الدلالة واضحة المقالة في ان البناء انما هو بعد
تجاوز النصف ، والشيخ (قدسسره) حمل صحيحة
محمد بن مسلم على طواف النافلة جمعا بين الاخبار. وهو جيد. وما استند اليه الصدوق (قدسسره) ـ من ان حديث
إبراهيم بن إسحاق الذي ذكره إسناده منقطع ـ مردود بان الشيخ كما ذكرناه رواه متصلا
وبين الواسطة وهي سعيد الأعرج ، فزال به الانقطاع الذي طعن به. وبالجملة فإن ما
ذهب اليه (قدسسره) ضعيف ، للزوم
طرح هذه الاخبار لو عملنا بخبره ، ومتى عملنا بهذه الاخبار فالوجه في خبره ما ذكره
الشيخ (قدسسره).
أقول : ومن ما يؤيد أخبار القول المشهور ايضا ما رواه في
الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابن مسكان عن إسحاق بياع اللؤلؤ عن من سمع
أبا عبد الله (عليهالسلام) (2) يقول : «المرأة
المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم رأت الدم فمتعتها تامة» وزاد في التهذيب :
«وتقضى
__________________
(1) ص 30.
(2) الكافي ج 4 ص 449 والتهذيب ج 5 ص 393 والوسائل الباب 86 من
الطواف.
ما فاتها من الطواف بالبيت وبين الصفا
والمروة ، وتخرج إلى منى قبل ان تطوف الطواف الآخر».
أقول : الظاهر ان المراد بالطواف الآخر قضاء ما بقي من
الطواف الذي قطعته بعد الخروج إلى منى متى كان الحيض باقيا. وقد تقدم لنا تحقيق
زائد على ما ذكرناه في هذه المسألة في أبحاث المقدمة الرابعة فليراجع.
المسألة العاشرة ـ قال الشيخ (قدسسره) في النهاية :
لا يجوز للرجل ان يطوف وعليه برطلة. وقال في التهذيب : يكره للرجل ان يطوف وعليه
برطلة وقال ابن إدريس انه مكروه في طواف الحج محرم في طواف العمرة ، والى هذا
القول مال أكثر المتأخرين ، قالوا : لأنه في طواف العمرة قد غطى رأسه وهو محرم ،
وفي طواف الحج لا مانع من تغطيته فلا موجب للتحريم. والبرطلة على ما ذكره الأصحاب (رضوان
الله عليهم) بضم الباء الموحدة وإسكان الراء وضم الطاء المهملة وتشديد اللام
المفتوحة : قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما. وفي كتاب مجمع البحرين : البرطلة بالضم
: قلنسوة ، وربما تشدد. وفيه دلالة على ورودها بالتخفيف ايضا.
والأصل في هذه المسألة ما رواه في الكافي (1) عن زياد بن
يحيى الحنظلي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا
تطوفن بالبيت وعليك برطلة».
وعن يزيد بن خليفة (2) قال : رءاني أبو عبد الله (عليهالسلام) أطوف حول
الكعبة وعلي برطلة ، فقال لي بعد ذلك : قد رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلة ، لا
تلبسها حول الكعبة فإنها من زي اليهود». ورواه الصدوق
__________________
(1) ج 4 ص 427 والوسائل الباب 67 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 134 والوسائل الباب 67 من الطواف.
(قدسسره) أيضا (1).
أقول : أما ما ذكره ابن إدريس (قدسسره) من التحريم
في طواف العمرة للعلة التي ذكروها فهي لا تختص بالبرطلة ، والنهي عن لبسها قد ظهر
وجهه من هذا الخبر الأخير. وهو مشعر بالكراهة. وظاهر الخبر المذكور كراهة لبسها
مطلقا ، حيث علل ذلك بكونها من زي اليهود. وأظهر منه صحيحة هشام بن الحكم أو حسنته
المروية في الكافي (2) عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) «انه كره
لباس البرطلة».
المسألة الحادية عشرة ـ المريض لا يسقط عنه الطواف بل
يطاف به ان أمكن والا طيف عنه.
ويدل على الحكم الأول ما رواه في الكافي (3) عن الربيع بن
خيثم قال : «شهدت أبا عبد الله (عليهالسلام) وهو يطاف به
حول الكعبة في محمل وهو شديد المرض ، فكان كلما بلغ الركن اليماني أمرهم فوضعوه
على الأرض فأدخل يده في كوة المحمل حتى يجرها على الأرض ، ثم يقول : ارفعوني. فلما
فعل ذلك مرارا في كل شوط قلت له : جعلت فداك يا ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان هذا يشق
عليك. فقال : اني سمعت الله (عزوجل) يقول (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) (4) فقلت : منافع
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 255 والوسائل الباب 67 من الطواف.
(2) الفروع ج 2 ص 213 والوسائل الباب 42 من لباس المصلي و 31
من أحكام الملابس.
(3) ج 4 ص 422 والتهذيب ج 5 ص 122 والوسائل الباب 47 من الطواف
الرقم 8. لاحظ التعليقة في الوسائل الحديثة.
(4) سورة الحج الآية 28.
الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال : الكل».
وروى في من لا يحضره الفقيه (1) عن ابي بصير «ان
أبا عبد الله (عليهالسلام) مرض فأمر
غلمانه ان يحملوه ويطوفوا به ، فأمرهم أن يخطوا برجله الأرض حتى تمس الأرض قدماه
في الطواف».
وروى في التهذيب (2) في الصحيح عن صفوان بن يحيى قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل
المريض يقدم مكة ، فلا يستطيع ان يطوف بالبيت ولا يأتي بين الصفا والمروة. قال :
يطاف به محمولا يخطو الأرض برجليه حتى تمس الأرض قدميه في الطواف ، ثم يوقف به في
أصل الصفا والمروة إذا كان معتلا».
وعن حريز في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الرجل يطاف به ويرمى عنه؟ قال : فقال : نعم إذا كان لا يستطيع».
ويدل على الحكم الثاني ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) انه قال : «المبطون
والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما».
وفي الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «المريض
المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه».
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (6)
__________________
(1) ج 2 ص 251 والوسائل الباب 47 من الطواف.
(2) ج 5 ص 123 والوسائل الباب 47 من الطواف.
(3) التهذيب ج 5 ص 123 والوسائل الباب 47 من الطواف.
(4 و 5) الوسائل الباب 49 من الطواف.
(6) الكافي ج 4 ص 422 والوسائل الباب 49 من الطواف الرقم 3.
قال : «المبطون والكسير يطاف عنهما
ويرمى عنهما الجمار».
وعن حبيب الخثعمي في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «أمر
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان يطاف عن
المبطون والكسير».
وعن يونس بن عبد الرحمن البجليّ (2) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) ـ أو كتبت
اليه ـ عن سعيد بن يسار انه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه أطوف عنه وأسعى؟ قال : لا
ولكن دعه فإن بريء قضى هو وإلا فاقض أنت عنه».
وبالجملة فالطواف عنه دائر مدار عدم إمكان الطواف به بعد
التربص لبرؤه ان لم يضق الوقت عن ذلك ، وعدم إمكان الطواف به اما لكونه لا يستمسك
طهارته أو كونه مغلوبا عليه أو نحو ذلك.
ولا يجوز الطواف عن الغير بغير علة مع حضوره. ويدل عليه ما
رواه في الكافي (3) في الصحيح أو
الحسن عن إسماعيل بن عبد الخالق قال : «كنت الى جنب ابي عبد الله (عليهالسلام) وعنده ابنه
عبد الله وابنه الذي يليه ، فقال له رجل : أصلحك الله يطوف الرجل عن الرجل وهو
مقيم بمكة ليس به علة؟ فقال : لا لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني فلانا فطاف عني. سمى
الأصغر وهما يسمعان».
المسألة الثانية عشرة ـ قال الشيخ (قدسسره) : من نذر ان
يطوف على اربع كان عليه ان يطوف طوافين : أسبوعا ليديه وأسبوعا لرجليه. وقال ابن
إدريس : لا ينعقد هذا النذر. وقال في الشرائع بعد نقل القولين
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 124 والوسائل الباب 49 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 124 والوسائل الباب 45 من الطواف.
(3) ج 4 ص 422 و 423 والوسائل الباب 51 من الطواف.
المذكورين وربما قيل بالأول إذا كان
الناذر امرأة اقتصارا على مورد النقل. وقال في المنتهى : الذي ينبغي الاعتماد عليه
بطلان النذر في حق الرجل والتوقف في حق المرأة ، فإن صح سند الخبرين قيل بموجبهما
والا بطل كالرجل.
احتج الشيخ (قدسسره) بما رواه عن
السكوني عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) في امرأة
نذرت ان تطوف على اربع. قال : تطوف أسبوعا ليديها وأسبوعا لرجليها».
وعن ابي الجهم عن ابي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهمالسلام) (2) انه قال «في
امرأة نذرت ان تطوف على اربع. قال : تطوف أسبوعا ليديها وأسبوعا لرجليها».
احتج ابن إدريس ومن اقتفاه من المتأخرين بأن النذر
المذكور غير منعقد لكونه غير مشروع ، ومن شرط انعقاد النذر ان يكون مشروعا قبل
النذر ، وبموجب ذلك يجب الحكم ببطلانه والمتأخرون العاملون بهذا الاصطلاح المحدث ،
لما كان النذر كما ذكره ابن إدريس والخبران ضعيفان باصطلاحهم ـ فلا يصلحان لتخصيص
القاعدة المذكورة ـ اطرحوهما. واما من لا يرى العمل بالاصطلاح المذكور فإنه يخصص
القاعدة المذكورة بهما وهو المختار ، كما خصصت بالإحرام قبل الميقات لمن نذره ،
للأخبار الواردة
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 430 والتهذيب ج 5 ص 135 والفقيه ج 2 ص 308
والوسائل الباب 70 من الطواف.
(2) الكافي ج 4 ص 429 والتهذيب ج 5 ص 135 والوسائل الباب 70 من
الطواف.
بذلك (1) فكذا هنا
للخبرين المذكورين. نعم تلك الأخبار الواردة بالإحرام قبل الميقات فيها ما هو صحيح
باصطلاحهم دون هذه ، ولذا قال بذلك الأكثر منهم ، وابن إدريس أيضا ثمة كما تقدم
ذكره في موضعه.
قال في الدروس : لو عجز إلا عن المشي على الأربع فالأشبه
فعله ، ويمكن ترجيح الركوب لثبوت التعبد به اختيارا ، قال في المدارك بعد نقله عنه
: ولا ريب في ترجيح الركوب وان لم يثبت التعبد به اختيارا ، لتعينه في حق المعذور
قطعا.
أقول : ما ذكره جيد ، الا انه يحتمل بناء على العمل
بالروايتين المذكورتين الاجتزاء بالطواف على اربع ، لدلالتهما على انعقاد نذره ،
غاية الأمر انه مع القدرة على المشي أوجب عليه طوافين ماشيا : أحدهما ليديه والآخر
لرجليه ، ففيهما دلالة على مشروعية الطواف على اربع مع تعذر المشي في الجملة.
والاحتياط في الجمع بين الطواف على اربع والطواف راكبا. والله العالم.
المسألة الثالثة عشرة ـ الظاهر انه لا خلاف في انه لو
حمل محرم محرما فطاف به ونوى كل منهما الطواف أجزأ.
وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار : منها : ما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن والشيخ في التهذيب في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) (2) «في المرأة
تطوف بالصبي وتسعى به ، هل يجزئ ذلك عنها وعن الصبي؟ فقال : نعم».
__________________
(1) الوسائل الباب 13 من المواقيت.
(2) الكافي ج 4 ص 429 والتهذيب ج 5 ص 125 والوسائل الباب 5 من
الطواف.
وما رواه في التهذيب (1) في الصحيح عن الهيثم بن عروة التميمي
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت
له : اني حملت امرأتي ثم طفت بها وكانت مريضة ، وقلت له : اني طفت بها بالبيت في
طواف الفريضة وبالصفا والمروة واحتسبت بذلك لنفسي فهل يجزئني؟ قال : نعم».
وعن محمد بن الهيثم التميمي عن أبيه (2) قال : «حججت
بامرأتي وكانت قد أقعدت بضع عشرة سنة ، قال : فلما كان في الليل وضعتها في شق محمل
وحملتها انا بجانب المحمل والخادم بالجانب الآخر ، قال : فطفت بها طواف الفريضة
وبين الصفا والمروة ، واعتددت به انا لنفسي ، ثم لقيت أبا عبد الله (عليهالسلام) فوصفت له ما
صنعته ، فقال : قد أجزأ عنك».
وما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن
هيثم التميمي (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل كانت
معه صاحبة لا تستطيع القيام على رجلها فحملها زوجها في محمل فطاف بها طواف الفريضة
بالبيت وبالصفا والمروة ، أيجزئه ذلك الطواف عن نفسه طوافه بها؟ فقال : ايها الله
إذا».
قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر : هذه الكلمة وجدت في
الكافي والفقيه بهذه الصورة ، ولعل الصواب في كتابتها «اي ها الله ذا» والمراد :
نعم والله يجزئه هذا. قال في الصحاح : «ها» للتنبيه وقد يقسم بها كما يقال : «لا
ها الله ما فعلت» معناه «لا والله» أبدلت الهاء من الواو ، وان شئت حذفت الألف
التي بعد الهاء وان شئت أثبت ، وقولهم : «لا ها الله ذا» أصله
__________________
(1) ج 5 ص 125 والوسائل الباب 50 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 298 والوسائل الباب 50 من الطواف.
(3) الكافي ج 4 ص 428 والفقيه ج 2 ص 254 والوسائل الباب 50 من
الطواف.
«لا والله هذا» ففرقت بين «ها» و «ذا»
وجعلت الاسم بينهما وجررته بحرف التنبيه ، والتقدير «لا والله ما فعلت هذا» فحذف
واختصر لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم ، وقدم «ها» كما قدم في قولهم «ها هو ذا وها
انا ذا» وقال الرضي : ويفصل بين اسم الإشارة وبين «ها» بالقسم نحو «ها الله ذا»
قال : ويجب جر لفظة «الله» لنيابة «ها» عن الجار. وقال في القاموس : «ها» للتنبيه
، وتدخل على اسم الله في القسم عند حذف الحرف يقال «ها الله» بقطع الهمزة ووصلها
وكلاهما مع إثبات ألفها وحذفها. قيل : ويحتمل ان يكون «ايها» كلمة واحدة ، قال في
الغريبين : «ايها» تصديق وارتضاء كأنه قال : صدقت. أقول : ويشكل حينئذ تصحيح ما
بعدها ، والظاهر ان وصلها تصحيف. وكذلك «إذا» في مكان «ذا» وربما يوجد في بعض
النسخ «اذن» بالنون ويمكن تصحيحها بأن «إذن» هو «إذ» الظرفية والتنوين فيه عوض عن
المضاف اليه ، فيصير المعنى هكذا : نعم والله يجزئه إذا كان كذا. وبهذا تصحح «إذا»
أيضا. والاخبار الآتية كلها تعطى الاجزاء انتهى. وانما أطلنا بنقله لما يتضمنه من
التنبيه على فائدة لطيفة.
المسألة الرابعة عشرة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله
عليهم) بأنه لا بأس بأن يعول الرجل على غيره في إحصاء عدد الطواف.
ويدل على ذلك ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن سعيد
الأعرج (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الطواف أيكتفى
الرجل بإحصاء صاحبه؟ فقال : نعم».
وروى الصدوق (قدسسره) بإسناده عن
ابن مسكان عن الهذيل عن ابي عبد الله
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 427 والتهذيب ج 5 ص 134 والفقيه ج 2 ص 255
والوسائل الباب 66 من الطواف.
(عليهالسلام) (1) «في الرجل يتكل
على عدد صاحبته في الطواف أيجزئه عنهما وعن الصبي؟ فقال : نعم ، الا ترى أنك تأتم
بالإمام إذا صليت خلفه ، فهو مثله» قال في الوافي : «عنهما» بدل من البارز في «يجزئه»
وانما أبدل عنه ليعطف عليه «وعن الصبي».
ولو اختلفوا انفرد كل واحد بحكم نفسه. ويدل على ذلك ما
رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن صفوان (2) قال : «سألته
عن ثلاثة دخلوا في الطواف فقال واحد منهم لصاحبه : تحفظوا الطواف. فلما ظنوا انهم
قد فرغوا قال واحد : معي سبعة أشواط وقال الآخر : معي ستة أشواط. وقال الثالث :
معي خمسة أشواط. قال : ان شكوا كلهم فليستأنفوا ، وان لم يشكوا وعلم كل واحد ما في
يده فليبنوا». ومعناه ان ما يذكره كل واحد منهم من العدد الذي معه ، ان كان عن
يقين منه بنى عليه وصح طوافه ان كان ما في يده تمام العدد الواجب والا أتمه ، وان
كان عن شك أعاد.
وقد تقدمت جملة من الأحكام المتعلقة بالطواف في المقدمات
من الباب الأول فلا وجه لإعادتها.
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 254 و 255 والوسائل الباب 66 من الطواف ،
والوافي باب (الاتكال على الغير في الطواف).
(2) الكافي ج 4 ص 429 والتهذيب ج 5 ص 134 و 469 والوسائل الباب
66 من الطواف والوافي باب (الاتكال على الغير في الطواف) ولم يرد في الفقيه.
خاتمة
تشتمل على جملة من نوادر الطواف :
روى المشايخ الثلاثة «عطر الله تعالى مراقدهم» في الصحيح
عن معاوية ابن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «يستحب
ان تطوف ثلاثمائة وستين أسبوعا عدد أيام السنة ، فان لم تستطع فثلاثمائة وستين
شوطا ، فان لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف».
ومقتضى استحباب ثلاثمائة وستين شوطا ان يكون الطواف
الأخير عشرة أشواط. وقد قطع الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا بعدم الكراهة ، لظاهر
النص المذكور. ونقل العلامة في المختلف عن ابن زهرة انه يستحب زيادة أربعة أشواط
ليصير الأخير طوافا كاملا ، حذرا من كراهة القران ، وليوافق عدد أيام السنة
الشمسية. ونفى عنه البأس في المختلف ، ولا ريب في حصول البأس فيه ، لخروجه عن
مقتضى الخبر المذكور على ان القران المختلف في كراهته وتحريمه انما هو الإتيان
بأسبوع كامل مع الطواف الأول ـ كما دلت عليه الاخبار المذكورة ثمة ـ لا مجرد زيادة
شوط أو شوطين مثلا.
وفي كتاب الفقه الرضوي (2) : ويستحب ان
يطوف الرجل بمقامه بمكة ثلاثمائة وستين أسبوعا بعدد أيام السنة ، فان لم يقدر عليه
طاف ثلاثمائة وستين شوطا.
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 429 والتهذيب ج 5 ص 135 و 471 والفقيه ج 2 ص
255 والوسائل الباب 7 من الطواف.
(2) ص 27.
وروى الشيخ في التهذيب (1) عن ابي بصير
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يستحب
ان يطاف بالبيت عدد أيام السنة ، كل أسبوع لسبعة أيام فذلك اثنان وخمسون أسبوعا».
أقول : ظاهر هذا الخبر لا يخلو من الإشكال لأنه بمقتضى
ما تقدم من ان عدد السنة ثلاثمائة وستون يوما فمتى طاف لكل يوم شوطا يكون عدد
الأسابيع أحدا وخمسين أسبوعا وزيادة ثلاثة أشواط. اللهم الا ان يحمل على ما ذكروه
من عدد السنة الشمسية كما تقدم ، فيصير مؤيدا لما نقل عن ابن زهرة. ولا يخلو من
بعد.
وروى في الكافي (2) عن علي بن ميمون الصائغ قال : «قدم
رجل على علي بن الحسين (عليهماالسلام) فقال : قدمت
حاجا؟ فقال : نعم. فقال : أتدري ما للحاج؟ قال : لا. قال : من قدم حاجا وطاف
بالبيت وصلى ركعتين كتب الله له سبعين ألف حسنة ، ومحا عنه سبعين ألف سيئة ورفع له
سبعين ألف درجة ، وشفعه في سبعين ألف حاجة ، وكتب له عتق سبعين ألف رقبة قيمة كل
رقبة عشرة آلاف درهم». ورواه في من لا يحضره الفقيه (3) مرسلا عنه (عليهالسلام).
وروى في التهذيب عن ابان بن تغلب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) في حديث انه
قال : «يا لبان هل تدري ما ثواب من طاف بهذا البيت أسبوعا؟ فقلت : لا والله ما
ادري. قال : يكتب له ستة آلاف حسنة ، وتمحى
__________________
(1) ج 5 ص 471 والوسائل الباب 7 من الطواف.
(2) ج 4 ص 411 والوسائل الباب 4 من الطواف.
(3) ج 2 ص 133 و 134 والوسائل الباب 4 من الطواف.
(4) الوسائل الباب 4 من الطواف.
عنه ستة آلاف سيئة ، وترفع له ستة
آلاف درجة» قال : وروى إسحاق ابن عمار : وتقضى له ستة آلاف حاجة.
وروى في الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (1) قال : «كان
ابي يقول : من طاف بهذا البيت أسبوعا وصلى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب الله
له ستة آلاف حسنة ، ومحا عنه ستة آلاف سيئة ، ورفع له ستة آلاف درجة ، وقضى له ستة
آلاف حاجة ، فما عجل منها فبرحمة الله وما أخر منها فشوقا إلى دعائه».
وروى في الكافي ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن هشام
بن الحكم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «من
اقام بمكة سنة فالطواف أفضل له من الصلاة ، ومن اقام سنتين خلط من ذا ومن ذا ، ومن
اقام ثلاث سنين كانت الصلاة أفضل له من الطواف».
ورواه في التهذيب (3) في الصحيح عن حفص بن البختري وحماد
وهشام بن الحكم عنه (عليهالسلام). وروى في
الكافي (4) في الصحيح أو
الحسن عن حريز عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «الطواف
لغير أهل مكة أفضل من الصلاة ، والصلاة لأهل مكة أفضل».
وروى في التهذيب (5) في الصحيح عن حريز قال : «سألت
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 9 من الطواف.
(3) ج 5 ص 447 والوسائل الباب 9 من الطواف.
(4) ج 4 ص 412 والوسائل الباب 9 من الطواف. راجع التعليقة في
الوسائل الحديثة.
(5) ج 5 ص 446 والوسائل الباب 9 من الطواف.
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الطواف
لغير أهل مكة ممن جاور بها أفضل أو الصلاة؟ فقال : الطواف للمجاورين أفضل ،
والصلاة لأهل مكة والقاطنين بها أفضل من الطواف».
أقول : ويمكن ان يستنبط من حديث هشام المتقدم بمعونة
هذين الخبرين المذكورين بعده ان حكم المجاور انما ينتقل الى أهل مكة ويصير حكمه
حكمهم في السنة الثالثة. وقد تقدم اختلاف الاخبار في ذلك.
وروى في الكافي (1) عن ابن القداح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «طواف
قبل الحج أفضل من سبعين طوافا بعد الحج». أقول : الظاهر ان المراد الطواف في عشر
ذي الحجة قبل الحج كما ينبه عليه الخبر الآتي.
وعن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه (2) قال : «طواف
في العشر أفضل من سبعين طوافا في الحج». أقول : وذلك لما لهذه العشرة عند الله (عزوجل)
من الفضل والمزية.
وروى في الكافي ومن لا يحضره الفقيه (3) قال : «سأل
أبان أبا عبد الله (عليهالسلام) : أكان لرسول
الله (صلىاللهعليهوآله) طواف يعرف به؟
فقال : كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يطوف بالليل
والنهار عشرة أسابيع : ثلاثة أول الليل وثلاثة آخر الليل واثنين إذا أصبح واثنين
بعد الظهر ، وكان في ما بين ذلك راحته».
وعن حماد بن عيسى عن من أخبره عن العبد الصالح (عليهالسلام) (4)
__________________
(1) ج 4 ص 412 والوسائل الباب 10 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 8 من الطواف.
(3) الوسائل الباب 6 من الطواف.
(4) الكافي ج 4 ص 412 والوسائل الباب 5 من الطواف.
قال : «دخلت عليه يوما وانا أريد أن أسأله
عن مسائل كثيرة ، فلما رأيته عظم علي كلامه ، فقلت له : ناولني يدك أو رجلك
اقبلها. الخبر». وقد تقدم في الفصل الثاني من المقام الثاني في كيفية الطواف (1).
وعن زياد القندي (2) قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام): جعلت فداك
إني أكون في المسجد الحرام وانظر الى الناس يطوفون بالبيت وانا قاعد فاغتم لذلك.
فقال : يا زياد لا عليك ، فان المؤمن إذا خرج من بيته يؤم الحج لا يزال في طواف
وسعي حتى يرجع».
أقول : لعل الرجل المذكور كان له عذر عن الطواف فيغتم
لذلك فسلاه (عليهالسلام) بما ذكره.
وروى في الكافي ومن لا يحضره الفقيه مرسلا عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (3) قال : «دع
الطواف وأنت تشتهيه».
وروى في الكافي عن رفاعة (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يطوف بالبيت ويسعى أيتطوع بالطواف قبل ان يقصر؟ قال : ما يعجبني».
وروى في التهذيب عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «لا
يطوف المعتمر بالبيت بعد طواف الفريضة حتى يقصر».
وفي الكافي عن ابي بصير (6) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) من وصل أبا
أو ذا
__________________
(1) ص 124 و 125.
(2) الكافي ج 4 ص 428 والوسائل الباب 38 من وجوب الحج وشرائطه.
(3) الوسائل الباب 46 من الطواف.
(4) الوسائل الباب 83 من الطواف.
(5) الوسائل الباب 83 من الطواف والباب 9 من التقصير.
(6) الوسائل الباب 18 من النيابة في الحج والباب 51 من الطواف.
قرابة له فطاف عنه كان له اجره كاملا
، وللذي طاف عنه مثل اجره ، ويفضل هو بصلته إياه بطواف آخر.».
وفي الكافي عن الحسن بن صالح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يحدث عطاء قال : كان طول سفينة نوح الف ومأتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع وطولها في السماء مأتي ذراع ، وطافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة سبعة أشواط ثم استوت على الجودي».
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من الطواف.